تراثنا ـ العدد [ 131 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 131 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٢٨٦

١
٢

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العدد الثاني [١٣٠]

السنة الثانية والثلاثون

محتـويات العـدد

* النعماني ومصادر الغيبة (٥)

.............................................. السيّد محمّد جواد الشبيري الزنجاني ٧

* علماء الإمامية في بلاد الحرمين.

.......................................................... وسام عبّاس السبع ٤١

* تراكيب الشَّرط في نصِّ الزِّيارة الجامعة الكبيرة.

...................................................... د. هاشم جعفر حسين ٩٨

...................................................... د. عدوية عبد الجبار الشرع

٣

* بابل وخططها في معجم البلدان.

..................................................... مصطفى صباح الجنابيّ ١٣٤

* من ذخائر التراث :

* مناظرة أبي الهذيل العلاّف.

.................................... تحقيق : السيّد حسين الموسويّ البروجرديّ ٢٠٣

* من أنباء التراث.

.............................................................. هيـئة التحرير ٢٦٩

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (مناظرة أبي الهذيل العلاّف) والمنشورة في هذا العدد.

٤

٥
٦

النعماني ومصادر الغيبة (١)

(٥)

السيّد محمّد جواد شبيري زنجاني

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تناولنا في هذه السلسلة من المقالات تاريخ حياة النعماني وأساتذته وتلامذته ، وقد تعرّضنا إلى كتاب غيبة النعماني وتحديد تاريخ تأليفه ومباحث أخرى حول الكتاب ، وتعداد مؤلّفات النعماني وتحدّثنا عن المعلومات المختلفة بشأنها ، وكذلك كتاب تفسير النعماني ، ونسبة رسالة المحكم والمتشابه إلى النعماني أو إلى السيّد المرتضى ، وسوف نبحث هنا بالتفصيل حول سند ومضمون هذا الكتاب وخاصّة الحسن بن علي بن أبي حمزة وأبوه من الناحية الرجالية ، حيث يتبيّن من خلال كلّ ذلك عدم اعتبار تفسير النعماني نصّاً حديثيّاً.

ج ـ مناقشة تفسير النعماني بوصفه نصّاً روائياً :

القسم الأوّل : مناقشة سند رواية النعماني :

ـ إنّ أوّل من روى هذا الحديث هو أحمد بن محمّد بن سعيد

__________________

(١) تعريب : السيّد حسن علي مطر الهاشمي.

٧

المعروف بابن عُقدة ، وهو على مذهب الزيدية الجارودية ، ولكن لا شكّ في وثاقته وجلالة قدره(١).

ـ أمّا إسماعيل بن مهران فقد أثنى النجاشي في رجاله عليه تبعاً لفهرست الشيخ الطوسي بوصفه : «ثقة معتمد عليه»(٢) ، وقال عنه علي بن الحسن بن فضّال : «رُمىَ بالغلوّ» ، وأضاف محمّد بن مسعود العيّاشي بعد نقل هذا الكلام : «يكذبون عليه ، كان تقيّاً ثقة خيّراً فاضلاً»(٣). وعليه لا ينبغي التشكيك في وثاقته.

بيد أنّ ابن الغضائري قال عنه :

«ليس حديثه بالنقي ، فيضطرب تارة ويصلح أخرى ، ويروي عن الضعفاء كثيراً ، ويجوز أن يخرج شاهداً»(٤).

غير أنّ هذا الكلام ـ مع الالتفات إلى فقرته الأخيرة ـ يثبت عدم إمكان اعتبار روايات إسماعيل بن مهران دليلاً من وجهة نظر ابن الغضائري ، وإنّما يمكن لنا الاستناد إليها باعتبارها شاهداً فقط ، بيد أنّه ثبت في محلّه أنّ تضعيفات ابن الغضائري تقوم على قاعدة معرفة مضامين النصوص لرواة

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٩٤ / ٢٣٣ ؛ فهرست الشيخ الطوسي ، ص ٦٨ / ٨٦ ؛ رجال الطوسي ، ص ٤٠٩ / ٥٩٤٩ = ٣٠ ؛ غيبة النعماني ، ص ٢٥.

(٢) رجال النجاشي ، ص ٢٦ / ٤٩ ، ويبدو أنّه أخذه عن فهرست الشيخ الطوسي ، ص ٢٧ / ٣٢.

(٣) رجال الكشّي ، ص ٥٨٩ / ١١٠٢.

(٤) رجال ابن الغضائري ، ص ٣٨ ؛ مجمع الرجال ، ج ١ ، ص ٢٢٥ ؛ رجال ابن داود ، ص ٤٢٨ / ٦١ ؛ رجال العلاّمة الحلّي ، ص ٨ / ٦.

٨

الحديث ، وهو أمر استنباطي واجتهادي لا حجّية له ، والعبارة المذكورة هنا هي في حدّ ذاتها شاهد صريح على استناد ابن الغضائري على مضامين نصوص روايات إسماعيل بن مهران في تضعيفه.

وأمّا الرواي الأخير لهذا الحديث فهو إسماعيل بن جابر. قال الشيخ الطوسي في باب أصحاب الباقر عليه‌السلام من رجاله :

«إسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفي ، ثقة ، ممدوح ، له أصول رواها عنه صفوان بن يحيى»(١).

وهنا توجد بعض الأبحاث الرجالية بشأن تحديد هوية هذا الراوي وارتباطه بإسماعيل الجعفي ، وقد تحدّثنا عن ذلك في رسالة مستقلّة حول إسماعيل الجعفي ، ولا نرى حاجة إلى إعادة هذه الأبحاث في هذا المقال. وعلى أىّ حال ليس هناك من كلام في وثاقة ثلاثة رواة في سند هذه الرواية ، ويبقى الكلام في ثلاثة رواة آخرين في سند هذه الرواية ، وهم :

أوّلاً : أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي :

ليس هناك توثيق صريح له ، ولكن من الممكن إثبات اعتبار الحديث من ناحيته ببيانين ، وفي كلا البيانين تمّ الاستفادة من المباني الرجالية المختلف فيها ، ولكنّنا نرى صحّة المباني الرجالية لهذين البيانين ، وهنا لا نجد مجالاً لطرح هذه المباني وإثباتها ، ولذلك سنكتفي بذكر أصل هذين البيانين :

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي ، ص ١٢٤ / ١٢٤٦ = ١٨.

٩

البيان الأوّل : روى ابن عُقدة الكثير من الروايات عن هذا الراوي(١) ، وإن كثرة رواية كبار المشايخ عن راو واحد تشكّل دليلاً على وثاقته.

البيان الثاني : يبدو أنّ هذا السند هو طريق النعماني إلى كتاب الحسن ابن عليّ بن أبي حمزة البطائني الذي تكرّر ذكره مراراً في غيبة النعماني(٢) ، وقد تعرّضنا في سياق الكلام عن مصادر غيبة النعماني إلى طرق الكشف عن مصادر الكتب ونشير هنا إلى أنّ من بين الأساليب الهامّة في معرفة المصادر أنّه إذا كانت الأسانيد المنتهية إلى شخص معيّن ذات ترتيب واحد وقد تعدّدت من بعده إلى طرق مختلفة ، كان ذلك الشخص مؤلّفاً للمصدر ، وإنّ السند المشترك المتكرّر إليه يعتبر طريق المؤلّف إلى مصدر الكتاب.

وفيما يتعلّق بنفس هذا السند الوارد في غيبة النعماني كذلك نتوصّل من خلال نفس هذا المبنى إلى أنّ الحسن بن عليّ بن أبي حمزة هو مؤلّف المصدر الذي أخذ عنه النعماني أحاديثه ، وما جاء في هذا السند هو نفسه الذي جاء في السند الذي بحثنا عنه في بداية تفسير النعماني. وقد نسب

__________________

(١) رجال النجاشي ، ص ٤ / ١ ، ١٠ / ٧ ، ٢٨ / ٥٣ ، ٣٦ / ٧٣ ، ٤٦ / ٩٥ ، ١٢٤ / ٣٢٠ ، ١٢٦ / ٣٢٨ ، ١٧١ / ٤٥٠ ، ٣٢٣ / ٥٨٥ ، ٢٥٢ / ٦٦٣ ، ٢٨١ / ٧٤٥ ، ٣٠٣ / ٨٢٦ ، ٣٥٦ / ٩٥٢ ، ٤١٤ / ١١٠٣ ، ٤١٧ / ١١١٥ ، ٤٤٩ / ١٢١٢ ، وانظر أيضاً : الهامش التالي.

(٢) غيبة النعماني ، ص ٣٤ / ٣ ، ٥١ / ٢ ، ٥٤ / ٦ ، / ١٩٤ / ١ ، ١٩٨ / ١١ ، ٢٠٠ / ١٦ ، ٢٠٤ / ٦ ، ٢٣٤ / ٢١ ، ٢٤٠ / ٣٥ ، ٢٤١ / ٣٧ ، ٢٥٠ / ٦ ، ٢٥٣ / ١٣ ، ٢٥٧ / ١٤ ، ٢٦٣ / ٢٢ و ٢٤ ، ٢٦٤ / ٢٧ ، ٢٦٧ / ٣٧ ، ٢٦٩ / ٤٠ ، ٣١٧ / ٢ ، ٣٢٠ / ١٠ ؛ وأيضاً : مزار المفيد ، ص ١٥٨ / ٣ ؛ فهرست الشيخ الطوسي ، ص ٨٩ / ١١٩.

١٠

النجاشي في رجاله في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة كتاباً إليه بعنوان (فضائل القرآن)(١) ، مع ذكر طريقه إليه(٢) ، وهو نفس الطريق مورد البحث. ومن خلال مجموع هذه الموارد يبدو أنّ الطريق المذكور هو طريق النعماني إلى الحسن بن علي بن أبي حمزة.

ومن ناحية أخرى قال عليّ بن الحسين بن فضّال إنّه كتب تفسير القرآن من بدايته إلى نهايته عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، وربّما كان هذا يعني أنّ الحسن بن علي بن أبي حمزة كان له كتاب في التفسير وأنّ ابن فضّال قد كتب نسخة عنه وقام بروايته عنه.

ويحتمل أن يكون (فضائل القرآن) و (تفسير القرآن) أجزاء من كتاب أوسع عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، وأنّه يشتمل على مباحث تفسيرية عامّة مثله مثل تفسير النعماني ، تفسير آحاد السور وفضل قراءة سور القرآن.

ولو ثبت أنّ تفسير النعماني مأخوذ عن كتاب الحسن بن عليّ بن فضّال ، لأمكننا ذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار المبنى الرجالي القائل بعدم الحاجة إلى مناقشة السند في الطريق إلى الكتب ، تصحيح الطريق المتقدّم ، رغم عدم إمكان إثبات وثاقة أحمد بن يوسف بن يعقوب.

__________________

(١) نقل الشيخ الصدوق الكثير من الروايات في أبواب ثواب سور القرآن التي تصل أسانيدها إلى الحسن بن علي بن أبي حمزة وتنفصل عنه بعد ذلك ، ويبدو أن هذه الأحاديث مأخوذة من كتاب فضائل القرآن هذا (انظر : ثواب الأعمال ، ص ١٣٠ ـ ١٥٨).

(٢) رجال النجاشي ، ص ٣٦ / ٧٣.

١١

الثاني والثالث : الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني وأبوه علي ابن أبي حمزة :

ـ كان عليّ بن أبي حمزة البطائني من الوكلاء البارزين للإمام الكاظم عليه‌السلام ومن المعتمدين في المجتمع الشيعي ، وبعد سجن الإمام الكاظم عليه‌السلام كان الشيعة يحملون الكثير من أموال الإمام إلى عليّ بن أبي حمزة وغيره من وكلاء الإمام. وبعد استشهاد الإمام عليه‌السلام تسبّبت كثرة هذه الأموال بافتتان بعض هؤلاء الوكلاء ، فقالوا بأنّ الإمام الكاظم هو آخر الأئمّة ، وأنكروا إمامة الإمام الرضا عليه‌السلام ، وهكذا تبلور مذهب الواقفية(١).

وعلى الرغم من ذلك فقد ورد اسم عليّ بن أبي حمزة في الكثير من الروايات ، وقد روى عنه كبار المحدّثين من أمثال ابن أبي عمير ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، والحسن بن محبوب ـ من أصحاب الإجماع ـ وكذلك عليّ بن الحكم ، وغيرهم ، وعليه كيف نوفّق بين ذلك وبين الانحراف العقائدي الشديد لعليّ بن أبي حمزة؟

ذكرت هنا احتمالات ، نشير إلى بعضها إجمالاً :

يذهب المحدّث النوري إلى الاعتقاد بأنّ عليّ بن أبي حمزة كان ثقة حتّى بعد تأسيس مذهب الواقفية(٢) ، بيد أنّ الشواهد التاريخية الواضحة تثبت

__________________

(١) فيما يتعلّق بظهور المذهب الواقفي ، انظر : رجال الكشّي ، ص ٤٠٤ / ٧٥٩ / ٨٧١ ، ٤٦٧ / ٨٨٨ ؛ علل الشرائع ، ج ١ ، ص ٢٣٥ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ١ ، ص ١١٢ / ٢ و ١١٣ / ٣ ؛ غيبة الطوسي ، ص ٦٤.

(٢) خاتمة المستدرك ، ج ٤ ، (مستدرك الوسائل ، ج ٢٢) ، ص ٤٦٨ ـ ٤٧١.

١٢

البون الشاسع بين الواقفة والإمامية ، ومع سعة هذا الشرخ لا يمكن اعتبار زمان تحمّل الحديث عن عليّ بن أبي حمزة يعود إلى زمن انتسابه إلى المذهب الواقفي(١) ، فمن ناحية كان موقف الواقفة تجاه الإمام الرضا عليه‌السلام شديداً ، حتّى سمحوا لأنفسهم أن يتجرّأوا ويتجاسروا على مقامه الشريف(٢) ، حتّى أنّ الإمام الرضا عليه‌السلام قد حظر التعامل مع الواقفة ومجالستهم ، واعتبرهم بمثابة النواصب(٣) ، وبذلك يتّضح الموقف السلبي للشيعة منهم ، وإنّ لقب الممطورة(٤) ـ الذي يعني الكلاب المبتلّة بماء المطر ـ هو اللقب الذي أطلقه الإمامية على الواقفة ، ممّا يثبت الشرخ الواسع بين هذين الاتجاهين(٥).

وعليه فإنّ كبار الإمامية قبل ظهور الواقفية أي في الوقت الذي كان

__________________

(١) صرّح الشيخ البهائي في بعض كتبه بهذا الأمر.

(٢) انظر على وجه الخصوص : رجال الكشّي ، ص ٤٥٥ ـ ٤٦٧ ؛ غيبة الشيخ الطوسي ، ص ٢٣ ـ ٨١.

(٣) رجال الكشّي ، ص ٤٥٧ / ٨٦٤ ؛ وكذلك في ص ٢٢٩ / ٤١٠ و ٤١١ ، ٤٦٠ / ٨٧٣ و ٨٧٤.

(٤) رجال الكشّي ، ص ٤٦٠ / ٨٧٥ و ٤٦١ / ٨٧٨ و ٨٧٩ ؛ غيبة الطوسي ، ص ٦٩ ؛ الفصول العشرة في الغيبة ، ص ٤٨ و ١٠٩ ؛ كمال الدين ، ص ٩٣ ؛ المسائل الصاغانية ، ص ٦.

(٥) تمّت الإشارة في كتب المقالات والفرق من قبيل : فرق الشيعة للنوبختي ، ص ٨١ و ٨٢ ؛ المقالات والفرق ، ص ٩٢ و ٩٣ ؛ مقالات الإسلاميّين ، ص ٢٩ ، إلى الجذور التاريخية لهذا اللقب ، ووجه هذه التسمية كناية عن الكلاب التي يصيبها المطر لشدّة عفنها وإهمالها عند الناس ، وربّما كان ذلك بسبب تنجّس الإنسان الذي يدنو من مثل هذه الكلاب. ومهما كان فإنّ هذا التعبير يحكي عن عمق الشرخ بين الإمامية والواقفة ، وانظر أيضاً : مكتب در فرايند تكامل ، ص ٨٤ ، الهامش رقم : ٣٣.

١٣

يشهد فيه لعليّ بن أبي حمزة وغيره من الواقفة المعروفين من أمثال زياد بن مروان القندي بجلالة القدر كانوا يأخذون عنهم الرواية ، وحيث إنّ مدار تقييم أحاديث كل راو هو زمن تحمّل الحديث عنه ، لذلك فإنّ الانحراف المذهبي وضعف أو كذب هؤلاء الرواة بعد ذلك لا يضرّ بصحّة الأحاديث المروية عنهم قبل حصول هذا الانحراف.

بيد أنّ هذه الطريقة في إثبات الاعتبار لروايات عليّ بن أبي حمزة لا يجدينا نفعاً في بحثنا هذا ؛ لأنّ هذه الطريقة إنّما تأتي فيما إذا كان الراوي عن عليّ بن أبي حمزة من الإمامية ، وليس شخصاً مثل الحسن بن عليّ بن أبي حمزة الذي هو من كبار الواقفة.

وبطبيعة الحال لو ذهبنا مذهب المحدّث النوري في توثيق عليّ بن أبي حمزة حتّى بعد تأسيس المذهب الواقفي ، فإنّ نتيجة البحث سوف تأخذ منحىً آخر مغايراً تماماً ، بيد أنّ هذا المبنى غير تام كما أثبتنا ذلك بالتفصيل ، وعليه تكون الرواية عن عليّ بن أبي حمزة غير تامّة.

ـ أمّا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة فكما جاء في رجال الكشّي أنّ عليّ بن الحسن بن فضّال قال عنه :

«كذّاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره ، إلاّ أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً كثيراً»(١).

__________________

(١) رجال الكشّي ، ص ٥٥٢ / ١٠٤٢ ، جدير بالذكر أنّ هذا الكلام بهذه الألفاظ ورد في ترجمة عليّ بن أبي حمزة أيضاً ، وكان السؤال فيه موجّهاً من قبل العيّاشي إلى عليّ

١٤

وفي رجال النجاشي نقلاً عن رجال الكشّي تمّ الاكتفاء بعبارة (فطعن عليه) فقط(١) ، ويحتمل أنّ سبب ذلك جنوح النجاشي إلى الاختصار.

وقيل بشأنه في رجال ابن الغضائري :

«واقف ابن واقف ، ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه ، وقال عليّ بن

__________________

ابن الحسن أيضاً (ص ٤٠٤ / ٧٥٦). إنّ مورد السؤال هنا هو (ابن أبي حمزة) ، وبقرينة عنوان رجال الكشّي يبدو للذهن أنّ المراد منه هو عليّ بن أبي حمزة ، إلاّ أنّ القرائن الواضحة تثبت أنّ المراد من ابن أبي حمزة هو الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، وعليه فإنّ ذكر هذه العبارة في ذيل ترجمة عليّ بن أبي حمزة ليس صحيحاً. وإنّ أهمّ قرينة على ذلك أنّ ولادة عليّ بن الحسن بن فضّال كانت بعد وفاة عليّ بن أبي حمزة. وفي توضيح هذا الأمر من الضروري أن نشير إلى ولادة عليّ بن الحسن بن فضّال. قال النجاشي في ترجمته (رجال النجاشي ، ص ٢٥٧ / ٦٧٦) أنّه عندما كان في الثامنة عشرة من عمره قابل أحاديث أبيه معه ، وحيث أنّه لم يكن يفهم الأحاديث ، فإنّه لم يكن يرويها على نحو مباشر ، وإنّما يروي الحديث عن أبيه بتوسّط أخويه ، وبعد الالتفات إلى أنّ وفاة أبيه الحسن بن عليّ بن فضّال في عام ٢٢٤ ، إذا كان زمن مقابلة الأحاديث في حدود تلك الفترة ، ستكون ولادة عليّ في حدود عام ٢٠٦ ، وعلى أيّ حال لا يمكن لولادته أن تكون أبعد بكثير من هذا التاريخ ، ولذلك يمكن القول إنّه ولد في عام ٢٠٢ أو ٢٠٣ للهجرة بعد استشهاد الإمام الرضا عليه‌السلام ، إلاّ أنّ عليّ بن أبي حمزة قد ذكر في عدد من الروايات أنّه توفّي في حياة الإمام الرضا عليه‌السلام ، (رجال الكشّي ، ص ٤٠٤ / ٧٥٥ ، ٤٤٤ / ٨٣٤) وقد ورد التصريح في رواية أنّه توفّي عندما كان الإمام الرضا في خراسان ، (دلائل الإمامة ، ص ٣٦٥ / ٣١٨) ، وعليه فإنّ وفاة عليّ بن أبي حمزة كانت في السنوات الأخيرة من حياة الإمام الرضا عليه‌السلام. من هنا كان سماحة الوالد ـ مدّ ظله ـ يؤكّد في بحث كلّيّات علم الرجال بالاستناد إلى هذا الدليل أنّ المراد من ابن أبي حمزة في كلام عليّ بن الحسن بن فضّال ، ليس عليّ بن أبي حمزة.

(١) رجال النجاشي ، ص ٣٦ / ٧٣.

١٥

الحسن بن فضّال(١) : «إنّي لأستحي من الله أن أروي عن الحسن بن عليّ» ، وحديث الرضا عليه‌السلام فيه مشهور»(٢).

وقد اعتبر بعض مشايخ حمدويه بن نصير الحسن بن عليّ بن أبي حمزة أنّه «رجل سوء»(٣) ، وقد اعتبره الكشّي في ترجمة شعيب العقرقوفي أنّه كذّاب(٤).

كما أنّ وقوع الحسن بن عليّ بن أبي حمزة في أسانيد كامل الزيارات وأسانيد تفسير القمّي ليس دليلاً على وثاقته أيضاً ، ولذلك ليست هناك من حاجة إلى مقارنة هذا الأمر بالتضعيفات المتقدّمة(٥).

وعلى الرغم من ذلك فقد سعى المحدّث النوري من خلال تقديم بعض القرائن إلى إثبات وثاقة الحسن بن عليّ بن أبي حمزة(٦).

__________________

(١) جاء في النصّ المطبوع لرجال ابن الغضائري ، ص ٥١ / ٣٣ (الحسن بن عليّ بن فضّال) ، ويبدو أنّه من الخطأ ، والصحيح ما ذكرناه نقلاً عن مجمع الرجال ، ج ٢ ، ص ٢٢. انظر أيضاً : رجال العلاّمة الحلّي ، ص ٢١٣ / ٧. ولا يبعد أن يكون هذا الأمر فيه إشارة إلى ما ذكر في رجال الكشّي ، وأنّه قد حصل تحريف في أحد هذين النقلين.

(٢) إنّ حديث الإمام الرضا عليه‌السلام بشأن عليّ بن أبي حمزة مشهور ، وليس بشأن ولده الحسن (انظر : معجم رجال الحديث ، ج ٥ ، ص ١٦).

(٣) رجال الكشّي ، ص ٥٥٢ / ١٠٤٢.

(٤) رجال الكشّي ، ص ٤٤٣ / هامش ٨٣١.

(٥) قارنوا ذلك بما جاء في معجم رجال الحديث ، ج ٥ ، ص ١٥.

(٦) مستدرك الوسائل ، ج ٢٢ ، (خاتمة المستدرك ، ج ٤) ، ص ٢٤٢.

١٦

نقل ومناقشة كلام المحدّث النوري في إثبات وثاقة الحسن بن علي بن أبي حمزة :

القرينة الأولى : إنّ أحمد بن محمّد بن أبي نصر ـ من الجماعة التي لا تروي إلاّ عن الثقة ـ قد روى عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة في باب تدبير التهذيب.

كان سماحة الوالد ـ مدّ ظله ـ يُشير في أبحاثه الرجالية إلى أنّ هذا الحديث بالالتفات إلى تعقيداته السندية والمتنية لا يصحّ الاستناد إليه في الأبحاث الرجالية ، ويحتمل احتمالا كبيراً أنّه تعرّض للتحريف ، وفي الموارد التي يكون فيها الحديث عرضة للغرابة والتعقيد والإعضال لا يمكن التمسّك بأصالة عدم التحريف للقول بانتفاء احتمال التحريف في السند ، وفي ملحق المقال سوف نتحدّث بشأن هذا السند.

القرينة الثانية : رواية الكثير من الكبار عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة.

فقد ذكر المحدّث النوري أسماء عدد من الأشخاص الذين يروون عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، وإنّ أغلب هؤلاء لم يروِ عنه إلاّ رواية واحدة أو بضع روايات في الحدّ الأقصى ، وإنّ وثاقة بعضهم بحاجة إلى بحث وتحقيق ، كما هو الحال بالنسبة إلى صالح بن أبي حمّاد(١) ، وفيما يخصّ هذا

__________________

(١) ذكر صالح بن حمّاد في المستدرك ، ج ٢٢ (خاتمة المستدرك ، ج ٤) ، ص ٢٤٣ ، وهو خطأ.

١٧

الراوي لم نعثر على رواية مباشرة له عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة(١).

والراوي الوحيد الذي له الكثير من الروايات عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، هو إسماعيل بن مهران ، وليس هناك من شكّ في جلالة قدره ، بالرغم من وجود بعض التضعيفات في حقّه ، ولكن لا يمكن التعويل عليها كثيراً(٢).

بيد أنّ كثرة رواية إسماعيل بن مهران عنه لا تنهض في كونها دليلاً على وثاقة الحسن بن علي بن أبي حمزة(٣) ، وذلك للأسباب الآتية :

__________________

(١) وبطبيعة الحال فإن صالح بن أبي حماد في بعض الروايات يروي عن الحسن بن علي (الكافي ، ج ٢ ، ص ١٥٧ / ٣. ج ٤ ، ص ١٥٥ / ٥. ج ٥ ، ص ٩٢ / ٤) ، والمراد من الحسن بن علي في هذا الأسناد إما هو الوشاء (الذي يروي عنه صالح بن أبي حماد إمّا بهذا العنوان أو بعنوان الحسن بن علي الوشاء. انظر : معجم الرجال ، ج ٩ ، ص ٣٧٥ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ص ٢٢٨ / ١ ، وقارن ذلك بصفحة ٢٣٢ / ١) أو ابن فضّال (الذي يروي عنه أيضاً صالح بن أبي حماد. انظر : معجم الرجال ، ج ٩ ، ص ٣٧٣) ، وليس هناك من مبرّر يحتّم علينا القول بأن المراد من الحسن بن علي هنا هو الحسن بن علي بن أبي حمزة ، أو أن ننفي احتمال ذلك.

(٢) وقد نقلت في شأنه أكثر أقوال الرجاليين انظر : رجال ابن الغضائري ، ص ٣٨ ؛ رجال الكشّي ، ص ٥٨٩ / ١١٠٢.

(٣) ما سنعمد إلى توضيحه في النصّ إنّما هو بشأن أداء الرواية عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة من قبل إسماعيل بن مهران. ولكن يبقى السؤال هنا : مع وجود الشرخ الكبير بين الإمامية والواقفة ، كيف يمكن لإسماعيل بن مهران أن يروي عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة؟ في الجواب عن هذا السؤال يجب علينا أن ندرك أنّ الحسين بن مهران وهو أخو إسماعيل بن مهران كان من الواقفة (رجال النجاشي ، ٥٦ / ١٢٧ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ، ج ٢ ، ٢١٣ / ٢٠) ؛ كما كان ابن عمّه أحمد بن محمّد بن أبي

١٨

أوّلاً : قال ابن الغضائري عن إسماعيل بن مهران : «يروي عن الضعفاء». فإذا قبلنا بهذا الكلام فإنّ كثرة الرواية لإسماعيل بن مهران عن أحد الرواة لا تكون دليلاً على وثاقة ذلك الراوي ؛ لأنّ رواية الأحاديث الكثيرة من قبل راو جليل القدر عن أحد الرواة تدلّ على وثاقة المروي عنه باعتبارها قاعدة سارية في قبول وثاقة المرويّ عنه ولكنّها لا تصدق في الرواة الذين لا يتحرّزون عن الرواية عن الضعفاء من أمثال أحمد بن محمّد بن خالد البرقي الذي يخالف في ذلك ديدن المحدّثين.

ثانياً : لو لم نقل بما قاله الغضائري ، أو أنكرنا نسبة كتاب الرجال إليه ، واعتبرنا مؤلّفه شخصاً مجهولاً لا يُعتمد عليه ، فوفقاً لمقتضى التحقيق فإن كثرة رواية الأجلاء عن رجل واحد لا يقوم دليلاً على وثاقته دائماً ، بل إنّ ذلك يتوقّف على شروط ، منها :

١ ـ أن لا تكون الروايات المروية عنه خاصّة بالمستحبّات والسنن ؛ إذ قد يكون هناك تعويل في الرواية على قاعدة (من بلغ) أو قاعدة (التسامح في أدلّة السنن) ، دون النظر إلى وثاقة الراوي.

٢ ـ في الموارد التي لا يكون فيها خبر العادل غير العلمي حجّة ، بل

__________________

نصر في بداية أمره واقفيّاً ثمّ اهتدى بعد ذلك (غيبة الطوسي ، ص ٧١ / ٤٦). بل كان آل مهران من القائلين بالمذهب الواقفي (غيبة الطوسي ، نفس الموضع). لذلك يحتمل أنّ كون إسماعيل بن مهران كان واقفيّاً في بداية أمره ، ثمّ اهتدى ، وإنّ أخذه الحديث عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة يعود للفترة التي كان فيها واقفيّاً. وعلى فرض أنّ إسماعيل بن مهران لم يكن واقفيّاً أبداً ، يمكن القول بأنّ واقفية أسرته هي التي أعدّت الأرضية إلى ارتباطه بالحسن بن عليّ بن أبي حمزة.

١٩

يجب في مورده تحصيل العلم ، كما هو الحال بالنسبة إلى المسائل الاعتقادية ؛ إذ في هذا النوع من المسائل قد يكون نقل الرواية عن الراوي مقدّمة لتحصيل العلم ، بمعنى أنّه من خلال ضمّ الأحاديث الأخرى بعضها إلى البعض الآخر وتراكم القرائن المختلفة نتوصّل إلى إثبات المسألة ، ففي تحصيل العلم لا حاجة إلى أن يكون كلّ واحد من الأحاديث المعتمد عليها معتبرة بأجمعها ، ومن هنا كانت الأحاديث الضعيفة مؤثّرة في تحقيق التواتر ، ففي المسائل الاعتقادية تروى الكثير من الأحاديث في الكتب الروائية ، والكثير من هذه الأحاديث غير معتمدة من الناحية السندية ، ولكنّها تساعد على تحصيل العلم من خلال ضمّها إلى الأحاديث الأخرى ، ولذلك مثلاً نشاهد في كتاب الحجّة من الكافي أسماء كثير من المجهولين ، ويبعد أن يكون الكليني من القائلين بتوثيق جميع هؤلاء الأشخاص ، بل يبدو أنّ السبب في نقل الرواية عن هؤلاء الأفراد يعود إلى نفس هذه المسألة المشار إليها آنفاً من ضمّ الأحاديث بعضها إلى بعض.

وفيما يتعلّق بإسماعيل بن مهران ورواياته الكثيرة عن الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة فلا ينطبق عليه ما ذكرناه آنفاً وإنّما من باب أنّ كثيراً من رواياته إنّما هي في السنن والمستحبّات من قبيل : ثواب سور القرآن الكريم(١) ، أو فضل الصلوات على النبيّ الأكرم وأهل بيته(٢) فلا داعي لوثاقة

__________________

(١) الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٢٠ / ٣ ، ٦٢٣ / ١٠ ؛ أمالي الصدوق ، المجلس ١٦ / ٨ ، وخاصّة ثواب الأعمال ، أبواب ثواب قراءة سور القرآن ، ص ١٣٠ ـ ١٥٨.

(٢) الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٩٢ / ٦.

٢٠