أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء
المحقق: الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٨٩
ومن سورة المؤمن (١)
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عزوجل : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ) (٣).
جعلها كالنعت للمعرفة وهى نكرة ؛ ألا ترى أنك تقول : مررت برجل شديد القلب ، إلّا أنه وقع معها قوله : «ذى الطول» ، وهو معرفة فأجرين مجراه. وقد يكون خفظها على التكرير فيكون المعرفة والنكرة سواء. ومثله قوله : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ، فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (٢) فهذا على التكرير ؛ [١٦٣ / ١] لأن فعّال نكرة محضة ، ومثله قوله : «رفيع الدرجات ذو العرش (٣)» ، فرفيع نكرة ، وأجرى (٤) على الاستئناف ، أو على تفسير المسألة الأولى.
وقوله : (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ) (٥).
ذهب إلى الرجال ، وفى حرف عبد الله «برسولها» (٥) ، وكلّ صواب
وقوله : (وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ) (٨).
وبعضهم يقرأ «جنة عدن» واحدة ، وكذلك هى فى قراءة عبد الله : واحدة (٦).
وقوله : (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ) (٨).
من نصب من مكانين : إن شئت جعلت (ومن) مردودة على الهاء والميم فى «وأدخلهم» ، وإن شئت على الهاء والميم فى : «وعدتهم».
__________________
(١) وهى سورة غافر ، مكية إلا آيتي ٥٦ ، ٥٧ فمدنيتان ، وآياتها ٨٥ نزلت بعد الزمر.
(٢) سورة البروج الآيات : ١٤ ، ١٥ ، ١٦.
(٣) سورة غافر آية ١٥.
(٤) فى ب ، ح فأجرى.
(٥) قرأ الجمهور «برسولهم». وقرأ عبد الله «برسولها» عاد الضمير إلى لفظ الأمة (البحر المحيط ٧ / ٤٤٩).
(٦) وهى قراءة زيد بن على والأعمش (البحر المحيط ٧ / ٤٥٢) وكذا هى فى مصحف عبد الله (انظر المصاحف للسجستانى).
وقوله : (يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ) (١٠).
المعنى فيه : ينادون أنّ مقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم يوم القيامة ؛ لأنهم مقتوا أنفسهم إذ تركوا الإيمان ، ولكن اللام تكفى من أن تقول فى الكلام : ناديت أن زيدا قائم (١) ، وناديت لزيد قائم ، ومثله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) (٢) الآية ، اللام بمنزلة أنّ فى كل كلام ضارع (٣) القول مثل : ينادون ، ويخبرون ، وما أشبه ذلك (٤).
وقوله : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (١٥).
الروح فى هذا الموضع : النبوة ؛ لينذر من يلقى عليه الروح يوم التلاق. وإنما قيل «التلاق» ؛ لأنه يلتقى فيه أهل السماء وأهل الأرض.
وقوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) (١٦).
هم فى موضع رفع بفعلهم بعده ، و [هو] (٥) مثل قولك : آتيك يوم أنت فارغ لى.
وقوله : (الْآزِفَةِ) (١٨).
وهى : القيامة.
وقوله : (كاظِمِينَ) (١٨).
نصبت على القطع من المعنى الذي يرجع من ذكرهم في القلوب والحناجر ، والمعنى : إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين. وإن شئت جعلت قطعه من الهاء في قوله : «وأنذرهم» ، والأول أجود فى العربية.
ولو كانت «كاظمون» مرفوعة على قولك : إذ القلوب لدى الحناجر إذ هم كاظمون ، أو على الاستئناف كان صوابا.
وقوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١٨).
__________________
(١) فى ح : إن لزيدا قائم.
(٢) سورة يوسف آية : ٣٥.
(٣) في ح : «ضاع» خطأ.
(٤) في ح ، ش : وأشباه ذلك.
(٥) زيادة فى ب ، ح.
تقبل شفاعته ، ثم قال : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) يعنى : الله عزوجل ، يقال : إنّ للرجل نظرتين : فالأولى مباحة له ، والثانية محرمة عليه ، فقوله : «يعلم خائنة» الأعين في النظرة الثانية ، وما تخفى الصدور فى النظرة الأولى. فإن كانت النظرة الأولى تعمّدا كان فيها الإثم أيضا ، وإن لم يكن تعمّدها فهى مغفورة.
وقوله : (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ (١) فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) (٢٦).
رفع (الفساد) الأعمش (٢) ، وعاصم جعلا (٣) له الفعل. وأهل المدينة والسلمى قرءوا : [وأن] (٤) يظهر (٥) فى الأرض الفساد ، نصبوا الفساد ، وجعلوا يظهر لموسى. وأهل المدينة (٦) يلقون (٧) الألف الأولى يقولون : وأن يظهر ، وكذلك [هى] (٨) فى مصاحفهم. وفى مصاحف أهل العراق : «أو أن يظهر» [المعنى (٩)] أنه قال : إنى أخاف التبديل على [١٦٣ / ب] دينكم ، أو أن يتسامع الناس [به] (١٠) ، فيصدقوه فيكون فيه فساد على دينكم.
وقوله : ([وَ] (١١) يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) (٣٢) قرأها العوام على التناد بالتخفيف ، وأثبت الحسن (١٢) وحده [فيه] (١٣) الياء ، وهى من تنادى القوم. [حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال] (١٤) حدثنا الفراء قال : وحدثنى حبان عن الأجلح
__________________
(١) فى ا ، ب : يظهر.
(٢) وهى كذلك قراءة الأعرج ، وابن وثاب وعيسى (البحر المحيط ٧ / ٤٦٠).
(٣) فى ب : وجعلا.
(٤) سقط فى ب ، ش.
(٥) فى ب : يطهر.
(٦) قرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر بواو النسق ، ويظهر بضم الياء وكسر الهاء من أظهر معدى ظهر بالهمزة ، وفاعله ضمير موسى عليه الصلاة والسلام. و (الفساد) بالنصب على المفعول به ، ووافقهم اليزيدي (الإتحاف : ٣٧٨)
(٧) فى ب : لا يثبتون.
(٨) زيادة فى ب.
(٩) فى ب : والمعنى.
(١٠) سقط فى ب.
(١١) سقط فى كل من ب ، ش ، وفى ش يا قيوم خطأ.
(١٢) أثبت الياء وصلا فقط ورش وابن وردان ، وفي الحالين ابن كثير ويعقوب (الإتحاف ٣٧٨).
(١٣) فى ب ، ش فيها.
(١٤) زيادة من ح.
عن الضحاك بن مزاحم أنه قال : تنزل (١) الملائكة من السموات ، فتحيط بأقطار الأرض ، ويجاء بجهنم ، فإذا رأوها هالتهم ، فندّوا فى الأرض كما تند الإبل ، فلا يتوجهون قطرا إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاءوا ، وذلك قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا (٢) مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) وذلك قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (٤) وذلك قوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٥). قال الأجلح ، وقرأها الضحاك : «التنادّ» مشددة الدال (٦). قال حبان : وكذلك فسّرها الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس.
قال الفراء : ومن قرأها «التناد» [خفيفة] (٧) أراد يوم يدعو أهل الجنة أهل النار ، وأهل النار أهل الجنة (٨) ، وأصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم.
وقوله : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) (٣٥).
أي : كبر ذلك الجدال مقتا ، ومثله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (٩) أضمرت فى كبرت قولهم : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ومن رفع الكلمة لم يضمر ، وقرأ الحسن بذلك برفع الكلمة (١٠) (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ).
وقوله : (عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (٣٥).
يضيف القلب إلى المتكبر ، ومن نوّن جعل القلب هو المتكبر الجبار ، وهى فى قراءة عبد الله
__________________
(١) ضبطها فى ب : تنزل خطأ.
(٢) فى ب تنفدوا وهو تصحيف.
(٣) سورة الرحمن الآية ٣٣.
(٤) سورة الفجر الآيتان ٢٢ ، ٢٣.
(٥) سورة الفرقان الآية ٢٥.
(٦) وهى قراءة ابن عباس ، وأبى صالح ، والكلبي ، والزعفراني ، وابن مقسم (انظر المحتسب ٢ / ٢٤٣). (والبحر المحيط ٧ / ٤٦٤).
(٧) زيادة من ب.
(٨) فى (ب) يدعو أهل النار أهل الجنة ، وأهل الجنة أهل النار.
(٩) سورة الكهف آية ٥.
(١٠) فى الإتحاف : ٢٨٨ : قرأ ابن محيصن والحسن : «كبرت كلمة» بالرفع على الفاعلية.
(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (١) ، فهذا شاهد لمن أضاف ، والمعنى فى تقدم القلب وتأخره واحد والله أعلم.
قال : سمعت بعض العرب يرجّل شعره يوم كل جمعة ، يريد : كل يوم جمعة ، والمعنى واحد.
وقوله : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) (أَسْبابَ السَّماواتِ (٢) فَأَطَّلِعَ) (٣٧).
بالرفع ، يردّه على قوله : «أبلغ». ومن جعله جوابا للعلّى نصبه ، وقد قرأ به (٣) بعض القراء (٤) قال : وأنشدنى بعض العرب :
علّ صروف الدّهر أو دولاتها |
|
يدللنا (٥) اللّمّة من لمّاتها |
فتستريح النفس من زفراتها (٦)
فنصب على الجواب بلعلّ.
وقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) (٤٦).
رفعت (النار) بما عاد من ذكرها في عليها ، ولو رفعتها بما رفعت به (سُوءُ الْعَذابِ) (٤٥) كان صوابا ، ولو نصبت على أنها وقعت [١٦٤ / ١] بين راجع [من] (٧) ذكرها ، وبين كلام يتصل بما قبلها كان صوابا ، ومثله : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا) (٨).
وقوله : (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٤٦).
ليس فى الآخرة غدو ولا عشى ، ولكنه مقادير عشيات الدنيا وغدوها.
وقوله : (٩) ([وَ] يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) (٤٦).
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٧٨ ، وفى المصاحف للسجستانى قراءة عبد الله : «يطبع الله على كل قلب متكبر جبار» (المصاحف : ٧٠)
(٢) ما بين قوسين سقط فى ب ، ح ، ش.
(٣ ، ٩) سقط فى ب.
(٤) قرأ حفص «فأطلع» بنصب العين بتقدير «أن» بعد الأمر فى «ابن لى» ، وقيل : فى جواب الترجّى فى لعلى حملا على التمني على مذهب الكوفيين.
(٥) ورد هذا الشاهد فى شرح شواهد المغني ص ١٥٥ طبعة المطبعة البهية بمصر هكذا :
لعل صروف الدهر أو دولاتها |
|
يدلننا اللمة من لماتها |
واللام فى لعل زيادة من الناسخ وفى لسان العرب مادة «علل»
على صروف الدهر أو دولاتها |
|
يدلننا اللمة من لماتها |
وفى مادة «لمم» من اللسان : تديلنا اللمة من لماتها [إدارة التراث]
(٦) انظر شرح شواهد المغني ١ / ٤٥٤ ، وقد جاء فيه : أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد ، وعلّ : أصله لعلّ.
(٧) سقط فى ب ، ش.
(٨) سورة الحج الآية : ٧٢.
همز الألف يحيى بن وثاب وأهل الحجاز (١) ، وخففها عاصم والحسن فقرأ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) ونصبها هنا آل فرعون (٢) على النداء : ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب ، وفى (٣) المسألة الأولى توقّع عليهم «أدخلوا».
وقوله : (إِنَّا كُلٌّ فِيها) (٤٨).
رفعت (٤) (كلّ) بفيها ، ولم تجعله نعتا لإنّا ، ولو نصبته (٥) على ذلك ، وجعلت خبر إنا [فيها] (٦) ، ومثله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (٧) ترفع (كلّه لله) ، وتنصبها على هذا التفسير.
قوله (٨) : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٥١).
قرأت القراء بالياء يعنى : يقوم بالتذكير (٩) ، ولو قرأ قارئ : ويوم تقوم (١٠) كان صوابا ؛ لأن الأشهاد جمع ، والجمع من المذكر يؤنث فعله ويذكر إذا تقدم. العرب تقول : ذهبت [الرجال ، وذهب الرجال.
وقوله : (إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) (٥٦).
يريد : تكبروا] (١١) أن يؤمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه ما هم ببالغي ذلك : بنائلى ما أرادوا.
وقوله : (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) (٦٧).
__________________
(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ، وابن عامر وأبو بكر بوصل همزة ادخلوا ، وضم الخاء أمرا من دخل الثلاثي ، والواو ضمير آل فرعون ، ونصب آل على النداء ، والابتداء بهمزة مضمومة ، وافقهم ابن محيض واليزيدي والحسن والباقون بقطع الهمزة المفتوحة فى الحالين ، وكسر الخاء أمر للخزنة من أدخل رباعيا معدّى لاثنين ، وهما : آل ، وأشد (الإتحاف : ٣٧٩) وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٦٨).
(٢) فى ب ، ش ونصب آل فرعون ها هنا.
(٣) فى ب : وهى.
(٤) فى ح ، ش : ارتفعت.
(٥) فى ب : نصبتها.
(٦) فى ب ، ش : فى فيها وحذف جواب (لو) للعلم به.
(٧) سورة آل عمران آية ١٥٤.
(٨) فى ب : وحدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا الفراء : قوله عزوجل.
(٩) فى البحر المحيط ٧ / ٤٧٠ : قرأ الجمهور يقوم بالياء.
(١٠) قرأ ابن هرمز وإسماعيل والمنقري عن أبى عمرو بتاء التأنيث الجماعة (البحر المحيط ٧ / ٤٧٠).
(١١) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ح ، ش.
وفى حرف (١) عبد الله «ومنكم من يكون شيوخا» فوحّد فعل من ، ثم رجع إلى الشيوخ فنوى بمن الجمع ، ولو قال : شيخا لتوحيد من فى اللفظ كان صوابا.
وقوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) (٧١).
[ترفع السلاسل والأغلال ، ولو نصبت السلاسل وقلت (٢) : يسحبون (٣) ، تريد (٤)] يسحبون سلاسلهم فى جهنم.
وذكر الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال : [وهم] (٥) فى السلاسل يسحبون ، فلا يجوز خفض (٦) السلاسل ، والخافض مضمر ؛ ولكن لو أنّ متوهما قال : إنما المعنى إذ أعناقهم فى الأغلال وفى السلاسل يسحبون جاز الخفض فى السلاسل على هذا المذهب ، ومثله مما ردّ إلى المعنى قول الشاعر :
قد سالم الحيات منه القدما |
|
الأفعوان والشّجاع الشجعما (٧) |
فنصب الشجاع ، والحيات قبل ذلك مرفوعة ؛ لأنّ المعنى : قد سالمت رجله الحيات وسالمتها ، فلما احتاج إلى نصب القافية جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات.
[١٦٤ / ب] ومن سورة السجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عزوجل : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٣).
تنصب [قرآنا] (٨) على الفعل ، أي : فصلت آياته كذلك ، ويكون نصبا على القطع ؛ لأن الكلام
__________________
(١) فى ب : وفى قراءة.
(٢) فى ب : فقلت.
(٣) أي : لكان صوابا ، وانظر فى الاحتجاج لهذه القراءة المحتسب ٢ / ٢٤٤.
(٤) ما بين المعقوفتين ساقط فى كل من ب ، ح ، ش.
(٥) سقط فى ش.
(٦) سقط فى ش لفظ خفض.
(٧) هو من أرجوزة لأبى حيان الفقعسي ، وقيل : لمساور بن هند العبسي. وبه جزم الترمذي والبطليوسي ، وقيل : للعجاج ... (شرح شواهد المغني ٢ / ٩٧٣) ، وانظر تفسير الطبري ٢٤ / ٥٠ ، واللسان مادة شجع :
(٨) زيادة من ح ، ش.
تام عند قوله : (آياته) (١). ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا. كما قال فى موضع آخر : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ) (٢) ، وكذلك قوله : (بشيراً ونذيراً) (٣) فيه (٤) ما فى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا).
وقوله : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (٥).
يقول : بيننا وبينك فرقة فى ديننا ، فاعمل فى هلاكنا إننا عاملون فى ذلك منك ، ويقال : فاعمل بما تعلم من دينك فإننا عاملون بديننا.
وقوله : (لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (٧).
والزكاة (٥) فى هذا الموضع : أن قريشا كانت تطعم الحاج وتسقيهم ، فحرموا ذلك من آمن بمحمد صلى الله عليه ؛ فنزل هذا فيهم ، ثم قال : وفيهم أعظم من هذا كفرهم بالآخرة.
وقوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (١٠) وفى قراءة عبد الله : وقسم فيها أقواتها (٦) ، جعل فى هذه (٧) ما ليس فى هذه ليتعايشوا ويتجروا.
وقوله : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (١٠) نصبها (٨) عاصم وحمزة ، وخفضها الحسن (٩) ، فجعلها من نعت الأيام ، وإن شئت من نعت
__________________
(١) جاء فى تفسير النسفي : نصب : «قرآنا عربيا. على الاختصاص والمدح ، أي أريد بهذا الكتاب المفصل قرآنا من صفته : كيت وكيت ، أو على الحال أي فصلت آياته فى حال كونه قرآنا عربيا تفسير النسفي ٣ / ٢٦٤ ، وانظر تفسير الطبري ٢٤ / ٥٣.
(٢) سورة ص : آية ٢٩.
(٣) قرأ زيد بن على : «بشير ونذير» برفعهما على الصفة لكتاب ، أو على خبر مبتدأ محذوف (البحر المحيط ٧ / ٤٨٣) وانظر تفسير الطبري ٢٤ / ٥٣.
(٤) سقط (فيه) فى ح ، ش.
(٥) سقط فى ح ، ش لفظ (الزكاة).
(٦) انظر الطبري ٢٤ / ٥٧.
(٧) زاد فى ب بعد هذه الأولى كلمة البلدة بين السطور.
(٨) فى كل من ب ، ح ، ش نصبا العوام عاصم وحمزة.
(٩) قرأ الجمهور «سواء» بالنصب على الحال ، وأبو جعفر بالرفع أي : هو سواء ، وزيد بن على والحسن وابن أبى اسحق وعمرو بن عبيد ، وعيسى ، ويعقوب بالخفض نعتا لأربعة أيام (البحر المحيط ٧ / ٤٨٦ ، وانظر الإتحاف : ٣٨٠)
الأربعة ، ومن نصبها جعلها متصلة بالأقوات ، وقد ترفع كأنه ابتداء ، كأنه قال : ذلك سواء للسائلين ، يقول لمن أراد علمه.
وقوله : (فَقَضاهُنَ) (١٢).
يقول : خلقهن ، وأحكمهن.
وقوله : (قالَتا أَتَيْنا) (١١).
جعل السموات والأرضين كالثّنتين كقوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) (١) ولم يقل : [وما] (٢) بينهن ، ولو كان كان (٣) صوابا.
وقوله : (أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١).
ولم يقل : طائعتين ، ولا طائعات. ذهب (٤) به إلى السموات ومن فيهن ، وقد يجوز : أن تقولا ، وإن كانتا اثنتين : أتينا طائعين ، فيكونان كالرجال لمّا تكلمتا.
وقوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) (١٢).
يقول : جعل فى كل سماء ملائكة فذلك أمرها.
وقوله : (إِذْ جاءَتْهُمُ [١٦٥ / ١] الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) (١٤).
أتت الرسل آباءهم ، ومن كان قبلهم ومن خلفهم يقول : وجاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرسل ، فتكون الهاء والميم فى (خلفهم) للرسل ، وتكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم.
وقوله : (رِيحاً صَرْصَراً) (١٦).
باردة تحرق [كما تحرق] (٥) النار.
وقوله : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) (١٦).
__________________
(١) سورة الحجر الآية ٨٥ ، وسورة الأنبياء الآية ١٦.
(٢) زيادة من ب.
(٣) سقط فى ح لفظ كان
(٤) فى ش ذهب.
(٥) ما بين المعقوفتين ساقط فى ح.
العوام على تثقيلها لكسر الحاء ، وقد خفف بعض أهل المدينة : (نحسات) (١).
قال : [وقد سمعت بعض العرب ينشد :
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم |
|
طيا وبهراء قوم نصرهم نحس] (٢). |
وهذا (٣) لمن ثقّل ، ومن خفّف بناه على قوله : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (٤).
وقوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (١٧).
القراءة برفع ثمود ، قرأ بذلك عاصم ، وأهل المدينة والأعمش. إلا أن الأعمش كان (٥) يجرى ثمود فى كل القرآن إلا قوله : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) ، فإنه كان لا ينون ، لأنّ كتابه بغير ألف. ومن أجراها جعلها اسما لرجل أو لجبل ، ومن لم يجرها جعلها اسما للأمة التي هى منها قال : وسمعت بعض العرب يقول : تترك بنى أسد وهم فصحاء ، فلم يجر أسد ، وما أردت به القبيلة من الأسماء التي تجرى فلا تحرها ، وإجراؤها أجود فى العربية مثل قولك : جاءتك تميم بأسرها ، وقيس بأسرها ، فهذا مما يجرى ، ولا يجرى مثل التفسير فى ثمود وأسد.
وكان الحسن يقرأ : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) بنصب (٦) ، وهو وجه ، والرفع أجود منه ، لأنّ أمّا تطلب الأسماء ، وتمتنع من الأفعال ، فهى بمنزلة الصلة للاسم ، ولو كانت أمّا حرفا يلى الاسم إذا شئت ، والفعل إذا شئت كان الرفع والنصب معتدلين مثل قوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (٧) ، ألا ترى أنّ الواو تكون مع الفعل ، ومع الاسم؟ فتقول : عبد الله ضربته وزيدا تركته ؛ لأنك تقول : وتركت زيدا ، فتصلح فى الفعل الواو كما صلحت فى الاسم ، ولا تقول : أمّا ضربت فعبد الله (٨) ، كما تقول : أمّا عبد الله فضربت ، ومن أجاز النصب وهو يرى هذه العلة [١٦٥ / ب] فإنه يقول :
__________________
(١) جاء فى تفسير الطبري : قرأ عامة قراء الأمصار غير نافع وأبى عمر وفى أيام نحسات بكسر الحاء ، وقرأ نافع وأبو عمر ونحسات بسكون الحاء ، وكان أبو عمرو فيما ذكر لنا عنه يحتج لتسكينه الحاء بقبوله «يوم نحس مستمر» تفسير الطبري ٢٤ / ٦٠.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط فى ش. وفى تفسير الطبري ورد البيت : طيا وبهزا (وهو تصحيف) وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٨١.
(٣) فى ب ، ش فهذا.
(٤) سورة القمر الآية : ١٩.
(٥) ساقط فى ح : «إلا أن الأعمش كان.
(٦) وهى قراءة ابن اسحق أيضا (انظر تفسير الطبري ح ٢٤ / ٦١).
(٧) سورة يس الآية ٣٩.
(٨) ضبط (ب) أما ضربت فعبد الله.
خلقة ما نصب الأسماء أن يسبقها لا أن تسبقه (١). وكل صواب.
وقوله : (فَهَدَيْناهُمْ) (١٧).
يقول : دللناهم على مذهب الخير ، ومذهب الشر ، كقوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٢).
الخير ، والشر (٣).
[حدثنا أبو العباس قال ، حدثنا (٤) محمد قال] حدثنا الفراء قال : حدثنى قيس عن زياد بن علاقة عن أبى عمارة عن على بن أبى طالب أنه قال فى قوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) : الخير ، والشر.
قال أبو زكريا : وكذلك قوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٥).
والهدى على وجه آخر الذي هو الإرشاد بمنزلة قولك : أسعدناه ، من ذلك.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٦) فى كثير من القرآن.
وقوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٩).
فهى من وزعت ، ومعنى وزعته : حبسته وكففته ، وجاء فى التفسير : يحبس أولهم على آخرهم حتى يدخلوا النار.
قال : وسمعت بعض العرب يقول : لأبعثن عليكم (٧) من يزعكم ويحكمكم من الحكمة التي للدابة (٨). قال : وأنشدنى أبو ثروان العكلي :
فإنكما (٩) إن تحكمانى وترسلا |
|
علىّ غواة الناس إيب وتضلعا (١٠) |
__________________
(١) فى الأصل : لا أن يسبقه ، تحريف وفى (ش) لأن أن تسبقه وهو خطأ.
(٢) سورة البلد الآية ١٠.
(٣) سقط فى ح ، ش : الخير والشر.
(٤) ما بين المعقوفتين زيادة فى ح ، ش.
(٥) سورة الإنسان الآية ٣.
(٦) سورة الأنعام الآية ٩٠.
(٧) في ب ، ش إليكم.
(٨) حكمة اللجام : ما أحاط بحنكي الدابة ، وفى الصحاح : بالحنك ، سميّت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد ، وفى الحديث : وأنا آخذ بحكمة فرسه. أي بلجامه (اللسان مادة حكم).
(٩) فى (ح) بحد كما.
(١٠) في (ش) وتضلفها وهو خطأ من الكاتب.
فهذا من ذلك ، إيب : من أبيت وآبى.
وقوله : (سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) (٢٠).
الجلد هاهنا ـ والله أعلم ـ الذّكر ، وهو ما كنى عنه (١) كما قال : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (٢) ، يريد : النكاح. وكما قال : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) (٣) ، والغائط : الصحراء ، والمراد من ذلك : أو قضى أحد منكم حاجة.
وقوله : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) (٢٢).
يقول : لم تكونوا تخافون أن تشهد عليكم جوارحكم فتستتروا منها ، ولم تكونوا لتقدروا على الاستتار (٤) ، ويكون على التعبير : أي لم تكونوا تستترون منها.
وقوله : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ) (٢٢).
فى (٥) قراءة عبد الله مكان (ولكن ظننتم) ، ولكن زعمتم (٦) ، والزعم ، والظن فى معنى واحد ، وقد يختلفان.
وقوله : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ) (٢٣).
«ذلكم» فى موضع رفع (٧) بالظن ، وجعلت «أرداكم» فى موضع نصب ، كأنك قلت : ذلكم ظنكم مرديا لكم. وقد يجوز أن تجعل الإرداء هو الرافع فى قول من قال : هذا عبد الله قائم [١٦٦ / ١] يريد : عبد الله هذا قائم ، وهو مستكره ، ويكون أرداكم مستأنفا لو ظهر اسما لكان رفعا مثل قوله فى لقمان : (الم ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ، هُدىً وَرَحْمَةً) (٨) ، قد قرأها حمزة كذلك (٩) ،
__________________
(١) فى ب ، ح ما كنى الله عنه.
(٢) البقرة آية ٢٣٥.
(٣) المائدة آية ٦.
(٤) زاد فى ب ، ح ، ش : منها.
(٥) في ب ، ش : وفى.
(٦) كذا في المصاحف للسجستانى ص : ٨٥.
(٧) في ب ، ح : رفع رفعته.
(٨) الآيات : ١ ، ٢ ، ٣.
(٩) وهى أيضا قراءة : الأعمش ، وطلحة ، وقنبل خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر (البحر المحيط ٧ / ١٨٣).
وفى قراءة عبد الله (١) : «أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخ (٢)» ، وفى ق : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (٣) كل هذا على الاستئناف ؛ ولو نويت الوصل كان نصبا ، قال : وأنشدنى بعضهم :
من يك ذا بتّ فهذا بتّى |
|
مقيّظ مصيّف مشتّى |
وقوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) (٢٥).
من أمر الآخرة ، فقالوا : لا جنة ، ولا نار ، ولا بعث ، ولا حساب ، وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات ، وجمع الأموال ، وترك النفقات فى وجوه البر ، فهذا ما خلفهم ، وبذلك جاء التفسير (٥) ، وقد يكون ما بين أيديهم ما هم فيه من أمر الدنيا ، وما خلفهم من أمر الآخرة.
وقوله : (وَالْغَوْا فِيهِ) (٢٦).
قاله كفّار قريش ، قال لهم أبو جهل : إذا تلا محمد صلى الله عليه القرآن فالغوا فيه الغطوا ، لعله يبدّل أو ينسى فتغلبوه.
وقوله : (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ) ، ثم قال : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) (٢٨).
وهى النار بعينها ، وذلك صواب لو قلت : لأهل الكوفة منها دار صالحة ، والدار هى الكوفة ، وحسن حين قلت [بالدار] (٦) والكوفة هى (٧) والدار فاختلف لفظاهما ، وهى فى قراءة عبد الله : «ذلك جزاء أعداء الله (٨) النار دار الخلد» (٩) فهذا بيّن لا شىء فيه ، لأن الدار هى النار.
وقوله : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٢٩).
__________________
(١) جاء فى البحر المحيط (٥ / ٢٤٤) : قرأ ابن مسعود ، وهو فى مصحفه ، والأعمش : «شيخ» بالرفع ، وجوزوا فيه ، وفى «بعلى» أن يكونا خبرين ، كقولهم : هذا حلو حامض ، وأن يكون بعلى خبرا ، وشيخ خبر مبتدأ محذوف.
(٢) سورة هود الآية ٧٢.
(٣) الآية ٢٣.
(٤) ينسب لرؤبة بن العجاج ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ٢٥٨ وانظر شرح ابن عقيل ١ / ٢٢٣.
(٥) كذا فى تفسير الطبري : ٢٤ / ٦٤.
(٦) زيادة من ب.
(٧) سقط فى ش لفظ (هى).
(٨) لم يثبت فى ح ، ش : (ذلك جزاء أعداء الله النار).
(٩) انظر الطبري ٢٤ / ٦٥.
يقال : إن الذي أضلهم من الجن إبليس [و] (١) من الإنس قابيل الذي قتل أخاه يقول : هو أول من سنّ الضلالة من الإنس.
وقوله : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) (٣٠).
عند الممات يبشرونهم بالجنة ، وفى قراءتنا «ألّا تخافوا» (٢) ، وفى قراءة عبد الله : «لا تخافوا» (٣) بغير أن على مذهب الحكاية.
وقوله : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) (٣٥).
يريد ما يلقّى دفع السيئة بالحسنة (٤) إلّا من هو صابر ، أو ذو حظ عظيم ، فأنّثها (٥) لتأنيث الكلمة ، ولو أراد الكلام [فذكر] (٦) كان صوابا.
وقوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) (٣٦).
يقول : يصدنّك عن أمرنا إياك يدفع بالحسنة السيئة (٧) فاستعذ بالله تعوّذ به.
وقوله : (لا تَسْجُدُوا) (٨) (لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) (٣٧).
خلق الشمس والقمر والليل والنهار ، وتأنيثهن فى قوله : «خلقهن» [١٦٦ / ب] ؛ لأن كل ذكر من غير الناس وشبههم فهو فى جمعه مؤنث تقول : مرّ بي أثواب فابتعتهن ، وكانت لى مساجد فهدمتهن وبنيتهن يبنى (٩) [على] (١٠) هذا.
وقوله : (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) (٣٩).
زاد ريعها ، وربت ، أي : أنها تنتفخ ، ثم تصدّع عن النبات.
__________________
(١) زيادة من ب ، ح ، ش.
(٢) وهى قراءة الجمهور.
(٣) بمعنى نتنزل عليهم قائلة : لا تخافوا ولا تحزنوا (تفسير الطبري ٢٤ / ٦٧).
(٤) فى ح : دفع السيئة الحسنة.
(٥) فى (ا) فا؟؟؟ ، والتصويب من ب ، ح.
(٦) زيادة من ب ، ح.
(٧) كذا فى ب : وفى الأصل : بدفع الحسنة السيئة.
(٨) فى (ا) ألا تسجدوا وهو خطأ من الناسخ.
(٩) فى ش بيتا وهو خطأ.
(١٠) الزيادة من ب ، ح.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) (٤١).
يقال : أين جواب إنّ؟ فإن شئت جعلته (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ). وإن شئت كان فى قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) (٤١) (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) (٤٢)» ، فيكون جوابه معلوما فيترك ، وكأنه أعرب الوجهين [وأشبهه بما جاء فى القرآن.
وقوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) (٤٢) ، يقول : التوراة والإنجيل لا تكذبه وهى [من] (١) بين يديه «ولا من خلفه» ، يقول : لا ينزل بعده كتاب بكذبه] (٢).
وقوله : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) (٤٣).
جزع (صلى الله عليه) من تكذيبهم إياه ، فأنزل الله جل وعز عليه (٣) : ما يقال لك من التكذيب إلا كما كذب الرسل من (٤) قبلك :
قرأ الأعمش وعاصم (٥) : «أأعجمىّ وعربىّ» (٤٤).
استفهما ، وسكنا العين ، وجاء التفسير : أيكون (٦) هذا الرسول عربيا والكتاب أعجمى؟
(٧) وقرأ (٨) الحسن بغير استفهام (٩) : أعجمى وعربى ، كأنه جعله من قيلهم ، يعنى الكفرة (١٠) ، أي : هلّا فصلت آياته منها عربى يعرفه العربي ، وعجمى يفهمه العجمي ، فأنزل الله عزوجل : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) (٤٤).
وقرأها بعضهم (١١) : «أعجمىّ وعربى» يستفهم وينسبه إلى العجم.
__________________
(١) زيادة من ب.
(٢) ما بين المعقوفتين مطموس فى (ا) ونقل من النسخة ش لوحة ١٧١ وب لوحة ١٧.
(٣) سقط فى ب لفظ عليه.
(٤) سقط في ب لفظ من.
(٥) وهى قراءة قالون وأبى عمرو وأبى جعفر بهمزتين على الاستفهام (انظر الاتحاف ٣٨١).
(٦) فى (ا) ان يكون.
(٧) فى ب ، ح : قال وقرأ.
(٨) فى ش وقال الحسن.
(٩) وهى رواية قنبل وهشام ورويس (انظر النشر ١ / ٣٦٦) وهى أيضا قراءة أبى الأسود وآخرين (انظر المحتسب ٢ / ٢٤٧).
(١٠) العبارة فى ح ، ش من قيل الكفرة.
(١١) هو عمرو بن ميمون (المحتسب ٢ / ٢٤٨).
وقوله : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (٤٤).
حدثنا الفراء (١) قال : وحدثنى غير واحد منهم [أبو الأحوص و] (٢) مندل عن موسى بن أبى عائشة عن سليمان بن قتة عن ابن عباس أنه قرأ : عم (٣).
وقوله : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٤٤).
تقول للرجل الذي لا يفهم قولك : أنت تنادى من بعيد ، تقول للفهم : إنك لتأخذ الشيء من قريب. وجاء فى التفسير : كأنما (٤) ينادون [من السماء] (٥) فلا يسمعون (٦).
وقوله : (وَما تَخْرُجُ مِنْ) ثمرة (٧) من أكمامها (٤٧).
قشر الكفرّاة (٨) كمّ ، وقرأها أهل الحجاز (٩) : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ) (١٠).
وقوله : (قالُوا آذَنَّاكَ) (٤٧).
هذا من قول الآلهة التي كانوا يعبدونها فى الدنيا. قالوا : أعلمناك ما منا من شهيد بما قالوا.
وقوله : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) (٤٩).
وفى (١١) قراءة عبد الله : «من دعاء بالخير» (١٢).
وقوله : (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٥١) يقول : ذو دعاء كثير إن وصفته بالطول والعرض فصواب :
__________________
(١) فى ب : حدثنا محمد قال.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من ب ، ح ، ش.
(٣) انظر تفسير الطبري ٢٤ / ٧٣ ، وهى أيضا قراءة ابن الزبير ، ومعاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص (البحر المحيط ٧ / ٥٠٢).
(٤) فى (ا) كانوا.
(٥) ما بين المعقوفتين زيادة فى ب.
(٦) انظر اللسان مادة بعد. وانظر تفسير النسفي ٣ / ٢٧٩.
(٧) كذا فى كل النسخ ، وفى قراءة حفص «من ثمرات».
(٨) الكفراة بالضم وتشديد الراء وفتح الفاء وضمها : وعاء الطلع وقشره الأعلى (اللسان مادة كفر).
(٩) أبو جعفر ونافع ، وقرأها كذلك ابن عامر وابن مقسم انظر المحيط ٧ / ٥٠٤.
(١٠) وقرأته قراء الكوفة «من ثمرة» على لفظ الواحدة (تفسير الطبري ٢٥ / ٢).
(١١) كذا فى ب ، ش ، وفى الأصل : فى قراءة.
(١٢) فى البحر المحيط ٧ / ٥٠٤ : قرأ عبد الله : «من دعاء بالخير» بباء داخلة على الخير.