معاني القرآن - ج ٢

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء

معاني القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ومن سورة هود

قوله : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) [١].

رفعت الكتاب بالهجاء الذي قبله ، كأنك قلت : حروف الهجاء هذا القرآن. وإن شئت أضمرت له ما يرفعه ؛ كأنك قلت : الر هذا الكتاب.

وقوله (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالحلال والحرام. والأمر والنهى. لذلك جاء قوله (أَلَّا تَعْبُدُوا) [٢] ثم قال (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) [٣].

أي فصّلت آياته ألّا تعبدوا وأن استغفروا. فأن فى موضع نصب بإلقائك الخافض (١).

وقوله : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) [٥].

نزلت فى بعض من كان يلقى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما يحبّ ، وينطوى له على العداوة والبغض. فذلك الثنى هو الإخفاء. وقال الله تبارك وتعالى ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم الله ما يخفون من عداوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(حدّثنا محمد قال) (٢) حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى الثقة عبد الله بن المبارك عن ابن جريج (٣) عن رجل أظنّه عطاء عن ابن عبّاس أنه قرأ (تثنونى صدورهم) وهو فى العربيّة بمنزلة تنثنى كما قال عنترة :

__________________

(١) وهو الباء والأصل : بألا تعبدوا .. وأن استغفروا. وانظر الطبري.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ا. ومحمد هو ابن الجهم راوى الكتاب.

(٣) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي توفى سنة ١٤٩ ه‍. وانظر غاية النهاية تحت رقم ١٩٥٩.

٣

وقولك للشىء الذي لا تناله

إذا ما هو احلولى ألا ليت ذاليا (١)

وهو من الفعل : افعوعلت.

وقوله : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) [٦] فمستقرّها : حيث تأوى ليلا أو نهارا. ومستودعها : موضعها الذي تموت فيه أو تدفن.

وقوله : (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا) ساحر مبين [٧].

(وسِحْرٌ مُبِينٌ). فمن قال : (ساحر (٢) مبين) ذهب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قولهم. ومن قال : (سِحْرٌ) ذهب إلى الكلام.

(حدّثنا (٣) محمد قال) حدّثنا الفرّاء قال : وحدّثنى أبو إسرائيل (٤) عن الأعمش عن أبى رزين (٥) عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ فى ثلاثة مواضع ساحر : فى آخر المائدة (٦) وفى يونس (٧) وفى الصفّ (٨). قال الفراء : ولم يذكر الذي (٩) فى هود. وكان يحيى بن وثّاب يقرأ فى أربعة مواضع ويجعل هذا رابعا يعنى فى هود.

وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) [١١] فى موضع نصب بالاستثناء من قوله : (وَلَئِنْ (١٠) أَذَقْناهُ) يعنى

__________________

(١) قبله مطلع القصيدة. وهو :

ألا قاتل الله الطلول البواليا

وقاتل ذكراك السنين الخواليا

وانظر مختار الشعر الجاهلى ٣٨٠.

(٢) الأولى : (ساحر) قراءة حمزة والكسائي وخلف والثانية : (سحر) قراءة الباقين.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٤) هو إسماعيل بن خليفة الكوفي مات سنة ١٦٩ ه‍. وانظر الخلاصة.

(٥) هو لقيط بن صبرة. وهو من الصحابة كما فى الخلاصة.

(٦) فى الآية ١١٠.

(٧) ورد فى يونس فى الآيات ٢ ، ٧٦ ، ٧٩.

(٨) فى الآية ٦.

(٩). ٢ : «التي»

(١٠) فى الآية ١٠

٤

الإنسان ثم استثنى من الإنسان لأنه فى معنى الناس ، كما قال تبارك وتعالى : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فاستثنى كثيرا من لفظ واحد ؛ لأنه تأويل جماع.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) [١٢].

يقول : يضيق صدرك بما نوحيه إليك فلا تلقيه إليهم مخافة أن يقولوا : لو لا أنزل عليك كنز. فأن فى قوله : (أَنْ يَقُولُوا) دليل على ذلك. وهى بمنزلة قوله : (يُبَيِّنُ (٢) اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) و (من) تحسن فيها ثم تلقى ، فتكون فى موضع نصب ؛ كما قال ـ عزوجل : (يَجْعَلُونَ (٣) أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) ألا ترى أن (من) تحسن فى الحذر ، فإذا ألقيت انتصب بالفعل لا بإلقاء (من) كقول الشاعر (٤) :

وأغفر عوراء الكريم اصطناعه

وأعرض عن ذات اللّئيم تكرّما

وقوله : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [١٣] ثم قال جلّ ذكره : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) [١٤] ولم يقل : لك وقد قال فى أوّل الكلام (قل) ولم يقل : قولوا وهو بمنزلة قوله : (عَلى (٥) خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ).

وقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) [١٥] ثم قال : (نُوَفِّ) لأن المعنى فيها بعد كان. وكان (٦) قد يبطل فى المعنى ؛ لأن القائل يقول : إن كنت تعطينى سألتك ، فيكون كقولك : إن

__________________

(١) فى أول سورة العصر.

(٢) خاتمة سورة النساء.

(٣) الآية ١٩ سورة البقرة.

(٤) هو حاتم الطائي. وهو من قصيدة يتمدح فيها بمكارم الأخلاق. وقوله : «اصطناعه» فالرواية المشهورة : «ادخاره» والعوراء الكلمة القبيحة. وانظر الخزانة فى الشاهد التاسع والسبعين بعد المائة.

(٥) الآية ٨٣ سورة يونس. وهو يريد بالتمثيل أنه إذا أسند إلى الرئيس فعل ذهب الوهم إلى من معه. وانظر ص ٤٧٦ ج ١ من هذا الكتاب.

(٦) فى ا : «كأن كان» يريد أن (كان) في الآية فى حكم المزيدة ، فكأن فعل الشرط (يريد) فهو مضارع كالجواب فقد توافقا من هذه الجهة.

٥

أعطيتنى سألتك. وأكثر ما يأتى الجزاء على أن يتّفق هو وجوابه. فإن قلت : إن تفعل أفعل فهذا حسن. وإن قلت : إن فعلت أفعل كان مستجازا. والكلام إن فعلت فعلت. وقد قال فى إجازته زهير :

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه

ولو نال أسباب السّماء بسلّم (١)

وقوله : (وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) يقول : من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدنيا عجّل له ثوابه ولم يبخس أي لم ينقص فى الدنيا.

وقوله : ([أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) [١٧] (فالذى على (٢) البيّنة من ربّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)) يعنى جبريل (٣) عليه‌السلام يتلو القرآن ، الهاء للقرآن. وتبيان ذلك : ويتلو القرآن شاهد من الله (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) رفعت الكتاب بمن. ولو (٤) نصبت على : ويتلو من قبله كتاب موسى (إِماماً) منصوب على (٥) القطع من (كِتابُ مُوسى) فى الوجهين. وقد قيل فى قوله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) : يعنى الإنجيل يتلو القرآن ، وإن كان قد أنزل قبله. يذهب إلى أنه يتلوه بالتصديق. ثم قال : ومن قبل الإنجيل كتاب موسى.

ولم يأت لقوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) جواب (٦) بيّن ؛ كقوله فى سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَفَمَنْ كانَ (٧) عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) وربما تركت العرب جواب

__________________

(١) هو من معلقته.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ش ، ج

(٣) فى ا : «جبرئيل» وهو لغة فيه.

(٤) جواب لو محذوف أي لجاز.

(٥) أي على الحال.

(٦) والجواب المحذوف أو الخبر : كمن كان يريد الدنيا كما فى البيضاوي.

(٧) الآية ١٤

٦

الشيء المعروف معناه وإن ترك الجواب ؛ قال الشاعر (١) :

فأقسم لو شىء أتانا رسوله

سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

وقال الله ـ تبارك وتعالى وهو أصدق من قول الشاعر ـ : (وَلَوْ أَنَ (٢) قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) فلم يؤت (٣) له بجواب والله أعلم. وقد يفسّره بعض النحويّين يعنى أن جوابه (٤) : (وهم يكفرون ولو أنّ قرآنا) والأوّل أشبه بالصواب. ومثله : (وَلَوْ تَرى) (٥) (إِذِ الْمُجْرِمُونَ)(وَلَوْ يَرَى (٦) الَّذِينَ ظَلَمُوا) وقوله فى الزمر : (أَمَّنْ (٧) هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ولم يؤت له بجواب. وكفى (٨) قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) من ذلك. فهذا ممّا ترك جوابه ، وكفي منه ما بعده ، كذلك قال فى هود : (مَثَلُ (٩) الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) ولم يقل : هل يستوون. وذلك أن الأعمى والأصمّ من صفة واحد والبصير والسّميع من صفة واحد كقول القائل : مررت بالعاقل واللبيب وهو يعنى واحدا. وقال الشاعر (١٠) :

وما أدرى إذا يمّمت وجها

أريد الخير أيّهما يلينى

أالخير الذي أنا أبتغيه

أم الشر الذي لا يأتلينى

__________________

(١) أي امرؤ القيس. يريد : لو شىء أتانا رسوله سواك دفعناه بدليل قوله : ولكن لم نجد لك مدفعا. وفي الديوان ٢٤٢ : «أجدك لو شىء ...»

(٢) الآية ٣١ سورة الرعد.

(٣) أي أن الجواب محذوف. وهو (لكان هذا القرآن).

(٤) هذا على أن جواب الشرط قد يتقدم وهو مذهب كوفى. وعند غيرهم أنه دليل الجواب.

(٥) الآية ١٢ سورة السجدة. والجواب محذوف تقديره : لرأيت أمرا فظيعا.

(٦) الآية ٩٣ سورة الأنعام والجواب محذوف تقديره : لرأيت أمرا عظيما.

(٧) الآية ٩ سورة الزمر.

(٨) فالجواب تقديره : كالعاصى. والمراد نفى استوائهما كما نفى استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

(٩) فى الآية ٢٤

(١٠) انظر ص ٢٣١ من الجزء الأول من هذا الكتاب.

٧

قال : أيّهما وإنما ذكر الخير وحده ؛ لأن المعنى يعرف : أن المبتغى للخير متّق للشرّ وكذلك قول الله جل ذكره : (سَرابِيلَ (١) تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [أي] وتقى البرد. وهو كذلك وإن لم يذكر.

وقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) فيقال : من أصناف الكفّار. ويقال : إن كلّ كافر حزب.

وقوله : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) [٢٠].

هم رءوس الكفرة الذين يضلّون. وقوله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) على وجهين. فسّره بعض المفسّرين : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السّمع (٢) ولا يفعلون. فالباء حينئذ كان ينبغى لها أن تدخل ، لأنه قال : (وَلَهُمْ (٣) عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فى غير موضع من التنزيل أدخلت فيه الباء ، وسقوطها جائز كقولك (٤) فى الكلام : بأحسن ما كانوا يعملون وأحسن ما كانوا يعملون. وتقول فى الكلام : لأجزينّك بما عملت ، وما عملت. ويقال : ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون : أي أضلّهم الله عن ذلك فى اللوح المحفوظ.

وقوله : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ) [٢٢] كلمة كانت فى الأصل بمنزلة لا بدّ أنّك قائم ولا محالة أنّك ذاهب ، فجرت على ذلك ، وكثر استعمالهم إيّاها ، حتّى صارت بمنزلة حقّا ؛ ألا ترى أن العرب تقول : لا جرم لآتينك ، لا جرم قد أحسنت. وكذلك فسّرها المفسّرون بمعنى الحقّ. وأصلها من جرمت

__________________

(١) الآية ٨١ سورة النحل.

(٢) سقط في ا.

(٣) الآية ١٠ سورة البقرة.

(٤) الأولى : كقوله تعالى. فإن الاستعمالين واردان فى الكتاب العزيز فالأول فى الآية ٩٦ سورة النحل ، والثاني فى الآية ٧ سورة العنكبوت.

٨

أي كسبت الذنب وجرّمته. وليس قول من قال إن جرمت كقولك : حققت أو حققت بشىء وإنما لبّس على قائله قول الشاعر (١) :

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن تغضبا

فرفعوا (فزارة) قالوا : نجعل الفعل لفزاره كأنه بمنزلة حقّ لها أو حقّ لها أن تغضب وفزارة منصوبة فى قول الفراء أي جرمتهم الطعنة أن يغضبوا.

ولكثرتها فى الكلام حذفت منها الميم فبنو فزارة يقولون : لا جر أنك قائم. وتوصل من أوّلها بذا ، أنشدنى بعض بنى كلاب :

إن كلابا والدي لاذا جرم

لأهدرنّ اليوم هدرا صادقا (٢)

هدر المعنّى ذى الشقاشيق اللهم (٣) وموضع أن مرفوع كقوله :

أحقّا عباد الله جرأة محلق

علىّ وقد أعييت عاد وتبّعا

وقوله : (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) [٢٣].

معناه : تخشّعوا لربّهم وإلى ربّهم. وربّما جعلت العرب (إلى) فى موضع اللام. وقد قال الله عزّ

__________________

(١) هو أسماء بن الضريبة. وقيل : عطية بن عفيف. وقوله : «أن تغضبا» كذا فى الأصول. والرواية : «يغضبوا» وقبله :

يا كرز إنك قد قبلت بفارس

بطل إذا هاب الكمأة وجببوا

كان كرز قد طعن أبا عيينة حصن بن حذيفة الفزاري فى يوم الحاجر فقتل به فرثاه الشاعر. وقوله : «جببوا» أي فروا ونفروا من القتال. وانظر الخزانة ٤ / ٣١٠ ، واللسان فى المادة.

(٢) «هدرا صادقا» كذا فى الأصول ، وهو لا يستقيم فى الرجز المعروف عن العرب. وقد كتبها بعض الفضلاء «هدرا فى النعم» ولم أقف على سنده. وهدر البعير ترديد صوته فى حنجرته.

(٣) المعنى : فحل الإبل الذي حبس أو رغب عن ضرابه. والشقاشيق جمع شقشقة وهى كالرئة تخرج من فم البعير إذا هاج واغتلم. وأصله الشقاشق فزاد الياء. واللهم : الذي يلتهم كل شىء : يفتخر أنه من كلاب ، وأنه سيصول في أقرانه كما يصول الفحل الهائج

٩

وجلّ : (بِأَنَ (١) رَبَّكَ أَوْحى لَها) وقال : (الْحَمْدُ (٢) لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) وقال : (يَهْدِيهِمْ (٣) إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وقال : (فَأَوْحى (٤) إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) وقد يجوز فى العربيّة أن تقول : فلان يخبت إلى الله تريد : يفعل ذلك بوجهه إلى الله ؛ لأن معنى الإخبات الخشوع ، فيقول : يفعله بوجهه إلى الله ولله. وجاء فى التفسير : وأخبتوا فرقا (٥) من الله فمن يشاكل معنى اللام ومعنى إلى إذا أردت به لمكان هذا ومن أجل هذا.

وقوله : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) [٢٧] رفعت الأراذل بالاتّباع (٦) وقد وقع الفعل فى أوّل الكلام على اسمه. ولا تكاد العرب تجعل المردود بإلّا إلا على المبتدأ لا على راجع ذكره. وهو جائز. فمن البيّن الذي لا نظر فيه أن تقول : ما قام أحد إلّا زيد. وإن قلت : ما أحد قام إلا زيد فرفعت زيدا بما عاد فى فعل أحد فهو قليل وهو جائز. وإنما بعد على المبتدأ لأنه كناية ، والكناية لا يفرق فيها بين أحد وبين عبد الله ، فلمّا قبح أن تقول : ما قام هو إلّا زيد ، وحسن : ما قام أحد إلا زيد تبيّن ذلك لأن أحدا كأنّه ليس فى الكلام فحسن الردّ على الفعل. ولا يقال للمعرفة أو الكناية أحد إذ شاكل (٧) المعرفة كأنه (٨) ليس فى الكلام ؛ ألا ترى أنك تقول ما مررت بأحد إلا بزيد (فكأنك (٩) قلت : ما مررت إلا بزيد) لأن أحدا لا يتصوّر فى الوهم أنه معمود (١٠) له. وقبيح أن تقول : ليس أحد مررت به إلّا بزيد لأن الهاء لها صورة كصورة

__________________

(١) الآية ٥ سورة الزلزلة

(٢) الآية ٤٣ سورة الأعراف

(٣) الآية ١٧٥ سورة النساء

(٤) الآية ١٣ سورة إبراهيم

(٥) أي خوفا

(٦) الظاهر أنه يريد أنه مرفوع فى المعنى بالاتباع في قوله : «اتبعك» يريد أنه فاعل الاتباع فى الحقيقة وإن كان الفعل واقعا على (الذين) اسم الموصول فهو اسمه.

(٧) أي الكناية

(٨) أي كأن أحدا.

(٩) سقط ما بين القوسين فى ش.

(١٠) في ا : «مصمود» والصمد والصمد : القصد

١٠

المعرفة ، وأنت لا تقول : ما قمت إلا زيد فهذا وجه قبحه. كذلك قال : (ما نَراكَ) ثم كأنه حذف (نراك) وقال : (ما اتّبعك إلا الذين هم أراذلنا) فان على هذا ما ورد عليك إن شاء الله :

(بادِيَ الرَّأْيِ) لا تهمز (بادِيَ) لأن المعنى فيما يظهر لنا [و (١)] يبدو. ولو قرأت (٢) (بادىء (٣) الرأى) فهمزت تريد أوّل الرأى لكان صوابا. أنشدنى بعضهم :

أضحى لخالى شبهى بادى بدى

وصار للفحل لسانى ويدى (٤)

فلم يهمز ومثله مما تقوله العرب فى معنى ابدأ بهذا أوّل ، ثم يقولون. ابدأ بهذا آثرا ما وآثر ذى أثير (وأثير (٥) ذى أثير) وإثر ذى أثير ، وابدأ بهذا أوّل ذات يدين وأدنى دنىّ. وأنشدونا :

فقالوا ما تريد فقلت ألهو

إلى الإصباح آثر ذى أثير (٦)

وقوله : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) [٢٧] مثل قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُ (٧) إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) لأنهم كذّبوا نوحا وحده ، وخرج على جهة الجمع ، وقوله (فَإِلَّمْ (٨) يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) فلكم أريد بها النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله : (فَاعْلَمُوا) ليست للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. إنما هى لكفّار مكّة ألا ترى أنه قال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

وقوله : (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ).

__________________

(١) زيادة من اللسان فى (بدأ) و (بدا).

(٢) قرأ بالهمز أبو عمرو.

(٣) كذا في ا. وفى ش ، ج : «بادى بابتداء الرأى» وفيها تحريف.

(٤) فى ا : «شبه» فى مكان «شبهى» يريد أن ظاهره فى الشبه لخاله ، فى الفعل باليد أو اللسان فهو ينزع إلى الفحل أي إلى أبيه ، وفي اللسان (بدا) أنه تعدى شرخ الشباب وصارت أعماله أعمال الفحولة والكهول.

(٥) ما بين القوسين فى ب.

(٦) هذا البيت من قصيدة لعروة بن الورد. كان قد سبى امرأة من كنانة وعاشرها مدة طويلة حتى كان له منها ولد. ثم عرفها أهلها وافتدوها منه بمال وتحينوا سكره فى ذلك ، فلما أيقن أنه سيفارقها طلب أن يلهو بها ليلته. وانظر الأغانى (الدار) ٣ / ٨٧.

(٧) أول سورة الطلاق.

(٨) الآية ١٤ سورة هود.

١١

يعنى الرسالة. وهى نعمة ورحمة. وقوله : (فعمّيت عليكم) قرأها يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة (١). وهى فى قراءة أبىّ (فعمّاها عليكم) وسمعت العرب تقول : قد عمّى علىّ الخبر وعمى علىّ بمعنى واحد. وهذا ممّا حوّلت العرب الفعل إليه وليس له ، وهو فى الأصل لغيره ؛ ألا ترى أن الرجل الذي يعمى عن الخبر أو يعمّى عنه ، ولكنّه فى جوازه مثل قول العرب : دخل الخاتم فى يدى والخفّ فى رجلى ، وأنت تعلم أن الرجل التي تدخل فى الخفّ والأصبع فى الخاتم. فاستخفّوا بذلك إذا (٢) كان المعنى معروفا لا يكون لذا فى حال ، ولذا فى حال ؛ إنما هو لواحد. فاستجازوا ذلك لهذا. وقرأه العامّة (فعميت) وقوله (أَنُلْزِمُكُمُوها) العرب تسكّن الميم التي من اللزوم فيقولون : أنلزمكموها. وذلك أن الحركات قد توالت فسكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنها مرفوعة ، فلو كانت منصوبة لم يستثقل فتخفّف. إنما يستثقلون كسرة بعدها ضمة أو ضمة بعدها كسرة أو كسرتين متواليتين أو ضمّتين متواليتين. فأمّا الضمّتان فقوله : (لا يَحْزُنُهُمُ) (٣) جزموا النون لأن قبلها ضمة فخفّفت كما قال (رسل) (٤) فأمّا الكسرتان فمثل قوله الإبل إذا خفّفت. وأمّا الضمّة والكسرة فمثل قول الشاعر :

وناع يخبّرنا بمهلك سيّد

تقطّع (٥) من وجد عليه الأنامل

وإن شئت تقطّع. وقوله فى الكسرتين :

إذا اعوججن قلت صاحب قوّم (٦)

__________________

(١) وكذلك قرأها الكسائي وحفص عن عاصم.

(٢) ا : «إذ»

(٣) الآية ١٠٣ سورة الأنبياء.

(٤) ب : «وأما».

(٥) ضبط فى ا : «تقطع» بصيغة الماضي.

(٦) هذا رجز بعده :

بالدون أمثال السفين العوم

قال الأعلم : «والدو : الصحراء. وأراد بأمثال السفين رواحل محملة تقطع الصحراء قطع السفين البحر» وانظر سيبوية ٢ / ٢٩٧.

١٢

يريد صاحبى فإنما يستثقل الضمّ والكسر لأن لمخرجيهما مؤونة على اللسان والشفتين تنطمّ (١) الرفعة بهما فيثقل الضمّة ويمال أحد الشّدقين إلى الكسرة فترى ذلك ثقيلا. والفتحة تخرج من خرق الفم بلا كلفة.

وقوله : (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) [٣٠].

يقول : من يمنعنى من الله. وكذلك كلّ (٢) ما كان فى القرآن منه فالنصر على جهة المنع. وقوله : (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) [٣٥].

يقول : فعليّ إثمى. وجاء فى التفسير فعليّ آثامي ، فلو قرئت : أجرامى على التفسير كان صوابا. وأنشدنى أبو الجراح :

لا تجعلونى كذوى الأجرام

الدّهمسيّين ذوى ضرغام (٣)

فجمع الجرم أجراما. ومثل ذلك (وَاللهُ (٤) يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) و (أسرارهم) وقد قرئ بهما (٥). ومنه (وَمِنَ (٦) اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) و (أدبار السّجود) فمن قال : (إدبار) أراد المصدر. ومن قال (أسرار) أراد جمع السّر.

وقوله : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [٣٦] يقول : (لا تستكن ولا تحزن).

وقوله : (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) [٣٧] كقوله (ارْجِعُونِ) (٧) يخرج على الجمع ومعناه واحد على ما فسّرت لك من قوله (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) لنوح وحده ، و (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ).

__________________

(١) ش : «وضم».

(٢) سقط فى ا.

(٣) «الدهمسيين» نسبة إلى الدهمسة وهى السرار أي الذين يتسترون لخبثهم. وضرغام علم. يريد آل هذا الرجل.

(٤) الآية ٢٦ سورة محمد.

(٥) قرأ بكسر الهمزة حفص وحمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون بفتحها.

(٦) الآية ٤٠ سورة ق. قرأ نافع وابن كثير وحمزة وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها.

(٧) الآية ٩٩ سورة المؤمنين.

١٣

وقوله : (وَفارَ التَّنُّورُ) [٤٠] هو تنّور الخابر : إذا فار الماء من أحرّ مكان فى دارك فهى آية العذاب فأسر بأهلك. وقوله (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) والذكر والأنثى من كل نوع زوجان. وقوله (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) حمل معه امرأة له سوى التي هلكت ، وثلاثة بنين ونسوتهم ، وثمانين إنسانا سوى ذلك. فذلك قوله (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) و (الثمانون (١)) هو القليل.

وقوله : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ) [٤١] (إن شئت جعلت مجراها ومرساها) فى موضع رفع بالياء ؛ كما تقول : إجراؤها وإرساؤها بسم الله وبأمر الله. وإن شئت جعلت (بِسْمِ اللهِ) ابتداء مكتفيا بنفسه ، كقول القائل عند الذبيحة أو عند ابتداء المأكل وشبهه : بسم الله ويكون (مجريها ومرسيها) فى موضع نصب يريد بسم الله فى مجراها وفى مرساها. وسمعت العرب تقول : الحمد لله سرارك (٢) وإهلالك (٣) ، وسمع منهم الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك يريدون ما بين إهلالك إلى سرارك.

والمجرى والمرسى ترفع ميميهما قرأ بذلك إبراهيم النخعىّ والحسن وأهل المدينة. حدّثنا محمد قال : حدّثنا الفراء قال : حدّثنا أبو معاوية (٤) عن الأعمش عن مسلم (٥) بن صبيح عن مسروق أنه قرأها (مَجْراها) بفتح الميم و (مرسها) بضم الميم. قال : وحدّثنا الفراء قال حدثنا أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن رجل قد سمّاه عن عرفجة أنه سمع عبد الله بن مسعود قرأها (مجراها) بفتح الميم ورفع الميم من مرسيها. وقرأ مجاهد (مجريها ومرسيها) يجعله من صفات الله عزوجل ، فيكون فى موضع خفض فى الإعراب لأنه معرفة. ويكون نصبا لأن مثله قد يكون نكرة لحسن الألف واللام فيهما ؛ ألا ترى

__________________

(١) ب : «فالثمانون).

(٢) سرار القمر خفاؤه فى أواخر الشهر. وإهلاله حيث يظهر هلاله. يقال هذا عند رؤية الهلال.

(٣) سرار القمر خفاؤه فى أواخر الشهر. وإهلاله حيث يظهر هلاله. يقال هذا عند رؤية الهلال.

(٤) هو محمد بن خازم الضرير مات سنة ١٩٥ ه‍ كما فى الخلاصة.

(٥) هو أبو الضحى العطار الكوفي توفى فى خلافة عمر بن عبد العزيز كما فى الخلاصة.

١٤

أنك تقول فى الكلام : بسم الله المجريها والمرساها. فإذا نزعت منه الألف واللام نصبته (١). ويدلّك على نكرته قوله : (هذا (٢) عارِضٌ مُمْطِرُنا) وقوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ (٣) عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) فأضافوه إلى معرفة ، وجعلوه نعتا لنكرة. وقال الشاعر (٤) :

يا ربّ عابطنا لو كان يأملكم

لا قى مباعدة منكم وحرمانا

وقال الآخر :

ويا رب هاجى منقر يبتغى به

ليكرم لمّا أعوزته المكارم

وسمع الكسائىّ أعرابيّا يقول بعد الفطر : ربّ صائمه لن يصومه وقائمه لن يقومه.

وقوله : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) [٤٣] (قالَ) نوح عليه‌السلام (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) فمن فى موضع نصب ؛ لأن المعصوم خلاف للعاصم والمرحوم معصوم. فكأنه نصبه بمنزلة قوله (ما لَهُمْ بِهِ (٥) مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) ومن استجاز رفع الاتباع أو الرفع فى قوله :

وبلد ليس به (٦) أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس

لم يجزله الرفع فى (من) لأن الذي قال : (إلّا اليعافير) جعل أنيس البرّ اليعافير والوحوش ، وكذلك قوله (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) يقول : علمهم ظنّ وأنت لا يجوز لك فى وجه أن تقول : المعصوم عاصم. ولكن لو جعلت العاصم فى تأويل معصوم كأنك قلت : لا معصوم اليوم من أمر الله لجاز رفع (من) ولا تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل ؛ ألا ترى قوله (مِنْ (٧) ماءٍ دافِقٍ) فمعناه والله أعلم : مدفوق

__________________

(١) على أنه سال.

(٢) الآية ٢٤ سورة الأحقاف.

(٣) الآية ٢٤ سورة الأحقاف.

(٤) هو جرير من قصيدة يهجو فيها الأخطل

(٥) الآية ١٥٧ سورة النساء.

(٦) فى ا : «بلد ليس بها» وبلد محرف عن بلدة كما هى رواية سيبويه ١ / ٣٦٥. واليعافير أولاد الظباء واحدها يعفور. والعيس بقر الوحش لبياضها.

(٧) الآية ٦ سورة الطارق.

١٥

وقوله (فِي عِيشَةٍ (١) راضِيَةٍ) معناها مرضيّة ، وقال الشاعر (٢) :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى

معناه المكسوّ. تستدلّ على ذلك أنك تقول : رضيت هذه المعيشة ولا تقول : رضيت ودفق الماء ولا تقول : دفق ، وتقول كسى العريان ولا تقول : كسا. ويقرأ (إلّا من رحم) أيضا (٣). ولو قيل لا عاصم اليوم من أمر الله إلّا من رحم كأنّك (٤) قلت : لا يعصم (٥) الله اليوم إلّا من رحم ولم نسمع (٦) أحدا قرأ به.

وقوله : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) [٤٤] وهو جبل بحضنين (٧) من أرض الموصل ياؤه مشدّدة وقد حدّثت أنّ بعض (٨) القراء قرأ (على الجودي) بإرسال الياء. فإن تكن صحيحة فهى مما كثر به الكلام عند أهله فخفّف ، أو يكون قد سمّى بفعل أنثى مثل حطىّ وأصرّى وصرّى ، ثم أدخلت عليه الألف واللام. أنشدنى بعضهم ـ وهو المفضّل ـ :

وكفرت قوما هم هدوك لأقدمى

إذ كان زجر أبيك سأسأ واربق (٩)

__________________

(١) الآية ٢١ سورة الحاقة.

(٢) هو الحطيئة. والبيت من قصيدة يهجو فيها الزبرقان بن بدر التميمي.

(٣) سقط فى ا.

(٤) كذا فى ا. وفى شىء : «فإنك». ويصح أن يكون جواب لو بإسقاط الفاء.

(٥) ب : «يعصم».

(٦) فى الكشاف أنه قرىء به. ولم يذكر القارئ.

(٧) كذا فى الأصول. ولم أقف عليه فى البلدان. وقد يكون : «بحصنين» تثنيه حصن لما يتحصن به. وفى القاموس أن حصنين بلد وقلعة بوادي لية ولية فى بلاد العرب وليس فى الموصل. ولم يعين البلد ولم يعرف أين هوه.

(٨) هو الأعمش برواية المطوعى كما فى الإتحاف.

(٩) «أقدمى» يقولها الفارس لفرسه يأمرها بالإقدام فى الحرب ، وفى الحديث فى يوم بدر أنه سمع صوت يقول : أقدم حيزوم وحيزوم فرس جبريل عليه‌السلام ، وقد جعل هذا زجرا والمعروف فى زجر الفرس اجدم. وسأسأزجر الحمار. يقول كفرت قوما علموك الغزو ورشحوك للسيادة ، وقد كنت قبل تركب الحمار وترعى الغنم. وقوله : اربق أي اربط الغنم فى حبل يجمعها.

١٦

وأنشدنى بعض بنى أسد :

لمّا رأيت أنها فى حطّى

وفتكت فى كذبى ولطّى (١)

والعرب إذا جعلت مثل حطّى وأشباهه اسما فأرادوا أن يغيّروه عن مذهب الفعل حوّلوا الياء ألفا فقالوا : حطّا ، أصرّا ، وصرّا. وكذلك ما كان من أسماء العجم آخره ياء ؛ مثل ماهى وشاهى وشنىّ حوّلوه إلى ألف فقالوا : ماها وشاها وشنّا. وأنشدنا (٢) بعضهم :

أتانا حماس بابن ماها يسوقه

لتبغيه خيرا وليس بفاعل

(وَحالَ (٣) بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء.

وقوله : (يا أَرْضُ (٤) ابْلَعِي) يقال بلعت وبلعت.

وقوله : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [٤٦] الذي وعدتك أن أنجيهم ثم قال عزوجل : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (وعامّة القراء (٥) عليه) حدّثنا محمد قال حدثنا الفراء قال : وحدّثنى حبّان (٦) عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس بذلك يقول : سؤالك إيّاى ما ليس لك به علم عمل غير صالح. وعامّة القراء عليه. (حدثنا (٧) الفرّاء) قال : وحدثنى (٨) أبو اسحق الشيبانىّ قال حدثنى أبو روق (٩) عن محمد (١٠)

__________________

(١) تقدم هذا الرجز ببعض تغيير مع صلة له فى الجزء الأول ص ٣٦٩.

(٢) ا : «أنشد».

(٣) هذا فى الآية ٤٣.

(٤) فى الآية ٤٤.

(٥) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٦) ش : «حسان».

(٧) سقط ما بين القوسين فى ش.

(٨) هو سليمان بن أبى سليمان فيروز مات سنة ١٣٨ كما فى الخلاصة.

(٩) هو عطية بن الحارث الهمداني الكوفي كما فى الخلاصة.

(١٠) كانت وفاته سنة ١٣١ ه‍.

١٧

بن حجادة عن أبيه عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) يقرأ (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (حدثنا (٢) الفراء) قال وحدثنى (٣) ابن أبى يحيى عن رجل قد سمّاه قال ، لا أراه إلا ثابتا البنانىّ عن شهر بن حوشب عن أمّ سلمة قالت : قلت يا رسول الله : كيف أقرؤها؟ قال (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ).

وقوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ويقرأ : تسألنّى بإثبات الياء وتشديد النون ويجوز أن تقرأ (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ) بنصب النون ، ولا توقعها إلّا على (ما) وليس فيها ياء فى الكتاب والقراء قد اختلفوا فيما يكون فى آخره الياء وتحذف فى الكتاب : فبعضهم يثبتها ، وبعضهم يلقيها من ذلك (أَكْرَمَنِ) (٤) و (أَهانَنِ) (٥) (فما آتان (٦) الله) وهو كثير فى القرآن.

وقوله : (بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [٤٨] يعنى ذرّيّة من معه من أهل السعادة. ثم قال : (وَأُمَمٌ) من أهل الشقاء (سَنُمَتِّعُهُمْ) ولو كانت (وأمما سنمتّعهم) نصبا لجاز توقع عليهم (٧) (سَنُمَتِّعُهُمْ) كما قال (فَرِيقاً (٨) هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ).

وقوله : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ [٤٩]) يصلح مكانها (ذلك) مثل قوله (ذلِكَ (٩) مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) والعرب تفعل (١٠) هذا فى مصادر الفعل إذا لم يذكر مثل قولك : قد قدم فلان ، فيقول الآخر : قد فرحت بها وبه. فمن أنّث ذهب بها إلى القدمة ، ومن ذكّر ذهب إلى القدوم. وهو مثل قوله (ثُمَّ تابُوا (١١) مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا).

__________________

(١) وهى قراءة الكسائي

(٢) ش : «حدثنى به»

(٣) ش : «حدثنى به»

(٤) الآية ١٥ سورة الفجر

(٥) الآية ١٦ سورة الفجر

(٦) الآية ٣٦ سورة النمل

(٧) ش : «أن توقع»

(٨) الآية ٣٠ سورة الأعراف

(٩) الآية ١٠٠ سورة هود

(١٠) ش : «مثل هذا»

(١١) الآية ١٥٣ سورة الأعراف

١٨

وقوله : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) يقول : لم يكن علم نوح والأمم بعده من علمك ولا علم قومك (مِنْ قَبْلِ هذا) يعنى القرآن.

وقوله : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) [٥٢] يقول : يجعلها تدرّ عليكم عند الحاجة إلى المطر ، لا أن تدرّ ليلا ونهارا. وقوله (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) ذكروا أنه كان انقطع عنهم الولد ثلاث سنين. وقال (قُوَّةً) لأن الولد والمال قوة.

وقوله : (إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [٥٤] كذّبوه ثم جعلوه مختلطا (١) وادّعوا أنّ آلهتهم هى التي خبلته لعيبه آلهتهم. فهنالك قال : إنى أشهد الله وأشهدكم أنى برىء منها.

وقوله : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) [٥٧] رفع : لأنه جاء بعد الفاء. ولو جزم كان كما قال (مَنْ) (٢) (يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) كان (٣) صوابا. وفى قراءة عبد الله (ولا تنقصوه) جزما. ومعنى لا تضرّوه يقول : هلاككم إذا أهلككم لا ينقصه شيئا.

و (عاد) مجرى (٤) فى كل القرآن لم يختلف فيه. وقد يترك إجراؤه ، يجعل اسما للأمّة التي هو منها ، كما قال الشاعر :

أحقّا عباد الله جرأة محلق

علىّ وقد أعييت عاد وتبّعا

وسمع الكسائىّ بعض العرب يقول : إن عاد وتبّع أمّتان.

وقوله : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) [٦٤].

نصبت صالحا وهودا وما كان على هذا اللفظ بإضمار (أرسلنا).

__________________

(١) يقال : اختلط :؟؟؟ عقله.

(٢) الآية ١٨٦ سورة الأعراف. والجزم قراءة حمزة والكسائي وخلف كما فى الاتحاف.

(٣) هذه الجملة بدل من قوله : «كان كما قال ..»

(٤) أي مصروف

١٩

وقد اختلف القراء فى (ثمود) فمنهم من أجراه فى كلّ حال. ومنهم من لم يجره فى حال. حدّثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدّثنى قيس عن أبى إسحق عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخمىّ عن أبيه أنه كان لا يجرى (ثمود) فى شىء من القرآن (فقرأ (١) بذلك حمزة) ومنهم من أجرى (ثمود) فى النصب لأنها مكتوبة بالألف فى كل القرآن إلا فى موضع واحد (وَآتَيْنا (٢) ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) فأخذ بذلك الكسائىّ فأجراها فى النصب ولم يجرها فى الخفض ولا فى الرفع إلّا فى حرف واحد : قوله (أَلا إِنَ (٣) ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) فسألوه (٤) عن ذلك فقال : قرئت فى الخفض (٥) من المجرى وقبيح أن يجتمع الحرف مرتين فى موضعين ثم يختلف ، فأجريته لقربه منه.

وقوله : (كَفَرُوا رَبَّهُمْ) [٦٨] جاء فى التفسير : كفروا نعمة ربهم. والعرب تقول : كفرتك. وكفرت بك ، وشكرتك وشكرت بك وشكرت لك. وقال الكسائىّ : سمعت العرب تقول : شكرت بالله كقولهم : كفرت بالله.

وقوله : (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) [٦٣] يقول : فما تزيدوننى غير تخسير لكم وتضليل لكم ، أي كلّما اعتذرتم بشىء هو يزيدكم تخسيرا. وليس غير تخسير لى أنا. وهو كقولك للرجل ما تزيدنى إلّا غضبا أي غضبا عليك.

وقوله : (سَلاماً قالَ سَلامٌ) [٦٩] قرأها (٦) يحيى ابن وثّاب وإبراهيم النخعىّ. وذكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قرأ بها. وهو فى المعنى سلام كما قالوا حلّ وحلال ، وحرم وحرام لأن

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) الآية ٥٩ سورة الإسراء

(٣) الآية ٦٨ سورة هود

(٤) ا : «فسألته»

(٥) كذا فى الأصول. والأولى : «النصب»

(٦) وهى قراءة حمزة والكسائي

٢٠