تراثنا ـ العددان [ 125 و 126 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 125 و 126 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٥١٠

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الأوّل والثاني [١٢٥ ـ ١٢٦]

السنة الثانية والثلاثون

محتـويات العـدد

* كلمة العـدد :

* أنصار الله وعباده.

...................................................................  هيئة التحرير ٧

* النعماني ومصادر الغيبة (١)

..............................................  السيّد محمّد جواد الشبيري الزنجاني ١٠

* مسائل محمّد بن مسلم

..................................................  السيّد محمّد العمادي الحائري ٦٦

* الأستاذ الشيخ محمود أبو ريّة دراسة في منهجه

............................................................  أحمد رضا مرادي ١٠٨

* السيّد جعفر بحر العلوم (صاحب كتاب تحفة العالم)

........................................................  أحمد علي مجيد الحلّي ١٨٥

٢

محرّم ـ جمادى الآخرة

١٤٣٧ هـ

* الشيخ عليّ كاشف الغطاء (صاحب الحصون المنيعة في طبقات الشيعة)

........................................................  د. عباس هاني الجرَّاخ ٢٥١

* دراسة في تراث الشهيدين العامليّين (٢)

.....................................................  السيّد عليّ محمود البعّاج ٣١٥

* المرويّات التاريخية في واقعة الطفّ

...........................................  د. محمّد جواد نور الدين فخر الدين ٣٩٢

* فهرس النصوص المحقّقة في مجلّة تراثنا

.........................................................  حيدر كاظم الجبوري ٤٢٠

* من ذخائر التراث :

* رسالة في ترجمة المولى أبي الحسن الشريف الفتونيّ

.....................................................  تحقيق : وحيد الشوندي ٤٦١

* من أنباء التراث.

...............................................................  هيئة التحرير ٥٠٣

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (رسالة في ترجمة المولى أبي الحسن الشريف الفتونيّ) للمحدّث النوري والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

كلمة العـدد :

أنصار الله وعباده

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

قومٌ قطنوا أعالي الجبلْ ، لم يخنعوا لذلٍّ ولم يعروهم الفَشَلْ ، حلماء أبرار أشاوس أحرار ، نزهت فطرتهم وسلمت عشرتهم ، عشقوا السفح والوهاد فألفتهم القفار والبواد وأمنت بهم البلاد واطمأنّ لهم العباد ، لم يسكنوا القصور ولم ترخ دونهم الستور ، سادوا من غير ظلم للعشائر والمعاشر ، ركبوا الصعاب دون ارتكاب الكبائر ، وطئوا الرمال وساقوا الجمال وكانت الزهادة والبساطة لهم خير عيش وحال ، أبناء مقداد وعمّار وأويس ومالك وكميل وحجر أُرومةً ومجداً وإيماناً ورشداً ، ومن سلالة همدان وبني نخع وحمير ومذحَج والأشعرية نجاراً ومحتداً وعهداً ، أمّةٌ اعتنقت الإسلام طوعاً فلم

٧

يدخل ديارها عنوة وصدّاً ، حيث سجد النبيّ لإسلامهم قائلا : «السلام على همدان السلام على همدان» فكان قوله(صلى الله عليه وآله) لهم شعاراً وفخاراً وزلفةً وانتصاراً ، وتلألأ جبين تاريخهم عزّةً واعتباراً وزهواً وبهواً وازدهاراً ، امتزجت فطرتهم بفطرة الإسلام ، حيث أتت إليهم أوّل راية رفعها أخو الرسول وابن عمّ خير الأنام ، سيّد الموحّدين وإمام المتّقين أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ، حيث حاورهم وعرض عليهم ما جاء به محمّد نبيّ الرّحمة من رحمانية وعطاء وإنسانية وإباء وحنيفية بيضاء ، فقبلوا ذلك بعقلانية ورشاد وحبٍّ ووداد ، فأسلموا دون استسلام وسلّموا لعليٍّ القياد والزمام ، فهم أهل عقل ونبل وكرامة وكياسة ، لا أهل خدع ومكر وفلتة وسياسة ، مرّت عليهم السنون وتوالت القرون وهم على فطرتهم وإسلامهم ثبات ، دهمتهم الدواهي وزجرتهم الأوامر والنواهي وهم في عشرتهم وملّتهم بواسل أُباة ، وأقران كماة ، لم تأخذهم في الله لومة لائم ، ولم تثنهم طخية متجبِّر هائم ، آمنوا بدين ربّ المنّة ، فكان لهم الإسلام خير وقاء وجنّة ، ولم تمزّق أُلفتهم كلمة شيعة وسنّة.

فلمّا احتمدت الأَرب ، وتفاقمت الكُرَب ، ونَعق ناعق ربيع العرب ، قامت لتعرب عن كلمتها ، موحّدة صفوف أمّتها ، ماضيةً لله في دربها وسمتها ، أنّها على نهج الحسين وأبيه وأمّه وأخيه وجدّه وبنيه المعصومين الأطهار الأبرار الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فعصفت بهم العواصف ، واشتدّت بهم الريح السفاسف ، فكانت (العاصفة) جريمةً شنعاءَ

٨

نكراءَ زفّتها إليهم أيادي الفتك والغدر التي هامت فلم ترعوي في سقوط حجاج بيت الله الحرام ومنى ضحاياً وقتلى ، أتُرى جدِّلوا على رمضائها شهداء ختلا؟! أم إنّها أكفّ سوء دبّرت أمرا ، فملأت القلوب كمداً وذعراً ، من حيث أُزهقت أرواح حجيج البيت الحرام صبراً.

فماذا عدا ممّا بدا؟!! وأيّ رشاد اتّبعوه وأيّ هدى ، وبأيّ حجّة سيلاقون ربّهم (يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوْبُ لَدَى الحَنَاجِرِ كَاظِمِيْنَ مَا لِلظّالِمِيْنَ مِنْ حَمِيْم وَلاَ شَفِيْع يُطَاعُ) وأيّ منطق علّقوه على أستار الكعبة المشرّفة ، وأيّ رسالة شيّدوها لنبيّ الرحمة في قتل الأبرياء من شباب وشيوخ وأطفال رضّع ونساء ، إنّه لشرّ صنيع وبلاء ، وأبشع مكر ودهاء ، وأتعس غدر وجفاء.

فصبراً يا أنصار الله وعباده فإنّ العاقبة للمتّقين (وَسَيَعْلَمُ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُوْنَ) وحسبنا وحسبكم ما وعده ربّ العزّة في كتابه الكريم (إنّا مِنَ المُجْرِمِيْنَ مُنْتَقِمُوْنَ) لقد عجز القلم عن البيان كما عجز اللسان ، وإنّما طأطأ إجلالا لكم علّه أن يؤازركم ببعض الكلمات قائلا : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرِبِّهِمْ).

٩

النعماني ومصادر الغيبة (١)

(١)

السيّد محمّد جواد الشبيري الزنجاني

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة :

إنّ مفهوم غيبة صاحب العصر والزمان (عج) وبيان أسبابها وأبعادها ومسح الغبار عن وجهها الناصع قد أفضى إلى تأليف الكثير من الكتب عبر القرون الأولى ومن قبل المنتسبين إلى مختلف الفرق والمذاهب الإسلامية ، وللأسف الشديد لم يصل إلينا من هذه الكتب الكثيرة عبر عوادي الزمن غير النزر القليل ، حتّى أنّ بعض هذه المصادر لا نرى سوى أسماء لها في كتب الفهارس من قبيل : فهرست النجاشي ، المعروف بـ : رجال النجاشي ، وفهرست الشيخ الطوسي وغيرها ، وعلى الرغم من ذلك يمكن لنا من خلال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تعريب : السيّد حسن علي مطر الهاشمي.

١٠

البحث والتنقيب أن نحفر كوّة في جدار التراث للوصول إلى الكتب المفقودة ، وإنّ هذه المهمّة رهن بتنقيح مباني منهج جديد في المباحث الرجالية والتعريف بالكتب ، وهي عملية يمكن تسميتها بـ : (تحديد المصادر).

وقد وقف كاتب هذه السطور منذ سنوات على أهمّية هذا النوع من البحوث ، وقام بجهود حثيثة في بيان الأبعاد النظرية والعملية لهذا النوع من الأبحاث ، على أمل أن تجد هذه الأعمال طريقها إلى النشر.

هناك ثلاثة مصادر هامّة لبحث (الغيبة) وهي : كتاب الغيبة لأبي عبد الله النعماني (في النصف الأوّل من القرن الرابع) ، وكتاب كمال الدين وتمام النعمة(١) للشيخ أبي جعفر الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١هـ) ، وكتاب الغيبة للشيخ أبي جعفر الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠هـ).

تمّ تأليف كلّ واحد من هذه الكتب الثلاثة بأسلوب خاصّ ، بيد أنّها بأجمعها تشترك في العديد من المسائل ، ومن بين الأمور التي تشترك فيها هذه الكتب الثلاثة هو افتقادنا لأكثر مصادرها ، ومن هنا أضحت تعرف بوصفها من المصادر الأولى ، وإنّ الأثر الروائي الأوّل من بين هذه الكتب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) هناك من ذهب إلى القول بأنّ عنوان هذا الكتاب هو : إكمال الدين وإتمام النعمة ، وهو خطأ بدليل أنّ الصدوق نفسه ـ وهو مؤلّف الكتاب ـ يشير إلى هذا الكتاب في جميع أعماله الأخرى بعنوان (كمال الدين وتمام النعمة) ، كما أنّ القول باقتباس هذا العنوان من الآية الثالثة من سورة المائدة لا ينهض دليلاً على تسمية الكتاب بـ : (إكمال الدين وإتمام النعمة) ، ونترك تفصيل البحث في هذه النقطة إلى فرصة أخرى.

١١

الثلاثة هو كتاب غيبة النعماني ، وقد اختصّ هذا الكتاب بذكر الأحاديث المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام(١) ، وأحياناً الأحاديث المأثورة عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بشأن الغيبة ومبانيها الاعتقادية ، ولا تجد في هذا الكتاب شيئاً من الحديث عن غيبة الأنبياء السابقين ، وأخبار المعمّرين وما إلى ذلك ـ ممّا استحوذ على جزء كبير من كتاب كمال الدين وتمام النعمة ـ كما لم يبحث في تاريخ الغيبة ، من جهة : ولادة الإمام المهدي ، ووقائع الغيبة الصغرى ، وسيرة النوّاب الأربعة ، والتوقيعات الصادرة عن الناحية المقدّسة ، وما إلى ذلك من الأبحاث التي نشاهدها في كتاب كمال الدين وتمام النعمة ، وكذلك في غيبة الشيخ الطوسي ، كما لا نشاهد في هذا الكتاب شيئاً من البحوث والمسائل (الكلامية ـ العقلية) التي شكّلت مدخلاً لكتاب غيبة الشيخ الطوسي ، فقد بحث النعماني في كتابه موضوع الغيبة ومبانيها الاعتقادية من زاوية روائية بحتة ، وقد شكّلت مسائل من قبيل : ضرورة وجود الإمام ، والأئمّة الإثنا عشر ، وكونهم أوصياء ، وأنّهم منصوص عليهم من قبل الله ، وضرورة الاعتقاد بالإمام والحجّة على الأرض ، وضرورة الصبر وانتظار الفرج في عصر الغيبة ، واختبار الشيعة وامتحانهم في هذه الحادثة ، وكذلك أوصاف الإمام المنتظر (عج) ، وعلامات الظهور ، وجانب من أحوال الإمام وخصائص أنصاره وأصحابه وشيعته في عصر الظهور ، وهذه نماذج من المسائل المبحوثة في كتاب الغيبة للنعماني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) غيبة النعماني : ٢٣ ـ ٢٩.

١٢

ومن بين ما يميّز هذا الكتاب اعتماده على الكثير من المصادر التي لا نجدها إلاّ في هذا الكتاب حصريّاً ، ولذلك فقد اشتمل هذا الكتاب على الكثير من الأحاديث التي لم يرد ذكر لها في غيره من مصادر الغيبة الموجودة بين أيدينا ، وهذا ما سيتّضح من خلال الجولة التي سنقوم بها على مصادر هذا الكتاب في هذا المقال.

تتبّع المصادر :

إنّ البحث في تتبّع مصادر الكتب الحديثية يعدّ من الأبحاث الهامّة التي لم تحظ بالاهتمام الكافي ، وإنّ السبب الرئيسي لعدم الخوض في هذا البحث يكمن في استحالة الوصول إلى مثل هذه المصادر ، ولكن بعد توفّر برامج الحاسوب فيما يتعلّق بالكتب الحديثية أصبح الخوض في هذا النوع من الأبحاث متاحاً ، وفيما يلي نستعرض فهرسة لبعض الفوائد المترتّبة على بحث تتبّع المصادر :

١ ـ إنّ معرفة مصادر الكتاب تؤثّر على تقييم مدى ما لذلك الكتاب من قيمة واعتبار ؛ فكلّما ارتفعت قيمة مصادر الكتاب انعكس ذلك على رفع رصيد ذلك الكتاب نفسه.

٢ ـ كما يؤثّر بحث معرفة المصادر على تقييم اعتبار تلك المصادر ؛ إذ أنّ اعتماد العلماء الكبار على كتاب يلعب دوراً كبيراً في إثبات الاعتبار والقيّمة العلمية له.

١٣

٣ ـ من خلال تتبّع المصادر يمكن ترميم أجزاء من التراث المفقود ، وبذلك نحصل على رؤية أفضل بشأن مضمون هذه الكتب.

٤ ـ إنّ معرفة مصادر الروايات المسندة تحظى في المباحث الحديثية بأهمّية قصوى ، إذ من خلال ذلك يمكن لنا أن نخطو خطوات واسعة في التعرّف إلى التحريفات والتصحيفات الواقعة في الأسانيد ، وتمييز المشتركات الواقعة فيها ، ورفع الإبهامات الموجودة في الأسانيد وما إلى ذلك ، إلاّ أنّ هذا المقال لا يستوعب التفصيل في هذا البحث.

٥ ـ هناك مباني رجالية هامّة لا تحتاج إلى بحث في طرقها إلى الكتب ، ومن هنا يغدو العثور على الطرق في الأسانيد هامّاً للغاية.

٦ ـ هناك توجّه عند المستشرقين عموماً ، وهو أنّهم يرجعون تاريخ أيّ مقولة أو نظرية تصلهم إلى تاريخ الحقبة الزمنية التي دوّنت بها تلك المقولة ، وبغضّ النظر عن الإشكالات المبنائية الهامّة الواردة على هذا التوجّه الناشئ عن عدم معرفة ماهية السند ودوره في المستندات التاريخية ، إلاّ أنّ هذا التوجّه على كلّ حال ألقى بظلاله على الطبقة المثقّفة وعلى الجامعيّين من ذوي الاختصاص في العلوم الإنسانية ، وطبقاً لهذا التوجّه فإنّ العثور على المصادر المدوّنة لكتاب ما يمكنه أن يدفع بتاريخ تلك المقولة إلى أعوام وربّما قرون من تاريخها الواقعي ، ممّا يضفي تأكيداً على أصالة تلك المقولة.

وبناءً على هذا تمّ ترتيب هذا المقال على ثلاثة أقسام ، على النحو الآتي :

١٤

الفصل الأوّل : تاريخ حياة المؤلّف : وقد سعينا في هذا الفصل من خلال البحث في المصادر الحديثية والرجالية المتوفّرة إلى عرض المزيد عن سيرة النعماني وشيوخه وتلاميذه وغايته من تأليف كتاب الغيبة ، والتاريخ التقريبي لتأليفه.

الفصل الثاني : مصادر كتاب الغيبة : في هذا الفصل يتمّ التعريف بالمصادر المدوّنة التي استند إليها النعماني في كتابه ، وكذلك الروايات التي سمعها مشافهة من شيوخه ، كما أوردنا في هذا الفصل بحثاً مسهباً بشأن أسلوب العثور على مصادر الكتب الحديثة المسندة أيضاً.

الفصل الثالث : علاقة النعماني بأستاذه الكليني : وقد تمّ تدوين هذا الفصل لرفع بعض الإبهامات بشأن أحاديث باب الإمام الثاني عشر في كتاب الكافي.

جدير بالذكر أنّ جميع الإحالات الموجودة في غيبة النعماني كانت طبقاً لطبعة هذا الكتاب والتي حقّقها الأستاذ علي أكبر الغفّاري (مكتبة الصدوق ، طهران ، ١٣٩٧هـ. ش) ، وقد طبع هذا الكتاب مؤخّراً بالمواصفات الآتية : (أنوار الهدى ، تحقيق : فارس حسّون كريم ، قمّ ، ١٤٢٢هـ. ق) ، وقد كنت أرجو أن تشتمل هذه الطبعة على تصحيح الأخطاء السندية من خلال مقابلتها بالمخطوطة أو الرجوع إلى نسخة بحار الأنوار إلاّ أنّني لم أجد أثراً لهذه التصحيحات ، وبعد مراجعتي لمقدّمة التحقيق أدركت أنّه لم يتمّ الرجوع

١٥

إلى أيّ نسخة خطّية ، وهو أمر يدعو إلى العجب ، والذي يبدو أنّ الميزة الوحيدة لهذه الطبعة تكمن في تخريجات الأحاديث فقط ، على أمل أن يؤخذ تحقيق هذا النوع من التراث بجدّية أكبر.

على أمل أن يحظى هذا المقال برضى صاحب أمرنا ومحبوبنا الغائب عن أنظارنا ، فهو سرّ الخلق والوجود ، وبيمنه رزق الورى وثبتت الأرض.

١٦

الفصل الأوّل

تاريخ حياة النعماني رحمه‌الله

إنّ مؤلّف كتاب الغيبة هو أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الكاتب ، من كبار علماء القرن الهجري الرابع ، وقد وصفه النجاشي ، فقال :

«أبو عبد الله الكاتب ، النعماني ، المعروف بابن زينب(١) ، شيخ من أصحابنا ، عظيم القدر ، شريف المنزلة ، صحيح العقيدة ، كثير الحديث ، قدم بغداد وخرج إلى الشام ومات بها»(٢).

ليس هناك من معلومات دقيقة حول تاريخ ومكان ولادته أو أسرته أو مراحل حياته الأولى ، وما أمكن لنا الحصول عليه من طيّات أسانيد كتاب الغيبة بشأن سيرته وحياته كالآتي :

١ ـ روى له أبو القاسم موسى بن محمّد القمّي عام (٣١٣هـ في شيراز حديث اللوح ـ الحديث المعروف الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) وفي غيبة الطوسي (٩٠ / ١٢٧) تمّ التعبير عنه بـ : «المعروف بابن أبي زينب النعماني الكاتب».

(٢) رجال النجاشي ١٠٤٣ / ٣٨٣.

١٧

عن سعد بن عبد الله الأشعري(١).

٢ ـ في عام (٣٢٧هـ) كان النعماني متواجداً في بغداد ؛ لأنّه أخذ الحديث عن أبي علي محمّد بن همّام في شهر رمضان من تلك السنة في داره الواقعة في بغداد(٢).

٣ ـ وفي عام (٣٣٣هـ) أخذ الحديث عن محمّد بن عبد الله بن معمر الطبراني في طبرية من نواحي الأردن(٣)(٤).

٤ ـ في بداية أسناد عدد من الأحاديث في باب (ما روي من أنّ الأئمّة إثنا عشر من طريق العامّة) نشاهد اسم محمّد بن عثمان ، وقد روى في أكثر هذه الأسانيد عن ابن أبي خيثمة (أبو بكر بن أبي خيثمة = أحمد بن أبي خيثمة = أحمد) ، وفي بداية هذه المجموعة من الأسانيد ذكر الاسم الكامل لهذا الراوي على النحو الآتي : (محمّد بن عثمان بن علاّن الدهني البغدادي) وأشير إلى أنّ أخذ الرواية عنه كان في دمشق(٥) دون أن يعيّن تأريخ الأخذ بالتحديد ، فمن هو هذا الراوي؟ من خلال التتبّع في كتب الرجال والتاريخ لم نعثر على شخص بهذا الاسم ، في حين رأينا في كتب التراجم والرجال عند

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) غيبة النعماني ٥ / ٦٢.

(٢) المصدر نفسه ٦ / ٢٤٩.

(٣) معجم البلدان ، ١٧ ، (أطلس تاريخ الإسلام ، العديد من الموارد) ، معجم ما استعجم ١ / ٩٣.

(٤) غيبة النعماني ١ / ٣٩.

(٥) المصدر نفسه ٣٧ / ١٠٢.

١٨

العامّة شخصاً آخر ويبدو أنّه نفس هذا الراوي.

وقد ترجم مؤلّف تاريخ بغداد لـ : (عثمان بن محمّد بن علي بن أحمد ابن جعفر بن دينار بن عبد الله أبو الحسين المعروف بابن علاّن الذهبي) قائلاً : «عثمان بن محمّد بن علي بن أحمد بن جعفر بن دينار بن عبد الله ، أبو الحسين المعروف بابن علاّن الذهبي ، حدّث بالشام وبمصر» ، ثمّ نقل كلاماً عن المحدّث الذي روى الحديث في دمشق قائلاً : «حدّثنا أبو الحسين عثمان بن محمّد بن علاّن الذهبي البغدادي ، قدم علينا في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة» ، وفي نهاية الترجمة نقل عن بعض المحدّثين أنّه بغدادي ، حيث قال : «أبا الحسين ، بغدادي قدم مصر ... وخرج فتوفّي بدمشق ، قال ابن مسرور : توفّي بحلب. قال لي الصوري : توفّي سنة أربع وثلاثين وثلاثمئة بحلب»(١).

كما ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق قائلاً : «عثمان بن محمّد بن علي بن علاّن بن أحمد بن جعفر أبو الحسين الذهبي البغدادي» ، ثمّ قال : «عثمان بن محمّد بن علي بن علاّن بن أحمد بن جعفر أبو الحسين الذهبي البغدادي». وقال : «سكن مصر ، وحدّث بها وبدمشق». ثمّ ذكر مشايخه ويظهر من بينهم اسم (أبي بكر بن أبي خيثمة)(٢).

وبعد المقارنة بين ما ذكره ابن عساكر وما ذكره الخطيب البغدادي ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد ١١ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ / ٦٠٩١.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٠ / ٢٦ / ٤٦٣٥.

١٩

يبدو أنّ (عليّاً) و (علاّن) شخصية واحدة ، وأنّ (علاّن) هو الطريقة العامّية لتلفّظ اسم (عليّ)(١) ، وعليه فإنّ تكرار هذين الاسمين في سلسلة النسب قد يكون من السهو والغلط.

وعلى كلّ حال يبدو أنّ هذا الشخص هو أستاذ الشيخ النعماني ، وأنّه ألقى الحديث على النعماني في حدود تلك السنة (٣٣٢هـ) في دمشق عندما كان فيها ، وربّما وقع خطأ أو تصحيف في ضبط اسمه في غيبة النعماني ، حيث حصل خلط بين اسمه واسم والده ، وإنّ لقبه (الذهبي) مثبت بالذال ـ المعجمة ـ والباء ـ الموحّدة ـ كما تمّ التصريح بذلك في كتب ضبط الأسماء والألقاب(٢) ، وقد تمّ تصحيفه في غيبة النعماني بـ : (الدهني).

٥ ـ جاء في بداية الغيبة أنّ أبا عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني قد قرأ هذا الكتاب في حلب على أبي الحسين محمّد بن علي البجلي الكاتب(٣) ، وربّما كان هذا الراوي هو نفسه راوي النعماني المعروف محمّد ابن علي أبو الحسين الشجاعي الكاتب ، والذي جاء اسمه في هذا الموضع من بعض نسخ الكتاب الأخرى ، وقد ذكر أنّ رواية أبي عبد الله النعماني له

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مقدّمة ابن صلاح : ٣٠٩ ، تدريب الراوي ٢ / ٧٨٩ ، تجريد أسانيد الكافي ١١ ، وقارن ذلك مع أنساب السمعاني ٤ / ٢٦٤.

(٢) توضيح المشتبه ٤ / ٤٩ ، الإكمال لابن ماكولا ٣ / ٣٩٦ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٧ نقلاً عن عبد الغني بن سعيد.

(٣) غيبة النعماني : ١٨.

٢٠