تراثنا ـ العدد [ 124 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 124 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٩٤

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الرابع [١٢٤]

السنة الواحد والثلاثون

محتـويات العـدد

* نظرة سريعة في منهج الشريف المرتضى في تصحيح الأخبار وتضعيفها

........................................................... الشيخ محمّد باقر ملكيان ٧

* حقيقة الإيمان والكفر في فكر الشريف المرتضى

.............................................................. الشيخ حيدر البيّاتي ٣٥

* ملامح منهج الشريف المرتضى في التفسير (كتاب الأمالي أنموذجاً)

........................................................ د. محمّد حسن محيي الدين ٦٨

٢

شوّال ـ ذو الحجّة

١٤٣٦ ه

* تعيين الإمام في ضوء تقريرات الشريف المرتضى

............................................................  د. جواد حسين الورد ٩٩

* مع ديوان الشريف المرتضى (ت ٤٣٦هـ)

............................................  السيّد محمّد علي السيّد راضي الحكيم ١٦٢

* من ذخائر التراث :

* غُرر الغُرر ودُرر الدُرر لابن العتائقي في تلخيص غُرر السيّد المرتضى

....................................................  تحقيق : د. عليّ أكبر الفراتيّ ٢٠٥

* من أنباء التراث.

..................................................................  هيـئة التحرير ٤٧٩

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (غُرر الغُرر ودُرر الدُرر) لابن العتائقي (ت بعد ٧٧٨هـ) في تلخيص (غُرر الفوائد ودُرر القلائد) للسيّد المرتضى (ت٤٣٦هـ) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

نظرة سريعة في منهج الشريف المرتضى

في تصحيح الأخبار وتضعيفها

الشيخ محمّد باقر ملكيان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الهداة الميامين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

إنّ منهج قدماء الإماميّة ـ رضي الله عنهم ـ في تصحيح الخبر وتضعيفه يختلف عن منهج المتأخّرين ، فإنّ المتأخّرين يصفون الخبر بالصحيح والضعيف من خلال تقييم السند فحسب ، بينما القدماء يلاحظون في تصحيح الخبر وتضعيفه السند والمتن معاً.

ونحن في هذا المقال بصدد استخراج قواعد تصحيح الأخبار وتضعيفها من مصنّفات الشريف المرتضى قدس‌سره ، وبيان منهجه في ذلك.

وقبل الدخول في صلب البحث لابدّ من تقديم أمور :

٧

أوّلا : الخبر وأقسامه من حيث الصحّة والضعف :

قال الشريف المرتضى قدس‌سره : «اعلم أنّ الأخبار تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

أوّلها : يعلم أنّ مخبره على ما تناوله.

وثانيها : يعلم أنّ مخبره ليس على ما تناوله.

وثالثها : يتوقّف فيه.

وما يعلم أنّ مخبره على ما تناوله على ضربين :

أحدهما : يعلم ذلك من حاله باضطرار ، ومثاله بغير خلاف خبر من أخبرنا بأنّ السماء فوقنا والأرض تحتنا.

والآخر : أن يعلم أنّ مخبره على ما تناوله باكتساب كالخبر المتواتر.

وأمّا الخبر الّذي يعلم أنّ مخبره ليس على ما تناوله ، فينقسم إلى قسمين :

أحدهما : يعلم ذلك من حاله باضطرار.

والثّاني : يعلم باكتساب»(١).

وقد فصّل قدس‌سره الكلام في القسم الأخير في فصل مستقلّ عنونه بقوله : «فصلٌ فيما يعلم كذبه من الأخبار باضطرار أو اكتساب» ، حيث قال : «اعلم أنّ الخبر إنّما يعلم باضطرار أواكتساب أنّ مخبره ليس على ما تناوله بغيره لا بنفسه.

ومثال ما يعلم بطلانه باضطرار خبر من أخبر بأنَّ السَّماء تحتنا ،

__________________

(١) الذريعة : ٢ / ٦ ـ ٧. وقريب منه في العدّة في أصول الفقه : ١/٦٥.

٨

والأرض فوقنا ، وأنّ جبلاً بحضرتنا ونحن لا نراه مع السّلامة وارتفاع الموانع.

فأمّا الخبر الّذي يعلم بطلانه باكتساب ؛ فهو كلّ خبر علمنا أنَّ مخبره ليس على ما تناوله بدليل عقلىّ أو بالكتاب أو السنّة أو الإجماع»(١).

ثمّ قال(٢) : «وقد ألحق قوم بهذا الباب لواحق :

منها : أن يكون الخبر لو كان صحيحاً لوجب قيام الحجّة به على المكلّفين ، فإذا لم يقم به ؛ علم أنّه باطل.

ومنها : أن يكون الخبر ممّا لو كان صحيحاً لعلم أهل العلم إذا فتَّشوا عنه ذلك ، فإذا لم يعلم مع التَّفتيش علم كونه كذباً.

ومنها : أن يكون المخبر عنه ممّا تقوى الدّواعي إلى نقله ، وتمنع من

__________________

(١) الذريعة : ٢ / ٣٥.

(٢) والظاهر أنّه تعريض برأي الشيخ ـ قدّس سرّه ـ حيث قال : «يعلم أنّه على خلاف ما تناوله بضرب من الاستدلال ، وهو على ضروب :

منها : أن يعلم بدليل عقلي أو شرعي أنّه على خلاف ما تناوله.

ومنها : أن يعلم أنّ مخبره لو كان صحيحاً لوجب نقله على خلاف الوجه الّذي نقل عليه ، بل على وجه تقوم به الحجّة ، فإذا لم ينقل كذلك علم أنّه كذب.

ومنها : أن يكون مخبره ممّا لو فتش عنه من يلزمه العمل به لوجب أن يعلمه ، فإذا لم تكن هذه حاله علم أنّه كذب.

ومنها : أن يكون مخبر الخبر حادثة عظيمة ممّا لو كانت لكانت الدواعي إلى نقلها يقتضي ظهور نقلها إذا لم يكون هناك مانع ، فمتى لم ينقل علم أنّه كذب.

ومنها : أن يعلم أنّ نقله ليس كنقل نظيره ، والأحوال فيهما متساوية ، فيعلم حينئذ أنّه كذب» العدّة في أصول الفقه : ١/٦٧.

٩

كتمانه ، فإذا لم ينقل والحال هذه علم كونه كذباً.

ومنها : أن تكون الحاجة ماسَّة في باب الدّين إلى نقله ، فإذا لم ينقل كما نقلت نظائره ، علم بطلانه.

ومنها : أن يكون في الأصل وقع شائعاً ذائعاً ، ومثله في العادة لا يضعف نقله ، بل يكون حاله في الاستمرار كحاله في الأوَّل.

واعلم أنّ هذه الوجوه إن صحّت كلُّها أو بعضها ، فإنّما هي تفصيل لما أجملناه في قولنا : بدليل عقلىّ ؛ لأنّ الأدلَّة العقليّة المبتنية على العادات واختيارها إليها فزع من ألحق هذه الوجوه ، فما صحَّ منها من كلّ أو بعض فهو داخل في الجملة الَّتي ذكرناها»(١).

ثانياً : الحديث الصحيح عند القدماء واختلافهم مع المتأخّرين :

من الواضح أنّ الحديث عند قدماء أصحابنا نوعان : صحيح ـ وإن شئت قلت معتبر ـ وضعيف ، وهذا لا يخفى على من سبر كتبهم.

كما أنّه لا إشكال في أنّ الصحيح عند القدماء ليس مساوق للصحيح عند المتأخّرين ، فتوصيف الخبر بالصحّة عند القدماء لأجل القرائن الداخلية أو الخارجية.

فما قاله المحدّث النوري رحمه‌الله بأنّ الصحيح عند القدماء هو نفسه عند

__________________

(١) الذريعة : ٢/٣٥ ـ ٣٧.

١٠

المتأخّرين(١) ليس على ما ينبغي من مثله.

بناءً على ذلك نجد روايات كثيرة عبّر عنها قدماء أصحابنا بـ : (الصحيحة) ، مع أنّها ضعيفة ، أو ليست بصحيحة على مصطلح المتأخّرين.

منها : ما رواه الصدوق قدس‌سره والشيخ قدس‌سره بإسنادهما عن الفضل بن شاذان قال : «روى عبد الله بن الوليد العدني صاحب سفيان قال : حدّثني أبو القاسم الكوفي صاحب أبي يوسف ، عن أبي يوسف قال : حدّثنا ليث بن أبي سليم عن أبي عمرو العبدي ، عن علىّ بن أبي طالب عليه‌السلام».

ثمّ نقلا عن الفضل أنّه قال : «هذا حديث صحيح على موافقة الكتاب»(٢).

وظاهرهما تقرير الفضل على ذلك ، مع أنّه لا شكّ في أنّ رجال السند لم يوثّقوا عند الشيعة بل بعضهم مثل أبي يوسف مذموم.

ومنها : «ما رواه الصدوق قدس‌سره عن علىّ بن عبد الله بن أحمد الأسواري الفقيه قال : حدّثنا مكّي بن سعدويه البرذعي قال : حدّثنا أبو محمّد نوح بن الحسن قال : حدّثنا أبو سعيد جميل بن سعد قال : أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن سليمان العسقلاني قال : حدّثنا القاسم بن حميد قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش».

__________________

(١) خاتمة المستدرك : ٧/٣٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤/٢٥٩ ، ح٥٠٦٣ ؛ علل الشرائع : ٢/٥٦٩ ؛ تهذيب الأحكام : ٩/٢٥٠ ، ح٧.

١١

ثمّ قال في ذيله : «هذا الخبر صحيح»(١).

والأمر فيه كسابقه.

ومنها : «ما رواه إبن إدريس رحمه‌الله عن غياث بن كلّوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر عليه‌السلام ، ثمّ قال في ذيله : هذا خبر صحيح ، لأنّ الإجماع منعقد من أصحابنا عليه»(٢).

وغياث عاميٌّ ، ولو قلنا بوثاقته فالخبر من جهته ليس بصحيح عند المتأخّرين ، فإنّهم ـ كما ترى ـ استندوا في صحّة الخبر إلى موافقته الكتاب إو الإجماع.

وعلى العكس من ذلك نجد روايات كثيرة عبّر عنها قدماء أصحابنا بـ : (الضعيفة) مع أنّها صحيحة أو ليست بضعيفة على مصطلح المتأخّرين.

منها : «ما رواه الشيخ قدس‌سره بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال سألت الرضا عليه‌السلام ... إلى آخره».

ثمّ قال الشيخ قدس‌سره في ذيله : «هذا خبر ضعيف شاذّ»(٣).

مع أنّ الخبر صحيح سنداً.

ومنها : «ما رواه الشيخ قدس‌سره أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن عاصم ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر ... إلى آخره».

__________________

(١) علل الشرائع : ٢/٣٧٩ ـ ٣٨٠.

(٢) السرائر : ٢/٢٠٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١/١٨ ، ح٤٢.

١٢

وقال الشيخ قدس‌سره في ذيله : «هذا الخبر ضعيف مخالف لما قدّمناه من الأخبار الصحيحة ولظاهر القرآن»(١).

مع أنّ الخبر صحيح سنداً.

ومنها : «ما رواه الشيخ قدس‌سره أيضاً بإسناده أحمد بن محمّد ، عن الحسن(٢) بن علىّ بن النعمان ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله ... إلى آخره»(٣).

ثمّ قال الشيخ قدس‌سره في ذيله : «هذا الخبر ضعيف مخالف للأصول».

مع أنّ الخبر صحيح سنداً.

وهذا صريح كلام الشيخ قدس‌سره في كتابه العدّة حيث قال : «القرائن التي تدلّ على صحّة متضمّن الأخبار التي لا توجب العلم أربع أشياء :

[١] منها : أن تكون موافقة لأدلّة العقل وما اقتضاه.

[٢] ومنها : أن يكون الخبر مطابقاً لنصّ الكتاب ، إمّا خصوصه أو عمومه ، أو دليله ، أو فحواه ، فإنّ جميع ذلك دليل على صحّة متضمّنه.

[٣] ومنها : أن يكون الخبر موافقاً للسنّة المقطوع بها من جهة التواتر.

[٤] ومنها : أن يكون موافقاً لما أجمعت الفرقة المحقّة عليه ، فإنّه متى

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١٠/٨٨ ، ح١٠٧.

(٢) في المصدر : الحسين. وما أثبتناه هو الصواب ، كما في الكافي : ٧/٣٨٢ ، ح١ ؛ تهذيب الأحكام : ٦/٢٥٨ ، ح٨٦.

(٣) الاستبصار : ٣/٢٢ ، ح٤.

١٣

كان كذلك دلّ أيضاً على صحّة متضمّنه»(١).

وقال الشيخ البهائي رحمه‌الله : «كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتُضد بما يقتضي اعتمادهم عليه ، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والرّكون إليه وذلك أمور :

[١] منها : وجوده في كثير من الأصول الأربعمئة الّتي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة ـ سلام الله عليهم ـ ، وكانت متداولة لديهم في تلك الأعصار ، مشتهرة فيما بينهم اشتهار الشّمس في رابعة النّهار.

[٢] ومنها : تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.

[٣] ومنها : وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ، ومحمّد بن مسلم ، والفضيل بن يسار ، أو على تصحيح ما يصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، أو على العمل بروايتهم ، كعمّار السّاباطي ونظرائه ، ممّن عدّهم شيخ الطائفة في كتاب العدّة ، كما نقله عنه المحقّق في بحث التراوح من المعتبر.

[٤] ومنها : اندراجه في أحد الكتب الّتي عرضت على أحد الأئمّة ـ سلام الله عليهم ـ ، فأثنوا على مؤلّفها ، ككتاب عبيد الله الحلبي ، الذي عرض

__________________

(١) عدّة الأصول : ١/١٤٣ ـ ١٤٥.

١٤

على الصادق عليه‌السلام ، وكتابي يونس بن عبد الرّحمن ، والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه‌السلام.

[٥] ومنها : أخذه عن أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفها من الفرقة الناجية الإماميّة ، ككتاب الصّلاة لحريز بن عبد الله السّجستاني ، وكتب بني سعيد ، وعلي بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السّعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطّاطري»(١) انتهى.

وقال الوحيد قدس‌سره في التعليقة : «إنّ الصحيح عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصومين عليهم‌السلام أعمّ من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات ، أو أمارات أخر ، ويكونوا يقطعون بصدوره عنه عليه‌السلام أو يظنّون»(٢).

ثالثاً : المذاهب في حجّية خبر الواحد إلى عصر السيّد المرتضى والشيخ الطوسي(٣) :

__________________

(١) مشرق الشمسين : ٢٦ ـ ٢٩.

(٢) تعليقة على منهج المقال : ٦.

(٣) وهنا نكتة لا بأس من إشارة عابرة إليها. وهي أنّ تأليف كتاب الذريعة كان بعد تأليف كتاب العدّة للشيخ ـ قدّس سرّه ـ وذلك لوجوه ، منها تصريح الشيخ بذلك حيث قال : «لم يصنّف أحد من أصحابنا في هذا المعنى ، إلاّ ما ذكره شيخنا أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ في المختصر الّذي له في أصول الفقه ولم يستقصيه ، وشذَّ منه أشياء يحتاج إلى استدراكها ، وتحريرات غير ما حرَّرها فإنّ سيّدنا الأجل المرتضى وإن كثر

١٥

يمكن تلخيص أقوال فقهاء الشيعة ومتكلّميهم إلى عصر الشريف المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي قدس‌سرهما بما يلي :

١ ـ عدم الحجّية مطلقاً : وإليه ذهب الشيخ المفيد ، لكنّه استثنى الخبر المقترن بسبب أو قرينة ، يقول : «لا يجب العلم والعمل بشيء من أخبار الآحاد ... إلاّ أن يقترن به ما يدلّ على صدق راويه»(١).

٢ ـ جواز التعبّد به عقلاً لا شرعاً : وإليه ذهب الشريف المرتضى حيث يقول : «الصحيح أنّ العبادة ما وردت بذلك ، وإن كان العقل يجوّز التعبّد بذلك. نعم ، هذا غير كاف في حجّية خبر الواحد»(٢).

٣ ـ التفصيل بين الأخبار : فبعضها تصحّ العبادة به شرعاً وعقلاً ، وهي أخبار الطائفة المحقّة ، لكن بشروط منها العدالة ، وأمّا غيرها فلا تصحّ شرعاً وإن كان يجوز عقلاً ، وهو مذهب الشيخ الطوسي(٣).

في حين أنّ الشريف المرتضى قدس‌سره لم يقل بحجّية خبر الواحد ، كما أنّه

__________________

في أماليه وما يقر عليه شرح ذلك ، فلم يصنّف في هذا المعنى شيئاً يرجع إليه» ويجعل ظهراً يستند إليه. العدة في أصول الفقه : ١/٣ ـ ٤.

ومنه يظهر التأمّل فيما قاله الدكتور الگرجي من أنّ كتاب الذريعة هو أوّل مصدر في أصول الفقه للإمامية. لاحظ أدوار أصول الفقه : ٩٢. بل قال : إنّ كتاب العدّة متأخّر عن الذريعة بل متأثّر عنه. لاحظ الحوار مع الدكتور الگرجي رحمه‌الله في كتاب جايگاه شناسي علم أصول : ١/١٣٣. وللتفصيل مجال آخر ؛ وقد أوضحته في مقال مستقلّ نُشر في مجلّة كتاب شيعة ، العدد ٩ و١٠.

(١) لاحظ أوائل المقالات : ١٣٢ ؛ التذكرة بأصول الفقه : ٢٨.

(٢) لاحظ الذريعة : ٢/٥٢٨.

(٣) لاحظ العدّة في أصول الفقه : ١/١٠٠.

١٦

كثيراً ما بنى استدلالاته ومناقشاته الفقهية على ذلك(١).

وكيفما كان ، فنحن في هذا المقال بصدد بيان معايير ضعف الخبر وصحّته عند الشريف المرتضى قدس‌سره.

__________________

(١) وعلى سبيل المثال لاحظ الانتصار في انفرادات الإمامية : ١٨٢ ؛ ٢٣٥ ؛ ٢٣٦ ؛ ٢٤٧ ؛ ٢٥٠ ؛ ٢٦٦ ؛ ٢٧٨ ؛ ٢٨٣ ؛ ٣٠٥ ؛ ٣١١ ؛ ٣٥١ ؛ ٣٧٥ ؛ ٣٨٠ ؛ ٣٩٧ ؛٤٣٥ ؛ ٤٥١ ؛ ٤٦٨ ؛ ٤٩٢ ؛ ٥٠٢ ؛ ٥١٧ ؛ ٥١٩ ؛ ٥٢٩ ؛ ٥٤١ ؛ ٥٤٦ ؛ ٥٤٧ ؛ رسائل الشريف المرتضى : ١/٢٣٥ ؛ ١/٢٣٨ ؛ ١/٢٦٠ ؛ ١/٢٦١ ؛ ١/٣١٧ ؛ ١/٣٤٧ ؛ ٢/١٣ ؛ ٢/٣٠ ؛ ٢/٣٢ ؛ ٣/١٥٥ ؛ ك٣/٢٧٠ ؛ ٤/٣٣٦ ؛ ٤/٣٣٦ ؛ ٤/٣٣٧ ؛ وغيرها.

١٧

معايير ضعف الخبر وصحّته عند الشريف المرتضى

إنّ معايير صحّة الخبر وضعفه عند الشريف المرتضى قدس‌سره قد تكون معايير داخلية ـ وقد نعبّر عنها بالمعايير المتنية ـ ، وقد تكون معايير خارجية ـ وقد نعبّر عنها بالمعايير السندية ـ. هذا إجمال الكلام ، وأمّا تفصيله :

أوّلا : معايير ضعف الخبر وصحّته من حيث السند :

ألف : كون الخبر مرسلاً :

إنّ الشريف المرتضى قدس‌سره قد ضعّف كثيراً من الأخبار لإرسالها :

١ ـ روى الشعبي والنخعي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كان يذهب إلى العول في الفرائض.

فردّ السيّد قدس‌سره هذا الخبر بأنّه مرسل ؛ فإنّ الشعبي ولد في سنة ستّ وثلاثين ،النخعي ولد سنة سبع وثلاثين ، وقتل أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ سنة أربعين ، فكيف تصحّ روايتهما عنه(١)؟!

٢ ـ روي عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أُمامة الباهلي قال : سمعت النبىّ(صلى الله عليه وآله) يقول في خطبته عام حجّة الوداع : «ألا إنّ الله تعالى قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، فلا وصيّة لوارث».

فأورد السيّد عليه : «بأنّ حديث أبي أُمامة لا يثبت وهو مرسل ، لأنّ

__________________

(١) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٦٦.

١٨

الذي رواه عنه شرحبيل بن مسلم ، وهو لم يلق أبا أمامة»(١).

وهكذا ردّ الأحاديث التالية حيث نشير إليها إجمالا :

٣ ـ عن جويبر عن الضحّاك أن النبىّ (صلى الله عليه وآله) قال : «لا يقتل اثنان بواحد»(٢).

٤ ـ عن عطاء بن سيان أنّ النبىّ (صلى الله عليه وآله) دعي إلى جنازة رجل من الأنصار ، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ما ترك؟ فقالوا : ترك عمّته وخالته.

فقال : اللّهم رجل ترك عمّته وخالته ، فلم ينزل عليه شيء. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا أجد لهما شيئاً»(٣).

٥ ـ عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّه لا يتوارث أهل ملّتين»(٤).

٦ ـ الشعبي ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : «لا يتوارث أهل ملّتين»(٥).

٧ ـ عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده»(٦).

ب : عدم وثاقة راوي الخبر :

وهذا تارة لجهالة وعدم إحراز وثاقته ، وأخرى لإحراز ضعفه ككونه

__________________

(١) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٦٠٠.

(٢) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٣٨.

(٣) المسائل الناصريات : ٤٢٠.

(٤) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٩٠.

(٥) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٩٠.

(٦) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٤٩٨.

١٩

كذّاباً أو ضعيفاً أو متّهماً في الحديث.

فقد ضعّف الشريف المرتضى قدس‌سره أحاديث كثيرة لضعف رواتها ، فنذكر في المقام نماذجاً منها :

١ ـ روى شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن عثمان ، عن عمرو بن خارجة ، عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «لا يجوز لوارث وصيّة».

فأورد عليه السيّد المرتضى قدس‌سره بأنّ شهر بن حوشب هو عند نقّاد الحديث مضعّفٌ ، كذّاب ، ولا يرويه عن عبد الرحمن إلاّ شهر بن حوشب ، وهو ضعيف متّهم عند جميع الرواة(١).

٢ ـ روي عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) في أمّ إبراهيم ـ ولده ـ أنّه قال : «أعتقها ولدها».

فأورد عليه السيّد بقوله : «هو من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم ، وهم يروونه عن أبي بكر بن أبي سبرة ، وهو عند نقّاد أصحاب الحديث من الكذّابين ،يرويه ابن أبي سبرة عن الحسين بن عبيد الله بن عبد الله بن عبّاس ، وهو عندهم من الضعفاء المطعون في روايتهم»(٢).

٣ ـ روى الهذيل بن شرحبيل أنّ أبا موسى الأشعري سئل عن رجل ترك بنتا وابنة ابن وأختاً من أبيه وأمّه؟ فقال : لابنته النصف وما بقي فللأخت.

فضعّف الشريف قدس‌سره هذا الخبر ـ مضافاً إلى أن أبا موسى ليس في قضائه بذلك حجّة ، ولأنّه ما أسنده عن النبىّ (صلى الله عليه وآله) ـ بأنّه قد قدح أصحاب الحديث في

__________________

(١) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٥٩٩ ـ ٦٠٠. ك

(٢) الانتصار في انفرادات الإمامية : ٣٩١

٢٠