مرقاة الأصول

آية الله الشيخ بشير النجفي

مرقاة الأصول

المؤلف:

آية الله الشيخ بشير النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8220-56-5
الصفحات: ٢٦٣

١
٢

٣
٤

كلمة الناشر

لأصول الفقه مكانة خاصّة من بين العلوم الإسلامية ، حيث يوضّح الأسس التي تسير عليها عملية استنباط الأحكام الشرعية ، فمن جانب يرتبط بالعلوم الآلية المقنّنة التي يستند إليها للوصول إلى الحقائق العلمية ، وبهذا يكتسب طابعا نظريا عقليا ؛ ومن جانب آخر يرتبط بعلم الفقه المتكفّل ببيان الأحكام وتعيين الوظيفة الشرعية ، وبهذا يسبغ عليه طابع عملي تتجدّد الحاجة إليه ما دام هناك تكليف إلهي تجب معرفته.

و «مرقاة الأصول» يمثّل أوّليات هذا العلم العريق بأسلوب سهل يركّز على أمّهات مسائله ويعرضها ببيان علمي دقيق يجانب التعقيد ويجعل منه مرقاة وطيدة وأمينة وهادية للمبتدئين بدراسة العلوم الإسلامية.

مؤلّفه المحقّق المدقّق الجامع بين المعقول والمنقول فقيه عصره آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ بشير حسين النجفي ـ دام ظله ـ ، كتبه قبل أكثر من خمسة وعشرين عاما تقريبا بقلم ومنهج لا يغترب عن أبناء هذا العصر.

مؤلّفه الجليل أولانا ثقته وعهد إلينا بطباعته فصبّت هذه المهمّة في

٥

الرافد الأصلي لمؤسستنا وهو نشر الثقافة والعلوم الإسلامية بما يواكب حركة النشر الحديث ، فطبعناه وبوّبناه ووضعنا له عناوينه التي لم يجعلها المؤلف اختصارا ، وأخرجناه بهذه الهيئة الجديدة راجين من الله تعالى أن يتقبّله منّا ، وأن يروق القارئين ، ويشقّ طريقا واسعا ليرتقي إليه المنهج الدراسي الحوزوي.

دار الفقه للطباعة والنشر

٦

كلمة المؤلّف

الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير الخلق محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، واللعنة الأبدية على أعدائهم أجمعين.

وبعد ، فقد عانيت ما يعاني الطالب المبتدئ في أصول الفقه من المعاناة والصعوبة في إدراك المباحث الأصولية واستيعاب مطالبها الدقيقة ؛ وذلك لفقدان كتاب بدائي يحتوي على أوّليات هذا العلم ومبادئه الدقيقة الواسعة التي ارتقاها هذا العلم الشريف خصوصا في العصور الأخيرة.

والمألوف أنّه يفرض على الطالب دراسة «معالم الدين» في الأصول مع أنّه ليس كتابا أصوليا إنّما هو كمقدّمة لموسوعة فقهية مفقودة ، كما يرشد إليه عدوله عن تعريف الأصول إلى تعريف الفقه ولم يلتزم المؤلّف تذليل المسائل وإبرازها على نهج يسهّل على المبتدئ انتهاجه.

فنظرا إلى المشاكل التي تواجه الطالب حين افتتاحه علم الأصول ـ وقد سبرتها أيّام دراستي للمعالم وما يضاهيه من الكتب ـ أضمرت في نفسي وضع كتاب يكفل تعبيد سبيل الأصول للمبتدئ ، وتخفيف الصعوبات العائقة عن التدرّج السريع نحو البحوث العليا ، فساعدني التوفيق ورافقني

٧

حسن الحظ ، فتشرّفت بتقديم هذه الخدمة إلى طلّاب هذا العلم وروّاد هذا الفن.

ولا أبغي من وضع هذه الرسالة الموجزة اتّباع المنهج المألوف في البحوث الأصولية السامية ، فإنّها بمعزل عنه تنشد غاية أخرى تمتاز بها عن مقاصد تلك البحوث ، فإنّها تحاول أن ترسم إطارا يعمّ جملة من مباحث الأصول شمولا إجماليا ؛ ليوقف الطالب على عتبات هذا العلم ، كي يستعدّ لارتقاء منهاجه إلى سماء هذا العلم العليّ ، بيد أن العرض المتوخّى في الأوساط العلمية الحوزوية عرض مسائله عرضا علميا دقيقا ، والبرهنة عليها ، والمقارنات الواسعة بين مختلف الآراء ، وتوجيه النقوض والإيرادات ، وتبسيط الأجوبة ، ونقدها على بساط شامل.

هذا ولم أحاول في خلال عرض البحوث إبراز ما إذا كان هناك مضادّة بين الرأي السائد والنظر المختار احتفاظا على الهدف المنشود من وضع هذه الرسالة ، إنّما توخّيت إبراز الآراء المعروفة بين علماء الأصول ، ولا سيما المتأخّرين منهم ، وإعطاء صور توضيحية للمصطلحات المتداولة ، وتخريج المسائل المشهورة بتعبير واضح سلس مختصر ، وتجنّب الخوض في الأدلّة والبراهين في جملة مطالبها سوى بعض اللمحات في بحث الحجّة والتعادل والترجيح تشحيذا لذهن المبتدئ.

أسأل الله ولي التوفيق أن ينفع بهذا المختصر طلّاب هذا العلم ، وأن يجعله ذخرا ليوم فاقتي ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم ، إنّه الموفّق والمعين.

بشير حسين النجفي

صفر / ١٣٩٠ ه

٨

مرقاة الأصول

المقدّمة : في عشرة أمور

المقصد الأوّل : في الأوامر

المقصد الثاني : في النواهي

المقصد الثالث : في المفاهيم

المقصد الرابع : في العامّ والخاصّ

المقصد الخامس : في المطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن

المقصد السادس : في مباحث الحجّة

المقصد السابع : في الأصول العملية

المقصد الثامن : في التعادل والترجيح

الخاتمة : في الاجتهاد والتقليد

٩
١٠

المقدّمة

الأمر الأوّل : المعالم الرئيسية لعلم الأصول

الأمر الثاني : في الوضع

الأمر الثالث : في الحقيقة والمجاز

الأمر الرابع : في الدلالة

الأمر الخامس : في علامات الحقيقة والمجاز

الأمر السادس : في الأصول اللفظية

الأمر السابع : في الحقيقة الشرعية

الأمر الثامن : في الصحيح والأعمّ

الأمر التاسع : في المشترك الأمر العاشر : في المشتقّ

١١
١٢

الأمر الأوّل

المعالم الرئيسية لعلم الأصول

أوّلا : تعريف علم الأصول :

علم الأصول : صناعة تعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعية ، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل (١).

شرح مفردات التعريف : الصناعة لغة ـ بكسر الصاد المهملة وفتحها ـ : الحرفة.

واصطلاحا : ملكة نفسانية تصدر عنها الأفعال الاختيارية بسهولة وبلا روية ، ومثالها صناعة النجارة والخياطة والحياكة.

القواعد لغة : جمع قاعدة وهي الأساس. ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)(٢).

__________________

(١) هذا التعريف اختاره في الكفاية وغيره ، والصحيح أنّ الأصول علم آلي يبحث فيه عن كلّ ما يفتقر الفقيه إلى تمهيده شريطة أن يحتاج إليه في معظم الأبواب الفقهية ، وأن لا يكون قد تمّ تحقيقه في علم آخر من العلوم التي تعارف درسها وتدريسها في الحوزات العلمية.

(٢) البقرة : ١٢٧.

١٣

واصطلاحا : القضية الكليّة التي تعرف منها أحكام جزئيات موضوعها ، ومثالها : كلّ فاعل مرفوع ، حيث يعرف منها بأنّ (زيد) في قولك : «قام زيد» مرفوع ؛ وكذلك : كلّ خبر صحيح يجب العمل على مقتضاه ، حيث يعرف منها أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له» (١) يجب العمل على طبقه.

الطريق لغة : السبيل.

واصطلاحا : ما يمكن التوصّل بالنظر الصحيح فيه إلى المطلوب.

وبعبارة أخرى : أنّه القياس المؤلف من صغرى وكبرى والذي يستخدم في إثبات المطلوب.

ومعنى الوقوع في الطريق : كونه صغرى أو كبرى ، مثل : كلّ ممكن حادث يقع في طريق إثبات : «العالم الحادث» ؛ لأنّه يقع كبرى في قياس يؤلّف لإثبات حدوث العالم ، حيث نقول : العالم ممكن ، وكلّ ممكن حادث ، فنتوصّل إلى المطلوب الذي هو : العالم حادث.

الاستنباط لغة : استخراج شيء من الخفاء.

واصطلاحا : استخراج المعاني من النصوص والقواعد بفرط الذهن وقوّة القريحة.

الأحكام لغة : جمع حكم بالضم ، وهو القضاء.

وفي اصطلاح أهل الميزان : الإذعان بالنسبة.

وفي اصطلاح أهل الشرع : هو الخطاب المتعلّق بأفعال المكلّفين لتنظيم حياة الإنسان تنظيما يسلك به إلى نيل رضا ربّه دنيا وآخرة.

__________________

(١) سنن النسائي : ١٦٧ ، الرقم ٤٥٠ ، وراجع سنن الدارمي ٢ : ٧.

١٤

والحكم على قسمين : التكليفي والوضعي.

الحكم التكليفي : هو الإنشاء الصادر بداعي البعث أو الزجر أو الترخيص ، وإنّما سمّي بالتكليفي ؛ لأنّ فيه كلفة ومشقّة على العبد المأمور.

والحكم التكليفي ينقسم إلى أقسام خمسة هي :

١ ـ الوجوب : طلب الفعل على نحو يستتبع عدم الرضا بالترك.

٢ ـ الاستحباب : طلب الفعل مع تجويز الترك.

٣ ـ الحرمة : طلب الترك على نحو يستتبع عدم الرضا بالفعل.

٤ ـ الكراهة : طلب الترك مع جواز الفعل.

٥ ـ الإباحة : هو التخيير في الفعل والترك.

واختلفت أنظارهم في الوجوب وغيره من الأحكام التكليفية : هل هي بسيطة كما اخترناه ، أو مؤلّفة على ما تطّلع عليه في محلّه؟

وستعرف الحقّ في المقام في البحوث العالية إن شاء الله.

والحكم الوضعي : هو نوع من الاعتبار الشرعي ، مثل : الطهارة والنجاسة والجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية.

ثمّ إنّ للحكم تقسيمات أخر ستقف عليها في الفصول القادمة إن شاء الله.

والمراد من عبارة «أو التي ينتهى إليها في مقام العمل» هو أنّ الفقيه إنّما يستنبط الأحكام الشرعية من المظان الخاصّة وهي : القرآن والسنّة والإجماع والعقل. ولكنّه ربما لا يجد في هذه المظان ما يعين على الاستنباط ، ففي هذه الحال يفقد ما يقع في طريق استنباط الحكم الشرعي ، ولكيلا يبقى الفقيه في حيرة من أمره وضع الشارع ما يلتجئ إليه الفقيه ليعرف وظيفته الفعلية التي يسلكها ، وهذا الملجأ يسمى عندهم : أصلا عمليا ،

١٥

والأصولي كما يبحث عمّا يقع في طريق استنباط الحكم الشرعي ، كذلك يبحث عن الأصل العملي.

وللأصل العملي أقسام كثيرة ، والتي يبحث منها في الأصول أربعة هي : البراءة ، الاحتياط ، التخيير ، الاستصحاب.

وسنتكلّم عنها بما يناسب مستوى الرسالة.

ثانيا : موضوع علم الأصول :

موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية.

والمقصود من العرض الذاتي : ما يحمل على الشيء حقيقة ، مثل : السفينة متحرّكة ، بخلاف قولك : جالس السفينة متحرّك ، فالجالس ليس بمتحرك واقعا ؛ لأنّ الحركة عرض ذاتي للسفينة وليس ذاتيّا لجالسها.

ثمّ ليس لعلم الأصول موضوع معيّن بشخصه ، بل يبحث فيه عن مختلف الموضوعات التي لها دخل في تحقيق الغرض الذي لأجله دوّن علم الأصول ، فكلّ ما يقع في طريق الاستنباط ، أو يلتجئ إليه الفقيه عند عدم عثوره على ما يقع في طريق الاستنباط ـ وهو الأصل العملي الذي تقدّمت الإشارة إليه ـ فهو داخل فيما يبحث عنه الأصولي.

ثالثا : الغرض من علم الأصول :

هو العثور على القواعد التي تستخدم في استنباط الأحكام الشرعية من مداركها ، وما يستعين به على معرفة الوظيفة الشرعية بعد العجز عن استنباط الحكم الشرعي من مداركه.

١٦

الأمر الثاني

في الوضع

الوضع لغة : الجعل (١).

واصطلاحا : هو الربط الخاصّ بين اللفظ والمعنى على نحو لو أطلق اللفظ أو أحسّ به انتقل الذهن إلى المعنى ، مثل : الربط الحاصل بين لفظ «زيد» ومعناه ؛ ولذا إذا أطلق لفظ «زيد» انتقل ذهن السامع إلى ذاته الذي هو معناه.

تقسيمات الوضع :

ينقسم الوضع إلى ثلاثة فروع :

١ ـ انقسامه بلحاظ منشئه إلى قسمين :

__________________

(١) وقيل : هو جعل شيء في حيّز شيء آخر ، مثل : وضعنا العلم في الجوع.

ووضعه عنه ، أي : حطّه عنه ، ومنه قوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) الانشراح : ٢ ـ ٣.

وقوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) ـ الأعراف : ١٥٧ ـ أي : يزيلها ويحطّها.

١٧

أ ـ الوضع التعييني :

ما إذا كان الواضع فيه شخصا معيّنا. وهو على نحوين :

أحدهما : أن يصرّح الواضع بجعل لفظ معيّن بإزاء معنى معيّن ، مثل : وضع خالد لذاته.

والآخر : أن يستعمل المتكلّم اللّفظ في معنى قاصدا منه الوضع له ، ويكون الاستعمال والوضع حاصلين في آن واحد.

ب ـ الوضع التعيّني :

وهو استعمال اللّفظ في المعنى بكثرة حتى يحدث بين اللفظ والمعنى الربط ، ويتوثّق على نحو يفهم المعنى من إطلاق اللّفظ رأسا وبدون حاجة إلى قرينة.

٢ ـ انقسامه باعتبار المعنى إلى ثلاثة أقسام :

تمهيد : لا بدّ من تقديم بعض الأمور التي يحتاجها الطالب في إدراك الأقسام الثلاثة قبل شرحها ، والأمور هي :

أ ـ حيث إنّ الوضع علقة بين اللفظ والمعنى ، فلا يحصل إلّا بعد تصوّر اللّفظ ، وإحضار المعنى في العقل.

ب ـ المعنى الذي يوضع له اللفظ قد يكون عامّا أي مفهوما كليّا ، مثل : معنى انسان وحيوان ؛ وقد يكون خاصّا جزئيا حقيقيا ، مثل : زيد.

ج ـ الوضع في نفسه ـ أي لا باعتبار شيء ـ لا يوصف بالعموم ولا بالخصوص ، وإنما يوصف بواحد منهما باعتبار المعنى المتصوّر حال

١٨

الوضع ، فإن كان المعنى المتعقّل حال الوضع عامّا كلّيا يقال : الوضع عامّ ، وإن كان جزئيّا خاصّا يعتبر الوضع خاصّا.

د ـ المعنى المتصوّر حال الوضع قد يكون متصوّرا بنفسه وبلا واسطة ، مثل : معنى انسان يتصوّره الواضع بلا واسطة ، ويضع لفظ «إنسان» له. وقد يكون متصورا بواسطة عنوان عامّ ينطبق عليه وعلى غيره ، مثل : أن نتصوّر جزئيات الانسان على كثرتها بواسطة معنى عامّ ينطبق عليها ، فيكون معنى الإنسان متصوّرا بنفسه ، والجزئيات متصوّرة بواسطته.

القسم الأوّل : أن يكون الوضع والموضوع له عامّين :

إذا تصوّر الواضع حال الوضع معنى عامّا ، ووضع اللفظ لذلك المعنى العامّ فيكون الوضع عاما ؛ لأنّ المعنى المتصوّر حين الوضع كان عامّا ، والموضوع له أيضا يكون عامّا ؛ لأنّ اللفظ إنّما وضع له.

القسم الثاني : أن يكون الوضع والموضوع له خاصّين :

وذلك ما إذا تصوّر الواضع حين الوضع معنى خاصا ، مثل : معنى زيد ، ووضع اللفظ لذلك المعنى الخاصّ ، وإنما كان الوضع خاصّا ؛ لأنّ المعنى المتصوّر حال الوضع كان خاصّا ، وحيث وضع اللفظ للمعنى الخاصّ الجزئي فيكون الموضوع له خاصّا لا محالة.

القسم الثالث : أن يكون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا :

وهو ما إذا تصوّر الواضع حين الوضع معنى عاما ، ويتصوّر بواسطته وفي ضمنه معاني جزئية ، فحينئذ يكون المعنى العامّ متصوّرا بنفسه وبلا واسطة ، والمعاني الخاصّة تكون متصوّرة بواسطته ،

١٩

وتصوّرها كذلك يسمّى تصوّرا إجماليا ، فبعد تصوّر تلك المعاني بالتصوّر الإجمالي ، يعيّن الواضع لفظا معيّنا لتلك المعاني الجزئية المندرجة تحت المعنى العامّ ، فالوضع حينئذ يكون عامّا ؛ لأن المعنى المتصوّر حين الوضع كان عامّا ، والموضوع له يكون خاصّا ؛ لأن المفروض أنّه وضع اللفظ للمعاني الجزئية المندرجة تحت العامّ.

تنبيه :

لا خلاف بين الأعلام في القسمين الأوّلين ، لا في إمكانهما ولا في وقوعهما وتحقّقهما في اللغات ، ولكنّهم اختلفوا في تحقّق القسم الثالث : هل يوجد في اللغات؟ فقال بعضهم : نعم ، وبعضهم : لا ، كما ستقف على تفصيله في الكتب العالية إن شاء الله.

فائدة :

وضع أسماء الأجناس عامّ ، والموضوع له أيضا عامّ ؛ لأنّ الواضع تصوّر حين الوضع معنى عامّا ووضع اللفظ لذلك المعنى العامّ ، مثل : لفظ «إنسان» و «حيوان».

ووضع الحروف عامّ والموضوع له خاصّ ؛ (١) لأن الواضع حينما يضع حرفا من الحروف يكون كمن تصوّر معنى عامّا ، كمفهوم الابتداء حين وضع كلمة «من» ولكنّه يضعه للجزئيات الخاصّة المندرجة تحت ذلك المعنى العامّ.

__________________

(١) هذا على الرأي المعروف ، وقد اختار بعضهم أنّ وضع الحروف كوضع أسماء الأجناس.

٢٠