التفسير المظهري - ج ٩

محمد ثناء الله العثماني

التفسير المظهري - ج ٩

المؤلف:

محمد ثناء الله العثماني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة رشيديّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٦

١

سورة الفتح مدنيّة وهى تسع وعشرون اية واربع ركوعات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ربّ يسّر وتمّم بالخير روى احمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن حبان وابن مردوية عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فى بعض أسفاره فسألته عن شىء ثلث مرات فلم يرد علىّ فقلت ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت امام الناس وخشيت ان يكون نزل فى القران فما لبثت ان سمعت صارخا يصرخ بي فجئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علىّ الليلة سورة هى أحب الىّ مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) واخرج الحاكم وغيره من المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال نزلت سورة الفتح فى شان الحديبية بين مكة والمدينة من أولها الى آخرها واختلفوا فى هذا الفتح روى عن ابى جعفر الرازي عن قتادة عن انس انه فتح مكة فهى عدة بالفتح جىء بلفظ الماضي لانها فى تحققها بمنزل الكائنة ففيه معجزة والصحيح انه صلح الحديبية رواه احمد وابن سعد وابى داود والحاكم وصححه وابن المنذر وابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن مجمع بن حارثية الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما انصرفنا عنها الى كراع الغميم فاذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند كراع الغميم فاجتمع الناس اليه فقرأ عليهم (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ

٢

فَتْحاً مُبِيناً) فقال رجل من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم او فتح هو قال والذي نفسى بيده انه لفتح مبين وسنذكر قول ابى بكر الصديق ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية وكذا ذكر البغوي عن البراء ووجه تسميته فتحا اما انه مقدمة الفتح واما ان معنى الفتح فتح المنغلق وذلك ما يصلح مع المشركين بالحديبية وقيل الفتح بمعنى القضاء اى قضينا لك ان تدخل مكة من قابل قال الشعبي فتح الحديبية فيه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخلة خيبر وبلغ الهدى محله وظهرت الروم اى من عام قابل على فارس وخرج المؤمنون لظهور اهل الكتب على المجوس. قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك ان المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام فى قلوبهم واسلم فى ثلث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام قال الضحاك فتحا مبينا بغير قتال وكان الصلح من الفتح وقال البيضاوي سماه فتحا لانه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سالوا الصلح وتسبب بفتح مكة وفرغ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسائر العرب فقرأهم وفتح مواضع وادخل فى الإسلام خلقا عظيما. (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) علة غائية للفتح من حيث انه مسبب عن جهاد الكفار والسعى فى فغز ازاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير ذلك بالتدريج اختيار او تخليص الضعفة عن أيدي الظلمة وقيل اللام لام كى اى لكى يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة والفتح وقال حسين بن الفضل اللام متعلق بقوله تعالى فى سورة محمد صلعم (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) كما قيل كذلك فى تعلق (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) بقوله تعالى (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) فى سورة الفيل وهذا بعيد جدا وقيل اللام متعلق بمحذوف تقديره فاشكر ليغفر لك الله او فاستغفر ليغفر لك الله كذا قال محمد ابن جرير حيث قال هو راجع الى قوله تعالى (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) اى قوله واستغفره ليغفر لك الله (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) اى جميع ما فرط منك قديما فى الجاهلية قبل الرسالة وحديثا بعد الرسالة اى نزول السورة مما يصح ان يعاتب عليه وهذا لا يستلزم ارتكاب المعصية قال حسنات الأبرار سيات المقربين وقال سفيان الثوري ما تقدم يعنى ما عملت فى الجاهلية وما تأخر كل شىء لم يعمله يذكر مثل ذلك على طريق التأكيد كما يقال اعطى لمن راه ومن لم يره وضرب من لقيه ومن لم يلقه وقال عطاء الخراسانى ما تقدم من ذنبك يعنى ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) وعد بإتمام النعمة وإكمال الدين واظهار كلمة الإسلام وهدم منار الجاهلية

٣

بحيث يحجوا ويعتمروا مطمئنين لا يخالطهم أحد من المشركين الذي ذكر إنجازها فى سورة المائدة بقوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) وتمام النعمة هذه مسبب للفتح فتح مكة وصلح الحديبية ـ (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) فى تبليغ الرسالة واقامة مراسم الملك والنبوة والرياسة قيل معنى يهديك يهدى بك وقيل معنى يهديك يثبتك عليه او المعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية الى كمال الدين بحيث لا يجوز نسخه بعد ذلك ـ. (وَيَنْصُرَكَ اللهُ) فان قيل ينصرك الله معطوف على يغفر وهو مترتب على الفتح اما لكونه مسببا عن جهاد الكفار وبذل السعى ـ واما لكونه سببا للشكر والاستغفار المقدرين فلا بد ان يكون النصر ايضا مترتبا على الفتح وليس كذلك بل هو سبب للفتح سابق عليه قلنا ان كان المراد بالفتح صلح الحديبية فالصلح امتثالا لامر الله تعالى سبب للنصر الذي هو سبب للفتح وان كان المراد منه فتح مكة فالآية وعد بالفتح والوعد سبب للنصر السابق على الفتح كما لا يخفى ـ (نَصْراً عَزِيزاً) يعنى معزا يعزبه المنصور فوصفه بوصفه مبالغة او المعنى نصرا فيه عز ومنيعة روى الشيخان فى الصحيحين والترمذي والحاكم عن انس قال قال نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انّا فتحنا لك فتحا مبينا الى اخر الاية مرجعه من الحديبية وأصحابه فخالطوا الحزن والكآبة ـ فقال عليه‌السلام نزلت علىّ اية هى احبّ الىّ من الدنيا فلما تلى نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رجل من القوم هنيئا مريا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بنا فنزلت. (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) الى قوله فوزا عظيما والمراد بالسكينة الثبات والطمأنينة على امتثال امر الله تعالى من صلح الحديبية (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) حتى شيبتوا حيث تعلق النفوس وتدحض الاقدام حين جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) متعلق بانزل ـ قال الضحاك يقينا مع يقينهم يعنى برسوخ العقيدة واطمينان النفس عليها وقال الكلبي هذا فى امر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال ابن عباس بعث الله رسوله بشهادة ان لا اله الا الله فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكوة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم دينهم فكلما أمروا بشىء فصدقوه ازدادوا تصديقا الى تصديقهم (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى ليس الأمر بالصلح بالحديبية لضعف بالمسلمين بل لما يقتضيه علمه تعالى وحكمته (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) قوله تعالى

٤

ليدخل مع ما عطف عليه من قوله تعالى (وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) متعلق بقوله تعالى (لِيَزْدادُوا) او بدل اشتمال من قوله ليزدادوا او معطوف عليه بحذف العاطف متعلق بقوله تعالى (أَنْزَلَ) او بدل اشتمال من قوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) متعلق بقوله تعالى (فَتَحْنا) وجملة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) معترضة بينهما. (وَكانَ ذلِكَ) الإدخال والتكفير (عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) لانه منتهى ما يطلب من جلب نفع او دفع ضرر و (عِنْدَ اللهِ) حال من الفوز والجملة معترضة. (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) عطف على يدخل داخل فى علة إنزال السكينة من حيث ان المنافقين والكفار غاظوا المؤمنين وطعنوا فى دينهم حين امتثلوا امر الله سبحانه فى الصلح وغير ذلك وظنوا ظن السوء وكان ذلك سببا لتعذيبهم وان كان قوله ليدخل متعلقا بفتحنا فالامر ظاهر ـ (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) يعنى ظانين ان الله لا ينصر رسوله والمؤمنين ولا يرجع النبي عليه‌السلام الى المدينة سالما او ان له تعالى شريكا فالمفعولان محذوفان وقوله ظن السوء اى ظن الأمر السوء منصوب على المصدرية والسوء عبارة عن رداة الشيء وفساده يقال فعل سوءاى مسخوط فاسد (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) جملة دعائية يعنى يجعل الله عليهم دائرة الهلاك والعذاب لا يتخطاهم او دائرة ما يظنون ويتربصون بالمؤمنين وقرأ ابن كثير وابو عمرو السوء بالضم وهما لغتان غير ان المفتوح غلب فى ان يضاف اليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما فى الأصل مصدران ـ (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ) عطف لما استحقوه فى الاخرة على ما استوجبوه فى الدنيا (وَساءَتْ مَصِيراً) جهنم. (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيدفع كيد من عادى بنبيه والمؤمنين بما شاء منه (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) غالبا فلا يرد بأسه عن الكافرين (حَكِيماً) فيما دبّر. (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) يا محمد (شاهِداً) على أمتك حال مقدرة (وَمُبَشِّراً) للمطيعين بالجنة (وَنَذِيراً) للعصاة بالنار. (لِتُؤْمِنُوا) قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء على الغيبة وكذا لافعال الثلاثة المعطوفة عليه والضمير عائدة الى الناس أجمعين وقرأ الباقون الافعال الاربعة بالتاء على الخطاب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والامة والخطاب بالجمع بعد الخطاب بالإفراد شبه بالالتفات (بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ) اى تعووه (وَتُوَقِّرُوهُ) اى تعظموه (وَتُسَبِّحُوهُ) اى تنزهوه عما لا يليق بشانه او اتصلوا له والضمائر المنصوبة راجعة الى الله سبحانه ومعنى تقووه دينه ورسوله قلت وجاز ان يكون معناه ان تنسبوا القوة اليه دون غيره وتقولوا لا حول ولا قوّة الا بالله وقال البغوي ضمير تعزروه وتوقروه راجعان الى رسوله و

٥

ضمير تسبحوا الى الله تعالى واستبعده الزمخشري لكونه مستلزما لانتشار الضمائر قلنا لا بأس به عند قيام القرينة وعدم اللبس (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) منصوبان على الظرفية لتسبحوه يعنى تصلوا غدوا وعشيا او تنزهوه دائما ـ. (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) يا محمد بالحديبية على ان لا يفروا بل يقاتلوا حتى يظفروا او يموتوا (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لانه هو المقصود ببيعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) حال او استيناف على سبيل الاستعارة التخييلية تيمما بمعنى المشاكلة فانه إذا كان الله مبايعا واشتهر المبايعة بصفقة اليد وقد كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويبايعونه فتخيل اليد لتاكيد المشاكلة فى المبايعة وقال ابن عباس يد الله بالوفا لما وعدهم بالخير فوق أيديهم قلت يد الله على تاويل ابن عباس صفة من صفات الله تعالى لا يدرك كيفها ولا يجوز تخييلها بالجارحة وقال الكلبي نعمة الله عليهم فى الهداية فوق ما صنعوا من البيعة فصله غزوة الحديبية وبيعة الرضوان وسبب ذلك على ما رواه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وقتادة والبيهقي عن مجاهد ايضا وابن جرير عن ابن يزيد ومحمد بن عمرو عن شيوخه قالوا راى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه دخل مكة هو وأصحابه امنين محلقين رؤسهم ومقصرين وانه دخل البيت وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين وكان ذلك الرؤيا بالمدينة قبل خروجه الى الحديبية كذا قال البغوي ومحمد بن يوسف الصنابحى فى سبيل الرشاد وفى بعض الروايات عن مجاهد انه راى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالحديبية والصحيح هو الاول قال ابن سعد ومحمد بن عمرو غيرهما استنفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العرب ومن حوله من اهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش ان يعرضوا له بحرب او يصدوه عن البيت فابطأ عليه كثير من الاعراب وروى احمد والبخاري وعبد بن حميد وابو داود والنسائي وغيرهم عن الزهري وابن اسحق عن الزهري عن عروة عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل بيته فاغتسل ولبس ثوبين من نسج صحا وركب ناقة القصوى من عند بابه ويخرج بام سلمة معه وأم منيع اسماء بنت عمرو وأم عمارة الاشهلية وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق به من العرب لا يشكون بالفتح للرويا المذكور وليس معهم سلاح الا السيوف فى القرب وساق الهدى فسار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين لهلال ذى القعدة يعنى سنة ست حتى نزل ذالحليفة فصلى الظهر ثم دعا بالبدن وهى سبعون فجللت ثم أشعر منها عدة وهن موجهات الى القبلة فى الشق

٦

الايمن ثم امر ناجيئة بن جندب فاشعر ما بقي وقلدهن نعلا نعلا وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها وكان معهم مائتا فرس وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشير بن سفيان عينا له وقدم عباد بن بشير طليعة فى عشرين فارسا ويقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي ثم صلى ركعتين وركب من باب المسجد بذي الحليفة فلما انبعث راحلة مستقبلة القبلة احرم بالعمرة ليامن الناس حربه وليعلم الناس انه انما خرج زائرا بهذا البيت. ولبى لبيك إلخ واحرم غالب أصحابه وأم المؤمنين أم سلمة بإحرامه ومنهم من لم يحرم الا بالجحفة وسلك طريق البيداء ومر فيما بين مكة والمدينة بالاعراب من بنى بكر ومزينة وجهينة فاستنفرهم فتشاغلوا باموالهم وقالوا فيما بينهم يريد محمد يغزوا بنا الى قوم معد من الكراع والسلاح وانما محمد وأصحابه أكلة جزور لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا ابدا ـ قوم لا سلاح معهم ولا عدد ثم قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ناجية بن جندب مع فتيان من اسلم ومعهم هدايا المسلمين ووقع فى تلك المسير ما صاد قتادة حمار الوحش وكان غير محرم وما اهدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء وقد مر حديثه فى سورة المائدة ولما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجحفة امر بشجرة فقم ما تحتها فخطب الناس ـ فقال انى كائن لكم فرطا وقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وسنة نبيه ولما بلغ المشركين خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اجتمعوا وتشاوروا يريد محمد ان يدخلها علينا فى جنوده معتمرا فتستمع العرب انه دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا ثم قدموا خالد بن الوليد على ما بنى فارس الى كراع الغميم واستنفر من الأحابيش وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا الى بلدج وضرب بها القباب والابنية ومعهم النساء والصبيان فعسكروا هنا واجمعوا على منع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دخول مكة ومحاربته ووضعوا لعيون على الجبال وهم عشرا نفس يوحى بعضهم الى بعض بالصوت فعل محمد كذا وكذا حتى ينتهى الى قريش بلدح ورجع بشر بن سفيان الذي بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عينا له من مكة فلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغدير الا شطاط وراء عسفان فقال يا رسول الله هذا قريش سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم عوذ المطافيل قد لبسوا جلد النحور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا يدخلها عليهم ابدا ـ وهذا خالد بن الوليد فى خيلهم قدموها الى كراع الغميم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى وبين سائر

٧

العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وفيهم قوة فما تظن قريش فو الله لازال اجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله او تنفرد هذه السالفة ثم قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسلمين فحمد الله واثنى عليه بما هو اهله ثم قال اما بعد يا معشر المسلمين أشيروا علىّ أترون ان أميل على ذرارى هؤلاء الذين عانوهم فنصيبهم فان تعدوا قعدوا موتورين وان أبونا ـ تكن عنقا قد قطعه الله يعنى أهلك الله جماعة منهم أم ترون انا نوم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال ابو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه ووافقه على ذلك أسيد بن حضير وروى ابن ابى شيبة ان المقداد بن الأسود قال بعد كلام ابى بكر والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيه اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسيروا على اسم الله دونا خالد بن الوليد فى خيله حتى نظر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فصف خيله فيما بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين القبلة فامر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عباد بن بشر فتقدم فى خيله فقام بإزائه فصف أصحابه وحانت صلوة الظهر فاذن بلال واقام فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأصحابه فقال خالد بن الوليد قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن يأتي الساعة صلوة الاخرى هى أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم فنزل جبرئيل عليه‌السلام بين الظهر والعصر بقوله تعالى (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) الآية فحانت صلوة العصر فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلوة الخوف وقد مر شرحها فى سورة النساء روى البزار بسند رجاله ثقات عن ابى سعيد الخدري ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا لما امسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض فان خالد بن وليد فى الغميم فى خيل بقريش طليعة كره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان يلقاه وكان بهم رحيما قال أيكم يعرف ثنية ذات الحنظل فقال بريدة بن الحصيب انا وروى مسلم عن جابر وابو نعيم عن ابى سعيد قال ابو سعيد خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا فى اخر الليل حتى أقبلنا على عقبه ذات الحنظل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل هذه الثنية الليلة كمثل باب الذي قال الله تعالى لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجّدا يغفر لكم خطاياكم لا يجوز هذه الثنية الليلة أحد الا غفر له قالوا يا رسول الله نخشى ان ترى قريش نيراننا فقال لن يروكم فلما أصبحنا صلى بنا صلوة الصبح ثم قال والذي نفسى بيده لقد غفر الراكب أجمعين الا رديلبا واحدا على جمل احمر فاذا هو رجل

٨

من بنى ضمرة قال جابر قلنا له تعالى نستغفر لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال والله لان أجد ضالتى أحب الىّ من ان يستغفر لى صاحبكم فبينا هو فى حيال سراوع إذ زلقت به بغله فتردى فمات فما علم حتى أكلته السباع قال مسور بن مخرمة ومروان فلما دنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية وقعت يد راحلة فقال الناس حل حل فابت ان تبعث والحت فقال المسلمون خلأت القصوى فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بعادة ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ثم قال والذي نفس محمد بيده لا يسالون قريش اليوم خطة فيها تعظيم حرمات الله تعالى الا أعطيهم إياهم ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل أقصى الحديبية على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربضه الناس تريضا فلم يلبث الناس حتى نزحوه وشكى الناس الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلة الماء فانتزع سهما من كنانته فامر به فغرز فى الثمد بالرواء حتى صدروا بعطن قال المسور فانهم ليقترفون بانيتهم جلوسا على شفير البير والذي نزل بالسهم ناحية بن جندب سايق بدن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال محمد بن عمر حدثنى الهيثم عن عطاء بن ابى مروان عن أبيه قال حدثنى اربعة عشر رجلا من اسلم من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه ناجية بن عجم وكان ناجية يقول دعانى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى شكى اليه قلة الماء فاخرج سهما من كنانته ودفعه اليه ودعا بدلو من ماء البير فجئته به فتوضأ فمضمض فاه ثم مج فى الدلو والناس فى حر شديد وانما هى بير واحدة قد سبق المشركون الى بلدح فغلبوا على مياهيه فقال انزل الدلو فصبها فى البير واثرها بالسهم ففعلت فوالذى بعثه بالحق ماكدت اخرج حتى تغمدنى وفارت كما تفور القدر حتى طمث واستوت بشفيرها يغترفون من جانبها وروى احمد والبخاري وغيرهما عن البراء ومسلم عن سلمة بن اكوع وابو نعيم عن ابن عباس والبيهقي عن عروة نحوها قصة صب الدلو وليس فيه ذكر السهم وروى البخاري عن جابر ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين يديه ركوة قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب الا فى ركوتك فافرغنا فى قدح وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يديه فى القدح فجعل الماء يفور بين أصابعه كامثال العيون فشربنا وتوضأنا قيل لجابركم كنتم يومئذ فقال لو كنا مائة الف كفانا كنا خمس عشر مائة ولما اطمأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية جاء بديل بن ورقاء واسلم بعد ذلك فى دجال من خزاعة منهم عمرو بن سالم وحراس بن امية وخارجة بن كوز ويزيد بن امية وكانت عيبة

٩

نصح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتمامه منهم المسلم ومنهم الوادع لا يخفون عنه بتمامه شيئا فلما قدموا سلموا عليه فقال بديل بن ورقا جئناك من عند قومك كعب بن لوى وعامر بن لوى قد استنفروا لك الا حابيش ومن أطاعوهم قد نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل النساء والصبيان يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انا ما جئنا لقتال أحد انما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلنا وان قريشا قد اضرب بهم الحرب نهكتهم فان شاؤا ما ددناهم مدة يأمنون فيها ويخلون فيما بيننا وبين الناس والناس اكثر منهم فان أصابوني فذلك الذي أرادوا وان ظهر امرى على الناس كانوا بين ان يدخلوا فيما يدخل فيه الناس او يقاتلوا وقد جموا وان هم ابو فو الله لاجهدن على امرى هذا حتى تنفرد سالفتى او لينفذنّ الله امره قال بديل سابلغهم ما تقول فاتى قريشا وقال انا قد جئنا من عند محمد نخبركم عنه قال عكرمة بن ابى جهل والحكم بن العاص وأسلما بعد ذلك مالنا حاجة ان تخبرنا عنه ولكن اخبروه عنا انه لا يدخلها عامه هذا ابدا حتى لا يبقى رجل وأشار عليهم عروة بن مسعود السقفي بعد ذلك بان يسمعوا كلام بديل فان أعجبهم قبلوه والا تركوه فقال صفوان بن امية والحارث بن هشام وأسلما بعد ذلك هات ما سمعته فحدثه بما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال عروة بن مسعود السقفي اى قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال الست بالولد قالوا بلى ـ وكان عروة لسبعة بيت عبد الشمس القرشية قال فهل تنهمونى قالوا لا ـ قال ألستم تعلمون انى استنفرت اهل عكاظ فلما يلجوا على جئتكم باهلى وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فان هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعونى انّه فاتاه فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة يا محمد ارايت ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وان يكن الاخرى فانى والله لارى وجوها او باشا من الناس وفى رواية اشوايا من الناس خليقا ان يغروا ويدعوك فقال له ابو بكر الصديق امصص بظر اللات أنحن نفر منه وندعه قال من ذا قالوا ابو بكر فقال اما والذي نفسى بيده لو لا يد كانت لك عندى لم أخبرك به لاجبتك وكان عروة قد استعان فى حمل دية فاعانه الرجل بفريضتين والثلث وأعانه ابو بكر بعشر فرائض فكان هذا يد ابى بكر عند عروة قال فجعل عروة يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على راس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه السيف وعليه المغفر كلما أهوى عروة يده الى لحية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب يده بنصل السيف وقال اخر يدك عن لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانه لا ينبغى لمشرك ان يمسه

١٠

فرفع عروة راسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال يا غدر والله ما غسلت عنك عذرتك بعكاظ الا أمس لقد اورثتنا العداوة من ثقيف الى اخر الدهر ـ وكان مغيرة صحبت قوما فى الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فاسلم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اما الإسلام فاقبل واما المال فلست منه فى شىء ثم ان عروة جعل يرمق اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعينيه فو الله ما تنخم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نخامة الأرفع فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا امر ابتدروا امره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده وما يحادون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال اى القوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله ان رايت ملكا قط تعظم أصحابه ما يعظم اصحاب محمد محمدا ـ والله ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم يدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا امره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده وما يحادون النظر اليه تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقالت قريش لا ـ ولكن ترده عامنا هذا ويرجع الى قابل فقال ما أراكم الا ستصيبكم قارعة فانصرف هو ومن تبعه الى الطائف فقام الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش فاتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما راى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال هذا من قوم يعظمون الهدى ويتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراها فلما راى الهدايا يسيل عليها من عرض الوادي فى قلايدها قد أكل اوبارها من طول الحبس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إعظاما لما راى فقال يا معشر قريش انى قد رايت مالا يحل صد الهدى فى قلا يده قد أكل او تارة من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس فانما أنت رجل أعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عافذناكم ان تصدوا عن بيت الله من جاء معظما والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له او ليفرن الأحابيش نفرة رجل واحد ـ فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى ناخذ لانفسنا ما نرضى به فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعونى آته فقالوا آته فلما اشرف عليهم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا مكرز وهو رجل غادر او فاجر فلما انتهى الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمه بنحو ما كلم بديلا وعروة فرجع الى أصحابه فاخبرهم بما رد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال محمد بن إسحاق ومحمد بن عمر وغيرهما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى قريش خراش بن امية على جمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقال له الثعلب ليبلغ عنه اشرافهم بما جاء لهم فعقر عكرمة بن ابى جهل الجمل

١١

وأراد واقتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما لقى ـ روى البيهقي عن عروة قال لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحديبية فزعت قريش لنزوله فاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان يبعث رجلا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم فقال يا رسول الله انى أخاف قريشا على نفسى قد عرفت قريش عداوتى لها وليس بها من بنى عدى من يمنعنى ولكنى ادلك على رجل أعز بمكة منى وامنع عثمان بن عفان فدعا عثمن فقال اذهب الى قريش وأخبرهم انا لم نات لقتال وانما جئنا عمارا وادعهم الى الإسلام وامره ان يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخلهم ويبشرهم بالفتح ويخبر ان الله يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالايمان فانطلق عثمان الى قريش يمر عليهم ببلدح فقالوا اين تريد قال بعثني رسول الله تعالى عليه واله وسلم إليكم لادعوكم الى الإسلام والى الله جل ثناؤه وتدخلوا فى الدين كافة فان الله مظهر دينه ومعز نبيّه واخرى تكفون الذي يلى هذا الأمر غيركم فان ظفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذلك ما أردتم وان ظفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنتم بالخيار بين ان تدخلوا فيما دخل فيه الناس او تقاتلوا وأنتم وافرون جامون ان الحرب ونهكتكم وأذهبت الأماثل واخر ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخبر انه لم يأت لقتال أحد انما جاء معتمرا معه الهدى عليه القلائد ينحره وينصرف ـ فقالوا قد سمعنا ما تقول ولا كان هذا ابدا فارجع الى صاحبك فاخبره انه لا يصل إلينا ولقيه ابان بن سعيد واسلم بعد ذلك فرحب به ابان واجاره وقال لا تقصر عن حاجتك ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السرج وردف ورائه وقال اقبل وأدبر لا تخاف أحد او بنو سعيد اعزة بالحرم فدخل به مكة فاتى عثمان اشراف قريش رجلا رجلا فجعلوا يردون عليه ان محمدا لا يدخلها علينا ابدا ودخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين بمكة فقال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول قد أظلكم حتى لا يستخفى بمكة بالايمان ففرحوا بذلك وقال اقرأ على رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم منا السلام ـ ولما فرغ عثمان من رسالة قالوا له ان شئت ان تطوف بالبيت فطف فقال ما كنت لافعل حتى يطوف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقام عثمن بمكة ثلثا يدعو قريشا وقال المسلمون وهم بالحديبية خلص عثمن من بيننا الى البيت فطاف به فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم امر أصحابه بالحراسة بالليل فكانوا ثلثة يتناوبون الحراسة أوس بن فوبى وعباد بن بشر ومحمد بن مسلمة فكان محمد بن مسلمة على حرس

١٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة من الليالى وعثمان بمكة قد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص وامروهم ان يطوفوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجاء ان يصيبوا منهم عزة فاخذهم محمد بن مسلمة فجاء بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وظهر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه رجل غادر وكان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم كرز بن جابر الفهري وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد الشمس وعبد الله بن حذافة السهمي وابو الروم بن عمير بن عمرو وعمير بن وهب الحجمى وحاطب بن ابى بلتعة وعبد الله بن امية دخلوا مكة فى أمان عثمان وقيل سرا فعلم بهم فاخذوا وبلغ قريشا حبس أصحابهم الذين امسكهم محمد بن مسلمة فجاء جمع من قريش الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه حتى تراموا بالنبل والحجارة واسر المسلمون ايضا اثنى عشر فارسا وقتل من المسلمين ابن زنيم وقد اطلع الثنية من الحديبية فرماه المشركون فقتلوه وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان عثمان ومن معه قتلوا دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس الى البيعة روى ابن جرير وابن ابى حاتم من سلمة ابن الأكوع والبيهقي عن عروة وابن اسحق عن الزهري ومحمد بن عمر عن شيوخه قال سلمة بينا نحن قايلون إذ نادى منادى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ايها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله ـ فى صحيح المسلم عن سلمة قال بايعته أول الناس ثم بايع وبايع حتى إذا كان فى وسط قال بايع يا سلمة قلت بايعتك قال وايضا فبايعته ثم بايع حتى إذا كان اخرج الناس ـ قال ألا تبايعني يا سلمة قلت يا رسول الله بايعتك فى أول الناس وفى وسط الناس قال وايضا فبايعته الثالثة وفى صحيح البخاري عنه قيل على اى شىء كنتم تبايعونه قال على الموت وفى صحيح مسلم عن جابر قال بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمر أخذ بيده تحت شجرة مثمرة فبايعنا غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره وروى الطبراني عن ابن عمر والبيهقي عن الشعبي وابن مندة عن زيد بن حبيش قالوا لما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس الى البيعة كان أول من انتهى اليه ابو سنان الأسدي فقال ابسط بيدك أبايعك فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبايعنى على ما فى نفسك زاد ابن عمر قال وما فى نفسى قال اضرب بسيفى بين يديك حتى يظهر الله او اقتل فبايعه وبايعه الناس على بيعة ابى سنان روى البيهقي عن انس وابن إسحاق عن ابن عمر قال لما امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيعة الرضوان كان عثمان رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى اهل مكة فبايع الناس فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان عثمان

١٣

فى حاجتك وحاجة رسولك فضرب بإحدى يديه على الاخرى فقال هذا يد عثمان وكانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم وبعث قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن العزى وأسلما ومكرز بن حفص الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال سهيل ان الذي كان من حبس أصحابك وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من راى ذى راينا كنا له كارهين حتى بلغنا ولم نعلم به وكان من سفهائنا فابعث إلينا باصحابنا الذين أسرت أول مرة والذين أسرت اخر مرة والذي ذكر من قتل عثمن ومن معه ظهر انه كان باطلا ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انى غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا أنصفتنا فبعث سهيل ومن معه الى قريش بالشتيهم بن عبد مناف التيمي فبعثوا من كان عندهم وهم عثمان والعشرة معه وأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابهم الذين اسرهم المسلمون وفى الصحيحين عن سهيل بن حنيف وعند البخاري واصحاب السنن عن مروان بن الحكم ان عثمن لما قدم من مكة هو ومعه رجع سهيل بن عمرو حويطب ومكرز الى قريش فاخبروهم بما راوا من سرعة اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى البيعة وتشميرهم الى الحرب اشتد عليهم فقال اهل الرأي منهم ليس خير من ان تصالح محمدا على ان ينصرف عنا عامة هذا ولا يخلص من البيت حتى يسمع من يسمع بمسيرة من العرب انا قد صددناه ويرجع قابلا فيقم ثلثا ينحر هديه وينصرف فاجمعوا على ذلك وقالوا لسهيل ايت محمدا فصالحه وليكن فى صلحك ان لا يدخل عامة هذا فو الله لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عليه‌السلام أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا وفى لفظ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سهل أمركم وجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متربعا وقام عباد بن بشر وسلمة واسلم وهما مقنعان فى الحديد فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأطال الكلام وتراجعا وارتفعت الأصوات وانخفضت وقال عباد بن بشر لسهيل اخفض من صوتك عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجرى القول حتى وقع الصلح فقال سهيل هات اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا كرم الله وجهه كما فى حديث البراء عن البخاري والحاكم عن عبد الله بن مغفل انه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال السهيل اما الرحمن الرحيم فو الله لا أدرى ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا تكتبها فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال سهيل والله لو كنا نعلم إنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك اكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلى رض امحه

١٤

فقال على رض ما انا بالذي أمحاه وذكر محمد بن عمران أسيد بن حضير وسعيد بن عبادة أخذ بيد على رض ان لا يكتب الا محمد رسول الله والا فالسيف بيننا وبينهم وارتفعت الأصوات فقال النبي صلعم أرنيه فاراه إياه فمحاه رسول الله صلعم بيده وقال اكتب محمد بن عبد الله ووقع فى بعض طرق حديث البراء ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو وأصلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يا من فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض فقال رسول الله صلعم لسهيل على ان تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف فقال سهيل لا والله ولكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل على ان لا يأتيك منا أحد بغير اذن وليه وان كان على دينك الا ردته إلينا ـ فقال المسلمون سبحان الله أيكتب هذا كيف يرد الى المشركين وقد جاء مسلما فقال رسول الله صلعم نعم انه من ذهب منا إليهم فابعده الله ومن جاء منهم إلينا فيجعل الله فرجا قال البراء صالح على ثلثة أشياء على انه من أتاه من المشركين رده إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه اليه وعلى ان يدخلها من قابل ويقيم بها ثلثة ايام ولا يدخلها الا يجلبان السلاح والسيف والقوس ونحوه وقع الصلح على ان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيبة مكفوفة وانه لا إسلال ولا أغلال وانه من أحب دخل فى عقد محمد ومن أحب دخل فى عقد قريش فتواثبت خزاعة وقال نحن فى عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن فى عقد قريش وعهدهم ولما تقرر الصلح ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب رض الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله الست بنى الله حقا قال بلى قال السنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قال على م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انى عبد الله ورسوله ولست أعصيه ولن يضيعنى وهو ناصرى قال او ليس كنت تحدثنا انا ناتى البيت فنطوف حقا قال بلى فاخبرتك انك ناتيه العام قال لا قال فانك اتيه ومطوف به فذهب عمر الى ابى بكر متغيضا ولم يصبر فقال يا ابو بكر أليس هذا نبى الله حقا قال بلى قال السنا على الحق وهم على الباطل قال بلى قال أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قال فعلى م تعطنى الدنية فى ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم قال ايها الرجل انه رسول الله وليس يعصى ربه وهو ناصره فاستمسك بعزره حتى تموت فو الله انه لعلى الحق وفى لفظ فانه رسول الله فقال عمرو انا اشهد انه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال او ليس كان يحدثنا انه سياتى البيت ويطوف به قال بلى ا فاخبرك انك تأتيه العام قال لا قال فانك اتيه وتطوف به فلقى عمر من هذه الشروط امرا عظيما وقال

١٥

كما فى الصحيح والله ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ وجعل يردد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكلام فقال ابو عبيدة بن الجراح الا تسمع يا ابن الخطاب تقول بالقول نعوذ بالله من الشيطان قال عمر فجعلت أتعوذ بالله من الشيطان ـ روى ابن اسحق وابن عمر والأسلمي قال عمر فمازلت أتصدق وأصوم وأعتق من الذي صنعت يومئذ وروى احمد والنسائي والحاكم فى حديث عبد الله بن مغفل ذكر نحو ما تقدم قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلثون شابا عليهم السلاح فثاروا الى وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاخذ الله باسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم فقمنا إليهم فاخذناهم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل جئتم فى عهد أحد وهل جعل لكم أحد أمانا فقالوا لا فخلى سبيلهم فانزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وروى احمد ومسلم وابن ابى شيبة عن انس هبط على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمانون رجلا من اهل مكة فى السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا عليهم فاخذوا فعفا عنهم وفى حديث الزهري عن مروان ومسور وروى مسلم واحمد وعبد بن حميد عن سلمة بن الأكوع قال لما سمعت قتل ابن زنيم اخترطت سيفى على اربعة رقود من المشركين فاخذت سلاحهم وجئت بهم اسوقهم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الذي كف أيديهم عنكم الاية فبينما الناس ـ كذلك إذا ابو جندل بن سهيل ابن عمر يرسف فى قيوده قد خرج من أسفل حتى رمى نفسه بين اظهر المسلمين وكان أبوه سهيل قد أوثقه فى الحديد وسجنه فقام اليه المسلمون يرحبونه ويهنونه فلما راى ابو سهيل قام اليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد هذا أول ما اقاضيك عليه ان ترده فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله إذا لا أصالحك على شىء ابدا قال فاجزه بي قال ما انا بمجيزه قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكرز وحويطب قد اجزناه لك فاخذاه ودخلا فسطاطا واجاراه وكف عنه أبوه ـ فقال ابو جندل معاشر المسلمين أرد الى المشركين وقد جئت مسلما الا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صوته أبا جندل اصبر واحتسب فان الله تعالى جاعل لك بمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا مع القوم صلحا وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهدا وانا لا نقدر فمشى عمر بن الخطاب الى جنب ابى جندل فقال له اصبر واحتسب فانما هم المشركون وانما دم أحدهم دم كلب وجعل عمر يدنى قائم السيف منه قال عمر رجوت ان يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضمن الرجل بابيه وقد كان اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرحوا وهم لا يشكون فى الفتح لرويا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما راو ما رأو من

١٦

الصلح والرجوع دخل الناس من ذلك عظيم حتى كادوا يهلكون فزادهم امر ابى جندل ونفذت القضية شهد على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين وابو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سهيل بن عمرو وسعد بن ابى وقاص ومحمود بن سلمة وعلى بن ابى طالب كرم الله وجهه ومكرز بن حفص وهو مشرك فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوموا فانحروا ثم احلقوه فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلث مرات فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال هلك المسلمون امرتهم ان ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا فقالت يا رسول الله لا تلمهم فانهم قد دخلهم امر عظيم مما ادخلت على نفسك من المشقة فى امر الصلح ورجوعهم بغير فتح يا نبى الله اخرج ولا تكلم أحدا كلمة حتى تنجر بدنك وتدعوا بحالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا حتى نحو بدنه رافعا صوته بسم الله الله اكبر ودعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا قال ابن عمر وابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين قال يرحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرون قالوا يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم الترحم قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمرو ذلك انه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت واقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية تسعة عشر يوما ويقال عشرين ليلة ذكره محمد بن عمرو فى ايام المقام بالحديبية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكعب بن عجرة لارى الهوام تتساقط على وجهه وهم محصورون قبل الصلح ا يؤذيك هوام راسك قال نعم وامره بالحلق والفدية من صيام او صدقة او نسك ونزل حينئذ قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الاية من سورة البقرة وقد ذكر هناك مسائل للاحصار والحلق بعذر وما يتعلق به روى مسلم عن سلمة بن الأكوع والبيهقي عن ابن عباس والبزاز والطبراني والبيهقي عن ابى حبيش ومحمد بن عمرو عن شيوخه انه لما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الحديبية نزل بمر الظهران ثم نزل بعسفان فارملوا من الزاد فشكى الناس الجوع وقالوا ننحر يا رسول الله الحمر فاذن لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عمر يا رسول الله لا تفعل فان يكن فى الناس بقية ظهر كان أمثل كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا لكن ان رايت تدعو الناس ببقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فان الله سيبلغنا بدعوتك فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببقايا أزوادهم وبسط نطعا وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر فاجتمع زاد القوم على النطع قال مسلمة فتطاولت لاحرزكم محرزته كر نفسه عزة ونحن اربعة عشر مائة فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا بما شاء الله تعالى ان يدعوا

١٧

فاكلوا حتى شبعوا ثم حشوا أوعيتهم وبقي مثله فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت لواجذه وقال اشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله والله لا يلقى الله تعالى عبد مؤمن بهما الا حجب من النار قال الزهري فى حديثه ثم جاء نسوة مؤمنات فانزل الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) حتى بلغ (بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ـ فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له فى الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن ابى سفيان والاخرى صفوان بن امية قال فنهاهم ان يردوا النساء وامر برد الصداق روى احمد والبخاري وابو داود والنسائي عن المسور بن مخرمة والبيهقي عن الزهري ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قدم المدينة من الحديبية أتاه ابو بصير عتبة بن أسيد حاربة الثقفي حليف بنى زهرة مسلما قد خلت من قومه فكتب الاحبس بن شريف الثقفي وأزهر بن عبد عوف الزهري الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا بعثهما وبعثا خنيسا بن جابر من بنى عامر ابن لوى يذكر ان الصلح الذي بينهم وان يردا إليهم أبا بصير فقدم العامري ومعه مولى له يقال له كوثر بعد ابى بصير بثلاثة ايام فامر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بصير ان يرجع معهما وقال يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح فى ديننا الغدر ان الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا به حتى بلغا ذا الحليفه فصلى ابو بصير فى مسجدها ركعتين صلوة المسافر ومعه زاد له من تمر يحمله يأكل ودعا العامري وصاحبه لياكلا معه فنزلوا يأكلون التمر وعلى العامري سيفه وتحادثا ولفظ عروة فسل العامري سيفه ثم هذه فقال لاضربن بسيفى هذا فى الأوس والخزرج يوما الى الليل فقال ابو بصير أصارم سيفك هذا قال نعم قال ناولنى انظر اليه ان شئت فناوله إياه فلما قبض عليه ضربه به حتى يرد وخرج كوثر هاربا حتى اتى المدينة فدخل المسجد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالك قال قتل والله صاحبى وأفلت منه ولم أكد وانى مقتول فاستغاث برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فامته واقبل ابو بصير فاناخ بعير العامري ودخل متوحشا بسيفه فقال يا رسول قد وفيت ذمتك وادي الله عنك وقد أسلمتني بيد العدو وقد امتنعت بديني من ان افتن فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد وقدم بسلب العامري لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخمسه فقال انى إذا خمسة راونى لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ولكن شانك بسلب صاحبك واذهب حيث شئت وفى الصحيح ان أبا بصير لما سمع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد عرف انه سيرده فخرج ابو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدمه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر فاقام بسيف البحر بين العيص وذى المروة من ارض جنته على طريق عيرات قريش وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر

١٨

ابى بصير فتسللوا اليه قال محمد بن عمرو كان عمر بن الخطاب هو كتب إليهم يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابى بصير ويل امه مسعر حرب لو كان له رجال وأخبرهم انه بالساحل وانفلت ابو جندل بن سهيل الذي رده عليه‌السلام الى المشركين بالحديبية فخرج هو وسبعون راكبا ممن اسلموا فلحقوا بابى بصير فلما قدم ابو جندل على ابى بصير سلم له الأمر لكونه قرشيا وكان ابو جندل يؤمهم واجتمع الى ابى جندل حين سمع بقدومه ناس من بنى غفار واسلم وجهينة وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل كما عند البيهقي عن ابن شهاب لا تمر بهم عير لقريش الا أخذوها وقتلوا من فيها وضيقوا على قريش فلا يظفرون بأحد منهم الا قتلوه فارسل قريش أبا سفيان الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان يبعث الى ابى بصير ومن معه وقالوا من خرج منا إليك فامسكه فهو لك حلال من غير حرج أنت فيه فكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى ابى بصير وابى جندل يأمرهما ان يقدما عليه ويأمر من معهما فمن اتبعهما من المسلمين ان يرجعوا الى بلادهم وأهليهم فلا يتعرضوا الأحد مر بهم من قريش وعيراتها فقدم كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ابى بصير وهو يموت فجعل يقرأه ومات وهو فى يده فدفنه ابو جندل فى مكانه وجعل قبره مسجدا وقدم ابو جندل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم الى أهليهم فلما كان من أمرهم على الذين كانوا اشاروا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية ان طاعة الله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام القضية قال هذا الذي وعدتكم ولما كان يوم الفتح أخذ المفتاح وقال لعمر بن الخطاب هذا الذي قلت لكم ـ ولما كان فى حجة الوداع وقف بعرفة فقال اى عمر هذا الذي قلت لكم قال اى رسول الله ما كان فتح أعظم من صلح الحديبية وكان ابو بكر يقول ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية ولكن الناس قصر رائهم عما كان بين رسول الله وبين ربه والعباد يعجلون والله لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد والقد رايت سهيل بن عمرو فى حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدنه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينحرها بيده ودعا الحلاق فحلق راسه وانظر الى سهيل يلتقطه من شعره يضعه على عينه واذكر امتناعه ان يقر يوم الحديبية بان يكتب بسم الله الرحمن الرحيم فحمد الله سبحانه ان هداه للاسلام (فَمَنْ نَكَثَ) اى نقض البيعة (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) اى لا يعود ضرر نكثه الا عليه (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) اى ثبت على البيعة قرأ حفص بضم الهاء تعظيما للجلالة والباقون بالكسر (فَسَيُؤْتِيهِ) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة والضمير

١٩

عايد الى الله (أَجْراً عَظِيماً) يعنى الجنة ورضوان الله تعالى ورويته. (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) ابن عباس ومجاهد يعنى الاعراب بنى غفار ومزينه وجهنية والنخع واسلم وهم الذين أبطئوا من الخروج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين استنفرهم إذا أراد المسير الى مكة عام الحديبية خوفا من قتال قريش زعما منهم قلة عدد المسلمين وضعفهم فى عقيدتهم كما مر فى القضية رجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سالما اعتذروا من التخلف وو قالوا (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) يعنى لم يكن لنا من يقوم باشغالهم (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) الله تعالى على التخلف فيه معجزة فان الله تعالى اخبر نبيه صلعم بما يقول له المخلفون بعد ذلك ثم كذبهم الله فى اعتذارهم فقال (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) من الاعتذار والاستغفار يعنى انهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم او لم يستغفر الجملة بدل من قوله تعالى سيقول إلخ (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) يعنى لاحد يمنعكم من مشية الله تعالى وقضائه فيكم (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) قرأ حمزة والكسائي بضم الضاد والباقون بالفتح يعنى ما يضركم كقتل او هزيمة او هلاك فى المال او الأهل او عذاب فى الاخرة على تخلفكم (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) اى ضد ذلك به تعرض بالرد (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) يعنى ليس الأمر كما قلتم فى الاعتذار بل الله يعلم ان قصدكم فى التخلف انما هو اظهار الموافقة لاهل مكة خوفا منهم. (بَلْ ظَنَنْتُمْ) ايها المخلفون (أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) يعنى يستاصلهم مشركو مكة فلا يرجعون إضراب ثان عطف على مضمون الاضراب الاول يعنى بل أظهرتم موافقه اهل مكة بل ظننتم ان لن ينقلبوا (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) زينه الشيطان بخلق الله تعالى (وَظَنَنْتُمْ) ان محمدا وأصحابه أكلة راس فلا يرجعون او غير ذلك مما يظنون بالله ورسوله صلعم من الأمور الباطلة (ظَنَّ السَّوْءِ) منصوب على المصدرية (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) هلكى عند الله لفساد عقيدتكم وسوء ظنكم بالله ورسوله. (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فيه تعريض الى انهم غير مؤمنين بالله ورسوله فان الايمان ينافى تلك الظنون والتخلف عن الرسول صلعم وجزاء الشرط محذوف وما بعده تعليل أقيم مقامه اى لا يضرنا ـ (فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) وضع المظهر موضع المضمر إيذانا بان من لم يجمع بين الايمان بالله ورسوله فهو كافر مستوجب للسعير بكفره وتنكير سعير للتهويل ـ. (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) لا يجب عليه شىء (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يعنى ان الغفران والرحمة صفات ذاتية له تعالى والتعذيب داخل

٢٠