التفسير المظهري - ج ٨

محمد ثناء الله العثماني

التفسير المظهري - ج ٨

المؤلف:

محمد ثناء الله العثماني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة رشيديّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٨

١

فهرست سوره سبا

مضمون

صفحة

مضمون

صفحة

ان الازمنة كلها وما فيها من الزمانيات الماضية والمستقبلة حاضرة عند الله سبحانه وهو خارج عن الزمان

٥

قال سليمان عليه‌السلام اللهم أعم موتى على الجن بعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب

١٧

(فائدة) وقد يأتى على بعض الأكابر حالة يخرج فيه من حيز الزمان فيرى الماضي او المستقبل موجودا عنده

٥

حديث فروة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا نبى الله ان سبا قوم كان لهم فى الجاهلية عزوانى أخشى ان يرتدوا عن الإسلام أفأقاتلهم إلخ

١٨

كان الحديد فى يد داود كالشمع والعجين إلخ

١١

قال رجل يا رسول الله أخبرني عن السبأ إلخ

١٩

حديث ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يديه وان داود نبى الله كان يأكل من عمل يديه

١١

تفصيل قصة سيل العرم

٢٠

كيفية بناء الجن البيت المقدس

١٣

علمه تعالى قديم أكن تعلق العلم بالمعلوم حادث

٢٤

حديث لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلثا

١٤

ان نبى الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إذا قضى الله الام فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها إلخ

٢٦

مسئله هل يجوز تزيين المساجد بالذهب والفضة ونحوهما

١٤

كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما‌السلام خمسمائة وخمسين سنة وقيل ستمأئة

٢٧

حديث كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فيعذبه فى جهنم

١٥

حديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى إلخ

٣٠

حديث يخرج عنق من النار يوم القيامة إلخ حديث ومن اظلم ممن ذهب يغلق كخلقى

حديث قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده إلخ

٣٧

حديث لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلخ

٣٨

فهرست سورة الملائكة

حديث ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول دبر كل صلوة لا اله الّا الله وحده لا شريك له

٤٢

حديث ابى هريرة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذي نفسى بيده لو تعلمون ما اعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ـ

٥٤

حديث ما بين النفختين أربعون إلخ

٣٦

حديث ابن مسعود قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوفيهم أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة إلخ

٥٥

حديث ابن مسعود ما من عبد يقول خمس كلمات إلخ

٣٦

حديث سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له

٥٦

حديث لا يرد القضاء الّا الدعاء إلخ

٤٥

حديث ابى ثابت ان رجلا دخل المسجد فقال اللهم ارحم غربتى إلخ

٥٧

حديث يجيئ ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال إلخ

٥١

حديث ابى موسى يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول يا معشر العلماء

إلخ

٥٧

حديث إذا كان يوم القيامة رفع الى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين إلخ

٥١

حديث ابى هريرة يبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء إلخ

٥٩

قال الشيخ العارف الاجل شهاب الدين السهروردي فى هذه الاية تعريض الى انه من لا خشية له فهو ليس بعالم

٥٣

٢

سورة سبأ

مكّيّة وهى اربع وخمسون اية ربّ يسّر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وتمّم بالخير الحمد لله الّذى له ما فى السّموت وما فى الأرض ملكا وخلقا وقمرا فهو الحقيق بالحمد سرّا وجهرا دون غيره وانما يحمد غيره لاجل اضافة بعض النعم الى غيره ظاهرا وبالمجاز. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) لان نعماء الاخرة ايضا له تعالى وليس هذا من قبيل عطف المقيد على المطلق بل المعطوف عليه مقيد بكونه فى الدنيا لما يدل الوصف بالموصول والصلة على انه المنعم بالنعم الدنيوية فله الحمد فى الدنيا لكمال قدرته وتمام نعمته وكذا فى الاخرة لان نعماء الآخرة ايضا له تعالى وتقديم الظرف فى الجملة الثانية للاشعار بان الحمد فى الدنيا قد يكون الله تعالى بواسطة من يستحق الحمد لاجلها ولا كذلك نعم الاخرة بل هى مختصة بالله تعالى قيل الحمد فى الاخرة هو حمد اهل الجنة كما قال الله تعالى وقالوا الحمد لله الّذى هدينا لهذا وما كنّا لنهتدى لو لا ان هدينا الله وقالوا الحمد لله الّذى صدقنا وعده ـ والحمد لله الّذى اذهب عنّا الحزن (وَهُوَ الْحَكِيمُ) الذي احكم امور الدين (الْخَبِيرُ) (١) ببواطن الأشياء وظواهرها.

٣

(يَعْلَمُ) حال او استيناف فى مقام التعليل (ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) من المطر الذي ينفذ فى مسام الأرض والأموات والكنوز (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من النبات والفلذات والأموات إذا حشروا والماء من الآبار والعيون (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الأمطار والصواعق والملائكة والكتب والمقادير والأرزاق وانواع البركات واصناف البليات (وَما يَعْرُجُ فِيها) من الملائكة واعمال العباد والدعوات (وَهُوَ الرَّحِيمُ) فينزّل ما يحتاجون اليه (الْغَفُورُ) (٢) للمفرطين فى شكر نعمته مع كثرتها هذه الجملة معطوفة على يعلم. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) انكار لمجيئها معطوف على جملة مقدرة مفهومة من قوله تعالى (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) ... (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) فانه يفهم منه وعد الله بالرحمة والمغفرة للحامدين يوم تأتى الساعة (قُلْ بَلى) رد لكلامهم واثبات لما نفوه (وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) تكرير لايجابه مؤكدا بالقسم وبتوصيف المقسم به بقوله (عالِمِ الْغَيْبِ) فان عظم المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم وفيه اشارة الى ان الساعة من الغيب وعلمه مختص بالله تعالى يكفى لاثباته شهادة تعالى ولا يجوز لاحد اثبات شيء من الغيب ولا نفيه الا بتعليم من الله تعالى. قرأ حمزة والكسائي علّام الغيب على وزن فعّال للمبالغة والباقون على وزن فاعل وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره ما بعده والباقون بالجر على انه صفة للرب ففيه تأكيد للردّ على انكارهم فان انكار هم ليس الا مبنيّا على جهلهم واستبعادهم ممكنا مثل سائر الممكنات ثابتا إتيانه بأخبار عالم الغيب (لا يَعْزُبُ) قرأ الكسائي بكسر الزاء والباقون بضمها ومعناهما واحد اى لا يغيب (عَنْهُ مِثْقالُ) اى مقدار ثقل (ذَرَّةٍ) اى نملة صغيرة كائنة (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) موجهة فى شيء من الازمنة الماضية او المستقبلة او الحال والقول بان المعنى لا يعزب عنه مثقال ذرّة موجودة فى الزمان الحال كائنة فى السماوات او الأرض يأباه المقام لان الجملة واقعة تأكيدا لقوله

٤

عالم الغيب بيانا لشمول علمه جميع الكائنات ماضيا كان او مستقبلا حتى يكون مؤكدا للاخبار بإتيان الساعة. وايضا حضور جميع الأشياء الموجودة فى الحال؟؟؟ لبعض من الخلائق كما ذكرنا فى سورة الانعام فى تفسير قوله تعالى (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) انه قيل يا رسول الله ملك الموت واحد والزحفان يلتقيان من المشرق والمغرب وما بين ذلك من السقط والهلاك انه حوى الدنيا الملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى فهل يفوته منها شيء فالظاهر من هذه الاية ان الازمنة كلها وما فيها من الزمانيات الماضية والمستقبلة حاضرة عند الله سبحانه وهو خارج عن الزمان كما ان الامكنة والمكانيات حاضرة عنده تعالى وهو خارج عن المكان لا يجرى عليه زمان كما لا يحويه مكان فالزمان مخلوق له تعالى حادث حدوثا ذاتيا كما ان المكان مخلوق له فالماضى والمستقبل بالنسبة اليه سواء كما ان الامكنة كلها بالاضافة اليه سواء وقد نبه على ذلك بعض الأكابر من علماء الظاهر قال الجلال الدواني رحمة الله عليه فى رسالته الزوراء إذا اعتبرت الامتداد الزمانى الذي هو محل التغيير والتبديل وعرض الحوادث الكونية بما يقارنه من الحوادث جملة واحدة وجدته شأنا من شيون العلة الاولى محيطا لجميع الشيون المتعاقبة ـ ثم ان أمعنت النظر وجدت التعاقب باعتبار حضور حدود ذلك الامتداد وغيبوبتها بالنسبة الى الزمانيات الواقعة تحت حيطته ـ واما المراتب العالية عليها فلا تعاقب بالنسبة إليها بل الجميع متساوية بالنسبة إليها متحاذية فى الحضور لذاتها فما ظنك ما على شواهق العوالي ليس عند ربك صباح والإمساء تنبيه إذا أخذت امتداد مختلف الاجزاء فى اللون كخشب اختلف اللون فى اجزائه ثم امررته فى محاذات ذرة او غيرها ممّا يضيق حدقته عن الإحاطة بجميع ذلك الامتدادات ليس تلك الألوان المختلفة متعاقبة فى الحضور لديها لضيق حدقتها متقاربة فى الحضور لديك لقوة احاطتك فاعتبروا يا أولى الابصار انتهى كلامه فائدة وقد يأتى على بعض الأكابر حالة يخرج فيه من حيز الزمان فيرى الماضي او المستقبل موجودا عنده ويشهد عليه ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن عبد الله بن عباس قال انخسف الشمس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلى رسول الله

٥

صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس فقام قياما طويلا فذكر الحديث بطوله حتى قال قالوا يا رسول الله رايناك تناولت شيئا فى مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال انى رايت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لاكلتم منه ما بقيت الدنيا ورايت النار فلم ار كاليوم منظرا قط أفظع ورايت اكثر أهلها النساء الحديث ـ ولا شك ان دخول النساء فى النار لا يكون الا بعد القيامة وقد راه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم موجودا لا يقال لعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم راى صورة النار والجنة فى عالم المثال مثل ما يرى النائم فى المنام لان قوله لو أخذته لا كلتم منه ما بقيت الدنيا صريح فى انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم راى حقيقة الجنة والنار دون مثالهما وما روى مسلم عن جابر ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رايت الجنة فرايت امراة ابى طلحة وسمعت خشخشة امامى فاذا بلال وما روى احمد وابو داود والضياء عن انس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما عرج بي ربى عزوجل مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى اعراضهم وعن جابر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرضت علىّ النار فرايت فيها امراة من بنى إسرائيل تعذب فى هرة ربطها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت جوعا ورايت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبه فى النار وكان أول من سيب السوائب ـ رواه مسلم وقال اكثر المفسرين معنى قوله تعالى (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) اى علمه (مِثْقالُ ذَرَّةٍ) ... (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ) اى من الذرة (وَلا أَكْبَرُ) منه (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٣) حملة مؤكدة لنفى العزوب ان كان المراد بالعزوب العزوب عن علمه او المراد بالكتاب المبين علمه تعالى او اللوح المحفوظ الذي حاك عن بعض من علومه وان كان المراد عدم عزوب شيء من ذاته سبحانه فهذا تأسيس لا تأكيد وأصغر واكبر مرفوعان بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على اعمال لا التي لنفى الجنس ـ ولا يجوز العطف مرفوعا على مثقال ومفتوحا على ذرة فى محل الجر لامتناعها من الصرف لان الاستثناء عنه؟؟؟ ولا يجوزان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن لان الاستدراك والاستثناء المنقطع

٦

بعد النفي يكون اثباتا فيكون المعنى لا يعزب مثقال ذرة ولا أصغر منه ولا اكبر ولكن يعزب فى كتاب مبين وهذا فاسد ـ قال البيضاوي اللهم إذا جعل الضمير فى يعزب للغيب وجعل المثبت فى اللوح خارجا عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب إلا سطورا فى اللوح وهذا التوجيه ضعيف كما يشعر به كلام البيضاوي لان كونه فى اللوح لا يخرجه عن الغيب والكلام فى شمول علمه تعالى ولا مساس لهذا التوجيه بالمدعى على انه ورد فى سورة يونس بلفظ لا يعزب عن ربّك من مّثقال ذرّة فى الأرض ولا فى السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر الّا فى كتب مبين ولا يتاتى هذا التوجيه هناك وقيل هذا على طريقة المدح بما يشبه الذم كما فى قوله تعالى (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) كقولك فى زيد لا عيب فيه الّا انه عالم يعنى لا عيب فيه أصلا والمعنى لا يعزب عنه مثقال ذرة الا فى كتاب مبين حكمه فكيف يغب عنه. (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) علة لقوله لتأتينّكم وبيان لما يقتضى إتيانها (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لما قصروا فى أداء حقوق العبودية التي لا يمكن استيفاؤها (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤) حسن فى الجنة لا تعب فيه ولا منّ عليه لما أتوا بها من الحسنات وتفضلا ـ. (وَالَّذِينَ سَعَوْا) عطف على الّذين أمنوا مفعول ليجزى اى ليجزى الذين سعوا (فِي آياتِنا) بالابطال وتزهيد الناس فيها (مُعاجِزِينَ) قرأ ابن كثير وابو عمرو معجّزين من التفعيل اى مثبطين عن الايمان من اراده والباقون من المفاعلة اى مقدرين عجزنا او سابقين لنا فيفوتنا لظنهم بأن لا بعث ولا عقاب (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) قال قتادة الرجز سوء العذاب فمن بيانية (أَلِيمٌ) (٥) اى ذو الم يعنى مؤلم قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب بالرفع هنا وفى الجاثية على انه نعت للعذاب والباقون بالجر على انه نعت للرجز. (وَيَرَى) بمعنى يعلم مرفوع عطفا على مضمون بلى لتأتينكم وقيل منصوب معطوف على يجزى اى ليجزى الّذين أمنوا وليعلم (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يعنى مؤمنى اهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقال قتادة

٧

هم اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن تبعهم بإحسان اى يعلم عند مجيء الساعة انه الحق عيانا كما علموه الان برهانا (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعنى القران مفعول أول ليرى (هُوَ الْحَقَ) بالرفع (١) مبتدا وخبر والجملة ثانى مفعولى يرى وقرئى بالنصب على انه ثانى مفعولى يرى والضمير للفصل وجملة يرى مستأنفة للاستشهاد باولى العلم على الجهلة الساعين فى الآيات (وَيَهْدِي) الله او الذي انزل إليك عطف على الحق (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٦) اى الإسلام. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وبينهما معترضات ووضع المظهر موضع الضمير للتصريح على مناط الحكم يعنى قال منكروا البعث بعضهم لبعض متعجبين منه (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يُنَبِّئُكُمْ) صفة لرجل اى يخبركم بأعجب الأعاجيب وهو انه (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) كل منصوب على المصدرية لاضافته الى المصدر الميمى يعنى إذا متم وتمزق أجسادكم كل تمزق بحيث يصير ترابا او على الظرفية بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحته كل مطرح (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٧) منصوب بقوله ينبئكم بتضمين معنى القول يعنى يقول انّكم لفى خلق جديد وتقديم الظرف يعنى إذا مزّقتم للدلالة على البعد والمبالغة وعامله محذوف دل عليه ما بعده يعنى ينبئكم بانكم تبعثون إذا مزّقتم كلّ ممزّق يقول انّكم لفى خلق جديد وذلك لان ما قبله لم يقارنه وما بعد انّ لا يعمل فيما قبله وذكروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتنكير مع كونه مشهورا فى قريش شائعا انباؤه بالبعث تجاهلا به وبامره بناء على استبعاده وقصدا الى التحقير. (أَفْتَرى) همزة استفهام دخلت على همزة الوصل فسقطت من اللفظ للاستغناء عنها ولعدم اللبس بالخبر فان همزة الوصل هاهنا مكسورة بخلاف ما إذا كان همزة الوصل مفتوحة نحوءالله والذكر وءائن فان هناك لا تحذف بل تسهل او تبدل الفا ويمد وسقطت من الخط ايضا على خلاف القياس (عَلَى اللهِ

__________________

(١) اجمع القراء على النصب ولا خلاف بينهم فى ذلك ـ ابو محمد عفا الله عنهم ـ

٨

كَذِباً) منصوب على المصدرية بافترى إذا لافتراء نوع من الكذب وهو التعمد به (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) اى جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه وزعم بعضهم بجعل الجنون قسيما للافتراء ان بين الصدق والكذب واسطة وهى كل خبر لا يكون على بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بيّن فان الافتراء ليس مساو للكذب بل هو أخص منه فان الكذب خبر لا يطابق الواقع سواء كان عمدا او خطا (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) إضراب من جملة مقدرة اى لم يفتر وليس به جنة بل الّذين لا يؤمنون (بِالْآخِرَةِ) المشتملة على البعث والعذاب (فِي الْعَذابِ) فيها (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) (٨) من الحق فى الدنيا رد الله سبحانه عليهم ترديد هم واثبت لهم ما هو أقبح من القسمين وهو البعيد من الضلال بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مراده اى العذاب وجعل العذاب مقارنا للضلال فى الحكم مقدما عليه فى اللفظ للمبالغة فى استحقاقهم له والبعد فى الأصل صفة اتصال وصف به الضلال مجازا كقوله شعر شاعر .. (أَفَلَمْ يَرَوْا) الاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره اعموا فلم يروا اى لم ينظروا (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) يعنى الى ما أحاط بجوانبهم (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يعنى ان المشاهدات كلها تدل على كمال قدرة الصانع المختار وكمال قدرته يقتضى جواز البعث فكيف يحكمون باستحالته وكونه مكذبا فيه مفترى والمخبر على كمال صفات الكمال من العقل والصدق المعروف بينهم فكيف يحكمون عليه بالجنون والهزاء فما هو الإضلال بعيد ـ فهذه الجملة تعليل لقوله (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) ثم بعد شرح ضلالهم يخوفهم الله تعالى على ما هم عليه بقوله (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ) قرأ الكسائي بإدغام الفاء فى الباء والباقون بالإظهار (الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ) قرأ حمزة والكسائي يشأ يخسف يسقط بالياء فيهن على الغيبة لذكر الله فيما قبل والباقون بالنون على التكلم (عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات قرأ حفص كسفا بتحريك السين والباقون بإسكانها قيل قوله (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)

٩

تمهيد للانذار والتخويف والمعنى اعمّوا فلم يروا ما أحاط بهم من السماء والأرض حيثما كانوا واين ما ساروا مقهورين لا يقدرون ان ينفذوا من أقطارهما ويخرجوا من ملكوتنا يعنى قد راوا ذلك فليخافوا ان يخسف الله بهم الأرض كما فعل بقارون او يسقط عليهم كسفا من السماء كما أرسلنا حجارة من السماء على قوم لوط لتكذيبهم رسولنا وكفرهم باياتنا (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي يرونه من السموات والأرض (لَآيَةً) دلالة واضحة على كمال القدرة وجواز البعث بعد الموت وجواز تعذيب من كفر بالله (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (٩) راجع الى الله بقلبه لكونه كثير التفكر والتأمل. (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) على كثير من عباده المؤمنين يدل على ذلك قوله تعالى حكاية عن سليمان (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) ويندرج فيه النبوة والكتاب والملك وحسن الصوت وتلين الحديد وغير ذلك وفضلا منصوب على المفعولية ومنّا حال منه (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) بدل من فضلا او من اتينا بتضمين القول اى قلنا يلجبال اوّبى معه اى سبح معه والإياب الرجوع اى ارجعي فى التسبيح كلما رجع داود فيه ـ او الإياب هو التسبيح يقال اوّب إذا سبح فان المسبح يرجع الى الله معرضا عن غيره وقال القتيبي أصله من التأويب فى السير وهو ان يسير النهار كله وينزل ليلا كانه قال إذا اتى النهار سيرى بالتسبيح معه وقال وهب نوحى معه (وَالطَّيْرَ) معطوف على الجبال قرأ يعقوب (١) بالرفع حملا على لفظه والباقون بالنصب حملا على محله وجازان يكون النصب عطفا على فضلا او على انه مفعول معه لاوّبى وجازان يكون بالعطف على ضميره قال البيضاوي كان اصل النظم ولقد اتينا داود منّا فضلا وهى تأويب الجبال والطير فبدل به هذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء وسلطانه حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لامره فى نفاذ مشيته فيها قال البغوي كان داود إذا نادى بالنياحة اجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه وقيل كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله

__________________

(١) والصحيح انه قرأ يعقوب بالنصب كالجماعة نعم روى الرفع عن روح ابن نهران ولا يؤخذ به ابو محمد عفا الله عنه

١٠

جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح وقيل كان داود إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (١٠) حتى كان الحديد فى يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشأ من غير نار ولا ضرب مطرقة. قال البغوي كان سبب ذلك على ما روى فى الاخبار ان داود لمّا ملك بنى إسرائيل كان من عادته ان يخرج للناس متنكرا فاذا راى من لا يعرفه يقدم اليه ويسئله عن داود ويقول له ما تقول فى داود وإليكم هذا اىّ رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا فى صورة آدمي فلما راه داود تقدم اليه على عادته فساله فقال الملك نعم الرجل هو ولا خصلة فيه فراع داود ذلك وقال ما هى يا عبد الله قال انه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك وسال الله ان يسبب له سببا يستغنى به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فالان الله له الحديد وعلّمه صنعة الدرع وانه أول من اتخذها ويقال انه كان يبيع كل درع باربعة آلاف درهم فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ويقال انه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم فينفق منها الفين على نفسه وعياله ويتصدق باربعة آلاف على الفقراء والمساكين عن المقدام بن معديكرب قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يديه وان نبى الله داود عليه‌السلام كان يأكل من عمل يده ـ رواه البخاري واحمد وذكر البغوي هذا الحديث بلفظ كان داود لا يأكل الا من عمل يده. (أَنِ اعْمَلْ) اى أمرناه ان اعمل ان مصدرية او مفسرة (سابِغاتٍ) اى دروعا كوامل واسعات طوال يجرها لابسها على الأرض (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) السرد خرذ الجلد واستعير لنسج الدرع يعنى قدر فى نسجها بحيث تناسب حلقها ومساميرها فلا تجعلها رقاقا فتغلق ولا غلاظا فتكسر الحلق (وَاعْمَلُوا) يا داود واله (صالِحاً) خالصا لله صالحا لقبوله منصوب على المفعولية او المصدرية (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١) فاجازيكم عليه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان الله طيب لا يقبل الا طيبا امر المؤمنين بما امر المرسلين

١١

فقال يايّها الرّسل كلوا من الطّيّبات واعملوا صالحا الحديث ـ رواه مسلم. (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) قرأ ابو بكر عن عاصم بالرفع على انه مبتدا محذوف الخبر تقديره ولسليمان الرّيح مسخّرة أورد الجملة اسمية للدلالة على ان كونها مسخرة لسليمان امر ثابت عند العامة مذكور على الالسنة او على تقدير فعل مجهول يعنى سخّر لسليمان الريح والباقون بالنصب على انه مفعول لفعل محذوف تقديره وسخرنا لسليمان الريح والجملة معطوفة على مفهوم كلام سابق فانه يفهم من قوله تعالى (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) انه سخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وقد ورد بهذا اللفظ فى سورة الأنبياء (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) جملة مستأنفة اى جريها بالغد ويعنى من الصباح الى الزوال كان مسيرة شهر وبالعشي اى من الزوال الى الغروب كان كذلك قال الحسن كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر ثم يروح من إصطخر فيبيت ببابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل انه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) النحاس عطف على سخرنا لسليمان الريح أسال الله تعالى له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه بنوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا ـ قال البغوي قال اهل التفسير أجريت له عين النحاس ثلاثة ايام الى اليمن كجرى الماء وكان بأرض اليمن وانما ينتفع الناس اليوم ما اخرج الله لسليمان عليه‌السلام (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) على تقدير كون الريح مرفوعا الموصول مع الصلة مبتدا خبره محذوف اى مسخرة ومن الجن حال من الضمير المستكن فى يعمل عطف جملة اسمية على جملة اسمية وعلى تقدير كونه منصوبا الموصول معطوف على الريح ومن الجن حال منه مقدم عليه تقديره وسخرنا له من يعمل بين يديه من الجن (بِإِذْنِ رَبِّهِ) اى بامره وحكمه او بإرادته وتسخيره متعلق بيعمل (وَمَنْ يَزِغْ) اى من يعدل (مِنْهُمْ) اى من الجن (عَنْ أَمْرِنا) اى عما أمرنا به من طاعة سليمان واردنا ذلك (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) (١٢) قيل المراد به عذاب الاخرة وقيل المراد به الإحراق بالنار فى الدنيا ـ قلت ان كان المراد بالاذن والأمر الأمر التكليفي

١٢

فالمناسب ان يفسر العذاب بالعذاب فى الاخرة لانها هى دار الجزاء على التكليفات وان كان المراد بالاذن الارادة والتسخير كما هو الظاهر فالظاهر ان المراد به عذاب الدنيا قال البغوي وذلك ان الله عزوجل وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منه عن امر سليمان ضربه صربة أحرقته ـ لا يقال ان كان الله أراد من الجن العمل فكيف يتصور من الجن العدول عنه لانه يلزم منه تخلف المراد عن الارادة وهو محال لان من فى قوله تعالى (وَمِنَ الْجِنِ) للتبعيض فالمعنى ان الله تعالى أراد ان يعمل لسليمان بعض الجن اى أكثرهم ولذلك وكل ملكا يعذب من عدل من امر سليمان وذلك فى الظاهر سبب لان يعمل لسليمان اكثر الجن ـ او يقال معنى قوله من يرغ من أراد الزيغ منهم يضربه الملك حتى لا يزيغ. (يَعْمَلُونَ لَهُ) حال من فاعل يعمل او مستأنفة (ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) قصورا حصينة ومساجد رفيقه ومساكن شريفة سميت بها لانها يدب عنها ويحارب عليها ـ قال البغوي فكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ودفعه قامة رجل فاوحى الله اليه انى لم اقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملّكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده فلمّا توفاه الله استخلف سليمان فاحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين وقسّم عليهم الأعمال فخصّ كل طائفة منهم بعمل يستصلحها له فارسل الجن والشياطين فى تحصيل الرخام الأبيض من معادنه ـ فامر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعل اثنى عشر ربضا وانزل بكل ربض منها سبطا من الأسباط وكانوا اثنى عشر سبطا فلما فرغ من بناء المدينة ابتدا فى بناء المسجد وفرق الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها فاتى بذلك التي لا يحصيها الا الله عزوجل ـ ثم احضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اللآلي واليواقيت ـ وبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده

١٣

بأساطين المينا الصافي وسقّفه بألواح الجواهر الثمينة وجصص سقوفه وحيطانه باللئالي واليواقيت وسائر الجواهر وبسط ارضها بألواح الفيروزج ـ فلم يكن يومئذ فى الأرض بيت ابهى وأنور من ذلك المسجد كان يضيء فى الظلة كانه القمر ليلة البدر ـ فلما فرغ منه جمع اليه أحبار بنى إسرائيل فاعلمهم انه بناه الله تعالى وان كل شيء فيه خالص لله واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لمّا فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سال ربه ثلاثا فاعطاه اثنين وانا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة سال حكما يصادف حكمة فاعطاه إياه وسال ملكا لا ينبغى لاحد من بعده فاعطاه إياه وسال ان لا يأتى هذا البيت أحد يصلى فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وانا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك ـ رواه البغوي وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلوة الرجل فى بيته بصلوة وصلوته فى مسجد القباء بخمس وعشرين صلوة وصلاته فى المسجد الذي يجمع فيه بخمس مائة صلوة وصلاته فى المسجد الأقصى بألف صلوة وصلاته فى مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته فى المسجد الحرام بمائة الف صلوة ـ رواه ابن ماجة وعن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تشد والرحال الا الى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا ـ متفق عليه مسئلة هل يجوز تزيين المساجد بالذهب والفضة ونحوهما قال بعضهم يكره ذلك لان فيه اضاعة المال وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما اثر بشييد المساجد رواه ابو داود عن ابن عباس وقال ابن عباس لتذخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى وقال عليه‌السلام ان من اشراط الساعة ان تزين المساجد الحديث ـ وقال بعضهم هو قربة لما فيه من تعظيم المسجد وقصة سليمان عليه‌السلام فى تزيين مسجد بيت المقدس يؤيد هذا القول قال صاحب الهداية وهذا إذا فعل من مال نفسه واما المتولى فيفعل من مال الوقف ما يرجع الى احكام البناء دون ما يرجع الى النقش حتى لو فعل يضمن وقال ابن همام ولا شك ان الدفع الى الفقير اولى من تزيين المسجد وعند اكثر علمائنا لا بأس بأن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب وقوله لا بأس يشير الى انه لا يؤجر عليه

١٤

لكن لا يأثم به كذا فى الهداية قال ابن همام ومحل الكراهة التكلف فيه بدقائق النقوش ونحوه خصوصا فى المحراب او التزين مع ترك الصلاة او عدم إعطائه حقه من اللّفظ فيه والجلوس لحديث الدنيا ورفع الأصوات بدليل اخر الحديث وهو قوله وقلوبهم خاوية من الايمان ـ قلت حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اولى بالاتباع من قصة سليمان لان شرائع من قبلنا لا يجوز اتباعه الا إذا لم يثبت فى شريعتنا ما يخالفه ـ وايضا كان فيما فعل سليمان حكمة وهى ان يشتغل الشياطين عن إضلال الناس فى اعمال شاقة والله اعلم قال البغوي قالوا يعنى اهل الاخبار فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بخت نصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان فى سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله الى دار مملكته من ارض العراق. وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخرة (وَتَماثِيلَ) اى صورا من نحاس وصفر وشبه وزجاج ورخام قيل كانوا يصورون السباع والطيور وقيل كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين فى المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة وكانت مباحة فى شريعتهم قلت ولعل المراد به تماثيل غير ذى الروح لان تماثيل الإنسان كانت تعبد قبل ذلك حيث قال ابراهيم عليه‌السلام لابيه وقومه ما هذه التّماثيل الّتى أنتم لها عكفون وفى الصحيحين عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فيعذبه فى جهنم ـ قال ابن عباس فان كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشجر وما لا روح فيه ـ متفق عليه وهذا الحديث عام فى كل مصور غير مختص بمصورى هذه الامة وهو خبر لا يحتمل النسخ والتبديل وعنه مرفوعا من صور صورة عذّب وكلف ان ينفخ فيها وليس بنافخ ـ رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج عنق من الناس يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان يسمعان ولسان ينطق يقول انى وكلت بثلاثة بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله الها اخر وبالمصورين ـ رواه الترمذي وعنه قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول

١٥

قال الله تعالى ومن اظلم ممن ذهب يخلق كخلقى فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة او شعيرة متفق عليه وسياق هذه الأحاديث يدل على ان حرمة التصوير غير مختص بهذه الامة لا يقال ان عيسى كان يتخذ صورة من الطين قلنا كان ذلك بإذن الله كان يخلق من الطّين كهيئة الطّير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وانما المحرم على من يتخذ صورة فلا يستطيع ان ينفخ فيه الروح فيكلف ان ينفخ فيها وهو ليس بنافخ ابدا (وَجِفانٍ) جمع جفنة بمعنى القصعة (كَالْجَوابِ) قرأ ابن كثير كالجوابى بإثبات الياء وصلا ووقفا وأثبتها ورش وابو عمرو فى الوصل ـ جمع جابية وهو حوض ضخم كذا فى القاموس مشتق من جبى الخراج يقال للحوض الكبير لما يجيء فيه الماء فهى من الصفات الغالبة قال البغوي كان يقعد على الجفنة الواحدة الف رجل يأكلون منها (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن لا ينزلن ولا يعطلن وكان يصعد إليها بالسلاليم وكانت باليمن (اعْمَلُوا) اى قلنا له ولاتباعه اعملوا جملة مستانفة يا (آلَ داوُدَ شُكْراً) تنكيره للتقليل فان الشكر الكثير بالنسبة الى نعماء الله سبحانه خارج عن طوق البشر بل عن طوق كل مخلوق وهو منصوب على العلّية اى اعملوا بطاعتي لشكر نعمتى او على المصدرية لان العمل بالطاعة شكر او على انه وصف للمصدر اى اعملوا عملا شكرا او على الحال اى حال كونكم شاكرين او على المفعولية اى اعملوا شكرا ـ قال جعفر بن سليمان سمعت ثابتا يقول كان داود نبى الله قد جزّى ساعات الليل والنهار على اهله فلم تكن تأتى ساعة من ساعات الليل والنهار الّا والإنسان من ال داود قائم يصلى (وَقَلِيلٌ) (١) (مِنْ عِبادِيَ) قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها (الشَّكُورُ) (١٣) اى المتوفر على أداء الشكر بلسانه وجوارحه فى اكثر أوقاته وتقلبه دائما بلا فتور وذلك بعد فناء القلب ودوام الحضور ـ ومع ذلك لا يوفى حقه لان توفيقه للشكر نعمة ليستدعى شكرا اخر لا الى نهاية ولذلك قيل الشكور من يرى نفسه عاجزا عن الشكر. (فَلَمَّا قَضَيْنا)

__________________

(١) عن ابراهيم التميمي قال قال رجل عند عمر اللهم اجعلنى من القليل فقال ما هذا الدعاء الذي تدعو به قال انى سمعت الله يقول وقليل من عبادى الشّكور وذكر اية اخرى فقال عمر كل أحد افقه من عمر؟؟؟ برد الله تربته

١٦

اى حكمنا (عَلَيْهِ) اى على سليمان (الْمَوْتَ) قال البغوي قال اهل العلم كان سليمان عليه‌السلام يتحرز فى بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقلّ من ذلك واكثر يدخل فيه طعامه وشرابه فادخل فى المرة التي مات فيها وكان بدؤ ذلك انه كان لا يصبح يوما الا نبتت فى محراب بيت المقدس شجرة فيسئلها ما اسمك فتقول اسمى كذا فيقول لاىّ شيء أنت فتقول لكذا وكذا فيامر بها فتقطع فان كانت نبتت لغرس غرسها وان كانت لدوام كتب حتى نبتت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لاىّ شيء نبتّ قالت لخراب مسجدك فقال سليمان ما كان الله ليخرّبه وانا حىّ أنت التي على وجهك هلاكى وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها فى حائط كريم. وقال اللهم أعم موتى على الجن ليعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب وكانت الجن تخبر الانس انهم يعلمون من الغيب ما شاء واو يعلمون ما فى الغد ثم دخل المحراب فقام يصلى متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه ومن خلفه وكانت الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملونها فى حياته وينظرون اليه يحسبون انه حىّ ولا ينكرون احتباسه عن الخروج الى الناس لطول صلاته فمكثوا يدابون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الارضة عصا سليمان فخر ميّتا فعلموا بموته قال ابن عباس فشكرت الجن الارضة فهم يأتونها بالماء والطين فى جوف الخشبة ـ واخرج ابن ابى حاتم عن ابن يزيد قال قال سليمان لملك الموت إذا أمرت لى فاعلمنى فاتاه فقال يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت سويعة فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلى متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها فبقى كذلك حتى أكلها الارضة فخر ثم فتحوا عليه وأرادوا ان يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلا فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مأت منذ سنة (ما دَلَّهُمْ) اى الجن او اله (عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) اى الارضة التي يقال لها بالفارسية ديوك وهى دابة صغيرة تأكل الخشب والمراد بالأرض

١٧

الثرى أضيف إليها الدابّة وقيل الأرض مصدر ارضت الخشبة بالبناء للمفعول اى اكلتها ارضة فهو من قبيل اضافة الشيء الى فعله كما فى بقرة الحرث ورجل الحرب (تَأْكُلُ) حال من دآبة الأرض (مِنْسَأَتَهُ) اى عصاه من نسأت الغنم اى زجرتها وسقتها ومنه نسأ الله فى اجله اى أخره قرأ نافع وابو عمر وبألف ساكنة بدل الهمزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة والباقون بهمزة مفتوحة على الأصل فانه مفعول تأكل وحمزة إذا وقف جعلها بين بين (فَلَمَّا خَرَّ) اى سقط سليمان على الأرض (تَبَيَّنَتِ) اى ظهرت (الْجِنُّ أَنْ) مخففة من الثقيلة اسمه ضمير الشان محذوف (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) ما غاب عنهم كموت سليمان (ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) اى فى التعب والمشقة مسخرين لسليمان وهو ميت يظنونه حيّا ان مع صلته بدل اشتمال من الجن يعنى ظهر عدم علمهم بالغيب على الناس لانهم كانوا يشبهون ذلك على الانس ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن مسعود وابن عباس تبيّنت الانس اى علمت ان لّو كانوا اى الجن يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين ـ وقيل معنى الاية علمت الجنّ ان لّو كانوا يعلمون الغيب إلخ وهذا التأويل مستبعد جدّا فان الجن كانوا يعلمون جهلهم وانما كانوا يدّعون علمهم بالغيب عند الانس. قال البغوي ذكر اهل التاريخ ان سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ومدة ملكه أربعون سنة وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ فى بناء بيت المقدس لاربع سنين مضين فى ملكه. اخرج ابن ابى حاتم عن على بن رباح قال حدثنى فلان ان فروة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا بنى الله ان سبا قوم كان لهم فى الجاهلية عزو انى أخشى ان يرتدوا عن الإسلام أفأقاتلهم فقال ما أمرت فيهم بشيء بعد فنزلت. (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) اى دلالة على كمال قدرتنا ووجوب شكرنا قرأ البزي ابو عمر ولسبا بفتح الهمزة من غير تنوين لانه صار اسم قبيلة فمنع عن الصرف للتانيث مع العلمية وقنبل بإسكانها على نية الوقف والباقون بخفضها مع

١٨

التنوين لانه كان اسم رجل ـ قرا حفص وحمزة والكسائي مسكنهم بإسكان السين بغير الف على الافراد غير ان حمزة وحفص يفتحان الكاف على القياس والكسائي بكسرها حملا على ما شذّ من القياس كالمسجد والمطلع والباقون بفتح السين وكسر الكاف والف بينهما على الجمع قال البغوي روى ابو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك الغطيفى قال قال رجل يا رسول الله أخبرني عن سبا كان رجلا او امراة او أرضا قال كان رجلا من العرب ولد له عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم منهم اربعة فاما الذين تيامنوا فكندة والأشعريون وأزد ومذحج وانمار وحمير فقال رجل وما انمار قال الذين منهم خثعم وبحيلة واما الذين تشاءموا فعاملة وجذام ولخم وغسان ـ وكذا اخرج احمد وغيره عن ابن عباس مرفوعا وسبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان (جَنَّتانِ) بدل من اية او خبر محذوف تقديره الاية جنتان والمراد جماعتان من البساطين جماعة (عَنْ يَمِينٍ) البلد (وَ) جماعة عن (شِمالٍ) البلد او يكون بستان لكل رجل عن يمين مسكنه وشماله (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) يعنى من ثمار الجنتين (وَاشْكُرُوا لَهُ) على ما رزقكم من النعمة والمعنى اعملوا بالطاعة يعنى قال لهم لبيهم ذلك او لسان الحال يعنى دلّ الحال على انهم كانوا أحقاء ان يقال لهم ذلك (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) استئناف للدلالة على موجب الشكر يعنى بلدكم هذا بلدة طيبة كثيرة الثمر ليست بسبخة قال السدىّ ومقاتل كانت المرأة تحمل على رأسها المكتل وتمرّ بالجنتين فيمتلى المكتل بانواع الفواكه من غير ان تمس شيئا بيدها. وقال ابن زيد لم تكن ترى فى بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية وكان الرجل يمر ببلدهم وفى ثيابه القبل فيموت القمل كلها من طيب الهواء فذلك قوله تعالى بلدة طيبة اى طيبة الهواء (وَرَبٌّ غَفُورٌ) (١٥) قال مقاتل رب غفور للذنوب ان شكرتم فيما رزقكم قال وهب أرسل الله الى سبا ثلاثة عشر نبيا دعوهم الى الله وذكّروهم نعمه عليهم وانذرهم عقابه. (فَأَعْرَضُوا) عنهم وكذبوهم وقالوا ما نعرف لله علينا نعمة قولوا لربكم فليحبس هذه النعمة عنا ان استطاع قال الله تعالى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ)

١٩

اى سيل الأمر العرم اى الصعب من عرم الرجل فهو عارم إذا ساء خلقه وصعب او سيل المطر الشديد قيل كان ماء احمر أرسل الله عليهم من حيث شاء وقيل العرم الوادي وأصله من العرامة وهى الشدة والقوة وقيل العرم المسناة وقيل العرم الجراذ الذكر أضاف اليه السيل لانه نقب عليهم سكرا ضربت لهم بلقيس. وفى القاموس عرمة كفرحة سد يعترض به الوادي جمعه عرم أو هو جمع بلا واحد او هو الاحباس تبنى فى الاودية والجرذ الذكر والمطر الشديد وواد ولكل فسر قوله تعالى سيل العرم. قال البغوي قال ابن عباس وابن وهب وغيرهما كان ذلك يعنى العرم السد بنته بلقيس وذلك انهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فامرت بواديهم فسد بالعرم وهو المسناة بلغة حمير فسدت بين الجبلين بالصخرة والقار وجعلت لها أبوابا ثلاثة بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة ضخيمة وجعلت فيها اثنى عشر مخرجا على عدة أنهارها يفتحونها إذا احتاجوا الى الماء وإذا استغنوا سدوها فاذا جاء المطر اجتمع ماء اودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فامرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه فى البركة فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث .......... الأسفل فلا ينفد الماء حتى يثوب من السنة المقبلة فكان يقسم على ذلك فبقوا على ذلك بعد ذلك مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جراذا يسمى الخلد فنقب السدّ من أسفله فغرق الماء جناتهم وخرّب ارضهم ـ قال وهب وكانوا فيما يزعمون ويجدون فى علمهم وكهانتهم انه يخرّب سدهم فارة فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة فلمّا جاء زمانه وما أراد الله عزوجل بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فارة حمراء كبيرة الى هرة من تلك الهرر فساودتها حتى استأخرت منها الهرة فدخلت فى الفرجة التي كانت عندهما فتغلغلت فى السد فثقبت وحفرت حتى أوهنته للسيل وهم لا يدرون بذلك فلمّا جاء السيل وجد خللا فدخل فيه حتى قطع السد وفاض على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل فغرقوا وتمزّقوا حتى صاروا مثلا عند العرب يقولون صار بنو فلان أيدي سبا وأيادي سبا اى تفرقوا وتبددوا فذلك قوله تعالى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ).

٢٠