التفسير المظهري - ج ٧

محمد ثناء الله العثماني

التفسير المظهري - ج ٧

المؤلف:

محمد ثناء الله العثماني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة رشيديّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢

١
٢

فهرس سورة الفرقان

مضمون

صفحه

مضمون

صفحه

ما ورد فى حشر الكافر على وجهه

٢٥

ما ورد فى الغىّ والأثام

٤٨

مسائل الماء وما يتنجس منه وما لا يتنجس منه والماء المستعمل

٣٢

ما ورد فى تبديل السيئات بالحسنات ـ

٥٠

ما ورد فى فضل قيام الليل

٤٦

ما ورد فى شهادة الزور ـ

٥٣

ما ورد فى الخوف والرجاء

٤٧

تعزير شهادة الزور ـ

٥٣

حديث اى الذنب أعظم

٤٨

ما ورد فى الغرفة وأهلها ـ

٥٥

فهرس سورة الشعراء

لا يجوز أخذ الاجرة على الطاعة

٧٧

اباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمهاته كلهم كانوا مؤمنين ـ

٨٩

لا يجوز صرف المال فى البناء فوق الحاجة وما ورد فيه

٧٧

ما ورد فى استراق الشياطين السمع من الملائكة ـ

٩٠

مسئلة يكره طول الأمل ويستحب قصره ـ

٧٨

ما ورد فى ذم الشعر والشعراء ـ

٩٢

مسئلة جاز للجنب قراءة ترجمة القران ومسه وأجاز ابو حنيفة القراءة بالفارسي فى حق جواز الصلاة خاصة والفتوى على عدم الجواز

٨٤

ما ورد فى اباحة الشعر ومدحه ـ

٩٣

الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ـ

٩٤

كتاب ابى بكر فى الوصية

٩٥

فهرس سورة النّمل

يجوز نقل الحديث بالمعنى والنكاح بغير لفظ النكاح والتزويج بما يؤدى معناه ـ

٩٨

ويل للروافض لم يشعروا شعور نملة

١٠٦

ما ورد فى فضل العلماء ـ

١٠٣

الاشتغال بغير ذكر الله هلاك

١٠٦

٣

مضمون

صفحه

مضمون

صفحه

ما ورد فى تبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

١٠٧

ما ورد فى دابّة الأرض ـ

١٣٢

يجوز النظر الى الاجنبية عند ارادة خطبة النكاح ـ

١٢٠

فصل فى اشراط الساعة ـ

١٣٤

حديث كنت اوّل الناس فى الخلق وآخرهم فى البعث ـ

١٢٤

ما ورد فى نفخة الفزع والصعق والبعث ـ

١٣٦

ما ورد فى ان الساعة لا تقوم الا على شرار الناس ـ

١٣٨

فهرس سورة القصص

مسئلة أخذ الاجرة على الطاعة

١٥٧

ما ورد فى وفات ابى طالب ـ

١٧٣

مسئلة النكاح على رعى الغنم ـ

١٥٩

ما ورد فيمن جر ثوبه خيلاء ـ

١٧٩

مسئلة البكاء شوقا للقاء الرحمان ـ

١٦٠

ما ورد فى الفرح من المدح والذم ـ

١٨١

حديث الكبرياء ردائى ـ

١٦٦

حديث اغتنم خمسا قبل خمس ـ

١٨١

حديث ثلاثة لهم أجران ـ

١٧٢

ما نظر أحد الى نفسه فافلح ـ

١٨٢

فهرس سورة العنكبوت

ما ورد فى ان الصّلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ـ

٢٠٥

ما ورد فى فضل الذكر ـ

٢٠٦

ما ورد فى التوكل ـ

٢١٤

فهرس سورة الرّوم

ما ورد فى كون السماع فى الجنة ـ

٢٢٦

بطن امه أربعين يوما نطفة الحديث

٢٣٣

ما ورد فى ثواب التسبيح والتحميد

٢٢٨

حديث إذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوه ـ

٢٣٣

حديث ما من مولود الا يولد على الفطرة ـ

٢٣٢

حديث تفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة ـ

٢٣٤

حديث ان خلق أحد كم يجمع فى

٤

حديث أصبح من عبادى مؤمن وكافر من قال مطرنا بفضل الله الحديث ـ

٢٣٥

حديث ما من مسلم يردّ عن عرض أخيه الا كان حقّا على الله ان يردّ عنه نار جهنم

٢٤١

ما ورد فى ان دخول الجنة بمحض فضل الله دون الأعمال ـ

٢٣٩

حديث يقول الله لاهل الجنة هل رضيتم ـ

٢٤٤

فهرس سورة لقمان

مسئلة اتخاذ المعازف والمزامير حرام ـ

٢٤٨

فى امور مباحة وهل يجب إطاعتهما إذا امرا بترك الإكثار فى الذكر والزهد فى الدنيا وترك مصاحبة الصالحين ـ

٢٥٦

مسئلة الغناء حرام عند الفقهاء وقالت الصوفية منها ما لا بأس فيه

٢٤٨

ما ورد فى المشي المتوسط والاسراع فيه ـ

٢٥٩

وما ورد فى الغناء تحريما واباحة

٢٤٩

حديث الايمان نصفان نصف شكر ونصف صبر ـ

٢٦٣

مسئلة يجب الانفاق على الأبوين الفقيرين الكافرين ـ

٢٥٦

حديث خمسة لا يعلمها الا الله

٢٦٤

مسئلة لا يجب إطاعة الأبوين فيما لا يجوز شرعا ويجب إطاعتهما

فهرس سورة السّجدة

حديث يقول ملك الموت ايها العبد كم خبر بعد خبروكم رسول بعد رسول الحديث

٢٧٠

صورة وللكافر باقبحها ـ

٢٧٠

حديث ملك الموت لا يعلم بوقت موت أحد ما لم يؤمر ـ

٢٧٠

كيف يكون موت سوى الآدميين

٢٧١

ملك الموت يظهر للمؤمن بأحسن ـ

ما ورد فى القضاء والقدر ـ

٢٧٢

ما ورد فى الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع قيل هم المتهجدون وقيل غير ذلك ـ

٢٧٤

٥

حديث اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت الحديث

٢٧٦

ما ورد فى لقاء موسى ـ

٢٧٦

ما ورد فى فضل الم تنزيل وسورة الملك

٢٨٠

فهرس سورة الأحزاب

ما ورد فى النهى عن الانتساب الى غير أبيه ـ

٢٨٥

ما ورد فى مناقب انس بن النضر ومصعب بن عمير وطلحة بن عبيد الله

٣١٠

الكلام فى التبنّي وفى قول الرجل لمملوكه هذا ابني ـ

٢٨٥

قصة غزوة بنى قريظة ـ

٣١٣

ما ورد فى وجوب محبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكونه اولى بالمؤمنين ـ

٢٨٦

مسئلة لا اثم على المجتهد ان اخطأ ـ

٣١٤

حديث كنت أول الناس فى الخلق وآخرهم فى البعث ـ

٢٨٨

اعتراف اليهود بكون محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيّا ـ

٣١٧

قصة غزوة الخندق ـ

٢٨٩

مسئلة الغنيمة لمن شهد الوقعة وان مات قبل الاحراز

٣٢٥

ذكر ما فات لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلوات وقضائها

٣٠٠

مسئلة يعطى للنساء الّتى يحضرن القتال ولا يسهم لهن

٣٢٥

مسئلة إذا فاتت صلوات وقضيت يؤذّن للاولى ويقيم لكل صلوة والاولى ان يؤذن ويقيم لكل صلوة ـ

٣٠٠

مسئلة لا يجوز ان يفرق بين صغيرين او صغير وكبير بينهما رحم ومحرمية ـ

٣٢٦

نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان يسمى المدينة بيثرب ـ

٣٠٦

مسئلة من فرق بين والدة وولدها يأثم وهل يبطل البيع او يفسد او ينفذ

٣٢٧

مسئلة يجوز التفريق بينهما ان كانا بالغين ـ

٣٢٨

٦

مسئلة إذا كان مع الصغير جماعة من أرحامه ـ

٣٢٨

مسئلة تعليق طلاق الاجنبية بالنكاح وما ورد فيه من اختلاف العلماء وأدلتهم ـ

٣٥٦

مسائل تفويض الطلاق وقول الزوج لامراته اختاري ـ

٣٣١

مسئلة الطلاق قبل المسيس لا يستعقب العدة ـ

٣٥٩

ما ورد فى فضل نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفضل فاطمة ومريم وآسية ـ

٣٣٦

مسئلة إذا طلق ذمى ذمية وهم لا يعتقدون العدة فلا عدة عليها ـ

٣٥٩

مسئلة لا يجوز لرجل وامراة أجنبيين ان يتكلما كلاما لينا فيطمع أحدهما من الاخر وهى مندوبة الى الغلظة فى المقال ـ

٣٣٧

الحربية إذا خرجت إلينا مسلمة فلا عدة عليها الا ان يكون حاملا

٣٥٩

حديث نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان يكلم النساء الا بإذن أزواجهن ـ

٣٣٧

مسئلة هل يجوز النكاح بلفظ الهبة او البيع او نحوهما ـ

٣٦٢

الكلام فى اهل البيت ـ

٣٣٩

مسئلة يجوز النظر الى امراة يريد نكاحها وما ورد فيه ـ

٣٦٨

مسئلة الأمر المطلق للوجوب ـ مسئلة العالم ومن له فضل فى الدين كفو للعلوى ونحوه ـ

٣٤٥

حديث من صلى علىّ عند قبرى سمعته ومن صلى غائبا بلغته ـ

٣٧٣

ما ورد فى الحياء ـ

٣٤٨

مسئلة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فريضة قيل فى العمر مرة وقيل فى القعدة الاخيرة من كل صلوة وقيل كلما جرى ذكره ـ

٣٧٥

ما ورد فى اسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكونه خاتم الأنبياء

٣٥١

فصل فى فضل الصلاة وكيفيتها ـ

٣٧٧

حديث إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال ربك يقرأك السلام ـ

٣٥٣

حديث قال الله تعالى كذّبنى ابن آدم وشتمنى ـ

٣٨٠

٧

حديث قال الله تعالى يؤذينى ابن آدم يسب الدهر ـ

٣٨٠

الناس على دمائهم وأموالهم ـ

٣٨٢

ما ورد فى التصاوير ـ

٣٨٠

ما ورد فى اذن النساء للخروج لحاجتهن ـ

٣٨٣

حديث قال الله تعالى من عادى لى وليّا فقد بارزني بالمحاربة

٣٨١

ما ورد فى ما أوذي موسى وأوذي محمد صلى الله عليهما وسلم ـ

٣٨٦

ما قيل ان إيذاء الرسول إيذاء لله تعالى وكذا إيذاء اولياء الله

٣٨١

الأبحاث الواردة فى عرض الامانة على السموات والأرض والجبال وابائهنّ وحملها الإنسان واقوال العلماء والصوفية فيه ـ

٣٨٧

مسئلة ما حكم من سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

٣٨١

حديث ان فى جسد بنى آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ـ

٣٩٢

مسئلة سبّ الصحابة إيذاء للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

٣٨٢

حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من امنه

٨

(١) سورة الفرقان مكّيّة وهى سبع وسبعون اية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ربّ يسّر وتمّم بالخير (تَبارَكَ) (٢) تفاعل من البركة وهى كثرة الخير يعنى تكاثر خيره وهذه الصيغة لا يتصرف فيه ولا يستعمل الا لله تعالى قال ابن عباس معناه جاء كل بركة من قبله كذا قال الحسن وقيل معناه تزايد عن كل شىء وتعالى عنه فى صفاته وأفعاله فان البركة تتضمن معنى الزيادة ومن هاهنا قال الضحاك معناه تعظم (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) مصدر فرّق بين الشيئين إذا فصل بينهما سمّى به القران لفصله بين الحق والباطل بتقريره والمحق والمبطل باعجازه او لكونه مفصولا بعضه عن بعض فى الانزال رتب الله سبحانه قوله تبارك على إنزال القران لما فيه من كثرة الخير ولدلالته على تعظمه سبحانه وتعاليه (عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِيَكُونَ)

__________________

(١) يس فى الأصل عنوان السورة.

(٢) اخرج مالك والشيخان عن عمر بن الخطاب رض قال سمعت هشام بن الحكيم يقرأ سورة الفرقان فى حيوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستمعت لقراءته فاذا هم يقرا على حروف كثيرة لم يقرأينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكدتّ اساوره فى الصّلوة فتصبرت حتى سلم فلبيته بردائه فقلت له من اقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرا فقال اقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت كذبت فأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقرأنيها على غير ما قرات فانطلقت به أقوده الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت انى سمعت هذا يقرا سورة الفرقان على حروف لم تقرانيها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقرأ يا هشام فقرأ عليه بقراءة سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذلك كذلك أنزلت ثم قال لى اقرأ فقرات القراءة التي أقرأنيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال هكذا أنزلت ان هذا القران انزل على سبعة أحرف فاقرء واما تيسر منه ١٢ منه برد الله مضجعه.

٩

اى العبد او الفرقان (لِلْعالَمِينَ) اى للانس والجن عامة وعموم الرسالة من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (نَذِيراً) اى منذرا او انذارا كالنكير بمعنى الإنكار وهذه الجملة وان كانت فى حيز الإنكار لاهل مكة المخاطبين بها ولا بد من ان تكون الصلة معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى المعلوم. (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اى سلطانه والموصول بدل من الاول وجاز الفصل بين البدل والمبدل منه بقوله ليكون لان المبدل منه اى الموصول مع الصلة وقوله ليكون من متعلقات الصلة تعليل له فكان المبدل منه لم يتم الا به وجاز ان يكون الموصول مرفوعا بتقدير المبتدا اى هو او منصوبا بتقدير اعنى او امدح (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) كما زعم النصارى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) كما يقول المجوس والثنوية اثبت له الملك مطلقا ونفى ما يقاومه فيه ثم نبّه على ما يدل عليه فقال (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) يعنى أحدث كل شىء مراعى فيه التقدير كخلقه لانسان من مواد مخصوصة على صور وإشكال معينة (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) فسواه وهيأه لما أراد منه من الخصائص والافعال كتهية الإنسان للادراك الفهم والنظر والتدبير واستنباط الصنائع المتنوعة وفراولة الأعمال المختلفة او المعنى فقدره للبقاء الى أجل مسمى وقد يطلق الخلق لمجرد الإيجاد من غير نظر الى وجه الاشتقاق فيكون المعنى وأوجد كل شىء فقدره فى إيجاده حتى لا يكون متفاوثا وقيل قدر لكل شىء تقديرا من الاجل والعمل والرزق فجرت المقادير على ما خلق ولمّا تضمّن الكلام اثبات التوحيد والنّبوة أخذ فى البرد على من انكرهما فى بيان نقص الهتهم الباطلة فقال. (وَاتَّخَذُوا) اى المنذرون (١) يدل عليه قوله نذيرا والمراد كفار مكة والجملة معطوفة على قوله تبارك (مِنْ دُونِهِ) اى غير الله من زائدة وهو فى محل النصب على الحال من قوله (آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) من الجواهر والاعراض والأعمال والأحوال صفة لالهة (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) حيث خلق الله كل شىء وهذا المعنى يعم الالهة الباطلة كلها وان كان المراد بالالهة الأصنام فجاز ان يكون المعنى وهم ينحتون ويصورون اى حصلت لهم صورهم يكسب عبدتهم والجملة معطوفة على ما سبق او حال أورد صيغة المضارع والمعنى على الماضي للاستحضار (وَلا يَمْلِكُونَ) اى لا يقدرون (لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا) اى دفع ضراريد بهم ان يّسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه (وَلا نَفْعاً)

__________________

(١) وفى الأصل اى المنذر بن يدل عليهم إلخ الفقير الدهلوي.

١٠

ولا جلب نفع وهذا حال الأصنام بل حال كل شىء سوى الله تعالى فان عيسى وعزيرا والملائكة مع علوم تبتهم لا يملكون لانفسهما نفعا ولا ضرّا الّا ما شاء الله قال الله تعالى قل لا املك لنفسى نفعا ولا ضرّا الّا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّنى السّوء (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) يعنى لا يملكون اماتة أحد ولا إحياءه اوّلا ولا بشبه ثانيا وهذا الأمور من لوازم الالوهية فكل من ليس كذلك فليس باله وفيه اشارة الى ان الإله يجب ان يكون قادرا على البعث والجزاء. (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على اتخذوا وضع الظاهر موضع الضمير للاشعاريان انكار النبوّة كفر كانكار التوحيد وذلك لان التوحيد على ما ينبغى لا يتاتى بمجرد العقل بل حقيقة التوحيد ما ورد به الشرع الا ترى الى الفلاسفة وأمثالهم كيف خبطوا فى الالهيّات حتى ضلوا وأضلوا فى الصحيحين عن ابن عباس رض فى قصة وفد عبد القيس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله اعلم قال ان تشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله الحديث (إِنْ هَذا) اى القران الذي جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِلَّا إِفْكٌ) اى كذب مصروف عن وجهه يعنى ليس هذا من كلام الله كما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل (افْتَراهُ) يعنى اختلقه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَعانَهُ) اى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (عَلَيْهِ) اى على اختلاق القران (قَوْمٌ آخَرُونَ) قال مجاهد يعنون اليهود وقال الحسن عبيد بن الحصر الحبشي الكاهن وقيل جبر ويسار وعداس عبيد كانوا بمكة من اهل الكتاب زعم المشركون ان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأخذ منهم (فَقَدْ جاؤُ) يعنى قابلى هذه المقالة (ظُلْماً) حيث حكموا على الكلام المعجز بكونه إفكا مختلقا متلفقا من اليهود (وَزُوراً) حيث نسبوا الافتراء الى من هو برئ منه قال البيضاوي اتى وجاء ليطلقان بمعنى فعل فيعديان تعديته وقيل هذان منصوبان بنزع الخافض تقديره فقد جاءوا بظلم وزور.

(وَقالُوا) عطف على قال الّذين كفروا اى قال بعضهم يعنى النصر بن الحارث فانه كان يقول القران ليس من الله انما هو (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعنى ممّا سطره اى كتبه الأولون اى المتقدمون مثل قصة رستم وإسفنديار (اكْتَتَبَها) اى استكتبها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جبر ويسار وعداس وأمثالهم (فَهِيَ) اى تلك الأساطير (تُمْلى) اى تقرا (عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ليحفظها فانه امىّ لا يقدر ان يكتب ولا ان يكرر من الكتاب. (قُلْ) استيناف فانّه فى جواب ماذا أقول لهم يعنى قل لهم ردّا عليهم

١١

ليس الأمر كما قلتم بل (أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كما يدل على ذلك اعجازه البلخاء عن آخرهم عن معارضته وكونه مشتملا على علوم لا يعلمها الا عالم السر والخفيات فكيف تحكمون عليه بكونه من كلام البشر من المتأخرين لو المتقدمين (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) فلذلك لا يعجلكم بالعقوبة على ما تقولون مع كمال قدرته عليها واستحقاقكم إياها. (وَقالُوا) عطف على (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعنى وقالوا فى مقام الاستدلال على انكارهم النبوة (ما لِهذَا الرَّسُولِ) اى ما لهذا الذي يدعى الرسالة وفيه استهانة وتهكم (يَأْكُلُ الطَّعامَ) كما يأكل أحدنا حال من المشار اليه والعامل فيه معنى الاشارة (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) كما يمشى أحدنا يعنى لو كان نبيا لامتاز عن غيره من الناس و (١) ليس فليس قال البغوي كانوا يقولون لست أنت بملك لانك تأكل والملك لا يأكل ولست أنت بملك لان الملك لا يتسوق وأنت تتسوق وتتبدل قلت كلامهم هذا فاسد لانه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدع الملكية ولا السلطان بل قال إنّما انا بشر مثلكم يوحى الىّ وادعاؤه النبوة غير مناف لاكل الطعام والمشي فى الأسواق الذي هو مقتضى البشرية التي هى من لوازم النبوة لان النبي لا يكون الا بشرا لان المجانسة شرط للافاضة والاستفاضة قال الله تعالى لو كان فى الأرض ملئكة يمشون مطمئنّين لنزّلنا عليهم من السّماء ملكا رسولا (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) نراه (فَيَكُونَ) جواب لولا معنى هلا منصوب بتقدير ان بعد الفاء (مَعَهُ نَذِيراً) فنعلم صدقه بتصديق الملك جملة لولا مع جوابه بدل اشتمال من الجملة السابقة يعنى ما لهذا الرسول بشرا ليس ملكا قويا بذاته ولا مؤيدا بأحد الأمور الثلاثة المذكورة انزل اليه ملك. (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ) من السماء (كَنْزٌ) ينفقه فلا يحتاج الى المشي فى الأسواق لطلب المعاش (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) صفة لجنة قرأ حمزة والكسائي نأكل بالنون على صيغة المتكلم مع الغير ذكروا كلا من الثلاثة على سبيل التنزل يعنون انه ان كان رسولا كان ملكا وان لم يكن ملكا كان معه ملك يصدقه وان لم يكن كذلك كان يلقى اليه من السماء كنز وان لم يكن كذلك فلا اقل ان يكون له بستان كما يكون الدهاقين والمياسير فيعيش بربحه (وَقالَ الظَّالِمُونَ) وضع الظالمين موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوا (إِنْ تَتَّبِعُونَ) ايها المسلمون أحدا حين تتبعون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) يعنى سحر فغلب على عقله وقيل اى مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق وقيل مسحورا اى ذا سحر وهو الرئة

__________________

(١) الاولى وإذ ليس فليس ١٢ الفقير الدهلوي

١٢

اى بشرا وقيل هو مفعول بمعنى الفاعل. (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) كيف ظرف متعلق بضربوا قدم عليه لتضمنه صدر الكلام والجملة بتأويل المفرد مفعول لانظر اى انظر الى كيفية ضربهم الأمثال اى الأشباه يعنى جعلوك مثل المفترين والقاصين حتى حكموا عليك بالافتراء واستكتاب القصص ومثل المسحورين ومثل من يدعى الملكية او السلطنة حتى حكموا عليك باستحالة الاكل والتسوّق واستلزام لوازم الأغنياء والسلاطين من الكنز والجنة (فَضَلُّوا) عطف على ضربوا اى كيف ضربوا وكيف ضلوا عن الطريق الموصل الى الحق ومعرفة نبوتك بمعرفة خواص الأنبياء من كونه بشرا معصوما يوحى اليه من ربه ومعرفة ما يميّز بينه وبين المتنبّى من المعجزات الدالّة على نبوته (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) الى الرشد والهدى عطف على ضلوا او المعنى ضربوا لك أمثالا متناقضة فلا يستطيعون سبيلا الى القدح فى نبوتك لان الكلام المتناقض ساقط والله اعلم. اخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن جرير وابن ابى حاتم عن خيثمة قال قيل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان شئت أعطيناك مفاتيح الأرض وخزائنها لا ينقص ذلك عند ناشيئا فى الاخرة وان شئت جمعتها لك فى الاخرة قال لا اجمعهما لى فى الاخرة فنزلت. (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ) فى الدنيا (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) الّذى قالوا من الكنز والبستان ولكن اخّره للاخرة لانه خير وأبقى خيرا مفعول أول لجعل ولك مفعول ثان له قال البغوي وروى عن عكرمة عن ابن عباس قال يعنى خيرا من المشي فى الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير بقوله (جَنَّاتٍ) فهو بدل من خيرا (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) صفة لجنات (وَيَجْعَلْ لَكَ) عطف على جعل قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم برواية ابى بكر بالرفع والباقون بالجزم لان الشرطان كان ماضيا جاز فى جزائه الجزم والرفع ويجوز ان يكون الرفع على الاستيناف على انه وعد بما يكون له فى الاخرة (قُصُوراً) اى بيوتا مشيدة والعرب تسمى كل بيت مشيد قصرا روى احمد والترمذي وحسنه عن ابى أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال عرض علىّ ربى ان يجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما وفى رواية عند البغوي او قال ثلاثا ونحو هذا فاذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو شئت لسارت معى جبال الذهب جاءنى ملك ان حجزته لتساوى الكعبة فقال ان ربك يقرأ عليك السلام ويقول ان شئت نبيّا عبدا وان شئت نبيّا

١٣

ملكا فنظرت الى جبرئيل فاشار الىّ ان ضع نفسك فقلت نبيّا عبدا قالت فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا ويقول أكل كما يأكل العبيد واجلس كما يجلس العبيد. (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) عطف على قالوا يعنى قالوا ذلك بل قالوا اعجب من ذلك او متصل بما يليه يعنى بل قصرت انظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا ان الكرامة انما هى بالمال فكذبوك وطعنوا فيك بالفقر وبما تمحّلوا من المطاعن الفاسدة او المعنى بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون الى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك فى الاخرة او فلا تعجب تكذيبهم إياك فانه اعجب منه (وَأَعْتَدْنا) عطف على كذبوا (لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) نارا شديدا لاسعار وقيل اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان. (إِذا رَأَتْهُمْ) اى إذا رات النار الكفار حمل بعض المحققين اسناد الرؤية الى النار على الحقيقة لما قال البغوي انه روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من كذب علىّ متعمدا فليتبوا مقعده بين عينى النار قالوا وهل لها من عينين قال الم تسمع قول الله تعالى إذا راتهم من مكان بعيد وقيل الاسناد مجازى فقيل والتقدير إذا راتهم زبانيتها على حذف المضاف وقيل بعيني إذا كانت بمرئ منها كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تتراى نارهما اى لا يتقاربان بحيث يكون أحدهما بمرئى من الاخرى (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) قال الكلبي من مسيرة مائة عام وقيل من مسيرة خمس مائه سنة (سَمِعُوا) اى الكفار (لَها) اى للنار (تَغَيُّظاً) اى صورت تغيظ هى صوت غليانها شبيها بصوت المتغيظ (وَزَفِيراً) وهو صوت يسمع من جوقه والجملة الشرطية صفة لسعير وتأنيث ضمير راتهم لانه بمعنى النار او جهنم. (وَإِذا أُلْقُوا) يعنى الكفار عطف على الشرطية الاولى (مِنْها) اى من جهنم حال مما بعده مكانا ظرف لالقوا (ضَيِّقاً) لزيادة العذاب فان الكرب مع الضيق والرّوح مع السعة قرا ابن كثير بسكون الياء والباقون بتشديدها اخرج ابن ابى حاتم عن يحيى بن أسيد ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن هذه الاية قال والّذى نفسى بيده ليستكرهون فى النّار كما يستكره الوتد فى الحائط واخرج عن ابن عمر فى الاية قال مثل الزّج فى الرمح وقال ابن المبارك من طريق قتادة قال ذكر لنا ان عبد الله كان يقول ان جهنم لتضيق على الكافرين كضيق الزّجّ على الرمح واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا القى فى النار من يخلد فى النار جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل جهنم فما يرى أحدهم انه يعذب

١٤

غيره واخرج ابو نعيم والبيهقي عن سويد بن غفلة نحوه (مُقَرَّنِينَ) حال من الضمير المرفوع فى القوا يعنى وقد قرئت أيديهم الى أعناقهم بالسلاسل وقيل مقرنين مع الشياطين (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) جزاء للشرط قال ابن عباس يعنى ويلا وقال الضحاك هلاكا اخرج احمد والبزار وابن ابى حاتم والبيهقي بسند صحيح عن انس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من بعده وذريته من بعده وهو ينادى يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فيقال لهم. (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) استيناف كانّه فى جواب ماذا يقال لهم حين يدعون ثبورا يعنى هلاككم اكثر من ان تدعوا مرة واحدة فادعوا ادعية كثيرة وذلك لان عذابكم انواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته او لانه يتجدد كقوله تعالى كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب او لانه لا ينقطع فهو فى كل وقت ثبورا قال الله تعالى. (قُلْ) يا محمد استيناف (أَذلِكَ) الذي ذكرت لك من صفة النار وأهلها او أذلك الكنز والجنة التي فى الدنيا (خَيْرٌ) من جنة الخلد (أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) خير من ذلك استفهام تقرير للتقريع مع التهكم والتوبيخ للكفار واضافة الجنة الى الخلد للمدح او للدلالة على خلودها او للتميز عن جنات الدنيا (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) العائد الى الموصول محذوف والمراد بالمتقين من يتقى الشرك والتكذيب بدلالة مقابلة الكفار وان الجنة يكون جزاء لكل مؤمن (كانَتْ لَهُمْ) فى علم الله او اللوح المحفوظ او لان ما وعد الله فى تحققه كالواقع (جَزاءً) ثوابا على أعمالهم (وَمَصِيراً) مرجعا ينقلبون اليه التنكير فيها للتعظيم وجزاء ومصيرا حالان من الضمير المرفوع فى كانت او خبر ثان له وجملة كانت لهم حال من المفعول المقدر لوعد اى جنّة الخلد الّتى وعد المتّقون إياها وقد كانت لهم جزاء ومصيرا او حال من المتّقون والرابط ضمير لهم. (لَهُمْ فِيها) اى فى الجنة (ما يَشاؤُنَ) العائد محذوف اى ما يشاءونه من النّعيم يعنى على ما يليق برتبته إذا الظاهر ان الناقص لا يدرك ما يدركه الكامل بالتشهى وفيه تنبيه على ان جميع المرادات لا يحصل الا فى الجنة (خالِدِينَ) حال من أحد ضمائرهم (كانَ) الضمير الراجع الى ما يشاءون (عَلى رَبِّكَ وَعْداً) اى موعودا من الله وكلمة على للوجوب استعمل لاستحالة الخلف فى الموعود ولا يلزم منه الا لجاء لان تعلق الارادة بالموعود مقدم على الوعد الموجب للانجاز وهو تحقق الاختيار (مَسْؤُلاً) اى

١٥

حقيقا بان يسئل ويطلب او مسئولا ساله الناس فى دعائهم ربّنا اتنا ما وعدتنا على رسلك قال محمد بن كعب القرظي كان مسؤلا من الملائكة بقولهم ربّنا وأدخلهم جنّت عدن الّتى وعدتهم. (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) متعلق بقالوا سبحانك وجملة قالوا سبحانك مع متعلقاتها عطف على واتّخذوا من دون الله الهة. قرأ ابن كثير وابو جعفر ويعقوب وحفص بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم والتعظيم (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) اى كل معبود سواه عبد بالباطل عاقلا كان او غير عاقل لان كلمة ما يعمهما على الأصح وقال مجاهد رض يعنى من الملائكة والجن وعيسى ع وعزير ع خص لهؤلاء بقرينة السؤال والجواب. وقال عكرمة والضحاك والكلبي يعنى الأصنام لان ما لغير ذوى العقول وهذا القول محمول على ان الله سبحانه يجعلها فى الاخرة ذات حيوة ونطلق فتنطق كما تنطق الجوارح والامكنة ونحو ذلك (فَيَقُولُ) للمعبودين بالباطل عطف على يحشر قرأ ابن عامر بالنون على التكلم والتعظيم والباقون بالياء على الغيبة اى يقول الله سبحانه لهم (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) بدل من عبادى يعنى أضللتم إياهم بدعوتكم إياهم الى عبادة أنفسكم (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) اى معرفة الحق لاخلالهم بالنظر الصحيح واعراضهم عن المرشد النصيح الفصيح وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبيد وأصلهء أضللتم أم ضلّوا فغير النظم ليلى حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتولى للفعل دون نفس الفعل لانه قطعى لا شبهة فيه والا لما توجه العتاب. (قالُوا) أورد صيغة الماضي للمستقبل لتحقق الوقوع (سُبْحانَكَ) تعجبا لما قيل لهم لعصمتهم ان كانوا ملائكة او أنبياء او لعدم قدرتهم على الإضلال ان كانوا جمادات او غير ذلك. او اشعارا بانهم الموسومون بتسبيحه وتحميده حيث قال الله تعالى وان من شىء الّا يسبّح بحمده فكيف يليق بهم إضلال عبيده او تنزيها لله تعالى من ان يكون له شريك (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) جملة ينبغى خبر كان واسمه ضمير الشان (أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) من مزيدة لتأكيد النفي اى ما يصح لنا ان نوالى أحدا غيرك للعصمة وعدم القدرة فكيف يصح لنا ان ندعو غيرنا الى ان يتخذ وليا دونك وهذا جواب صحيح للانبياء والملائكة وكذا للجمادات واما من ادعى فى الدنيا الوهيّة باطلة من شياطين الجن والانس فهذا الجواب منهم كقولهم والله ربنا ما كنّا مشركين وكقول الشيطان لمّا قضى لامر انّ الله وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان

١٦

الاية (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) بطول العمر والصحة وانواع النعم فاستغرقوا فى الشهوات (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) عطف على متّعتهم يعنى حتى غفلوا عن ذكرك وتذكّر آلائك والتّدبّر فى آياتك المنصوبة الدالّة على ذلك وعن احتياجهم إليك او تركوا الموعظة والايمان بالقران فهو نسبة للضلال إليهم من حيث انه يكسبهم واسناد له الى ما فعل الله بهم فحملهم عليه فهذه الاية حجة لنا على المعتزلة لا لهم علينا (وَكانُوا) فى قضائك عطف على نسوا (قَوْماً بُوراً) اى هلكا مصدر وصف به ولذلك يستوى فيه الواحد والجمع وقيل جمع بائر كعائذ وعوذ. (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) خطاب مع المشركين فى الدنيا يعنى فسيكذبكم فى الاخرة الهتكم التي تعبدونها أورد صيغة الماضي للقطع بوقوعها كما فى قوله تعالى إذا السّماء انشقّت. وجاز ان يكون بتقدير القول يعنى فنقول حينئذ للمشركين فقد كذبكم المعبودون (بِما تَقُولُونَ) الباء بمعنى فى اى فى قولكم انهم الهة او هؤلاء أضلونا وجاز ان يكون بما تقولون بدل اشتمال من الضمير المنصوب فى كذّبوكم يعنى كذبوا قولكم (فَما تَسْتَطِيعُونَ) عطف على فقد كذّبوكم قرأ حفص بالتاء على الخطاب للعابدين والباقون بالياء على ان الضمير راجع الى المعبودين (صَرْفاً) اى لا يستطيع المعبودون صرف العذاب عنكم (وَلا نَصْراً) لكم اولا تستطيعون أنتم صرف العذاب عن أنفسكم ولا نصر أنفسكم. وقيل الصرف الحيلة ومنه قول العرب انه يتصرف اى يحتال (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) ايها الناس (نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) ان كان المراد بالظلم الشرك فالجزاء لازم اجماعا وان كان يعم الكفر والفسق فاقتضاء الجزاء مقيد بعدم المزاحم وفاقا وهو التوبة والإحباط بالطاعة اجماعا وبالعفو عندنا اخرج الواحدي من طريق جويبر والبغوي عن الضحّاك رض عن ابن عبّاس رض وابن جرير رض نحوه من طريق سعيد او عكرمة عند انه لما عيّر المشركون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفاقة وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشى فى الأسواق حزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزل. (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) يعنى الا رسلا انهم لياكلون فحذف الموصوف لدلالة المرسلين عليه وأقيمت الصفة مقامه والمعنى الا رسلا آكلين الطعام والماشين فى الأسواق كقوله تعالى وما منّا الّا له مقام معلوم اى ما منّا من أحد الا من له مقام معلوم وجاز ان يكون حالا اكتفى منها بالضمير يعنى ما أرسلنا قبلك أحد من المرسلين فى حال من الأحوال الّا والحال انّهم لياكلون وجملة ما أرسلنا معترضة لتسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)

١٧

اى بلية فالغنى فتنة للفقير يقول الفقير مالى لم أكن مثله والصحيح فتنة للمريض والشريف للوضيع وقال ابن عباس اى جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا على ما تسمعون فيهم وترون من خلافهم وتتبعوا الهدى وقيل نزلت فى ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك ان الشريف إذا أراد ان يسلم فراى الوضيع قد اسلم قبله انف وقد اسلم بعده. فيكون له على الشريف السابقة والفضل فيقيم على الكفر ويمتنع عن الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وهذا قول الكلبي وقال مقاتل نزلت فى ابى جهل والوليد بن عتبة والعاص بن وائل والنضر بن الحارث وذلك انهم إذا راوا أبا ذر رض وابن مسعود رض وعمّارا رض وبلالا رض وصهيبا رض وعامر بن فهيرة قالوا نسلم ونكون مثل هؤلاء. وقال قتادة رض نزلت فى ابتلاء المؤمنين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون انظروا الّذين اتبعوا محمدا من موالينا ورذالتنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين (أَتَصْبِرُونَ) على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى فتؤجروا أم لا تصبرون فتزدادوا غمّا الى غمكم وحاصل المعنى اصبروا (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) بمن صبر وجزع عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا نظر أحدكم الى من فضل عليه فى المال والجسم فلينظر الى من هو أسفل منه. رواه الشيخان فى الصحيحين واحمد.

١٨

الجزء التّاسع والعشر.

(وَقالَ) عطف على قال الّذين كفروا (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) اى لا يأملون (لِقاءَنا) بالخير لانكارهم البعث ولا لقاءنا بالشر اما مجازا واما على لغة تهامة قال الفراء ان الرجاء بمعنى الخوف على لغة تهامة ومنه قوله تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا اى لا يخافون لله عظمة واصل اللقاء الوصول الى الشيء ومنه الرؤية فانه وصول الى المرئي والمراد به الوصول الى جزائه (لَوْ لا) اى هلّا (أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فيخبروننا بصدق محمد او يكونون رسلا من الله إلينا (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيامرنا باتباعه (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) جواب قسم محذوف فى شأن (أَنْفُسِهِمْ) حيث طلبوا لانفسهم ما ينفق لافراد من الأنبياء الّذين هم أكمل خلق الله فى أكمل أوقاتها وما هو أعظم من ذلك (وَعَتَوْا) تجاوزوا الحد فى الظلم وقال مجاهد طغوا وقال مقاتل علوا فى القول وقال البغوي العتو أشد الكفر وأفحش الظلم (عُتُوًّا كَبِيراً) بالغا أقصى مراتبه حيث طلبوا رؤية الله ولا شىء فوق ذلك وقيل عتوهم انهم عاينوا المعجزات الباهرة فاعرضوا عنها وطلبوا لانفسهم الخبيثة ما تقطعت دونه أعناق الطالبين الكاملين. (يَوْمَ يَرَوْنَ) اى الكفار (الْمَلائِكَةَ) يعنى حين الموت او يوم القيامة جملة معترضة والظرف امّا متعلق باذكر ويقولون حجرا محجورا عطف على يرون وجملة لا بشرى يومئذ لّلمجرمين معترضة اخرى واما متعلق بقوله تعالى لا بشرى بتقدير القول يعنى يوم يرون الملئكة يقولون اى الملائكة (لا بُشْرى) للمجرمين قال عطية ان الملائكة يبشرون المؤمنين يوم القيامة ويقولون للكافرين لا بشرى لكم. وقيل معناه يوم يرون الملائكة لا يبشرون كما يبشرون المؤمنين بالجنة (يَوْمَئِذٍ) تكرير او خبر للا او ظرف لما تعلق به اللام فى للمجرمين (لِلْمُجْرِمِينَ) اما متعلق بالظرف المستقر اعنى يومئذ او خبر للا او متعلق بالبشرى ان قدرت منونة غير مبنية مع لا فانها لا تعمل وللمجرمين أمّا عام يتناول حكمه حكمهم واما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلا على جرمهم واشعارا بما هو المانع للبشرى والموجب لما يقابله (وَيَقُولُونَ) اى الملائكة عطف

١٩

على يقولون لا بشرى (حِجْراً مَحْجُوراً) كذا قال البغوي عن عطاء عن ابن عباس انه تقول الملئكة حراما محرما ان يدخل الجنة الا من قال لا اله الا الله محمد رسول الله وعن مقاتل انه إذا خرج الكفار من قبورهم قالت الملائكة لهم حراما محرما عليكم ان تكون لكم الجنة وقال بعضهم معنى الاية يقولون اى المجرمون حين يخرجون من قبورهم ويرون الملائكة حجرا محجورا قال البغوي قال ابن جريح كانت العرب إذا نزلت بهم شدة وراوا ما يكرهون قالوا حجرا محجورا فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة ومعناه عوذا معوذا قال مجاهد يستعيذون من الملائكة يعنى يوم يرون الملائكة وتقول الملائكة لا بشرى ويقول المجرمون حجرا محجورا اى يطلبون من الله ان يمنع لقاءهم. (وَقَدِمْنا) اى عمدنا ذلك اليوم عطف على ويقولون (إِلى ما عَمِلُوا) اى الكفار (مِنْ عَمَلٍ) صالح كقرى الضيف وصلة الرحم واغاثة الملهوف ونحوها (فَجَعَلْناهُ) عائد الى ما عملوا (هَباءً مَنْثُوراً) اى باطلا لا ثواب له لفوات شرط الثواب عليه من الايمان والإخلاص لله تعالى قال على الهباء ما يرى فى الكوى إذا وقع الشمس فيها كالغبار ولا يمس منها بالأيدي ولا يرى فى الظل وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد ـ والمنثور المفرق صفة لهباء وقال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير هو ما تسفه الريح وتذريه من التراب وحطام الشجر وقال مقاتل هو ما يطير من حوافر الدّواب عند السير وقيل الهباء المنثور ما يرى فى الكوة والهباء المنبتّ ما يطيره الريح من سنابك الخيل شبه عملهم المحبط فى حقارته وعدم نفعه بالهباء ثم بالمنثور منه فى انتثاره بحيث لا يمكن نظمه او فى تفرقه نحوا عراضهم التي كانوا يتوجهون نحوها او مفعول ثالث من حيث انه كالخبر كقوله تعالى كونوا قردة خسئين. (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) اى يوم يرون الملئكة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) اى مكانا يستقر فى اكثر الأوقات (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) مكانا يؤوى اليه للاسترواح بالأزواج وهو التمتع بهن ويجوز ان يراد به مكان القيلولة على التشبيه إذ لا نوم فى الجنة وقال الأزهري القيلولة والمقيل الاستراحة نصف النهار وان لم يكن مع ذلك نوم لان الله تعالى قال واحسن مقيلا والجنة لا نوم فيها وفى احسن رمز الى ما يتزين به مقيلهم من حسن الصور وغيره من المحاسن ويحتمل ان يراد بالمستقر والمقيل المصدر او الزمان واشارة الى ان مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الامكنة والازمنة والتفضيل اما لارادة الزيادة مطلقا او بالاضافة الى ما للمترفين فى الدنيا اخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن ابى حاتم والحاكم وصححه

٢٠