التفسير المظهري - ج ٥

محمد ثناء الله العثماني

التفسير المظهري - ج ٥

المؤلف:

محمد ثناء الله العثماني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة رشيديّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فهرس سورة يونس عليه‌السلام من التفسير المظهرى

مضمون

صفحه

مضمون

صفحه

مسئلة الاستواء على العرش

٧

حديث انما مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رايت الجيش وانا النذير العريان الحديث ـ

 ٢٩

ما ورد فى تسليم اهل الجنة بعضهم على بعض وتسليم الملائكة وتسليم الرب الرحيم عليهم ـ

١١

ما ورد فى اختلاف استعدادات الناس ـ

 ٣٠

حديث ان الدنيا حلوة خضرة ـ

١٤

رد مذهب الجبرية ـ

 ٣٠

فائدة ما ورد فى قدر عمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإقامته بمكة وبالمدينة ـ

١٥

تحقيق معنى الولي لغة وفى اصطلاح القران والصوفية وما ورد فى فضل اولياء الله ـ ٣٨

حديث دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اهل مكة فقحطوا ثم دعا لهم بالكشف فكشف الله عنهم ـ

١٨

فصل فى اسباب حصول الولاية ـ

 ٣٩

ما ورد فى البغي وقطيعة الرحم والمكر والنكث ـ

١٩

ذكر المرادين ـ

 ٤٠

حديث جاءت الملائكة الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو نائم فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا الحديث ـ

٢١

فصل فى علامة اولياء الله ـ

 ٤٠

حديث الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه

٢١

فائدة ليست الخوارق والعلم بالمغيبات من لوازم الولاية ـ

 ٤١

ما ورد فى تفسير قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) الزيادة النظر الى الله تعالى ـ

٢٢١

بيان البشارات لاولياء الله فى الدنيا ـ

٤٢

بشارات الصحابة بالوحى وغيرهم بالرؤيا يعنى الكشف ـ

٤٣

حديث يا رسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبّه الناس قال تلك وعاجل بشرى المؤمن

٤٣

٢

مضمون

صفحه

مضمون

صفحه

حديث من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ـ

٤٤

حديث قال الله خلقت هؤلاء للجنة ولهؤلاء للنار ـ

٥٥

حديث ليس على اهل لا اله الا الله وحشة الحديث

٤٤

ما ورد فى قبول التوبة ما لم يغرغر

٥٦

قصة نوح عليه‌السلام

٤٦

قصة يونس عليه‌السلام

٥٦

قصة موسى عليه‌السلام

٤٧

رد مذهب القدرية حيث قالوا ان الله يشاء ايمان الكافر ـ

٥٩

قيل كانت الكعبة قبلة موسى عليه‌السلام

٥٠

حديث اوحى الى نبي قل لاهل طاعتى ان لا يتكلوا ولاهل معصيتى ان لا يئسوا ـ تمت.

٦١

مسئلة من خالجه شبهة فى الدين ينبغى ان يتسارع الى حلها بالرجوع الى العلماء ـ

٥٤

٣

نحمدك يا من لا اله الّا أنت ونسبّحك ونستعينك ونستغفرك ونشكرك ـ ونسئلك الخير فى الدّنيا والآخرة ـ الحقنا بعبادك الصّالحين الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ـ ونشهد أنّك أنت ربّنا وربّ السّماوات والأرضين ومن فيهنّ ومن عليهنّ ـ انّك على كلّ شىء قدير ونصلّى ونسلّم على رسولك وحبيبك سيّد الخلائق سيّدنا ومولانا محمّد وعلى اله وأصحابه أجمعين وعلى من تبعهم الى يوم الدّين برحمتك يا ارحم الرّاحمين.

سورة يونس

مائة وتسع آية مكّيّة الّا ثلث آيات فان كنت فى شكّ ربّ يسّر وتمّم بالخير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر) مر الكلام عليه فى أوائل سورة البقرة ـ قرا ابن كثير وقالون (١) وحفص الر والمر بالفتح وورش بين اللفظين والباقون بالامالة (تِلْكَ) اشارة الى ما تضمنته (٢) السورة او القران من الآيات ـ وقيل المراد بها الآيات التي نزلت قبل هذه السورة (آياتُ الْكِتابِ) اى القران والاضافة بمعنى من (الْحَكِيمِ (١)) وصفه به لاشتماله على الحكم او لانه كلام حكيم ـ او المعنى انه محكم آياته لم ينسخ منها شيء ان كان المراد آيات هذه السورة ـ او محكم عن الكذب والاختلاف ـ قال الحسن حكم فيها بالعدل والإحسان وايتائ ذى القربى والانتهاء عن الفحشاء والمنكر والبغي وو حكم فيها بالجنة لمن أطاعه والنار لمن عصاه ـ اخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عبّاس قال لمّا بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك او من أنكر ذلك منهم فقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا فانزل الله تعالى. (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) استفهام انكار للتعجب ـ وعجبا خبر كان واسمه (أَنْ أَوْحَيْنا) واللام فى للناس متعلق بمحذوف حال من قوله عجبا ـ وفى اللام دلالة على انهم جعلوه عجوبة لهم يوجهون نحوه انكارهم واستهزاءهم ـ والعجب حالة يعترى للانسان من رؤية شيء على

__________________

(١) الخطة من العاشر

(٢) فى الأصل ما تضمنه ـ

٤

خلاف العادة ووجه الإنكار على استعجابهم ان عادة الله تعالى جارية من بدء خلق آدم عليه‌السلام على بعث الرسل من البشر ومن ثمّ انزل الله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) ـ وايضا عادة الملوك جارية بان الكتاب والخطاب يكون بلسان المخاطبين والرسول من جنس من أرسل إليهم فانه لا بد للافادة والاستفادة من المناسبة بينهما ـ قال الله تعالى (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) يعنى من احاد رجالهم دون عظيم من عظمائهم ـ قالوا وان كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة (لَوْ لا) (١) (نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أحد اشرف من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعنون الوليد بن مغيرة من مكة ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف فانزل الله تعالى ردا عليهم (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) الاية ـ وكان هذا من فرط حماقتهم وجهلهم بحقيقة الوحى ـ وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعظم وأتم وأكمل فى كرائم الأوصاف وفى كل شيء الا فى المال وخفة الحال أعون شيء فى هذا الباب ولذلك كان اكثر الأنبياء قبله كذلك (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) ان هى المفسرة او المخففة من الثقيلة فى موضع مفعول (أَوْحَيْنا) و (بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) عم الانذار إذ قلّ من أحد ليس فيه ما ينبغى منه الانذار ـ وخص البشارة بالمؤمنين لعدم استحقاق الكفار به (أَنْ) اى بانّ (لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال عطاء اى مقام صدق لا زوال له ولا بؤس فيه ـ يعنى منزلة رفيعة يسبقون إليها ويقيمون فيها ـ سمّيت قدما لان السبق والقيام يكون بالقدم كما سميت النعمة يدا لانها تعطى باليد ـ واضافتها الى الصدق لتحققها وللتنبيه على انهم انما ينالونها بصدق القول والنية ـ واصدق القول شهادة ان لا اله الا الله ـ ويعود الى ما قلنا ما قال ابن عباس فى تفسير القدم اى اجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم ـ وما قال الضحاك واى ثواب صدق فان المنزلة عند الله يعبر بالأجر والثواب ـ وقال الحسن يعنى به عملا صالحا اسلفوه يقدمون عليه ـ فهو بشارة بانهم يجدون عند ربهم ما قدموا من الأعمال فالقدم بمعنى التقدم ـ وقال ابو عبيدة كل سابق فى خير او شر فهو عند العرب قدم يقال لفلان قدم فى الإسلام ـ وله عندى قدم صدق او قدم سوء ـ وروى على بن ابى طلحة

__________________

(١) فى الأصل لو لا انزل

٥

عن ابن عباس هو السعادة فى الذكر الاول ـ وقال زيد بن اسلم هو شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال البخاري قال زيد بن اسلم انّ لهم قدم صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قالَ الْكافِرُونَ) تعنتا وعنادا لما راوا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمورا خارقة للعادة وسمعوا كلاما معجزا عن المعارضة (إِنَّ هذا) يعنى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢)) على وزن فاعل كذا قرا ابن كثير والكوفيون وقرا الباقون لسحر بغير الف ـ والاشارة حينئذ الى القران ـ يعنى ان هذا الكلام لكونه سحرا يمنعنا عن المعارضة وجاز ان يكون الاشارة الى كل معجزة رأوها ـ. (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الّتى هى اصول الممكنات (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من ايام الدنيا اى فى قدرها ولو شاء لخلقهن فى لمحة وانما فعل ذلك لتعليم خلقه التثبت (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) اجمع اهل السنة من الخلف والسلف على (١) ان الله تعالى منزه عن صفات الأجسام وصفات الحدوث ـ فلهم فى هذه الاية وأمثالها سبيلان ـ أحدهما تأويلها بما يليق به تعالى بناء على عطف قوله تعالى (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) على اسم الله فى قوله تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ـ وقد مر البحث عليه فى سورة ال عمران ـ فقالوا معنى استوى استولى على العرش الذي هو أعظم المخلوقات ومحدد الجهات ـ وذا يستلزم استيلاءه تعالى على جميع الخلائق ـ وأسند البغوي تأويل الاستواء بالاستيلاء الى المعتزلة وكلام السلف الصالح يأبى عن سبيل التأويل بل المختار عندهم الايمان بتلك الآيات وتفويض علمه الى الله تعالى والتحاشى عن البحث عنه ـ قال محمد بن الحسن اتفق الفقهاء كلهم من المشرق الى المغرب على الايمان بالقران والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صفة الرب عزوجل من غير تفسير ولا وصف ولا شبه ـ فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفارق الجماعة وقال مالك بن انس الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والسؤال عنه بدعة ـ فبناء على هذا السبيل نقل عن السلف القول باستوائه تعالى على العرش مع قولهم بالتنزيه الصرف قال ابو حنيفة ان الله فى السماء دون الأرض رواه البيهقي ـ وروى عنه من قال لا اعرف

__________________

(١) فى الأصل ان الله ـ

٦

ربّى فى اسماء او فى الأرض فقد كفر ـ لان الله يقول (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ـ وعرشه فوق سمواته ـ وروى عنه انه قال من أنكر الله فى السماء فقد كفر ـ وقال الشافعي ان الله على عرشه فى سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وينزل كيف شاء ـ ومثل ذلك قال احمد بن حنبل ـ وقال إسحاق بن راهويه انه اجمع اهل العلم انه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء وهو قول المزني والذهبي والبخاري وابو داؤد والترمذي وابن ماجة وابن ابى شيبة وابو يعلى والبيهقي وغيرهم من ائمة الحديث ـ وقال ابو زرعة الرازي ما ينبئ عن اجماع اهل السنة على ذلك ـ وقال عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ اتفقت الكلمة بين المسلمين ان الله فوق عرشه فوق سمواته ـ وقال سهل بن عبد الله التستري لا يجوز لمؤمن ان يقول كيف الاستواء لمن خلق الاستواء ولنا عليه الرضاء والتسليم لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه تعالى على العرش ـ وقال محمد بن جرير حسب امرئ ان يعلم ان ربه الذي على العرش استوى فمن يجاوز ذلك فقد خاب وخسر وقال ابن خزيمة من لم يقر ان الله على عرشه استوى فوق سبع سمواته بائن من خلقه فقد كفر فيستتاب ـ فان تاب والا ضربت عنقه ـ وقال الطحاوي العرش والكرسي كما بيّن فى كتابه ـ وهو مستغن عن العرش وما دونه ـ محيط بكل شيء وفوقه ـ وقال الشيخ ابو الحسن الأشعري البصري المتكلم فى كتاب اختلاف المضلين ومقالات الاسلاميين مقالة اهل السنة واصحاب الحديث جملته قولهم الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء عن الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا يردون من ذلك شيئا ـ وان الله على عرشه كما قال (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) ـ وله يدان بلا كيف كما قال (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ـ وقال ابو نعيم فى الحلية طريقتنا طريقة السلف المتبعين الكتاب والسنة واجماع الامة ومما اعتقدوه ان الله لم يزل كاملا بجميع صفاته الى ان قال وان الأحاديث التي ثبتت فى العرش والاستواء عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكيف ولا تمثيل ـ وانه بائن من خلقه ـ وقال ابن عبد البر ان الله فى السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة ـ وقال الخطيب مذهب السلف إثباتها واجراؤها على ظواهرها ونفى الكيفية والتشبيه عنها ـ وقال امام الحرمين والذي ترضيه دينا ـ وتدين الله به عقيدة اتباع سلف الائمة وذهب ائمة السلف الى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها

٧

الى الله ـ وقال البغوي اما اهل السنة فيقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الايمان به ـ قال البيضاوي معناه ان له استواء على الوجه الذي عناه منزعا عن الاستقرار والتمكن ـ وقال ابو بكر على بن عيسى الشبلي اعلم الصوفية فى زمانه الرب فى السماء يقضى ويمضى ـ وقال شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري فى اخبار شتى ان الله فى السماء السابعة على العرش ـ وللشيخ عبد القادر الجيلاني فى الباب كلام كثير فى الغنية هذه الأقوال كلها ذكرها الذهبي فى كتاب العلو ـ وذكر هذا المذهب عن جماعة كثيرة من اهل العلم من الصحابة والتابعين ومن دونهم من الفقهاء والمحدثين والصوفية يطول الكلام بذكرهم وقد ذكرت هذه المسألة مختصرا فى سورة الأعراف فى تفسير قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) وقد ذكرنا فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى (يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) ما قال اصحاب القلوب من تجليات الله تعالى فى بعض مخلوقاته برقيات ودائميات غير مستدعيات حدوث امر فى ذاته تعالى وكونه محلا للحوادث ـ ولا تنزلا له سبحانه عن مرتبة التنزيه الصرف بل مبنيات على حدوث امر فى الممكن حتى يصير صالحا لذلك التجلّى ـ وايضا ذكرنا مسئلة التجلّى على قلب المؤمن والكعبة الحسناء والعرش العظيم فى تلك السورة فى تفسير قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) فليرجع إليهما من غفل عنهما (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) التدبير النظر فى ادبار الأمور حتى يأتى محمودة العاقبة ـ يعنى يقدر امر الكائنات على ما يقتضيه الحكمة (ما مِنْ شَفِيعٍ) يشفع لاحد (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) تقرير لعظمته وعز جلاله ـ ورد على النضر بن الحارث حيث قال إذا كان يوم القيامة يشفعنى اللات والعزى ـ وفيه اشارة الى ثبوت الشفاعة لمن اذن له (ذلِكُمُ) اى الموصوف بتلك الصفات المقتضية للالوهية (اللهُ) مبتدأ وخبر (رَبَّكُمُ) خبر ثان او خبر مبتدا محذوف والجملة بدل مما سبق يعنى هو ربكم لا غير ـ او لا يشركه أحد فى شيء من ذلك (فَاعْبُدُوهُ) دون غيره من انسان او ملك فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣)) تتفكرون ادنى تفكر فيظهر لكم انه المستحق للعبادة دون غيره مما تعبدون ـ. (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) مصدر او ظرف (جَمِيعاً) بالموت او النشور لا الى غيره فاستعدوا للقائه ـ

٨

(وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لنفسه فان قوله تعالى (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) وعد من الله تعالى (حَقًّا) مصدر مؤكد لغيره وهو ما يدل عليه (وَعْدَ اللهِ) (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) بالحياة الدنيا ـ قرا العامة (إِنَّهُ) بالكسر على الاستيناف ـ وقرا ابو جعفر بالفتح على معنى لانه وهو تعليل لقوله (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ـ فانه لما كان المقصود من الإبداء والاعادة مجازاة المكلفين على أعمالهم كان مرجع الجميع اليه لا محالة ـ ويجوز ان يكون منصوبا بما نصب وعد الله او مرفوعا بما نصب حقّا (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد إهلاكه بالحياة الاخرى (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) اى بعدله ـ او بعدالتهم وقيامهم على العدل فى أمورهم ـ او بايمانهم لان الايمان عدل قويم كما ان الشرك ظلم عظيم ـ وهو أوجه لمقابلة قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) ماء بالغ نهاية الحرارة (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) اى مؤلم (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٣)) معناه وليجزى الذين كفروا بشراب من حميم وعذاب اليم بسبب كفرهم ـ لكنه غير النظم للمبالغة فى استحقاقهم العذاب والتنبيه على ان المقصود بالذات من الإبداء والاعادة انما هو الاثابة وانه تعالى يتولى اثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ـ واما تعذيب الكفار فهو واقع بالعرض كانه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشوم أفعالهم ـ. (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) قرا قنبل ضئاء وبضئآء هاهنا وفى الأنبياء والقصص على القلب ـ بتقديم اللام على العين ـ والباقون بياء منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها وهمزة متطرفة ـ وهو مصدر كقيام ـ او جمع ضوء كسياط جمع سوط والمضاف محذوف اى ذات ضياء (وَالْقَمَرَ نُوراً) اى ذات نور ـ والنور أعم من الضوء فانه أقوى افراد النور ـ وقيل ما بالذات ضوء وما بالعرض نور (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) والضمير لكل واحد اى قدر مسير كل واحد منهما منازل ـ او قدر كل واحد منهما ذا منازل ـ او للقمر وتخصيصه بالذكر لمعائنة منازله واناطة احكام الشرع من الصوم والزكوة والحج به ـ ولذلك علله بقوله (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ) يعدّ الأشهر المنوطة بسير القمر (وَالْحِسابَ) اى حساب الأوقات من الأشهر والأيام فى معاملاتكم وتصرفاتكم (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ)

٩

الخلق (إِلَّا) متلبسا (١) (بِالْحَقِ) اى لاظهار صنعته ودلالة قدرته مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة (يُفَصِّلُ) قرا ابن كثير وابو عمرو وحفص بالياء على الغيبة لقوله تعالى (ما خَلَقَ اللهُ) والباقون بالنون على التكلم والتعظيم (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)) اى يتدبرون. (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) اى فى مجيء كل منهما خلف الاخر او فى اختلاف لونهما (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اى من انواع الكائنات (لَآياتٍ) على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته وتنزهه عن المناقص (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)) العواقب فانه يحملهم على التفكر والتدبر. (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) اى ثوابنا فان أعظم المثوبات لقاء الله سبحانه ورؤيته (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) اختاروها على الاخرة (وَاطْمَأَنُّوا بِها) اى سكنوا إليها واقتصروا على لذائذها وزخارفها وتركوا ما يفيدهم للاخرة (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا) اى عن الادلة الدالة على وجود الصانع (غافِلُونَ (٧)) فعلى هذا المراد بالأولين اهل الكتاب من الكفار الذين يعتقدون الصانع ويعلمون البعث والنشور ومع ذلك اختاروا الدنيا على الاخرة ويئسوا من ثواب الاخرة واقتصروا على لذائذ الدنيا ـ وبالآخرين الذين لم يوحدوا الله تعالى ولا يعرفون البعث والجزاء ـ وقال البيضاوي المراد بالأولين من أنكر البعث ولا يرجون اى لا يتوقعون الجزاء ولم يروا الا الحيوة الدنيا ـ وبالآخرين من الهاهم حب العاجل عن التأمل فى الاجل والاعداد له ـ وقيل العطف لتغائر الوصفين والتنبيه على ان الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأسا والانهماك فى الشهوات بحيث لا يخطر ببالهم أصلا ـ وقال البغوي الرجاء يكون بمعنى الخوف والطمع فمعنى (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا ـ وقال ابن عباس (عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) يعنى عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقران غافلون معرضون. (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا) أولئك مبتدا مأويهم مبتدا ثان والنار خبره والجملة خبر أولئك وجملة أولئك خبر انّ (يَكْسِبُونَ (٨)) من الكفر والمعاصي اى بما واظبوا عليه وتمرّنوا بالمعاصي ـ الباء فى بما كانوا متعلق بمحذوف دل عليه الكلام اى جوزوا. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ) يرشدهم (رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ)

__________________

(١) في الأصل ملتبسا.

١٠

اى يرشدهم بسبب ايمانهم الى سلوك سبيل يؤدى الى الجنة ـ قال مجاهد يهديهم على الصراط الى الجنة ـ يجعل لهم نورا يمشون به ـ وقيل معنى (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) يهديهم ربهم لدينه يعنى لادراك حقائق الدين ـ عن انس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم رواه ابو نعيم فى الحلية ـ وقيل معناه يثيبهم ويجزيهم ـ او يهديهم لما يريدونه فى الجنة ـ قال البيضاوي مفهوم الترتيب وان دل على ان سبب الهداية الايمان والعمل الصالح ـ لكن دل منطوق قوله بايمانهم على استقلال الايمان بالسببية فان العمل الصالح كالتتمة والرديف له (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) اى بين أيديهم كقوله تعالى (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) لم يرد به انه تحتها وهى قاعدة عليه وجملة تجرى مستأنفة او خبر ثان او حال من الضمير المنصوب على معنى يهديهم لادراك الحقائق او لما يريدونه فى الجنة حال كونهم كذلك وقال البغوي فيه إضمار تقديره يهديهم اى يرشد ربهم بايمانهم الى جنات تجرى من تحتهم الأنهار فعلى هذا جملة تجرى صفة لجنات لكن يجب حينئذ تقدير ضمير فى تلك الجملة الا ان يقال فى قوله تعالى (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩)) وضع المظهر موضع الضمير مغن عنه يعنى فيها وقال البيضاوي هذا خبرا وحال اخر منه او من الأنهار او متعلق بتجرى او بيهديهم. (دَعْواهُمْ) اى دعاؤهم (فِيها) اى فى الجنات (سُبْحانَكَ اللهُمَ) اى اللهم نسبحك تسبيحا اى ننزهك من كل سوء قال البغوي قال اهل التفسير هذه الكلمة علامة بين اهل الجنة والخدم فى الطعام فاذا أرادوا الطعام قالوا سبحانك اللهم فاتوهم فى الوقت بما يشتهون على الموائد كل مائدة ميل فى ميل على كل مائدة سبعون الف صحفة فى كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا وإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله عزوجل فذلك قوله تعالى (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وقيل دعواهم اى قولهم وكلامهم فيها تلذذا سبحانك اللهم روى مسلم واحمد وابو داود عن جابر فى حديث مرفوع ان اهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها) اى فى الجنّة سلام اى يحيى بعضهم بعضا بالسلام وتدخل (١) عليهم الملائكة من كل باب يقولون (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) وتأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام ويقرأ الله تعالى

__________________

(١) في الأصل ويدخلون.

١١

عليهم‌السلام روى ابن ماجة وابن ابى الدنيا والدار قطنى والآجري عن جابر قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينا اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رءوسهم فاذ الرب تبارك وتعالى اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة وذلك قول الله تعالى (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) الحديث ـ وروى احمد والبزار وابن حيان عن ابن عمر انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسير بهم الثعور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته ايتوهم فحيوهم فتقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك فتأمرنا ان نأتى هؤلاء ونسلم عليهم قال انهم كانوا عبادى يعبدوننى ولا يشركون بي شيئا وتسير بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك (يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)) لعل المعنى انهم إذا دخلوا الجنة وماينوا عظمة الله تعالى مجّدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حياهم الملائكة والله سبحانه بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات فحمدوا الله تعالى واثنوا عليه بصفات الإكرام وان هى المخففة من الثقيلة قلت وجاز ان يكون مفسرة لانّ فى الدعاء معنى القول قال البغوي يفتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد ويتكلمون بينهما بما أرادوا ـ. (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) اى يسرعه إليهم (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) قال ابن عباس هذا فى قول الرجل عند الغضب لاهله وولده لعنكم الله ولا بارك فيكم كذا قال قتادة ومعنى الاية (لَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) الذي دعوه واستعجلوه تعجيلا كتعجيله لهم الخير حين دعوه واستعجلوه فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه ووضع استعجالهم موضع تعجيله لهم للاشعار بسرعة اجابة لهم فى الخير حتى كانّ استعجالهم به تعجيل لهم وبان المراد بالشر الشر الذي استعجلوه ـ قيل نزلت الاية فى النضر بن الحارث حين قال (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) اى لأميتوا وأهلكوا قرا ابن عامر ويعقوب لقضى بفتح القاف والضاد على البناء

١٢

للفاعل وأجلهم بالنصب على المفعولية والباقون بضم القاف وكسر الضاد على البناء للمفعول ورفع أجلهم (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) اى لا يخافون البعث والعذاب (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)) جملة فنذر معطوف على فعل محذوف دل عليه الشرطية تقديره ولكن لا تعجل ولا نقضى فنذرهم امهالا واستدراجا ـ. (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) الشدة والبلاء (دَعانا) لازالته مخلصا فيه (لِجَنْبِهِ) ملقيا بجنبه اى مضطجعا (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) فائدة الترديد تعميم الدعاء لجميع الأحوال يعنى يدعو لازالته كائنا على اى حال كان سواء كان قائما او قاعدا او راقدا يعنى يدعو فورا ويستمر عليه فى جميع الأحوال (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ) اى مضى على طريقه واستمر على كفره ولم يشكر (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا) أصله كانّه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن يعنى كان لم يكن فى ضر وبلاء ولم يدعنا قط (إِلى) كشف (ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ) اى مثل ذلك التزيين (زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)) من الانهماك فى الشهوات والاعراض عن الذكر والعبادات. (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يا اهل مكة (لَمَّا ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر واستعمال القوى والجوارح فيما لا ينبغى لمّا ظرف لاهلكنا (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالحجج الواضحة عطف على ظلموا او حال من فاعله بتقدير قد فالاهلاك ترتب على الكفر بعد تمام الحجة بمجيء الرسل كما يدل عليه قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً وَما كانُوا) اى القرون الظالمة عطف على (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا) (لِيُؤْمِنُوا) اللام لتأكيد النفي اى ما استقام لهم ان يؤمنوا لفساد استعدادهم حيث كان مبادى تعيناتهم ظلال اسم المضل فخذ لهم الله تعالى او ما كانوا مؤمنين فى علم الله الأزلي بل كان الله يعلم انهم يموتون على الكفر وقيل ما كانوا معطوف على ظلموا (كَذلِكَ) اى مثل ذلك الجزاء وهو الإهلاك بسبب تكذيبهم الرسل وإصرارهم على الكفر بعد ما تحقق انه لا فائدة فى إمهالهم (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١٣) اى نجزى كل مجرم او نجزيكم فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وانهم هم المستحقون لهذا الاسم. (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) يا كفار مكة (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) اى بعد

١٣

القرون التي أهلكناهم (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤) خيرا او شرّا فيعاملكم على مقتضى أعمالكم وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا ـ وكيف منصوب بتعملون لا بننظر لان معنى الاستفهام يقتضى صدر الكلام وفيه دلالة على ان المعتبر فى الجزاء جهات الافعال وكيفياتها لا هى من حيث ذواتها ولذلك يحسن الافعال تارة ويقبح اخرى عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ـ. (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) قال قتادة يعنى على مشركى مكة وقال مقاتل وهم خمسة عبد الله بن أبيّ المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن ابى قبيس العامري والعاص بن عامر بن هشام (بَيِّناتٍ) واضحات الدلالة على كونها من عند الله تعالى (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) اى لا يخافون البعث وينكرون القيامة (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) اى بكتاب اخر نقرؤه ليس فيه ما نستبعده من الثواب والعقاب بعد الموت وما نكرهه من معائب الهتنا (أَوْ بَدِّلْهُ) بان تجعل مكان اية آية اخرى قال مقاتل قال النفر الخمسة المذكورة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان تريد ان نؤمن بك فأت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وليس فيه عيبها وان لم ينزلها الله فقل أنت من عند (١) نفسك او بدله فاجعل مكان اية عذاب اية رحمة او مكان حرام حلالا وحلال حراما (قُلْ) لهم يا محمد (ما يَكُونُ لِي) قرا الحرميان وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها اى ما يصلح لى (أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها اى من قبل نفسى تلقاء مصدر استعمل ظرفا اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن اخر او لان التبديل مقدور للانسان بان يقرا اية الرحمة مكان اية العذاب بخلاف إتيان قران اخر معجز مثله او لان المراد بالتبديل هاهنا أعم من تبديل القران بقرآن اخر او اية مكان اية (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) تعليل لقوله (ما يَكُونُ لِي) فان المتبع لغيره فى امر لا يستبد بالتصرف فيه بوجه ـ وجواب للنقض بنسخ بعض الآيات ببعض ورد لما عرّضوا له بهذا السؤال من ان القران كلامه واختراعه ولذلك

__________________

(١) فى الأصل من عندك نفسك

١٤

قيد التبديل فى الجواب بقوله (مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) وسماه عصيانا حيث قال (إِنِّي) قرا الحرميان وابو محمد وابو جعفر ابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها (أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بالتبديل (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٥) اى يوم القيامة وفيه ايماء بانهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح ـ. (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ) غير ذلك او عدم تلاوتى عليكم لم ينزل القرآن علىّ (ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ) اى لا أعلمكم الله على لسانى (بِهِ) قرا البزي عن ابن كثير لادريكم بالقصر على الإيجاب ولام التأكيد يعنى (لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) ولعلمكم به من غير قراءتى على لسان غيرى وفيه اشارة الى انه الحق الذي لا محيص عليه لو لم أرسل به لارسل به غيرى (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) اى زمانا وهو أربعون سنة (مِنْ قَبْلِهِ) اى قبل نزول القران ولم اتكم بشيء ما لم يوح الىّ وفيه اشارة الى كون القران معجزا خارقا للعادة فان من عاش بين أظهرهم أربعين سنة لم يمارس فيها علما ولم يشاهد عالما ولم ينشأ شعرا ولا خطبة ثم قرأ عليهم كتابا بدت فصاحته فصاحة كل منطيق وعلا كل منظوم ومنثور واحتوى على قواعد الأصول والفروع واغرب عن قصص الأولين وأحاديث الآخرين على ما هى عليه علم انه معلم به من الله تعالى (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦) اى أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا انه ليس من قبل نفسى بل من عند الله ـ (فائدة) لبث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم قبل الوحى أربعين سنة ثم اوحى اليه فاقام بمكة بعد الوحى ثلاث عشرة سنة ثم هاجر فاقام بالمدينة عشر سنين وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة كذا روى مسلم عن ابن عباس قال محمد بن يوسف الصالحي اتفق العلماء على انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وانما الخلاف فى قدر إقامته بمكة بعد النبوة قبل الهجرة والصحيح انه ثلاث عشرة سنة وذكر البغوي برواية انس انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقام بمكة بعد الوحى عشر سنين وتوفى وهو ابن ستين سنة وكذا روى ابن اسعد وعمرو بن شيبة والحاكم فى الإكليل عن ابن عباس قال البغوي والاول أشهر واظهر وقد روى مسلم عن انس انه قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وكذا ابو بكر وعمر وروى ابو داؤد الطيالسي ومسلم عن معاوية بن ابى سفيان

١٥

قال قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وكذا أبو بكر وعمر وروى الشيخان عن عائشة قالت توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة قال النووي وهو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء ـ وروى احمد ومسلم عن عمار بن ابى عمار قال قلت لابن عباس كم اتى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم مات قال أتحسب قلت (١) نعم قال امسك أربعين بعث بها وخمس عشرة اقام بمكة يأمن ويخاف وعشرة مهاجرة بالمدينة وروى الحاكم فى الإكليل عن على بن ابى زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن خمس وستين سنة قال الحاكم فى الإكليل والنووي اتفق العلماء على ان أصح الروايات ثلاث وستين سنة وتأولوا الباقي على ذلك فرواية الستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسور ورواية الخمس والستين متأوّلة عليها او حصل فيها شك وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله خمس وستون سنة ونسبه الى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة بخلاف الباقين ـ قال محمد بن يوسف الصالحي اكثر الرواة عن ابن عباس حكوا عنه رواية ثلاث وستين فالظاهر انه كان قال ذلك ثم رجع الى ما عليه الأكثر والله اعلم وحكى القاضي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة انه بعث على رأس ثلث وأربعين والصواب أربعون ـ. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعم ان له شريكا او ولدا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) فكفر بها (إِنَّهُ) اى الشأن (لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١٧) اى لا ينجوا المشركون. (وَيَعْبُدُونَ) اى كفار مكة (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) ان تركوا عبادته (وَلا يَنْفَعُهُمْ) ان عبدوه يعنى الأصنام فانها جمادات لا تقدر على نفع ولا ضر والمعبود ينبغى ان يكون مثيبا ومعاقبا حتى يعود عبادته بجلب نفع او دفع ضر (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) الأصنام (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) يشفع لنا فيما يهمنا من امور الدنيا وفى الاخرة ان يكن بعث (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) أتخبرونه (بِما لا يَعْلَمُ) وهو ان له شريكا وفيه تقريع وتهكم بهم إذ هؤلاء شفعاء وما لا يعلم الله لا تحقق له أصلا (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) حال من العائد المحذوف مؤكد لنفيه وفيه اشارة الى ان ما يزعمونه الها فهو اما سماوى كالملائكة او ارضى كالاصنام

__________________

(١) فى الأصل قال ـ

١٦

وليس شيء من الموجودات فيهما الا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق ان يشرك به (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٨) اى عن اشراكهم او عن الشركاء الذين يشركون به قرا حمزة والكسائي تشركون بالتاء على الخطاب للكفار هاهنا وفى سورة النحل فى موضعين وفى سورة الروم والباقون بالياء على الغيبة. (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) موحدين على الفطرة او متفقين على الإسلام وذلك فى عهد آدم عليه‌السلام الى قبيل بعثة نوح او بعد الطوفان او من عهد ابراهيم الى عمر بن لحى او على الضلال فى زمن فترة الرسل (فَاخْتَلَفُوا) باتباع الهوى والأباطيل او ببعثة الرسل حين تبعهم طائفة وأصرت على الكفر اخرى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بان جعل لكل امة أجلا وقال الكلبي هى امهال هذه الامة وان لا يهلكهم بالعذاب فى الدنيا (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بنزول العذاب فى الدنيا وتعجيل العقوبة للمكذبين وكان ذلك فضلا بينهم (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩) قال الحسن لو لا كلمة سبقت من ربك مضت فى حكمه انه لا يقضى بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة لقضى فى الدنيا فادخل المؤمن الجنة والكافر النار ولكنه سبق من الله الاجل فجعل موعدهم يوم القيامة. (وَيَقُولُونَ) يعنى كفار مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) اى على محمد (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) من الآيات التي اقترحوها (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) هو المختص بعلمه فهو العالم بالصارف عن إنزال الآيات المقترحة لا غير او المعنى الغيب يعنى ما غاب عن الناس اى امره تعالى عنده (فَانْتَظِرُوا) نزول الآيات المقترحة او فانتظروا بقضاء الله بيننا وبينكم بإظهار المحق على المبطل (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٢٠) لما يفعل الله بكم بجحودكم على ما نزل علىّ من الآيات العظام واقتراحكم غيرها ـ. (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) اهل مكة (رَحْمَةً) خصبا وسعة وصحة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) قحط وشدة ومرض (مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) قال مجاهد تكذيب واستهزاء قلت المكر عبارة عن ارادة الشر بغيره على وجه الإخفاء وانما سمى تكذيب الآيات والاستهزاء بها مكرا لان الظاهر فيه تكذيب الرسول وارادة الشرّ به

١٧

عليه‌السلام دون تكذيب الله سبحانه لكن الشر والتكذيب يعود الى الله فانها فى الحقيقة كلامه تعالى ـ وقال مقاتل بن حيان مكرهم انهم لا يقولون هذا رزقنا الله بل يقولون سقينا بنوء كذا وقيل مكرهم احتيالهم فى دفعها والطعن فيها قيل قحط اهل مكة فلما كشف الله عنهم ورحمهم اسرعوا الى الكفر والاستهزاء بايات الله تعالى قبل ان يؤدوا شكر النعمة روى البخاري ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما راى من الناس إدبارا قال اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف فاخذتهم سنة حصب كل شيء حتى أكلوا الجلود والميّت والجيف فاتى ابو سفيان فقال يا محمد انك تأمر بطاعة الله وصلة الرحم وان قومك قد هلكوا فادع الله لهم ان يكشف عنهم فدعا ـ وفى رواية قالوا (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) فقيل له ان كشفت عنهم عادوا فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه فكشف الله عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ولمّا كان كلمة إذا للمفاجاة دالة على سرعة مكرهم قال الله تعالى (قُلِ) يا محمد (اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) منكم والمكر من الله تعالى اما الاستدراج كما يدل عليه قول على رضى الله عنه من وسع الله عليه دنياه ولم يعلم انه مكر به فهو مخدوع عن عقله قلت يعنى من وسع الله عليه الدنيا وهو غير شاكر ـ واما الجزاء على المكر وكونه تعالى اسرع مكرا من الناس انه دبر عقابهم او استدراجهم قيل ان يدبروا كيدهم وقيل معناه ان عذابه فى إهلاككم اسرع إليكم مما يأتى منكم فى دفع الحق فان ما أراد الله بكم ات لا محالة وهو قادر على ما يريد وأنتم لا تقدرون على دفع الحق (إِنَّ رُسُلَنا) اى حفظتنا (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (٢١) قرأ يعقوب يمكرون بالياء على الغيبة موافقا لما سبق والباقون بالتاء الفوقية على الخطاب تحقيق للانتقام وتنبيه على ان ما دبروا فى اخفائه لم يخف عن الحفظة فضلا من ان يخفى على خالق الأشياء كلها من الاعراض والجواهر ـ. (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) اى يحملكم على السير ويمكنكم منه كذا قرا الجمهور وقرا ابن عامر وابو جعفر ينشركم بالنون والشين من النشر (فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) اى السفن الفلك لفظ مشترك بين الواحد والجمع والمراد هاهنا الجمع بدليل قوله تعالى (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) اى بمن فيها عدل عن الخطاب الى الغيبة للمبالغة

١٨

فانه تذكرة لغيرهم ليتعجب من حالهم وينكر عليهم (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) اى لينة الهبوب الموصلة الى المقصود (وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها) جواب إذا والضمير للفلك او للريح الطيبة بمعنى تلقاها (رِيحٌ عاصِفٌ) ذات عصف اى شدة الهبوب (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ) وهو ما علا من الماء لشدة الريح (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) يجيء منه (وَظَنُّوا) لم يقل أيقنوا لان اليقين لا يتصور فيما يكون فى المستقبل بمجرد القرائن (أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) يعنى أحاط بهم الموج والمهلكات بحيث لا سبيل الى الخلاص كمن أحاط به العدو (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ٥ اى أخلصوا فى الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى الله وكانت العرب لا يدعون فى الشدائد الا الله تعالى وقوله (دَعَوُا اللهَ) بدل اشتمال من ظنوا لان دعاءهم من لوازم ظنهم (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا) يا ربنا (مِنْ هذِهِ) الريح العاصف (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢٢) هذه الجملة الشرطية اما على ارادة القول او مفعول دعوا لانه من جملة القول وليس الكون فى الفلك غاية للتسيير بل مضمون الجملة الشرطية بعد حتى بما فى حيزها كانّه قيل حتى إذا كان كيت وكيت مجيء الريح وتراكم الأمواج والظن بالهلاك والدعاء بالانجاء. (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ) اجابة لدعائهم (إِذا هُمْ يَبْغُونَ) يعنى فاجئوا وسارعوا الى ما كانوا عليه من البغي اى الظلم على الناس والتجاوز عن حدود الإباحة الى الفساد (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) اى مبطلين فيه تأكيد لقوله يبغون فان البغي لا يكون متلبسا (١) بالحق وفيه دفع لتوهم تخريب المسلمين ديار الكفار وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم فانها بإذن الله تعالى ليجزى الفاسقين ويهديهم الى الصلاح (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) فان وباله راجع عليكم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم واسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم رواه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن عائشة وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث من كن فيه فهى راجعة على صاحبها البغي والمكر والنكث رواه ابو الشيخ وابن مردوية فى التفسير والخطيب عن انس وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما رواه ابن لال عن ابى هريرة (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا)

__________________

(١) في الأصل ملتبسا.

١٩

اى منفعة غير باقية قرا حفص بالنصب مصدر مؤكد اى تمتعون متاع الحيوة الدنيا او مفعول للبغى لانه بمعنى الطلب فيكون الجار والمجرور من صلته والخبر محذوف تقديره بغيكم متاع الحيوة الدّنيا محذور او ضلال ـ او مفعول فعل دل عليه البغي وعلى أنفسكم خبر وقرا الباقون بالرفع على انه خبر بغيكم بعد خبر او هو خبر وعلى أنفسكم صلة او خبر محذوف تقديره ذاك متاع الحيوة الدّنيا وعلى أنفسكم خبر بغيكم (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) بالموت او يوم القيامة (فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٣) بالجزاء عليه ـ. (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) اى حالها العجيبة فى سرعة زوالها واغترار الناس بها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ) اى اشتبك وخالط بعضه بعضا (بِهِ) اى بسبب الماء (نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ) من الحبوب والثمار والبقول (وَالْأَنْعامُ) من الحشيش (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) حسنها وبهجتها بألوان النبات والازهار (وَازَّيَّنَتْ) أصله تزينت كذا قرا ابن مسعود (وَظَنَّ أَهْلُها) اى اهل الأرض (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) اى على الأرض بمعنى انهم متمكنون من تحصيل ثمرتها بالجزاز والقطاف والحصاد ورفع غلتها والانتفاع بها (أَتاها أَمْرُنا) اى قضاؤنا بضرب زرعها ببعض العاهات بعد استيقانهم انه قد سلم (لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها) اى زرعها (حَصِيداً) اى شبيها بالمحصود من أصله (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ) اى كان لم تلبث زرعها فحذف المضاف فى الموضعين مبالغة وأقيم المضاف اليه مقامه مشتق من غنى بالمكان إذا اقام به (بِالْأَمْسِ) اى قبيل ذلك الزمان وهو مثل فى الوقت القريب الماضي والممثل به مضمون الحكاية وهو زوال خضرة النبات وبهجتها فجاءة وذهابها حطاما بعد ما كان غصنا وزين الأرض حين طمع فيه اهله وظنوا انه قد سلم من الجوائح لا الماء وان كان متصلا بحرف التشبيه لانه من التشبيه المركب قال قتادة معناة المتشبث بالدنيا يأتيه امر الله وعذابه اغفل ما يكون (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤) فانهم هم المنتفعون به. (وَاللهُ يَدْعُوا) جميع الناس (إِلى دارِ السَّلامِ) اى دار السلامة

٢٠