أوثق الوسائل في شرح الرسائل

ميرزا موسى التبريزي

أوثق الوسائل في شرح الرسائل

المؤلف:

ميرزا موسى التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات كتبي نجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٦

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله العالي ذي المجد والإفضال والجلال ثمّ الصّلاة والسّلام السّامي على النّبيّ المصطفى التّهامي وآله الأئمّة الأطهار ما اختلف الليل مع النّهار (أمّا بعد) فيقول المذنب الجاني قليل البضاعة كثير الإضاعة موسى بن جعفر بن أحمد التّبريزيّ ومسهم الله في رضوانه وغمسهم في بحار غفرانه وأسكنهم بحبوحة جنانه إنّي لما عثرت على الأثر المأثور من فاتحة صحائف الأكوان وخاتمة أوراق الإمكان مشكوة مسالك الإيمان سيّدنا ونبيّنا سيّد الإنس والجانّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه قال المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة سترا فيما بينه وبين النّار وأعطاه الله بكلّ حرف مكتوب عليها مدينة في الجنّة أوسع من الدّنيا سبع مرّات كنت أكرّر لفظة تارة وأمعن النّظر في معناه أخرى وأتمنى أن يوفّقني الله سبحانه للفوز بهذه النّعمة العظمى والموهبة الكبرى لأن أكون من سكّان هذه المدائن الرّائقة والقصور الشّاهقة والمتنزّهين في بساتينها وحدائقها مع حورها وغلمانها مملئا حجري من ثمارها معلّما رأسي من جلّنارها وكثيرا ما كان يخطر ببالي ويسنح بخيالي أن أعمل كتابا في الفقه أو الأصولين لعظم نفعها في النّشأتين ومع ذلك كنت متردّدا في نظم تحقيق المطالب في سلك المتون أو تعليق حواش عليها تليق أن نكتب بالنّبر على العيون فأجلت فرسان نظري في صحائف الكتب والمصنّفات والشّروح والمؤلّفات إلى أن وقفت على رسائل شيخ المشايخ ممهّد قواعد الدّين ومحرّر ضوابط الشّرع المبين ومهذّب القوانين المحكمة ومبيّن الإشارات المبهمة ومصباح مناهج شرائع الإسلام ومشكوة مسالك غاية المرام كاشف اللّثام عن غاية المراد كاشف الغطاء عن نهاية الإرشاد كاشف الأسرار والرّموز عن مدارك الأحكام كاشف الالتباس من دلائل الحلال والحرام بكلمات كافية كغوالي اللّئالي وحجج وافية كالدّرر والغرر الغوالي أعني نتيجة العلماء الرّاسخين وصفوة الفقهاء المحقّقين قطب رحى الفضائل مفتاح كنوز الدّلائل عين الإنسان إنسان العين مرتضى المصطفى مصطفى المرتضى شيخنا وأستاذنا المرتضى الأنصاري أفاض الله على تربته الشّريفة شئابيب رحمته ورضوانه وأسكنه بحبوحة فراديس جنانه فإذن هي كنز مقفّل الأبواب لا يهتدي طالبه إلى سبيله وبحر ذخّار موّاج لا يصل راكب سفنه إلى ساحله ومعضلة دهماء لا يهتدي لها طريق ولا يهدى إلى ضوئها السّاري فأردت أن أشرح معضلاتها ببيانات شافية وأبيّن مبهماتها بعبارات كافية وأنبّه على لطائف نكات قد كنّى عنها بعبارات لائقة وأستخرج رموز أو دقائق قد أخفاها بكنايات وإيهامات رائقة وأضيف إليها ما أخذته من أفواه الرّجال الرّاسخين أو تنبهت عليه عند المناظرة مع الباحثين وما اقتطفته من الثّمار في رياض تحقيقات الماضين وما اقتبسته من أنوار آثار آل طه ويس إذ كم من مزايا في الخبايا وكم من خفايا في الزّوايا من أرومة المطالب وجرثومة المقاصد قد تركها الأوائل واختلسها الأواخر ونظموها بسلك السّطور نظم الفرائد على القلائد وزيّنوا بها صحائف التّحقيق كالوشاح على الخرائد وجمعت ممّا خطر ببالي بالتّوفيق السّبحاني طرائفه وممّا أفاضه نفخات التّأييد الرّحماني ظرائفه وممّا عثرت عليه في الكتب عجائبه وممّا استفدته من مذاكرة الأساطين رقائقه وعلقتها على رسائل شيخنا الأستاذ العلاّمة أفاض الله سبحانه على تربته رحمته ورضوانه حواشي كأنّهنّ الياقوت والمرجان والصّور الحسان وسمّيتها بأوثق الوسائل في شرح الرّسائل وهو حسبي ونعم الوكيل (قوله) اعلم أنّ المكلّف إذا التفت إلخ فإن قلت إنّ التّقييد بالشّرط مستدرك إذ المكلّف لا بدّ أن يكون ملتفتا وإلاّ لم يكن مكلّفا لقبح تكليف غير الملتفت قلت إنّ المراد بالمكلّف هنا هو المكلّف الواقعي مع قطع النّظر عن كونه ملتفتا وعدمه لأنّ الالتفات

٢

شرط لتنجز التّكليف لا لتعلق التكليف الواقعي في الجملة فيرجع الحاصل إلى أن من جميع الشّرائط العامة من البلوغ والقدرة والعقل إذا التفت إلى حكم شرعي إلى آخر ما ذكره ومقابله من لم يجمعها فيخرج منه التفات الصّبي والمجنون والعاجز لعدم ترتب أثر شرعا وعقلا على التفات هؤلاء ويحتمل أن يريد به المكلّف العالم بالأحكام إجمالا الجاهل بتفاصيلها فيكون المراد بالحكم الّذي هو متعلّق الالتفات هي الأحكام الخاصّة من وجوب الصّلاة وحرمة شرب الخمر أو نحوهما ويحتمل أن يكون الشّرط واردا لبيان الموضوع لما عرفت من كون الالتفات شرطا لتنجّز التّكليف فيكون مأخوذا في موضوعه (قوله) فيحصل له إمّا الشّك فيه إلخ لم يتعرض في التّقسيم للوهم لتعيّن الغاية ووجهه واضح ثمّ إنّ الظّاهر من العبارة أنّ المراد بالشّك هو الشّك بمعنى تساوي الطّرفين مقابل الظنّ الفعلي وحينئذ يقع الإشكال في جعل الأقسام الثّلاثة موضوعا لمقاصد الكتاب لوضوح أنّ الموضوع في المقصد الثّاني ليس خصوص الظّنّ الفعلي بل الظنّ النّوعي أو الأعمّ منهما وكذا الموضوع في المقصد الثّالث ليس الشّكّ بمعنى تساوي الطّرفين بل الأعمّ منه ومن الظن غير المعتبر اللهمّ إلا أن يقال إنّ الموضوع في المقصد الثّاني هو الظنّ الفعلي ولكن النّوعي داخل في هذا المقصد حكما لا موضوعا وكذلك الموضوع في المقصد الثّالث هو الشّك بمعنى تساوي الطّرفين ولكن الظّنّ غير المعتبر داخل فيه حكما أيضا لا موضوعا فتأمّل فإنّه لا يخلو عن تكلّف لأنّ عمدة الكلام في المقصد الثّاني في الظن النوعي كما لا يخفى (قوله) ويسمّى بالأصول العمليّة إلخ صريح العبارة أنّ القواعد الشّرعيّة الثّابتة للشّاك في مقام العمل منحصرة في الأصول العمليّة الأربعة وليس كذلك لأن للشّاكّ أصولا أخر كثيرة الدّوران بينهم مثل أن عدم الدّليل دليل العدم والبناء على الأخف عند دوران الأمر بينه وبين غيره وأصالة الإباحة والأصول اللّفظيّة وغير ذلك ولكن يمكن دفع ذلك بأنّ هذه الأصول بينما هو غير معتبر وما هو راجع إلى أحد الأربعة وتفصيل القول في ذلك مقرّر في محلّ أخر وإمّا على القول باعتبارها من باب الظّنّ كما هو ظاهر الأكثر حتّى أصالة الإباحة فهي داخلة في الأدلّة الاجتهاديّة نعم يبقى الإشكال بالنّسبة إلى القواعد المعتبرة في موضوع الشّكّ مثل قاعدة الطّهارة ونحوها بل سائر القواعد المختصّة بالموضوعات الخارجيّة المشتبهة مثل قاعدة القرعة وأصالة حمل فعل المسلم على الصّحة بناء على كون المراد من الحكم الشّرعي في المقام أعمّ من الكلّي والجزئي اللهمّ إلاّ أن يقال باعتبار هذه القواعد أيضا من باب الظّنّ النّوعي فتدخل في الأدلّة إلاّ أن دعوى ذلك بالنّسبة إلى الجميع مشكلة بل ممنوعة ثمّ إنّ الظّاهر أنّ المراد من الأصول العمليّة الأربعة الّتي وقع الكلام فيها في مباحث المقصد الثّالث هي الأصول الجارية في نفس الأحكام الكليّة وأنّ البحث عن جريانها في الموضوعات استطرادي لكون الأوّل داخلا في الأصول والثّاني في الفروع كما يظهر من المصنف في أوائل مبحث الاستصحاب ثمّ إنّ مجمل الكلام في ضابط الأدلّة والأصول أن ما اعتبره الشّارع سواء كان من باب التّأسيس أو الإمضاء والتّقرير إمّا أن يكون اعتباره في نفس الأحكام الكلّيّة أو في الموضوعات الخارجيّة أو في الأعمّ منهما وعلى التّقادير إمّا أن يكون اعتباره من باب الكشف والإصابة سواء كان له جهة كشف عند العرف واعتبره الشّارع من هذه الجهة أم لا ولكن علم من دليل اعتباره أنّ الشّارع إنّما اعتبره من حيث الكشف والإصابة فيكون كشفه حينئذ تعبديّا وإمّا أن يكون اعتباره من باب التّعبّد من دون اعتبار جهة كشف فيه سواء كانت له جهة كشف عند العقلاء أم لا فما اعتبره الشّارع في الأحكام الكليّة من حيث الكشف يسمّى دليلا وربّما يوصف بالاجتهادي وفي الموضوعات يسمّى أمارة وما اعتبره من باب التّعبّد المحض لبيان كيفيّة عمل الجاهل والشّاك في الأحكام يسمىّ أصلا عمليّا وربّما يسمّى بالدّليل الفقاهتي وفي لسان بعض أخر بالدّليل الفقهائي وهو الأنسب وفي الموضوعات أصلا عمليّا(قوله) وهي منحصرة في أربعة إلخ هذا الحصر كما صرّح به في أوّل المقصد الثّالث عقلي ولا ينتقض بالقول بالبراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط وفي الشّبهة غير المحصورة والمحصورة الّتي خرج أحد طرفيه عن محلّ الابتلاء نظرا إلى كون الشّكّ فيها في المكلّف به دون التّكليف لأنّ من قال بالبراءة فيها أرجع الشّكّ فيها إلى الشّكّ في نفس التكليف كما سيجيء في محلّه نعم ينتقض الحصر بموارد العلم الإجمالي بالتّكليف إذا لم تكن مخالفته مستلزمة للمخالفة القطعيّة العمليّة كما لو دار الأمر بين وجوب فعل وحركته على ما اختاره المصنف رحمه‌الله في هذا المقصد من عدم كون المخالفة الالتزاميّة القطعيّة مانعة من جريان أصالة البراءة اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ هذا الحصر بالنّسبة إلى مذاق المشهور حيث قالوا في مثله بالتّخيير وحينئذ لا يقدح في الحصر عدم استقامته أيضا بالنّسبة إلى الأحكام الوضعيّة بناء على كونها مجعولة نظرا إلى عدم جريان البراءة والتّخيير فيها فإنّها عند المشهور وواقفهم المصنف منتزعة من الأحكام الطّلبيّة وإن نسب خلافه أيضا إليهم كما سيجيء في مسألة الاستصحاب ولكن يخدش فيه قول المصنف رحمه‌الله وما ذكرنا هو المختار في مجاري الأصول الأربعة وحينئذ يتضح عدم استقامة الحصر على ما اختاره المصنف في مسألة البراءة عند دوران الأمر بين الوجوب والحرمة من عدم الحكم فيه بشيء من وجوب الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا ولا الإباحة الواقعيّة ولا الظّاهريّة حيث حكم ثمة بوجوب التّوقّف وعدم الالتزام إلاّ بالحكم الواقعي على ما هو عليه في الواقع وقال ولا دليل على عدم جواز خلوّ الواقعة عن حكم ظاهري إذا لم يحتج إليه في العمل نظير ما لو دار الأمر بين الوجوب والاستحباب انتهى ووجهه عدم شمول التّقسيم بحكم مثل هذا الشّكّ لفرض عدم كونه موردا لشيء من الأصول الأربعة وممّا أشار إليه من التنظير يظهر عدم اختصاص النّقض بما لا يمكن الاحتياط فيه كما لا يخفى اللهمّ إلا أن يمنع اختصاص مؤدّى قاعدة البراءة بما يفيد الإباحة الظاهريّة بل هو كذلك

٣

عند المصنف فإن مؤدّيها ليس إلاّ مجرّد نفي العقاب في محتمل الحرمة أو الوجوب لا إثبات الإباحة الظّاهريّة أيضا ولذا لا يجري في محتمل الاستحباب والكراهة كما لا يخفى ثمّ إنّ الحدّ ينتقض أيضا بما يظهر منه في هذا المقصد عند بيان أقسام العلم الإجمالي من عدم جواز المخالفة القطعيّة فيما لو دار الأمر بين وجوب فعل وحرمة أخر كما إذا فرض العلم إجمالا بأن شرب التّتن حرام أو دعاء رؤية الهلال واجب فإنّ المصنف وإن لم يصرّح هنا بوجوب الاحتياط إلاّ أنّ ذلك معلوم من مذهبه في نظائر المقام مع كون الشّكّ في مثل ذلك في التّكليف دون المكلّف به بناء على ما صرّح به المصنف ره في أوّل المقصد الثّالث من أن المراد من الشّكّ في التّكليف هو الشّكّ في النوع الخاصّ من الإلزام وإن علم جنسه ومثل لذلك بالتّكليف المردّد بين الوجوب والحرمة نعم لا ينتقض الحصر بالحكم بالتّخيير في موارد تكافؤ النّصين سواء أمكن الاحتياط فيها مثل ما لو دار الأمر بين فيه الوجوب وغير الحرمة أو بين الحرمة وغير الوجوب أم لا فإنّ الحكم بالتّخيير فيها للنّص وإلاّ فمقتضى القاعدة هو الحكم بإجمال النّصين والرّجوع إلى مقتضى الأصل الموافق لأحدهما بناء على ما هو التّحقيق من كون اعتبار ظواهر الأدلّة من باب الطّريقية دون السّببيّة المحضة وبعبارة أخرى أن المقصود في المقام حصر الأصول الأوليّة في الأربعة لا ما يعم الأصول الثانويّة أيضا ثمّ إن حاصل ما يستفاد ممّا ذكره من الحصر والتّقسيم أنّ الشّكّ إن لوحظت فيه الحالة السّابقة فهو مجرى الاستصحاب سواء كان الشّكّ في التّكليف أو المكلّف به وعلى الثّاني أمكن فيه الاحتياط أم لا وإن لم تلاحظ فيه الحالة السّابقة فإن كان الشّكّ في التّكليف فهو مجرى البراءة سواء أمكن الاحتياط فيه كما في الشّبهات البدويّة أم لا كما لو دار الأمر بين وجوب فعل وحرمته بناء على ما عرفت من معنى الشّكّ في التّكليف ومن هنا يندفع النقض الذي أوردناه على الحصر من صورة دوران الأمر بين وجوب فعل وحرمته فإنّ هذه الصّورة على ما عرفت من موارد الشّكّ في التّكليف وإن لم يمكن الاحتياط فيها إذ كل مورد لا يمكن فيه الاحتياط ليس من موارد التّخيير بل ذلك مع فرض كون الشّكّ في المكلف به وإن كان الشّكّ في المكلف به فإن لم يمكن فيه الاحتياط فهو مورد للتخيير وإلاّ فمورد للاحتياط فتلخّص ممّا ذكرناه أن للاستصحاب شرطا واحدا وهو ملاحظة الحالة السّابقة فيه وللبراءة شرطين وهما عدم ملاحظة الحالة السّابقة فيها وكون الشّكّ فيها في التّكليف وللتّخيير شروطا ثلاثة أحدها عدم ملاحظة الحالة السّابقة فيه وثانيها كون الشّكّ فيه في المكلف به وثالثها عدم إمكان الاحتياط فيه وللاحتياط أيضا شروطا ثلاثة أحدها عدم ملاحظة الحالة السّابقة فيه وثانيها كون الشّكّ فيه في المكلّف به وثالثها إمكان الاحتياط فيه وهذه الشّروط شروط لتمييز موارد الأصول إجمالا وإلاّ فلها شروط أخر مقرّرة في محلّها ومن ملاحظة جميع ما قدّمناه يظهر عدم ورود نقض على الحصر أصلا إلاّ بما لو دار الأمر فيه بين وجوب فعل وحرمته أخر ولكن الأمر فيه سهل حيث كان المقصود هنا معرفة موارد الأصول في الجملة نعم يرد عليه أن الحصر إن كان استقرائيا بأن يدعى أن استقراء كلمات الشّارع يقضي بانحصار موارد الأصول في الأربعة الّتي ذكرها فهو خلاف ما صرّح به في أوّل مقصد الثّالث كما تقدّم وإن كان عقليّا يرد عليه منع انحصارها عقلا في الأربعة لإمكان أن يعتبر الشّارع هنا أصلا خامسا بأن يحكم باستصحاب الحالة اللاّحقة المتيقّنة إلى السّابقة المشكوك فيها كما في استصحاب القهقرائي وأصلا سادسا بأن يعتبر في الاستصحاب أربع حالات بأن يقول إذا تيقّنت بشيء ثمّ شككت فيه ثمّ تيقّنت به وشككت لا تنقض اليقين الأوّل بالشّكّ الثّاني وهكذا إذ لا ريب في عدم انحصار صور الإمكان في الأربعة الّتي ذكرها (قوله) لا إشكال في وجوب متابعة القطع إلخ بمعنى لزوم اتباعه عند العقل وعدم جواز تركه لا الوجوب الشّرعي الذي يثاب على إطاعته ويعاقب على مخالفته لعدم كون القطع قابلا لجعل الشّارع ليكون موردا لهما بل هما مرتّبان على متابعة نفس الحكم المقطوع به ومخالفته ويدلّ عليه أمور أحدها أنّه لو لم يكن حجّة بنفسه بالمعنى الّذي ذكرناه وكانت حجّيته تعبّدا شرعيّا لتسلسل إذ اعتبار كلّ شيء منوط بالعلم ومتوقف عليه فالقطع لو لم يكن حجّته بنفسه فلا بدّ أن يتوقف على شيء وهكذا فيلزم التّسلسل وهذا أولى ممّا يقال إنّه لو لم يكن معتبرا لانسد باب الاستدلال إذ اعتبار كلّ دليل منوط بالعلم فإن هذا إنّما يستلزم اعتباره في الجملة لا بخصوص المعنى المقصود ومن هنا يظهر ضعف الاستدلال عليه بمفهوم آية سؤال أهل الذّكر كما لا يخفى وثانيها أنّه لو كان اعتباره بجعل الشّارع فلا بدّ حينئذ أن يكون القطع قابلا لحكم الشّارع نفيا وإثباتا فلو كان كذلك لزم التّناقض فإنّ الشّارع إذا قال الخمر حرام فمعناه وجوب الاجتناب عنه فإذا قطعنا بمؤدّى خطاب الشّارع ولم يكن قطعنا معتبرا شرعا يلزم أن لا يجب علينا الاجتناب عنه مع قطعنا به ولا يندفع ذلك إلاّ بتقييد الأحكام الواقعيّة بأن تكون حرمة الخمر مجعولة على تقدير إخبار المعصوم مثلا عنها وهو مع أنّه لا دليل عليه بل خلاف الفرض خروج عن محلّ النّزاع إذ لا حكم في الواقع حينئذ قبل إخبار المعصوم حتّى يتعلّق به القطع كما هو محلّ الكلام وثالثها عدم معقوليّة تكليف القاطع بخلاف قطعه لعدم احتماله خلاف ما قطع به فتكليفه به تكليف بما لا يطاق (قوله) ومن هنا يعلم أن إطلاق الحجّة إلخ يعني ممّا ذكره من عدم كون القطع كالظن في كون اعتباره بجعل الشّارع يعلم أن إطلاق الحجّة عليه ليس كإطلاقها على سائر الأمارات الشّرعية كالبيّنة وفتوى المفتي ونحوهما بل إطلاق الحجّة عليه من باب المسامحة إطلاقا لاسم السّبب على المسبّب وتوضيح ذلك أنّ القطع تارة يؤخذ من باب الطّريقيّة وأخرى جزء موضوع من الحكم والثّاني سيجيء الكلام فيه والكلام هنا أنّما هو في القسم الأوّل وهو الذي لا يصحّ

٤

إطلاق اسم الحجّة عليه حقيقة والكلام فيه تارة فيما تعلّق القطع بنفس الحكم وأخرى بموضوعه ولا بدّ قبل الأخذ في بيانهما من تمهيد مقدّمة وهي أنّ الحجّة والدّليل على اصطلاح علماء الميزان يراد والقياس وعرّفوه بأنّه قول مؤلف من قضايا يلزمه لذاته قول آخر أو يكون عند العلم به العلم بقول آخر ليدخل العلم بالنتيجة على مذهب الأشاعرة القائلين بكون العلم بها من باب إجراء الله عادته على خلق شيء عقيب آخر لا لأجل كون العلم بالقول المؤلّف علّة تامّة للعلم بها كما هو مذهب الآخرين وعليه مبنى الحد الأول إذ لا علية ولا ترتب عندهم بإسقاط قيد العلم وعلى اصطلاح الأصوليّين ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري أو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب خبري بإسقاط قيد العلم كما فعله المحقق البهائي ليدخل الدّلائل الشرعيّة فيه بأجمعها كما ذكره في الحاشية وحيث عرّف الدّليل على اصطلاح المنطقيّين قال في حاشية أخرى فالعالم عند الأصوليّين دليل على إثبات الصّانع وعند غيرهم العالم حادث وكلّ حادث له صانع وظاهر كلام بعض المحقّقين أنّ الأصوليّين لا يطلقون الدّليل على القضايا بل على المفردات فقط ولم نظفر بتصريحهم بذلك بل كلامهم عامّ انتهى وغير خفي أن ما جعله المصنف الحجّة حقيقة فيه مغاير للاصطلاحين ومباين لهما ولعله أخذه من إطلاق الحجّة في السنة الفقهاء والأصوليّين على الأدلّة الشّرعيّة وكذا الأمارات الشّرعية فإن كونها حجّة أنّما هو باعتبار المعنى الّذي ذكره من كونها وسطا يحتجّ به لثبوت الأكبر للأصغر وواسطة للقطع بثبوته له ولكن لم يظهر منهم كون إطلاق الحجّة بهذا المعنى على وجه الحقيقة كيف وإطلاقهم الحجّة على القطع في حدّ إطلاقهم لها على الكتاب والسنة والإجماع وسائر الأمارات ولعلّ مراد المصنف أيضا ليس دعوى الحقيقة بل مجرّد بيان أن إطلاقهم الحجّة على القطع ليس كإطلاقهم لها على الأمارات المعتبرة ثمّ إنّ ما ذكره من أن المراد بالحجّة في باب الأدلّة ما كان وسطا لثبوت أحكام متعلّقه شرعا لا لحكم آخر غير واضح ولا مصرّح به نعم إنّ الأحكام الشرعيّة لما كانت غالبا متعلّقة بذات المعلومات لا يوصف كونها معلومة لم يوجد مورد يكون العلم فيه جزء موضوع للحكم ليكون الوسط هو الموضوع المعلوم الّذي تضمّنه الخطاب المأخوذ منه الكبرى الكليّة حتّى يطلق عليه اسم الحجّة وإن وجد نفي غاية النّدرة ولعلّه الوجه في توهّم عدم إطلاقهم الحجّة على ما ذكر فتدبر وكيف كان فالوسط الّذي يحتج به لثبوت الأكبر للأصغر هو الّذي يستحق إطلاق اسم الحجّة والدّليل عليه لأنّه الواسطة في الإثبات أو الثّبوت وإن سلم عدم استقرار الاصطلاح على ذلك ولعلّ هذا هو الوجه في إطلاق الحجّة في باب الأدلّة على الأدلّة الشّرعيّة وكذا الأمارات الشّرعيّة ولعلّ عدم تعرّض المصنف لعدم إطلاق الحجّة على القطع على اصطلاح علماء الميزان لوضوحه بعد الإحاطة بما ذكره وإذا تمهد هذا فتقول إمّا عدم إطلاق اسم الحجّة على القطع فيما تعلّق بنفس الحكم فلمّا صرّح به المصنف رحمه‌الله من أنّ الحجة في باب الأدلّة هي الّتي تكون وسطا يحتجّ به لثبوت الأكبر للأصغر ويكون واسطة للقطع بثبوته له فالحجّة حينئذ هو سبب القطع فكيف يكون نفسه وتوضيح ذلك أنّ الشّارع إذا قال الخمر حرام أو الصّلاة واجبة فالحكم بالحرمة أو الوجوب ثابت قبل علم المكلّف والعلم طار عليه وحينئذ إن وقع العلم وسطا لإثبات متعلّقه فإمّا أن يلتزم بوجوبين أحدهما ما تعلق به العلم والآخر ما تفرّع على العلم كما لو ظنّ الوجوب بأمارة معتبرة فإنّه حينئذ يتحقق وجوبان أحدهما متعلّق الظنّ وهو الوجوب الواقعي والآخر ما تفرّع على الظنّ وهو الوجوب الظاهري الثّابت بضميمة دليل اعتبار الظّنّ وهذا وإن كان صحيحا لصحّة وقوع الوجوب الواقعي المعلوم واسطة في إثبات الوجوب المرتّب على هذا العلم إلاّ أنّه خلاف الإجماع إذ مقتضاه التزام ثوابين على موافقتهما وعقابين على مخالفتهما لتنجّز الوجوب الواقعي حينئذ إذ الكلام هنا بعد الفراغ من اعتبار القطع بالمعنى المتقدم في الحاشية السّابقة ولا يرد النقض بصورة الظّنّ بتقريب ما عرفت من أنّه مع الظّن بالوجوب الواقعي يتحقق هنا وجوبان واقعي وظاهري فيلزم فيه ما ذكرت من المحذور فإنّ الوجوب الواقعي المظنون لا ينتجز بالظّنّ حتّى يكون هو أيضا مخلاّ للثّواب والعقاب بل هو باق على شأنيّته والمتنجز هو الوجوب الظّاهري المتفرّع على الظن بضميمة دليل اعتباره بخلاف صورة العلم كما لا يخفى وما ورد من أن للمصيب أجرين أنّما هو من باب التّفضّل دون الاستحقاق وإمّا أن يلتزم بوجوب واحد فنقول بناء عليه إنّ هذا الوجوب إمّا أن يكون منوطا بنفس الواقع وثابتا مع العلم والجهل به وإمّا أن يكون منوطا بالعلم ومتفرعا عليه فعلى الأوّل لا يصحّ جعله وسطا حتّى يصح إطلاق اسم الحجّة عليه إذ الوسط كما عرفت هي الواسطة للقطع بثبوت الأكبر للأصغر كما عرفت فكيف يكون نفسه وعلى الثّاني يلزم تقدّم الشّيء على نفسه لأن العلم لا بدّ له من معلوم سابق عليه وهو الوجوب هنا بالفرض فلو كان الوجوب متفرّعا عليه ولاحقا له يلزم ما ذكر وإن شئت قلت إنّه مستلزم للتّصويب الّذي لا يقول به المصوّبة أيضا لاستلزامه دوران الأحكام الواقعيّة مداد العلم مع أنّ أهل التّصويب لا يقولون به في المعلومات بل في موارد الكتاب والسنة أيضا فإنّهم إنّما يقولون بذلك في الموارد الّتي يجوز فيها الاجتهاد بالقياس والمصالح المرسلة ثمّ إنّ هذا كلّه فيما تعلّق القطع بالحكم وكان المقصود من جعله وسطا إثبات هذا الحكم المقطوع به وإن أريد به إثبات حكم آخر مرتب على هذا الحكم المقطوع به كما إذا حصل القطع بوجوب فعل وأريد إثبات حرمة ضده أو وجوب مقدّمته فعدم صحّة جعله وسطا حينئذ أنّما هو لاستلزامه تقدم الشّيء على نفسه كما يظهر وجهه من التدبّر فيما يأتي من وجه عدم صحّة إطلاق اسم الحجّة عليه فيما تعلّق بالموضوع وما ذكره المصنف من الأمثلة للقطع بالحكم أنّما هو من هذا القبيل بل مطمح نظره في المقام أنما هو هذا القسم مع القسم الآتي دون القسم الأوّل وأمّا عدم إطلاق اسم الحجّة على القطع فيما كان متعلّقا بالموضوع مع ترتب الحكم الواقعي

٥

على نفس الموضوع الواقعي كما هو الفرض فلاستلزامه ما تقدم من تقدم الشيء على نفسه فإن تعلّق القطع بالخمر مثلا يستلزم تقدّم حكمه الواقعي المرتّب عليه عليه فلو ترتب ثبوت الحكم الواقعي على القطع كما هو مقتضى وقوعه وسطا يلزم تأخّر الحكم عنه فيلزم تقدم الحكم على نفسه وهو باطل وإن شئت توضيحا للعبارة فلك أن تقول إنّ الصّغرى في مثل المقام وإن كانت وجدانية وهي أنّ هذا معلوم الخمرية إلا أنّ الكبرى لا بدّ أن تؤخذ من الأدلّة الشّرعيّة والفرض أنّ الحكم في الأدلّة مترتب على نفس الموضوع الواقعي مثل أنّ الخمر حرام لا إن علمتم أنّه خمر فهو حرام ومع ذلك كيف يعقل أخذ العلم في موضع الكبرى حتّى يقال كلّ معلوم الخمرية حرام وبعد الإحاطة بجميع ما قدّمناه يصحّ لك دعوى عدم معقولية جعل القطع وسطا مطلقا سواء أريد بذلك إثبات نفس الحكم المقطوع به أو ما ترتب عليه أو على الموضوع المقطوع به إذا أخذ القطع من باب الكشف دون الموضوعيّة على ما هو الفرض كما تقدم في عنوان المسألة إلاّ في القسم الأوّل إذا التزم فيه بتعدد الحكم كما تقدّم ووجه عدم المعقوليّة ما تقدم عند بيان كلّ قسم منها وأمّا ما علّل به المصنف عدم المعقوليّة من أنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب فلا تطلق على نفس القطع فهو بإطلاقه غير تامّ فإن مرجعه إلى اتحاد السّبب والمسبّب وهو أنّما يتجه في القسم الأوّل خاصّة إذا التزم فيه باتّحاد الحكم وإلا ففيما تعلّق القطع بالحكم وأريد إثبات ما يترتب على نفس هذا الحكم من الآثار أو تعلق بالموضوع وأريد إثبات الأحكام المرتبة على هذا الموضوع من حيث هو فما أطلق عليه اسم الحجّة هو القطع بالحكم أو الموضوع الّذي أخذ جزءا من القضايا المؤلفة وما يترتّب على هذا القطع هو القطع بثبوت الأكبر للأصغر وهو القطع بالنّتيجة وهما متغايران جدّا ولا محذور فيه سوى ما قدّمناه من تقدّم الشّيء على نفسه وقد تقدّم خروج القسم الأوّل من محطّ نظر المصنف في المقام كما لا يخفى (قوله) وأمّا بالنّسبة إلى حكم آخر إلخ المراد بالحكم الآخر ما يترتّب على الموضوع المعلوم يوصف كونه معلوما وحيث كان الكلام فيما سبق في جعل القطع وسطا لإثبات الأحكام المرتبة على نفس المقطوع مع قطع النّظر عن صفة القطع أشار هنا إلى صحّة جعله وسطا لإثبات الأحكام المرتّبة على المقطوع باعتبار كونه مقطوعا ولا يلزم عليه شيء ممّا تقدّم في الحاشية السّابقة(قوله) ثمّ ما كان منه طريقا لا يفرق فيه إلخ اعلم أنّه رحمه‌الله بعد أن أشار إلى قسمي القطع الطّريقي والموضوعي نبّه هنا على خاصّتين من لوازمهما وآثارهما إحداهما ما أشار إليه هنا من أنّ القطع على تقدير اعتباره من باب الطّريقيّة لا يفرق فيه بين خصوصيّاته أصلا فلا يختصّ اعتباره بجهة دون أخرى من جهة القاطع والمقطوع به وأسبابه وأزمانه فلا يفرّق فيه بين المجتهد والمقلّد ولا بين الفروع والأصول عمليّة كانت أو اعتقاديّة ولا بين الأدلّة الأربعة والرّمل والجفر والنّوم ونحوها من الأسباب الغير المتعارفة ولا بين الأزمان كما إذا قلنا بعدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص وبالأصول قبل الفحص عن الأدلّة فإذا فرض حصول القطع بعدم ورود مخصّص ودليل من الشّرع يجوز العمل بالعام والأصل قبل الفحص عنهما والوجه فيه أنّ الدّليل الّذي دلّ على عدم جواز إلغاء القطع وألجأنا إلى العمل به وهو لزوم التّناقض لولاه كما أشار إليه المصنف هو الّذي دلّ على اعتباره مطلقا ففي جميع المراتب المذكورة لا بدّ من ترتيب آثار المقطوع به عليه فرارا من لزوم التّناقض هذا بخلاف ما لو كان القطع جزءا من موضوع الحكم الواقعي فإنّ الحكم بالعموم أو الخصوص حينئذ تابع لدليل هذا الحكم فإن دلّ الدّليل على ترتب الحكم على الموضوع المعلوم مطلقا لأيّ شخص حصل ومن أيّ سبب حصل وفي أيّ زمان حصل يحكم بثبوت الحكم حينئذ مطلقا وإن دلّ على ترتبه على الموضوع المعلوم إذا حصل العلم لبعض الأشخاص أو من بعض الأسباب أو في بعض الأزمان يتبع حينئذ ما دلّ عليه من الخصوصيّة والوجه فيه واضح إذ اعتبار القطع حينئذ من حيث ترتب الحكم عليه تابع لجعل الجاعل فيتبع جعله وليس هو كالقطع الطّريقي على ما عرفت والمثال لاعتبار القطع عموما بهذا المعنى في الأحكام العقلية موجود كحكمه بوجوب الإتيان بما علم أنّه محبوب للمولى والانتهاء عما علم أنّه مبغوض له فهنا دعويان إحداهما أنّ القطع هنا معتبر من باب الموضوعيّة والأخرى أنّه لا فرق بين خصوصيّاته أمّا الأولى فواضحة بل العلم في جميع الأحكام العقليّة معتبر من باب الموضوعيّة لها والوجه فيه أنّ العقل لا يحسّن شيئا ولا يقبّحه إلاّ بعد العلم بموضوع حكمه مع قيوده نفيا وإثباتا إذ لا مسرح لحكمه في الموضوعات المجهولة العناوين ولذا لا يقبح إهانة المؤمن عند اعتقاد كونه كافرا وبالعكس فالحكم العقلي إنّما يعرض للموضوعات المعلومة فيكون العلم جزءا من موضوع حكمه لا محالة وممّا ذكرنا تظهر النكتة في عدم تمثيل القائلين بكون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبارات إلاّ بما هو من قبيل الحسن والقبح الذّاتيّين لأنّ العقل لمّا لم يكن محيطا بجميع الوجوه المحسنة والاعتبارات المقبحة والفرض عدم إجداء إدراكه لبعضها ولم يجدوا مثالا لما يكون حسنه أو قبحه بالوجوه والاعتبار فمثلوا بما حسنه أو قبحه ذاتي إذ لا يعتبر في حكم العقل في مثله أزيد من معرفة عنوانه كما لا يخفى وأمّا الثّانية فإنّ العلم وإن كان جزاء من موضوع الحكم العقلي إلاّ أن اعتبار العقل له في موضوع حكمه ليس من باب الصّفة الخاصّة بل لأجل كشفه عن متعلّقه فلا يختصّ بجهة دون أخرى هذا ولكن للتّأمل في المقام بعد مجال وأمّا المثال لما كان القطع فيه جزءا من الموضوع على وجه العموم من الشّرعيّات فلم تظفر به بعد إلاّ ما يحكى عن صاحب الحدائق من ذهابه إلى كون النّجاسة الواقعية من أحكام ما علم نجاسته استنادا إلى ظاهر قوله عليه‌السلام كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر وهو كما ترى صريح في خلافه نعم يمكن أن يمثل له بحفظ ركعات الثّنائية والثّلاثية والأوليين من الرّباعيّة ولا ينافيه تمثيل المصنف رحمه‌الله به لذلك

٦

بالفرض والتقدير فيما يأتي من كلامه لأنّ ذلك منه على تقدير كون العلم جزء موضوع من باب الصّفة الخاصّة لا مطلقا وأمّا المثال لما كان القطع فيه جزءا من الموضوع على وجه الخصوص في الأحكام الكليّة والموضوعات الخارجة الّتي تترتب عليها فأشار المصنف رحمه‌الله إلى جملة منها ولا حاجة إلى تفصيل الكلام فيها إلاّ بما تمسّ إليه الحاجة وسنشير إليه في الحواشي الآتية نعم هنا شيء وهو أنّك كما عرفت عدم وجود مثال من الشّرعيّات لما كان القطع فيه جزء موضوع للحكم الكلّي على وجه العموم كذلك لم أجد مثالا لذلك في الموضوعات أيضا إلاّ ما يتخيّل من كون الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر كذلك حيث إنّ وجوب الأمر والنّهي مرتّب على القطع بترك المعروف مطلقا وفعل المنكر كذلك من أيّ سبب حصل ولأيّ مكلف حصل وفي أيّ زمان حصل ولكنّه أيضا لا يخلق عن نظر بل منع لاشتراط وجوبهما بشرائط مثل احتمال ارتداع الفاعل بالأمر والنّهي وعدم خوف الضّرر ونحوهما(قوله) كما في حكم العقل إلخ الدّليل هنا هو حكم العقل والحكم هو حسن الإتيان والانتهاء(قوله) من سبب خاصّ أو شخص خاصّ إلخ كتب في الحاشية مثل ما ذهب إليه بعض الأخباريّين من عدم جواز العمل في الشّرعيّات بالعلم الغير الحاصل من الكتاب والسّنة كما سيجيء وما ذهب إليه بعض من منع عمل القاضي بعلمه في حقوق الله تعالى وأمثلة ذلك بالنّسبة إلى حكم غير القاطع كثيرة انتهى والخصوصيّة في المثال الأوّل بحسب الأسباب وفي الثّاني بحسب أفراد المقطوع به والأوّل من قبيل الأحكام والثّاني من قبيل الموضوعات (قوله) كحكم الشّارع على المقلّد إلخ هذا من قبيل الأحكام والخصوصيّة فيه بحسب الأسباب والمثال الثّاني أيضا من قبيل الأحكام إلاّ أن الخصوصيّة فيه بحسب الأشخاص والثّالث من قبيل الموضوعات والخصوصيّة فيه بحسب الأسباب والقطع في هذه الأمثلة مأخوذ جزءا من الموضوع بالنّسبة إلى حكم غير القاطع ومن باب الطّريقية بالنّسبة إلى القاطع والأولى في مقام التّمثيل بما قدمناه من مسألة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر إذ الكلام من أوّل المقصد إلى هنا في حكم القاطع دون غيره وأمّا ما ذكره من المثالين الّذين نقلناهما عن حاشية المصنف في الحاشية السّابقة فمبنيّ على مذهب البعض لا على التّحقيق (قوله) ثمّ من خواص القطع الّذي هو طريق إلى الواقع إلخ هذه هي الخاصّة الثّانية الّتي أشرنا إليها سابقا وتوضيح الكلام في المقام يحتاج إلى بسط الكلام في كيفية جعل الأحكام من حيث كونها محمولة على الموضوعات الواقعيّة من حيث هي أو من حيث كونها معلومة ومنكشفة للمكلّف فنقول إنّ الشّارع تارة يجعل الحكم في الواقع ويرتبه على الموضوع الواقعي من حيث هو من دون مدخلية للعلم والجهل في تحقّقه وثبوته أصلا فيكون الحكم الواقعي حينئذ محمولا على ذات الموضوع من دون اعتبار صفة انكشاف للمكلّف وعدمه فالعلم المتعلّق بمثل هذا الحكم وموضوعه لا يعتبر إلاّ من باب الطّريقيّة المحضة فلا يكون قابلا لجعل جاعل ولا يفرق بين خصوصيّاته وليس له حينئذ إلا حيثية الكشف عن الواقع الذي هو معنى الطريقيّة وفي معناه الظنّ المطلق إذا قلنا باعتباره بدليل الانسداد من باب الحكومة دون الكشف كما سيأتي وأخرى يجعل الحكم مرتّبا على الموضوع الواقعي ولكن بوصف كونه منكشفا للمكلّف كما إذا جعل الحرمة والنّجاسة محمولتين في الواقع للخمر الواقعي بوصف انكشافه فيكون موضوع الحكم هو المقيّد بوصف الانكشاف فيكون أخذ العلم في موضوع الحكم حينئذ من حيث كشفه عن متعلّقه فحينئذ إن لم يجعل الشّارع طريقا آخر إلى الواقع ينحصر ثبوت الحكم في الواقع في حصول العلم للمكلّف بوجود الخمر بحيث لولاه لا يتّصف الخمر الواقعي بالحرمة والنّجاسة في الواقع لفرض انتفاء موضوعهما بانتفاء قيده وإن جعل إليه طريقا كالبيّنة ونحوها ممّا ليس بكاشف حقيقي عن الواقع بأن جعل قيام البيّنة على شيء بمنزلة انكشاف الواقع حقيقة وما قامت عليه البيّنة بمنزلة الواقع المنكشف على ما هو معنى جعل الطّريق إلى الواقع فهو حينئذ يقوم مقام العلم بنفس الأدلّة العامّة الدّالّة على اعتباره من دون حاجة إلى دليل خاصّ في ذلك لمّا عرفت من دلالة عموم الأدلّة الدّالة على اعتبار البيّنة مثلا على تنزيل ما قامت عليه بمنزلة الواقع المنكشف بإلغاء احتمال الخلاف وجعله كالعدم فإذا فرض كون ذلك نفس الواقع المنكشف بحكم الشّارع فكلّ حكم كان مرتّبا على الواقع من حيث هو كما في القسم الأوّل أو من حيث انكشافه للمكلّف كما في هذا القسم يترتب عليه لا محالة لفرض كون ما قامت البيّنة عليه نفس الواقع المنكشف بحكم الشّارع فيكون لما قامت عليه البيّنة اندراج موضوعي في موضوع الحكم الواقعي الّذي هو الخمر الواقعي من حيث هو أو من حيث انكشافه غاية الأمر أن يكون ما قامت عليه البيّنة بدلا عن الموضوع الواقعي ويظهر أثر الفرق بين هذا القسم والقسم الأوّل في مسألة الإجزاء بالنّسبة إلى الشّرائط والموانع فإنّ المانع من صحّة الصّلاة على هذا القسم هي النّجاسة المعلومة وعلى الأوّل هي النّجاسة الواقعيّة فإذا صلّى معتقدا طهارة بدنه أو ثوبه أو بانيا على أصالة الطّهارة فيهما ثمّ ظهر بعد الفراغ من الصّلاة نجاستهما فعلى القسم الأوّل يحكم ببطلانها لوجود المانع الواقعي وهي النجاسة الواقعيّة بخلافه على هذا القسم فإنّ المانع حينئذ علمي وهو العلم بالنّجاسة وهو هنا مفقود فيحكم بصحّة صلاته ومن هنا يحكم بصحّتها أيضا لو صلّى في مكان مغصوب معتقدا إباحته ثم علم بغصبيته فإنّ المانع هو العلم بالغصبيّة لا الغصبيّة الواقعيّة نعم تنتفي هذه الثّمرة فيما لو كان الحكم مرتّبا على الواقع المنكشف بحيث يكون لكل من واقعيّة الواقع وصفة الانكشاف مدخل في ثبوت الحكم بحيث لو انتفي أحد القيدين لانتفي الحكم الواقعي وبعبارة أخرى أن يكون الموضوع هو الواقع وانكشافه للمكلّف لا مطلق الانكشاف سواء طابق الواقع أم لا حتّى يشمل الجهل المركّب أيضا فمقتضى القاعدة حينئذ هو الحكم ببطلان الصّلاة في الشّرائط العلميّة الّتي يكون كذلك مع انكشاف خلافها ولعلّ اعتبار صفة القطع في حفظ عدد ركعات الثّنائيّة

٧

والثّلاثيّة والأوليين من الرّباعيّة من هذا القبيل فإنّ صحّة الصّلاة وإن كانت مرتبة على الحفظ إلاّ أنّ الظّاهر إن اعتباره ليس من حيث كونه صفة خاصّة على ما يأتي ولذا تقوم البيّنة مقامه بل من حيث كشفه عن متعلّقه مع اعتبار مطابقته للواقع فالموضوع هو الواقع المنكشف لا مطلق الانكشاف فبانتفاء أحد القيدين ينتفي الحكم ولذا جعله المصنف رحمه‌الله مثالا لما كان القطع فيه معتبرا من باب الصّفة الخاصّة على الفرض والتّقدير لا على وجه الجزم وكيف كان فلو صلّى معتقدا بعدد الرّكعات ثمّ ظهر الخلاف يحكم ببطلانها وبالجملة أنّ الثّمرة المذكورة أنّما تتمّ مع فرض العلم جزءا من الموضوع على وجه مطلق الانكشاف لا الانكشاف على الوجه المذكور هكذا ذكره سيّدنا الأستاذ دام علاه في مجلس الدّرس أقول ما ذكره متجه بالنّسبة إلى الشّرائط دون الموانع إذ الشّرط لو كان واقعيّا فصلّى معتقدا لتحقّقه ثمّ ظهر الخلاف يحكم ببطلانها وكذلك لو كان شرطا علميّا على الوجه المذكور كما عرفت من مثال حفظ الرّكعات ونحوه شرطيّة العلم بكون اللّباس من المذكّى بخلاف الموانع فإنّه لو صلى معتقدا بطهارة بدنه ثمّ ظهرت نجاسته فإنّه إن قلنا بكون العلم بها طريقا محضا وأنّ النّجاسة مانعة دافعيّة يحكم ببطلانها لوجود المانع الواقعي بخلاف ما لو قلنا بكون العلم بها جزء موضوع من باب الكشف على الوجه المتقدّم فإنّه حينئذ يحكم بصحّتها لفقد المانع حينئذ حقيقة وهو العلم بالنّجاسة الواقعيّة ومن هذا التّفصيل تظهر الثّمرة بين شقي هذا القسم وكذا بينهما وبين القسم الأوّل لمّا عرفت أن مقتضى الأوّل هو بطلان الصّلاة مع ظهور الخلاف مطلقا ومقتضى الشّق الأوّل من هذا القسم هو صحّتها مطلقا ومقتضى الشّق الثّاني منه بطلانها في الشّرائط دون الموانع وكيف كان فقد تلخص ممّا ذكرنا أنّ القطع الّذي يؤخذ جزء موضوع من الحكم من حيث الكشف على قسمين أيضا أحدهما ما كان الموضوع فيه مطلق الانكشاف فيشمل الجهل المركّب أيضا والآخر ما كان الموضوع فيه نفس الواقع مع صفة الانكشاف فيختصّ بالقطع المطابق للواقع وحينئذ تظهر الثّمرة بين هذا القسم وبين القسم الأوّل الّذي أخذ العلم فيه من باب الطّريقية المحضة مضافا إلى ما عرفت في قيام الأصول التعبّدية مقام العلم لصحّة قيامها مقامه على الأوّل بخلافه على هذا القسم في وجه كما سنشير إليه وثالثة يجعل الشّارع الحكم الواقعي محمولا على الموضوع المعلوم ولكن لا من حيث كشفه عن متعلّقه بل من حيث كونه صفة خاصّة للموضوع كسائر أوصافه مثل السّواد والبياض المأخوذين في استحباب الصّلاة في الثّوب الأبيض وكراهتها في الأسود ومثل السّفر والحضر في القصر والإتمام ونحوها من القيود المأخوذة في موضوعات الأحكام فيكون العلم حينئذ جزءا من الموضوع الصّرف وينتفي الحكم في الواقع بانتفائه ولا تقوم الأمارات الشّرعيّة مقامه نظرا إلى عموم أدلّتها لما عرفت من أن مقتضى عموم تلك الأدلّة هو تنزيل ما قامت عليه الأمارة منزلة نفس الواقع المنكشف حقيقة والفرض هنا ترتب الحكم في الواقع على الموضوع الواقعي المعلوم من حيث كون العلم صفة خاصّة له لا من حيث كونه كاشفا فتعدية حكم مثل هذا الموضوع إلى الموضوع المأخوذ من حيث انكشافه للمكلّف يشبه القياس لتغاير الموضوعين نعم لا يمتنع أن يقوم دليل خاصّ على تنزيل مؤدّى أمارة بمنزلة الموضوع المعلوم من حيث كون العلم فيه صفة خاصّة فيعطى حكمه إيّاه ولكن هذا من قبيل إعطاء حكم موضوع آخر مباين له تنزيلا له منزلته بحكم الشّارع مثل إعطاء حكم الماء للتّراب ولكن هذا لا يكون من الاندراج الموضوعي في شيء ولا يكفي فيه عموم الدّليل الدّال على اعتبار الأمارة على ما هو كذلك في القسمين الأولين بل يتّبع فيه خصوص الدّليل الدّالّ على ذلك وممّا ذكرنا تظهر صحّة قيام جميع الأمارات المعتبرة من باب الكشف والحكاية عن الواقع مثل خبر الواحد والبيّنة ونحوهما بعموم أدلتها مقام العلم على القسمين الأولين ولا إشكال في ذلك وكذلك لا إشكال في قيام بعض الأصول مثل أصالة البراءة والاستصحاب مقامه على القسمين إذا قلنا باعتبارهما من باب الظّنّ لكونهما حينئذ من جملة الأمارات وأمّا إذا قلنا باعتبارهما من باب التعبّد الشّرعي نظرا إلى إثبات اعتبارهما بالأخبار فلا إشكال أيضا في عدم قيام البراءة مقام العلم على القسمين الأولين فضلا عن الثّالث إذ مقتضاها بناء على اعتبارها من باب العقل وكذا الأخبار أيضا على ما هو التحقيق من كون مؤدّاها مؤدّى حكم العقل هو مجرّد عدم ترتب العقاب على الفعل المشتبه الحكم فهي لا تدلّ على إباحة هذا الفعل بمعناها الأخصّ فضلا عن دلالتها على ثبوت الحكم المجعول للفعل في الواقع من حيث هو أو من حيث الانكشاف في مقام الشّكّ فهي لا تصلح للقيام مقام العلم بعموم أدلّتها على القسمين الأوّلين وأمّا قيام الاستصحاب مقام العلم على القسم الأوّل فلا إشكال فيه كما ستعرفه وأمّا قيامه مقامه على وجهي القسم الثّاني ففيه إشكال فإن الأصول العمليّة أنّما اعتبرت من باب التعبّد في مقام الشّكّ لا من باب الكشف والحكاية عن الواقع فليست مدلولاتها منزلة منزلة الواقع المنكشف حقيقة حتّى يترتّب عليها الأحكام المرتّبة على الموضوع الواقعي من حيث انكشافه للمكلّف فعموم أدلّتها غير ناهض لإثبات ذلك وتوضيح ذلك أنّ الشّارع إذا جعل أمارة بأن يقول جعلت البيّنة حجّة فذلك بتصوّر على وجهين أحدهما أن يرجع جعله إلى جعل مؤدّى الأمارة بأن يجعل ما قامت عليه البيّنة بمنزلة نفس الواقع بإلغاء احتمال مخالفة مؤدّى الأمارة للواقع وثانيهما أن يرجع إلى جعل الطّريق بأن تنزل البيّنة منزلة العلم في كشفه عن الواقع بإلغاء احتمال الخلاف فيكون ما قامت عليه البيّنة نفس الواقع بجعل الشّارع فإذا قامت البيّنة على كون مائع خمرا وفرضنا أنّ الحرمة والنّجاسة رتبتا على الخمر المنكشف من حيث انكشافه لا من حيث هو فإن قلنا باعتبار البيّنة على الوجه الأوّل فلا يحكم حينئذ بحرمة المائع الخارجي ولا بنجاسته إذ الفرض أنّهما مترتّبان في الواقع على الخمر المنكشف لا عليه

٨

من حيث هو ومقتضى البيّنة على هذا الوجه كون المائع الخارجي هو الخمر الواقعي لا الخمر المنكشف فلا يتسرى حكم موضوع إلى موضوع آخر إلاّ بدليل خاصّ نعم يترتب عليه ما يترتب على الخمر من حيث هو بخلافه على الوجه الثّاني فعليه يترتّب عليه جميع ما يترتّب على الخمر الواقعي من حيث هو ومن حيث انكشافه للمكلّف ولا ريب أن اعتبار الأمارات من قبيل الثّاني واعتبار الأصول من قبيل الأوّل فالاستصحاب مثلا إذا قلنا باعتباره من باب التعبّد الشّرعي دون الظّن النّوعي إذا دلّ على بقاء الخمر المتيقّن الوجود سابقا فمعناه فرض وجوده في زمان الشّكّ بحكم الشّارع وحيث لا معنى لحكم الشّارع بالتزام المكلّف ببقاء الخمر في زمان الشّكّ لعدم ارتفاع شكّه بحكم الشّارع بالوجدان والعيان فمرجع حكمه بذلك إلى الحكم بالتزامه بترتيب الأحكام المرتّبة على الخمر من حيث هو في زمان القطع بوجوده في زمان الشّكّ تنزيلا للمشكوك منزلة الواقع فيترتب عليه جميع آثار الواقع دون الآثار المرتبة على الواقع من حيث كونه منكشفا للمكلّف لما عرفت من كون مقتضى الاستصحاب تنزيل المشكوك فيه منزلة الواقع لا الواقع المنكشف حتّى تترتّب عليه آثار الواقع المقيّد بذلك أيضا فمن هنا يظهر وجه ما أسلفناه من قيام الاستصحاب مقام العلم على القسم الأوّل دون الثّاني ويمكن دفع الإشكال بأن مقتضى قولهم عليهم‌السلام لا تنقض اليقين بالشّكّ أو اليقين لا يدخله الشّكّ أو نحو ذلك ممّا تضمّنته الأخبار هو عدم الاعتداد بالشّكّ بعد اليقين بمعنى ترتيب جميع الآثار المرتّبة في زمان اليقين في زمان الشّكّ فإذا شكّ في صيرورة الخمر خلا بعد العلم بخمريّته أو شكّ في بقائه بعد العلم بوجوده فمقتضى الاستصحاب هو ترتيب جميع الآثار المترتّبة في زمان اليقين في زمان الشّكّ سواء كان تلك الآثار من آثار ذات الخمر أو الخمر المعلوم لعدم الدّليل على التّخصيص بالأوّل فيصحّ قيام الاستصحاب مقام العلم على وجهي القسم الثّاني أيضا فتأمّل فإن قلت على هذا المعنى لا وجه لتخصيص قيام الاستصحاب مقام العلم على القسمين الأوّلين دون الثّالث لإطلاق اليقين في تلك الأخبار بل عمومها على ما تقر وفي محلّه فيشمل كلاّ من الأقسام فيجب ترتيب الآثار المرتّبة على ذات الخمر أو الخمر المعلوم من حيث انكشافه أو من حيث كونه صفة خاصّة قلت ظاهر اليقين حيث يطلق هو اليقين المأخوذ على وجه الطّريقية ودعوى ظهوره في الطريقية المحضة خاصّة ممنوعة ولكن الإنصاف أن استفادة المعنى المذكور من الأخبار المذكورة لا يخلو من شوب إشكال بل منع كما سنشير إليه في تنبيهات المسألة بل التّحقيق أنا وإن قلنا باعتبار الاستصحاب من باب التّعبد إلاّ أنّ له جهة نظر إلى الواقع أيضا كما سنشير إليه عند بيان أقسام الشّكّ فاعتباره أيضا يرجع إلى القسم الثّاني من جعل الأمارة دون الأوّل فتدبر وأمّا أصالة الاحتياط والتّخيير فلا وجه لقيام الأولى منهما مقام العلم لكونها محصّلة للعلم بالواقع لا قائمة مقامه وأمّا الثّانية فهي في معنى أصالة البراءة بل هي قسم منها فيجري فيها ما ذكرناه فيها وفذلكة المقام أنّ العلم إمّا أن يؤخذ من باب الطّريقية المحضة أو جزءا من الموضوع وعلى الثّاني إمّا أن يؤخذ العلم من باب الصّفة الخاصّة أو من باب الكشف وعلى الثّاني إمّا أن يكون المعتبر هو الكشف المطلق طابق الواقع أم لا أو الكشف الخاص وهو المطابق له والمثال للأوّل جميع الأحكام الواقعيّة المرتّبة على الموضوعات الواقعيّة وللثّاني وجوب الاعتقاد في أصول الدّين فإن نفس الاعتقاد المطابق فيها بنفسه حسنة وكذا حفظ ركعات الثّنائيّة والثّلاثيّة والأوليين من الرّباعيّة على احتمال تقدّمت إليه الإشارة وهذا القسم في الشّرعيّات قليل جدّا لم أظفر بغير ما ذكرناه وللثّالث مانعيّة العلم بالغصبيّة عن صحّة الصّلاة كما تقدّم وللرّابع حفظ الرّكعات في وجه قويّ كما تقدّم وتظهر الثمرة بين الأوّل والثّاني في وجوه أحدها عدم معقولية اختصاص العلم بجهة دون أخرى على الأوّل دون الثّاني وثانيها قيام الأمارات وبعض الأصول مقام العلم على الأوّل دون الثّاني وثالثها عدم حصول الإجزاء مع ظهور الخلاف على الأوّل بخلاف الثّاني وبين الأوّل والثّالث في الوجه الأوّل والثالث بل وكذلك الثّاني في الجملة فإنّ الأمارات وإن صحّ قيامها مقام العلم على القسمين إلاّ أنّ بعض الأصول لا يصحّ قيامه مقامه على القسم الثّالث في وجه وبين الأوّل والرابع في الوجه الأول وكذا الثّاني والثّالث في الجملة وبين الثّاني والثّالث في قيام الأمارات وكذا بعض الأصول في وجه على القسم الثّالث دون الثّاني وبين الثّاني والرّابع فيما ذكر وبين الثّالث والرّابع في حصول الإجزاء مع ظهور الخلاف على الثّالث دون الرّابع في الجملة وتفصيل الكلام في جميع ذلك يظهر بالتّأمّل فيما أسلفناه فعليك بالمراجعة والتأمّل وينبغي التّنبيه على أمور (الأوّل) أن حكمنا بقيام الاستصحاب مقام العلم على القسم الأوّل والثّالث والرّابع مع قطع النّظر عن الإشكال المتقدم أنما هو تبعا للمصنف هنا وإلاّ فهو لا يخلو من إشكال ما على القسم الأوّل فلأنّه إذا قطع بحرمة فعل مثلا والفرض أن وجوب متابعة هذا القطع المعتبر من باب الطّريقيّة المحضة عقليّ وليس بشرعي فإذا أريد إثبات وجود ترك هذا الفعل باستصحاب الحرمة عند الشّكّ في بقائها فهو لا يتمّ إلا على القول بالأصول المثبتة لأنّ استصحاب موضوع الحكم العقلي ليترتب عليه حكم العقل مثبت ويمكن دفعه بأنّ الثّابت بالاستصحاب هو نفس الوجوب الظّاهري وبعد إثباته شرعا يستقلّ العقل بوجوب إطاعته وبعبارة أخرى أن وجوب إطاعة الحكم الظّاهري الثّابت بالأصل ثابت بالعقل دون الأصل حتّى يكون مثبتا وقد يجاب أيضا بأنّ وجوب الإطاعة أيضا للملازمة بين العقل والشّرع وفيه منع الملازمة هنا لعدم معقوليّة كون وجوب الإطاعة شرعيّا وإلاّ لتسلسل ولذا حمل الأمر بها في الآية على الإرشاد دون الإلزام والملازمة أنّما هي فيما كان الحكم العقلي قابلا للجعل لا مطلقا والأولى في الجواب ما عرفت وتحقيقه أنّ المراد من استصحاب الأمر ليس إثبات بقاء صيغة افعل فإنّها لزمانيتها لا استقرار لوجودها حتّى تستصحب ولا إثبات بقاء إنشاء الشّارع وإرادته الآنيّة لعدم استقراره أيضا بل المقصود إثبات بقاء

٩

الحالة الحاصلة للأمر والمأمور بهذا الإنشاء الّتي باعتبارها يسمّى المولى أمرا والعبد مأمورا والفعل مأمورا به بعد انقضاء زمان صدور الصّيغة والإنشاء الفعلي القائم بها ولا ريب أنّ هذه الحالة قابلة للبقاء والاستمرار في نظر العقلاء ويترتّب على بقائها الوجوب الشّرعي للفعل المأمور به والمقصود من استصحاب الأمر إثبات هذا الوجوب وبعد إثباته ظاهرا يحكم العقل بوجوب إطاعته لا محالة وهذا هو الوجه في إجماعهم على استصحاب عدم النّسخ بل ادعى عليه بعضهم الضّرورة كما لا يخفى وأما على الثّالث والرّابع فلأن الحكم الشّرعي الواقعي إذا فرض ترتبه على الموضوع المعلوم ككون الحرمة والنّجاسة محمولتين على الخمر المعلوم مثلا من حيث كونه معلوما فاستصحاب بقاء المائع الخارجي على الخمريّة فيما إذا شكّ في انقلاب الخمر خلاّ لا يثبت الحرمة والنّجاسة الظاهريتين بل لا مجرى للاستصحاب حينئذ فإنّه كما صرّح به المصنف رحمه‌الله في غير موضع من الكتاب أنّما يجري فيما كانت نفس المستصحب من الأحكام الشّرعيّة أو كانت من الموضوعات الّتي يترتب عليها حكم شرعيّ بلا واسطة أمر عقلي أو عاديّ والفرض هنا عدم ترتّب الحكم الشّرعي على ذات الخمر بل على الخمر المعلوم والحاصل أنّ موضوع الحكم في السّابق هو الخمر المعلوم وهذا الموضوع مرتفع يقينا والخمر الواقعي المشكوك البقاء لم يكن موضوعا للحكم في الزّمان الأوّل ومن هنا يتّضح عدم جريان الاستصحاب في شيء من الأحكام الّتي أخذ أحد الإدراكات في موضوعها إذا تبدل هذا الإدراك المأخوذ في موضوع الحكم إلى غيره وقد صرّح المصنف رحمه‌الله بما ذكرناه في أوّل الأمر التّاسع من تنبيهات مبحث الاستصحاب بناء على اعتباره من باب التعبّد دون الظّنّ وهو الفرض هنا أيضا لما تقدّم من أنّه على تقدير اعتباره من باب الظّنّ داخل في الأمارات دون الأصول (الثّاني) أنّك بعد ما عرفت من صحّة قيام الأمارات وبعض الأصول كالاستصحاب مقام العلم على القسم الأوّل والثّالث والرّابع بعد الإغضاء عمّا قدّمناه في الأمر السّابق فاعلم أنّ هذا أنّما هو بحسب القواعد وليس من اللّوازم العقلية لهذه الأقسام بل للشّارع أن يقيم الاستصحاب مثلا مقام العلم في بعض الأقسام المذكورة دون الأمارات أو بالعكس والوجه فيه أمران أحدهما أنّ إقامة الأمارات وبعض الأصول مقام العلم أنّما هو بحكم الشّارع لا من باب الملازمة العقليّة فله اختيار ما أراد وثانيهما الوقوع شرعا لجواز بناء الشّهادة على الاستصحاب بلا خلاف وادعي عليه الإجماع ولا يجوز بناؤها على شهادة الغير نعم لو علم كون العلم مأخوذا في موضوع الحكم من حيث الكشف عن متعلّقه وشكّ في كونه مأخوذا في موضوعه عموما أو هو مختصّ ببعض جهاته من جهة القاطع أو المقطوع به أو أسباب القطع فمقتضى إطلاق العلم المأخوذ في موضوعه وعدم تخصيصه بجهة دون أخرى هو الحكم بعمومه كما لا يخفى (الثّالث) أنّك حيث قد عرفت الأقسام الأربعة للعلم فاعلم أنّه قد تبيّن الحال في هذه الأقسام وقد تشبّه فيدور الأمر بين الجميع أو جملة منها وذلك مثل ما تقدم من دوران الأمر في اعتبار الحفظ في ركعات الثّنائيّة والثّلاثيّة والأوليين من الرّباعيّة بين كونه من باب الصّفة الخاصّة وكونه من قبيل الجزء للموضوع من باب الكشف بحيث يكون للواقع أيضا مدخل في ثبوت الحكم وكذلك اعتبار العلم في باب الشهادة فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النبوي حيث سئل عن الشهادة هل ترى الشّمس فقال نعم فقال على مثلها فاشهد أو دع وقول أبي عبد الله عليه‌السلام لا تشهد بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك يحتمل كون التّشبيه فيهما من حيث اعتبار المحسوسيّة في المشهود به كما فهمه جماعة حيث اعتبروا الحسّ في الشّهادة ويحتمل التّشبيه في مجرّد اعتبار حصول العلم بالمشهود به سواء كان من المعقولات أو المحسوسات فعلى الأوّل يتعيّن كون اعتبار العلم في الشّهادة من باب الجزء من الموضوع لما تقدّم من عدم معقوليّة تخصيص العلم على الطّريقيّة المحضة بجهة من جهاته فيدور الأمر حينئذ بين أقسام اعتبار العلم من باب الجزء من الموضوع وعلى الثّاني يدور الأمر بين الأقسام الأربعة وكذلك الأمر في باب النجاسات فيحتمل كون اعتبار العلم فيها من باب الجزء من الموضوع كما تقدم عن صاحب الحدائق فيدور الأمر حينئذ بين أقسامه ويحتمل كونه من باب الطريقيّة المحضة كما هو مذهب الآخرين وكذلك اليقين المعتبر في باب الاستصحاب لاحتمال اعتباره من باب الطّريقيّة المحضة واعتباره أعمّ منه ومن باب الجزء من الموضوع كما تقدم احتماله في أخبار الاستصحاب بل استظهره منها بعض من لقيناه إلى غير ذلك من الموارد المشتبهة والميزان في تمييز الأقسام مطلقا أو في الجملة في مثل هذه الموارد أمور أحدها إقامة الشّارع بعض الأمارات في بعض الموارد مقام العلم الّذي اشتبهت حاله بين أقسامه فإنّه من ذلك يظهر عدم كون اعتباره من باب الصّفة الخاصّة لما تقدم من عدم قيام الأمارات مقام العلم المعتبر كذلك فيدور الأمر حينئذ بين باقي الأقسام وذلك كما في باب الشّهادة لتجويز الشّارع بناءها على قاعدة اليد كما في رواية حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال له رجل أرأيت إذا رأيت شيئا في يدي رجل أيجوز لي أن أشهد أنّه له قال نعم قال الرّجل أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له فلعلّه لغيره فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام أفيحل الشّراء منه قال نعم فقال أبو عبد الله عليه‌السلام فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثمّ قال عليه‌السلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق وإلى هذا الوجه أشار المصنف رحمه‌الله بقوله إلاّ أن يثبت من الخارج أن كلّما يجوز العمل به وثانيها مراجعة الأدلّة الشرعيّة فربّما يظهر من نفس الدّليل الّذي أوجب المشبّهة ما يزيلها وربّما يظهر ذلك من دليل آخر فتمكن إزالة الشّبهة في مسألة النّجاسة من ملاحظة الحديث الّذي توهم منه صاحب الحدائق كون النّجاسة الواقعيّة محمولة على الأعيان المعلومة وهو قوله عليه‌السلام كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر فإنّ الحكم بالنّجاسة وإن كان في ظاهر الرّواية مرتّبا على العلم بالقذارة إلا أنّ القذارة هي النّجاسة وقد جعلها الشّارع متعلّقة للعلم فلو كانت النّجاسة الواقعيّة أيضا مرتّبة على العلم

١٠

بها لزم منه تقدم الشّيء على نفسه فلا بد حينئذ أن يكون المراد من العلم في الرّواية ما كان معتبرا من باب الطّريقيّة المحضة لا ما كان جزءا من موضوع الحكم الواقعي ويمكن استعلام ذلك من ملاحظة سائر الأدلّة أيضا فإنّ النّجاسة فيها محمولة على نفس الموضوعات الواقعيّة دون المعلومة مثل قوله عليه‌السلام الكلب نجس وقوله تعالى إنّما المشركون نجس وهكذا فلو كانت النّجاسة الواقعيّة مأخوذا في موضوعها العلم فلا بد من حمل النّجاسة في هذه الأدلّة الخاصّة أيضا على الموضوعات المعلومة دون الواقعيّة ويمكن كشف الالتباس عن اليقين المعتبر في باب الاستصحاب بملاحظة رواية زرارة التي استدلوا بها على اعتباره وهي ما رواه عن الباقر عليه‌السلام قال قلت الرّجل ينام إلى أن قال قلت فإن حرّك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم به قال لا حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلاّ فهو على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشّكّ ولكنّه ينقضه بيقين آخر فإن قوله فإن حرّك إلخ ظاهر في السّؤال من ناقض نفس الوضوء المتيقّن سابقا لا بوصف كونه متيقّنا فإنّه سؤال عن صورة الشّكّ في عروض النّاقض اليقيني لنفس الوضوء الواقعي وظاهر الجواب أيضا هو الحكم ببقاء نفس الوضوء ما لم يحصل اليقين بوجود النّاقض فهذا قرينة على كون المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام فهو على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشّكّ هو اليقين الّذي يكون طريقا محضا لا ما يعمّه وما كان جزءا من الموضوع مع أن اشتراطهم بقاء الموضوع في جريان الاستصحاب كان في عدم شمول اليقين السّابق لما كان جزءا من الموضوع لارتفاع الموضوع حينئذ يقينا بالشّكّ وبالجملة لا بدّ في إزالة الشّبهة من ملاحظة الأدلّة فربّما تنكشف الحال ويتبيّن كون محلّ الشّبهة من خصوص أحد الأقسام وربّما يتميز عن بعض الأقسام وتبقى الشّبهة في بعض فلا بدّ من التّأمّل التّامّ وعدم الذّهول عن نكات الكلام فإنّ المقام من مزالّ الأقدام والله الهادي إلى نهاية المرام وإلى هذا الوجه أشار المصنف بقوله فإن ظهر منه أو من الخارج اعتباره على وجه الطريقيّة للموضوع إلخ وقال في الحاشية عند قوله وبعض الأصول العمليّة مقامه في العمل إلخ ويظهر ذلك إمّا من الدّليل أو بحكم العقل بكون العلم طريقا محضا وإمّا من وجود الأدلّة الأخر على كون الحكم المنوط بالعلم ظاهرا متعلّقا فيها على نفس المعلوم كما في غالب الموارد انتهى ولكني لا أجد وجها معقولا لحكم العقل ولو في بعض من الموارد المشتبهة بكون العلم معتبرا من باب الطّريقيّة المحضة أمّا في العقليات فقد تقدّم أنّ العلم في جميعها جزء من موضوع الحكم العقلي وأمّا في الشّرعيّات فلا مسرح لحكم العقل فيها بذلك إلاّ بعد ثبوت كون الحكم معلّقا بنفس المعلوم لا بوصف كونه معلوما ولكن على هذا الوجه يلغو قوله وإمّا من وجود الأدلّة إلخ اللهم إلاّ أن يقال في العقليّات إن معروض حكم العقل بعد العلم بموضوعه هو ذات الموضوع لا بوصف كونها معلومة وإن توقف حكمه على العلم بها فتدبّر فإنّه لا يخلو من دقّة وثالثها الرّجوع إلى مقتضيات الأصول العمليّة مع فرض عدم المرجع من الأصول اللّفظيّة واعلم أنّ شيئا من أقسام العلم ليس موافقا للأصول على وجه كلّي حتّى يؤخذ به في مقام العمل بل هي مختلفة بحسب اختلاف جريان الأصول في خصوصيّات المقامات فربّما يكون العلم الطّريقي موافقا للأصل وربّما يكون العلم المأخوذ جزءا من الموضوع موافقا له وذلك أنّه إذا فرض دوران العلم بين كونه معتبرا من باب الطريقيّة المحضة وكونه جزءا من الموضوع على سبيل الكشف فقد تقدّم أنّ الثمرة تظهر بينهما في الإجزاء على الثّاني وعدمه على الأوّل إذا ظهر الخلاف بعد الفراغ من العمل فمع فرض دوران الأمر بينهما إذا أتى المكلّف بالمكلّف به على طبق علمه ثمّ ظهرت مخالفته للواقع يحكم بعدم إجزاء عمله إذ الحكم بالإجزاء يحتاج إلى الدّليل فيكون اعتبار العلم هنا من باب الطّريقيّة المحضة موافقا للأصل وأمّا إذا دار الأمر بين كون اعتبار العلم من باب الطّريقيّة المحضة أو جزءا من الموضوع من باب الكشف وبين كونه جزءا من الموضوع من باب الصّفة الخاصّة فقد تقدّم أنّ الثمرة بينهما تظهر في قيام الأمارات وبعض الأصول مقامه على الأوّل دون الثّاني فإذا شكّ في جواز بناء الشّهادة على اليد أو غيرها من الأمارات لأجل الشّكّ في كون العلم المأخوذ فيها من باب الطّريقيّة أو الصّفة الخاصّة فأصالة عدم وجوب إقامة الشّهادة حينئذ وعدم حرمته كتمانها توافق اعتبار العلم المأخوذ فيها من باب الصّفة الخاصّة وهكذا يلاحظ جريان الأصول في سائر الموارد والحاصل أنّ الأثر الزائد المرتّب على أحد محتملات المقام ينفي بالأصل الجاري فيه وإنّما لم يشر المصنف رحمه‌الله إلى هذا الوجه مع سبق الإشارة الإجمالية في كلامه إلى الوجهين الأوّلين كما عرفت لأنّ هذا الوجه في الحقيقة ليس مشخصا لأحد أطراف الشّبهة بل هو مبيّن لحكم الشّاك في الموضوع المشكوك فيه كما لا يخفى (قوله) على وجه الطّريقيّة للموضوع إلخ المراد من الموضوع هنا متعلّق العلم سمّاه بذلك مع عدم كونه موضوعا للحكم لفرض كونه محمولا عليه مع العلم لا عليه خاصّة مسامحة وتسمية للجزء باسم الكلّ أو نظرا إلى كون العلم في الموارد الّتي أخذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي في ظاهر الأدلّة شرطا في تحققّه لا جزءا من موضوعه ولا يبعد كون العلم المعتبر في الحكم العقلي من قبيل ذلك وإن أسلفنا كونه جزءا من موضوع الحكم العقلي فحينئذ يصحّ وصف متعلّق العلم بكونه موضوعا نظرا إلى كون العلم شرطا خارجا عنه ووصف المجموع منه ومن العلم بكونه موضوعا نظرا إلى أنّ الشّرط وإن كان خارجا إلا أن تقيده داخل وكيف كان فلا منافاة بين وصف متعلّق العلم هنا بكونه موضوعا وبين جعل المقسم هو العلم المأخوذ في الحكم على وجه الموضوعيّة فلا تغفل (قوله) ثمّ إنّ هذا الّذي ذكرنا إلخ مجمل الكلام في ذلك أنّه لا إشكال في كون الظّنّ جزءا من موضوع الحكم الظّاهري فيصحّ وقوعه وسطا لإثبات الأحكام الظّاهريّة كما أشار إليه المصنف رحمه‌الله في أوّل المقصد وأمّا بالنّسبة إلى الأحكام الواقعيّة فهل هو طريق

١١

منجعل بحكم العقل كالقطع حيث كان معتبرا من باب الطّريقية المحضة أو طريق مجعول من قبل الشّارع ولا ريب في كونه من قبيل الثّاني بالنّسبة إلى الظّنون الخاصّة فإنّ اعتبارها بجعل الشّارع لا محالة وأمّا بالنّسبة إلى الظنون المطلقة فإن قلنا في تقرير مقدّمات الانسداد بكون نتيجتها هي اعتبار الظنون المطلقة من باب الكشف كما سيجيء فلا ريب في كونها في المقام في حكم الظنون الخاصّة في كون طريقيّتها بالنّسبة إلى الواقع بجعل الشّارع وإن قلنا بكون نتيجتها من باب الحكومة دون الكشف فتكون تلك الظّنون المطلقة حينئذ طرقا منجعلة إلى الواقع بحكم العقل كالقطع ولكن مع ذلك فرق بينها وبين القطع المأخوذ من باب الطريقية فإن القطع طريق إلى الواقع مطلقا بمعنى أنه بعد حصوله لا توقف ولا تعليق في حكم العقل بالأخذ به بخلاف الظنّ المطلق بعد الانسداد فإنّه بمجرّد العلم ببقاء التّكليف بالأحكام الواقعيّة وانسداد طرق العلم إليها لا يحكم العقل بلزوم الأخذ به إلاّ بعد عدم ثبوت جعل الشّارع في حال الانسداد طريقا تعبديّا للمكلّف من العمل بأصالة البراءة أو القرعة أو غيرهما بل ولو كان ذلك هو العمل بالموهومات فإنّه بعد حكم الشّارع بذلك لا تبقى للعقل حكومة في العمل بالظن ولعلّ نفي هذه الاحتمالات مفروغ عنه في كلماتهم ولذا قوي أنّ صاحب العالم اقتصر في تقرير دليل الانسداد على دعوى انسداد باب العلم ونفي كون ظواهر الكتاب وأصالة البراءة معتبرتين من باب الظّنّون الخاصّة ولو لا ما ذكرناه لم يستقلّ العقل بمجرّد ما ذكره على حجيّة الظّنّ فلا بدّ في إثباتها من نفي احتمال جميع ذلك كما سيأتي في محلّه ومن هنا كان الظّنّ المطلق في زمن الانسداد بمنزلة الأصل فهو دليل حيث لا دليل على خلافه من الظنون الخاصّة المعلومة الحال وبالجملة أنّ حكم العقل بجواز العمل بالظّن في صورة الانسداد معلق على ما ذكر بخلاف حكمه بالعمل بالقطع إذا كان اعتباره من باب الطّريقيّة المحضة فإنّه لا تعليق فيه أصلا بل لا يجوز للشّارع الحكم بالعمل بخلاف القطع وإلاّ لزم التّناقض كما أسلفناه وإن زعم صاحب الفصول خلافه كما سيجيء في محلّه وكيف كان فإذا قلنا بنتيجة دليل الانسداد من باب الحكومة فهل يصحّ وقوع الظّنّ المطلق حينئذ وسطا في إثبات أحكام متعلّقه أم لا ففيه وجهان مبنيان على تقرير حكومة العقل في اعتبار مطلق الظّنّ فإن قلنا بعد إثبات مقدّمات دليل الانسداد بأنّ العقل يحكم بكون الظّنّ حجّة شرعيّة وأنه يثاب على موافقته ويعاقب على مخالفته كما هو ظاهر القائلين بالظنون المطلقة حيث يحكمون بالإجزاء مع ظهور مخالفة الظنّ للواقع كما هو غير خفي على المتتبّع في كلماتهم في الفقه فإنّه لا معنى للحكم بالإجزاء على الوجه الآتي وعليه أيضا يبتني ما أورده المحقق القمي رحمه‌الله على الفاضل التوني رحمه‌الله فإنّ الفاضل المذكور قد ذكر في مسألة الحسن والقبح أنّه يشكل التّعلق بهذه الطريقة يعني طريقة إدراك العقل حسن الأشياء وقبحها في إثبات الأحكام الشّرعيّة الغير المنصوصة لكن الظّاهر أنّه لا يكاد يوجد شيء على هذه الطريقة إلاّ وهو منصوص من الشّارع وفائدة هذا الخلاف نادرة انتهى والمحقق المذكور بعد أن منع استقلال العقل على سبيل القطع بالإباحة في الأشياء المشتملة على المنفعة الخالية عن أمارة المضرّة بعد بعثة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبسط الشّريعة قال نعم يمكن أن يقال لما كان العمل بظن المجتهد ممّا يستقل به العقل بعنوان القطع لانسداد باب العلم وانحصار المناص في الظّنّ وذلك من جزئياته فمن هذه الجهة يصير من جملة ما يستقل به العقل ومن ذلك ظهر أن ما يقال إنّ التّكلم في هذا القسم من الأدلّة العقليّة قليل الجدوى لعدم انفكاك ما استقل به العقل من الدّليل الشّرعي عليه كما يلاحظ في قبح الظلم وحسن العدل ووجوب ردّ الوديعة وغير ذلك لا وجه له فإنّ العمل بظنّ المجتهد من أعظم ثمرات هذا الأصل وأي فائدة أعظم من ذلك انتهى ووجه الابتناء أنّه لا وقع لهذا الإيراد على الوجه الآتي كما سنشير إليه فحينئذ يصحّ وقوع الظّنّ وسطا لإثبات أحكام متعلقه في مقام الظّاهر إذ بعد فرض كون الظّن حجّة شرعيّة ومحلاّ للثّواب والعقاب ومثبتا لأحكام متعلّقه في مقام الظّاهر فلا محذور في وقوعه وسطا لإثبات ذلك كسائر الحجج والأمارات الشّرعيّة وإن قلنا بعد تقرير مقدّمات الانسداد بأنّ العقل حينئذ أنّما يحكم باتباع الظّنّ لكونه طريقا إلى الواقع مع انحصار امتثال الواقع في الإتيان به وبالجملة إذا قلنا بأنّ حكم العقل بالعمل بالظّنّ حين الانسداد ليس إلاّ من حيث رجحان الوصول إلى الواقع وليس في العمل به عند العقل إلا مصلحة الطّريقيّة المحضة فليست فائدة الظّنّ حينئذ إلاّ مجرّد تنجّز الحكم الواقعي الّذي تعلّق به الظّنّ ولا يحدث الظنّ حينئذ حكما ظاهريّا في طول الواقع ولا يترتّب على موافقته حينئذ على تقدير موافقته للواقع إلاّ ما يترتّب على امتثال الأمر الواقعي وعلى تقدير تخلفه عن الواقع إلا ثواب الانقياد ولا على مخالفته على تقدير الموافقة إلاّ ما يترتّب على مخالفة الواقع وعلى تقدير تخلفه إلاّ ما يترتّب على التجري وبالجملة ليس هنا إلاّ حكم واحد وهو الحكم الواقعي وهو مدار الثّواب والعقاب ومناط الإجزاء وعدمه على تقدير ظهور المخالفة وعدمه وهذا هو التحقيق في نتيجة دليل الانسداد كما سيجيء في محلّه وعليه لا يرد ما أورده المحقّق القمي على الفاضل التّوني بما تقدّم إذ ليس اعتباره حينئذ شرعيّا حتّى يعدّ ذلك نقضا على الفاضل المذكور ويقال إنّه ممّا استقلّ به العقل مع عدم ورود نصّ عليه من الشّرع ولزيادة توضيح الكلام في المقام محلّ آخر وكيف كان فعلى التقرير المذكور لا يصحّ وقوع الظّنّ وسطا لما قدّمناه في عدم صحّة وقوع القطع الطّريقي وسطا من لزوم تقدّم الشّيء على نفسه ولزوم التّصويب الباطل لما عرفت من عدم تعدّد الحكم هنا حتّى يكون أحدهما متعلّقا للظّنّ والآخر ثابتا بالظّنّ الواقع وسطا بخلافه على الوجه المتقدّم كما عرفت وقد تلخّص ممّا ذكرناه صحّة وقوع الظّنّ وسطا في زمن الانفتاح وكذا في زمن الانسداد بناء على تقرير نتيجة الانسداد من باب الكشف وكذا على تقريرها

١٢

من باب الحكومة على أحد وجهيه دون الآخر وأمّا حكم المصنف قدس‌سره بكون الظن بقول مطلق طريقا مجعولا وبصحّة وقوعه وسطا كذلك لإثبات أحكام متعلقه فهو مبني على ما اختاره من القول بالظّنون الخاصّة وإلاّ فلو أراد كونه كذلك مطلقا سواء قلنا بالظّنون الخاصّة أو المطلقة كما هو ظاهر إطلاق كلامه فهو على إطلاقه ممنوع كما عرفت كيف لا ومذهبه في دليل الانسداد تقريره على وجه الحكومة على الوجه الأخير كما لا يخفى (قوله) سواء كان موضوعا على وجه الطّريقية لحكم متعلّقه أو لحكم آخر إلخ لا إشكال في كبرى القسمين وإنّما الإشكال في صغريات القسم الثّاني فإنه لم يوجد في الشّرعيات مورد يطمئنّ بكون الظنّ فيه جزءا من موضوع الحكم الواقعي سواء اعتبر بالنّسبة إلى متعلّقه من باب الكشف أو الصّفة الخاصّة نعم قد وجد بعض الموارد الّذي يحتمل فيه ذلك منها مسألة التيمّم فإنّه لو تفحصّ عن الماء ولم يجده فظنّ بعدم وجوده فصلّى متيمّما بناء على القول بكفاية الظّنّ في ذلك ثمّ وجد الماء في رحله فوجوب الإعادة حينئذ وعدمه مبنيان على كون اعتبار هذا الظّنّ من باب الطّريقيّة المحضة أو جزءا من موضوع الحكم وتوضيح ذلك أنّ جواز التّيمم قد علق على عدم وجدان الماء في قوله تعالى فإن لم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيبا فإن كان عدم الوجدان كناية عن عدم التّمكن من استعمال الماء ولو لعذر مع وجود الماء حتى يشمل سائر مسوّغات التّيمّم أيضا كما زعمه بعضهم فلا ترتبط هذه المسألة بمحلّ الكلام وإن قلنا ببقائه على حقيقته من عدم الوصول إلى الماء فحينئذ إن قلنا بعدم صدق الوجدان إلاّ مع اليأس عن وجوده سواء حصل اليأس بعد الفحص عن المقدر الشّرعي أو حصل العلم ابتداء بعدمه في المقدّر الشّرعي فلا يكون لذلك دخل فيما نحن بصدده أيضا وإن قلنا بصدقه مع اليأس والظّن بعدمه سواء حصلا ابتداء أو بعد الفحص كما حكي عن بعض فحينئذ إن قلنا بأن الموضوع لجواز التّيمّم في الواقع هو عنوان عدم الوجدان الصّادق بأحد الأمرين فإذا تيمّم بعد القطع بالعدم أو الظّنّ به فصلّى ثمّ وجد الماء في رحله لا تجب الإعادة لامتثال المأمور به الواقعي لفرض كون جواز التّيمّم محمولا في الواقع على القطع بالعدم أو الظنّ به وقد حصلا بالفرض فلا مقتضى للإعادة وإن قلنا بأنّ الموضوع هو عدم الوجود في الواقع في المقدّر الّذي يجب الفحص عنه شرعا وأنّ القطع بالعدم أو الظّنّ به معتبر من باب الطّريقيّة إلى الموضوع الواقعي تجب الإعادة حينئذ في الفرض المذكور بناء عدم إفادة الأوامر الظّاهريّة للإجزاء مع ظهور الخلاف وتظهر الثّمرة بين الوجهين أيضا في قيام الأمارات مقام القطع والظّنّ على الثّاني دون الأوّل فإذا قامت البيّنة على عدم الماء في أحد الجوانب أو أكثر أو مطلقا فلا يجب الفحص عن ذاك الجانب أو مطلقا على الثّاني دون الأوّل ومنها الظّنّ بالقبلة فإنّه إذا كانت صحّة الصّلاة محمولة في الواقع على عنوان الظّنّ بها من حيث كونه صفة خاصّة لم تقم سائر الأمارات مقامه ولا تجب الإعادة مع ظهور الخلاف بخلاف ما لو كان معتبرا من باب الكشف بأن كانت صحّة الصّلاة محمولة على القبلة المظنونة من حيث كشف الظّنّ عنها فحينئذ يصحّ قيام البيّنة ونحوها مقامه ولكن لا تجب الإعادة مع ظهور الخلاف نعم لو اعتبر من حيث الكشف عن الواقع بأن كانت صحّة الصّلاة في الواقع محمولة على الاستقبال الواقعي وكان الظّنّ معتبرا من حيث الكشف عن القبلة الواقعيّة من دون أخذ الظّنّ في موضوع الصّحّة أصلا فحينئذ ينعكس الأمر فيصح قيام الأمارات مقامه وتجب الإعادة مع ظهور الخلاف ويشكل الأمر حينئذ لو حصل الظّنّ بجهة وقامت البيّنة على كون القبلة جهة أخرى ففي ترجيح أحدهما على الآخر إشكال ولذا حكم بعضهم بالأخذ بالاحتياط حينئذ بالصّلاة إلى الجهتين ولكن الأقوى ترجيح ما قامت عليه البيّنة فإنّ اعتبار الشّارع للظنّ في باب القبلة أنّما هو مع عدم التّمكن من تحصيل العلم بالقبلة وفي مقام التحيّر والبيّنة علم شرعا فيكون دليلها حاكما على الدّليل الدّال على اعتبار الظنّ نظير تعارف الظّنّ الخاصّ والظنّ المطلق عند الانسداد ومنها الظّنّ في أفعال الصّلاة وركعاتها وتظهر الحال فيه من ملاحظة سابقة وقد وقع الخلاف في قيام البيّنة مقام الظّنّ في الفروع المذكورة وهو يعطي الخلاف في كون اعتباره من باب الوصف أو الطّريقيّة وإن كان الأقرب على تقدير اعتبار الظّن فيها هو الثاني ولتفصيل الكلام فيها محلّ آخر وإن فرض الشّكّ في جهة اعتبار الظّنّ فيها يرجع إلى مقتضى الأصول كما قدّمناه في القطع ثمّ لا يخفى ما في عبارة المصنف قدس‌سره من المسامحة فإنّ مقتضاها أنّ الظنّ المأخوذ طريقا مجعولا إلى متعلقه قد يكون مجعولا على وجه الطّريقيّة لحكم متعلّقه فيكون طريقا محضا وقد يكون مجعولا على وجه الطّريقيّة لحكم آخر أعني ما كان الظنّ جزءا من موضوعه فيكون طريقا بالنّسبة إلى متعلّقه وإلى الحكم المتعلّق به وغير خفي أنّه لا يعقل كون الظّنّ طريقا بالنّسبة إلى الحكم الّذي أخذ هذا الظّنّ جزءا من موضوعه كما هو مقتضى العبارة ولكن الظّاهر أن قوله لحكم متعلقه إلخ ليس متعلّقا بالطّريقيّة بل بقوله موضوعا بتقدير لفظ إثبات أي سواء كان موضوعا على وجه الطّريقيّة لإثبات حكم متعلقه أو لإثبات حكم آخر فلا مسامحة إذن كما لا يخفى (قوله) فيقال إنّه حجّة لم يعلم وجه الفرق في إطلاق اسم الحجّة على الظنّ المأخوذ جزءا من موضوع الحكم وعدم إطلاقه على القطع المأخوذ كذلك كما صرّح به سابقا اللهمّ إلا أن يكون مجرّد اصطلاح ولا مشاحة فيه ولكن قد سبق الإشكال فيه (قوله) وقد يؤخذ موضوعا لا على وجه إلخ لو قال وقد يؤخذ موضوعا على وجه الصّفة الخاصّة لكان أحضر وأصرح (تتميم) يشتمل على أمور الأوّل أنّ المصنف قد ذكر انقسام كلّ من القطع والظّنّ إلى الطريقيّة والموضوعيّة وسكت عن جريان القسمين في الشّكّ وظاهره عدم جريانهما فيه ولعله لما يتراءى في بادي النّظر من عدم معقوليّة فرض الطّريقيّة في الشك إذ هو ما تساوى طرفاه ولو بحكم الشّرع كما في الظنّ غير المعتبر الّذي نزّله الشّارع منزلته ولا بدّ في فرض الطريقيّة من رجحان الوصول إلى ذي الطّريق حتى يكون مرآة إليه وهو منتف في الشكّ ولكنّ التّحقيق خلافه لإمكان فرض الطّريقيّة فيه

١٣

أيضا ولكن لا بالمعنى المعتبر في القطع والظنّ بل بمعنى عدم رفع اليد من الواقع بالمرّة في ترتيب الحكم على الشّك وتوضيح ذلك أنّ الشّارع تارة يجعل الحكم ويرتبه على الموضوع الواقعي ولكن في مقام الشّكّ يقنع بالإطاعة الاحتماليّة بأن يحكم في مقام الظاهر إمّا بالأخذ بأحد الاحتمالين بالخصوص كما في موارد البراءة والاستصحاب ومضاهيهما وإمّا بأحدهما لا بعينه كما في موارد التخيير فالشك حينئذ ريق جعلي إلى الواقع بمعنى عدم إلغاء الشّارع للواقع في مورده بل حكمه بالأخذ بأحد الاحتمالين من حيث كون المأخوذ محتملا للواقع ويصح وقوعه حينئذ وسطا لإثبات الحكم الواقعي في مقام الظّاهر وليس كالقطع المعتبر من باب الطّريقيّة المحضة على ما تقدّم فيصحّ أن يقال هذا محتمل الحرمة والإباحة وكلّ ما هو كذلك فهو مباح في الظّاهر وأخرى يجعل الحكم في الواقع ويرتبه على عنوان الشّكّ ولكن لا من حيث هو بل من حيث كون المكلّف محتملا للواقع كما إذا فرض كون البناء على الأكثر عند الشّكّ في عدد ركعات الصّلاة مرتّبا على عنوان الشّكّ لكن لا من حيث هو بل من حيث كونه محتملا للأكثر فيكون الشّكّ حينئذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي مع اعتبار كونه طريقا إلى متعلّقه وثالثة بجعل الحكم في الواقع ويرتبه على عنوان الشّكّ من حيث كونه صفة خاصّة كسائر الأوصاف الّتي لها دخل في الأحكام الواقعيّة ثبوتا وانتفاء وتظهر الثّمرة بين الأقسام في قيام الأمارات وبعض الأصول مقامه وفي مسألة الإجزاء كما يظهر من ملاحظة ما قدّمناه في القطع أمّا المثال للأوّل فكما لو فرض انسداد باب العلم والظن غالبا أو دائما إلى الأحكام الواقعية فإنّه حينئذ يتعيّن التّخيير في العمل بطرفي الشّكّ ضرورة انحصار الطّريق فيه وعدم كون المكلّفين مهملين حينئذ كالبهائم فالعمل بالتّخيير حينئذ لمجرّد احتمال المطابقة في مقابل قبح المخالفة القطعيّة وكذلك حكم الشّارع بالبناء على الأكثر عند الشّكّ في عدد ركعات الصّلاة فإنّه أيضا لاحتمال كون الأكثر موافقا للواقع غاية الأمر أن حكمه بالبناء على الأكثر بالخصوص دون الأقل كما هو مقتضى الاستصحاب لا بدّ فيه من حكمة وهي بقاء الصلاة محفوظة عن خلل الزّيادة والنّقصان فإنّه مع حكمه بالبناء على الأكثر قد أمر بصلاة الاحتياط أيضا فالبناء على الأكثر أنّما هو لصونها عن احتمال خلل الزّيادة والأمر بصلاة الاحتياط لصونها عن احتمال خلل النّقيصة ومن هنا قال المرتضى رحمه‌الله على ما حكي عنه إنّ قوله عليه‌السلام إذا شككت فابن علي اليقين لا ينافي ما دلّ على البناء على الأكثر من الأخبار لأنّ البناء على الأكثر مع جبر احتمال النّقض بصلاة الاحتياط بناء على اليقين بما يحصل معه صون الصّلاة عن الزّيادة والنّقيصة ولعلّ الحكمة في حكم الشّارع أيضا بالبناء على بقاء الحالة السّابقة هي غلبة البقاء وبالجملة لا بدّ في حكمه بالبناء على أحد طرفي الشّكّ بالخصوص من حكمة مقتضية وإن لم نعرفها بالخصوص وأمّا المثال للثاني والثّالث فلم نجده إذ ليس في الشّرعيّات ما يكون الشّكّ فيه جزءا من موضوع الحكم الواقعي بحيث تختلف الأحكام الواقعيّة باختلافه حتّى إنّ الشّكّ في موارد جميع الأصول التعبّدية حتى قاعدة البراءة من قبيل الأوّل نعم يمكن التّمثيل للثّاني بالأحكام الظّاهريّة فإنّ الشّكّ جزء من موضوعاتها ولذا يصحّ وقوعه وسطا لإثباتها كما أشرنا إليه والله العالم الثّاني أن ما قدمناه سابقا من أن القطع إذا اعتبر من باب الطّريقيّة لا يصحّ وقوعه وسطا لا ينافي صحّة وقوعه جهة لمقدمتي القياس أو إحداهما إذ يصح أن يقال إن هذا خمر يقينا وكل خمر حرام يقينا وإلى هذا ينظر محكي كلام العلاّمة في الجواب عمّا استدل به للقائلين بطهارة الخمر من أنّ الخمر لا تجب إزالته عن الثّوب والبدن بالإجماع لوقوع الخلاف فيه وكلّ نجس تجب إزالته عن الثوب والبدن بالإجماع إذ لا خلاف في وجوب إزالة النّجاسة عنهما عند الصّلاة فينتج أنّ المسكر ليس بنجس فإنّه قد أجاب عن هذا الدّليل المرتب على قياس الشّكل الثّاني بأنّ الإجماع المذكور في المقدّمتين أخذ فيهما لا بمعنى واحد فإنّه تارة كيفيّة للرّبط يدلّ على وثاقته خارجا عن طرفي القضية في إحداهما وأخرى جزء للمحمول فلا يتحد الوسط وقد أجاب عنه المحقّق الخونساري ولا بأس بنقل كلامه بطوله حتّى لا يحرم النّاظر البصير والناقد الخبير عن فوائده فإنه بعد أن حكى عن العلاّمة ما حكيناه من الجواب أجاب عنه بأن ما ذكره لا يحسم مادة الشّبهة إذ لأحد أن يقول إنّ الإجماع الّذي ذكر أنه في إحدى المقدّمتين من جهة الحمل وفي الأخرى كيفيّة للرّبط يدل على وثاقته لا يخفى أنه بمنزلة الضّرورة الّتي تقع جهة للقضية إذ محصل معناه القطع فكأنّه قيل كلّ نجس يجب إزالته عن الثّوب والبدن قطعا وقد تقرر أنّ الضّرورة الّتي كانت جهة للقضيّة وكانت القضيّة صادقة إذا جعلت جزء المحمول تكون القضيّة أيضا صادقة وتكون الجهة أيضا الضّرورة فحينئذ لنا أن نجعل الإجماع بمعنى القطع الّذي هو جهة الحمل في قولنا كلّ نجس تجب إزالته عن الثّوب والبدن قطعا جزءا للمحمول حتّى تصير القضيّة هكذا كلّ نجس ضروري وجوب إزالته عن الثّوب والبدن بالضّرورة وهي مع المقدّمة الأخرى أي أنّ كلّ مسكر ليس بقطعي وجوب إزالته عن الثّوب والبدن تنتج أنّ المسكر ليس بنجس ضرورة لأنّ شرائط الإنتاج حاصلة حينئذ لاتحاد الوسط وثبت أيضا المقدّمتان جميعا وعلى هذا لا ينفع ما ذكره العلامة ثمّ أجاب عن ذلك بأنّ الضّرورة الّتي تقرر أنّها إذا كانت جهة لقضيّة صادقة إذا جعلت جزءا للمحمول كانت القضيّة أيضا صادقة مع كون جهتها الضّرورة إنّما هي الضّرورة الّتي من الموادّ الثّلاث المقابل للإمكان والامتناع لا القطع المراد هنا الّذي هو لازم الإجماع لأنّه بمعنى الجزم لا الضّرورة بالمعنى المذكور ولا نسلم أنّ القطع بمعنى الجزم إذا كان جهة للقضية الصّادقة تكون القضيّة عند جعله جزءا للمحمول أيضا صادقة مطلقا بل يصدق على جهة ولا يصدق على أخرى وتفصيل الكلام أنّ العلم وأنواعه من الجزم والظّنّ ومتعلّقاته من الضّرورة والاكتساب إذا كان جهة لقضية مثلا نقول كلّ أربعة زوج بالضّرورة أي بالبديهة لا الضّرورة المقابلة للإمكان فإذا جعل الضّرورة جزءا للمحمول وقيل كلّ أربعة ضروري الزّوجية أي بديهيّتها

١٤

فحينئذ إن أريد أن كل أربعة يحكم عليها العقل بالزّوجيّة ضرورة إذا تصوّر بعنوان مفهوم الأربعة الكلّي أي إذا أدرك هذه القضيّة الكلّيّة أي كلّ أربعة زوج يحكم حكما بديهيّا بها بحيث يسري إلى جميع أفراد الأربعة فصدقها مسلّم وإن أريد أن كل أربعة بأيّ وجه تصورت يحكم عليه العقل بالزّوجية بديهة فممنوع والسّند ظاهر إذ الدّراهم الأربعة الّتي هي في كيس زيد مثلا إذا لم نعلمها أنّها أربعة وتصوّر بعنوان أنّها في كيس زيد لم نحكم عليها بالبديهة أنّها زوج نعم نحكم عليها في ضمن الحكم بكلّ أربعة زوج بالزّوجيّة ضرورة لأنّ الحكم الضّروريّ الّذي في هذه القضيّة إمّا على الأفراد جميعا ومن جملتها هذا الفرد وإمّا على المفهوم بحيث يسري إلى جميع الأفراد على الرّأيين وعلى أيّ حال له تعلق بجميع الأفراد ومرادنا من الحكم هاهنا ليس إلاّ ذلك والسّرّ فيه أنّ ملاحظة الشّيء بالعنوانات المختلفة قد تكون لها أثر في تعلق علمنا بأحواله وصفاته مثلا إذا سمعنا أنّ ابن زيد عالم وجزمنا به ولكن لم نشاهده ولم نعرفه فقد يتفق أن نشاهده ولا نعرف أنّه ابن زيد وحينئذ فيجوز أن لا نعلم أنّ هذا الشّخص عالم بل نشكّ في أنّه عالم أو لا بل قد نظنّ أنّه ليس بعالم لحصول بعض الأمارات مثل أن لا يكون لباسه لباس العلماء فحينئذ يجوز إذا تصوّرنا أفراد الأربعة بعنوان مفهوم الأربعة نحكم عليه ضرورة بالزّوجيّة بناء على اللّزوم الّذي يجده العقل بين مفهوم الأربعة ومفهوم الزّوجيّة ولكن إذا تصوّر بعض أفرادها الواقعيّة وبعنوان آخر مثل أنه في كيس زيد كما ذكرنا فحينئذ لا يجب أن يحكم عليه بالزّوجيّة ضرورة إذ لا لزوم بين مفهوم الكائن في كيس زيد ومفهوم الزوجيّة إذا تقرّر هذا فنقول إذا صدق أنّ كلّ نجس يجب إزالته عن الثّوب والبدن بالإجماع فسواء قلنا إنّ المراد بالإجماع لازمة أي القطع أي كلّ نجس يجب إزالته قطعا أو قيل إنّ الإجماع بمعناه الاصطلاحي أي حكم كلّ الأمّة بأنّ كلّ نجس يجب إزالته فلمّا كان راجعا إلى العلم وكان جهة القضية فلو جعل جزءا للمحمول فإن أريد بالقضيّة حينئذ أنّ كلّ نجس حكم عليه الأمّة أو حصل القطع في ضمن قضيّة كل نجس يجب إزالته فصدقها مسلّم لكن نقول حينئذ أي شيء أردتم بالمقدّمة الأخرى أي إنّ المسكر لا يجب إزالته بالإجماع إن أردتم أنّ المسكر لم يحصل الإجماع عليه بالخصوص بوجوب الإزالة فمسلّم لكن لا ينتج حينئذ لعدم الوسط وإن أردتم أنّه لم يحصل الإجماع عليه بوجوب إزالته مطلقا أي سواء كان بخصوصه أو في ضمن كلّ نجس تجب إزالته فعلى هذا وإن اتحد الوسط لكن صدقها ممنوع والسّند ظاهر وإن أريد بالقضية أنّ كلّ نجس يجب حكم عليه الأمّة بخصوصه أو حصل القطع بأنّه يجب إزالته فصدقها ممنوع كما عرفت ثمّ قال وهذه الشّبهة نظير ما يقال إنّ العالم ليس بمتغيّر لأنّ العالم ليس بحادث بديهة أي بديهي الحدوث وهو ظاهر وكلّ متغير حادث بالضّرورة والجواب الجواب كما علمت مفصّلا ثمّ أورد على نفسه بأنّه إذا كان الإجماع على أنّ كل نجس تجب إزالته فكان كلّ نجس تجب إزالته بالضّرورة أيضا بالمعنى المقابل للإمكان والامتناع فتعود الشّبهة قطعا وأجاب عنه بأنّه حينئذ وإن صدق أنّ كلّ نجس ضروريّ وجوب إزالته تكن لا نسلّم أنّه يصدق أنّ المسكر ليس بضروري وجوب إزالته إذ لعلّه كان نجسا في الواقع وكان وجوب إزالته ضروريّا وهو ظاهر انتهى كلامه رفع في الخلد مكانه الثّالث أنّ هنا إشكالا أورده سيّدنا العلاّمة الأستاذ أدام الله بقاءه بقاء السّبع الشّداد في مجلس درسه على المصنف قدس‌سره وهو أنّه لا إشكال في قيام الأمارات مقام القطع فيما كان معتبرا من باب الطريقيّة المحضة كما أنّه لا إشكال أيضا في عدم قيامها مقامه فيما كان معتبرا من باب الصّفة الخاصّة كما قدّمناه سابقا وإنّما الإشكال في قيامها مقامه فيما أخذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي مع اعتباره من باب الطّريقيّة إلى متعلّقه فإن في قيام الأمارات مثل اليد والبيّنة ونحوهما بعموم أدلتها مقام هذا العلم في إثبات الأحكام الواقعيّة المترتّبة على العلم إشكالا فإنّ معنى جعل الشّارع للبينة حجة هو تنزيل ما قامت عليه البيّنة منزلة الواقع في ترتيب الأحكام الواقعيّة المرتبة على الموضوع الواقعي عليه في مقام الظّاهر لا جعل البيّنة علما لعدم معقوليّته فإذا قال الشّارع إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم فمعناه بدلالة الاقتضاء هو ترتيب آثار التّصديق الحقيقي الّذي هو فرع العلم بصدق المخبر لا لأمر بتصديقه حقيقة لعدم معقوليّته كما عرفت وهكذا الكلام في اليد وغيرها من الأمارات فإذا كان مقتضى جعل الأمارة تنزيل مدلولها منزلة نفس الواقع في ترتيب الأحكام المرتّبة على الواقع على ما قامت عليه الأمارة لا يصحّ قيام الأمارة مقام العلم الّذي أخذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي إذ الفرض حينئذ ترتب الحكم الواقعي على الواقع المنكشف على سبيل القطع والجزم وما يثبته الأمارة هو الحكم الواقعي المرتب على نفس الموضوع الواقعي لا المقيد بالانكشاف القطعي كما هو موضوع الحكم في محلّ الفرض والحاصل أنّ الأمارة أنّما تثبت نفس الموضوع الواقعي في مقام الظّاهر لا الموضوع المقيّد المذكور حتى يرتب عليه الحكم المأخوذ في موضوعة الكشف القطعي فإن قلت نعم ولكن إذا فرض كون معنى تصديق البيّنة هو فرض ما قامت عليه نفس الواقع فلا محالة يكون لمدلول البيّنة حينئذ انكشاف قهري بواسطة قضية فرضه نفس الواقع فيترتّب عليه حينئذ أيضا ما كان يترتب على الواقع المنكشف قلت إنّ الانكشاف المذكور من الأمور القهريّة العقليّة اللاّزمة للقضيّة المذكورة والتنزيلات الشّرعيّة لا تثبت اللّوازم العقليّة حتى تثبت بواسطتها الأحكام الشّرعيّة المرتبة على هذه اللّوازم وإلاّ لكانت الأصول المثبتة حجّة لا محالة وممّا يوضح ما ذكرناه من عدم إثبات الأمارات المجعولة للأحكام المرتبة على الواقع بوصف الانكشاف أنّ الأحكام من قبيل الأعراض التي لا قوام لها بدون معروضاتها فهي لا تثبت بدون إثبات موضوعاتها وقد عرفت أنّ الأمارات لا تثبت صفة الانكشاف اللهمّ إلاّ أن يدعى أنّ هذه الصّفة لمدلولات الأمارات أيضا شرعيّة بأن يدعى أنّ الأدلّة الدّالّة على اعتبار الأمارات متكفّلة لإنشاء أمرين أحدهما تنزيل مدلولاتها منزلة نفس

١٥

الواقع وثانيهما إنشاء صفة الانكشاف لهذه المدلولات فمقتضى هذه الأدلّة كون الأمارات مثبتة لكلّ من الأمرين فيترتّب على كلّ منهما حكمة ولكنّك خبير بأن هذين أمران متغايران وثانيهما متأخّر رتبة عن الأوّل فهما محتاجان إلى إنشاءين مختلفين وأدلة الإنشاء غير قابلة لإرادة هذين الإنشاءين وإلاّ لزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد فظهر من ذلك أنّا لو قلنا بكون صفة الانكشاف من الأمور الشّرعيّة أيضا دون العقليّة لا تثبتها الأمارات فمع ذلك كيف يدعى قيامها مقام العلم الّذي أخذ جزءا من موضوع الحكم الواقعي نعم هنا شيء وهو أنّه لو قامت البيّنة على أنّ المائع الخارجي بول معلوم مثلا أمكن أن يرتّب عليه الحكم المرتّب على البول المعلوم كالنّجاسة بناء على ترتبها على الموضوعات المعلومة على ما يراه صاحب الحدائق كما تقدّم فإنّه مقتضى تنزيل مدلول البيّنة منزلة نفس الواقع فإنّه لا فرق في عموم هذا التنزيل بين إخبار البيّنة عن الواقع وإخباره عن العلم فإنّ مقتضى التّنزيل فرض كلّ منهما محققا في الواقع ولكن هذا خارج من محلّ الكلام كما لا يخفى مع أنّه أيضا لا يخلو عن إشكال فإنّ موضوع النّجاسة على مذهب صاحب الحدائق هو الموضوع المنكشف لنفس المكلّف دون غيره وبالجملة لا يعقل وجه لصحّة قيام الأمارات مقام العلم في محلّ الفرض ولو فرض إقامة الشّارع بعض الأمارات مقامه في بعض الموارد كإقامة اليد مقام علم البيّنة كما في رواية حفص بن غياث المتقدّمة فلا بدّ فيه من التزام إعطاء الشّارع حكم الواقع المنكشف لنفس الواقع إذا قامت عليه هذه الأمارة المنصوصة فلا بد حينئذ من الاقتصار على مورد النّص لكونه على خلاف الأصل لفرض عدم اقتضاء عموم دليل اعتبار الأمارة ذلك كما عرفت بل هو نظير إعطاء حكم الماء للتراب عند فقده وهذا غاية توضيح ما أورده سيّدنا الأستاذ أدام الله بقاءه من الإشكال في المقام ولكنّه عندي لا يخلو عن نظر فإنّك لو تأمّلت فيما قدّمناه عند بيان الإشكال في قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ على النّحو المفروض في المقام بناء على اعتباره من باب التّعبّد دون الظّنّ من الفرق بين جعل الأمارات والأصول التعبّدية لزالت عنك وسمة الشّبهة هنا نعم عمدة الإشكال الّتي لا يكاد تندفع هو ما قدّمناه في قيام الاستصحاب مقام العلم المذكور والله العالم بحقائق الأمور (قوله) وينبغي التّنبيه على أمور الأوّل اعلم أنّ ظاهر كلام المصنف قدس‌سره أنّ هذا التنبيه من فروع اعتبار القطع من باب الطّريقية المحضة التي قد عرفت الكلام في كيفيّتها وثمرتها وليعلم هنا أمور أحدها أنّه إذا فرض كون الحكم الواقعي مرتّبا على الموضوع الواقعي واعتبر القطع من باب الطّريقيّة المحضة لإثبات أحكام متعلقه فلا ريب أنّ القاطع بالحكم حينئذ يحصل عنده كبرى كلية لصغرى حصّلها بالوجدان فيحصل له القطع بالنّتيجة وقد تقدّم سابقا أنّ القاطع إذا اعتبر قطعه من باب الطّريقيّة المحضة لا يحتاج في العمل بقطعه إلى أزيد من الأدلّة المثبتة لأحكام متعلّق قطعه فحينئذ لا يخلو إمّا أن يكون قطعه مصادفا للواقع أو مخالفا له وعلى الثّاني إمّا أن يعمل بمقتضى قطعه أو لا وموضوع المسألة ومورد الأقوال نفيا وإثباتا وتوقفا في حرمة التجري وترتّب العقاب على الفعل المتجري به هو القسم الثّالث ولكن مقتضى المقابلة بينه وبين القسم الثّاني هو جريان الأقوال المذكورة في القسم الثّاني أيضا من حيث الحكم بوجوب الفعل الّذي قطع بوجوبه أو حرمته كذلك وترتّب الثّواب على إتيان الفعل الّذي اعتقد كونه مأمورا به أو على ترك الفعل الّذي اعتقد كونه منهيّا عنه وعدم تعميم المصنف لعنوان المسألة بما يشمل ذلك أيضا إمّا لمعلوميّة ذلك بحكم المقابلة والمقايسة وإمّا لاختصاص مورد الأقوال بالقسم الثّالث لعدم تعرضهم لغيره وأمّا القسم الأوّل فالظّاهر أنّه لا أثر للقطع فيه عندهم سوى ما يترتّب على مطابقة نفس الواقع ومخالفته وثانيها أنّك قد عرفت أنّ ظاهر كلام المصنف كون هذا البيّنة من فروع اعتبار القطع من باب الطّريقيّة المحضة وأمّا ما عداها من أقسامه أعني ما كان القطع فيه جزءا من الحكم الواقعي مع اعتباره من باب الكشف عن متعلقه أو من باب الصّفة الخاصّة فالظّاهر جريان حكم التجري فيهما أيضا في الجملة وذلك فإنّه إذا أخذ القطع جزءا من موضوع الحكم الواقعي مع اعتبار كشفه عن متعلّقه فلا يخلو إمّا أن يكون موضوع الحكم الواقعي هو مطلق الانكشاف سواء صادف الواقع أم لا فحينئذ لا مسرح لحكم التجري هنا فإنّ موضوع الحكم الواقعي حينئذ هو مطلق الانكشاف وقد حصل وإمّا أن يكون الموضوع هو نفس الواقع مقيدا بصفة الانكشاف فإذا فرض كون النّجاسة والحرمة محمولتين في الواقع على الخمر الواقعي المنكشف لا ما كان خمرا في اعتقاد المعتقد فإذا اعتقد الخلّ خمرا يجري فيه حكم التجري كما هو واضح وممّا ذكرناه يظهر حال ما لو كان القطع فيه معتبرا من باب الصّفة الخاصّة لجريان القسمين فيه أيضا وإنّما لم يتعرّض المصنف لهذين القسمين من القطع في المقام إمّا لوضوح حالهما وإمّا لقلّة وجودهما في الأحكام بل لم يوجد في الأحكام الفرعيّة ما يكون القطع فيه معتبرا من باب الصّفة الخاصّة كما قدّمناه سابقا وثالثها أنّك قد عرفت ممّا ذكرنا أنّ موضوع البحث في كلام المصنف أنّما هو القطع الطّريقي الذي لم يصادف الواقع من حيث أنّه بواسطته هل يترتب على المعتقد حكم واقعي يناسبه أم لا فإذا اعتقد ماء الرّمّان خمرا فهل يحكم بواسطة هذا الاعتقاد بحرمة هذا المائع الخارجي أم يكون الحكم تابعا للواقع وكذا أو اعتقد وجوب دعاء رؤية الهلال مع عدم وجوبه في الواقع والحاصل أنّ محلّ الخلاف هو الحكم بحرمة هذا الفعل أو وجوبه وإمّا مجرّد كشف هذا الفعل عن خبث سريرة فاعله وفساد طينته فممّا لا إشكال بل لا خلاف فيه ظاهرا كما أنّه لا إشكال بل لا خلاف أيضا في أنّ الفعل مع قطع النّظر عن الاعتقاد وتجرّده عنه لا يحكم

١٦

عليه بما كان يحكم عليه مع الاعتقاد ممّا يناسبه (قوله) كما يظهر من دعوى جماعة الإجماع إلخ ذلك يظهر منهم في الأصول والفروع فقد حكي عن الحاجبي والآمدي والفاضل الجواد في شرح الزّبدة والفاضل الصّالح المازندراني في حاشية المعالم والمحقّق القمّي في قوانينه دعوى الاتفاق على ما ذكره في مسألة الواجب الموسّع بل عن القاضي الباقلاني المصير إلى كون الصّلاة حينئذ قضاء نظرا إلى وقوعها بعد الوقت بحسب ظنّه وفي كشف اللّثام في شرح قول الفاضل لو ظنّ التّضييق عصى لو أخر قال إجماعا كما في المنتهى مضافا إلى ما نقله المصنف من عدم الخلاف في أن سلوك الطّريق المظنون الخطر أو مقطوعه معصية يجب إتمام الصّلاة فيه ولو بعد انكشاف عدم الضّرر وقال المحقّق في المعتبر لو خشي على نفسه لصّا أو سبعا تيمّم ولا إعادة إلى أن قال ولو ظنّ مخوّفا فتيمّم وصلّى ثم بان فساد ظنّه فلا إعادة ثمّ نسب الخلاف في ذلك إلى أحمد في إحدى الرّوايتين وحكي عنه أيضا الحكم ببطلان الغسل إذا ظنّ إضرار استعمال الماء فاغتسل ثم بان فساد ظنّه ولا ريب أنّ التّعبير بالظّنّ في هذه العبارات لبيان أدنى فردي الرّجحان كما نبه عليه المصنف رحمه‌الله فيشمل القطع أيضا فإن قلت لا دلالة لشيء ممّا ذكر على المدّعي من ترتيب الشّارع على الاعتقاد المجرّد عن الواقع ما يناسبه من الأحكام مع فرض كون الاعتقاد مجرّد طريق إلى الواقع كما هو الفرض في المقام إذ حرمة التّأخير في مسألة ظنّ الضّيق وحرمة السّفر في السّفر المظنون الخطر وكذلك جواز التّيمّم وعدم الإعادة في صورة ظنّ المخوّف مترتّبة في الواقع على ظنّ الضّرر فالظّنّ جزء من موضوع الحكم الواقعي في هذه الموارد فإذا تحقّق يترتّب عليه ما ذكر من الأحكام في الواقع سواء كان الظّنّ مصادفا للواقع أم لا فلا تكون في تلك الفتاوى دلالة على الالتزام بترتب حكم على الاعتقاد المجرّد عن الواقع مع عدم ترتبه على المعتقد في الواقع قلت الظّاهر أنّ الظنّ عند العلماء في الموارد المذكورة معتبر من باب الطّريقيّة إلى الواقع لا جزء موضوع من الحكم الواقعي ويشهد له أمران أحدهما حكمهم في الشّبهة المحصورة بوجوب الاجتناب عن أطرافها ولا ريب أن حرمة ارتكاب بعض أطراف الشّبهة أنما هي لمجرّد احتمال ارتكاب الحرام الواقعي المستعقب للعقاب الأخروي فمنشؤها حكم العقل بوجوب دفع الضّرر الأخروي حيث يحتمل فيه ذلك وهذا هو الدّليل في الموارد المتقدّمة فإنّ مرجع الجميع إلى وجوب دفع الضّرر غاية الأمر أنه في المضارّ الدّنيويّة أنّما يحكم بوجوب دفع الضّرر المظنون دون المحتمل إذ المضارّ الدّنيوية المحتملة الكثيرة لا يمكن التحرز عنها فالعقل أنّما يحكم بالتحرّز عن المظنون منها بخلاف المضارّ الأخرويّة فإن حكم العقل بوجوب الاحتياط في مواردها أنّما هو لمجرّد احتمال العقاب لو اقتصر على مجرّد الموافقة الاحتماليّة وأمّا عدم الاعتناء بذلك في موارد أصالة البراءة كالشّبهات البدوية فإنّما هو لكون العقل قاطعا بعدم العقاب فيها لقضيّة قبح التّكليف بلا بيان وإلاّ لكان الاحتياط فيها لازما أيضا والضّرر المظنون في مسألة ضيق الوقت وإن كان أخرويّا أيضا إلا أن توسعة الشّارع في الوقت مع احتمال الضيق بموت ونحوه لعامّة النّاس دليل على عدم اعتناء الشّارع بمجرّد الاحتمال فيها أيضا ولذا لو أخّر وفاجأه الموت في الوقت لم يكن عاصيا وبالجملة أنّه لا إشكال في أن احتمال الضّرر في موارد الاحتياط أنّما اعتبر في حكم العقل من باب الطّريقية إلى الواقع لا جزءا من موضوع الحكم العقلي فلا يترتّب عليه أثر شرعي على تقدير عدم المصادفة للواقع إلا على القول بحرمة التجري فكذلك الظنّ في الموارد المتقدّمة فإن مرجع الجميع إلى أمر واحد كما عرفت وثانيهما أن الفقهاء إنّما جعلوا من مسوّغات التّيمّم نفس الضّرر كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم وإنّما جعلوا الظّنّ والعلم طريقا إليه فالمسوّغ عندهم هو نفس الضّرر لا الظّنّ أو العلم به كما لا يخفى فإن قلت إن العدلية قد ذكروا في الاستدلال على وجوب شكر المنعم أنّ في تركه احتمال المضرّة أعني العقاب الأخرويّ وجعلوا ثمرة وجوب شكره وعدم وجوبه استحقاق العقاب وعدمه لمن لم يبلغه دعوة نبيّ زمانه وترك الفحص عنه فالحكم بعقاب تارك الفحص لأجل استلزام تركه ترك الشّكر المتوقف على معرفة أحكام شرعه يستلزم حكمهم باستحقاق العقاب بمجرّد احتمال الضّرر الأخروي إذ الفرض أنّ حرمة ترك الفحص لأجل استلزامه ترك الشكر الواجب ووجوب الشكر أيضا لأجل احتمال العقاب في تركه فحرمة ترك الفحص لأجل احتمال العقاب الأخروي لا محالة وإطلاق حكمهم بذلك يستلزم كون مجرّد احتمال العقاب الأخروي منشأ لحكم شرعي مطلقا صادف الواقع أم لا وهو ينافي ما تقدّم من منع كون مجرّد احتمال الضّرر الأخروي منشأ لحكم شرعي يترتّب على مخالفته العقاب على تقدير عدم المصادفة للواقع قلت إن حكمهم باستحقاق تارك الشّكر بمجرّد احتمال الضّرر في تركه لأجل مصادفة الاحتمال للواقع بمعنى أن تشريع الأحكام ووجود نبي في كلّ زمان ووجوب شكر المنعم لكلّ أحد لما كان ثابتا عندهم فأطلقوا القول بأن تارك الفحص عن نبي زمانه لأجل استلزامه ترك الشّكر معاقب فغرضهم أنّ أثر حكم العقل بوجوب دفع الضّرر الأخروي المحتمل أنّما يظهر في الضّرر الثّابت شرعا إذ لا مانع حينئذ من ترتّب العقاب على المخالفة بمجرّد احتماله لإتمام الحجّة حينئذ بحكم العقل لا أن العقاب المحتمل يترتّب على المخالفة على كلّ تقدير وإن لم يكن ثابتا في الواقع أيضا هذا غاية توضيح ما استظهره المصنف قدس‌سره من فتاوى العلماء من كون الاعتقاد المجرّد عن الواقع منشأ لحكم شرعي يناسبه ولكنّه بعد لا يخلو عن نظر بل منع وذلك لأنّ ما استظهره منه كما عرفت أمران أحدهما حكمهم بترتّب الحكم الشّرعي على الضّرر الدّنيوي المظنون وإن لم يكن ضرر في الواقع وقد استظهرنا كون هذا الظنّ معتبرا من باب الطّريقيّة دون الموضوعيّة حتّى يتمّ المدّعى لأمرين ولكن عند التأمّل لا شهادة لهما بذلك إذ الظّاهر أنّ الظّنّ المتعلّق بالضّرر الدّنيوي معتبر عندهم من باب الموضوعيّة إذ الظّاهر

١٧

أنّ هذا الظّن عندهم كسائر الظّنون الشّرعيّة كالبيّنة في الموضوعات وخبر العدل في الأحكام فإنّ ذلك كلّه عندهم على وتيرة واحدة وظاهر المشهور التزام الثّواب والعقاب على مطابقة الأوامر الظّاهريّة ومخالفتها وإن تخلّفت عن الواقع لكون الحكم الظّاهري مرتّبا على الظّنّ المستفاد من هذه الأمارات طابق الواقع أم لا فيكون الظّنّ حينئذ جزء من موضوع الحكم الظّاهري فالحكم الواقعي فيما نحن فيه وإن كان مرتّبا على الضّرر الواقعي إلا أنّ الحكم الظّاهري مرتّب على الظّنّ به مطلقا فمن هنا يظهر أن عدّهم من مسوّغات التّيمّم نفس الضّرر كما تقدّم لا ينافي القول بموضوعيّة الظّنّ من الحكم الظّاهري ولا ينافيه أيضا كون الاحتمال معتبرا في قضيّة حكم العقل بوجوب دفع الضّرر الأخروي المحتمل من باب الطّريقيّة لوضوح الفرق بينهما إذ احتمال الضّرر الأخروي كالقطع به لا يعقل كونه منشأ لحكم شرعي آخر سوى الحكم المحتمل في الواقع إذ الاحتمال لا يزيد على القطع ولا ريب أنّه إذا قطع بعقاب أخروي فلو كان هذا القطع سببا لحكم أخر سوى المقطوع به فيحصل القطع بعقاب آخر لمخالفة هذا الحكم أيضا وهكذا فيتسلسل بخلاف الظّن بالضّرر الدّنيوي فحكم العقل بوجوب الاجتناب في الشّبهة المحصورة لأجل احتمال الضّرر الأخروي إرشادي لا يترتب على موافقته ومخالفته سوى ما يترتّب على نفس الواقع بخلاف حكمه في الضّرر الدّنيوي المظنون وهذا الّذي ذكرناه في الفرق بين الضّرر الأخروي المحتمل والضّرر الدّنيوي المظنون هو الّذي صرّح به المصنف قدس‌سره في التّنبيه الثّاني من تنبيهات الشّبهة المحصورة فالتّدافع بين المقامين واضح بيّن فراجع ولاحظ وفي بعض النّسخ قد وقع الأمر بالتّأمّل بعد قوله عدم الضّرر فيه ولعلّه إشارة إلى قوله ما قدّمناه من كون الظّنّ في باب الضّرر الدّنيوي مأخوذا من باب الطّريقيّة إلى الواقع وجزءا من موضوع الحكم الظّاهري فحينئذ يندفع التّنافي بين المقامين ثمّ إنّ ظاهر المحقّق حيث حكم ببطلان الغسل فيما لو ظنّ إضرار استعمال الماء بالبدن ثمّ انكشف خلاف ما ظنّه كما أسلفناه هو كون الحكم المرتّب على الظّنّ حكما واقعيّا لا ظاهريّا وإلاّ لكان الأوفق بالقواعد هو الحكم بصحّة الغسل في الصّورة المفروضة لموافقته للأمر الواقعي ومجرّد مخالفة الأمر الظّاهري لا يوجب البطلان مع الموافقة للواقع لا يقال إنّ الحكم بالبطلان لعلّه لعدم تأتي قصد القربة مع مخالفة الأمر الظّاهري لأنّا نقول إنّ الكلام في المقام من حيث الحكم بالصّحة أو الفساد ليس من هذه الحيثيّة بل من حيث مخالفة الحكم المرتّب على ظنّه مع انكشاف خلافه بعد الفراغ من العمل مع قطع النّظر عن الحيثيّة المذكورة ويمكن أن يستدلّ عليه بأنّ المستفاد من قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) هو مبغوضيّة جعل النّفس في معرض الهلاكة سواء كانت في الواقع مهلكة أيضا أم لا لصدق النّهي مع الإقدام مع ظنّ الضّرر وإن لم يكن ضرر في الواقع فموضوع الحرمة هو جعل النفس في عرضة الهلاكة لا الهلاكة الواقعيّة ويؤيده أنّ القبيح في حكم العقل أيضا هو العنوان المذكور لا الوقوع في الهلاكة الواقعيّة بالخصوص وعلى هذا فالضّرر الواقعي ليس بموضوع الحرمة أصلا بل الحرمة مرتبة في الواقع على العنوان المذكور الصّادق بظنّ الضّرر وإن لم يكن ضرر في الواقع فحينئذ لا ترتبط مسألة ظنّ الضّرر بما نحن فيه أصلا كما لا يخفى ولكن الإنصاف أن دعوى كون المرتّب على ظنّ الضّرر حكما واقعيّا لا تخلو عن نظر بل منع وإن مال إليه سيّدنا الأستاذ دام ظلّه في مجلس الدّرس معلّلا بما أسلفناه وذلك فإن ظاهر الآية ترتب الحرمة على الهلاكة الواقعيّة فحينئذ إن قلنا باعتبار الظّنّ بالضّرر عقلا أو شرعا يكون الظنّ طريقا شرعيّا إلى الواقع والحكم المرتّب عليه حكما ظاهريّا وإلاّ فنمنع صدق الآية مع ظنّ الضّرر والتحقيق اعتباره عقلا ولكن لا يترتب عليه مع ذلك حكم ظاهري أيضا فإن حكم العقل بحرمة الإقدام على الضّرر المظنون إرشادي لا يترتّب عليه سوى ما يترتب على نفس الواقع وهو واضح بعد التّأمّل وإن كان خلاف ظاهر المشهور كما تقدّم وكيف كان فلا مدخليّة لمسألة ظن الضّرر في أصل المقصود في المقام وثانيهما حكمهم في مسألة ظن ضيق الوقت بالعصيان بالتّأخير مع انكشاف خلافه وبقاء الوقت فنقول إنّ حكمهم بذلك أنّما يكون من قبيل ما نحن فيه أعني كون الاعتقاد المجرّد عن الواقع مؤثرا في حكم الشّارع بما يناسبه على بعض الوجوه خاصّة وذلك أن حكمهم باعتبار ظنّ ضيق الوقت أنّما هو بدليل الانسداد الجاري في الأحكام الكليّة عند من يرى الانسداد فيها وقد أسلفنا عند بيان انقسام الظنّ كالقطع إلى الموضوعيّة والطّريقيّة وسيجيء في محلّه أيضا أنّ القائلين بالانسداد مختلفون فمنهم من يرى أن مقتضى دليل الانسداد هو حكم العقل وإنشاؤه كون الظنّ المطلق حجّة شرعيّة للمكلّف كسائر الطّرق الشّرعيّة فيكون العقل كالشّرع منشأ للحجية وحاكما باستحقاق ممتثل هذا الطّريق للثواب ومخالفة للعقاب ومنهم من يرى كون العقل مدركا لإنشاء الشّارع بمعنى أنه عند الانسداد يدرك إنشاء الشّارع وجعله للظّنّ حجّة فعلى هذين الوجهين يكون الظّنّ طريقا إلى الواقع وجزءا من موضوع الحكم الظّاهري فلا يكون لهذا الظنّ مدخل فيما نحن فيه إذ الحاصل أنّ المقصود في المقام صيرورة الظنّ المجرّد عن الواقع سببا لوجوب الفعل المعتقد وجوبه أو حرمته كذلك والظنّ بضيق الوقت بناء على اعتباره من باب دليل الانسداد على تقريريه جزء من موضوع الحكم الظّاهري لا سببا لحدوث الوجوب المقصود في المقام كون الاعتقاد المجرّد عن الواقع بنفسه مؤثرا في حكم الشّارع بما يناسبه بأن يحكم الشّارع بالحرمة إذا اعتقد المائع الخارجي خمرا مع كونه خلاّ في الواقع والظّنّ بضيق الوقت على ما ذكر وإن كان طريقا إلى الواقع إلا أنّه جزء من موضوع الحكم الظّاهري فليس من قبيل مجرّد الاعتقاد الذي رتب الشّارع عليه ما يناسبه من

١٨

الأحكام نعم لو كان اعتبار الظنّ عند الانسداد من باب الطّريقيّة المحضة إلى الواقع بأن لا يكون في حكم العقل باعتباره إلاّ مجرّد رجحان الوصول به إلى الواقع ولم يكن فيه سوى مصلحة إدراك الواقع به وفرض ترتيب الشّارع عليه ما يناسبه من الأحكام كان اعتبار الظّنّ حينئذ من قبيل ما نحن بصدده ولكن ظاهر المشهور من القائلين بدليل الانسداد هو أحد الوجهين الأوّلين فإنهم قد حكموا بالإجزاء مع ظهور المخالفة وهو لا يتم على الوجه الثّالث فإن مقتضى اعتبار الظن من باب الطّريقيّة المحضة كالقطع هو بقاء الحكم الواقعي في العهدة مع ظهور المخالفة ولذا لا نقول بالإجزاء لو قلنا بالظّنون المطلقة على تقدير تسليم إفادة الأوامر الظّاهريّة الثّابتة بالطّرق الخاصّة للإجزاء لما سيجيء في محلّه من أن الحق في تقرير دليل الانسداد هو الوجه الثّالث وأنّ العمل بالظن جزئي من جزئيّات العمل بالاحتياط نعم هنا طريقة أخرى سلكها في الهداية رحمه‌الله في الحكم باعتبار ظنّ ضيق الوقت وحصول العصيان بالتّأخير وإن انكشف الخلاف ويحتمل كون إسناد المشهور في الحكم بحصول العصيان بالتأخير إليها وعليها يتمّ استشهاد المصنف للمقام بما ذكر وهي توقف حصول اليقين بالخروج عن عهده التّكليف عند اليقين باشتغال الذّمّة به على إتيان المأمور به الّذي ظنّ فواته بالتّأخير حيث قال إنّه مع وجوب الفعل وإلزام الشّارع إيّاه وعدم إذنه في التّرك لاشتماله على المصلحة الّتي لا يجوز للمكلّف تفويتها بحكم العقل بتعيّن الإتيان به حينئذ احتياطا لتحصيل المطلوب بعد العلم باشتغال الذّمّة ودفعا للضّرر المظنون بسبب التّأخير وكما أنّ اليقين بالاشتغال يستدعي تحصيل اليقين بالفراغ وأداء ما يعلم منه بتفريغ الذّمّة كذا يقضى بتحصيل اليقين بالخروج عن عهدة ذلك التّكليف وعدم حصول التّرك له ولا يكون ذلك إلاّ بالإتيان به عند ذلك وعدم تأخيره عنه بل قد يشكل جواز التّأخير في صورة الشّكّ في الأداء مع التّأخير كما سنشير إليه إذ قضية ما ذكرناه مراعاة الاحتياط في التعجيل عند حصول التردّد إلاّ أن يقوم دليل قاطع لعذر المكلّف يفيد جواز التّأخير كما قام الدّليل عليه في صوره ظنّ البقاء والحاصل أنّ الإذن المستفاد من الشّارع في التّأخير لا يعمّ صورة ظنّ الفوات وكذا حكم العقل بجواز التّأخير للفعل وقضيّة حكم العقل بملاحظة ثانيهما هو لزوم التّعجيل ولا فرق حينئذ بين الواجبات الموسعة الموقتة وغيرها من الموسعات المطلقة بل الحال في الأخير أظهر والظّاهر أنّه مما لا خلاف فيه في المقامين وهذا كلامه بألفاظه وعليه يثبت وجوب إتيان الفعل عقلا عند ظنّ ضيق الوقت بموت أو خروج وقت أو نحوهما ويثبت شرعا أيضا للملازمة بينهما فيصحّ الاستشهاد حينئذ لتأثير الاعتقاد المجرّد عن الواقع في حكم الشّارع بما يناسبه لحكمهم بحصول العصيان بالتأخير عند ظنّ الضّيق فتلخص ممّا قدّمناه أنّ الاستشهاد للمقام بفتوى العلماء في مسألة ظنّ الضّرر الدّنيوي وفي مسألة ظنّ الضّيق غير تامّ بالنّسبة إلى الأولى مطلقا وبالنّسبة إلى الثّانية في وجه والأولى منهما الاستشهاد للمقام بفحوى ما ذكره الفاضل التوني في مبحث المقدّمة من نفي الخلاف عن وجوب المقدّمة العلميّة حيث قال واعلم أنّه قد يطلق المقدّمة على أمور يكون الإتيان بالواجب حاصلا في ضمن الإتيان بها وكأنّه لا خلاف في هذا القسم من المقدّمة لأنّه عين الواجب انتهى فإنّه إذا ثبت الحكم الشّرعي بالاحتمال فبالظّنّ أولى لا يقال إنّ وجوب المقدّمة عقلي إرشاديّ وليس بشرعي ثابت بخطاب الشّرع فإن معنى حكم العقل بوجوبها هو إدامة المصلحة في فعلها وهي عدم وقوع المكلّف في خطر ترك الواجب لأنّا نقول إنّ الظّاهر كما حقّق في محلّه أنّ النّزاع في المقدّمة أنّما هو في وجوبها الشّرعي وقد نصّ بعضهم بعدم كون النّزاع في وجوبها الإرشادي لا يقال إنّ وجوب المقدّمة على تقدير شرعيّته توصلي غيريّ ولا يعقل ترتّب العقاب على مخالفة مثله كما قرر في محلّه والمقصود في المقام حصول العصيان بمخالفة الاعتقاد المجرّد عن الواقع لأنا نقول إن ترتّب الثّواب والعقاب على فعل المقدّمة وتركها وإن كان خلافيّا إلاّ أنّه لا ملازمة بين حصول العصيان بمخالفة خطاب الشّرع وبين ترتّب العقاب على المخالفة وتظهر ثمرة الوجوب في غيره والمقصود في المقام أيضا كون الاعتقاد المجرّد عن الواقع مؤثّرا في حكم الشّارع بما يناسبه لا ترتب العقاب على مخالفة هذا الحكم أيضا كما لا يخفى (قوله) وقد يقرّر دلالة العقل إلخ المقرّر هو الفاضل السّبزواري في الذّخيرة في مسألة الجاهل بوجوب مراعاة الوقت وقد غيّر المصنف كلامه بما يناسب المقام كما لا يخفى (قوله) ويمكن الخدشة في الكلّ إلخ اعلم أنّ القول بكون الاعتقاد المجرّد عن الواقع مؤثرا في حكم الشّارع بما يناسبه مخالف للأصل وهو الحجّة المنافي فلا بدّ في الخروج من مقتضاه من دليل وقد ذكر المصنف للمثبتين وجوها ثمّ أخذ في المناقشة فيها فنقول في توضيح ما أورده على الدّليل الأوّل أعني الإجماع إنّه بعد أن منع تحقّق الإجماع في المسألة أشار إلى قادح آخر فيه بقوله والمسألة عقلية وحاصله أن دعوى الإجماع في المسائل العقليّة غير مجدية لعدم كشفه عن رضا المعصوم عليه‌السلام في العقليّات وهو المناط في اعتبار الإجماع إذ حكم المجمعين في المسائل العقلية أنّما هو بحسب قضاء عقولهم وهو لا يكشف عن حكم الإمام عليه‌السلام أيضا بذلك فهو مثل دعوى الإجماع على أنّ الواحد نصف الاثنين وأنّ الكل أعظم من الجزء فلا يتحقّق الإجماع النّافع في المقام لا يقال دعوى عدم حصول القطع من إجماع العلماء في المسائل العقليّة برضا المعصوم عليهم‌السلام بها مكابرة للوجدان لأنّا نقول أولا إن كشف إجماع العلماء عن رضا المعصوم عليه‌السلام في المسألة العقليّة إذا كان حكمهم مبنيا على قضاء عقولهم أنّما يسلّم إذا واقفهم عقولنا فيما حكموا به وإلاّ فإذا فرض إدراك عقولنا خطاءهم في مدركات عقولهم فلا نسلّم كشف اتفاقهم عن اتفاق الإمام المعصوم عليه‌السلام معهم إذ الفرض علمنا بخطئهم أو توقفنا فيه ومع ذلك كيف يدعى الكشف المذكور وثانيا مع

١٩

تسليم كشفه عن اتفاق الإمام معهم أنّ هذا ليس إجماعا مصطلحا إذ المعتبر فيه كشف اتّفاق العلماء عن رضا المعصوم عليه‌السلام من حيث كونه شارعا والفرض في المقام كشف اتفاقهم عمّا عند الإمام عليه‌السلام من حيث كونه أحد العقلاء بل أعقلهم نعم هذا الاتفاق أيضا حجّة من حيث الائتمان عن الخطاء بدخول من لا يحتمل تطرق الخطاء في حكم عقله فيهم وهو مثل الاتفاق على أمر بحيث يكشف عن حقيته في الواقع وإن لم يعلم بدخول الإمام عليه‌السلام فيهم مثل الاتفاق على حدوث العالم ولكن الكلام في تحقق مثل هذا الاتفاق في المقام مع أنه لا وجه حينئذ لتخصيص المجمعين بالعلماء كما هو ظاهر دعوى الإجماع إذ الفرض إلغاء جهة العلم في المسائل العقليّة وملاحظة جهة حكم العقل خاصّة كما لا يخفى والحاصل أنّ المعتبر في الإجماع المصطلح هو حصول القطع من اتّفاق العلماء برضا المعصوم ومنه بالواقع والأمر في المسائل العقليّة على العكس فإنّه من اتّفاقهم فيها يحصل القطع بالواقع ومنه بما عند المعصوم إذا لم يعلم بدخوله فيهم كما هو الغالب فلا يكون إجماعا مصطلحا فحينئذ إذا حصل الاتّفاق في المسائل العقليّة فلا يخلو إما أن يعلم بدخول الإمام فيهم أم لا وعلى الثّاني إمّا أن يحصل من اتفاقهم القطع بموافقة الإمام معهم أم لا ولا حجية في الأخير وإن فرض رجوع العقل بعد ملاحظته عما جزم به أوّلا إلى التّوقف والشّك وتحقّق أحد الأوّلين في المقام أوّل الكلام سيّما مع مخالفة جماعة من العلماء وتوقف بعض آخر في المسألة ثمّ إنّه قد ظهر ممّا قدّمناه الوجه فيما أشار إليه المصنف قدس‌سره بقوله والمنقول منه ليس حجّة في المقام وذلك فإنّ الإجماع المنقول هو نقل اتفاق العلماء بحيث يكشف عن رضا المعصوم عليه‌السلام من حيث كونه شارعا وقد عرفت أنّ الاتفاق المذكور على تقدير تحصّله عندنا لا يكشف عن رضا المعصوم عليه‌السلام من الحيثيّة المذكورة والحاصل أنّ المنقول من الإجماع تابع لمحصّله فإذا لم يكن محصّله معتبرا في مورد ولو باعتبار عدم تحقّق عنوانه لم يكن منقوله أيضا معتبرا كما هو واضح هذا مضافا إلى الإشكال في حجية الإجماع المنقول رأسا كما قرّر في محلّه (قوله) على المنكشف إلخ الّذي هي الصّفة(قوله) لا الكاشف الّذي هو الفعل (قوله) وأما ما ذكر من الدّليل العقلي إلخ أقول لا بأس بأن نوضح المراد أوّلا من الدّليل المذكور ثمّ نعطف عنان القلم إلى بيان ما أورده المصنف قدس‌سره عليه فنقول إذا فرضنا شخصين قطع أحدهما بكون مائع معيّن خمرا وقطع الآخر بكون مائع آخر خمرا فشرباهما فاتّفق مصادفة أحدهما للواقع دون الآخر فاحتمال عدم استحقاقهما للعقاب حينئذ أو استحقاق غير المصادف خاصة واضح البطلان فحينئذ إمّا أن يحكم باستحقاقهما فهو المطلوب وإمّا أن يحكم باستحقاق المصادف دون غيره وهو مخالف لقواعد العدل وذلك فإنّ الصّادر منهما عن اختيار وإرادة هو شرب المائع الخارجي بعنوان أنّه خمر والمصادفة وعدمها أمران اتفاقيان خارجان من حيّز الاختيار وحينئذ فعلّة استحقاق المصادف للعقاب لا تخلو إمّا أن تكون هي شرب المائع الخارجي بعنوان أنّه خمر من دون مدخليّة للمصادفة وعدمها وإمّا أن تكون ما ذكر بشرط المصادفة وإمّا أن تكون نفس المصادفة والأوّل يقتضي استحقاق غير المصادف أيضا لوجود العلّة المذكورة فيه أيضا والثّاني كالثّالث مخالف لقواعد العدل إذ كما أنه لا يمكن إناطة الاستحقاق وعدمه بأمر غير اختياري خاصّة كذلك لا يمكن إناطتهما بأمر مركّب من الاختياري وغيره فتعيّن الحكم باستحقاق كليهما للعقاب هذا توضيح الدّليل المذكور وأمّا الجواب فبأنا نختار التّفصيل بين المصادف وغيره ونقول باستحقاق الأوّل دون الثّاني وذلك فإنّه لا كلام لنا في استحقاقهما الذّم من جهة قصدهما إلى الفعل المحرّم لخروجه من محلّ البحث وقد ثبت العفو عنه في أخبار كثيرة كما سيجيء ولا كلام أيضا في استحقاق الفاعل للذّم من حيث كشف المتجري به عن خبث سريرته وصفة الشّقاوة فيه وإنّما الكلام في استحقاق الفاعل للعقاب على الفعل المتجري به مثل شرب الخمر في المثال فنقول لا إشكال في استحقاق المصادف باتفاق من الخصم لأنّه عصى اختيارا كعصيان سائر العصاة من دون تعقل فرق بينهما أصلا وأمّا عدم استحقاق غير المصادف فلعدم صدور فعل منهيّ عنه منه وأمّا استحقاقه من حيث عزمه إلى فعل محرّم بحسب اعتقاده فقد عرفت خروجه من محلّ الكلام ولعلّ هذا هو الّذي أوقع الخصم فيما وقع فيه حيث نظر إلى كون مثل هذا الفاعل مستحقّا للذّم غافلا عن أنّ ذمّه أنّما هو من حيث عزمه إلى فعل ما اعتقد حرمته لا على كونه فاعلا لهذا الفعل مع قطع النّظر عن قبح العزم وأمّا قولك بأنّ التّفاوت بالاستحقاق وعدمه لا يحسن أن يناط بما هو خارج من الاختيار بمعنى أن التزام عدم استحقاق غير المصادف مع مشاركته مع المصادف في الفعل الاختياري لا بدّ أن يكون لأجل عدم مصادفته غير الاختياري فحينئذ لا بدّ أن يكون استحقاق المصادف أيضا لأجل مصادفته غير الاختيارية فحينئذ لا يحسن أن يناط التّفاوت بينهما بالاستحقاق وعدمه بما هو خارج من الاختيار فممنوع إذ لا قبح في عدم عقاب غير المصادف فإن القدر المتيقّن الثّابت عند العقل هو قبح العقاب بإزاء فعل لا يرجع إلى الاختيار رأسا لا عدم العقاب بإزاء فعل لأجل أمر لا يرجع إلى الاختيار أصلا لعدم ثبوت قبحه بل لا قبح فيه وحاصل الفرق بين المصادف وغيره أنّ المكلّف في صورة المصادفة لمّا كان طالبا لارتكاب ما كان منهيّا عنه في نفس الأمر فارتكب فصادف الواقع وهذه المصادفة حيث كانت بالأخرة راجعة إلى اختياره لكونها ناشئة ومسبّبة عن فعله الاختياري فلا قبح في عقابه لهذا الفعل من حيث كونه مصادفا وأمّا صورة عدم المصادفة فالمكلّف لما كان عازما على الفعل المنهي عنه في نفس الأمر فاتّفق عدم المصادفة

٢٠