جامعة الأصول

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامعة الأصول

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

١
٢

باسمه تعالى

كتابهایی که توسط کنگره بزرگداشت ملا مهدی نراقی (ره) وملا احمد نراقی (ره) با بودجه وزارت ارشاد اسلامی در ده مجلد در سال ١٣٨٠ ش چاپ شده است :

١ ـ معتمد الشیعه فی احکام الشریعه : تأليف ملّا مهدى نراقى (ره) ، فقه است وفقط كتاب طهارت آن تأليف شده.

٢ ـ شهاب الثاقب ، تأليف ملّا مهدى نراقى (ره) ، بحث امامت وفارسى است.

٣ ـ جامعة الاصول ، تأليف ملّا مهدى نراقى (ره) ، اصول فقه است.

٤ ـ الحاشية على الشفاء ، تأليف ملّا مهدى نراقى (ره) ، حاشيه الهيات شفاء ابن سينا است.

٥ ـ رسائل ومسائل ، تأليف ملّا احمد نراقى (ره) ، سؤال وجواب فقهى وغيره است بضميمه چند رساله (فارسی وعربی) در سه جلد.

٦ ـ مشارق الاحكام ، تأليف ملّا محمّد بن ملّا احمد نراقى (ره) ، قواعد فقهى است.

٧ ـ شعب المقال في درجات الرجال ، تأليف ميرزا ابوالقاسم بن ملّا محمّد بن ملّا احمد نراقى (ره) ، رجال حديث است.

٨ ـ كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء ، تأليف ملّا محمّدحسن قزوينى (ره) در علم اخلاق است وشايد بتوان آن را مختصر جامع السعادات ملّا مهدى نراقى (ره) بشمار آورد.

٩ ـ شرح احوال وآثار ملّا مهدى نراقى وملّا احمد نراقى وخاندان ايشان بضمضمه برخى از رساله هاى مختصر آنان.

ضمناً جامع الافكار ملّا مهدى نراقى (ره) (كلام وفلسفه است) نيز توسط يكى از دانشگاهیان در دست تحقیق وانتشار است.

٣
٤

٥
٦

المؤلّف (ره) في سطور :

هو الشيخ الجليل المولى محمد مهدي بن أبي ذر النراقي احد اعلام المجتهدين في القرن الثاني عشر والثالث عشر من الهجرة.

تولّد طاب ثراه في النراق وتوفّى سنة ١٢٠٩ في الكاشان ودفن في النجف الاشرف.

كان عمدة تحصيله في اصبهان عند مشايخه الكرام ملّا اسماعيل الخاجوئى (م ١٢٠٨) والحاج شيخ محمد بن محمد زمان الكاشانى (م ١١٦٦ هـ) والمولى مهدى الهرندى (م ١١٨٦) وميرزا نصير (م ١١٩١).

وقرأ شطراً من الحديث عند الشيخ الاجلصاحب الحدائق وهو من مشايخه قراءة واجازة وكذا الوحيد البهبهانى (ره).

وطبع من مصنّفاته :

١ ـ تجريد الاصول في اصول الفقه.

٢ ـ جامع السعادات في علم الاخلاق.

٣ ـ شرح الالهيات من الشفاء لابن سينا.

٤ ـ اللمعة الالهية في الحكمة وهو تلخيص اللمعات العرشية له.

٥ ـ الكلمات الوجيزة في الحكمة.

٦ ـ مشكلات العلوم.

٧ ـ محرق القلوب فارسى.

٧

٨ ـ المعتمد في الفقه الطهارة.

٩ ـ انيس التجّار في فقة المتاجر فارسى.

١٠ ـ نخبة البيان في علم المعانى والبيان فارسى.

١١ ـ قرة العيون في الحكمة.

١٢ ـ انيس الموحدين في اصول العقائد فارسى.

١٣ ـ شهاب ثاقب في الامامة. ردّ فيه على بعض المعاصرين له من علماء العامّة. فارسى.

١٤ ـ رسالة في علم عقود الانامل.

١٥ ـ جامعة الاصول في اصول الفقه (هذا الكتاب).

١٦ ـ اللمعات العرشية في الحكمة (في قيد التحقيق وستطبع ان شاء الله تعالى).

١٧ ـ جامع الافكار في الحكمة والكلام (ايضاً فى قيد التحقيق وسيطبع ان شاء الله تعالى). وله (ره) غير ذلك آثار قيّمة توجد نسخها في بعض المكتبات.

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الّذي وفّقنا لاستنباط الاحكام الشرعيّة الفرعيّة بالقاء الأصول ، وأيّدنا لاستخراج المسائل الفقهيّة بوسيلة أئمّتنا الرّاشدين الّذين هم امناؤه وأوصياء الرّسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وأرسل رسوله المصطفى لتأصيل الأصول وتأسيس المباني على فترة من الرّسل بعد ما اشرفت شموس الشرائع على الأفول.

الّذي أظهر بلطفه الموجودات من أصل العدم إلى عزّ الوجود ، وبمنّه أبرز الممكنات من مكمن الخفاء مع براءتهم الأصليّة عن شائبة الوجود إلى نور الشهود وبسط لهم بكرمه بساط الرّحمة والرّأفة والفيض والجود ، والّذي رحّج وجود المهيّات الامكانيّة على عدمها بعد ما كان الأصل فيهم العدم ، وجعل وجوداتها حادثة بعد ما كان أعدامها متّصفة بالقدم.

٩

والصّلاة على من أرسله مستصحباً للبراهين والمعجزات ومؤيّداً بالكرامات والآيات البيّنات ، وعلى آله الطيّبين وأولاده الطّاهرين الّذين شيّدوا قواعد الملّة والدّين واسّسوا أساس الشّرع المبين صلوات الله عليهم أجمعين مادامت السماوات فوق الارضين.

أمّا بعد فيقول المحتاج إلى غفران ربّه السّرمدي محمّد بن أبي ذرّ النّراقي المعروف بمهدي بصّره الله بعيوبه ونجّاه من أحزانه وكروبه :

إنّي كنت منذ دهرٍ طويل وزمان كثير عازماً على إملاء رسالة جامعة لجميع الادلّة المشتركة في إطلاق اسم الأصل عليها الّتي هي معتبرة عند أصحابنا الاماميّة ومتداولة بين فقهائنا الاثنى عشريّة ـ شكر الله مساعيهم الجميلة ـ مع ما يتعلّق بها من الاستدلال والاتيان بما ثبت عندي من تحقيق الحال وتدقيق المقال ، لانّها هي عمدة ما يستنبط منه الاحكام الشّرعيّة ويستخرج منه المسائل الفرعيّة ، وقد كان يمنعنى عن ذلك عوائق الزّمان وبوائق الدوران ولكن لم يزل هذا الخيال مختلجاً ببالي وكان ذلك دائماً من جملة آمالي حتّى وفّقني الله تعالى بلطفه العميم ، وأيّدني بكرمه الجسيم للاقتحام في هذا الامر العظيم فحمدته على منّه وتأييده وشكرته على توفيقه وتسديده ، فشرعت فيه بعد الإستغاثة إلى ربّي من خطاء القلم في مواضعه وزلّ القدم في مواقعه إنّه خير الراحمين وأكرم الحافظين.

ولمّا كان هذه الرسالة جامعة لجميع الأصول المتعارفة المتداولة مشتملة عليها فرأيت أنّ أسمّيها بجامعة الأصول ، ولنقدّم مقدّمة في ذكر

١٠

الأصول المتداولة ، وتمييز بعضها عن بعض.

اعلم أيّدك الله بتأييده وجعلك من خلّص عبيده أنّ للأصول الدّائرة على ألسنة الفقهاء عامّاً وخاصّاً ، وتحت الخّاص أخصّ منه أيضاً وهكذا إلى أن يتنهى إلى الأفراد الّتي ليس تحتها أخصّ منها ولسنا ندّعي أنّ الأعمّ الأشمل جنس عال أو عرض عامّ فإنّ هذا ليس وظيفتنا وكذا في البواقي فإنّا لا ندّعي أنّ الأمور الّتي ينقسم إليها الأعمّ الأشمل بالقسمة الأولى أجناس متوسّطة والامور الّتي ينقسم إليها كلّ واحد من هذه الأجناس بالقسمة الأولى أنواع وهكذا أو ليس كذلك ، بل كلّ عامّ عرض عامّ بالنّسبة إلى ما تحته ، فإنّ ذلك لا يليق بما نحن بصدده.

وإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ لفظ الأصل ، هو الأعمّ الأشمل الّذي ليس فوقه شيء. ثمّ انّ هذا الأعمّ الأشمل يطلق على أربعة معان بناءً على ما ذكره الشهيد الثاني (قدس‌سره) في «تمهيد القواعد» حيث قال : الأصل يطلق على معان :

الاوّل الدليل ومنه قولهم : الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنّة.

الثاني الرّاجح ومنه قولهم : الأصل في الكلام الحقيقة.

الثالث الإستصحاب ومنه قولهم : إذا تعارض الأصل والظّاهر فالأصل مقدّم إلّا في مواضع كما ذكره الشهيد (قدس‌سره).

الرابع القاعدة ومنه قولهم : لنا أصل (١).

__________________

(١) تمهيد القواعد ص ٣٢ و ٣٠١

١١

والمراد بالرّاجح ما يترجّح إذا خليّ الشّيء ونفسه مثلاً إذا خلّي الكلام ونفسه يحمله المخاطب على المعنى الحقيقي لانّه راجح.

أقول : إن كان غرضه من هذا الأطلاق أنّه إطلاق أوّليّ بمعنى أنّ كلّ واحد من هذه الأربعة داخل تحت الأصل ، وليس واحد منها داخلاً تحت الآخر ولا لفظ الأصل أيضاً داخلاً تحت واحد منها ، ومع ذلك كلّ من الأصل والدّليل مأخود بالمعنى اللّغوي أو الإصطلاحي المشهور بين القوم فيرد عليه.

أمّا اولاً أنّ الدّليل لغة واصطلاحاً أعمّ من وجه من الأصل اللّغوي. أمّا لغة فظاهر وأمّا اصطلاحاً فلأنّه عند الأصوليّين عبارة عمّا يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، وأمّا عند المنطقيّين فلإنّه عبارة عن قولين فصاعداً يلزم من العلم به العلم بشيء آخر وعلى كلا الاصطلاحين ليس الدّليل أخصّ مطلقاً من الأصل.

وأمّا الأصل الّذي يبحث عنه الأصوليون فليس له أعميّة من وجه أيضاً بالنسبة إلى الدّليل كما لا يخفى بل الظاهر أنّ الدّليل أعمّ منه مطلقاً وعلى كلا التقديرين يكون كلّ من الرّاجح والقاعدة والإستصحاب قسماً من الدّليل لا قسيماً له.

وامّا ثانياً فلانّه يمكن ادراج كلّ من الإستصحاب والراجح تحت القاعدة لأنّها ضابطة كليّة تنطبق على جزئيّاتها وهي قد تكون مستفادة من

١٢

الشّرع وقد تكون مستفادة من العقل ، والإستصحاب يصدق عليه انّه ضابطة كليّة مستفادة من الشّريعة وهذا إن لم يكن ظاهراً في الراجح بناءً على أنّ المراد منه الغالب ، فلا شكّ في ظهوره في الإستصحاب.

وإن أراد انّ هذا مجرّد اصطلاح آخر لا دخل له باللّغة ولا الإصطلاحات الأُوَل فلاضير فيه الّا أنّ الشأن في ثبوته.

إذا عرفت هذا فنقول : لما كان طريقتنا في هذه الرسالة ذكر كلّ أصل أصل من الأصول الّتي تحت هذه الأربعة والإشارة إلى أنّ هذا الأصل تحت أيّ أصل من الأصول الأربعة العامّة بالنسبة إليه ولا فائدة يعتدّ بها لنا في أنّ هذه الأمور الأربعة هل هي داخلة تحت لفظ الأصل أم لا أو بعض الأربعة داخل تحت بعض اخر أم لا ، فدخول الدّليل تحت الأصل وعدمه بل اختصاصه بالكتاب والسنّة ، ودخول الإستصحاب والرّاجح تحت القاعدة وعدمه ، لايضرّ مقصودنا ولا يتفاوت به مطلقاً ، بل كلا الأمرين على السّواء بالنّسبة إلى ما نحن بصدده ، فإنّا نذكر كلّ أصل ونشير إلى أنّه تحت أيّ أصل ممّا هو اعمّ منه اوّلا أي من غير أن يكون عامّ آخر متوسّطاً بينهما ، ولاشكّ أنّ الأصول الّتي نحن نذكرها ليست خارجة عن الأمور الأربعة بل كلّ واحد منها داخل تحت واحد من هذه الأمور الأربعة سواء كان هذا الواحد داخلاً تحت أحد من الثلاثة أم لا.

والأصول الّتي داخلة تحت الأمور الأربعة المذكورة ،

١٣

منها ماهو داخل تحت واحد منها بدون واسطة ، بل دخوله اوّليّ بمعنى انّه ليس تحت أعمّ اخر ويكون هذا الأعمّ تحت واحد من الأربعة المذكورة بل اوّل اعمّ بالنّسبة إليه هو أحد الأربعة المذكورة.

ومنها ما هو داخل تحت ما هو داخل تحت الامور المذكورة.

ومنها ما هو داخل تحت داخل الدّاخل وهكذا إلى ان ينتهى إلى ما لا شيء تحته اصلاً بل كان فرداً معيّناً.

ونحن نذكر كلّ ما يختصّ باسم خاصّ وإن كان بعضه داخلاً تحت بعض وبعد ذكرها ناتي بالاستدلال على كلّ واحد منها.

وان كان بعض منها مشتركاً مع بعض آخر في جميع الادلّة أو بعضها نشير إلى ذلك.

وبعد تمام الاستدلال بحول الله الملك المتعال نذكر شطراً اخر من الأصول الّتي ذكرها الفقهاء لا سيّما شيخنا المتبحّر الشهيد رحمه‌الله ونشير إلى أنّ كلّ واحد منها داخل تحت ايّ أصل من الأصول العامّة بالنّسبة إليه والمختصّة باسم خاصّ ليحصل بذلك للمبتديء التمرّن والوقوف في استعمال الأصول ويعلم أنّ كلًّا من الامثلة الّتي يذكرها الفقهاء من أيّ أصل من الأصول المعنونة بعنوان خاصّ.

فنقول : الأصول المستعملة الدّاخلة تحت الاقسام الاربعة.

منها أصل البراءة وذكر الشهيد الثاني (قدس‌سره) وغيره انّ هذا الأصل داخل

١٤

تحت الراجح ويمكن ان يكون داخلاً تحت القاعدة لما عرفت وهو أنّ الأصل خلّو الذمّة عن الشواغل الشرعيّة حتّى ثبت من الشارع دليل على خلافه.

ثمّ تحت هذا الأصل أصول لانّه ينقسم اوّلاً إلى قسمين :

اوّلهما أصالة البراءة من حقوق الله تعالى ما لم ينصب عليها دليل ناقل عنها.

وهذا أيضاً ينقسم إلى قسمين :

الاوّل أنّ الأصل نفي فعل وجودي هو الحرمة بمعنى انّ الأصل فيما لا نصّ فيه الاباحة يعني إذا كان الشيء دائراً بين الاباحة والحرمة فالأصل فيه الاباحة ، ويرجع إلى هذا أصالة الطّهارة في الاشياء والحل في الأعيان والاباحة في الافعال ، فحكم ما لا نصّ فيه بعد بعثة الرّسل كحكم الاشياء قبلها فإنّها قبل بعثة الرّسل على الاباحة وستسمع الخلاف الّذي وقع فيه.

الثاني الأصل نفي فعل وجودي بمعنى الوجوب بمعنى انّ ذمم المكلّفين خالية عن التكاليف الشرعيّة اعني الوجوب بل الاستحباب حتّى يثبت خلافه من قبل الشريعة.

وثانيهما أصالة براءة الذّمة من حقوق النّاس حتّى يثبت شغلها.

وقيل حجيّة هذا القسم مشروط بان لا يحدث بين هذا الشخص وبين غيره ما يناسب شغل ذمّته وامّا إذا حدث ذلك ففيه نظر كما إذا حبس شخص شاة مرضعة غصباً من مالكه فمات ولد تلك الشاة لأجل منعه من

١٥

الرّضاع ، أو منع شخص شخصاً من ربط دابّته فهربت فهلكت ،

فاكثر الفقهاء حكموا بعدم ضمان الغاصب للوالد والدّابة في الصّورتين لاصالة براءة الذمّة من حقّ المغصوب منه ولم يرد في الشريعة انّ ذلك يوجب شغلها.

والاولى ان لايفتى الانسان في مثل هذه المسائل بشيء من النفي والاثبات لأجل أصالة براءة الذمّة ، مالم يثبت شغلها لايجوز الحكم بشغل الذّمة ، إذ لا يلزم من عدم جواز الحكم بشغل الذمّه جواز الحكم بعدم شغلها فإن الجهل واسطة بينها فينبغي التوقّف في مثله انتهى حاصل ما قيل وستعرف زيادة توضيح ان شاء الله ومايرد عليه.

ومنها : أصالة نفي الحكم الشّرعي مطلقاً سواء كان وجوباً أو استحباباً أو حرمة أو كراهة وهذا ايضاً داخل تحت الرّاجح.

ومنها : استصحاب حال العقل اي الحالة السّابقة وهي عدم شغل الذّمة أو عدم شيء اخر ، فيقال : قبل ذلك لم تكن الذمّة مشغولة فكذا الان حتى يثبت الدّليل. مثلاً عند خروج المذي ، يقال : قبل ذلك لم تكن الذمّة مشغولة بالتكليف بالوضوء فكذا الان للاستصحاب.

ثمّ إنّ الحالة السّابقة يمكن أن يكون عدم التكليف وأن يكون العدم الصّرف فيستصحب كلاهما.

والفرق بين هذا القسم من الإستصحاب وأصل البراءة بشيئين :

أحدهما انّ بناء أصل البراءة على انتفاء الحكم في الحال ولايلتفت

١٦

إلى الحالة السّابقة مطلقاً ولايعتبر فيها اجراء الحكم من السّابق إلى اللّاحق ، بخلاف الإستصحاب بهذا المعنى فانّه يلاحظ فيه عدم التكليف السّابق ويجري الحكم منه إلى اللّاحق.

وثانيهما أنّ أصل البراءة لا يمكن اجراؤه الّا في نفي التّكليف ، بخلاف هذا الإستصحاب فانّه يمكن اجراؤه في نفي التكليف ونفي شيء اخر غير التكليف فإنّ عدم كلّ ممكن يستصحب إلى أن يثبت الدّليل ، ولكن في كلا العدمين يلاحظ الحالة السّابقة ويجرى إلى الحالة اللاحقة.

وبما ذكرنا يظهر عليك انّ كلّ موضع يمكن أجراء أصل البراءة فيه يمكن اجراء استصحاب حال العقل فيه ولاعكس إذ يمكن اجراء الإستصحاب المذكور في عدم امر غير التكليف ولايمكن اجراء أصل البراءة فيه.

ثمّ اعلم انّ بعضهم لم يفرّق بين أصل العدم واستصحاب حال العقل بل ، قال : هو هو بعينه ، لانّ العدم الازلي ثابت لجميع الممكنات فإذا قلنا : الأصل عدم الشيء الفلاني فالفرض انّه لما كان عدمه ازليّاً فيجب ان يستصحب حتى يثبت علّة الوجود فحينئذٍ لافرق بين أصل العدم واستصحاب حال العقل.

أقول : قد عرفت انّه يمكن أن ينفي التكليف من غير ملاحظة الحالة السابقة ، للادلّة الدّالّة على هذا من الشرع كما ستعرف إن شاء الله العزيز وهو المعبّر بأصل البراءة. وامّا استصحاب حال العقل فلا يمكن اجراؤه الّا

١٧

بالملاحظة المذكورة لانّه مقتضى ادلّته كما ستعلم.

وإذا علمت ذلك فنقول : في أصل العدم اعتبر العدم المطلق سواء كان تكليفاً أم لا بخلاف أصل البراءة فانّا إذا قلنا في الدم المشكوك فيه بانّه حيض أم لا : الأصل عدم كونه حيضاً ، والأصل عدم صحّة هذا العقد وعدم كون هذا المال من زيد إذا لم يكن في تصرّفه ، يصدق على الاعدام المأخوذة في الامور المذكورة أصل العدم ولايصدق عليها أصل البراءة ، لانّ الامور المذكورة المنفي وجودها بالأصل ليست من التكاليف ، وان امكن ارجاعها إلى أصل البراءة بطريق آخر بان يقال : الأصل عدم وجوب اقباض كلّ من المبيعين أو عدم وجوب الاعطاء ، الّا انّ هذا طريق اخر ، والمراد من الامثلة اعتبار أعدام الامور المذكورة من غير ارجاعها إلى التكاليف.

وإذا قلنا : الأصل عدم التكليف وجوباً كان أو ندباً يصدق عليه أصل البراءة والعدم كليهما لانّ العدم المأخوذ في أصل العدم اعمّ من ان يكون تكليفاً أو غيره. فأصل العدم اعمّ مطلقاً من أصل البراءة.

ثمّ ما ينفي بأصل العدم ان كان تكليفاً فيمكن نفيه من غير ملاحظة الحالة السابقة نظراً إلى ادلّة البراءة وان كان غير التكليف فلا يمكن نفيه الّا بالملاحظة المذكورة ليُثبت بادلّة الإستصحاب ولايمكن اثباته مع قطع النّظر عن ادلّة الإستصحاب كما ستعرف ان شاء الله تعالى في اواخر الفصل الاوّل بل هذا الجزء يرجع إلى استصحاب حال العقل فأصل العدم

١٨

ان لم يلاحظ في جزءه الّذي هو التكليف الحالة السّابقة ولوحظت في الّذي هو غير التكليف ، يكون مركبّاً من أصل البراءة واستصحاب حال العقل وليس عين استصحاب حال العقل ، لانّه يجب فيه ملاحظة الحال السّابقة والّا خرج عن كونه استصحاباً ، وقد عرفت انّه يمكن عدم الملاحظة في أصل العدم نظراً إلى جزءه الّذي هو التّكليف نعم ان لوحظ الحالة السّابقة فيه ايضاً يرجع إلى استصحاب حال العقل.

ثمّ اعلم انّ أصل العدم باعتبار جزءه الّذي ليس بالتكليف والحكم الشّرعي ينقسم ثلاثة اقسام :

احدهما أصل العدم في شبهة موضوع الحكم الشرعي كما إذا وجد لحم ولايدرى هل هو ميتة أم لا فيقال : الأصل عدم كونه ميتة.

وثانيها أصل العدم في متعلّقات الحكم الشّرعي كما يقال : الأصل عدم النقل.

وثالثها أصل العدم في الامور الّتي ليست من الاحكام الشرعيّة ولامن موضوعاتها ولا من متعلّقاتها كما يقال : الأصل عدم حدوث الشّيء الفلاني ولم يكن هذا الشّيء من الحكم الشّرعي ولا من موضوعاته ولا من متعلّقاته.

وينقسم استصحاب حال العقل باعتبار الجزء المذكور ايضاً إلى الاقسام المذكورة كما لا يخفى.

ومنها : استصحاب حال الشّرع ومحلّه ان يثبت حكم شرعي في وقت

١٩

ويجيء وقت آخر ولايوجد دليل على انتفاءه في هذا الوقت فالحكم ببقاء الحكم على ما كان هو الإستصحاب.

وبعبارة اخرى هو التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت أو في غير تلك الحال فيقال : الامر الفلاني قد كان وعدمه ليس بمعلوم ، فالأصل بقاؤه مثل ان يقال في مثال المذي : ان التطهّر كان ثابتاً قبل وقوع المذي فكذا بعده عملا بالإستصحاب.

وكلّ واحد من استصحاب حال العقل والشرع ينقسم إلى قسمين :

احدهما ان يعلم بثبوت حكم لمحلّ وعلم ايضاً بثبوت حكم مبطل مخالف للحكم الاوّل لعارض من عوارض ذلك المحلّ ولكن حصل الشكّ في وقوع هذا العارض ، فيقال : الأصل عدمه مثلاً إذا علمنا انّ زيداً متطهّر وعلمنا انّ الرّيح من الموضع المعتاد ناقض للتطهّر ولكن يحصل الشكّ في حصول الرّيح فيقال : الأصل عدمه.

وبعبارة أخرى ان يقال ثبوت الحكم الشّرعي لموضوع معيّن معلوم ولكن حصل الشكّ في وقوع هذا الموضوع وعدمه فيقال : الأصل عدم الوقوع بالإستصحاب والمثال كما ذكر.

ثمّ إن قلنا في المثال : ان التطهّر كان ثابتاً قبل ذلك فالاصل بقاؤه إلى ان يثبت المزيل يكون إستصحاب حال الشرع وان قلنا : انّ قبل ذلك لم يكن الذّمّة مشغولة بالوضوء فكذا الآن إلى ان يثبت الدّليل يكون إستصحاب حال العقل.

٢٠