الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

اهداء التحقيق

اقدام هذا المجهود الضئيل الى صاحب الولاية الكبرى والامامة العظمى

ابن عمّ رسول الله ، باب مدينة علمه

جوهرة العدل ، ميزان الحقّ ، مدار القسط

ربانيّين الامة ، ابى الائمة ، الكتاب الناطق ،

يعسوب الدين وهو امير المؤمنين على

عليه‌السلام روحى له الفداء

المحقق

٣

الموضوع

الصفحة

تقديم وتحقيق .............................................................. ١٠

الفصل الأوّل : حياة الشيخ الاعظم (قدس سرّه)............................. ١٢

الفصل الثانى : اساتذة الشيخ الاعظم........................................ ٢٧

الفصل الثالث : تلامذة الشيخ الاعظم...................................... ٤٦

الفصل الرابع : طلعته المباركة ومن مكارمه واخلاقه الفاضلة.................. ١٠٧

الفصل الخامس : مختصر فى دور الشيخ الاعظم فى تجديد الفقه والاصول...... ١١١

فى علم الاصول......................................................... ١١٢

فى الفقه............................................................... ١١٣

الفصل السادس : تراث الشيخ الاعظم.................................... ١١٧

الفصل السابع : هويت الكتاب وتحقيقه.................................... ١٢٥

* كتاب الفوائد الاصولية.................................................... ١٣٥

فائدة ١ : فى ان استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد غير جائز............ ١٣٦

فائدة ٢ : فى بيان حال الواجب عند كون مقدّمة وجوده غير مقدورة.......... ١٤١

فائدة ٣ : فى ثمرات الخلاف فى وجوب المقدّمة وعدمه....................... ١٤٧

فائدة ٤ : فى انّ الامر بالشيء [هل] يقتضى النهى عن ضدّه ام لا.......... ١٦٢

المقام الاوّل : فى كون ترك الضدّ مقدّمة لفعل الواجب ....................... ١٦٣

المقام الثانى : فى كون مقدمة الواجب واجبة................................. ١٧١

المقام الثالث : فى منع دلالة النهى عن الضد على فساده.................... ١٨٧

فائدة ٥ : فى ان الواجب من المقدمات هى الموصلة الى ذيها وهو مذهب صاحب الفصول   ١٩٤

٤

الموضوع

الصفحة

فائدة ٦ : فى ان ترك الضدّ من مقدمات فعل ضدّه وفعل الضدّ ليس مقدّمة لترك ضدّه       ١٩٧

فائدة ٧ : فى عدم جواز امر الآمر بشيء مع علمه بانتفاء شرطه.............. ٢٠٠

فائدة ٨ : فى انّ النزاع فى اجتماع الامر والنهى اذا تعلّقا بعنوانين كالصلاة والغصب ٢٠٩

فائدة ٩ : فى بيان معنى الكراهة والاستحباب والاباحة فى العبادات........... ٢٣٠

فائدة ١٠ : فى اشتراط التكليف بالامكان.................................. ٢٣٧

فائدة ١١ : اصل فى جواز اجتماع الامر والنهى فى الشيء الواحد الشخصى وامتناعه ٢٤١

فى اجتماع الوجوب التخييرى والاستحباب العينى والكراهة العينية.............. ٢٩٤

فى اجتماع الوجوب التخييرى مع الاستحباب التخييرى...................... ٢٩٩

تذنيب : اجتماع الامر والنهى فى المغصوبة................................. ٣١٨

حجة القول : بانّه منهى عنه وليس بمأمور به............................... ٣٢٥

حجّة من قال بانّه مامور به مع كونه معصية بالنظر الى النهى السابق.......... ٣٢٧

التعارض بين الامر والنهى................................................ ٣٤٥

فائدة ١٢ : فى انّ الامر بشيء هل يقتضى النهى عن ضدّه ام لا............. ٣٥٣

المقدمة الاولى : فى تحقيق فى كون ترك الضدّ مقدمة لفعل الآخر وعدمه........ ٣٥٥

المقدمة الثانية........................................................... ٣٧٧

٥

الموضوع

الصفحة

المقدّمة الثالثة : فى معرفة المراد من الشيء والنهى المشتمل عليهما عنوان البحث ٣٨٨

المقدمة الرابعة : فى ذكر المراد بالضدّ....................................... ٣٩٠

المقدمة الخامسة : فى بيان المراد من الاقتضاء المتنازع فيه..................... ٣٩٦

فى الضدّ العام........................................................... ٣٩٧

ثمرة النزاع.............................................................. ٤٠٢

حجة القول بنفى الاقتضاء رأسا فى الضد العام............................. ٤٠٩

حجّة القول بالعينية فى الضدّ العام........................................ ٤١٢

حجّة القول بالتضمّن فى الضدّ العام....................................... ٤١٣

حجّة القول بالعينية فى الضدّ الخاصّ...................................... ٤١٧

حجّة القول بالتضمّن................................................... ٤١٧

حجة القول بالاستلزام المعنوى............................................ ٤١٩

الكلام فى قولين آخرين :................................................ ٤٢٩

تذنيب................................................................ ٤٣٩

فائدة ١٣ : فيما اذا توجه امران من آمر واحد الى مامور واحد وبيان اقسامه وحكم كل منهما         ٤٤١

المقام الاوّل : تعلق الامرين بمفهوم واحد................................... ٤٤٣

المقام الثانى : تعلق الامرين بمفهومين........................................ ٤٤٦

المقام الثالث : ورود امرين مختلفين فى افادة الايجاب والندب على مفهوم واحد. ٤٤٩

المقام الرابع : تداخل الاسباب............................................ ٤٥٢

٦

الموضوع

الصفحة

بيان المراد من تداخل الاسباب الشرعية.................................... ٤٥٨

المفهوم والمنطوق......................................................... ٤٧٦

مفهوم الشرط.......................................................... ٤٨٥

تداخل الاسباب......................................................... ٤٩٤

مفهوم العلّة.............................................................. ٥٠١

فائدة فى مفهوم الغاية.................................................... ٥٠٣

فائدة ١٥ : فى اقسام الخاص المردّد بين الأقلّ والاكثر الارتباطيين وحكم كل منها ٥١٠

فائدة ١٦ : عدم جواز التمسّك بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص........... ٥٢٢

فائدة ١٧ : انّ التخيير بين الاقلّ والاكثر فى الامتثال لا يتصوّر اذا تعلّق الامر بالطبيعة ٥٣٣

فائدة ١٨ : معانى حرف النفى اذا دخل على فعل فى كلام الشارع............ ٥٣٦

فائدة ١٩ : المجمل والمبيّن................................................. ٥٣٩

فائدة ٢٠ : فى الادلّة العقلية.............................................. ٥٥٢

تقسيم الحكم العقلى الى التكليفى والوضعى................................ ٥٥٩

فى ان معنى حكم العقل بالحسن والقبح هو استحقاق الثواب والعقاب.......... ٥٦٠

مستند منع الملازمة بين حكم العقل بالحسن والقبح وحكم الشرع بالوجوب والتحريم ٥٦٥

بيان تطابق العقل والشرع................................................. ٥٩٢

بيان قاعدة كلما حكم به العقل حكم به الشرع............................. ٥٩٨

المقام الاوّل : كون العقل حجة برأسه...................................... ٦٠٤

فيما استدلوا به على نفى اعتبار العقل..................................... ٦٠٥

٧

الموضوع

الصفحة

بيان كلام صاحب الوافية : «ان الكلام فى اثبات الملازمة بين حكمى العقل والشرع قليل الجدوى»      ٦١٢

فى ان الاصل فى الافعال الخالية عن امارة المفسدة : الحظر ام الاباحة؟.......... ٦١٦

معنى الحكم الواقعى والظاهرى............................................. ٦٢٢

التخطئة والتصويب....................................................... ٦٢٥

فائدة ٢٢ : فى وجوب ترتيب المجتهد آثار الفعل الصحيح على ما يصدر من مجتهد آخر يخالفه فى المسألة       ٦٣٤

فائدة ٢٣ : فى حكم المتجزّى انه يجوز ان يعمل بظنّه ام لا ، والغير يجوز ان يعمل بقوله ام لا ٦٤٥

فائدة ٢٤ : بيان حكم الجاهل فى معاملاته وعباداته من جهة العقاب وعدمه والصحة وعدمها ٦٤٨

فى حكم الجاهل بالجهل المركب........................................... ٦٤٩

فى الجاهل المستند عمله الى الاجتهاد او التقليد او الاحتياط وغير المستند اليها فى العمل ٦٥٨

فائدة ٢٥ : فى الاجزاء وعدمه ............................................ ٦٧٢

فائدة ٢٦ : فى ان الشك السارى مانع عن الاستصحاب.................... ٦٧٥

فائدة ٢٧ : مبحث التقليد............................................... ٦٧٩

بيان حكم التقليد....................................................... ٦٨٣

فى المقلّد............................................................... ٦٩٠

٨

الموضوع

الصفحة

الكلام فى المقلّد........................................................ ٦٩٥

عدم جواز تقليد الميّت................................................... ٦٩٧

فى تقليد الاعلم وبيان انه واجب مطلقا او فى صورة اختلاف فتواه لفتوى غير الاعلم ٧١١

مناط الاعلميّة........................................................... ٧٢٥

الكلام فى المقلد فيه..................................................... ٧٢٦

فى التبعيض فى التقليد................................................... ٧٣٥

اخذ الفتوى العام للعمل فى فرد خاص..................................... ٧٣٧

فى حكم المسألتين المرتبطتين.............................................. ٧٣٨

الاحتياط والالتزام فى العمل بقول المجتهد................................... ٧٤١

تقليد العام والخاص فى قول المجتهد......................................... ٧٤٢

نسيان فتوى المجتهد..................................................... ٧٤٣

فى الرجوع الى الاعلم او الاورع............................................ ٧٤٥

فائدة ٢٨ : فى ان القدر المتيقن من بين الامارات الظنية هو خبر العادل المفيد للاطمينان     ٧٤٦

معنى الظن الاطمينانى..................................................... ٧٤٨

فى الامارات التى تستفاد منها حجية مطلق الخبر المطمئن بصدوره عن المعصوم عليه الصلاة والسلام      ٧٤٩

فى عدم حجية الخبر المظنون الصدور بمطلق الظن الذى لم يبلغ حد الوثوق والركون ٧٥٣

فهرس الاعلام........................................................... ٧٥٧

٩

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم وتحقيق

الحمد لله الذى بعث فى الاميين رسولا منهم : يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وصلّى الله على اشرف بريّته وصفوته ابى القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اما بعد : فيقول الفقير الى الله المحتاج الى ربّه الغنى حسن بن محمد بن غفار المراغى غفر الله لهم فى الدارين ، انّى اوان شروع دراسة كتاب «معالم الدين» كنت فى مدرسة مسجد الجامع بمراغة وقد بلغت الخامسة عشرة ، كان استاذى المرحوم الشيخ اكبر الحسامى (١) ـ رحمه‌الله ـ بارزا ومتخصصا فى تدريس الفقه والاصول فى دورة السطح وكان يكرر كثيرا ذكرى الشيخ الاعظم خلال درسه ويشير الى كتابيه «الرسائل» و «المكاسب» واقواله وانظاره ، وغرضه تحريض الطالب وتشديد شوقه الى كتب الشيخ الاعظم ، ثم وصلت النوبة الى تدريس كتبه واستمر ، واذا وجدنا استاذ المجتهدين بحرا موّاجا ليس له ساحل واوقعنا فى معرض امواج مهيبة وغرقنا فى بحر معالمه

__________________

(١) اعتقله نظام الطاغوت زمن النهضة (خرداد ١٣٤٢ ش) وتوقف تدريسه شهرا فى مراغة وقام استاذنا الآخر المرحوم الشيخ محمد الامينى المراغى اعلم علماء المدينة على امره وجدّ فيه واخرجه من سجن الظلمة رحمهما‌الله رحمة واسعة.

١٠

القويمة وانظاره العميقة وتمت الدورة ، ونحن قد كنا بقينا عاجزا فى علاج كثير من مشاكله الفقهية والاصولية.

ـ اجل! عرفنا آنذاك انه هو الشيخ الاعظم استاذ الفقهاء على الاطلاق ، تحقيقاته وبراهينه تثلج الصدر وتملوه يقينا.

بعد انتقالى الى جامعة طهران وشروع دراسة القانون وجدت الدروس الجامعية سهلا وساذجا فعزمت على تكميل دراستى الحوزوية فى طهران فى المنقول والمعقول ومنها تجديد دراسة كتب الشيخ الاعظم ، اشتدّ شوقه فى نفسى ودفعنى الى البحث عن مبادى واسسه العلمية وآثاره.

الخوض فى فقهه واصوله اضطرّني الى الفحص عن بقية اعماله وتقريرات دروسه فى مكتبات طهران وعثرت على نسخ ومجاميع مخطوطة كثيرة فى المكتبة المركزية فى جامعة طهران ـ مكتبة ملك ـ مكتبة مجلس واستنسخت من بعضها لنفسى ، ومنها هذا الكتاب الذى بين يديك.

امّا تقديمنا فيشتمل على فصول :

الفصل الاوّل : حياة الشيخ الاعظم

الفصل الثانى : أساتذة الشيخ الاعظم

الفصل الثالث : تلامذة الشيخ الاعظم

الفصل الرابع : طلعته المباركة ومن مكارمه واخلاقه الفاضلة

الفصل الخامس : مختصر فى دور الشيخ الاعظم فى تجديد الفقه والاصول

الفصل السادس : تراث الشيخ الاعظم

الفصل السابع : كتاب «الفوائد الاصولية»

١١

الفصل الأوّل حياة

الشيخ الاعظم (قدس سرّه) (١)

هو علم العلم ومنبع الفضيلة والتقوى ، امام أئمة التحقيق على الاطلاق ، استاذ الفقهاء والمجتهدين ، من لم يبلغه من تقدم عليه ولا يحوم حوله من تأخر عنه ، انتهى اليه مرجعية الفتوى وعلوم الشيعة فى القرن الثالث عشر ، المجتهد المجدّد شيخ طائفة الامامية وشيخ مشايخنا ، الشيخ الاعظم مرتضى بن الشيخ محمد امين بن الشيخ مرتضى بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ محمد شريف بن الشيخ احمد بن الشيخ جمال الدين بن الشيخ حسن بن الشيخ يوسف بن الشيخ عبيد الله بن الشيخ قطب الدين محمد بن زيد بن ابى طالب

__________________

(١) اعتمدنا فى ترجمة المصنف على مصادر منها : ١ ـ معارف الرجال : الشيخ محمد حرز الدين ٢ ـ تكملة امل الآمل : السيد حسن الصدر ٣ ـ المآثر والآثار : محمد حسن اعتماد السلطنة ٤ ـ روضات الجنات : محمد باقر الموسوى الخوانسارى ٥ ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة : الشيخ آغا بزرگ الطهرانى ـ ٦ ـ الكرام البررة : له ايضا ٧ ـ نقباء البشر : له ٨ ـ مصفى المقال : له ٩ ـ هدية الرازى : له ١٠ ـ قصص العلماء : الميرزا محمد التنكابنى ١١ ـ مستدرك الوسائل : الميرزا حسين النورى الطبرسى ١٢ ـ الفوائد الرضوية : الشيخ عباس القمى ١٣ ـ ريحانة الادب : محمد على المدرس الخيابانى التبريزى ١٤ ـ علماء معاصرين : ملا على الواعظ الخيابانى ١٥ ـ مقدمة المكاسب السيد محمد كلانتر ـ ١٦ ـ مكارم الآثار : الميرزا محمد على المعلم الحبيب آبادي.

١٢

المعروف بالجابر الصغير بن عبد الرزاق بن السيد جميل بن جليل بن نذير بن جابر بن عبد الله الانصارى بن عمرو بن حزام بن ثعلبة بن حزام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة العقبى بن زيد بن جشم بن خزرج بن عامر بن زيد بن نصر بن سلامة بن نصار بن مسلم بن رامل بن سالم بن مرّة بن مذكور العرب بن زيدان بن مصلح بن قيذار بن اسماعيل (ذبيح الله) بن ابراهيم عليه‌السلام.

هذا ما اثبت نسبه الشريف امين الواعظين الطهرانى ـ الذى كان من اسرة المترجم له ـ فى الجزء الأوّل من كتاب «حدائق الادب در نوادر عرب» واضاف انه وجد هذه المشيخة عند بعض بنى اعمامه فى دزفول.

ونحن نورد اقوال اصحاب التراجم فى نسبه وبعض اجداده ، قال صاحب «مكارم الآثار» :

«وفى سلسلة نسب المصنف ـ كما مر ـ نظر لان بعض المترجمين ذكر لجابر بن عبد الله نسبا آخر كما فى «ناسخ التواريخ» ، ولقلة عدد الانساب بين المصنف وجابر بن عبد الله». (١)

وذكر صاحب «معارف الرجال» فى نسب المصنف : «هو الشيخ مرتضى بن الشيخ محمد امين بن الشيخ مرتضى بن الشيخ شمس الدين بن احمد بن نور الدين بن محمد صادق الانصارى التسترى» (٢).

كما ترى فيه اختلاف مع ما مرّ من امين الواعظين الطهرانى الذى اعتمد عليه اكثر المترجمين.

قالوا : ان نذير بن جابر بن عبد الله الانصارى كان مع قواد الاسلام زمن

__________________

(١) مكارم الآثار : ٢ / ٤٨٩ و ٤٩٠

(٢) معارف الرجال : ٢ / ٣٩٩

١٣

فتح تستر ودخلها وبقى فيها مع عائلته وولدين له ، هما جليل والسيد جميل ، كان الاخير رجلا عابدا زاهدا ورئيس العشيرة ، له اراض وجنّات كثيرة فيها ولقب «السيد» اطلق عليه لرياسته لا لانتسابه الى هاشم.

اما عبد الرزاق بن السيد جميل كان اديبا وشاعرا نسب اليه :

وكم ساكت نال المنى بسكوته

وكم ناطق يجنى عليه لسانه

وابو طالب بن عبد الرزاق المعروف بالجابر الصغير كان وجيها فى زمانه ومدفنه وقع خارج دزفول وصار مزارا.

زيد بن ابى طالب كان زاهدا وقانعا توفى فى تستر ودفن فيها وكان ولده الشيخ قطب الدين محمد عارفا ونسبت اليه كرامات وسكن فى النجف وتوفى فيها.

الشيخ عبيد الله بن الشيخ قطب الدين محمد عاش مائة وعشرين سنة وولده الشيخ يوسف كان شجاعا وعاش مائة وثلاثين سنة.

امّا الشيخ حسن بن الشيخ يوسف كان بارزا فى المعقول وسكن فى تستر وتوفى ودفن فيها.

كان ابنه الشيخ جمال الدين من الزهاد والعباد الصالحين وله كتب منها : «تاريخ تستر» «عين اليقين در معالم دين» ، «نوادر عرب» عاش سبعين عاما.

الشيخ احمد بن الشيخ جمال الدين رئيس العشيرة له اولاد وهم : الشيخ حسين كان من علماء عصره ـ الشيخ محمد شريف كان فى سلسلة نسب المصنف وكان شاعرا ، له خط جميل كتب قرآنا بخطه كان فى مكتبة ناصر

١٤

الدين شاه وله قصيدة فى خروج اهل البيت من المدينة الى شهادتهم ومطلعها :

ذكر الطفوف ويوم عاشوراء

منعا جفونى لذّة الاغفاء

امّا ولده الشيخ شمس الدين كان طالبا سافر الى النجف وتوفى فيها ودفن بوادى السلام.

كان اولاده : الشيخ احمد ـ الشيخ عبد الرضا ـ الشيخ مرتضى وكان الاخير فاضلا والف كتبا فى الفقه وهو من سلسلة نسب المترجم له ، ومن ابنائه : الشيخ محمد امين ـ الشيخ محمود ـ الشيخ احمد ، وللاخير ولد يسمى الشيخ حسين كان استاذا للشيخ الاعظم ، والشيخ محمد امين كان عالما وعاملا ومروجا للدين توفى بمرض الطاعون سنة ١٢٤٨ ه‍ ودفن فى كاشفية بابا يوسف خارج دزفول وبعده صار المحل مقبرة لهذه الاسرة.

امّا اولاد الشيخ محمد امين فكانوا : الشيخ مرتضى وهو اكبرهم ـ الشيخ منصور ـ الشيخ محمد صادق (١) ، هذا مختصر فى ترجمة اجداد الشيخ الاعظم.

امّا الشيخ الاعظم «قدس سرّه»

ولد فى دزفول عيد الغدير سنة ١٢١٤ ه‍ ، كان ابوه ـ كما مرّ ـ من العلماء العاملين ، امّا والدته فهى بنت الشيخ يعقوب الانصارى وكانت عابدة

__________________

(١) مكارم الآثار : ٢ / ٤٩٣ ـ ٤٩٠

١٥

تقية ، مواظبة على القيام بجميع العبادات من الفرائض والنوافل ، مكبّة على صلاة الليل وقيل انها بلغت من الورع وصلابة الايمان مقاما خاصا ولها بوادر فى حياتها ونقل بعض اهل النظر بادرتين لها وقال :

«الاولى : انها لم ترضع هذا المولود المبارك طيلة ارضاعها له الّا وهى متطهرة.

الثانية : انه كان للشيخ الاعظم اخ يسمى الشيخ منصور من اهل العلم والفضيلة وكان فقير الحال ـ كما هى شيمة العلماء ـ كثير العيال فرقت عليه والدته فاخبرت ولدها الاكبر الشيخ الاعظم حين ان القت رئاسة الامامية مقاليدها اليه ، واصبح زعيما مطلقا فى الاصقاع الشيعية فدعته لمساعدته باكثر من الرواتب الجارية على روّاد العلم وطلابه التى كان يجريها عليهم الشيخ الاعظم حسب احتياجاتهم.

فقالت مخاطبة له : ان اخاك ضعيف الحال ، كثير العيال وراتبه المقرر لا يسدّ مصاريفه اليومية وانت بهذه الحالة والاموال تحت تصرفك وتتمكن من اعطائه اكثر مما تعطى الآخرين.

فلما سمع الشيخ الاعظم مقالة أمّه ناولها مفاتيح الغرفة التى فيها الاموال قائلا لها بلهجة المؤمن الذى لم يخضع لمنطق العاطفة :

هاك يا امّاه! مفاتيح الغرفة وافتحيها وخذى من الدراهم البيض والدنانير الصفر ما شئت وما يكفى ولدك الفقير على ان اكون انا فى حلّ وتتحملين انت تبعاته ومسئولياته.

يا امّاه! ان هذه الاموال التى ترينها مجتمعة عندى هى حقوق الفقراء و

١٦

ذوى الحاجات توزع عليهم على حد سواء فكلهم فيها سواسية كاسنان المشط لا تمييز بين احد وآخر.

يا امّاه! ان كان لك فى الغد جواب عن الزيادة التى تأخذ فيها لولدك فاعملى ما شئت فان ورائك حسابا دقيقا فما ذا تصنعين؟

فزعت الوالدة من هذه الكلمات وسرت رعدة الخوف من الله ـ عزوجل ـ فى جميع اوصالها ، وعلمت ان لها يوما عسيرا وحسابا دقيقا لا يشابه عالم المادة والشهوات فرفضت المفاتيح وسلمتها الى ولدها وتابت الى الله ـ تبارك وتعالى ـ من تلك المبادرة التى لم تتدبر عواقبها فى بداية الامر وتناسب بؤس ولدها الفقير واملاقه ، اعتذرت منه». (١)

وامّا جدّه لابيه الشيخ يعقوب وعمه الشيخ حسين الانصارى كانا من العلماء ، فنشأ الشيخ الاعظم فى تلك الاسرة والبيئة الاسلامية وبعد ختم القرآن وتعلم الكتابة والعلوم العربية اكبّ على العلوم العقلية والكلام واتقن كلّها وبلغ مرتبة سامية ، وفى العقد الثانى من عمره اخذ فى دراسة الاصول والفقه وحضر درس عمّه الشيخ حسين الانصارى وبعض علماء بلده ، وكانت دراسة الشيخ الاعظم دراسة تعمق وتحقيق فيها.

بعد هذه المرحلة اراد تكميل دراسته والوصول الى اسمى درجاته وهو الاجتهاد ويمكن تحقيقه مع الحضور فى بحث اساطين العلم والاجتهاد فى حوزات علمية كبرى مثل النجف وكربلاء واضطر الى المهاجرة ، ذكر

__________________

(١) ـ وردت هذه القصة فى مقدمة المكاسب دون ذكر مصدرها : صص ٢٦ و ٢٥ طبعة النجف ١٣٩٢ ه

١٧

اصحاب التراجم تفصيلها وثمة اوردوا قصصا فى اسفاره التى تختلف الروايات فيها ونحن نوردها عينا لانها ذات اهمية كبيرة فى هذا المجال :

فى سنة ١٢٣٢ ه‍ قد بلغ الشيخ الاعظم ثمانية عشر سنة ثم عزم مع والده على زيارة الائمة عليهم‌السلام فى العراق حتى وصلا كربلا وكانت الرئاسة العلمية فيها للعلمين : السيد محمد المجاهد صاحب المناهل (المتوفى سنة ١٢٤٢ ه‍) وشريف العلماء المازندرانى (المتوفى سنة ١٢٤٦ ه‍) فورد مع والده مجلس درس السيد وكان حافلا بالافاضل وجلس والد الشيخ الاعظم قريبا من السيد وهو آخر مجلس بمقتضى سنه وادبه ورحّب السيد المجاهد بوالده ، كان بحثه فى جوانب حرمة صلاة الجمعة ووجوبها فى عصر الغيبة ، ثم ان الوجوب عينى او تخييرى ، فجرى الكلام وطال البحث والمناقشة وقال السيد بالحرمة فاخذ الشيخ الاعظم الشاب يبحث فى الموضوع واقام ادلة على القضية واعجب الحاضرين فمال السيد المجاهد الى الوجوب ، ثم شرع الشيخ الاعظم فى نقد الادلة المذكورة واقام ادلة اخرى على حرمة صلاة الجمعة فاز فازداد تعجب السيد المجاهد والحاضرين من كثرة علم الشيخ الاعظم وتدقيقه.

ونقلوا فى رواية اخرى : ان الشيخ حسين الانصارى ـ عمّ الشيخ الاعظم ـ قال لوالده حين العزيمة انك بعد ملاقات السيد المجاهد ابلغ سلامى اليه ، وهو بعد دخوله كربلا حضر فى مجلس درس السيد وعمل بوصية اخيه ، قال السيد المجاهد للشيخ محمد امين : سمعت ان اخاك الشيخ حسين يقيم صلاة الجمعة فى دزفول؟ وكان الشيخ الاعظم فى آخر المجلس توجه نحو السيد و

١٨

قال : هل فى وجوبها شكّ؟

فأفاد ثمانية عشر دليلا على وجوبها واعجب الحاضرين.

سأل السيد : من هذا؟ قال الشيخ محمد امين : هو ابنى فرحّب السيد به.

قال السيد المجاهد لوالده : امض لشأنك بعد ما تقضى وطرا من زيارتك ودعه هنا يشتغل بطلب العلم وانا كفيل معيشته فان له مستقبلا باهرا ، لتفرّسه فيه النبوغ فامتثل امر السيد وابقى ولده فى كربلاء فذهب الى شأنه.

ثم اشتغل الشيخ الاعظم بطلب العلم وحضر مجلس درس السيد المجاهد وشريف العلماء الى اربع سنين حتى محاصرة كربلا من قبل داود پاشا العثمانى سنة ١٢٤١ ه‍ ، فخرج اهل العلم وجملة من المجاورين الى الكاظميّة ومعهم المترجم له ، ومنها مع عدّة من الزوّار الدزفوليين عاد الى موطنه واقام هناك ما يقرب من سنين ثم رجع الى كربلاء وحضر درس شريف العلماء.

بعد سنة هاجر الشيخ الاعظم الى النجف وحضر درس الشيخ موسى كاشف الغطاء حدود سنتين فوجده فقهيا بصيرا بقوانين الفقه وعالما بمبانيه ، ثم غادر النجف وعاد الى دزفول.

بعد مدة اراد الشيخ الاعظم زيارة الامام رضا ـ عليه‌السلام ـ والاستفادة من محضر علماء ايران والاجتماع معهم ومنعه والدته وبعد اصرار الشيخ اتفقا على ايكال الامر الى الاستخارة ، واستخار الشيخ الاعظم وفتح القرآن المجيد وقرأ الآية المباركة :

١٩

«.. ولا تخافى ولا تحزنى انّا رادّوه اليك وجاعلوه من المرسلين» (١)

وقيل اراد السفر مع اخيه الشيخ منصور وهكذا استخار الله وفتح كتابه اذا بالآية المباركة :

«قال سنشدّ عضدك باخيك و...» (٢) فخرجا ودخلا مدينة بروجرد وكان رئيس المدرسة العلمية فيها الشيخ اسد الله البروجردى الشهير بحجة الاسلام ، بعد ملاقات الشيخ دار الترحيب بينهما ، قال بعض اصحاب التراجم ـ وانفرد به ـ : «لم يقف الشيخ البروجردى على مدى علمية الشيخ الانصارى ولم يكن على معرفة سابقة به فطلب من الشيخ الاعظم بقائه فى بروجرد ليكون مدرسا لولده فى مدرسته فاحس الشيخ بذلك فقال لاخيه : اين كتاباتك فى دروسك التى القيتها عليك فى الطريق هاتها فجاء بها فى ساعته وقدمها للشيخ البروجردى فندم عمّا قاله وطالعها فاطلع على مدى مقام الشيخ الاعظم العلمى واعتذر ثم اخذهما الى داره وبقيا عنده ثلاثين يوما معززين ومكرّمين» (٣)

قال صاحب «المآثر والآثار» انه استفاد من درس الشيخ البروجردى ، لكن البعض الآخر انكره. (٤)

ثم غادرا بروجرد ودخلا اصفهان واستقرا فيها حين زعامة السيد محمد باقر الشفتى الشهير بحجة الاسلام الرشتى وكان رئيس المدرسة العلمية.

__________________

(١) ـ القصص : ٧.

(٢) ـ القصص : ٣٥.

(٣) ـ السيد محمد كلانتر : مقدمة المكاسب : ص ٤٢.

(٤) ـ المآثر والآثار : ص ١٨٩ اعتماد السلطنة.

٢٠