النذير الأخير

خالد إسماعيل إبراهيم

النذير الأخير

المؤلف:

خالد إسماعيل إبراهيم


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتاب المصري
الطبعة: ٠
ISBN: 977-17-0597-9
الصفحات: ٢٥٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة

سبحان الله الذى له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شيئ فقدره تقديرا.

والحمد لله الذى بعث فينا رسولا منا يتلوا علينا آياته ، ويعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا ويعلمنا ما لم نكن نعلم ، اللهم فصلّ وسلم وبارك عليه سلاما تسليما وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه بهدى وإحسان إلى يوم الدين.

والشكر لله الذى خلق بن آدم فى احسن تقويم ، ثم رد الذين كفروا وصدوا عن سبيله أسفل سافلين ، وزاد المؤمنين الذين يعملون الصالحات حسنا ومفازا ، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين المخلصين.

اما بعد :

مما دفعنى إلى كتابة هذا الكتيب موقف حدث مع بعض الزملاء ، حين ركبنا المترو بعد العمل ، فالتقينا بزميل آخر تكلم معنا عن الكتب والدين ، ثم وصل به الحديث إلى قصة موسى والخضر عليهما‌السلام ، وكان يستمع إلى هذا الزميل بعض الشباب ، فتكلم احدهما وقال : " هل النبى عليه أفضل الصلاة والسلام تحدث عن التليفون المحمول؟ " فسكت الزميل ولم يجد ردا على هذا السؤال ، وفى الحقيقة ان هذا السؤال يحمل معانى كثيرة ، واشياء كثيرة ، ويفتح الباب إلى أسئلة اكثر وأعمق تدور حول معنى واحد وهو علم مطابقة المحدثات التى بين يدينا وبين نصوص آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، وهذا العلم له رواده وعلماؤه ممن فتح الله عزوجل عليهم بهذا العلم ، وهم قليلون جدا ، ولان هذا العلم يعتمد على تأويلات جديدة لنصوص آيات القرآن الكريم مما يجده العالم مطابق

٣

للمحدثات التى بين يدينا ، وذلك مما يجعلنا بين تأويلين للآيات ، تأويل السابقين الذين يستندون على اقوال الرسول عليه افضل الصلاة والسلام والصحابة والتابعين وباسانيد قوية ، وتأويل العلماء المميزين المطابق تماما للآيات مع بعض المحدثات التى بين يدينا ، ولان هذا الكتاب "(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت ٤٢ فلا يحتمل تأويلين للآيات ، فألزم علينا البحث فى علوم القرآن نفسه للتحقق من صدق أقوال وأسانيد الأولين ولا حرج.

ولهذا فإن هذا العلم من اخطر العلوم فى الدين ، وعلماؤه هم أكثر العلماء إلماما بالاحاديث النبوية الشريفة ، وكتبهم اكثر الكتب جهدا ، والزمت علينا الامانة ان نذكرهم قبل البدء فى هذا الكتيب ، وذلك لسمو هدفهم ورفعة مرادهم سائلين المولى عزوجل ان يجعل مثواهم الجنة الاحياء منهم والاموات ، وذكرهم على سبيل الاختصار :

١ ـ الشيخ الغمارى رحمه‌الله وكتابه" مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية" المتوفى فى أوائل التسعينات.

٢ ـ الشيخ حمود بن عبد الله التويجرى وكتبه" الفتن ـ الملاحم ـ أشراط الساعة" وهو من العلماء السعودين المعاصرين المتوفى ١٤١٣ ه‍ ٣ ـ الشيخ أبو بكر الجزائرى ورسالتاه" اللقطات فى بعض ما ظهر للساعة من علامات" ـ والاحاديث النبوية الشريفة فى اعاجيب المخترعات الحديثة" وللتعرف عليهم إما عن طريق كتبهم المذكورة أو عن طريق كتاب الاستاذ الدكتور فاروق الدسوقى فى الجزء الثانى من موسوعته لأشراط الساعة ـ القيامة الصغرى على الابواب ـ ما بين صفحتى ١٥٨ ، ١٨٠.

٤

وجاءت مطابقة بعض الآيات بالمحدثات التى بين يدينا فى بعض تفسيرات الإمام / محمد متولى الشعراوى رحمه‌الله ، وجاءت هذه المطابقة فى بعض برامج الدكتور / مصطفى محمود فى بعض الآيات.

يتبقى عالمنا المصرى الاستاذ دكتور / فاروق الدسوقى ، وهو العالم الذى فتح الله عليه باكثر عدد من السور والآيات بالتطابق لما بين يدينا من المحدثات ، حيث طابق الآيات بأسطول بحرى حربى متكامل من غواصات وزوارق بحرية وسفن حربية عملاقة ، وأسراب طائرات حربية بغاراتها المدمرة وأقمار صناعية واكتشاف الإنسان للطاقة الشمسية واستخدام الإنسان للمواصلات الحديثة مما تسير فى الأرض أو تطير فى السماء بمحطاتها الرئيسية ومطاراتها ، ومن الأحاديث النبوية وصل إلى ذكر التليفون المحمول ، وجاءت هذه المطابقات فى الجزء الثالث من موسوعته لأشراط الساعة ـ القيامة الصغرى على الأبواب ـ أمارات القيامة العلمية والتكنولوجية فى الكتاب والسنة.

ولما رأيت ان هذا الكتيب إضافة إلى ما فتح الله عزوجل على عالمنا المصرى الأستاذ الدكتور / فاروق الدسوقى ومن قبله فى مجال المطابقة بين نصوص الآيات القرآنية والمحدثات التى بين يدينا ، وهذه الإضافة جاءت فى ثلاثة نقاط وذلك بفضل الله عزوجل.

أولهم : هو رفع الحرج لإثبات ان ما جاء فى التفسيرات السابقة للأولين لهذه الآيات الحاملة لأشراط الساعة غير مقبول بالادلة والبراهين من القرآن الكريم نفسه ، وذلك لان تأويل آياتها لا تحتمل المعنيين.

ثانيهم : إضافة تطابق أشراط اخرى للساعة من آيات القرآن الكريم مع بعض المحدثات التى بين يدينا مثل : الراديو والتليفزيون ومراحل

٥

تطورهما ، والصواريخ العادية والصواريخ الحاملة لرءوس نووية والصواريخ عابرات القارات والطائرات المدنية ووسائل المواصلات الحديثة الجماعة التى تدب فى الأرض ، واثبات المولى عزوجل انه عند ما تظهر هذه المحدثات بين يدينا والمذكورة فى القرآن الكريم لا يفقهونها الناس بسبب لعبهم ولهوهم عنها وذكر الطريقة التى تهلك بها امريكا" عاد الآخرة" فى القرآن الكريم.

ثالثهم : عند مطابقة هذه المحدثات بنصوص آيات القرآن الكريم مطابقة سليمة لا تدع مجال للشك ظهر ذكر المهدى عليه‌السلام ـ بشدة وقوة فى القرآن الكريم وهذا ما لم يكشفه أى علم آخر من علوم القرآن ، وفتحت الطريقة آيات اخرى لذكره عليه‌السلام ، كما ان الطريقة فتحت العلم إلى مفهوم اليوم الآخر وعدد آياته المذكورة فى القرآن والفارق بينه وبين يوم القيامة كما فتحت الطريقة معرفة الاختلاف بين ثلاثة مفاهيم وهى زلزلة الساعة والساعة ويوم تقوم الساعة.

ولهذه الثلاثة نقاط الزمت على الأمانة أن أكتب هذا الكتيب خشية من الله عزوجل أن اكون كاتم لعلم من علوم الله عزوجل ، فجاءت طريقة هذا الكتيب كالآتى :

١ ـ الالتزام بقول الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨))

صدق الله العظيم

سورة محمد

٦

وذلك وحديث على بن أبى طالب كرم الله وجهه عن النبى عليه أفضل الصلاة والسلام أنه قال :

" اتانى جبريل فقال : يا محمد إن الأمة مفتونة من بعدك قلت له : فما المخرج يا جبريل. فقال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم ، وهو قول الفصل ليس بالهزل ، ان هذا القرآن لا يليه من جبار فيعمل بغيره الا قصمه الله ، ولا يخلق عن رده ، وهو الذى لا تفنى عجائبه ، من يقل به يصدق ومن يحكم به يعدل ومن يعمل به يؤجر ، ومن يقسم به يقسط".

صدق رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام

للإمام احمد فى مسنده

ولقول الله عزوجل" فقد جاء أشراطها" فلا بد ان تكون أشراط الساعة موجودة فى كتاب الله وهو القرآن الكريم ، ولقول جبريل للنبي عليهما الصلاة والسلام عن القرآن الكريم انه فيه" خبر ما بعدكم" ، فلا بد ان يكون خبر أشراط الساعة موجود فى القرآن الكريم والآية" فقد جاء اشراطها" مؤيده للحديث.

٢ ـ الالتزام بالمعنى والحرف لقول الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤))

النحل ٤٤

صدق الله العظيم

وهو الالتزام بالتفكير فى ذكر الله عزوجل وهو القرآن الكريم على ثلاثة محاور رئيسية لا رابع لهم وهم :

أ ـ التفكير بعلم : ـ وهو علم قراءتي راسخ وهى علوم كثيرة.

٧

ب ـ التفكير بهدى : ـ وهو تدبر الآيات الحاملة لأشراط الساعة فى نور المحدثات التى بين يدينا مع الالتزام بعلوم القرآن ، للاهتداء إليها.

ج ـ الإثبات لهما بكتاب منير :

وهو القرآن الكريم نفسه ، واتخاذ آياته كبرهان ودلالة عليها.

وهذا العلم الذى وضع منهجه هو الله عزوجل لقوله :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ(٨))

الحج ٨

صدق الله العظيم

فإذا توافرت هذه الامور الثلاثة فى التفكير" لعلهم يتفكرون" لوجدنا أحاديث النبى عليه أفضل الصلاة والسلام مبينة لهذا الذكر ، وإذا تواجد حديث متعارض مع العلم القرآنى الراسخ الذى تم التفكر فيه بهدى وتم اثباته بكتاب منير وهي آيات القرآن الكريم نفسها فلا يوضع الحرج على هذا ، بل يوضع الحرج على الحديث نفسه ويؤخذ بمحمل من كذب على النبى متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ولا حرج ، وهذا ما تم اثبات فى هذا الكتيب.

أما البعد عن هذا التفكر والتدبر للقرآن فهو ظلم للانفس ، وذلك لأن إلزامية التفكر والتدبر لآيات القرآن الكريم وأوجبها الله عزوجل بكثرة فى الكتاب ، وأوجد الطريقة التى يتم بها التفكر والتدبر فى آياته وهي" العلم والهدى والكتاب المنير" ، والآيات الملزمة لنا للتدبر والتفكر في القرآن الكريم منها أقوال الله عزوجل :

٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩))

ص ٢٩

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤))

محمد

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢))

النساء ٨٢

صدق الله العظيم

اللهم إنى أعوذ بك أن أجهل أو يجهل على ، أو أن أضل أو أضل ، أو من أن أظلم أو أظلم ، أو من أفترى أو يفترى على ، لا إله إلا أنت سبحانك وأن محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام عبدك ورسولك الكريم الأمين الحبيب.

اللهم إنى أعوذ بك أن أتخذ هذا القرآن مهجورا ، اللهم إنى أعوذ بك أن أجعل القرآن عضين ، اللهم وفق أمتك المسلمة إلى ما تحبه وترضاه وأجعلها هدى باترة للفتن ، فإن آياتك دلت على أنه لا بد أن تنقطع هذه الفتن التى هى كقطع الليل المظلم ويختم الدين بقوة كما بدء بقوة بقدرتك يا واحد يا أحد.

اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد.

٩

اللهم إن أمتك التى بعثت فيها نبيك الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والسلام تمر بالكرب الأكبر لها ، وكثر أعدائها وتطاولت إليها أيدى المجرمين ، وأسباب ذلك عندك ونك ليس بظلام للعبيد ، اللهم أخرجها من هذا الكرب الكبير يا قدير لاجل نبيك الحبيب ومن تواجد فيها من الصالحين يا أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك أنت رب العالمين.

من عبد الله الفقير اليه إلى الله عزوجل الغنى لا إله إلا هو ، وإلى نبيه الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام ، وإلى كل عبد صالح إلى يوم الدين.

الفقير إلى الله تعالى

خالد إسماعيل إبراهيم

١٠

الفصل الأول

ذكر الغواصات والسفن الحربية

وأفعالها وذكر السفن العملاقة

للمسافرين والبضائع وغيرهم

فى القرآن الكريم

الغواصات والسفن الحربية وأفعالها :

فى قول الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧))

صدق الله العظيم

النازعات

فى كتب التفسير جاء التفسير على النحو التالي : إن النازعات : هى الملائكة تنزع أرواح الكفار عند الموت قاله على رضى الله عنه ، وغرقا : إن الكافر يرى نفسه فى وقت النزع كانها تغرق ، والناشطات : يعنى الملائكة تنشط نفس المؤمن فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير اذا حل عنه ، والسابحات سبحا : هى الملائكة تسبح بارواح المؤمنين إلى الجنة ، فالسابقات سبقا : عن على رضى الله عنه أنها الملائكة تسبق الشياطين بالوحى إلى الانبياء عليهم‌السلام ، فالمدبرات امرا : اجمعوا على انها الملائكة ، يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة : قالوا الرجفة هى الزلزلة والرادفة هى الصيحة.

١١

لقد ذكر الاستاذ الدكتور / فاروق الدسوقى رأى فى هذه التأويلات المنسوبة لعلى بن ابى طالب وهى الشائعة فى كتب التفسير جاء كالآتي :

" أما الذى ورد عن على بن أبى طالب رضى الله عنه بان النازعات واخواتها الملائكة (١) فليس ما يمنع أن يكون حقا ، ولكن لا يمنع ان تكون الآيات اكثر انطباقا وصدقا على أسلحة الحرب ، لان الصلة التى بين هذا التفسير ـ أى أسلحة الحرب ـ وبين الراجفة أوثق من الصلة بين هذا اليوم وبين الملائكة".

وأنى اكن الاحترام والود لعلى بن ابى طالب نفسه وللدكتور / فاروق الدسوقى الذى فتح الله عليه بتأويل هذه الآيات ، ولكن هناك ما يمنعنى منعا لقبول قول على بن ابى طالب وهو التفسير أن النازعات والنشاطات والسابحات والسابقات والمدبرات هى الملائكة ، وأضع شك كبير فى ان يكون هذا التأويل على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، وذلك لأن هذا التأويل متعارض جدا مع علم من علوم القرآن الكريم ، وهدى القرآن وآيات القرآن الكريم المنيرة ، وهو العلم والهدى والكتاب المنير ، وذلك فى ثلاثة نقاط.

أولهم : العلم بأن الأفعال والأحوال الناشئة عن الملائكة عليهم‌السلام لا تظهر عليها التأنيث وهو علم مؤكد بالقرآن كله ، ذلك لأن الله عزوجل عند ما يذكر الملائكة عليهم‌السلام يذكرهم بجمع المذكر السالم ، والأمثلة على ذلك من أقوال الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤)) آل عمران

__________________

(١) ـ الاستاذ الدكتور / فاروق الدسوقى فى الجزء الثالث من موسعته ص ـ ١٧١

١٢

(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦)) النساء

(يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥)) آل عمران

(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢)) النساء

(فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (١٧٢)) الأنفال

(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)) الزمر

صدق الله العظيم

وهذه بعض الأمثلة لذكر الله عزوجل للملائكة بالمذكر وأن الملائكة هم صفوة الله عزوجل من خلقه وهم ليسوا إناثا لقوله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠)) الصافات

صدق الله العظيم

١٣

وجاء فصل الله عزوجل فى سورة النجم حيث وصف الذين يسمون الملائكة تسمية الأنثى بانهم لا يؤمنون بالأخرة لقوله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧)) النجم

صدق الله العظيم

فالآية تحريم بائن من الله عزوجل عن تسمية الملائكة تسمية الأنثى ، وبالتالى فتكون الأفعال الأحوال الناشئة عن الملائكة ليس بها تأنيث ، بل تكون بالمذكر كما دلت آيات الله عزوجل ، ولهذا فيوضع الحرج على هذا التأويل ، ويوضع الحرج أن يكون القائل بهذا على بن أبى طالب كرم الله وجهه.

ثانيهم : ـ قول الله عزوجل فى سورة النازعات نفسها :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢)) النازعات

صدق الله العظيم

١٤

فلا بد أن يكون قول الله عزوجل (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ...) إلى قوله (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) هى صنع سوف يصنعه الإنسان يظن به أن قادر على الدنيا ، وهذا الصنع به قوة وبأس ينسيهم قدرة الله عزوجل وبأسه ، فيذكرهم الله عزوجل بالآية (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) وذلك قبل أن يصنعوها بحو إلى ألف وثلاثمائة سنة تقريبا.

ثالثهم : ـ قول الله عزوجل فى سورة النازعات نفسها :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣))

صدق الله العظيم

هذا سؤال الناس النبى الحبيب عن الساعة ، فرد الله عزوجل عليهم وقال (" فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها") أى الذى انت فيه يا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام من ذكرها ، والنبى الحبيب كان حاله وقتئذ فى تنزيل سورة النازعات نفسها ، وهذه دلالة أن قول الله عزوجل (" وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً") ...

إلى قوله تعالى : (" فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً") من أشراط الساعة وذكراها القريب ، وذلك مع الالتزام إنه سوف تكون صناعة سوف يصنعها الإنسان بها بأس ، وذلك لقول الله عزوجل : (" أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها").

ومن ثم فإن تأويل (" وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً") ترجع إلى قول الله عزوجل : (" فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها") ، وإنه سوف تظهر هذه النازعات التى يصنعها الإنسان فى آخر الزمان كشرط من أشراط الساعة ، لتزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم بفضل الله عزوجل وما أنزله على النبى الحبيب صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٥

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً)(١) النزع هو الشد ، والغرق هو جسم يغرق فى الماء ، ونزع الدلو من البئر يكون بعد رمى الدلو فى البئر وغرقه فى ماؤه ، ثم ينزعه النازع بواسطة حبل بالدلو نفسه ، والنازع هو الشخص والمنزوع به هو الحبل ، والغارق هو الدلو ، أما قول الله عزوجل والنازعات غرقا فيه قوة لفظية جامعة للنازع والمنزوع به والغارق ، حيث جعل الله عزوجل النازع والغارق شىء واحد أى الغرق وقتما شاء ويستبعد بالطبع الموصوف بالآية صفته أنه يستطيع أن ينزع نفسه من الغرق وقتما شاء ونستبعد بالطبع الأسماك والاحياء البحرية من هذا التأويل وذلك لقوله عزوجل في السورة نفسها (" أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها") فلا بد أن تكون هذه النازعات من صنع الإنسان وعلي هذا فإن الإنسان لم يصنع شيء بهذه الصفة إلا الغواصات البحرية الحربية والغواصات الحربية سلاح خطير وقوة لا يستهان بها في الحروب فهي تكون غارقة في مياه البحار أو المحيطات وتسير في قاع المياه ولا يراها الناس من اليابس وتستطيع أن تنزع نفسها من القاع وقتما شاءت علاوة علي أنها تضرب أهدافها بالصواريخ وهي في قاع المياه ، وذلك كما رأينا في حرب أمريكا وأنجلترا للعراق.

وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً : ـ والناشط هو الذي يبدأ سريعا ونشطا هو الذي يزيد في سرعته وذلك لأن مصدر ناشط نشط ونشط عكس كسل وهو الخمول في الحركة وإذا كان الكسل صفة ناس قيل كسالى وذلك لقول الله عزوجل : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) (النساء) من ثم فان الناشطات نشطا تنطبق علي الزوارق البحرية واللنشات البحرية الحربية التى تبدأ في

__________________

(١) جاء بمثل هذا المعني الأستاذ دكتور / فاروق الدسوقي ، وعلي الرغم من صدق هذا التأويل إلا أنه آثار جدلا ولأن تأويل وضع عليه اسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ليس من السهل الإعراض عنه ، وحيث أن التأويل ينطبق أيضا علي الأسماك والأحياء البحرية ، ولما هداني عزوجل إلى الأدلة والبراهين والطريقة التى قامت بدورها بكشف باقي الأشراط.

١٦

السير سريعا وأيضا تنطبق علي الزوارق البحرية واللنشات وموتسيكلات المياه الحديثة ولكن عند تتبع الآيات سوف نجد المعنى يذهب إلى أسطول بحري حربى متكامل.

والناشطات نشطا تفيد أن نشطها ذاتى وذلك مما لديها من مواتير ومراوح ولا تعتمد علي الشراع أو المجاديف وذلك لأن الشراع يعتمد على قوة خارجية وهى الرياح والمجاديف تعتمد على قوة خارجية وهي الإنسان.

وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً : هى من جنس ونوع النازعات غرقا والناشطات نشطا من حيث مجال عملهم فى الماء ، والسابحات : أى التى تسبح فى الماء وسبحا تدل على أن السابحات نفسها هى التى تكون سبحا ، أى الوسيلة التى تعتمد عليها فى السباحة ذاتية ، وذلك كلفظ النازعات غرقا أى أن النازعات هى نفسها التى تكون غرقا فتنزع نفسها من الغرق دون مؤثرات خارجية ، وكذلك الناشطات نشطا فيكون نشط الناشطات ذاتى ولا تحتاج إلى قوة خارجية للنشط ، وهذا يدل على إن آليات السباحة فيهن تكون مثل المواتير الحديثة الذاتية وذلك بالمطابقة ، والسابحات سبحا هى التطور النهائى للفلك القديم التى كانت تعتمد فى سباحتها على قوى خارجية مثل الرياح" الفلك الشراعى" أو" القوة البشرية" الفلك ذو المجاديف.

وتأويلها السفن الحربية البحرية ، وأيضا تنطبق على السفن العملاقة الحديثة ، ولكن المعنى هنا السفن الحربية البحرية ، وذلك لأن انسياق الآيتين التاليتين توضحان هذا ، وأن للسفن العملاقة ذكر آخر فى كتاب الله.

فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً : الفاء هنا حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب ، أما الواو فى قول الله عزوجل والنازعات فيفيد القسم ، ثم الواو في والناشطات والسابحات تفيد القسم والجمع ، أم الجمع كقول :

١٧

وصل احمد وعلى وحسين

قد يكون وصول على متقدم عن أحمد خطوة وعن حسين خطوتين ، فالواو تفيد جمع وصولهم دون الترتيب.

أما الفاء تفيد الترتيب والتعقيب ، كقول :

وصلت الطائرة فخرج المسافرين

فخروج المسافرين يجيء سريعا بعد وصول الطائرة ، ولا يمكن خروج المسافرين قبل وصول الطائرة.

والسابقات بمعنى التى تسبق ، والتحديد تسبق النازعات والناشطات والسابحات ذلك وحيث أن الناشطات تفيد سرعتها ولكن السابقات أسبق منها فى السرعة ، وهذا ينطبق على الصواريخ والطروبيدات ، وحرف الفاء فى السابقات يفيد ترتيب وتعقيب التركيب وليس الصنع ، وذلك حيث أن النازعات والناشطات والسابحات يصنعن أولا كقطع متكاملة ، ثم يتم تركيب السابقات سبقا فيهن.

ولذلك جاء التجانس بين النازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا اللاتي زودن بالسابقات سبقا ليكون أسطولا بحريا حربى قوى.

فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً : الفاء حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب ، وذلك حيث أن بدء صناعة النازعات والناشطات والسابحات الذى دعم بالسابقات كان بدون المدبرات أمرا ، والمدبرات أمرا تنطبق على أجهزه التوجيه السليم مثل الأقمار الصناعية والرادارات بالإضافة إلى الكمبيوتر ، وذلك مما جعل هذا الاسطول الحربى دقيق فى تحديد أهدافه ، وهذا ما تم فى حرب أمريكا وإنجلترا للعراق الأخيرة ، حيث إنهما استخدما الأقمار الصناعية والرادارات بالتوفيق مع أجهزة الكمبيوتر لضرب أهداف عراقية بعيدة المدى وغير مرئية للأسطول الحربى بواسطة السابقات سبقا وهذا اختلافى

١٨

مع الدكتور / فاروق الدسوقى ، حيث طابق المدبرات أمرا على القيادة البشرية للأسطول الحربى ، ووضع علاقة بين المدبرات أمرا وقائد اليهود فى إفسادتهم الأخيرة.

يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ. قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ. أَبْصارُها خاشِعَةٌ :

ترجف أى ترج وتضطرب ، والراجفة هى الزلزلة ، والرادفة هى تابعه الزلزلة ، والمعنى به هى زلزلة الساعة لقوله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١))

صدق الله العظيم

الحج والسياق أن ظهور هذه النازعات والناشطات والسابحات المدعمات بالسابقات ثم بعد ذلك بالمدبرات يكون يوم زلزلة الساعة ، والمعنى الأدق هو عند ما تصل هذه الصناعات إلى قمة التكنولوجيا ، ويقول صناعها أنهم بها قادرون على التمكين فى الأرض ، تكون زلزلة الساعة ، والدليل على ذلك قوله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)) يونس

صدق الله العظيم

١٩

وقد دلت الأحاديث النبوية الشريفة أن فى آخر الزمان خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب.

يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ. أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً. قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ. فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ.

وبعد أن وضع المولى عزوجل الآيات الغيبية الإعجازية عن أشراط الساعة التى سوف تكون قبل الساعة بدءا من النازعات غرقا حتى أبصارها خاشعة ، حدث النبى عليه أفضل الصلاة والسلام عن كفار مكة ، أن هؤلاء الكافرين المكذبين يقولون إننا راجعون إلى حياة أخرى بعد أن نكون عظاما نخرة ، وأنها رجعة كاذبة وباطلة وتفكيرهم فى حدوثها غير معقول عندهم وخسران لهم ، ولكنها سوف تكون نفخة واحدة تجعلهم على وجهه الأرض بعد ان كانوا فى باطنها ولتكن رجعه خاسرة لهم ، وذلك جزاء أقره المولى عزوجل عالم الغيب والشهادة الذى لا إله إلا هو فى كتابه المجيد لمن كفر به وما أنزله من آيات على نبيه الخاتم عليه أفضل الصلاة والسلام.

ثم جاءت موعظة الله عزوجل فى حديث موسى عليه‌السلام وبعثته لفرعون الذى كان يملك من الأسباب الظاهرة للتمكين ، فكذب وعصى وأدعى الربوبية فنصر الله عزوجل موسى عليه‌السلام ، ونكل بفرعون فى الدنيا والآخرة ، وجعل المولى عزوجل هذا الحديث موعظة وعبرة لمن سوف يمتلكون النازعات غرقا وأخواتها على أشراط الساعة لقوله عزوجل : (" إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى ") ثم جاء خطاب الله عزوجل لقوم يعتقدون إنهم خلقوا شىء أشد من خلق الله عزوجل ، ومن هذا فلا بد أن يكون الذين صنعوا هذه النازعات وأخواتها من غير الذين آمنوا بالله عزوجل وما أنزل على عبده ورسوله الكريم ، وهذا الذى حدث بالفعل ، فالذين

٢٠