موسوعة الطب القديم

حسن نعمة

موسوعة الطب القديم

المؤلف:

حسن نعمة


الموضوع : الطّب
الناشر: رشاد برس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٩

مقدّمة

منذ سنوات خلت ، عاد الطب الطبيعي إلى الواجهة ، وكثر الحديث عنه ، ذلك بسبب ما تحدثه الأدوية الكيميائية من آثار جانبية ضارّة على الجسم.

لقد تعدّدت الكتب التي وضعت حول العلاج بالأعشاب ، أو الإستشفاء بالطب النبوي ، وما أكثرها ... لا فرق بين كتاب وآخر سوى في صورة الغلاف وحجم الكتاب وعدد الصفحات ، ورصف العبارات والجمل ، أما المحتوى ، فهو واحد متشابه تقريبا ، معظمها طبعات طبق الأصل ، يتيه القارىء بين أسطر صفحاتها الحافلة بأسماء أعشاب وفاكهة وخضار ، معظمها غير معروف أو غير مفهوم لجهة التسمية أو الحصول عليها ، والتعرّف بها ...

تداركا لهذا ، عمدت إلى دراسة مواضيع الكتاب (موسوعة الطب الإسلامي) دراسة علمية ، منهجية ،

١

متحقّقا من سلامة وصحّة ما أكتب ، متوخيا الفائدة أولا ، وسهولة تطبيق ما يقرأ عند اللزوم والحاجة.

إنّ وضع هذا الكتاب ليس دعوة إلى ترك التداوي والعلاج ، إذ لا بد من السعي للتداوي والأخذ بأسباب العلاج كما يأمرنا القرآن الكريم : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وأهل الذكر هنا هم الأطباء العارفون ، وفي ذلك قال الرسول الكريم : «يا عباد الله تداووا ، فإن الله لم يدع داء إلّا وضع له شفاء».

لا أريد بكتابي هذا أن أضع بين يدي القارىء دليلا يغنيه عن استشارة الطبيب كليا إذا رغب في ذلك ، خصوصا في الأمراض المجهولة أو الخطرة ...

من المفيد القول ، أني تجنبت الدخول في كل ما لا يفيد القارىء ، أو الراغب في الاستشفاء بالأعشاب والنباتات الطبية ، لقد دلّت التجارب أنّ صيدلية الله (الطبيعة) أغنى وأفضل ممّا في الصيدليات المليئة بما تنتجه المصانع الكيماوية ، وما أكثر الكتب التي تشيد بفضائل الطبيعة وفنون التطبب بواسطتها ، ولكن على القارىء أن يعرف كيف يجني هذه الأعشاب وأن يعرف تأثيراتها السلبية.

٢

هذا الكتاب ، ينطوي على مادة علمية سليمة ، باسلوب واضح وسهل ومبسّط ، يسهل معه تطبيق ما نقرأ لجهة التعرّف إلى العلّة أو الألم وكيفية التصرّف لجهة الوصفات العشبية والغذائية ، مبتعدا عن كل ما لا يمكن تطبيقه.

يعتبر هذا الكتاب خطوة واضحة وفاعلة وشاملة لجهة تعميم التوعية الصحية في العائلة وتعميم الوقاية معتمدا تقديم المعلومة المختصرة والموجّهة لكل أب وأم ، مع إعطاء الإهتمام الأوّل لدور التغذية المتوازنة والوقاية من الانزلاق في المتاعب الصحية فهو خلاصة مميّزة لعشرات الأعمال.

إنّ الصحة ثروة ، ولكن الثروة لا تعني بالضرورة الصحة ، والمعرفة الصحية أو الثقافة الصحية هي طريق الوقاية من الأمراض ، وبالوقاية يمكن تجنب العديد من الأمراض ، والمعروف طبيا أنّه بإمكان الجسم مقاومة المرض بالراحة والغذاء الجيد المتوازن ، إضافة إلى بعض الوصفات الطبيعية في المنزل ، وكثير من الوصفات المنزلية ذات قيمة كبيرة إذا استعملت بمعرفة وبحذر ، شأنها شأن الأدوية الكيماوية.

٣

إن للعديد من الأعشاب ، بل لمعظمها أكثر من تسمية ، حتى ضمن البلد الواحد ، ممّا يشكّل صعوبة في التعرّف إليها بسهولة ، ومن النباتات ما يستفاد من أوراقه أو زهره أو جذوره أو بذوره ، ومنها ما يستعمل بأكمله ، ونستعمل النباتات والأعشاب على شكل نقيع أو شراب أو على شكل كمادات ، كما يمكن تقطيره واستخلاص عطوره وزيوته المكثّفة والتي تكون ذات رائحة نفّاذة.

ليست الصحة عدم حصول المرض ، إنّما هي الوضع الجيّد جسديا وعقليا واجتماعيا ، وبالوقاية نمسك بقوّة بأطراف خيوط الصحة.

لقد جعل الله النبات غذاء للإنسان ، وأوجد فيه الدواء كذلك كما أعطى الحيوان غريزة الإهتداء إلى نوع النبات الذي يغذيه ويشفيه إذا مرض ، تاركا للإنسان العاقل الإهتداء إلى النباتات الشافية عن طريق التجربة والإستنتاج ، ومعظم شعوب العالم القديم والحديث تعاملت مع الأعشاب والنباتات كمصدر للعلاج والشفاء ، فقد عرف كهنة المصريين القدماء الكثير من أسرار الأعشاب وتداووا بها ، كما مارس قدماء الهنود

٤

هذه المهنة أيضا وحذقوا بها ، وجاء بعد ذلك قدماء اليونان الذين وضعوا مؤلفات عن التداوي بالأعشاب خلال القرنين الرابع والخامس ق. م. وبقيت مؤلفاتهم المصدر الأساسي لهذا العلم ، إلى أن جاء بعدهم الأطباء وعلماء النبات والعشابين العرب والمسلمين ، الذي أخذوا هذا العلم عنهم وأضافوا إليه وتوسّعوا فيه.

اعتمدت في إعداد هذه الموسوعة الصحية على إستخلاص المفيد والموجز من عشرات الكتب والموسوعات والمقالات ، وانتقيت .. أفضل ما كتب وما قيل عن الطب العشبي والنباتي ، وأبعدت كل ما هو صعب التطبيق وبعيد المنال وقليل الفائدة وصعب الفهم وغريب الكلام ومعقّد التعبير .. وفي فصلي طب النبي وطب الأئمة ، تجنبت الأحاديث والروايات والأقوال المنسوبة إلى الرسول أو إلى أهل بيته والتي لا تتفق مع منطق التفكير العلمي ، أو يصعب الحصول على فائدتها من حيث تسمية المادة أو تسمية العلّة لتغيرّ الزمن ، إنّ ألفاظ وتعابير وتسميات القدماء بعيدة نوعا ما عن مفهوم إنسان العصر الحالي ، والمثال على ذلك إن علومهم الطبية قامت حول المفاهيم التالية : (الطبائع الأربعة أي الحرارة والبرودة واليباس

٥

والرطوبة) و (الأمزجة الأربعة ، أي الدم والبلغم والمرّة الصفراء والمرّة السوداء) و (العناصر الأربعة أي الماء والنار والهواء والتراب).

غاية ما أتمنى ، أن أكون قد وفقت في الوصول إليه هو ما يرضي رغبة القارىء ، وأن أكون قد وضعت أمام العاقل ما يريد من معرفة صحية.

حسن نعمة

تشرين الأول ٢٠٠٣

٦

محتويات أبواب وفصول الكتاب

* الباب الأول

الفصل الأول :

بدء الحياة

الفصل الثاني :

الطب والأطباء

الفصل الثالث :

طب النبي

الفصل الرابع :

طب الأئمة

الفصل الخامس :

في القرآن شفاء ووقاية

* الباب الثاني

الفصل الأول :

منافع الأعشاب والنباتات

الفصل الثاني :

الأعشاب والنباتات غذاء ودواء

* الباب الثالث

الفصل الأول :

ما يجب أن تعرفه

الفصل الثاني :

المكوّنات الرئيسية للأطعمة

الفصل الثالث :

الصحة للجميع

٧

* الباب الرابع

الفصل الأول :

عوارض وآلام

الفصل الثاني :

بعض الأمراض الشائعة

الفصل الثالث :

أمراض الجهاز الهضمي

الفصل الرابع :

الجهاز الدموي والعصبي

الفصل الخامس :

المشكلات الجلدية ـ قواعد وإرشادات

الفصل السادس :

الجهاز البولي والجهاز التناسلي

الفصل السابع :

الأمراض الخطيرة أو المعدية

الفصل الثامن :

الثلاثي الغادر

٨

الباب الأول

* الفصل الأول : بدء الحياة

* الفصل الثاني : الطب والأطباء

* الفصل الثالث : طب النبي

* الفصل الرابع : طب الأئمة

* الفصل الخامس : في القرآن شفاء ووقاية

٩
١٠

* الفصل الأول

بدء الحياة

ـ نشوء الحياة

ـ إنسان ما قبل التاريخ

ـ تبدأ حياة الإنسان مع بدء الحمل

١١
١٢

نشوء الحياة :

يرى علماء البيولوجيا أن نشوء الحياة وتطورها ، قد حصلا على الأغلب تدريجا ، خطوة إثر خطوة ، وخلال مليارات السنين ، ولكن لا أحد يستطيع أن يحدّد بدقة متى بدأ تطور الحياة وكيف!

لفهم هذه العملية التطورية ، وضع العلماء البيوكيميائيين والبيولوجيين افتراضات ، وقالوا بأن نشوء الحياة على الأرض بدأت من خلال عملية التركيب الكيميائي ، كما افترضوا بأن الحياة انبثقت من مركّبات كيميائية عضوية في المحيطات الأرضية السابقة لوجود الحياة البشرية ، وفي رأيهم إن جو الأرض كان يحوي آنئذ :

ـ قليلا من الأوكسيجين

ـ كثيرا من الهيدروجين

وبفضل الحرارة والضوء الصادر عن القشرة الأرضية ، والأشعة الفوق البنفسجية والنشاط الإشعاعي الطبيعي ، والنشاط البركاني ، كل هذه العوامل وفّرت القدرة اللازمة لتشكيل المركّبات العضوية البسيطة مثل (الأحماض الأمينية والأحماض النووية والمواد السكرية ومركّبات أخرى) تجمعت في المحيطات واتحدت لتشكّل قطيرات ، وبعد ما وصلت هذه الأخيرة إلى درجة من الضخامة ، انقسمت ، ثم مرّت بعمليات كيميائية ، هي عملية التكاثر لدى الخلايا البسيطة ، وبذلك بدأت الحياة بالانبثاق.

إن ما ورد هو مجرد مخطط تخيّلي!

وقال علماء آخرون ، إنّ ظهور الكون إلى الوجود كان منذ خمسة عشر مليار سنة ، عند ما انفجرت كتلة رهيبة من مادة ثقيلة جدا ، وكانت ذات حرارة

١٣

مرتفعة جدا ، وهكذا تطايرت في الفضاء الفسيح اللّامحدود ، كميات لا حصر لها من الجواهر والذرّات والبروتونات والنيوترونات وعناصر سالبة وأخرى موجبة ، ملأت الكون بالمادة المنثورة ، وبعد ما استقر حال الكون لبضعة آلاف من السنين ، ثمّ وبفضل البرودة ، وتحت ضغط التجاذب بين الجزيئات تحوّلت تلك المكوّنات إلى كتل سديمية ، ومن ثمّ تكثّفت وظهرت النجوم أولا ، وفي مراحل لا حقة تكوّنت الكواكب ، ثم ولدت الأقمار في مراحل متأخرة وببطء.

نظرية تخيّلية أخرى ، قال أصحابها : أنّه قبل أكثر من أربعة مليارات ونصف المليار من السنين ، كانت كتلة سديمية ضخمة تشبه الكرات الثلجية ، تولّدت منها مجموعتنا الشمسية ، وخلال مئة مليون سنة تجمّعت الجزئيات الغبارية والغازية المنتشرة في الكون في كتل تعرف بالأجرام السماوية السيّارة أو الكواكب.

ولكن ما الذي نعرفه عن الأرض آنئذ؟

إنّ بدء نشوء الأرض ما زال سرا محفوفا بالغموض والأسرار.

ما أعظم الكون وما أعظم خالقه؟

إن المجموعة الشمسية والتي منها الأرض التي نعيش على سطحها ، هي جزء من كلّ عظيم ، هي جزء بسيط من المجرّة اللبنية أو مجرّة درب التبّانة ، التي تشتمل على ملايين النجوم والكواكب والأقمار ، ذات أحجام ومسافات متفاوتة (وفي الكون الملايين من المجرّات الشبيهة بمجرة درب التبّانة).

مهما كثرت النظريات وفلسفات التكوين المبنية على الخيال وعلى شيء من العلم ، نوجز القول ، بأن الأرض التي نعيش عليها مرّت بأطوار وحالات عديدة حتى وصلت إلى حالة سمحت بنشوء الحياة عليها ، في البدء لم يكن للأرض طبقة جوية (غلاف جوي) ولكن وبسبب حركة قذف السوائل على هيئة براكين ، تسربت الغازات من باطن الأرض بسبب خفتها النسبية وكانت النتيجة ظهور الماء وثاني أوكسيد الكربون والآزوت ، وطغت هذه العناصر وكانت المؤسّسة للهواء أو للطبقة الجوية ، وهكذا ولد الهواء من القشرة الأرضية بفضل الشقوق والبراكين ، وبعد ذلك عبر بضعة ملايين من السنين تكوّنت المحيطات أي الطبقة المائية ، ثم

١٤

مرّ ما يقارب أكثر من مليار سنة حصلت خلالها المحيطات على ملوحتها وما لبث أن خرجت منها كائنات حيّة وحيدة الخليّة ، وبذلك بدأت نسمة الحياة على الأرض.

بقي الأوكسجين معدوما حتى ظهور النباتات الخضراء التي تكفّلت بتحويل غاز الفحم إلى فحم مكثّف وإلى أوكسجين تطاير وانتشر في الهواء وأخذ يتزايد حتى بلغ نسبته الحالية ٢٠ خ ، استغرق ذلك عدة ملايين من السنين ، وكانت حكاية الأوكسجين آخر فصل من فصول تكوين الأرض وصيرورتها مهدا للحياة ، خاصة الحياة البشرية.

إننا نعرف بأنّه يوجد حول الأرض حزام من الإشعاعات له هيئة حقل مغناطيسي ، حيث يشكّل درعا واقيا للأرض من إشعاعات الشمس الناشطة ، باستثناء نقاط ضعف عند الدائرة القطبية ، حيث يتألّق هناك الجوّ بأضواء عظيمة تعرف باسم الفجر القطبي.

تنتشر تحت الحزام المغناطيسي طبقة من الهواء بسماكة خمسمائة كيلومتر تنقل الطاقة الشمسية على كامل الكرة الأرضية ، حيث تحوّلها الأرض إلى طاقة حرارية ، وعلى مدى يتراوح بين ثلاثين وستين كيلومترا تتكون طبقة تعرف بطبقة الأوزون ويعود ذلك إلى رصّ جواهر الأوكسجين ببعضها ، ويلعب الأوزون دورا مهما بتصفية الأشعة الشمسية ويزيل منها ما يعرف باسم الأشعة الفوق بنفسجية المؤذي للأحياء والمسبب للسرطان الفتاك ، وينتج عن امتصاص الأوزون للأشعة الفوق بنفسجية تسخينا للجو.

كما تنسج الأرض حول نفسها ثوبا آخر لا يمكن لمسه أو رؤيته ، هو حقل الجاذبية ، وبفضل دوران الأرض حول نفسها يتولد عنها قوة طاردة إلى الخارج تعمل بعكس قوة الجاذبية العاملة باتجاه مركز الأرض أي باتجاه القطبين.

إنسان ما قبل التاريخ :

نحن لا نعرف إلّا القليل عن إنسان ما قبل التاريخ ، وجلّ ما نعرفه هي فرضيات وتفسيرات واستقراءات لما تمّ العثور عليه عبر الحفريات الأركيولوجية

١٥

ودراسة الهياكل العظمية المكتشفة ، خاصة ما يتعلق منها بصحة ذلك الإنسان ، وما تعرّض له من أمراض ومعاناة صحية.

إن ظروف الإنسان القديم ـ إنسان ما قبل التاريخ ـ كانت شديدة الصعوبة ، وقد وجدت على الهياكل العظمية المكتشفة العديد من الإصابات مثل الكسور بالعظام الطويلة ، أو في العمود الفقري أو الحوض ، وإصابة الرأس بسهم أو بحربة ، كذلك تدل العظام التي يعثر عليها علماء النبشيات إلى تشوهات نتيجة الإصابة بالروماتيزم ، أو بسل العظام أو سرطان العظام ، كما يدل بعض العظام على الإصابة ببعض أمراض الدم الوراثية ، كما يكشف فك الإنسان عن وجود أسنان في حال سيئة ، دلالة على التهابات متكررة وخطيرة باللثة.

ويخبرنا علم الآثار كذلك ، أن الإنسان القديم كان يعرف كيف يعيد العظام المكسورة إلى وضعها الصحيح والمحافظة على استقامتها ، كما عرف التعامل مع الجروح والتخفيف عن مرضى التجأوا طلبا للمساعدة أو لتخفيف ألم حلّ بهم.

عاش إنسان ما قبل التاريخ في كهوف ومغاور اتقاء للبرد والمطر ، كما عاش في الغابات داخل أكواخ من الطين والأشجار. وكانت ميزة هذا الإنسان هي قدرته على التكيّف مع البيئة التي يعيش فيها ، وهذا ما جعله يستمر بالبقاء وبالتكاثر.

كانت حياة الإنسان القديم قصيرة ، بسبب الغذاء غير المتوازن وقلّة النظافة ، كان طعامه من النباتات العشبية ومن الصيد البري وصيد الأسماك وقطف الثمار ، وفي وقت لاحق عرف الزراعة وتربية الحيوانات ، واستخدم المعادن مستعينا بها على حياته ، ومن البديهي أن تعيش معه الطفيليات والبكتيريا ، معرّضة إياه للعديد من الأمراض ، ومع مرور الوقت ومعايشة الطبيعة بكلّ تفاصيلها ، تعلّم هذا الإنسان كيف يتغلب على الظروف القاسية.

إننا نتساءل كيف كان الإنسان القديم يطبّب نفسه؟

هل كان يستخدم الأدوية؟ وهل بالإمكان معرفة كيف تعامل مع الآلام والأمراض؟

أو هل بالإمكان معرفة متى بدأ الطب؟

١٦

ليس لدينا إلّا القليل من المعرفة عن أولئك الأوائل الذين عمدوا إلى مهمة تخفيف آلام الآخرين الذين عانوا الأمراض والحميّات والجراح ...

بدأ الطب أولا بالاستعانة بالسحر ، ثم أصبح فيما بعد كهنوتيا ، وأخيرا تحول إلى علم بعد مروره بالملاحظة الدقيقة القائمة على التجارب ، وبقي الإنسان عبر آلاف السنين يخاف الأمراض ، وكانت الوسائل الطبيّة التي استخدمها الإنسان على مرّ الزمن تعتمد على تقليد تمتد جذوره بعيدا في الماضي ، خاصّة في المناطق الريفية ، كما استعان الإنسان بالجن وبآلهة عبدها وسمّاها ، حيث أن عقائد الإنسان قديما اعتمدت على وسطاء يقرّبون بين البشر المعذّبين الجهلاء وبين القوى العليا وكان لا بد من وجود وسيط يمتلك المعرفة ويتمتّع بسلطة على عشيرة كانت أم قبيلة ، أو على المجموعة التي يعيش بينها ، ويلعب دور الكاهن عادة أو الطبيب ، وأحيانا دور الاثنين معا ، وعلى هذا الشكل ولد السحرة والعرّافون وصنّاع التمائم.

ومنذ آلاف السنين مارس السحرة جراحة بسيطة بدائية باستخدام وسائل بسيطة وبدائية ، مثل تثبيت كسور بواسطة أغصان الأشجار ، أو سدّ جرح ينزف بواسطة الرماد أو القطن الطبيعي أو دهون الحيوانات أو بواسطة عصارة بعض النباتات ، أو كان يعمد إلى استخراج أجسام غريبة من الجسد كرأس سهم.

الوسيط ـ الطبيب البدائي ـ هو الوحيد القادر على التشفّع لدى الآلهة كي ترحم الإنسان ، وهو العارف بالتعازيم والقرابين وبالرقص التي تشكّل مجموعة الطقوس والصلوات التي تؤدّى عند تقديم الدواء ، أو التعويذة للمريض ، وفيما بعد ، وصفت الأديان السماوية (المسيحية والإسلام) تلك الممارسات بالشيطانية ، وما زال هذا الوسيط موجودا لدى العديد من القبائل الإفريقية الزراعية حتى يومنا هذا ، حيث يتخذون منه صفة الطبيب الذي يقوّم الأعضاء المكسورة ، ويفتح الدمامل المؤلمة وتعترف له القبيلة بمقدرة سحرية.

١٧

تبدأ حياة الإنسان مع بدء الحمل :

من نعم الله أن نرى جسم الطفل ينمو وينضج في غضون تسعة أشهر بالقدر الكافي ، ليعيش بعد خروجه إلى النور في حجرة نومه وبين أبويه.

خلال أشهر الحمل التسعة ، تحتاج الأم الحامل إلى الأمان والسعادة أكثر من أيّ وقت آخر في حياتها ، ولذا عليها أن تنمّي مشاعر التفاؤل التي قد تساعدها على أن تكون في صحة جيدة ، كما قد ينعكس ذلك إيجابا على ثمرة أحشائها.

قد تشعر الحامل خاصّة خلال أشهر الحمل الثلاثة الأولى بالتعب ، لأنّ جسمها يمرّ بمرحلة تكيّف مع الوضع الجديد ، ومن تلك المتاعب نذكر ، كثرة التبوّل ، ولكن يجب عليها مراجعة الطبيب إذا رافق ذلك حرقة ، وإذا أظهرت الحامل ميلا لأصناف معيّنة من الطعام ، فهذا يعني أن الحامل تعاني مشكلة عاطفية لم تجد حلا لها.

وإذا أحسّت الحامل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل ببعض الغثيان ، إنّ ذلك قد يؤدي إلى نقص في وزنها ، وقد يحدث تشنج في ساقي الحامل بسبب تباطؤ الدورة الدموية فيهما ، كما تعتبر آلام الظهر مظهرا شائعا خلال فترة الحمل ويعود سبب ذلك إلى التبدّل على استقامة العمود الفقري ليوازي انتفاخ البطن ، ويمكن للحامل التخلّص من هذه الآلام بانتعال حذاء ذي كعب منخفض ، كما قد يحدث خلال أشهر الحمل توسّع أوردة الساقين ، وكي تخفّف الحامل من ذلك يستحسن رفع الساقين إلى أعلى خلال فترات قصيرة في اليوم.

كذلك يزداد نشاط عنق الرحم وتمدّد المهبل مما يجعل هذا الأخير أكثر مرونة ، فيفرز أحيانا مادة مخاطية ، ويعتبر هذا الإفراز أمرا طبيعيا ما لم يكن مصحوبا برائحة كريهة أو حرقة أو حكاك.

كما تظهر خلال فترة الحمل خطوط حمراء باهتة على البطن والثديين ، ومردّ ذلك إلى تمدد الجلد ، وبعد الولادة يتلاشى اللون الأحمر من هذه الخطوط ، كما قد تظهر بعض البقع أو البثور على الجلد عند الأنف والثديين

١٨

مثلا ، ولكن سرعان ما تزول مباشرة بعد الولادة ، وهذه التغيرات أكثر ظهورا لدى النساء السمراوات منها لدى الشقراوات ، كما يعتبر تسمم الدم أثناء الحمل مرضا خطرا ومن أعراضه :

ـ ارتفاع ضغط الدم.

ـ ازدياد كمية السوائل في أنسجة الجسم ، ويظهر ذلك في زيادة الوزن وتورّم الأنسجة الرخوة في الوجه والأصابع.

ـ ظهور البروتين في البول.

كل هذه الحالات تزول بعد الولادة ما لم يستمر ارتفاع ضغط الدم أو تصاب الكلى بأذى ، وإذا لم تسارع الحامل إلى العلاج قد تتفاقم الحالة سوءا وخطورة ، ويصحبها أوجاع في الرأس واضطراب في النظر وألم في المعدة وتقيّؤ ، كما قد يرافقها تشنج أو غيبوبة.

يعتبر النزيف خلال فترة الحمل نذيرا بالإجهاض ، وعندها يجب على الحامل مراجعة الطبيب الأخصائي حالا لعمل اللازم وتجنّب مخاطر الإجهاض ، وهذا يحصل عادة قبل الشهر الخامس من الحمل.

إن الولادة المبكرة ـ الولادة قبل الأوان ـ هي ولادة الجنين قبل أن ينضج ابتداء من الشهر الخامس للحمل ، ويعتبر المولود غير ناضج إذا نقص وزنه عن كيلوغرامين ونصف ، ومثل هؤلاء الأطفال يوضعون عادة بعد ولادتهم في جهاز حاضن طيلة المدة اللازمة لنموّهم قبل أن يصبح في إمكانهم العيش خارج الجهاز ، ومع ذلك ، فإن نسبة الوفيّات بينهم تبقى مرتفعة ، ومن مظاهر الولادة المبكّرة لدى الحامل هو تسرّب للماء النقي من خلال المهبل إشارة إلى تمزق كيس الماء داخل الرحم ، وعلى الحامل مراجعة الطبيب الأخصائي حالا وعدم الاغتسال في الحوض ـ البانيو ـ خوفا من تلوث قناة الولادة.

وتلخيصا للقواعد الصحية ، نقول أنّه يجب على الحامل أن تمارس حياتها العادية مع شيء من الاعتدال ، الاعتدال في كل شيء حتى في الراحة ، بما في ذلك الانحناء ، وعدم حمل الأجسام الثقيلة ، وتفيدها كثيرا ممارسة رياضة المشي ، وارتداء الثياب البسيطة المريحة ، وعدم ارتداء أحذية عالية الكعب ، كما

١٩

يستحسن الاستحمام يوميا بمياه معتدلة الحرارة ، كما عليها الحذر من الانزلاق في الحمام ، ومن أجل ذلك يفضّل وضع سجادة مطاطية ، وعدم استخدام البانيو خاصّة في أشهر الحمل الأخيرة.

على الحامل عدم زيارة مرضى ، خاصة أصحاب الأمراض المعدية ، مثل مرض الحصبة الألمانية أو الزكام أو الانفلونزا.

خلال فترة الحمل يزداد وزن الحامل زيادة سرعان ما تزول بعد الولادة ، وفي هذه الحالة يفضّل تطبيق المثل السديد (خير الأمور الوسط) فالزيادة المفرطة في الوزن تسبّب عسرا في الولادة ، وتؤخّر عودة الأم إلى وزنها العادي ، ويرى الطب الحديث أن لا يزيد وزن الحامل عن اثني عشر كيلو غراما.

يلعب الغذاء الذي تتناوله الحامل دورا مهما في صحتها وفي تكوين الجنين ، وهذا الغذاء يذهب لاثنين ، فالجنين يحتاج إلى جميع العناصر الغذائية ، لا سيما البروتينات والفيتامينات والحديد والكالسيوم ، ومن أجل صحة الجنين ، على الأم الحامل أن تتجنّب الحلويات والأطعمة كثيرة التوابل والأطعمة الدهنية والمشروبات المحلّاة بالسكر ، وعليها أن تتناول الحليب يوميا لتأمين الكالسيوم ، أمّا الحديد فبإمكانها تأمينه من البقول ومن السلطات والأوراق الخضراء والفواكه.

على الحامل تجنّب التدخين كليا ، فقد ثبت لدى الأطباء أنّ الحامل التي تدخّن معرضة لولادة طفل وزنه دون الوسط ، أو قد تلد طفلها قبل الأوان ، أي قبل نضوجه ، كما أن الحامل التي تدخن قد تأتي بطفل أقلّ نشاطا وحيوية بسبب نقص الأوكسجين في دم الأم المدخّنة ، ممّا قد يخفّف من كمية الأوكسجين اللازمة لنمو الجنين.

يقال أن الأم السعيدة تولد طفلا سعيدا ، وأنّ الأم القلقة تولد طفلا عصبيا ، إن الحالات العصبية التي تمر بها الحامل تنعكس حتما على الجنين ، وهذا الأخير يتأثر بمشاعر أمّه الحامل به وبصراعها النفسي ، إنّ مزاج الطفل وسلوكه يعكسان حالات أمه النفسية قبل ولادته ، كما أثبت العلم أن المواقف النفسية السائدة لدى شخص ما ، تؤثر على حالته الصحية ، وهذا ينطبق على فترة الحمل ، إنّ للوالدين تأثيرا كبيرا في تكوين فكر الطفل وخلقه ، من خلال الكلمة والتصرف على حد سواء.

٢٠