البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢
٣
٤

الجزء الثاني

من إعراب القرآن

تصنیف الشیخ الإمام العالم الأوحد الفاضل الورع الزاهد نسيج وحده وفريد عصره أبي بركات عبد الرحمن بن محمد أبي سعيد الأنباري النحوي.

قدس الله روحه، ونوّر ضريحه (*).

__________________

(*) هذه الصفحة من المخطوط (ب) وهي غير موجودة في أ.

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله حق حمده ، وصلواته على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم (*).

غريب إعراب سورة هود

قوله تعالى : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) (٢).

فيه وجهان ، أحدهما : أن تكون (أن) مفسرة بمعنى (أى). كقوله تعالى :

(أَنِ امْشُوا)(١)

(أى امشوا).

والثانى : أن يكون تقديره ، هو ألّا تعبدوا إلا الله.

(وأن استغفروا ربّكم) معطوف عليه على الوجهين.

قوله تعالى : (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) (٢).

اعتراض وقع بين المعطوف والمعطوف عليه.

و (يمتّعكم) مجزوم لأنّه جواب الأمر ، وهو (٢) قوله : وأن استغفروا ربّكم ، وجواب الأمر إنما وجب أن يكون مجزوما لأنه جواب لشرط مقدّر ، وقد قدّمنا ذكره.

__________________

(*) سطران منقولان من ب.

(١) ٦ سورة ص.

(٢) أ(وفى) بدل (وهو) فى ب.

٧

قوله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) (٣).

تولّوا ، أصله تتولّوا ، فحذفت إحدى التاءين لأنّه اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد ، فاستشقلوا اجتماعهما ، فحذفوا إحداهما تخفيفا ، ومنهم من ذهب إلى أنّ المحذوفة الثانية ، ومنهم من ذهب إلى أنّ المحذوفة الأولى وهى تاء المضارعة.

والذى أذهب إليه أنّ المحذوفة الثانية ، لا تاء المضارعة ، لأنّ تاء المضارعة زيدت لمعنى ، والتاء الثانية لم تزد لمعنى ، فكان حذفها وتبقية الأولى أولى.

قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) (٩).

اللام فى (لئن) ، موطّئة لقسم مقدّر ، وليست جوابا للقسم ، وإنّما جوابه قوله : (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ). وأعنى جواب القسم عن جواب الشّرط ، ولهذا قال تعالى :

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)(١)

فرفع (لا يأتون) على أنّه جواب القسم الّذى هيّأته اللّام ، وتقديره ، والله لا يأتون. ولو كان جواب الشّرط ، لكان مجزوما ، فلمّا رفع دلّ على أنّه جواب القسم ، واستغنى به عن جواب الشّرط ، كقول الشاعر :

٩٧ ـ لئن عاد لى عبد العزيز بمثلها

وأمكننى منها إذن لا أقيلها (٢)

فرفع (لا أقيلها) لأنّ تقديره ، والله لا أقيلها ، ولو كان جواب الشّرط لقال : (لا أقلها) بالجزم ، واستغنى بجواب القسم عن جواب الشرط.

__________________

(١) ٨٨ سورة الإسراء.

(٢) من شواهد سيبويه ١ ـ ٤١٢ وقد عزاه إلى كثير عزة.

٨

قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) (١١).

الّذين صبروا ، فى موضع نصب على الاستثناء من الإنسان ، لأنّ المراد به الجنس ، كقوله تعالى :

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(١)

وكقوله تعالى :

(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)(٢)

و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى)(٣).

وقيل : هو استثناء منقطع.

قوله تعالى : (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦).

باطل ، مرفوع لأنّه مبتدأ.

وما كانوا يعملون خبره.

وقرئ فى الشّواذ : وباطلا بالنّصب ، وهو منصوب بيعملون.

وما ، زائدة ، وتقديره ، وكانوا يعملون باطلا.

قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) (١٧).

الهاء فى (يتلوه) للقرآن.

والشاهد ، الإنجيل.

والهاء فى (منه) لله تعالى.

والهاء فى (قبله) للإنجيل.

__________________

(١) ١. ٢ سورة العصر.

(٢) ٦ سورة العاديات. وكلمة (لربه) ساقطة من أ ، ب.

(٣) ٦ «العلق فى (أ) ـ (إن الإنسان لكفور) فى (ب).

٩

وكتاب موسى ، مرفوع لأنّه معطوف على قوله : شاهد. ففصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف وهو قوله : (من قبله) ، وتقديره ، ويتلوه كتاب موسى من قبله.

إماما ورحمة ، نصب على الحال من (كتاب موسى).

قوله تعالى : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٢٠).

(ما) فيها ثلاثة أوجه.

الأوّل : أن تكون مصدريّة ظرفية زمانية فى موضع نصب بيضاعف ، وتقديره ، يضاعف لهم العذاب مدّة استطاعتهم السّمع والإبصار ، أى ، أبدا ، كقوله تعالى :

(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(١)

أى : [مدّة دوام السّموات والأرض] أى : أبدا.

والثانى : أن تكون فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجرّ ، وتقديره ، بما كانوا ، فحذف حرف الجرّ فاتّصل الفعل به.

والثالث : أن تكون (ما) نافية ، ومعناه لا يستطيعون السّمع ولا الإبصار لما قد سبق لهم فى علم الله.

قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢).

لا ، ردّ لكلامهم ، وهو نفى لما ظنّوا أنه ينفعهم.

وجرم ، فعل ماض بمعنى كسب.

وأنّهم فى الآخرة هم الأخسرون ، فى موضع نصب من وجهين.

__________________

(١) ١٠٨ سورة هود.

١٠

أحدهما : أن يكون تقديره ، كسب ذلك الفعل لهم أنّهم فى الآخرة هم الأخسرون ، أى ، كسب ذلك الفعل الخسران فى الآخرة. وهذا قول سيبويه.

والثانى : أن يكون التقدير ، لا صدّ ولا منع عن أنهم فى الآخرة. فحذف حرف الخفض فانتصب بتقدير حذف حرف الخفض ، وهذا قول الكسائى.

قوله تعالى : (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) (٢٧).

يقرأ : بادئ بالهمز وغير الهمز.

فبادئ بالهمز اسم فاعل من بدأ يبدأ ، أى أوّل الرأى.

وبادى بغير همز ، اسم فاعل من بدا يبدو إذا ظهر ، أى ، ظاهر الرّأى.

ونراك ، أصله نرأيك فتحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار نراك ، إلا أنّه حذفت الهمزة تخفيفا.

والكاف ، فى موضع نصب لأنّها مفعول أوّل.

واتّبعك وفاعله وهو (الّذين هم أراذلنا) فى موضع نصب لأنّه مفعول ثان لنراك ، إذا كان من رؤية القلب ، وفى موضع الحال إذا كان من رؤية العين.

وبادئ الرّأى ، منصوب على الظّرف ، أو فى بادئ الرأى ، والعامل فيه نراك.

وإنما جاز أن يعمل ما قبل (إلّا) فى الظرف بعدها مع تمام الكلام ، وإن كان لا يجوز فى قولك : ما أعطيت أحدا إلا زيدا درهما ، لأنّ (إلّا) لا تعدّى الفعل إلا إلى مفعول واحد ، لأن الظروف يتسع فيها مالا يتسع فى غيرها ، ولهذا يكتفى فيها برائحة الفعل بخلاف غيرها من المفعولات.

قوله تعالى : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٢٨).

١١

أنلزم ، يتعدّى إلى مفعولين ، فالمفعول الأول الكاف والميم ، والمفعول الثّانى الهاء والألف ، وأثبت الواو فى أنلزمكموها ، ردّا إلى الأصل ، لأن الضّمائر تردّ الأشياء إلى أصولها ، كقولك : المال لك وله. فتردّ الكلام إلى أصلها وهو الفتح مع المضمر ، وإن كنت تكسرها مع المظهر ، نحو : المال لزيد ، لأنّ الضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها.

وأنتم لها كارهون ، جملة اسميّة فى موضع الحال.

ولها ، فى موضع نصب لأنّه يتعلّق بكارهون.

قوله تعالى : (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) (٣١).

تزدرى ، أصله تزترى على وزن تفتعل ، إلا أنه اجتمعت الزّاى مع تاء الافتعال والتّاء مهموسة ، والزاى مجهورة ، فأبدل من التّاء دالا (١) لقرب مخرجهما ، فقالوا : تزدرى ، نحو : يزدجر ويزدهى ، والأصل يزتجر يفتعل من الزّجر ، ويزتهى يفتعل من الزّهو ، ففعل به ما فعل بيزدرى ، وتقديره ، تزدريهم ، فحذف المفعول من الصّلة وهو العائد كقوله تعالى :

(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٢)

أى بعثه الله.

قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (٣٦).

نوح ، منصرف لأنّه خفيف ، وإن كان فيه العجمة والتّعريف ، وقيل : هو منصرف لأنّه عربىّ من ناح ينوح.

ومن : فى موضع رفع لأنّه فاعل يؤمن.

__________________

(١) (دال) فى أ ، ب.

(٢) ٤١ سورة الفرقان.

١٢

قوله تعالى : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ) (٤٠)

اثنين ، فى موضع نصب لأنه مفعول (احمل).

وأهلك ، معطوف عليه.

ومن سبق ، فى موضع نصب على الاستثناء من أهلك

ومن آمن ، فى موضع نصب لأنّه معطوف على اثنين ، أو على أهلك.

قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) (٤١).

مجراها ، فيه ثلاثة أوجه.

الأوّل : أن يكون منصوبا على تقدير حذف ظرف مضاف إلى مجراها. ومرساها ، عطف عليه ، وتقديره ، باسم الله وقت إجرائها وإرسائها ، أى ، اركبوا فيها متبرّكين باسم الله تعالى فى هذين الوقتين. وباسم الله ، متعلق بمحذوف فى موضع النصب على الحال من الواو فى (اركبوا) ، وباسم الله ، هو العامل فى (مجراها) على التقدير الّذى ذكرنا.

وفى التّفسير ما يدل على أنه منصوب على الظرف. قال الضحّاك (*) : كان يقول وقت جريها باسم الله فتجرى ، ووقت إرسائها باسم الله فترسى. ولا يجوز أن يكون العامل فى (مجراها ومرساها) إذا كان ظرفا ، اركبوا ، لأنه لم يرد اركبوا فيها وقت الجرى والرسوّ ، وإنما المعنى ، سمّوا الله وقت الجرى والرسوّ.

الثانى : أن يكون مجراها فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وباسم الله ، خبره ، وتقديره ، باسم الله إجراؤها وإرساؤها ، وكانت الجملة فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (فيها) لأن فى الجملة ضميرا عائدا على الهاء فى (فيها) وهو (ها) فى مجراها.

والثالث : أن يكون مجراها ، فى موضع رفع بالظرف ، ويكون الظرف حالا

__________________

(*) الضحاك هو أبو عاصم الضحاك بن مخلّد الشيبانى البصرى. من شيوخ المحدثين وحفاظهم ت ٢١٢ ه‍.

١٣

من (ها) المجرورة فى (فيها) لأنّ (ها) المتّصلة بمجراها هى (ها) فى فيها. ولا يجوز أن يكون مجراها مرفوعا بالظرف ويكون باسم الله حالا من الضمير فى اركبوا لأنّ الحال يبقى بلا عائد منها إلى صاحبها.

وقد قرئ مجراها ومرساها : بضمّ الميم وفتحها ، وبضمّ الميم فيهما وكسر الرّاء من مجراها ، وكسر السين من مرسيها. فمن ضمّ الميم مع فتح الرّاء والسين فيهما أجرى المصدر على (أجراها الله مجرى وأرساها الله مرسى). ومن فتحها أجراه على جرت مجرى ورست مرسى.

فالضمّ مصدر فعل رباعىّ ، والفتح مصدر فعل ثلاثىّ.

ومن قرأ بضمّ الميم فيهما وكسر الرّاء والسّين (مجريها ومرسيها) جعله اسم فاعل من أجراها الله فهو مجرى ، وأرساها فهو مرسى.

وهو فى موضع رفع لأنه خبر مبتداء محذوف ، وتقديره ، هو مجريها ومرسيها.

قوله تعالى : (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) (٤٢).

معزل ، يقرأ بكسر الزاى وفتحها. فمن كسر الزّاى جعله اسما للمكان ، ومن فتحها جعله مصدرا.

فإنّ كلّ ما كان على فعل يفعل ، بفتح العين من الماضى وكسرها فى المضارع من هذا النحو على ثلاثة أحرف نحو : ضرب يضرب فإنّ اسم المكان والزمان بالكسر ، نحو : مضرب ، نحو ، هذا مضربنا ، أى مكان ضربنا ، وزمان ضربنا ، ومنه قولهم : أتت الناقة على مضربها ، أى ، على الوقت الذى ضربها الفعل فيه ، والمصدر بالفتح كقولك : ضربته مضربا ، أى : ضربا ، ومنه قولهم : إن فى ألف درهم لمضربا ، أى ضربا.

ويا بنىّ ، يقرأ بكسر الياء وفتحها.

فمن قرأ بكسر الياء فأصله بنيى لأنك إذا صغّرت ابنا قلت بنىّ وأصله بنيو ،

١٤

إلّا أنّه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن ، قلبوا الواو ياء مشدّدة فصار بنيّ ، فإذا أضفته إلى نفسك قلت : بنييّ ، فتجتمع ثلاث ياءات ، فتحذف الأخيرة ، لأنّ الكسرة قبلها تدلّ عليها ، وقوّى حذفها شيئان أحدهما : اجتماع الأمثال. والثانى : النّداء ، فإنّ الحذف فى النّداء أكثر ، ولأنّها حلّت محل التنوين ، وهو يحذف فى النّداء ، فكذلك ما قام مقامه.

ومن قرأ بفتح الياء ، أبدل من الكسرة فتحة ومن الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فيصير ما بيّنّا ، ثم حذف الألف للتخفيف ، كما حذفت الياء ، وقوّى حذفها أنّها عوض عن ياء الإضافة ، وهى تحذف فى النّداء

قوله تعالى : (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) (٤٣).

عاصم اسم (لا) (١).

ومن أمر الله ، خبره ، وهو متعلّق بمحذوف ، وتقديره ، لاذا عصمة كائن (٢) من أمر الله فى اليوم.

واليوم ، معمول الظّرف وإن تقدم عليه ، كقولهم : كلّ يوم لك درهم.

ولا يجوز أن يتعلق بأمر الله ، لأنّه مصدر ، وما هو فى صلة المصدر لا يجوز أن يتقدم عليه.

ولا يجوز أيضا أن يتعلق بعاصم لأنه لو كان متعلّقا بعاصم لوجب أن ينوّن لأنه يشبه المضاف.

ومن رحم ، فى موضع نصب لأنّه استثناء منقطع ، لأنّ عاصم فاعل ، ومن رحم ، مفعول.

__________________

(١) (اسم ما) فى أ.

(٢) (كائنة) فى أ.

١٥

وقيل : لا عاصم بمعنى معصوم ، فلا يكون استثناء منقطعا ، ويكون فى موضع رفع على البدل من (عاصم) لأنّه بمعنى معصوم ، ويجوز البدل أيضا مع إبقاء عاصم على معنى فاعل ، ويكون التّقدير ، لا عاصم اليوم من أمر الله إلّا من رحم إلا الرّاحم ، وهو الله تعالى.

قوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ (١) ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٤٦).

قرئ : عمل غير صالح ، بالفتح ، وعمل بالرفع والتنوين.

فمن قرأ (عمل) غير صالح (٢) ، جعله فعلا ماضيا ، ونصب (غير) به على أنّه مفعول ، وهذه القراءة تدلّ على أن الضمير فى إنّه يعود على الابن.

ومن قرأ : إنّه عمل غير صالح ، بالرفع والتنوين ، احتمل أن تعود الهاء فى (إنّه) إلى السؤال ، أى ، إنّ سؤالك أن أنجّى كافرا عمل غير صالح ؛ واحتمل أن يعود إلى الابن ، أراد ، إنه ذو عمل غير صالح ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

فلا تسألنى ، قرئ بإثبات الياء ، وحذفها مع التخفيف ؛ وبتشديد النّون مع حذف الياء ؛ وبكسر النّون ، وبتشديد النّون مع فتحها.

فمن قرأ بإثبات الياء أتى بها على الأصل.

ومن قرأها بغير ياء حذفها للتّخفيف ، واجتزأ بالكسرة عنها.

وكذلك من قرأ بالتّشديد مع حذف الياء.

وكان الأصل فيه أن تأتى بثلاث نونات ، نونى التأكيد ، ونون الوقاية ، فاجتمعت ثلاث نونات فاستثقلوا اجتماعها فحذفوا الوسطى ، وكان أولى من الأولى

__________________

(١) (فلا تسألنى) فى أ ، ب.

(٢) (عمل غير صالح) جملة ساقطة من ب.

١٦

والثالثة ، وذلك لأن الاولى لو حذفت ، لاجتمعت نونان متحركتان من جنس واحد ، وإذا اجتمع فى كلامهم حرفان متحركان من جنس واحد ، سكّنوا الأوّل وأدغموه فى الثّانى ، فيؤدّى ذلك إلى حذف وتغيير ، ولو حذفت الثالثة لأدّى إلى حذف نون الوقاية ، ونون الوقاية لا تحذف ، وإذا بطل حذف الأولى والثالثة تعيّن حذف الثانية ، على أنه ليس فى حذفها ما يؤدّى إلى حذف وتغيير ، ولا إلى حذف ما يمنع القياس من حذفه ، بل الحكمة فى حذفها واضحة والمناسبة فيه لايحة ، فإنك إذا حذفت الثانية ، أدغمت الأولى الساكنة فى الثالثة المتحركة ، ومن شرط الإدغام ، إدغام الساكن فى المتحرك ، فلهذا كان حذف الثانية أولى من الأولى والثالثة.

ومن قرأ بالتّشديد والفتح لم يقدّر ياء محذوفة تكسر النون لأجلها فكانت مفتوحة.

قوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ) (٤٩).

تلك ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وخبره ، من أنباء الغيب.

ونوحيها ، خبر بعد خبر.

ويحتمل أن يكون فى موضع نصب على الحال ، وتقديره ، تلك كائنة من أنباء الغيب نوحيها إليك.

ويجوز أن يكون تلك ، مبتدأ ، ونوحيها ، خبره ، ومن أنباء الغيب من صلته ، وتقديره ، تلك نوحيها إليك من أنباء الغيب.

قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) (٥٠).

أخاهم ، منصوب بفعل مقدّر ، وتقديره ، وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا.

وكذلك ما جاء من التّنزيل من هذا النحو.

قوله تعالى : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (٥٢).

١٧

مدرارا ، منصوب على الحال من السماء ، والعامل فيه يرسل.

ومدرارا ، أصله أن يكون بالهاء ، إلّا أنهم يحذفون الهاء من مفعال على سبيل النّسب. كقولهم : امرأة معطار ومذكار ومئناث ، وكذلك يحذفونها من مفعيل ، نحو : امرأة معطير وميسير ، وكذلك يحذفونها من فاعل ، نحو امرأة طالق وطامث وحائض ، أى ، ذات طلاق وطمث وحيض وفى غير ذلك.

قوله تعالى : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) (٥٤).

إن ، حرف نفى بمعنى ما ، أى ، ما نقول إلّا هذه المقالة. فالاستثناء ههنا ممّا دلّ عليه الفعل من المصدر ، فإنّ الفعل قد يذكر ثم يستثنى من مدلوله ، كالمصدر والظرف والحال.

والاستثناء من المصدر كقوله تعالى :

(أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى)(١).

فموتتنا ، منصوب على الاستثناء لأنه مستثنى من ضروب الموت الذى دلّ عليها قوله : بميّتين.

والاستثناء من الظرف كقوله تعالى :

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ)(٢).

ساعة ، مستثنى مما دلّ عليه (لم يلبثوا) ، وتقديره ، كأن لم يلبثوا فى الأوقات إلا ساعة من النهار.

والاستثناء من الحال كقوله تعالى :

__________________

(١) ٥٨ ، ٥٩ سورة الصافات. (فما نحن) فى أ. (وما نحن) فى ب.

(٢) ٤٥ سورة يونس.

١٨

(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ)(١)

وتقديره ، ضربت عليهم الذّلّة فى جميع الأحوال أينما ثقفوا إلا متمسّكين بحبل من الله ، أى ؛ عهد من الله.

قوله تعالى : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) (٦٤).

آية ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على الحال من (ناقة الله) ، أى ، هذه ناقة الله لكم آية بيّنة ظاهرة.

والثانى : أن يكون منصوبا على التمييز ، أى ، هذه ناقة الله لكم من جملة الآيات.

قوله تعالى : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) (٦٦).

يقرأ بكسر الميم وفتحها.

فمن قرأ بالكسر أعربه على الأصل.

ومن قرأ بالفتح بناه لإضافته إلى غير متمكّن ، لأنّ ظرف الزمان إذا أضيف إلى اسم غير متمكّن أو فعل ماض بنى. قال الشاعر :

٩٨ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا

فقلت ألمّا تصح والشّيب وازع (٢)

فبنى (حين) على الفتح لإضافته إلى الفعل الماضى.

والتّنوين فى (إذ) من (يومئذ) ، عوض عن جملة محذوفة ، وذلك لأنّ الأصل أن يضاف إلى الجمل ، فإنك إذا قلت : جئتك يومئذ وحينئذ ، كان التقدير

__________________

(١) ١١٢ سورة آل عمران.

(٢) من شواهد سيبويه ١ ـ ٣٦٩ ، وقد نسبه للنابغة الذبيانى. (الصبى) فى أ.

١٩

فيه ، جئتك يوم إذ كان ذاك ، وحين إذ كان ذاك ، فلما حذف (كان ذاك) عوّض بالتّنوين ليكون دليلا على ذلك المعنى ، وكسرت الذال لالتقاء الساكنين لأنّ التنوين زيد ساكنا ، والذال ساكنة فكسرت الذال لالتقاء الساكنين ، وهذا التنوين يسمى تنوين التعويض.

قوله تعالى : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (٦٧).

إنما قال : أخذ بحذف التاء لثلاثة أوجه :

الأوّل : أنه فصل بين الفعل و [الفاعل (١)] بالمفعول وهو (الّذين ظلموا).

والثانى : لأنّ تأنيث الصّيحة غير حقيقى ، ألا ترى أنه يجوز أن تقول : حسن دارك ، واضطرم نارك.

والثالث : أنه محمول على المعنى لأنّ الصّيحة فى معنى الصّياح كقوله تعالى :

(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)(٢)

ولم يقل : جاءته ، لأنّ موعظة فى معنى وعظ ، والشواهد على الحمل على المعنى كثيرة جدّا.

قوله تعالى : (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (٦٨).

اختلف القرّاء فى صرف ثمود وعدم صرفه ، فمن صرفه ، جعله اسم الحىّ ، ومن لم يصرفه ، جعله اسم القبيلة معرفة فلم ينصرف للتعريف والتأنيث.

قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) (٦٩).

نصب سلاما الأوّل لوجهين.

__________________

(١) (الفاعل) كلمة غير موجودة فى النص ، وأثبتها ليستقيم الكلام.

(٢) ٢٧٥ سورة البقرة.

٢٠