الوسيط في تفسير القرآن المجيد - ج ٢

أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي

الوسيط في تفسير القرآن المجيد - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي


المحقق: محمّد حسن أبوالعزم الزفيتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: جمهورية المصر العربية ، وزارة الأوقاف ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، لجنة إحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥١
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة اللجنة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وسلم تسليما كثيرا .. أما بعد ..

فهذا هو الجزء الثانى من كتاب : «الوسيط فى تفسير القرآن المجيد» ، للإمام المفسر أبى الحسن على بن أحمد الواحدى ، المتوفى سنة ٤٦٨ ه‍.

ويبدأ هذا الجزء بالسورة الثالثة من سور القرآن العظيم ، وهى سورة : «آل عمران» ، وينتهى بنهاية السورة الرابعة ، وهى سورة : «النساء» ، ويتضح من ذلك سعة علم هذا المفسر العظيم ، فقد استغرقت سورتا : «الفاتحة» و «البقرة» الجزء الأول كاملا ، وها هو الجزء الثانى تستغرقه سورتا : «آل عمران» و «النساء».

وقد تعود الإمام الواحدى ، أن يبدأ تفسيره لكل سورة من سور القرآن الكريم ، بذكر فضائل هذه السورة ، بسند متصل إلى الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو إلى أحد كبار الصحابة ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ ففى سورة آل عمران يروى الواحدى عن الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قوله : «من قرأ سورة آل عمران ، أعطى بكل آية منها أمانا على جسر جهنم» ، وقوله كذلك : «تعلموا سورة البقرة وسورة آل عمران ، فإنهما الزهراوان ، وأنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة ، كأنهما غمامتان ، أو غيابتان ، أو فرقتان من طير صواف».

وفى فضائل سورة النساء يروى عن النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قوله : «من قرأ سورة النساء فكأنما تصدق على كل من ورث ميراثا ، وأعطى من الأجر كمن اشترى محررا ، وبرئ من الشرك ، وكان فى مشيئة الله ـ عزوجل ـ ممن يتجاوز عنهم» .. كما يروى عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه قوله : «تعلموا سورة البقرة ، وسورة النساء ، وسورة المائدة ، وسورة النور ، فإن فيهن الفرائض».

٣

ويمتلئ الكتاب بالرواية عن الصحابة وكبار التابعين ، فى تفسير آيات الذكر الحكيم ؛ مثل : ابن عباس ، ومجاهد ، والسدى ، وأم سلمة ، وعائشة ، والضحاك ، وقتادة ، وعطاء ، وأبى عبيدة بن الجراح ، وأبى هريرة ، وسعيد بن جبير ، وعبد الله بن مسعود ، وأبى أمامة ، وأبى ذر ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وعبادة بن الصامت ، ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ.

كما يفيض بنقل الواحدى عن كبار المفسرين ، والفقهاء ، وعلماء اللغة ، والمحدثين ، مثل : ابن الأنبارى ، والكلبى ، والفراء ، وأبى عبيدة ، والزهرى ، ومؤرج السدوسى ، والزجاج ، ومقاتل ، والأعمش ، وابن قتيبة ، وإبراهيم النخعى ، والخليل بن أحمد ، والبخارى ، وسيبويه ، والمبرد ، وابن الأعرابى ، والشافعى ، وأبى حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، وأبى عبيد القاسم بن سلام ، والأصمعى ، والأخفش ، وغيرهم.

وفى الكتاب شواهد شعرية قليلة ، لوضاح اليمن ، وعبيد الله بن قيس الرقيات ، وجرير ، ولبيد ، ومقاس العائذى ، إلى جانب بعض الأبيات المجهولة القائل.

ومحقق هذا الجزء هو نفسه محقق الجزء الأول من كتاب الواحدى ، وهو الأستاذ محمد حسن أبو العزم الزفيتى ، وقد اجتهد فى تحقيق نص الكتاب جهد الطاقة ، فقابل بين مخطوطاته ، وأثبت ما رآه صوابا فى متن الكتاب ، وأشار إلى فروق النسخ فى الهوامش ، وخرج النص وضبطه ، وقابله مع المصادر المختلفة.

وقد شارك بعض أعضاء لجنة إحياء التراث فى مراجعة الكتاب ، وتخليصه من الأوهام التى افلتت من المحقق ؛ حتى يتفق تحقيق الكتاب مع منهج اللجنة ، الذى ارتضته فى إخراج النصوص التى تنشرها.

ويسعد لجنة إحياء التراث الإسلامى ، وهى تقدم هذا الجزء لجمهور القراء ، أن تتقدم بالشكر الجزيل لمحقق الكتاب على ما بذل من وقت وجهد فى سبيل تحقيق هذا الجزء ، كما تتوجه بخالص الشكر والثناء لمن تفضل من أعضاء اللجنة الكرام بمراجعة التحقيق ، وغايتنا جميعا هى الوصول إلى الصواب .. والله من وراء القصد ، والحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لو لا أن هدانا الله ..

أ. د. رمضان عبد التواب

القاهرة فى ٤ / ٤ / ١٩٩٥ م.

أ. عبد المنعم محمد عمر

٤

٥

تفسير سورة آل عمران

أخبرنا أبو سعد محمد بن على الخفّاف ، أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر الحيرى ، حدّثنا إبراهيم بن شريك ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدّثنا سلّام بن سليم ، حدّثنا هارون بن كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه (١) ، عن أبى أمامة ، عن أبىّ بن كعب قال :

قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة آل عمران أعطى بكلّ آية منها أمانا على جسر جهنّم» (٢).

أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر ، حدّثنا محمد بن جعفر القرشىّ ، حدّثنا أبو نعيم ، حدّثنا بشير (٣) بن المهاجر ، عن عبد الله بن بريدة (٤) ، عن أبيه قال :

قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «تعلّموا سورة البقرة ، وسورة آل عمران فإنّهما الزّهراوان ، وأنّهما تظلّان صاحبهما يوم القيامة ، كأنّهما غمامتان ، أو غيابتان ، أو فرقتان من طير صوافّ» (٥).

__________________

(١) هو أسلم العدوى ، مولى عمر [بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ] ثقة مخضرم ، [روى عنه ابنه زيد بن أسلم] ، توفى سنة ٨٠ ، وقيل : بعد سنة ٦٠ ، وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة. انظر (تقريب التهذيب ٢٢٢ / ت : ٢١١٧) و (المعارف لابن قتيبة ١٨٩).

(٢) يقول الزركشى : «وأما حديث أبى بن كعب ـ رضى الله عنه ـ فى فضيلة القرآن سورة سورة فحديث موضوع ، ثم يقول أيضا : «وعن نوح بن أبى مريم أنه قيل له : من أين لك عن عكرمة ، عن ابن عباس فى فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال : إنى رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبى حنيفة ، ومغازى محمد بن إسحاق ، فوضعت هذه الأحاديث حسبة. (البرهان فى علوم القرآن ١ : ٤٣٢) وانظر (الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ٤ : ١٠٢ ، ١١٥) و (علوم الحديث لابن الصلاح ٩٠) و (الموضوعات لابن الجوزى ١ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠) و (السراج المنير ١ : ٢٧٧).

(٣) قال الحضرمى : بفتح الباء بنقطة من تحت وشين معجمة : (عمدة القوى والضعيف ـ الورقة ٦ / و) وهو بشير بن المهاجر الكوفى الغنوى. انظر (تقريب التهذيب ١٢٥ ت / ٧٢٣).

(٤) هو بريدة بن الحصيب ، بمهملتين مصغرا ، أبو سهل الأسلمى ، صحابى أسلم قبل بدر ، مات سنة ثلاث وستين : (تقريب التهذيب ١٢١ ت / ٦٦٠).

(٥) أخرجه الدارمى ـ عن بريدة ، مطولا ـ فى (مسند الدارمى ، فضائل القرآن ، فضل سورة البقرة وآل عمران ٢ : ٤٥٠ ـ ٤٥١) ومسلم ـ عن أبى أمامة الباهلى ، مطولا ، وبألفاظ مختلفة ـ فى (صحيحه ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل قراءة القرآن فى الصلاة وفضل سورة البقرة ٣ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧) والحاكم ـ عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ـ فى (المستدرك ـ كتاب فضائل القرآن ١ : ٧٤٨ / حديث ٢٠٥٨) «الزهراوان : أى المنيرتان المضيئتان واحدتها زهراء. الغيابة : كل شىء أظل الإنسان فوق رأسه ، مثل السحابة والغبرة ، والظل ونحوه. فرقان : أى قطعتان ، والصواف : التى تصف أجنحتها فلا تحركها : (اللسان ـ مادة : زهر ، غيب فرق ، صفف).

٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ، ٢ ـ (١) (الم)(٢) وتفسير (الم) قد تقدّم (٣) ، وكذلك تفسير : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(٤).

٣ ـ وقوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ.)

يعنى : القرآن : وإنّما قال : (نَزَّلَ) ثم قال : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) ؛ لأنّ التنزيل للتكثير ، والقرآن نزل نجوما (شيئا بعد شىء) (٥) ، والتوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة.

وقوله : (بِالْحَقِ) : أى بالصّدق فى أخباره ، وجميع دلالاته. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) : موافقا لما تقدّم الخبر به فى سائر الكتب. وفى ذلك دليل على صحّة نبوّة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

وقوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من مجاز الكلام ، وذلك أنّ ما بين يديك فهو أمامك ، فقيل ـ لكلّ ما تقدّم على الشّىء ـ : هو بين يديه.

(وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) : وهى اسم لكتاب موسى عليه‌السلام ، (وَالْإِنْجِيلَ) : اسم لكتاب عيسى عليه‌السلام.

٤ ـ (مِنْ قَبْلُ) : أى من قبل القرآن (هُدىً لِلنَّاسِ) : أى هاديين لمن آمن بهما إلى طريق الحقّ.

(وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) يعنى : كتاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الّذى فرق بين الحقّ والباطل (٦).

قال السّدّىّ : فى الآية تقديم وتأخير ؛ لأنّ التّقدير : وأنزل التّوراة والإنجيل ، وأنزل القرآن هدى للنّاس.

__________________

(١) (١ ـ ١) الإثبات عن أ ، ج. انظر معناها فى أول سورة البقرة عند الآية الأولى فى (الوسيط فى التفسير للواحدى ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ـ بتحقيقنا).

(٢) (١ ـ ١) الإثبات عن أ ، ج. انظر معناها فى أول سورة البقرة عند الآية الأولى فى (الوسيط فى التفسير للواحدى ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ـ بتحقيقنا).

(٣) (١ ـ ١) الإثبات عن أ ، ج. انظر معناها فى أول سورة البقرة عند الآية الأولى فى (الوسيط فى التفسير للواحدى ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ـ بتحقيقنا).

(٤) انظر معناها فيما سبق فى (الوسيط فى التفسير للواحدى ١ : ٣٦٢ ـ ٣٦٤).

(٥) ب : «شىء بعد شىء». انظر (تفسير الطبرى ٦ : ١١٨).

(٦) وهو قول قتادة والربيع : (تفسير الطبرى ٣ : ١٦٧ ط / الحلبى) وبنحوه فى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٧٥).

٧

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ)

: بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والقرآن : (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) فى النّار

(وَاللهُ عَزِيزٌ) : غالب قوىّ (ذُو انْتِقامٍ)(١) ممّن كفر به.

يقال : انتقم منه انتقاما ؛ إذا كافأه عقوبة بما صنع. (٢)

٥ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ)

: لا يغيب عن علمه شىء فيهما.

٦ ـ (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ).

: جمع رحم ، وهى مستقرّ الولد فى بطن الأمّ (٣).

(كَيْفَ يَشاءُ) : ذكرا أو أنثى ، قصيرا أو طويلا ، أسود أو أبيض ، (٤) سعيدا أو شقيّا. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) فى خلقه.

٧ ـ قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ).

قال ابن عبّاس فى رواية عطاء : «المحكمات» : هنّ الثلاث الآيات فى آخر سورة الأنعام : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)(٥) (..) إلى آخر الآيات (الثّلاث) (٦).

وهذه الآيات (مُحْكَماتٌ) لأنّها لا تحتمل من التّأويل غير وجه واحد.

قال ابن الأنبارىّ : الآية المحكمة : هى التى منعت كثرة التّأويلات ؛ لأنّها لا تحتمل إلّا تفسيرا واحدا.

(هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ).

: أى أصل الكتاب الذى يعتمد عليه. والآيات الثلاث التى فى الأنعام : هنّ أمّ كلّ كتاب أنزله الله على نبىّ الله ، فيهنّ كلّ ((٧) ما أحلّ ، وفيهنّ كلّ (٧)) ، ما حرّم.

__________________

(١) حاشية ج : «أى ذو عقوبة شديدة ؛ لأنها لا يقدر على مثلها غيره».

(٢) انظر (اللسان ، والتاج ـ مادة : نقم).

(٣) (الوجيز للوحدى ١ : ٨٦) ، وحاشية ج : «: أى يجعلكم على صورة فى الأرحام ؛ أى أرحام الأمهات».

(٤) ب : «أسود وأبيض».

(٥) الآيات : ١٥١ ـ ١٥٣.

(٦) الإثبات عن ج. (تفسير الطبرى ٣ : ٧٢) و (الدر المنثور ٢ : ١٤٥ ط : بيروت) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٧٦) ، وانظر (معانى القرآن للفراء ١ : ١٩٠).

(٧ ـ ٧) الإثبات عن ب ، ج. قال الفراء : يعنى مبينات للحلال والحرام ولم ينسخن ..» (معانى الفراء ١ : ١٩٠).

٨

ووحّد «الأمّ» بعد قوله : «هنّ» ؛ لأنّهنّ بكمالهنّ أمّ ، وليست كلّ واحدة منهنّ أمّ الكتاب على انفرادها (١).

وقوله : (وَأُخَرُ) جمع : أخرى (٢) (مُتَشابِهاتٌ) يريد : التى تشابهت على اليهود ؛ وهى حروف التهجّى (٣) فى أوائل السّور ؛ وذلك لأنّهم أوّلوها على حساب الجمّل (٤) ، وطلبوا أن يستخرجوا منها مدّة بقاء هذه الأمّة ؛ فاختلط عليهم و ((٥) اشتبه (٥)).

و «المتشابه من القرآن» : ما احتمل من التّأويل أوجها. سمّى متشابها ؛ لأنّ لفظه يشبه لفظ غيره ، ومعناه يخالف معناه قال الله تعالى ـ فى وصف ثمار (٦) الجنّة ـ : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(٧) : أى متّفق المناظر مختلف الطّعوم.

ثم يقال ـ لكلّ ما غمض ودقّ ـ : متشابه ، وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشّبه بغيره. ألا ترى أنّه قيل ـ للحروف المقطّعة فى أوائل السّور : متشابهة وليس الشّكّ فيها لمشاكلتها غيرها والتباسها به.

وقول : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ).

: أى ميل عن الحقّ (٨) ، وهم اليهود طلبوا علم أجل هذه الأمّة واستخراجه من الحروف المقطّعة ؛ وهو قوله : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ).

قال مجاهد : طلب اللبس ؛ ليضلّوا به جهّالهم (٩).

(وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ)

__________________

(١) حاشية ج ، و (تفسير الطبرى ٣ : ١٧): «ولم يقل أمهات الكتاب ؛ لأن الآيات كلها فى تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة ، وكلام الله واحد».

(٢) أ : «أخرى هى جمع أخر». قال الزجاج : فأما «أخر» فغير مصروفة (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٧٧).

(٣) قال الفراء : وهن المص ، والر ، والمر : اشتبهن على اليهود ؛ لأنهم التمسوا مدة [أجل] هذه الأمة من حساب الجمل ؛ فلما يأتهم على ما يريدون قالوا : خلط محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وكفروا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ» (معانى القرآن للفراء ١ : ٩٠).

(٤) قال الحضرمى : «بضم الجيم وتشديد الميم ؛ وهو عبارة عن حروف «أبجد» (عمدة القوى والضعيف ـ الورقة ٦ / ظ).

(٥ ـ ٥) ج : «واشبه». انظر (الوجيز للواحدى ١ : ٨٧) و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤١٧) وتفصيل ذلك فى (تفسير الطبرى ٣ : ١٧٤ ـ ١٧٥).

(٦) ب : «أثمار».

(٧) سورة البقرة : ٢٥. وانظر معناها فيما تقدم فى (الوسيط للواحدى ١ : ٦٢ ـ ٦٣).

(٨) (اللسان ، والتاج ـ مادة : زيغ) وفى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٧٨): «الزيغ : الجور والميل عن القصد».

(٩) واختاره الطبرى (تفسير الطبرى ٦ : ١٩٧ ط : دار المعارف) وبلا نسبة فى (الوجيز للواحدى ١ : ٨٨).

٩

«التأويل» : التّفسير ، ومعناه : ما يئول إليه الشّىء : أى يرجع.

قال ابن عبّاس : (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) : طلب مدّة أجل أمّة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (١).

قال الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ.)

يريد : وما يعلم انقضاء مدّة ملك أمّة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلّا الله ؛ لأنّ انقضاء ملك هذه الأمّة مع قيام السّاعة ، ولا يعلم ذلك ملك مقرّب ، ولا نبىّ مرسل.

ثم ابتدأ فقال : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) : أى الثابتون فيه (٢).

و «الرّسوخ» فى اللّغة : الثّبوت فى الشّىء.

وعند أكثر المفسّرين : المراد ب «الرّاسخين» : علماء مؤمنى أهل الكتاب.

قال ابن عباس ومجاهد والسدّىّ : (٣) بقولهم : (آمَنَّا بِهِ) : سمّاهم الله تعالى (راسخين فى العلم) ؛ فرسوخهم فى العلم قولهم : (آمَنَّا بِهِ)) أى بالمتشابه. (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) : المحكم والمتشابه ، وما علمناه وما لم نعلمه. أخبرنا سعيد بن محمد المقرى ، أخبرنا عمرو بن مطر ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ابن يوسف السّمنانىّ (٤) ، حدّثنا عمرو بن عثمان ، حدّثنا محمد بن حرب ، عن أبى سلمة ، عن أبى حصين ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس قال : نزل القرآن على أربعة أوجه ؛ فوجه حلال وحرام لا يسع أحد جهالتها ، ووجه عربىّ ؛ تعرفه العرب ، ووجه تأويل : يعلمه العلماء ، ووجه تأويل : لا يعلمه إلّا الله ، فمن انتحل فيه علما فقد كذب (٥).

وقوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) : أى وما يتّعظ بالقرآن إلّا ذوو العقول.

__________________

(١) (تفسير الطبرى ٣ : ١٨١) وبلا نسبة فى (الوجيز للواحدى ١ : ٨٨).

(٢) (اللسان ، والتاج ـ مادة : رسخ) و (مفردات الراغب ٩٥) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٩) و (معانى القرآن للنحاس ١ ٣٥٢).

(٣) (تفسير الطبرى ٣ : ١٨٥) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٨) وبلا نسبة فى (الوجيز للواحدى ١ : ٨٨).

(٤) قال الحضرمى : «السمنانى ، بسين مهملة مكسورة ، وبعدها ميم ونون» (عمدة القوى والضعيف ـ الورقة ٦ / ظ).

(٥) لأثر أخرجه ابن المنذر من طريق الكلبى عن أبى صالح ، عن ابن عباس ، بنحوه ، كما فى (الدر المنثور ١ : ٧) و (تفسير الطبرى ١ : ١٧٦) و (تفسير ابن كثير ١ : ١٨) وانظر (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٢١) و (البرهان فى علوم القرآن ٢ : ١٧٤).

١٠

٨ ـ قوله : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا).

: أى ويقول الراسخون : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) : أى لا تملها عن الهدى والقصد (١) ، كما أزغت قلوب اليهود والنّصارى ، والذين فى قلوبهم زيغ (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) للإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك.

وروت أمّ سلمة أنّ النّبىّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يقول : «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبى على دينك» ، ثمّ قرأ : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)(٢).

٩ ـ قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) يعنى : يوم القيامة يجمعهم الله للجزاء فى ذلك اليوم ؛ وهذا إقرار من المؤمنين بالبعث.

(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) يعنى : ميعاد الجمع والبعث (٣).

١٠ ـ قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا).

قال ابن عباس : يعنى يهود قريظة والنّضير.

((٤)لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) : لن تنفع ولن تدفع عنهم أموالهم (وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ)

قال الكلبىّ : من عذاب الله.

(شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) : (٥) هم الّذين توقد بهم النّار.

١١ ـ قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ.)

قال ابن عبّاس ومجاهد والسّدّىّ : كفعل آل فرعون ، وصنيعهم فى الكفر والتّكذيب.

__________________

(١) (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٧٩) وتمامه : «أى لا تضلنا بعد إذ هديتنا ..» وانظر (تفسير القرطبى ٤ : ٢٠) و (الوجيز للواحدى ١ : ٨٨).

(٢) الحديث أخرجه ابن أبى شيبة وأحمد والترمذى وابن جرير والطبرانى ، وابن مردويه عن أم سلمة ، بمثله. انظر (الدر المنثور ١ : ٨) و (مسند أحمد ٣ : ١١٢ ، ٢٥٧ / ٤ : ١٨٢ / ٦ : ٢٥ ، ٢٩٤ ، ٣٠٢ ، ٣١٥) ، و (صحيح الترمذيّ ـ أبواب القدر ـ باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن ٨ : ٣٠٧) قال الترمذى : هذا حديث حسن.

(٣) أ : «الجمع والعذاب». (الوجيز للواحدى ١ : ٨٨) «للبعث والعذاب».

(٤) ب : «لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ» مكررة ، وجاءت قبل : «قال ابن عباس» والمثبت عن أ ، ج.

(٥) انظر معناها فيما سبق فى (الوسيط للواحدى ١ : ٦٠ بتحقيقنا) ، و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٠).

١١

يريد : أنّ اليهود كفرت بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كعادة آل فرعون فى تكذيب موسى بعد ما عرفوا صدقه ؛ والمعنى : دأبهم فى الكفر كدأب آل فرعون.

و «الدّأب» معناه فى اللّغة : الأمر والشّأن والعادة (١).

(وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى : كفّار الأمم الخالية (٢) ([كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ]).

١٢ ـ قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا).

قال ابن عباس : يعنى يهود المدينة. (٣) وقال مقاتل : ((٤) مشركى مكّة (٤)).

(سَتُغْلَبُونَ) : ستصيرون مغلوبين بنصرة الله المؤمنين عليكم ، ثم فعل ذلك فاليهود غلبوا بوضع الجزى (٥) عليهم ، والمشركون غلبوا بالسّيف.

وقوله : (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) وعيد لهم بالنّار.

وقرئ بالتّاء (٦) والياء. قال الفرّاء (٧) : يجوز فى مثل هذا التّاء والياء ؛ لأنّك تقول فى الكلام : قل لعبد الله إنّه قائم ، وإنّك قائم ؛ وفى حرف (٨) عبد الله :

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ)(٩).

وقوله : (وَبِئْسَ الْمِهادُ).

قال ابن عباس : بئس ما قد مهّد لكم ، وبئس ما مهّدتم لأنفسكم.

__________________

(١) (اللسان ـ مادة : دأب) و (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٨٧) و (مفردات الراغب ١٧٤) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨١)

(٢) حاشية ج : «أى الماضية».

(٣) انظره مطولا عن ابن عباس فى (أسباب النزول للواحدى ٩١ ـ ٩٢) و (الدر المنثور ٢ : ٩) و (تفسير الطبرى ٣ : ١٩٢) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤) و (تفسير ابن كثير ٢ : ١٢) و (سنن أبى داود ٣ : ١٥٤ ـ ١٥٥) و (سيرة ابن هشام ٢ : ٢٠١).

(٤ ـ ٤) أ : «مشركى قريش بمكة».

(٥) حاشية ج : «الجزى : جمع جزية». «قال الجوهرى : وهو ما يؤخذ من أهل الذمة» (اللسان ـ مادة : جزى) وانظر (مفردات الراغب ٩٣).

(٦) قرأ بالتاء ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ونافع. وقرأ بالياء : حمزة والكسائى. انظر (السبعة فى القراءات ٢٠١ ، ٢٠٢) وتوجيه القراءتين فى (البحر المحيط ٢ : ٣٩٢) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤) و (معانى القرآن للفراء ١ : ١٩١ ، ١٩٢) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨١) و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٢٦).

(٧) انظر (معانى القرآن للفراء ١ : ١٩١ ، ١٩٢).

(٨) حاشية ج : «أى فى قراءة» ، وهو عبد الله بن مسعود.

(٩) سورة الأنفال : ٣٨. قال الفراء ـ بعد أن ذكر هذه القراءة ـ : وفى قراءتنا : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (معانى القرآن للفراء ١٩٢) وانظر (معانى القرآن للأخفش ١ : ٣٩٥).

١٢

١٣ ـ قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ)(١).

يخاطب الّذين ذكرهم فى قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا.)

وأراد ب «الآية» : علامة تدلّ على صدق محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(فِي فِئَتَيْنِ) يعنى رسول الله وأصحابه يوم بدر (٢) ، ومشركى مكّة ـ حين خرجوا لقتاله ـ (الْتَقَتا) : اجتمعتا (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) : وهم المؤمنون (وَأُخْرى كافِرَةٌ) يعنى المشركين (يَرَوْنَهُمْ) ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة (مِثْلَيْهِمْ) ـ وهم كانوا ثلاثة أمثالهم ـ ولكنّ الله أرى المسلمين أنّ المشركين لا يزيدون على مثليهم ؛ وذلك أنّ الله تعالى كان قد أعلم المسلمين أنّ المائة منهم تغلب المائتين من الكفّار ؛ فأراهم المشركين على قدر ما أعلمهم أنّهم يغلبونهم ؛ ليقوّى قلوبهم (٣).

ومن قرأ : (تَرَوْنَهُمْ) بالتّاء (٤) ؛ فلأنّ ما قبله خطاب لليهود.

والمعنى : ترون أيّها اليهود المشركين ضعفى المؤمنين ـ على ما ذكرنا من تقليل الله المشركين فى الأعين.

قوله : (رَأْيَ الْعَيْنِ).

يجوز أن يكون مصدرا ، يقال : رأيته رأيا ورؤية ، ويجوز أن يكون ظرفا (٥) للمكان ، كما تقول : ترونهم أمامكم.

__________________

(١) حاشية ج : «ثم خاطب كفار قريش مشيرا إلى وقعة بدر ، ولم : قد كانت والآية مؤنثة لأنه رد إلى البيان ؛ أى قد كان لكم بيان ، فذهب إلى المعنى.

قال الفراء : إنما ذكّره لأنه حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث فذكّر الفعل. وكلّ ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه». انظر (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤ ـ ٢٥).

(٢) بدر ـ بالفتح ثم بالسكون ـ : ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادى الصفراء ، وبهذا الماء كانت الواقعة المشهورة التى أظهر الله بها الإسلام ، وفرق بين الحق والباطل ، فى شهر رمضان سنة اثنتين للهجرة : (معجم البلدان ١ : ٣٥٧).

(٣) (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤) وفيه بعد ذلك : «وأرى المشركين المسلمين أقل من عدد المسلمين ، ثم ألقى مع ذلك فى قلوبهم الرعب ، فجعلوا يرون عددا قليلا مع رعب شديد.

والدليل على صحة هذا القول : قول الله عزوجل : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) [سورة الأنفال : ٤٤] ؛ فهذا هو الذى فيه آية أن يرى الشىء بخلاف صورته ، والله أعلم.

(٤) وهذه قراءة نافع وأبان عن عاصم ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائى ، وكذا خلف بالغيب [بالياء] ، ووافقهم ابن محيصن واليزيدى والأعمش : (إتحاف الفضلاء ١٧١) و (السبعة فى القراءات ٢٠١ ـ ٢٠٢) و (معانى القرآن للفراء ١ : ١٩٤) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٥) و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٢٨).

(٥) حاشية ج : «أى فى مرأى العين ، أى من حيث تقع عليه العين».

١٣

(وَاللهُ يُؤَيِّدُ) : يقوّى (بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) يعنى المؤمنين ((١) نصرهم (١)) يوم بدر على قلّتهم (٢) (إِنَّ فِي ذلِكَ) : أى فيما فعل من ((٣) نصر المؤمنين (٣)) (لَعِبْرَةً) «العبرة» : الاعتبار ، وهى الآية التى يعبر (٤) بها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم ((٥) وأصلها من العبور ؛ وهو النّفوذ من جانب إلى جانب (٥)) ؛ لأنّ المعتبر بالشّىء تارك جهله ، وواصل إلى علمه بما رأى.

وقوله : (لِأُولِي الْأَبْصارِ).

: أى لأولى العقول. يقال : لفلان بصر بهذا الأمر : أى علم ومعرفة.

١٤ ـ قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ.)

: أى بما جعل فى طباعهم من الميل إلى هذه الأشياء محنة (٦) ، كما قال عزوجل : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ)(٧).

و (الشَّهَواتِ) : جمع الشّهوة ؛ وهى توقان النّفس إلى الشّىء ميلا إليه.

((٨) ([مِنَ النِّساءِ) وهى حال من الشّهوات ؛ أى حال كونها من طائفة النّساء ؛ وإنّما بدأ بهنّ لأنّ فتنة النّساء أشدّ من فتنة كلّ الأشياء. (وَالْبَنِينَ) والفتنة بهم : أنّ الرجل يبتلى بسببهم على جمع الأموال من الحلال والحرام](٨)).

(وَالْقَناطِيرِ :) جمع قنطار ؛ وهو المال الكثير (٩).

حكى أبو عبيدة عن العرب أنّهم يقولون : هو وزن لا يحدّ (١٠).

__________________

(١ ـ ١) أ ، ب : «نصرهم».

(٢) حاشية ج : «وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ؛ سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار ، وصاحب راية المهاجرين على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ـ وكان فيهم سبعون بعيرا وفرسان ؛ فرس لمقداد ابن عمرو ، وفرس لمرثد ، وأكثرهم رجالة ، وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف».

(٣ ـ ٣) ج : «من نصره المؤمنين.

(٤) حاشية ج ، و (اللسان ـ مادة : عبر): «أى تجاوز من العبور».

(٥ ـ ٥) الإثبات عن ب ، ج.

(٦) حاشية ج «أى امتحان وتجربة» انظر (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٤)

(٧) سورة الكهف : ٧. حاشية ج : «من البلاء وهو الامتحان».

(٨ ـ ٨) ما بين الحاصرتين تكملة عن (تفسير الوجيز للواحدى ١ : ٩٠).

(٩) كما قال الربيع بن أنس ، وهو الصواب عند الطبرى : (تفسير الطبرى ٣ : ١٩٩) وانظر (تفسير القرطبى ٤ : ٣٠) و (الدر المنثور ٢ : ١٠).

(١٠) فى (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٨٨) و (اللسان ـ مادة : قنطر): «هو قدر ووزن لا يحد».

وبنحوه فى (تفسير القرطبى ٤ : ٣١) و (الفخر الرازى ٢ : ٤٣٢).

١٤

وقال مجاهد : هو سبعون ألف دينار. وقال معاذ بن جبل : القنطار : ألف ومائتا أوقيّة.

وقال الضّحّاك : اثنا عشر ألف درهم ، أو ألف دينار.

وقال أبو نضرة : هو ملء مسك ثور ذهبا [أو فضّة](١).

(الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.)

و (الْمُقَنْطَرَةِ) قال قتادة : (٢) إنّها المال الكثير بعضه على بعض.

وقوله : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ.)

(الْخَيْلِ) : جمع لا واحد له من لفظه ، كالقوم والنّساء والرّهط.

فأمّا (الْمُسَوَّمَةِ) فقال ابن عباس فى رواية عطيّة : (٣) هى الرّاعية.

يقال : أسمت الماشية وسوّمتها ؛ إذا رعيتها فهى مسامة ومسوّمة ؛ ومنه قوله تعالى : (فِيهِ تُسِيمُونَ)(٤).

وقال فى رواية الوالبى : هى المعلمة ؛ (٥) من السّيما التى هى العلامة.

ومعنى «العلامة» ـ هاهنا ـ : الكىّ فى قول المؤرّج ، (٦) والبلق (٧) فى قول ابن

__________________

(١) ما بين الحاصرتين تكملة عن قول أبى نضرة العبدى كما فى (تفسير القرطبى ٤ : ٣١) و (تفسير الطبرى ٣ : ٢٠١) وانظر (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٨٨) و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٣٢) و (معانى القرآن للفراء ١ : ١٩٥) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٤) وفى (اللسان ـ مادة : مسك): «: أى جلد ثور».

(٢) والربيع بن أنس والضحاك : (تفسير الطبرى ٣ : ٢٠٢) وجاء فيه ، و (معانى القرآن للفراء ١ : ٩٥) و (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٢) «المقنطرة : المضعفة ، كأن القناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسع» وكذا فى (اللسان ـ مادة : قنطر) ..

(٣) ج : «عطاء» (تحريف) والمثبت عن أ ، ب. انظر (الدر المنثور ٢ : ١١).

(٤) سورة النحل : ١٠. والآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ).

(٥) «المسومة» : المعلمة بشيات الخيل فى وجوهها ، كما روى عن ابن عباس ، وهو مذهب الكسائى وأبى عبيدة (تفسير القرطبى ٤ : ٣٤) وانظر (الدر المنثور ٢ : ١١) و (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٩٨) و (اللسان ـ مادة : سوم) و (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٠٢).

(٦) حاشية ج : «المؤرج ـ كمحدث ـ : أبو فيد بن عمرو بن الحارث السدوسى النحوى البصرى ، أحد أئمة اللغة والنحو ، [المتوفى سنة ١٧٤ هجرية]».

(٧) البلق : سواد وبياض ، وكذلك البلقة ـ بالضم ـ : (اللسان ، والتاج ـ مادة : بلق).

١٥

كيسان ، والشّية (١) فى قول قتادة (٢).

(وَالْأَنْعامِ) : جمع نعم ، والنّعم : (٣) الإبل والبقر والغنم.

(وَالْحَرْثِ) : الأرض المهيّأة للزّراعة (٤).

قوله : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا.)

يعنى : ما ذكر من هذه الأشياء ؛ وهى ممّا يتمتّع به فى الدّنيا.

(وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ.)

: أى المرجع. (٥) يقال : آب يئوب أوبة وأيبة وإيابا.

وفى هذا ترغيب فيما عند الله من الجنّة والثّواب ؛ إذ ذكر أنّ عنده حسن المآب.

ثم أعلم أنّ خيرا من جميع (٦) ما فى الدّنيا ما أعدّه الله لأوليائه فقال :

١٥ ـ (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ) : قل لهم يا محمد : أأخبركم (بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) الذى ذكرت (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا.)

قال ابن عباس : يريد المهاجرين والأنصار. أراد الله أن يغريهم (٧) ، ويشوّقهم إلى المعاد ؛ ويدخل فى هذا كلّ من آمن بالله واتّقى الشّرك.

وما بعد هذا (٨) تقدّم تفسيره إلى قوله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) وقرئ بضمّ

__________________

(١) حاشية ج : «الشية : كل لون يخالف معظم لون الفرس غيره ؛ وقوله تعالى : لا شِيَةَ فِيها [سورة البقرة : ٧١] : أى ليس فيها لون يخالف سائر لونها.

وقيل : الشية : الخيل المطبق السواد ، وفى سواده بياض» وانظر معناها أيضا فيما تقدم فى الجزء الأول من هذا الكتاب صفحة (١٣٠).

(٢) (تفسير القرطبى ٤ : ٣٣) و (الفخر الرازى ٢ : ٤٣٢) و (الدر المنثور ٢ : ١١) و (مجاز القرآن لأبى عبيدة ١ : ٨٩).

وقال مجاهد : المطهمة الحسان ؛ وأحسبه أراد أنها ذات سيماء ، كما يقال : رجل له سيماء ، وله شارة حسنة : (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٠٢).

قال الطبرى : «وأولى هذه الأقوال بالصواب فى تأويل قوله تعالى : (الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) : المعلمة بالشيات الحسان الرائعة حسنا من رآها .. فتوجيه تأويل (الْمُسَوَّمَةِ) إلى أنها المعلمة بما وصفنا من المعانى ... أصح» : (تفسير الطبرى ٣ : ٢٠٢ ـ ٢٠٤).

(٣) جاء فى (اللسان ـ مادة : نعم) : عن الفراء وغيره من أهل اللغة : «.. والعرب إذا أفردت «النعم» لم يريدوا بها إلا الإبل ، فإذا قالوا : «الأنعام» أرادوا بها الإبل والبقر والغنم.».

(٤) انظر معنى ذلك فى الجزء الأول من هذا الكتاب صفحة (١٢٩).

(٥) (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٦) وبنحوه فى (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٢).

(٦) ب ، ج : «مما فى الدنيا» والمثبت عن أ ، وانظر (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٦).

(٧) ب : «أن يعرفهم» والمثبت عن أ ، ج. حاشية ج : «الإغراء : التحريض».

(٨) وهو قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ)

وانظر معناها فى الجزء الأول من هذا الكتاب ، صفحة (٦١ ـ ٦٢) ، و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٦).

١٦

الرّاء ، (١) وهى لغة قيس وتميم.

قال الفرّاء : يقال : رضيت رضا ورضوانا ورضوانا ومرضاة.

(وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ.)

: أى عالم بهم ، وإذا كان عالما بهم جازاهم ما يستحقّون. ثمّ وصفهم

١٦ ـ فقال : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا ..) الآية (٢).

ثمّ زاد فى وصفهم فقال :

١٧ ـ (الصَّابِرِينَ) قال ابن عبّاس ، على دينهم وعلى ما أصابهم (وَالصَّادِقِينَ) قال قتادة : هم قوم صدقت (٣) نيّاتهم ، واستقامت قلوبهم وألسنتهم ، فصدقوا فى السّرّ والعلانية.

(وَالْقانِتِينَ) : المطيعين. (وَالْمُنْفِقِينَ) قال ابن عبّاس : الّذين ينفقون الحلال فى طاعة الله.

(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ.)

قال مجاهد وقتادة : يعنى المصلّين بالأسحار (٤). وهو جمع سحر ، وهو الوقت قبيل طلوع الفجر.

قال الزّجّاج : (٥) وصف الله هؤلاء بما وصف ، ثم بيّن أنّهم مع ذلك لشدّة خوفهم يستغفرون بالأسحار.

__________________

(١) وقرأ بها عاصم فى رواية أبى بكر .. فى كل القرآن إلا قوله : (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) [فى سورة المائدة : ١٦] فإنه كسر فيه الراء ـ وروى عن عاصم أنه ضمه كله. وقال حفص عن عاصم مكسور كله.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائى رضوان كسرا : (السبعة فى القراءات ٢٠٢) وانظر (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٣٤) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٦) و (إتحاف الفضلاء ١٧٢).

(٢) تمامها : (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ).

(٣) (تفسير الطبرى ٣ : ٢٠٨) و (الدر المنثور ٢ : ١١).

(٤) (تفسير الطبرى ٣ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ط : الحلبى) و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٣٥). وقال القرطبى فى (تفسيره / ٤ : ٣٨) : «ولا تناقض فإنهم يصلون ويستغفرون. وخص السحر بالذّكر ؛ لأنه مظان القبول ، ووقت إجابة الدعاء» ، وقريب منه فى (معانى القرآن للفراء ١ : ١٩٩).

(٥) عبارة الزجاج : «فالله عزوجل وصف هؤلاء بالتصديق والإنفاق فى سبيله والقيام بعبادته ، ثم وصفهم بأنهم مع ذلك لشدة خوفهم ووجلهم يستغفرون بالاسحار» (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٧).

١٧

١٨ ـ قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.)

قال الزّجّاج : معنى (شَهِدَ اللهُ) : ((١) بيّن الله وأظهر (٢)) ؛ لأنّ الشّاهد هو العالم الّذى يبيّن ما علمه. والله عزوجل قد دلّ على توحيده بجميع ما خلق ؛ فبيّن أنّه لا يقدر أحد أن ينشئ شيئا واحدا ممّا أنشأه (٣).

وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ.)

: أى وشهدت الملائكة ، بمعنى : أقرّت بتوحيد الله ، لما عاينت من عظيم قدرته.

وقوله : (وَأُولُوا الْعِلْمِ.)

: أى وشهد بتوحيده أولو العلم بما ثبت عندهم.

قال مقاتل : هم مؤمنو أهل الكتاب. وقال عطاء عن ابن عبّاس : يعنى المهاجرين والأنصار. وقال السّدّى والكلبىّ : يعنى علماء المؤمنين كلّهم (٤).

وقوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ.)

: أى بالعدل ، كما يقال : فلان قائم بهذا الأمر : أى يجريه على الاستقامة والله تعالى يجرى التّدبير على الاستقامة فى جميع الأمور.

أخبرنا الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن رجاء ، أخبرنا الحسن بن سفيان ، حدّثنا عمّار بن عمر [بن](٥) المختار ، حدّثنا أبى ، عن غالب القطّان قال :

أتيت الكوفة فى تجارة ، فنزلت قريبا من الأعمش ، فكنت أختلف (٦) إليه ، فلمّا كانت ليلة ـ أردت أن أنحدر (٧) إلى البصرة ، فقام من اللّيل يتهجّد ، فمرّ

__________________

(١) (١ ـ ١) ب ، ج : «بين وأظهر الله».

(٢) (١ ـ ١) ب ، ج : «بين وأظهر الله».

(٣) انظر (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٧) و (تفسير القرطبى ٤ : ٤٢) و (تفسير البحر المحيط ٢ : ٤٠٢).

(٤) انظر هذه الأقوال فى (تفسير الطبرى ٣ : ٢٠٩ ، ٢١٠) و (تفسير القرطبى ٤ : ٤١) وقول الكلبى فى (أسباب النزول للواحدى ٩٢) وانظر (البحر المحيط ٢ : ٤٠٢).

(٥) عن (الجرح والتعديل لابن أبى حاتم : ٣ : ١ ، ٣٩٤).

(٦) حاشية ج : «أتردد فى خدمته ، وأتعلم منه شيئا».

(٧) حاشية ج : «أنحدر : أهبط ؛ أى أمشى إلى البصرة ، والانحدار : النزول من علو إلى سفل ؛ وإنما قال : أنحدر ؛ لأن البصرة فى غور بالنسبة إلى الكوفة».

١٨

بهذه الآية : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشّهادة ، وهى لى عند الله وديعة (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ـ قالها مرارا ـ قلت : لقد (١) سمع فيها شيئا ، فصلّيت معه الصّبح وودّعته ، ثم قلت : آية سمعتك تردّدها.

قال : أو ما بلغك ما فيها؟ قلت : أنا عندك منذ سنتين (٢) لم تحدّثنى.

قال : والله لا أحدّثك بها سنة ، فكتبت على بابه ذلك اليوم ، وأقمت سنة ، فلمّا مضت السّنة ، قلت يا أبا محمد ، قد مضت السّنة ، فقال : حدّثنى أبو وائل : عن عبد الله قال :

قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «يجاء بصاحبها يوم القيامة ، فيقول الله : إنّ لعبدى هذا عندى عهدا ، وأنا أحقّ من وفى بالعهد ، أدخلوا عبدى الجنّة.» (٣)

١٩ ـ قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ.)

الأحسن كسر ألف «إنّ» ؛ لأنّ الكلام الّذى قبله قد تمّ.

ووجه قراءة ((٤) من قرأ بالفتح (٥)) : أن تكون الشّهادة واقعة على «أنّ» على أن تكون بدلا من الأولى ، فكان التّقدير : شهد الله أنّ الدّين عند الله الإسلام.

قال قتادة : (الْإِسْلامُ) : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والإقرار بما جاء [به] من عند الله ؛ وهو دين الله الّذى شرع لنفسه ، وبعث به رسله ، ودلّ عليه أولياءه ، ولا يقبل غيره ، ولا يجزى إلّا به (٦).

__________________

(١) حاشية ج : «: أى علمت أن الأعمش قد سمع فى شأن هذه الآية شيئا من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.».

(٢) (تفسير ابن كثير ٢ : ١٩) «منذ شهر» و (تفسير القرطبى ٤ : ٤٢) «منذ سنة».

(٣) أخرجه ابن عدى والطبرانى فى الأوسط ، والبيهقى فى شعب الإيمان ، وضعفه ، والخطيب فى تاريخه وابن النجار عن غالب القطان ، بلفظ يختلف قليلا ، فى (الدر المنثور ١ : ١٦٦) ، وأخرجه أبو الشيخ فى (جامع الأحاديث للسيوطى ٦ : ٥٥١ ـ ٥٥٢) وذكره ابن كثير فى (تفسيره ـ ٢ : ١٩) والقرطبى فى (تفسيره ـ ٤ : ٤٢) وأبو حيان فى (البحر المحيط ٢ : ٤٠٧).

(٤) (٤ ـ ٤) أ : «من فتح». قرأ الكسائى بفتح الهمزة ؛ وقرأ الباقون بكسر همزة إِنَّ الدِّينَ انظر (السبعة فى القراءات ٢٠٢ ـ ٢٠٣) وتوجيه القراءتين فى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨) ، و (البحر المحيط ٢ : ٤٠٧) و (إتحاف الفضلاء ١٧٢) و (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٠٠) و (تفسير القرطبى ٤ : ٤٢ ـ ٤٣).

(٥) (٤ ـ ٤) أ : «من فتح». قرأ الكسائى بفتح الهمزة ؛ وقرأ الباقون بكسر همزة إِنَّ الدِّينَ انظر (السبعة فى القراءات ٢٠٢ ـ ٢٠٣) وتوجيه القراءتين فى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨) ، و (البحر المحيط ٢ : ٤٠٧) و (إتحاف الفضلاء ١٧٢) و (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٠٠) و (تفسير القرطبى ٤ : ٤٢ ـ ٤٣).

(٦) نقلة السيوطى عن قتادة فى (الدر المنثور ٢ : ١٦٦ ـ ١٦٧).

١٩

ومعنى (الْإِسْلامُ) فى اللّغة : الدّخول فى السّلم : أى فى الانقياد والمتابعة ، ثمّ من الإسلام : ما هو متابعة وانقياد باللّسان دون القلب ، وهو قوله تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا)(١) ؛ ومنه ما هو متابعة وانقياد ((٢) بالقلب واللسان (٢)) ؛ وهو قوله تعالى : (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٣).

روى الحسن عن أبى هريرة : أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : قال : «تعرض الأعمال يوم القيامة ، فتجىء الصّلاة فتقول : أى ربّ ، إنّى الصّلاة ، فيقول الله عزوجل : إنّك على خير ، ثمّ تجىء الصّدقة فتقول : إنّى الصّدقة ، فيقول : إنّك على (٤) خير ، ويجىء الصّيام ، وتجىء الأعمال كذلك ، ويجىء أحسبه قال : الإسلام ـ فيقول : أى ربّ ، أنت السّلام ، وأنا الإسلام ، فيقول الله : إنّك على خير ، بك آخذ اليوم ، وبك أعطى ؛ (٥) ثمّ قال الحسن : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٦).

قوله : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)

قال ابن عبّاس : يعنى قريظة والنّضير وأتباعهم.

يقول : لم يختلف اليهود فى صدق نبوّة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما كانوا يجدونه فى كتابهم من نعته.

(إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ).

يعنى : النّبىّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وسمّى علما لأنّه كان معلوما عندهم.

والمعنى : أنّهم كانوا يصدّقونه (٧) بنعته ، وصفته قبل بعثه ، فلمّا جاءهم

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤. قال الواحدى فى (تفسيره الوجيز ٢ : ٣١٨): «أى لم تصدقوا الله ورسوله بقلوبكم ، ولكن أظهرتم الطاعة ؛ مخافة القتل والسبى».

(٢ ـ ٢) أ : «باللسان والقلب».

(٣) سورة البقرة : ١٣١ ، وانظر معناها فيما تقدم فى (الوسيط فى التفسير للواحدى ١ : ١٩٩).

(٤) حاشية ج : «أى بسببك يصل الخير إلى عبادى».

(٥) أخرجه الإمام أحمد ـ عن أبى هريرة ، بألفاظ مختلفة ـ فى (المسند ، كتاب الإيمان والإسلام ، فضل الإيمان والإسلام ١ : ٦٢ ، حديث / ٤).

(٦) سورة آل عمران : ٨٥. انظر معناها فيما يأتى عند صفحة (٦١) من هذا الجزء.

(٧) أ : «يصدقون».

٢٠