الكنز في القراءات العشر - ج ١

عبدالله بن عبدالمؤمن الواسطي

الكنز في القراءات العشر - ج ١

المؤلف:

عبدالله بن عبدالمؤمن الواسطي


المحقق: الدكتور خالد أحمد المشهداني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-152-4
الصفحات: ٣٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

إقرار لجنة المناقشة وعميد الكلية

نحن أعضاء لجنة المناقشة نشهد بأننا اطلعنا على هذه الرسالة الموسومة بـ (دراسة الظواهر اللغوية والنحوية في كتاب الكنز في قراءات العشرة للواسطي مع ملحق بتحقيق الكتاب) ، وقد ناقشنا الطالب خالد أحمد عبدالقادر ، في محتوياتها وفيما له علاقة بها ، ونعتقد أنها جديرة بالقبول بتقدير () لنيل درجة دكترراه آداب في اللغة العربية وآدابها.

التوقيع

التوقيع

الاستاذ الدكتور : حسام سعيد النعيمي

العبيدي

الاستاذ الدكتور : رشيد عبدالرحمن

رئيساً

التوقيع

عضواً

التوقيع

الاستاذ الدكتور : خليل ابراهيم العطية

الدكتور : عبدالرزاق عبدالرحمن السعدي

عضواً

التوقيع

عضواً

التوقيع

الدكتور : خولة تقي الدين الهلالي

الاستاذ الدكتور : حاتم صالح الضامن

عضواً

مشرفاً

صدقت من مجلس كلية الآداب في جامعة بغداد

التوقيع

٣

الاستاذ الدكتور : نزار عبداللطيف الحديثي

عميد كلية الآداب

التاريخ : / /

أشهد أن إعداد هذه الرسالة جرى تحت إشرافي في جامعة بغداد ، وهي جزء من متطلبات درجة دكتوراه آداب في اللغة العربية

التوقيع

المشرف : الاستاذ الدكتور / حاتم صالح الضامن

التاريخ : / /

بناء على هذه التوصيات المتوفرة ، أرشح هذه الرسالة للمناقشة

التوقيع

الاسم : الاستاذ الدكتور / ماهر مهدي هلال

رئيس قسم اللغة العربية

ورئيس لجنة الدراسات العليا

التاريخ : / /

٤

الإهداء

إلى ...

والديَّ (رحمهما الله) برّاً ورحمة

أساتذتي ... وفاءً وإكراماً

زوجي وأولادي ... حبّاً وحناناً

خالد

٥

٦

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، منزل القرآن بلسان عربي مبين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، ورضي الله عن صحابته الغر الميامين الذين تلقوا هذا القرآن من فيه طريّا بأفصح بيان وأعلى إعجاز ، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد ، فإن علم القراءات القرآنية ذروة العلوم وسنامها ؛ إذ به يتلى كتاب الله المجيد ، ومنه تعبق أفانين اللغة العربية نحوا وبلاغة وصرفا. فهو الخير الذي زفّه إلينا عليه الصلاة والسلام بقوله : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وقد ألف أعلام أمتنا الإسلامية كثيرا من أسفار هذا العلم الجليل بما جعلهم غرة التاريخ ومصابيح الدجى. وكانت مدينة واسط العراق عين الفيض العلمي التي انبجست عن كوكبة من العلماء الأفذاذ في هذا الشأن. فانساحوا انسياح الماء العذب في أرجاء المعمورة ولا سيما الفردوس المفقود : ـ بلاد الأندلس المسلمة ـ لينشروا علم القراءات المبارك ، فأينعت تلك البقاع التي حلوا بها بعلماء حملوا راية علم الآباء والأجداد ، لينقلوها أمانة إلى الأحفاد. فقد ترك لنا أولئك الأعلام مصنفات شتى في القراءات السبع والقراءات العشر وغيرها ؛ ضمت بين جنباتها الثر الوفير من علوم اللغة العربية ولا سيما علم الأصوات اللغوية الذي أدهش ـ ما أبدع فيه علماؤنا ـ علماء الغرب في الدراسات الألسنية المعاصرة.

والحق الذي لا مراء فيه ، أن دارس العربية إن لم يطلع على القراءات القرآنية وما فيها من الظواهر الصوتية والنحوية غاب عنه الكثير من أسرار هذه اللغة المعطاء. ولا يخفى أن تحقيق المخطوطات ودراستها فن علمي جميل يحتاج إلى

٧

جهد وصبر طويلين ، يحببه لأهله ما يسيل من ثماره من جنى المنفعة والأجر. فكل مخطوط يستنشق نسمات التحقيق ، يتشكل مصباحا منيرا للدارسين والباحثين. إذ لا يمكنهم الاستغناء في بحوثهم وتآليفهم عن المصادر المحققة التى كانت فيما سبق مخطوطات ناءت تحت غبار القرون السحيقة حتى هيأ الله تعالى لها من ينفض عنها تراب الزمن ويقدمها بحلة علمية قشيبة للأجيال.

لكل هذه الأسباب انفتحت رغبة الباحث لتحقيق هذا المخطوط الموسوم ب (الكنز في القراءات العشر) لتاج الدين أبي محمد عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي المتوفى سنة ٧٤٠ ه‍ ، وذلك بعد حصوله على نسختين منه ، أولاهما : نسخة دار المخطوطات في صنعاء اليمن ، وثانيتهما : نسخة جامع الزيتونة في تونس ، اللتين سأفرد كلّا منهما بالحديث عنها في قسم الدراسة.

إن العثور على نسختين كاملتين واضحتين من هذا المخطوط ، مزيل للشك واللبس ، دافع لتشمير ساعد الجد والمثابرة ، وذلك بعد اطلاعي على كلتا النسختين والمقابلة بينهما بدقة وأناة ؛ لأجل التحقيق والتوثيق لما ورد فيهما من مادة علمية ، كانت مدار هذا البحث الذى بذلت فيه صباح مساء ما بوسعي من الجهد في تخريج القراءات ، وترجمة الأعلام ، والتعليق على المسائل اللغوية والنحوية ؛ ليأتي عملي منقسما إلى قسمين : القسم الأول الخاص بالدراسة للمؤلف وكتابه الكنز ، والقسم الثاني الخاص بالنص المحقق.

وقد احتوى القسم الأول على فصلين هما : الفصل الأول المخصص لدراسة حياة المؤلف ، والفصل الثاني الخاص بدراسة الكتاب.

فالفصل الأول ضم ثلاثة مباحث : عرّفت في الأول منها باسم المؤلف ونسبه ، وكنيته ولقبه ، ثم ولادته ونشأته ، ثم ثقافته ومكانته العلمية ، وختمته بوفاته. وعرضت في المبحث الثاني شيوخه الذين أخذ العلم عنهم ، وكذلك تلاميذه الذين أخذوا عنه. وسردت في المبحث الثالث مؤلفاته وآثاره العلمية.

٨

أما الفصل الثاني فقد تألف من خمسة مباحث. خصصت المبحث الأول منها للتحقق من اسم الكتاب ، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه. وعرضت في المبحث الثاني منهج الكتاب وأبرز سمات المؤلف فيه. وتكلمت في المبحث الثالث عن أهمية الكتاب بين غيره من كتب القراءات. وفي المبحث الرابع درست الظواهر والمسائل اللغوية والنحوية. وانتهى هذا الفصل بالمبحث الخامس الذي أوضحت فيه منهجي وخطواتي التي اتبعتها في الدراسة والتحقيق ، إضافة إلى وصف نسختي المخطوط ومظان وجود نسخه الأخرى في مكتبات العالم.

أما القسم الثاني من هذا البحث فقد خصصته لتحقيق متن الكتاب كاملا مضبوطا بالشكل والحركات حسب أقسامه الثلاثة التي ارتآها المؤلف. وكنت في هذا القسم قد وضعت الهوامش أسفل المتن ، وضمنتها التعليلات والتوجيهات والتخريجات التي حاولت جهد الإمكان إيجازها كي لا يطول حجم البحث.

إن عملي في تحقيق المخطوط ودراسته لم يخل من الصعوبات التي كان أهمها ، الحصول على المصادر المطلوبة التي كانت في الذهن ، ولا سيما تلك المصادر المحققة تحقيقا علميّا وفنيّا والتي لم تسمح الظروف بوصولها ، لكن هذا لم يمنع من الاعتماد على المتوفر منها بغية إتمام هذا العمل. وقد كانت المصادر التي اعتمدتها منقسمة إلى عدة أقسام بحسب احتياج البحث إليها. فمنها ما هو في علوم القرآن الكريم ، مثل كتب القراءات والتفسير ، إضافة إلى كتب الحديث النبوي الشريف. ومنها ما هو علوم العربية وآدابها وهي الأعم الأغلب من المصادر. ومنها ما كان خاصّا بالتراجم التأريخية والمواقع البلدانية. وكان اعتمادي في تخريج القراءات فرشا وأصولا قائما بالدرجة الأولى على كتابي التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني والإرشاد في القراءات العشر لأبي العز القلانسي ؛ لأنهما يشكلان خلاصة وقوام كتاب الكنز للواسطي. ومع هذين المصدرين ، كان كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري قد أخذ حصة موازية لهما في الاعتماد.

٩

وتجدر الإشارة إلى أنني ركزت على ضبط النص وتخريجه بأمانة ودقة هما عماد فن التحقيق. ثم أوجزت البحث بخاتمة باللغة العربية احتوت على النتائج التي توصلت إليها مع أهم المقترحات التي أرجو أن يكتب الله تعالى لها التحقيق على أيدي الدارسين والباحثين. وأعقبت ذلك بخاتمة أيضا باللغة الإنجليزية لأجل تعريف الناطقين بغير العربية بهذا الكتاب.

إنني بعد إنجاز هذا الجهد العلمي أحمد الله تعالى وأشكره حمدا وشكرا يوافيان نعمه ويكافئان مزيده على ما منّ به علىّ من جهد وصبر ؛ حتى يأخذ هذا المخطوط طريقه إلى الظهور خدمة للقرآن الكريم ولغتنا السامقة المعطاء ، وخدمة للعلم وأهله ، داعيا العلي القدير جل في علاه أن يكتبه رحمة وثوابا في صحيفة أعمالي ، ويجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن يوفقنا أجمعين لخدمة دينه الحنيف. ولا يسعني في الختام إلا تقديم أطيب الشكر وأصدق الامتنان إلى أستاذنا الدكتور حاتم صالح الضامن ؛ لإشرافه على عملي هذا ، وكذلك إلى أخي الأستاذ الدكتور نوري ياسين الهيتي ؛ لموافاته لي بالنسخة اليمانية من المخطوط. كما أشكر الإخوة الذين أسعفوني بتوجيهاتهم السديدة ، داعيا الله تعالى للجميع بالحفظ والتوفيق.

وأخيرا ، فإني لا أدعي الكمال ، فالكمال لله تعالى وحده ، وحسبي أني توخيت بجهدي الخدمة والنفع للعلم وأهله. فإن كان ثم خلل أو نقص ، فهما من سمات الجبلّة البشرية التي فطر الله عليها الناس أجمعين ؛ وشفيعي ما قيل : (لو عورض كتاب سبعين مرة لوجد فيه خطأ ؛ أبى الله تعالى أن يكون كتاب صحيح غير كتابه).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الأنبار (حرسها الله)

د. خالد المشهداني

١٥ شعبان ١٤٢٤ ه‍ ـ ١١ / ١٠ / ٢٠٠٣ م

١٠

القسم الأول

. الدراسة.

ويحتوي على فصلين :

الفصل الأول : المؤلف

الفصل الثاني : الكتاب

١١
١٢

الفصل الأول

ـ المؤلف ـ

ويحتوي على ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : حياته (اسمه ونسبه ، لقبه وكنيته ، ولادته ونشأته ، ثقافته ومكانته العلمية ، وفاته)

المبحث الثاني : شيوخه وتلاميذه.

المبحث الثالث : مؤلفاته وآثاره

١٣
١٤

المبحث الأول

حياته

أ : اسمه ونسبه :

اتفق الذين ترجموا للواسطي ، مؤلف الكنز ، على اسمه واسم أبيه ، فهو : (عبد الله بن عبد المؤمن) (١). إلا أن الاسم المثبت تحت عنوان الكتاب كان : (زين الدين عبد المؤمن الواسطي) (٢). وإذا علمنا أن مخطوطة الأصل لم تكتب في حياة مؤلفه وإنما في عام ٧٩٤ ه‍ (٣) أي بعد وفاته بأربع وخمسين سنة وأن إجماع المصادر التي ترجمت للواسطي أثبتت أن كتاب (الكنز في القراءات العشر) هو لعبد الله بن عبد المؤمن وليس لزين الدين عبد المؤمن (٤) ، وأن الوهم والتحريف من الطبائع البشرية المألوفة التي قد تطرأ على عمل النساخين ، فضلا عن أن عنوان الكتاب واسم مؤلفه قد كتبا بخطّ مغاير ، أيقنّا أنّ اسم مؤلف هذا الكتاب ليس كما أورده الناسخ وإنما هو كما أوردته المصادر التاريخية الموثوقة ، إذ إن المعوّل في استنساخ اسم المؤلف على إجماع المصادر لا على عنوان المخطوط الذى هو عرضة للتحريف والذى لا معضّد له في النسخة الأخرى للمخطوطة التي حصلنا عليها من تونس لأنها خالية من اسم المؤلف. ومن الجدير

__________________

(١) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٢٩ ، والنشر ١ / ٩٤ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠ ، وكشف الظنون ٢ / ١٥١٩ ، وهدية العارفين ٥ / ٤٦٤ ، ومعجم المؤلفين ٦ / ٧٩ ، والأعلام ٤ / ١٠٠.

(٢) تنظر ورقة العنوان من المخطوط.

(٣) تنظر الورقة ٢٤٥ ومن المخطوط.

(٤) ينظر : غاية النهاية ١ / ٤٣٠ ، والنشر ١ / ٩٤ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠ ، وهدية العارفين ٥ / ٤٦٤ ، وكشف الظنون ٢ / ١٥١٩ ، ومعجم المؤلفين ٦ / ٧٩.

١٥

بالذكر أن الكتاب جاء منسوبا إلى مؤلفه عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي.

أما اسم جدّ المؤلف فورد اختلاف فيه بين (الوجيه) فقط دون إضافة وبين (وجيه الدّين) بالإضافة. وقد اتفق أكثر المؤرخين على الأول ، وانفرد صاحب هدية العارفين بالثاني (١) وهو من المتأخرين.

وعلى الرغم من وروده عند الأكثرين غير مضاف فإنّ التّلقيب بالإضافة إلى الدين كانت شائعة عند القدامى كقولهم : علم الدّين أو جلال الدّين إلا أنهم كانوا يختصرون فيقولون : العلم أو الجلال لأجل التسهيل في ذكر الاسم أولا وبغية للشّهرة وتيمّنا بها ثانيا.

ولكن يبقي السؤال قائما في الذهن ، هل الوجيه هو اسم الجد أو لقب له ، ذلك أن ابن الجزري تفرّد عن غيره بذكر الاسم الكامل للمؤلف هكذا : (عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه هبة الله) (٢) بينما ذكر السّلامي أنه : (عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه بن هبة الله) (٣). وذكر ابن حجر أنه : (عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه ابن عبد الله) (٤). فعلى قول ابن الجزري يكون الوجيه هو لقب الجدّ ، والاسم الحقيقي هو هبة الله. وعلى قولي السّلامي وابن حجر يكون الوجيه هو الاسم الحقيقي للجد لا لقبه. والمهم في هذا المجال هو اسم المؤلف واسم أبيه وما يعضّد اسم المؤلف من كنية أو لقب اشتهر بهما عند المؤرخين. وقد مال القدامى والمحدثون إلى إثبات اسمه الكامل كما أورده ابن حجر كاملا حيث قال : (عبد الله بن عبد المؤمن بن الوجيه بن عبد الله بن على ابن المبارك التّاجر الواسطيّ تاج الدين ويقال نجم الدين) (٥) وهو الاسم الذى

__________________

(١) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٢٩ ، والنشر ١ / ٩٤ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠ ، وكشف الظنون ٢ / ١٥١٩ ، وهدية العارفين ٥ / ٤٦٤.

(٢) ينظر : غاية النهاية ١ / ٤٢٩

(٣) ينظر : منتخب المختار / ٦٩.

(٤) الدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٥) الدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

١٦

نطمئنّ إليه ونعتمده في هذا البحث.

ب : لقبه وكنيته :

عرف الواسطي بلقب نجم الدين وكذلك تاج الدين (١). واشتهر أيضا بلقب التّاجر (٢) لأن التجارة كانت مهنته التي يعتاش منها وربما كانت أحد الأسباب الداعية إلى كثرة أسفاره كما سنرى.

أما كنيته التي اشتهر بها فهي أبو محمد وهي التي ذكرها الذين ترجموا لحياة الواسطي (٣).

ج : ولادته ونشأته :

أجمع المترجمون لحياة الواسطي على أن ولادته كانت سنة ٦٧١ ه‍ وقد حدّد ابن حجر ولادته فقال : (ولد سنة ٦٧١ في أوائلها بواسط) (٤).

ومدينة واسط العراق التي ولد فيها المؤلف بناها الحجّاج بن يوسف الثّقفي (٥) سنة ٨٦ ه‍ وصارت مركزا علميّا مقصودا في العصر العباسي لما فيها من المدارس العلمية ودور الكتب مما جعلها محطّ أنظار العلماء والدارسين الذين نهلوا من مدارسها ومجالسها العلمية شتى أصناف العلوم ولا سيما علوم القرآن الكريم (٦).

وعند احتلال التّتار بغداد عام ٦٥٦ ه‍ وقضائهم على الخلافة العباسية ساءت

__________________

(١) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٣٩ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٢) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٣) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٢٩ ، وكشف الظنون ٢ / ١٥١٩ ، وهدية العارفين ٥ / ٤٦٤.

(٤) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٢٩ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٥) هو والي العراق زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان توفي بواسط سنة ٩٥ ه‍ (ينظر : المعارف / ٣٩٥ ، وفيات الأعيان ٣ / ٢٩).

(٦) في تاريخ واسط ينظر : تاريخ واسط / ٢١ ، ومعجم البلدان ١٩ / ٣٤٧. ٣٥٣ ، واسط في العصر العباسي / ٢٣٩ وما بعدها.

١٧

أحوال العراق ومن ضمنه مدينة واسط التي نالها ما نال غيرها من اضطراب الحياة السياسية والاجتماعية حسبما أفاضت به كتب التاريخ (١).

في هذه الأجواء المضطربة كانت ولادة الواسطي ثم نشأته وتلقّيه علم القراءات على شيوخ عصره الواسطيين. وكان يجمع مع علمه التقوى والصلاح والضبط لما يتلقّاه من العلوم حتى صار واحدا من شيوخ العلم المقصودين.

د : ثقافته ومكانته العلمية :

نهل الواسطي عند نشأته في واسط علم القراءات عن شيوخ هذا العلم في زمانه وهم : أحمد ومحمد ابني غزال ، وأحمد بن المحروق ، وعلىّ المعروف بخريم (٢). وكان يشير إلى أسماء هؤلاء الشيوخ الأربعة في سند كل قراءة تلقّاها عن طريق العراقيين (٣).

وبعد تمكّنه العلمي أقرأ الناس بواسط ثم انتقل إلى بغداد ليصبح واحدا من القرّاء الذين تولّوا التدريس بدار القرآن في المدرسة المستنصرية فأخذ عنه القراءات العشر عبد المولي الكتبي والعزّ حسن العسكري وأخذ عنه القراءات السّبع محيى الدين العاقولي (٤). ومن الذين أخذوا عنه القراءات في بغداد أيضا أحمد بن الملقّن وإسماعيل النّسّاج ومحمد بن شنّان وعلىّ بن أحمد الدّوري وهو أكبر أصحابه في العراق (٥).

لقد كان الواسطي تاجرا جوّالا يرتحل لتلقّي العلم. فضلا عن التجارة. في

__________________

(١) ينظر : بهذا الصدد : الحوادث الجامعة / ٣٨١ ، ٤١٥ ، ٤٧٦ ، ٤٩٨ ، ورحلة ابن بطوطة / ١١٣ ، وبغداد مدينة السلام ١ / ٢٤٥ ، والحياة السياسية في العراق في عهد السيطرة المغولية / ٢١٧. ٢١٩. ٢٢١. ٢٣٠ ، والعراق في عهد المغول الإيلخانيين / ١٤٤. ١٤٥.

(٢) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٢٩ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٣) ينظر : الكنز / ٩٢ ، ٩٨ ، ١٠٢ ، ١٠٦ ، ١٢١.

(٤) ينظر : تاريخ علماء المستنصرية ١ / ٢٢٥ ، ٣١٠ ، ٢ / ١٣٤ ، ١٨٩ ، ١٩٢ ، ٢٣٣.

(٥) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٢٩.

١٨

البلدان. فارتحل إلى البصرة والبحرين وهرمز وجزيرة قيس ومكة والشام (١). وهو في رحلاته هذه كان يلتقي بالعلماء فيأخذ العلم عنهم ويأخذونه عنه. فقد أخذ قسطا وافرا من علم النحو بالبصرة على يد شيخها ابن المعلّم وألّف في هذا العلم كتابا (٢). وفي البصرة أيضا أخذ عن الواسطي القراءات العشر شيخها أحمد بن عبد الرحمن وغيره (٣). وفي جزيرة قيس أخذ عنه علم القراءات شيخها محمد البردبستاني وغيره (٤).

وعند ما نزل الواسطي في دمشق الشام نحو سنة ٧٣٠ ه‍ التقى حافظ العصر وعلّامته آنذاك شمس الدين الذّهبي ليأخذ كلّ منهما عن الآخر علم القراءات حيث صرّح الذهبي نفسه بذلك (٥). وحدّث هناك وسمع منه الحافظ البرزالي وذكره في معجمه (٦). وفي دمشق أيضا التفّ حوله الكثير من شيوخها ليأخذوا عنه القراءات العشر وهم : أبو العباس المنبجي المعروف بابن الطّحّان وأحمد بن محمد المعروف بسبط السّلعوس ومجد الدين بن قيصر المارديني ومحمد بن اللّبّان وابن رافع السّلامي الذى أخذ عنه القراءات السبع وغيرهم.

ومن المآثر الحميدة لهذا العلم اللّامع التي زادته رفعة في بلاد الشام تلك المأثرة الحميدة التي خلّدها ابن الجزري قائلا : (ولما قدم الشيخ أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي دمشق في حدود سنة ثلاثين وسبعمائة وأقرأ بها للعشر بمضمن كتابيه الكنز والكفاية وغير ذلك بلغنا أنّ بعض مقرئي دمشق ممن كان لا يعرف سوى الشّاطبية والتّيسير حسده وقصد منعه من بعض القضاة فكتب علماء ذلك العصر وأئمته ولم يختلفوا في جواز ذلك واتفقوا على أن قراءات هؤلاء

__________________

(١) ينظر : الدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٢) ينظر : الدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٣) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، وغاية النهاية ١ / ٤٢٩.

(٤) انظر السابق.

(٥) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٦) انظر السابق.

١٩

العشرة واحدة وإنما اختلفوا في إطلاق الشاذ على ما عدا هؤلاء العشرة) (١) فأهل الشام كانوا يجهلون صحة القراءات الثلاث الزائدة على السبع قبل مجيء الواسطي إليهم فكان إقراؤه للعشر هناك فتحا علميّا رائعا رسخ فيما بعده عند علماء هذا الشأن.

وهكذا نجد الواسطي قد أشاد منارات شامخات لعلم القراءات تعالى نورها في آفاق الأقطار ليدلّ بها على نجمه المتألق حيث تطلّعت إليه أنظار العلماء والدارسين في أرجاء المعمورة.

إنّ شغف الواسطي بالعلم وأهله جعله لا ينزل بلدا إلا ليشدّ الرّحال منه إلى آخر ليرتشف منه الختمات والقراءات ولذا نجده يرحل إلى مصر ليسمع صحيح مسلم على أبي الحسن على بن عمر الوائيّ ويأخذ عن أبي النّون يونس بن إبراهيم الدّبابيسي شيئا من معجمه الكبير ثم يلتقي بتقيّ الدين محمد بن الصّائغ ليأخذ عنه علم القراءات حيث قرأ عليه ختمة جمع فيها بعدّة كتب في سبعة عشر يوما (٢).

وبعد تلقّيه العلم عن هؤلاء هرع إليه طلاب العلم وشيوخه في أرض الكنانة ليأخذوا عنه القراءات العشر وكان منهم : إسماعيل بن يوسف المعروف بالمجد الكفتي والبدر النابلسي الذى أخذ عنه أيضا إرشاد القلانسيّ (٣).

إن المكانة العلمية التي تبوّأها الواسطي جعلت صيته يطير في الآفاق بحيث أشادت بعلوّ مقامه أقوال العلماء الذين عاصروه. فقد ذكر ابن حجر في ترجمته : (قال الذّهبيّ : قدم علينا فرأيته من علماء هذا الشأن واشتهر اسمه وكان بصيرا بالقراءات) (٤). وذكر أيضا : (وقال العفيف المطري : أجمع على تقدّمه في

__________________

(١) ينظر : النشر ١ / ٣٩ ، ودور القرآن في دمشق / ١٣.

(٢) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

(٣) انظر السابق.

(٤) ينظر : منتخب المختار / ٦٩ ، والدرر الكامنة ٢ / ٢٧٠.

٢٠