القصص القرآني

السيد محمد باقر الحكيم

القصص القرآني

المؤلف:

السيد محمد باقر الحكيم


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المركز العالمي للعلوم الإسلاميّة
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8686-13-0
الصفحات: ٣٦٠

١

كلمة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد»

وعن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : «العلماء باقون ما بقي الدهر ... أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة الى دينه ، آه آه شوقا الى رؤيتهم». «نهج البلاغة ـ حكمت ١٣٩»

«سلام الله ورسوله وصلواتهما على الأرواح الطيّبة للشهداء ، واخصّ بالذكر الشهداء الأعزّاء الرّوحانيين والحوزات العلمية ... السلام على الخالدين من رجال الدين المثيرين الحماس في الآخرين ، الذين دوّنوا رسائلهم العلمية والعملية بدماء شهادتهم ومداد دمائهم ، والذين صنعوا من شموع حياتهم جواهر مضيئة على منابر الخطابة للناس لهدايتهم ووعظهم.

الفخر والخلود لشهداء الحوزة والرّوحانيين الذين قطعوا عن أنفسهم حبال علاقاتهم ببحوثهم ودروسهم ومدارسهم في معمعة الجهاد ، وفكّوا عقال تمنّياتهم الدنيوية عن حقائق علومهم ، وخفّوا لضيافة الملائكة حاملي عرش ربّهم ، وأنشدوا نشيد الحضور في مجامع الملكوتيين.

السلام على اولئك الذين تقدموا نحو كشف حقيقة التفقّه في الدين ، وأصبحوا لأقوامهم من المنذرين الصادقين ، بحيث أصبحت قطرات دمائهم وقطع أجسامهم تشهد بصدق كلّ جزء من أحاديثهم. وحقّا لا ينتظر من رجال الدين الحقيقيّين في الإسلام والتشيع إلّا أن يكونوا في دعوتهم الناس الى الحقّ وطريق ذات الشوكة هم يقدّمون الضحايا الأوائل ، وأن يكون ختام دفاترهم بدمائهم.

إنّ الذين أدركوا حلقات الذكر للعرفاء العلماء الحوزويين ، لم يسمعوا منهم في خلسات شهودهم أي أمل سوى الشهادة ، وهم بدورهم في ضيافاتهم بمحضر التقرّب والخلوص لم يكونوا يطلبون من عطايا الحقّ سبحانه وتعالى سوى عطية الشهادة».

من رسالة الإمام الخميني قدس‌سره الى الحوزات العلمية

في شهر اسفند عام ١٣٦٧ ه‍. ش

٢

أربعة عشر عاما تمّر على تأسيس المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام وخلال هذه المسيرة سعى المجمع أن يقدّم على صعيد نشر الثقافة والمعارف الإسلامية ، في الدفاع عن حريم القرآن الكريم وسنّة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا الدفاع عن كيان وحقوق أتباع أهل البيت عليهم‌السلام كل ما في وسعه ليصل الى مستوى ما يطمح إليه السيد القائد آية الله العظمى الخامئني (دامت بركاته).

ومن هنا نشط المجمع في مجالات البحوث والتحقيقات ومجالات التعليم والتبليغ و...

إنّ المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام يشعر بالاعتزاز والفخر وهو يأخذ على عاتقه مسئولية تكريم العلماء والذين نذروا حياتهم من أجل الدفاع عن الثقافة الإسلامية الثرّة وقيم الإسلام الأصيلة ، ومن هنا يشعر المجمع بالفخر وهو يقيم مؤتمره التكريمي لآية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس‌سره نائب رئيس المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام ، هذه الشخصية العلمية الفذّة التي قدمت خدمات كبرى.

ومن المؤكد أن آية الله الشهيد الحكيم قدس‌سره واحد من أبرز الشخصيات العلمية والسياسية ليس على مستوى العراق والعالم الشيعي فحسب بل والعالم الإسلامي كلّه.

إنّ سعي السيد الشهيد آية الله الحكيم قدس‌سره وجهاده العلمي والسياسي كان ولا شك وراء جزء مهمّ من التغييرات الكبرى على صعيد الصراع مع حزب البعث المتسلّط في العراق.

فلقد نهض هذا العالم الربّاني بمهام نشر ثقافة أهل البيت عليهم‌السلام من خلال نشاطاته الواسعة سواء في التدريس وكتابة المقالات والقاء المحاضرات في العديد من المناسبات.

وهذه مؤلفاته التي طبع بعضها والتي ستطبع في المستقبل تشهد بنشاط هذا المجاهد الشهيد.

ولقد قيل : «إن قوام امور الدين والدنيا بشيئين : القلم والسيف والسيف تحت القلم».

٣

ولا ريب أنّ آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم كان مسلحا بهما معا.

فهذا يراعه الذي يسيل حكمة وعلما ، وهذه السيوف المصلتة التي كانت تنتظر إشارته والتي طالما قاتلت الكفر وتحدّت الظلم والظالمين.

وقد جاء في الحديث النبويّ الشريف عن سيّدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «ثلاث تخرق الحجب وتنتهي الى ما بين يدي الله : صرير أقلام العلماء ووطء أقدام المجاهدين ...».

ومن المؤكد أن صرير قلم العالم الشهيد ووقع خطى المجاهد السعيد كان يملأ الخافقين وهو يتّجه في مسيرته الجهادية الى أن تفتحت له أبواب الشهادة وحظى بلقاء ربّه ربّ العالمين.

وبعد ربع قرن من حياة المنفى والمهجر والبعد عن الوطن عاد السيد الشهيد الى أرض الوطن بعد أن هوى النظام البعثي العفلقي ؛ عاد السيد الشهيد ليستقر في جوار مراقد أجداده الطاهرين .. عاد ليعيش بين ظهراني شعب العراق المسلم المعذب المقهور ، عاد من أجل أن يسهم في بناء ما دمّره الكافرون والظالمون.

ومن فوق منبر الجمعة راح الشهيد السعيد يلقي خطابه الوعظي والارشادي من أجل نشر الوعي في صفوف المؤمنين وكانت محبوبيته بين شعب العراق تزداد يوما بعد آخر ..

ولكن .. يا للحسرة والأسف انطفأ هذا المصباح المتوهج لأن الأبوام التي اعتادت الحياة في الظلام لم تعد تتحمّل هذا الضياء الساطع ؛ فامتدت يد الغدر لتعتدي على حياة هذا المجاهد بعد أن أدّى صلاة الجمعة في جوار المرقد الطاهر للإمام علي عليه‌السلام.

وعانق السيد الحكيم الشهادة فائزا بلقاء الله ويا لها من مسيرة حافلة بالجهاد والعطاء تتكلّل بهذه النهاية السعيدة والفوز العظيم.

ولقد خاب سعي الضالّين والمنافقين إذ أرادوا اطفاء هذا النور ، إلّا أنّ السيد الحكيم لم يمت لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وإذا غاب شخصه عنّا فإنّ شخصيته ما تزال

٤

تشع بالنور من خلال ما قدمه من عطاء ...

وما أجمل ما قاله القائد آية الله العظمى السيد الخامنئي (دام ظله) : «كان هذا الشهيد العزيز عالما ومجاهدا تحدّى نظام صدّام الخبيث سنين طويلة وبعد أن سقط رمز الشرّ والفساد وقف سدّا قويا بوجه المحتلّين الأمريكيين والانجليز ليبدأ جهاده في مقاومة المخططات المشئومة مستعدّا للشهادة في طريق الجهاد الطويل والالتحاق بقوافل الشهداء من آل الحكيم وغيرهم من شهداء العلم والفضيلة في العراق».

يقوم المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام بعقد المؤتمر التكريمي بمناسبة ذكرى استشهاد العالم الفذّ المجاهد شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم وبالتعاون مع المؤسسات ذات الاهتمام ؛ وذلك بتاريخ الثامن عشر من رجب الأصب (١٤٢٥ ه‍) في العاصمة طهران ، وسيحضر بهذه المناسبة جمع من علماء العالم الإسلامي لإلقاء كلمات التكريم لهذا الشهيد الكبير.

وتفيد اللجنة الثقافية للمؤتمر التكريمي لآية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم من هذه الفرصة لتشير الى نشاطها الذي ينقسم الى قسمين :

القسم الأوّل : إعادة طبع مجموعة من آثار ومؤلفات الشهيد وهي كالآتي :

١ ـ إعادة طبع كتاب دور أهل البيت عليهم‌السلام في بناء الجماعة الصالحة المجلدين الأوّل والثاني.

٢ ـ إعادة طبع كتاب الوحدة الإسلامية من منظور الثقلين.

٣ ـ إعادة طبع كتاب علوم القرآن بالتعاون مع مجمع الفكر الإسلامي.

٤ ـ إعادة طبع كتاب تفسير سورة الحمد بالتعاون مع مجمع الفكر الإسلامي.

٥ ـ إعادة طبع كتاب القصص القرآني بالتعاون مع المركز العالمي للدراسات الإسلامية.

٥

٦ ـ إعادة طبع كتاب الاخوّة الإيمانية بالتعاون مع مؤسسة دار الغدير.

٧ ـ إعادة طبع كتاب ثورة الحسين عليه‌السلام بالتعاون مع مؤسسة الإمام الحسين عليه‌السلام.

القسم الثاني : اعداد وتوزيع الأقراص المضغوطة التي تشتمل على كتبه التي ستطبع لأوّل مرّة بمناسبة إقامة المؤتمر التكريمي.

١ ـ طبع حياة وسيرة آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم من قبل مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٢ ـ طبع كتاب الأربعة عشر مناهج ورؤى من قبل مؤسسة طبع آثار الشهيد آية الله الحكيم وبالتعاون مع المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام.

٣ ـ طبع كتاب شهداء العلم والفضيلة في العراق من قبل المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام الذي يشتمل على سيرة وحياة مائة وعشرين شهيدا من علماء العراق باللغتين العربية والفارسية.

٤ ـ اعداد وتوزيع الأقراص المضغوطة التي تحتوي على المجموعة الكاملة لآثار الشهيد الحكيم.

في الختام أجد من واجبي أن أقدّم فائق شكري وتقديري الى كل الدوائر الثقافية والتنفيذية التي مدّت يد العون من أجل اقامة هذا المؤتمر والى كل ممثليهم المحترمين الذين شاركوا في الجلسات والاجتماعات التحضيرية ..

أسال الله العليّ القدير أن يوفّق جميع أتباع أهل البيت عليهم‌السلام وأن يغمرهم بألطاف وليّه ولي العصر بقية الله المهدي وأن يعجّل فرجه.

محمّد حسن تشيّع

المعاون الثقافي للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام

٦

مقدمة المكتب

إنّ النظام التعليمي هو الذي يحدّد نموّ المجتمعات أو تخلّفها ، وبالامكان التنبّؤ لمستقبل الشعوب من خلال هذه النافذة ، وهل يبدو مستقبلا مشرقا أو مشوبا بالذلّ والهوان؟

وعلى هذا الأساس يرى المصلحون الكبار أنّ إصلاح النظام التعليمي يقع في مقدمة الأمور ، ويرجون من إحداث التغيير في هيكل النظام التعليمي وفاعليته حصول التغيرات الجذريّة.

ومن خلال هذه الرؤية لا يبدو إصلاح النظام الحوزوي أمرا بعيد المنال ، إلّا أنّه من دون إحداث تغيير في المناهج الحوزوية ستبوء كلّ الدعوات الإصلاحية بالفشل الذريع ، وستموت وهي في مهدها.

إنّ للمناهج الدراسية موقعها الخاصّ والتميّز بين المواد التعليمية ، فهي حلقة الوصل بين التراث القديم والجديد ، ولذا فمن ناحية نرى حتميّة نقل التجارب والعلوم السابقة الى الأجيال اللاحقة ، ومن جهة اخرى لا بدّ من إعداد الجيل الجديد في ظل المناهج التربوية المعاصرة.

ولكن مع الأسف نجد أنّ المناهج الدراسية السائدة في الحوزة على ما تتمتع به من قوّة تعالي في الوقت نفسه من نقاط ضعف أساسية ، من قبيل : التعقيدات غير الضروريّة ، تضييع عمر الطالب فيما لا طائل فيه ، انعدام المنهجيّة في ترتيب الموضوعات وطرح المطالب ... الى غير ذلك من نقاط الضعف.

إنّ هذه المشاكل التي تكرّرت مرارا على لسان المخلصين للحوزة ، والتي تجلّت بشكل أعمق في النداء الذي صرّح به قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى السيد الخامنئي ـ مدّ ظلّه الوارف ـ أدّى ببعض المؤسسات إلى التفكير الجدّي في احداث تجديد بالمناهج الدراسية السائدة في الحوزة.

والمركز العالمي للدراسات الإسلامية ـ الذي يتولّى إعداد المئات من الطلاب الذين جاءوا من مختلف بقاع العالم بغية التعلّم وتبليغ الدين ـ بحاجة دائمة الى مناهج دراسيّة تنفعه في عرض موادّه التعليمية التي لا يمكن تلبيتها من خلال الكتب الحوزوية السائدة ، ولك لما يلي :

٧

أوّلا : أنّ الكثير من المواد الدراسيّة التي تمّت المصادقة عليها في المركز المذكور ليس لها منهج متداول في الحوزة.

ثانيا : الموارد التي يتوفّر فيها منهج دراسي لم يعد بشكل يتجاوب مع حاجة المخاطبين المنتسبين لهذا المركز ، إضافة إلى ما يشكوه من نقاط الضعف العامّة ؛ الأمر الذي أدّى إلى تبلور فكرة تدوين المناهج الدراسية والكرّاسات التي تتلاءم مع الموضوعات والعناوين المصادق عليها في هذا المركز.

وهذه واحدة من الدراسات التي زاولت التفسير الموضوعي لقصص القرآن الكريم ، وهو موضوع على قدر وافر من الأهمية ، لأنّ تعرف الطلبة لآفاق القصص القرآنية الرحبة يهيّئ أرضية خصبة لإدراك أصول الدعوة الدينية ، وفهم الظروف الصعبة التي واجهت حملة الرسالات الإلهية ، ومن ثمّ يقود إلى عزيمة أقوى وقدرة أوسع لنشر الدين الإسلامي الحنيف وإلى جانب مهمة القصص القرآنية تتمتع الموعظة والذكر بدور حسّاس يتسامى الى أهداف أصيلة ، كالوعي والانتباه والتذكر (١).

ودراستنا المتميّزة هذه لسماحة آية السيد محمد باقر الحكيم تشكل خطوة راسخة في هذا المضمار الواسع.

فبدورنا نقدّم شكرنا وتقديرنا الى المؤلف لما بذله من جهود ثمينة على طريق الدراسات القرآنية ، والى الأخوة الأعزاء في مجمع الفكر الاسلامي الذين استفدنا من توجيهاتهم القيّمة لإخراج هذا الكتاب على أفضل وجه.

وختاما لا نشكّ في أنّ الخطوات الاولى ستصحبها بعض العقبات والنواقص ، إلّا أنّه يمكن تذليلها من خلال البصيرة النافذة وإبداء الآراء البنّاءة من قبل المخلصين من ذوي الخبرة.

المركز العالمي للعلوم الإسلامية

مكتب التحقيق وتأليف الكتب الدراسيّة

__________________

(١) (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) هود : ١٢٠.

٨

المقدّمة

لا شك أنّ موضوع القصّة في القرآن من أهمّ الموضوعات القرآنية التي تحتاج إلى اهتمام خاص وعناية متميزة ؛ لأنّ القصّة تعبر عن ثلث القرآن الكريم كما ورد في النصوص ، وهي تتناول في الوقت نفسه عامة الأهداف التفصيلية التي استهدفها القرآن الكريم.

وقد كنت تناولت هذا الموضوع بالبحث بصورة مختصرة في المحاضرات التي القيتها على طلاب كلية اصول الدين في السنة الرابعة منها ، حسب المنهج المعد ، وكان البحث يتناول من حيث المنهج والمضمون جانبا جديدا في بحث القصّة القرآنية ، وحاولت بعد ذلك التوسع في البحث نسبيا ؛ ليصبح قابلا للنشر بصورة كتاب مستقل ، ولكنّ الهجرة كانت سببا في أن يصبح هذا الكتاب بعد أن أنجزته بعيدا عن متناول اليد بعد أن تعرضت جميع ممتلكاتي ومنها مكتبتي الخاصة إلى النهب والسلب على يد النظام الحاكم.

وقد كرّرت التجربة في ذلك بعد أن طلب مني تدريس هذا الموضوع في جامعة الإمام الصادق عليه‌السلام قسم الدراسات العليا ، فأضفت إلى البحث بعض الموضوعات الاخرى مع توسع في الشرح والتحليل في الإلقاء.

٩

ثم إنّ المركز العالمي للعلوم الإسلامية في قم الذي يتولى الشئون العلمية للطلبة غير الإيرانيين وجد في هذا البحث والمنهج ما يلائم مناهجه العلمية ، فطلب مني إضافة (قصص أنبياء أولي العزم عليهم‌السلام) ما عدا نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأضفت إليه قصص نوح وإبراهيم وعيسى عليهم‌السلام ؛ إذ كان البحث السابق قد تناول قصّة موسى عليه‌السلام بالتحليل ، وبذلك أصبح البحث يشتمل على قسمين : (القصّة في القرآن) و (قصص أنبياء أولي العزم عليهم‌السلام).

أمّا القسم الأوّل منها فيتضمن فصولا خمسة :

الفصل الأوّل : خصائص القصص القرآني.

ونتناول فيه جانبين : الجانب الأوّل : القصّة القرآنية والهدف العام من نزول القرآن ، والجانب الثاني : الخصائص الأساسية للقصّة في القرآن.

الفصل الثاني : أغراض القصّة في القرآن الكريم ، ونقسمها إلى ثلاثة أنواع :

الأوّل : الأغراض الرسالية.

الثاني : الأغراض التربوية.

الثالث : الأغراض الاجتماعية والتاريخية.

الفصل الثالث : في دراسة مجموعة من الظواهر التي اتّصفت بها القصّة في القرآن الكريم ، مثل : ظاهرة تكرار القصّة ، وظاهرة اختصاص القصص القرآني بأنبياء منطقة الشرق الأوسط ، وظاهرة تأكيد القرآن لقصص بعض الأنبياء كموسى وإبراهيم عليهما‌السلام ، ظاهرة الاسلوب الخاص في عرض القصّة.

الفصل الرابع : دراسة منهجية وتطبيقية لمواضع القصّة في القرآن الكريم من حيث الأبعاد التالية :

أسباب تكرار القصّة.

١٠

٢ ـ تشخيص الغرض الذي سيقت له القصّة في الموضع الخاص.

٣ ـ تفسير تغاير الاسلوب في العرض والمضمون.

٤ ـ العلاقة بين القصّة وسياقها في القرآن.

٥ ـ تحليل لمضمون المقطع الذي يتحدّث عن القصّة.

وقد أخذنا قصّة موسى كنموذج لهذا المنهج في دراسة القصّة باعتبارها أوسع قصّة تناولها القرآن الكريم في عدد المواضع ؛ إذ تناولنا تسعة عشر موضعا لذكر قصّة موسى في القرآن الكريم.

ولا بدّ أن نلاحظ هنا أنّ هذا الفصل يعرض أحد المناهج التي يمكن التزامها في بحث القصّة في القرآن الكريم. وهو منهج جديد في دراسة القصّة القرآنية في حدود اطلاعي.

الفصل الخامس : دراسة منهجية اخرى في دراسة القصّة القرآنية ، تناولنا فيه قصّة آدم (خلافة الإنسان) على الأرض ، حاولنا فيه أن نستخلص النظرية في هذا الاستخلاف ، واتبعنا فيه اسلوب العرض للمنهج السائد في الدراسات القرآنية التفسيرية من ذكر الآراء المتعددة ، وشرح المفاهيم المذكورة مناقشتها ، مضافا إلى ذلك عرض النظرية. وهو منهج في البحث تلقيناه على يد استاذنا آية الله الشهيد الصدر قدس‌سره.

وبذلك نقدم منهجا آخر في دراسة القصّة القرآنية.

وبهذا يختتم القسم الأول من البحث.

وأمّا القسم الثاني من البحث (قصص أنبياء أولي العزم) فيتضمن فصولا أربعة ، يتناول كل فصل منها قصة أحد الأنبياء الاربعة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليه‌السلام.

وقد أتبعنا في دراستهم :

١١

اولا : تعريفا عاما بالنبي وموارد ذكره في القرآن الكريم.

وثانيا : الحديث عن قوم النبي من خلال تناول الأبعاد العقائدية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية لهم ، ولكن بصورة مختصرة.

وثالثا : الحديث عن شخصية النبي ومواصفاته.

رابعا : الحديث عن مراحل حياته من خلال تقسيمها إلى مراحل رئيسة.

خامسا : تسجيل الملاحظات حول القصّة بصورة عامة ، ومضافا إلى ذلك الملاحظات حول كلّ مرحلة من مراحل حياة النبي.

وفي هذا المنهج اختلفت قصّة موسى عليه‌السلام عن بقية قصص الأنبياء الثلاثة بسبب أنّ قصّة موسى قد ورد تحليل جميع مواضعها التي ذكرت في القرآن الكريم ، الأمر الذي أغنانا عن اتّباع هذا المنهج فيهان فجاءت مكملة لما ورد في القسم الأول منها.

ولا شكّ أنّ دراسة قصص هؤلاء الأنبياء التي هي أهم القصص التي وردت في القرآن الكريم يؤهل الطالب لمعرفة ودراسة بقية قصص الأنبياء من خلال المطالعة والمتابعة ، ولا سيّما أنّنا نجد أمامنا عدا من مناهج دراسة القصّة في القرآن الكريم (١) تفتح أمام الاستاذ والطالب آفاقا في البحث دون مئونة وتكلفة ، ويمكن للاستاذ أن يطور الطلاب من خلالها ، أو يوجههم إلى البحث والكتابة على نسق واحد.

كما أنّ أغلب الملاحظات التي أوردتها حول مراحل القصص أو القصّة نفسها تصلح لأن تكون موضوعا للمتابعة من قبل الطلبة عند ما يكلفون بكتابة البحوث.

__________________

(١) أشرنا سابقا إلى هذه المناهج.

١٢

ملاحظات عامة حول البحث :

ويحسن هنا في المقدّمة أن اشير إلى مجموعة من الملاحظات العامة التي أرى أنّها نافعة ومهمة في فهم هذا البحث وطبيعة مصادره ووسائل الإثبات فيه ، مضافا إلى ملاحظات اخرى اقدّمها بين يدي الأساتذة للاستفادة منها في توجيه الطلبة أعزّهم الله.

الملاحظة الاولى : اعتمدت في مراجعة المصادر لتكوين الرؤية : كتاب البحار للشيخ المجلسي ، والميزان للعلامة الطباطبائي ، وقصص القرآن لابن كثير ، وقصص القرآن لعبد الوهاب النجار ، وإنّما تمّ اختيار هذه الكتب لأنّها تمثل اتجاهات تفسيرية أساسية : فالأوّل يمثل أوسع جامع للأخبار التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام في بيان وشرح القصّة ، والثاني يمثل آخر مدرسة في تفسير القرآن الكريم تعتمد تفسير القرآن بالقرآن ، وتستفيد من الأخبار والتأمّل العقلي والمعرفة الإنسانية والتجارب التاريخية ، والثالث يمثل مدرسة التفسير بالمأثور عند جمهور المسلمين ، والرابع يمثل مدرسة الرأي وتعريف الحوادث القرآنية من الحوادث الحسية والتجربية ، مضافا إلى مدرسة أهل الحديث والوقوف على النصوص المتوارثة في مدرسة الجمهور بملاحظة نقد اللجنة لهذا الكتاب.

ومع الاهتمام الخاص بهذه الكتب كنت أستفيد بطبيعة الحال ـ أحيانا ـ من كتب اخرى كمجمع البيان للشيخ الطبرسي ، وتفسير المنار للسيد رشيد رضا ، وبعض كتب التاريخ واللغة.

الملاحظة الثانية : لقد حاولت الالتزام بمنهج فرز المدلولات القرآنية في القصّة عن المدلولات الاخرى المستفادة من النصوص الدينية : كالتوراة ،

١٣

والإنجيل ، أو الروايات الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الكرام عليهم‌السلام ، ومن الطبيعي أن يكون هناك فرق في اعتماد تكوين الرؤية بين هذه المصادر ؛ إذ اعتمدت بالدرجة الاولى على القرآن الكريم ، وعلى ما ورد عن النبي وأهل بيته عليهم‌السلام ، واستفدت من الباقي لتوضيحها وشرحها.

الملاحظة الثالثة : إنّ أحاديث الصحابة لا يمكن أن تقاس بالحديث المروي عن النبي وأهل بيته الكرام عليهم‌السلام حتى لو قلنا بحجية قول الصحابي ؛ لأنّ هذه الحجية عند القائلين بها إنّما تصح إذا كانت القرائن تشهد بأنّ الصحابي قد أخذ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي مثل قصص القرآن قد ندعي أنّ القرائن تشهد أنّ الصحابة قد أخذوا عن أهل الكتاب ، فلا تثبت الحجية لما يذكروه.

الملاحظة الرابعة : أنّ هناك عدّة نقاط أودّ أن أضعها بين يدي الأساتذة لعلّها تكون موضع الفائدة في تدريس هذا الكتاب.

١ ـ لقد حاولت الاختصار جهد الإمكان ، وتوضيح الصورة والأفكار عن طريق استخدام الفصول والنقاط والتقسيم تسهيلا للتناول والحفظ ، فإنّ ذلك هو منهج القرآن في تقسيمه إلى سور وآيات ... وفضلت التحليل والتعليق على أصل القصّة تعميما للفائدة وتيسيرا للعلم.

٢ ـ يمكن للاستاذ ـ اختصار للوقت ومن أجل حفظ الموازنة بينه وبين المادة العلمية الملقاة أن يركز في الشرح على الملاحظات والنقاط التحليلية ، ويكتفي في عرض القصّة وصورتها على مراجعة الطالب ومطالعته مع توجيه وبيان النكات الدقيقة له ، أو حتى حذف بعض النقاط التي لا يراها ضرورية.

٣ ـ يحسن بالاستاذ أن يرجع الطالب إلى بعض المصادر في بعض القضايا ، ولا سيّما ذات العلاقة بثقافة أهل البيت عليهم‌السلام والتي تمّ التأكيد لها أو الإشارة إليها ، وكذلك القضايا ذات العلاقة بالعقائد أو التاريخ.

١٤

٤ ـ يحسن بالاستاذ التأكيد لاهمية هذا البحث وغيره من البحوث القرآنية في الدراسات الحوزوية التي كانت محرومة من هذه الدروس التي لها دور كبير في توضيح رؤية الإسلام والقرآن للقضايا الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والمعنوية ، ولا سيّما أنّ القصّة لها دور مهم في توضيح ذلك ، وبيان المعاناة التي يتحملها الأنبياء والمبلغون ، وأساليب المواجهة والعلم والأخلاق السياسية والاجتماعية ، وهو ممّا لا بدّ لطالب أن يعرفه ؛ لتشابه مهمة العلماء والمبلغين بمهمة هؤلاء الأنبياء الكرام (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ).

وفي الختام أساله تعالى القبول والتوفيق لطاعته ، ولما ينفع من العلم والمعرفة ، وأن يختم لنا بخير ، كما أسأله تعالى أن يوفق العاملين والمتعلمين لما يحبّه ويرضاه ، وأن يجعل هذا العمل ذخيرة لي يوم ألقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

وإنّي لأشكره سبحانه على هذا التوفيق ، كما أشكر كلّ الأعزاء الذين ساهموا في إعداده وتصحيحه وإخراجه وفي مقدّمتهم ولدي الفاضل السيد صادق الحكيم والموفق الفاضل ماجد الطائي. والحمد لله رب العالمين.

محمد باقر الحكيم

١٨ شوال ١٤١٨ ه‍. ق

١٥
١٦

القسم الأوّل

القصّة في القرآن الكريم

الفصل الأوّل :

خصائص القصص القرآني

الفصل الثاني :

أغراض القصّة في القرآن

الفصل الثالث :

ظواهر عامة في القصّة

الفصل الرابع :

منهج تحليلي في دراسة القصّة القرآنية

الفصل الخامس :

قصّة آدم وخلافة الإنسان

١٧
١٨

الفصل الأوّل

خصائص القصص القرآني

القصّة القرآنية والهدف العام من نزول القرآن.

الخصائص الأساسية للقصّة في القرآن.

١٩
٢٠