الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
بسم الله الرحمن الرحيم
المائة السابعة من الأدلّة
الدالّة على وجوب
عصمة الإمام عليهالسلام
الأوّل : لو لم يكن الإمام معصوما لكان إمّا أن يكون تكليفه أخف من تكليفنا ، أو أثقل أو أكثر ، أو مساويا له.
والأوّل باطل ؛ لتساوينا في الواجبات ، وإنّما يختلف بتوابع المرءوسية والرئاسة.
ولا ريب أنّ الثاني أكثر وأثقل ، وهو مساو لنا في علّة الاحتياج إلى اللطف الذي هو شرط في التكليف ، وهو المقرّب والمبعّد ؛ إذ علّة الاحتياج هو جواز الخطأ ، فيلزم تساوي المكلّفين في الشرط والتكليف أو الزيادة ، مع أنّ أحدهما قد فعل الله تعالى الشرط الراجع إليه (١) دون الآخر ، وهذا محال.
الثاني : يستحيل من الله تعالى أن يجعل مصلحة زيد [بمفسدة] (٢) غيره ، وإلّا لزم الظلم ، وإذا كان الإمام مساويا لنا في الاحتياج إلى اللطف المقرّب المبعّد ولم يجعل للإمام لطفا لإمامته ورئاسته علينا فإنّه يكون قد جعل (٣) مصلحتنا بمفسدة الإمام ، وهو منعه من اللطف ، وهو محال.
الثالث : إذا كان اللطف لزيد مثلا من فعل الغير ، وهو ضرر للفاعل ، قبح تكليف الفاعل به لأجل زيد ، وإلّا لزم الظلم ، وقد بان ذلك في علم الكلام (٤).
فالإمام إذا ساوانا في علّة الاحتياج وقبوله الإمامة وقيامه بها منعه عن إمام آخر يقرّبه مع احتياجه إليه ، فيلزم ضرورة بذلك اللطف غيره ، وهو محال.
__________________
(١) في «أ» و «ب» زيادة : (تعالى) بعد : (إليه) ، وما أثبتناه موافق للسياق.
(٢) في «أ» و «ب» : (لمفسدة) ، وما أثبتناه للسياق.
(٣) في هامش «ب» : (حصل) بدل : (جعل).
(٤) قواعد المرام في علم الكلام : ١١٨. مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
الرابع : لو كان الإمام غير معصوم فإمامته إمّا أن تكون لطفا [لنا خاصّة] (١) ، أو له خاصّة ، أو لنا وله ، أو ليس لنا ولا له.
والرابع محال ، وإلّا لما وجبت.
والأوّل والثاني محالان ، وإلّا لكان [تكليفنا] (٢) بطاعته أو تكليفه بإمامتنا والقيام بها تكليفا للغير للطف غيره ، وهو محال قد ثبت في علم الكلام (٣).
فتعيّن الثالث ، فتساوى فعلها فينا وفيه ، مع تمكّنه من حمل المكلّف على الطاعة وإبعاده عن المعصية ، أو طاعة المكلّفين له.
لكنّ فعلها فينا مع هذا الشرط هو التقريب من الطاعة [بحيث لا يخلّ بواجب] (٤) و [البعد] (٥) عن المعصية بحيث لا تقع ، وهو يوجب عصمته ، وهو المطلوب.
الخامس : لو لم يشترط صحة العمل في الإمام لم يشترط فيه العلم ؛ لأنّ العلم إنّما يراد لصحة العمل ، فإذا لم يشترط صحة العمل لم يكن المراد لأجله شرطا ، فيلزم كون الإمام عاصيا جاهلا ، فلا فائدة في إمامته أصلا والبتة ؛ إذ لا يرشد إلى العلم [ولا إلى العمل] (٦) ، فيجب كونه مجزوما بصحة [عمله] (٧).
وليس كذلك إلّا المعصوم ، فيجب كونه معصوما.
السادس : القاضي الجاهل أولى بالعذر من العالم ، فلو لم يكن الإمام معصوما لكانت إمامة الجاهل أولى من إمامة العالم ؛ لأنّه بالعذر أولى.
السابع : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ قضية مشروع ، وإنّما يتحقّق بآمر ومأمور.
__________________
(١) في «أ» : (خاصا) ، وما أثبتناه من «ب».
(٢) في «أ» و «ب» : (تكلّفنا) ، وما أثبتناه للسياق.
(٣) الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ١٣٣. قواعد المرام في علم الكلام : ١١٨.
(٤) من «ب».
(٥) في «أ» : (المبعّد) ، وما أثبتناه من «ب».
(٦) من «ب».
(٧) في «أ» : (علمه) ، وما أثبتناه من «ب».
والآمر لا بدّ وأن يكون معيّنا شخصيا ، والمأمور هو غير المعصوم ، فالآمر الأصلي هو المعصوم ، وإلّا اتّحد المضاف والمضاف إليه باعتبار واحد ، و (١) محال أن يكون كلّ واحد آمرا أصليا للآخر ، وإلّا لزم وقوع الفتن والهرج.
الثامن : الإمام هو الآمر لكلّ غير المعصوم بالمعروف والناهي لهم عن المنكر ، فلو كان غير معصوم لكان إمّا آمرا لنفسه ، أو لا يوجد له آمر مع مساواته إيّاهم في علّة الحاجة إليه ، هذا خلف.
التاسع : كلّ من [لا] (٢) آمر له بالمعروف ولا ناهي له [عن المنكر] (٣) وهو آمر للكلّ لا يصدر منه قبيح ولا يخلّ [بواجب] (٤) ، وإلّا فإمّا ألّا يجب أمره ونهيه ، وهو محال ؛ إذ علّة الوجوب الصدور والترك.
أو يجب من غير من يجب عليه ، وهو محال ؛ لأنّا فرضناه (٥) أنّه لا آمر له ، فهو المعصوم.
والإمام لا آمر له ؛ لأنّه إمّا من رعيّته ، وهو يوجب سقوط وقعه و [عدم] (٦) القبول منه.
وأيضا : فإنّ ذلك محال ، فإنّ السلطان لا تتمكّن رعيّته من أمره ونهيه ، فيكون الوجوب خاليا من الفائدة بالكلّية.
وإمّا أن يكون له إمام آخر ، وهو يوجب التسلسل.
العاشر : قوّة الإمام العقلية قاهرة للقوى الشهوية الموجودة في زمانه كلّها لو بسطت يده ، فمحال أن يقهرها قوّة ما شهوية ، فيستحيل عليه المعصية.
__________________
(١) في «أ» زيادة : (هو) بعد : (و) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».
(٢) من «ب».
(٣) في «أ» : (بالمنكر) ، وما أثبتناه من «ب».
(٤) في «أ» : (بالواجب) ، وما أثبتناه من «ب».
(٥) في «ب» : (فرضنا) بدل : (فرضناه).
(٦) في «أ» : (عدمه) ، وما أثبتناه من «ب».
الحادي عشر : الإمام مقتدى الكلّ ، ويجب عليهم الاقتداء به ومتابعته في أقواله وأفعاله جميعا ، فلا بدّ وأن يكون عقله أكمل من الكلّ ، فلو عصى في وقت لكان عقله أنقص في ذلك الوقت من المطيع ، وهو محال.
الثاني عشر : يقبح تقديم المفضول على الفاضل ، فيجب أن يكون له الكمال الممكن للإنسان الأقصى في جانبي العلم والعمل ، [فهو] (١) معصوم.
الثالث عشر : عدم عصمة الإمام ملزومة لإمكان انتفاء الغاية منه الملزوم لصدق : كلّما كان الإمام الممكن حين إمامته الممكنة غير معصوم أمكن أن يصدق : لا شيء من الغاية منه ثابتة حين إمامته الممكنة.
لكن كلّما كان الإمام إماما متمكّنا كانت الغاية منه ثابتة بالضرورة (٢) ما دام إماما متمكّنا.
أمّا صدق الأولى ؛ فلأنّ الغاية من الإمام التقريب من [الطاعة] (٣) والتبعيد عن المعصية مع تمكّنه ، فإذا لم يكن الإمام معصوما أمكن عدم حصول هذه الغاية ، وهو ظاهر.
وأمّا الثانية ؛ فلأنّه لو لم يجب حصول الغاية عند ثبوت (٤) الإمامة لزم أحد الأمرين : إمّا إمكان العبث أو الجهل ، أو [عدمها] (٥) حال ثبوتها باعتبار ثبوتها. وكلاهما محال ، والملازمة ظاهرة.
لكنّ صدق هاتين المقدّمتين بجميع أقسامهما محال بالضرورة.
__________________
(١) في «أ» : (وهو) ، وما أثبتناه من «ب».
(٢) في «أ» و «ب» زيادة : (و) بعد : (بالضرورة) ، وما أثبتناه موافق للسياق.
(٣) في «أ» : (الإمام) ، وما أثبتناه من «ب».
(٤) في «أ» زيادة : (الغاية) بعد : (ثبوت) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».
(٥) في «أ» : (أحدهما) ، وفي «ب» : (عدمهما) ، وما أثبتناه للسياق.
الرابع عشر : قوله تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ* لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) (١).
وجه الاستدلال يتوقّف على مقدّمات :
الأولى : أنّ الغاية معلولة بوجودها وعلّة بماهيّتها (٢) كالجلوس على السرير ، فإنّه علّة لفعل الصانع له ، ومعلول له.
الثانية : أنّ جعل ما ليس بعلّة علّة من الحكيم العالم به قبيح محال.
الثالثة : أنّه تعالى عالم بكلّ معلوم ، وهو حكيم.
الرابعة : اللّام في قوله (٣) : (لِتُنْذِرَ) لام الغاية ، وهو ظاهر.
إذا تقرّر ذلك فنقول : جعل الله تعالى ذا الغاية المذكورة ـ وهي الإنذار ـ أشياء :
أحدها : وجود المنذر.
وثانيها : أنّه مرسل.
وثالثها : [أنّه] (٤) عليهالسلام على صراط مستقيم.
ورابعها : أنّ ذلك الصراط المستقيم تنزيل العزيز الرحيم ، وكذا إرساله عليهالسلام.
فعرفنا أنّ الإنذار موقوف على هذه الأشياء.
أمّا توقّفه على نصبه تعالى إيّاه رسولا ؛ فلترجيح وجوب طاعته من بين بني نوعه ، ولدفع اعتراض المعترضين ، فإنّ كلامهم مع المماثلة في عدم نصبه تعالى أوجه من المماثلة في البشرية.
__________________
(١) يس : ٣ ـ ٧.
(٢) الإشارات والتنبيهات (الإلهيات) : ١٦. تجريد الاعتقاد : ١٣٧ ـ ١٣٨. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ١٣٢ ـ ١٣٣.
(٣) في «أ» زيادة : (أنّه) بعد : (قوله) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».
(٤) من «ب».
وأمّا [توقّفه على] (١) كونه على صراط مستقيم ؛ فلأنّه لو كان طريقه غير صحيح في الكلّ كان اتّباعه قبيحا ، فيتوجّه الحجّة للمكلّفين على عدم اتّباعه. وإن كان في البعض لم يكن كلامه وفعله وطريقه دالّا على الصواب ؛ لأنّه أعمّ منه حينئذ ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ (٢) ، فيكون حجّة المكلّف في ترك اتّباعه أظهر.
فتعيّن أن يكون طريقه صوابا دائما.
وأمّا توقّفه على كونه منزلا من عند الله ؛ [فلمعرفة] (٣) صحّة ما لم يدركه العقل في الأمور النقلية ، وانتفاء [عذر] (٤) المكلّف بعدم إدراك عقله إيّاه في الأمور النظرية التفصيلية.
إذا تقرّر ذلك ، فشرط في الإمام أيضا كونه بنصب الله تعالى ، وبأنّه على صراط مستقيم ، أي كون أمره ونهيه وإخباره وفعله وتركه صوابا وكونه من عند الله ، [و] (٥) لمشاركة النبيّ الإمام في الغاية وفي الإنذار وحمل المكلّفين وإلزامهم بذلك. [و] (٦) يكون الفارق أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله يعلمه بالوحي وهذا يعلمه من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، [فدعاء] (٧) النبيّ والإمام إلى شيء واحد ، وهما معا على صراط مستقيم ، وهو يرد (٨) من عند الله تعالى إلى النبيّ بالوحي ، وإلى الإمام بإخبار النبيّ عليهالسلام إيّاه.
وإنّما يتحقّق [ذلك] (٩) مع كون الإمام معصوما.
__________________
(١) من «ب».
(٢) العدّة في أصول الفقه ١ : ٣٠٣. معارج الأصول : ٨٩.
(٣) في «أ» و «ب» : (بمعرفة) ، وما أثبتناه من هامش «ب».
(٤) في «أ» و «ب» : (عدم) ، وما أثبتناه من هامش «ب».
(٥) في «أ» : (أو) ، وما أثبتناه من «ب».
(٦) زيادة اقتضاها السياق.
(٧) في «أ» : (فدعاه) ، وما أثبتناه من «ب».
(٨) في هامش «ب» : (منزّل) بدل : (يرد) خ ل.
(٩) في «أ» : (بذلك) ، وما أثبتناه من «ب».
الخامس عشر : أنّه جعل في هذه الآية (١) أنّ بعد هذه الأمور : حقّ القول عليهم ، فمع الإخلال بشيء منها لا يلزم ذلك ، فبعد موت النبيّ عليهالسلام إن (٢) لم يوجد من له هذه الصفات ـ أعني وجود المنذر وكونه بنصب الله تعالى ، وكونه على صراط مستقيم ، وأنّه يرد من عند الله ، والفارق بينهما أنّ النبيّ رسول من عند الله تعالى وهذا نائب عنه ، لكن يتّحدان في الغاية والطريق ـ لم يحقّ القول.
لا يقال : هذان الدليلان مبنيّان على أنّ الغاية إذا تعقّبت الجمل رجعت إلى الكلّ ، وهو ممنوع.
لأنّا نقول : قد بيّنّا (٣) وجه [تعلّقها] (٤) بالكلّ.
السادس عشر : لو تساوى الإمام والمأموم في علّة الاحتياج إلى إمام لزم أحد الأمرين : إمّا خلو بعض المكلّفين عن اللطف ، أو احتياج الإمام إلى إمام آخر.
ويلزم أيضا الترجيح من غير مرجّح.
السابع عشر : قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (٥).
أثبتت (٦) لهم أربعة أشياء :
أحدها : كون طريقهم مستقيما.
الثاني : أنّه تعالى أنعم عليهم بهذا الطريق.
والثالث : كونهم غير مغضوب عليهم.
والرابع : كونهم غير ضالين.
__________________
(١) أي الآيات (٣ ـ ٧ من سورة يس) المتقدّمات في الدليل السابق.
(٢) في «أ» و «ب» : (وإن) ، وما أثبتناه للسياق.
(٣) بيّنه في الدليل الرابع عشر من هذه المائة.
(٤) في «أ» : (تعقلها) ، وما أثبتناه من «ب».
(٥) الفاتحة : ٧.
(٦) في «ب» : (أثبت) بدل : (أثبتت).
فنقول : إمّا أن يكون هذا الطريق مستقيما في جميع الأحوال والتكاليف والأفعال والأقوال ، أو في بعضها.
والثاني محال ؛ لاشتراك الكلّ ، فسؤاله عبث.
فتعيّن الأوّل ، وإنّما يتمّ بعصمتهم ، بل هو صريح فيها.
وكذا نقول : [في نفي الغضب عليهم ونفي ضلالهم دلالة على نفيهما عنهم دائما [كما هو] (١) ظاهر واضح. وإنّما يتم بعصمتهم.
فنقول] (٢) : إمّا أن تكون هذه طريقة الإمام ، أو تكون طريقة الإمام غيرها.
والثاني محال ؛ لأنّا مكلّفون باتّباع الإمام واتباع [طريقته ، ومن المحال أن يأمر بسؤال الهداية إلى طريقه ويكلّفنا باتّباع] (٣) غيرها.
فتعيّن الأوّل ، فيكون معصوما.
الثامن عشر : إمّا أن [لا] (٤) يكون شيء من الناس معصوما ، أو [يكون كلّ الناس معصوما ، أو يكون البعض معصوما] (٥).
والأوّل باطل ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٦) ، و (سُلْطانٌ) نكرة في معرض النفي ، فيعمّ جميع وجوهه (٧). وكلّ آت بذنب فللشيطان عليه سلطان في الجملة ، وهو ينافي النفي الكلّي.
والثاني باطل بالإجماع (٨).
__________________
(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) من «ب».
(٣) من «ب».
(٤) من «ب».
(٥) من «ب».
(٦) الحجر : ٤٢.
(٧) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٥. معارج الأصول : ٨٤ ، مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢.
(٨) في «أ» و «ب» زيادة : (ومطلوبنا) بعد : (بالإجماع) ، وما أثبتناه موافق للسياق.
[والثالث إمّا أن يكون هو الإمام وحده ، أو مع غيره ، أو غيره] (١).
والثالث محال ؛ لقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢) ، ولأنّ الاحتياج إلى عصمة الإمام أكثر من عصمة غيره ، ولتأثيرها فيه وفي غيره من الناس ، وعصمة غيره لا تؤثّر إلّا فيه ، [فيكون] (٣) هو أولى بالعصمة.
والأوّل والثاني هو مطلوبنا.
التاسع عشر : عدالة الإمام في كلّ وقت تفرض هي علّة في تقريب [المكلّف] (٤) من فعل الواجب وترك المحرّم ، فلا بدّ وأن يكون الوجود أولى بها.
وقد بيّن في العلم الأعلى (٥) أنّ الأولوية لا تنفكّ عن الوجوب ، وذلك هو العصمة.
العشرون : العلّة في الوجود (٦) يجب لها الوجود حال كونها علّة ، وعدالة الإمام في كلّ وقت تفرض [و] (٧) في كلّ حال علّة في [عدالة] (٨) [المكلّف] (٩) ، فيجب للإمام.
والعدالة المذكورة هي [العصمة] (١٠).
__________________
(١) من «ب».
(٢) يونس : ٣٥.
(٣) في «أ» : (إلّا أن يكون) ، وما أثبتناه من «ب».
(٤) في «أ» : (التكليف) ، وما أثبتناه من «ب».
(٥) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٤٧.
(٦) في «أ» و «ب» زيادة : (و) بعد : (الوجود) ، وما أثبتناه موافق للسياق.
(٧) من «ب».
(٨) في «أ» : (عدالته) ، وما أثبتناه من «ب».
(٩) في «أ» و «ب» : (مكلّف) ، وما أثبتناه للسياق.
(١٠) في «أ» و «ب» : (القسمة) ، وما أثبتناه للسياق.
لا يقال : عدالة الإمام علّة معدّة (١) ، وهي لا يجب أن تكون موجودة ، بل جاز أن تكون عدمية.
لأنّا نقول : العلل المعدّة إمّا بوجودها أو بعدمها كالأجزاء المفروضة في الحركة.
والأولى حال عليّتها يجب لها الوجود ، وهو المطلوب.
ثمّ لا يمكن أن يكون هذه معدّة بعدمها ؛ لأنّ عدمها في وقت ما ينافي لطف المكلّفين في ذلك الوقت.
الحادي والعشرون : إنّما جعل الإمام لتكميل القوّة العملية ، والتكميل إنّما يحصل من الكامل ؛ لاستحالة إفادة الناقص الكمال.
والتكميل المطلوب ليس [إلى] (٢) مرتبة دون ما فوقها ؛ لاختلاف ذلك باختلاف المكلّفين ، بل الكمال [الممكن] (٣) للنفس الإنسانية ، وذلك هو العصمة.
الثاني والعشرون : غير المعصوم ظالم بالإمكان ، ولا شيء من الظالم بإمام بالضرورة. ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام بالضرورة.
أمّا الصغرى ؛ فلأنّ كلّ غير معصوم مذنب ، وهو ظاهر. وكلّ مذنب ظالم ؛ لأنّ الآيات المصرّحة بذلك كثيرة في الكتاب العزيز (٤).
وأمّا الكبرى ؛ فلقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٥) ، والمراد بالعهد
__________________
(١) العلّة المعدّة : هي ما يقرّب العلّة إلى معلولها بعد بعدها عنه. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ١٣٨.
(٢) في «أ» : (إلّا) ، وما أثبتناه من «ب».
(٣) في «أ» : (المتمكّن) ، وفي «ب» : (المتمكّن) ، وما أثبتناه للسياق.
(٤) كقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة : ٢٢٩). وقوله تعالى : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (آل عمران : ٩٤). وقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة : ٤٥).
(٥) البقرة : ١٢٤.
هنا الإمامة ؛ لقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).
ووجوب مطابقة الجواب للسؤال واستحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة يوجب ذلك ، وهذا ظاهر.
و (لا) [للنفي] (٢) الدائم ، والدائمة مستلزمة للضرورية ، كما بيّن في المنطق (٣).
وهذا مبني على مقدّمات ثلاث :
إحداها : أنّ الممكنة الصغرى في الشكل الأوّل تنتج ، [وقد بيّناه في المنطق (٤) ، وعليه القدماء.
وثانيها : استلزام الدائمة الضرورية] (٥) ، وقد بيّنّاه في العلم الإلهي (٦) ؛ لاستحالة أن يكون الاتفاقي دائما [أو] (٧) أكثريا (٨).
وثالثها : أنّ النتيجة ضرورية ، وقد بان في المنطق أيضا (٩).
الثالث والعشرون : للإنسان حالتان : دار الدنيا ، [و] (١٠) دار الآخرة.
والأولى سمّاها الله تعالى دار الغرور واللهو واللعب (١١) ، وفي مشاهدتنا أنّ
__________________
(١) البقرة : ١٢٤.
(٢) في «أ» و «ب» : (لنفي) ، وما أثبتناه للسياق.
(٣) تجريد المنطق : ٢٢. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٦٢.
(٤) القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٣٥٦.
(٥) من «ب».
(٦) القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٢٦٢.
(٧) في «أ» : (و) ، وما أثبتناه من «ب».
(٨) الشفاء (الطبيعيات ١) : ٦٣ ، ٦٥.
(٩) تجريد المنطق : ٣٥. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٣٦١ ـ ٣٦٣.
(١٠) من «ب».
(١١) كما في قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران : ١٨٥. الحديد : ٢٠). وقوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) (الأنعام : ٣٢).
البليّات فيها لاحقة للأنبياء والأولياء ، وهي منقضية ، وقد حكمها الله تعالى ، وأحكم خلق بدن الإنسان وجعل فيه من القوى المدركة والغاذية وما يتوقّف عليه ، وجعل له قوى العلوم بمراتبها ، وفيه من العجائب ما يبهر عقل كلّ عاقل ، ولا يعرف ذلك إلّا من وقف على علم التشريح.
ثمّ خلق من المطعومات والمشمومات والمركوبات والنبات والحيوان والمعادن وحركات الكواكب وتأثيراتها بالحرّ والبرد ما يدلّ بصريحه على تمام حكمة صانعه ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ثمّ قال تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ؛ تكرمة لبني آدم.
فالعاقل إذا أمعن النظر بصحيح الفكر والاعتبار يجد هذه الدار التي سمّاها لهوا ولعبا ودار الغرور بهذه الحكمة ، ويكرّم الإنسان فيها بهذه الكرامة بهذه المنافع ، لم يهمل دار قراره وآخرته ، بألّا ينصّب إماما معصوما يحصل اليقين بقوله ، يحفظ الشرع ، ويقيم نظام النوع ويهديه ، ويلزمه الطريق الذي يوصله إلى دار القرار ، بل يجعل ذلك موكولا إلى الخلق ولا يجعل فيهم معصوما ، ليختار [أرباب العقول] (٢) الضعيفة والقوى الشهوية والغضبية القوية بعقلهم من لا يحصّل اليقين بقوله هو ، ولا يوثق بفعله ؛ إذ يجوز عليه الخطأ أو أكبر منه ، فلا يحصل له طريق إلى اليقين بحكم الله تعالى.
فكيف يمكن إحكام أمور الإنسان في هذه الدار وإهمال أموره في تلك الدار ، مع أنّ هذه الدار ليست بمقصودة بالذات ، إنّما المقصود تلك؟
هذا ينافي الحكمة بالضرورة ، ولا يقول به من له أدنى فطنة ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
الرابع والعشرون : الدليل لا بدّ أن يمتنع معه نقيض المدلول ، وإلّا لم يكن دليلا
__________________
(١) البقرة : ٢٩.
(٢) في «أ» : (باب الغرور) ، وما أثبتناه من «ب».