البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

١
٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا

ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله

على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين

اما بعد ...

فلا يخفى على اهل الفن والفقهاء الكرام والاصوليين العظام أن مفتاح العلم لاستنباط الاحكام الشرعية هو العلم باصول الفقه ، وفي هذا الفن الشريف صنفت كتب قيّمة ولكن عميقها كتاب كفاية الاصول وهو الاثر الدائم للمرحوم الآخوند الخراساني وهو بحر عميق يستخرج الغواصون منه اللؤلؤ والمرجان وهو محور دروس الخارج في الحوزات العلمية وفي طول التاريخ صنفت عليه الشروح المتعددة وكل واحد منها حاو لابحاث منها ريح التحقيق تفوح ولكن من جملتها الشرح الذي ألّفه الشيخ علي العارفي المسمى ب (البداية في توضيح الكفاية) وقد أمعنت النظر فيه ووجدته حاويا لنكات وامثلة متنوعة بل وجدته قليل النظير وهو مفيد للطلاب والمحصلين زادهم الله توفيقا وأرجو من الله تعالى أن يزيد في توفيق المؤلف لما تجشمه من صعاب في تنظيم هذا الشرح الدقيق والتوضيح الشافي وأدعو الله ان يزيد من امثاله انه سميع مجيب ...

قم المقدسة

علي محمدي خراساني

٤

شكر وتقدير

لما كان الاعتراف بالجميل من اقدس

الواجبات وأوجب الفرائض ، فاني ارفع

آيات الشكر والثناء والتقدير الى الاستاذ

العلّامة سيد اسماعيل الگوهري وحاج

اسماعيل الزّارعي ايدهما الله تعالى

لقيامهما بطبع هذا الكتاب. وهذه الكلمة

وان لم آت فيها بما يستحقهما من تكريم ،

إلّا انها رمز لاعترافي بحسن صنيعهما.

المؤلف

٥
٦

موضوع علم الاصول

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى آله المعصومين واللعنة الدائمة على اعدائهم من الآن الى يوم الدين.

اما بعد فقد رتبت هذا الجزء المسمى بالبداية في توضيح كفاية الاصول على مقدمة وفصول ، اما المقدمة ففي بيان اجزاء علم الاصول وهي ثلاثة : الاول موضوعه والثاني مبادئه ، والثالث مسائله. أما موضوعه فذهب المشهور الى انه الأدلة الاربعة بوصف انها أدلة ، وذهب صاحب الفصول قدس‌سره تبعا للمحقق القمي صاحب القوانين قدس‌سره الى انه الأدلة الاربعة بما هي هي ، اي ذوات الأدلة الاربعة مع قطع النظر عن وصف دليليتها. وقال المصنف قدس‌سره : ان موضوعه كلي متحد مع موضوعات مسائل علم الاصول على نحو اتحاد الكلي مع افراده في الخارج وان كان الكلي يغايرها بحسب المفهوم نحو الانسان الذي يتحد مع مصاديقه خارجا يغايرها مفهوما ، فالموضوع كلي وان كان لا يتعين رسمه ولا يعرف اسمه اذ موضوعية الموضوع قائمة بذاته لا باسمه ولا برسمه كما ان دهنية الدهن قائمة بذاته لا باسمه.

المقدمة :

قوله : اما المقدمة ففي بيان امور :

الامر الاول : ان موضوع كل علم هو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية. ولا بد قبل الشروع في المقصد من معرفة موضوع كل علم على نحو الكبرى الكلية حتى يعلم موضوع علم الاصول بالبرهان اولا ولئلا يلزم البحث عن الامر المجهول ثانيا. ومن بيان تعريف علم الاصول كي لا يلزم طلب الاعمى الشيء المحسوس

٧

بالبصر كالمخيط.

تحقيق المصنف في موضوع علم الاصول :

ومن بيان غرض العلم كي لا يلزم طلب الشيء العبث وبلا فائدة ، ولهذا فقد تعرض المصنف قبل الشروع في المقصد لهذه الأمور ، ولكن يرد على المذهب المشهور اشكال ، لانه يلزم ان يكون البحث عن حجية ظاهر الكتاب الكريم ، وعن حجية الخبر الواحد ، وعن حجية احد المتعارضين تعيينا او تخييرا ، وعن حجية الاجماع المنقول ، وعن حجية العقل في مدركه من الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة والمنفعة والمضرة ، وعن حجية الاصول العملية من الاستصحاب والبراءة والاشتغال والتخيير ، لا يكون عن عوارض الأدلة الاربعة على تقدير ان يكون موضوع علم الاصول الأدلة الاربعة بوصف انها ادلّة ، لان البحث عن عوارض الموضوع يكون بعنوان مفاد كان الناقصة لا بعنوان كان التامة ، وعليه يكون البحث عن وجود الأدلة الاربعة التي تكون مفروضة الحجيّة على الحكم الشرعي التكليفي والوضعي.

فالبحث على هذا الطريق لا يكون عن العوارض الذاتية للموضوع اذ هو بحث عن وجود الأدلة على الاحكام الشرعية.

والبحث عن وجودها عليها يكون بعنوان مفاد كان التامة ، والحال ان البحث عن العوارض الذاتية للموضوع يكون بعنوان مفاد كان الناقصة ، لان البحث عن عوارض الموضوع واوصافه يكون متأخرا بمرتبة عن وجود الموضوع. وفي ضوء هذا يخرج بحث الأمور السابقة عن مسائل علم الاصول بناء على اتحاد موضوع علم الاصول مع موضوعات المسائل على نحو اتحاد الكلي الطبيعي مع افراده ومصاديقه في الخارج ، ويدخل بحث الأمور المذكورة في المبادئ التصديقية مع ان البحث عن الأمور المذكورة من مهمات مسائل علم الاصول.

فالبحث على القول المشهور يكون عن الأدلة التي تكون موجبة لثبوت

٨

المحمول الاوّلي الذي يكون وجودا للموضوع الذي هو الأدلة الاربعة التي تكون مفروضة الحجيّة ، وكذا البحث عن الاستلزام العقلي مثل البحث عن ان الامر بشيء أيستلزم الامر بمقدمته أم لا؟ وان الامر بشيء أيستلزم النهي عن ضده أم لا يكون عن عوارض الأدلة الاربعة؟

وكذا تخرج مباحث الاصول اللفظية ، كمباحث الاوامر والنواهي ، والحقائق والمجازات ، والكنايات والاستعارات ، والترادف ، والاشتراك اللفظي والاشتراك المعنوي ، والتماثل والتقابل ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، عن المسائل ، اي عن مسائل علم الاصول لانّ البحث عن هذه الأمور لا يكون عن خصوص الالفاظ المذكورة في الكتاب الكريم والسنة الشريفة بل يعمّ غيرهما من الالفاظ التي هي في كلام متكلّم غير الله تعالى.

فلذا عدل صاحب الفصول قدس‌سره عن هذا المسلك وقال تبعا للمحقّق القمّي انّ موضوع علم الاصول هو الادلّة الاربعة بما هي هي ، اي ذوات الأدلة مع قطع النظر عن دليليتها ، حتّى يكون البحث عن حجيّتها عن عوارضها بعنوان مفاد كان الناقصة وهل المركّبة. اذ البحث يكون حينئذ عن حجيّتها بعد الفراغ عن وجودها ، فيقال ظاهر الكتاب الكريم موجود على ثبوت الاحكام الشرعية واجب الاتباع من غير حاجة الى الفحص عن القرينة الدالّة على خلاف الظاهر أم لا؟ والخبر الواحد موجود على ثبوتها أظاهره حجّة من غير البحث والفحص عن القرينة على خلاف ظاهره أم لا؟ والاجماع الموجود عليه حجّة أم لا؟ وكذا دليل العقل الموجود عليه واجب الاتباع أم لا؟ فعلى هذا المسلك لا تخرج الأمور المذكورة المهمّة عن مسائله ولا تدخل في المبادئ التصديقية.

وكذا لا يخرج بحث الالفاظ عنها ، اذ المقصود الاصلي في هذا الفن هو معرفة عوارض الالفاظ التي وقعت في الكتاب العزيز والسنّة الشريفة ، والبحث عن غيرها مقدمي وطفيلي.

والقولان مردودان عند المحقّق صاحب (الكفاية) قدس‌سره ، وقال انّ موضوعه هو

٩

كلي متحد مع موضوعات مسائل الفن على نوع اتحاد كلي الطبيعي مع افراده في الخارج ، وان كان يغايرها مفهوما مثل الانسان الذي يتحد مع مصاديقه فالموضوع كلّي وان كان لم يعيّن رسمه ولم يعرف اسمه ، لان موضوعية الموضوع قائمة بذاته لا باسمه ورسمه ، كما انّ دهنية الدهن قائمة بذاته لا باسمه.

وقد استدل على ردّهما بانّ البحث في المسائل المهمّة لا يكون عن عوارض السنة ان كان المراد منها قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره كما هو المصطلح فيها ، لانّ البحث عن حجيّة خبر الواحد والتعادل والتراجيح او ترجيح احد المتعارضين من حيث السند او الدلالة لا يكون عن عوارض السنة ولا الكتاب العزيز ولا الاجماع ولا العقل ، لانّ الخبر سواء كان متواترا او واحدا ليس نفس قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره ، بل هو حاك عنها ، والحاكي يكون غير المحكي عنه كما انّ الراوي غير المروي عنه. نعم بعض مبحث التعادل والتراجيح يكون عن عوارضها وعن عوارض الكتاب الكريم مثل تعارض الخبرين. (مثلا) ورد في الخبر ثمن العذرة سحت وفي الاخرى لا بأس بثمن العذرة ، أو تعارض القراءتين مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) أو يطهرن بالتشديد أو بالتخفيف ، وكذا تخرج مباحث الالفاظ ومباحث الاستلزامات العقلية ، مثل اجتماع الامر والنهي في شيء واحد يجوز عقلا أم لا؟ واشباهه ، لانّ البحث عن هذه الأمور لا يكون عن عوارض الادلّة الاربعة لا بما هي هي ولا بوصف دليليتها فتخرج عن مسائل فن الاصول.

اذا عرفت ما ذكرنا فينبغي ان يكون موضوع علم الاصول كليا متحدا مع موضوعات مسائله المختلفة موضوعا ومحمولا وان كان مقصود الاعلى في هذا الفن معرفة عوارض الادلّة الاربعة. فالبحث لا يدور مدارها وجودا وعدما كمدار الرحى على القطب.

ثم ذكر مؤيدا على مسلكه ، وهو تعريف العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحكام الشرعية ، ويدلّ عليه ظهور القواعد في العموم لو لا العهد الذكري

١٠

والحضوري والذهني والخارجي ، فظهر انّ المراد منها كل قاعدة سواء اخذ موضوعها من الادلّة الاربعة أو من غيرها.

فان قيل : ما الفرق بين الدليل والتأييد؟ قلنا : في التأييد يكون احتمال الخلاف موجودا دائما اذ يحتمل ان يكون اللام فيها للعهد الخارجي ، فيكون المقصود منها القواعد التي يؤخذ موضوعها من الادلّة الاربعة فقط لانّ موضوعات الاحكام ومحمولاتها انّما تؤخذ منها ، أو لاحتمال كون التعريف بالاعم مثل السعدانة نبت وهو لا يبيّن لحقيقة المعرّف ، سيّما على مبنى صاحب (الكفاية) قدس‌سره لانّه يقول كلّ التعاريف لفظية ، لانّ الاطلاع على حقيقة الأشياء مختص بعلّام الغيوب (١).

ثم قال انّ الصواب في تعريفه ان يقال انّه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام ، او التي ينتهي الفقيه اليها في مقام العمل وتدلّ عليه ثلاثة امور :

الاول : لعدم اشتمال هذا على كلمة الممهّدة اذ مناط مسائل الفن وقوعها في طريق الاستنباط ، سواء كانت وقوعيتها بالفعل أم لا ، اذ القواعد الاصولية التي تقع كبرى القياس لا يترتب عليها الاستنباط بالفعل الّا اذا انضمت اليها صغرى المأخوذة من الادلّة الاربعة ، فاذا لم تنضم اليها صغرى كان وقوعها بالقوة ، فلفظ الممهّدة مشتق وهو حقيقة فيمن تلبّس بالمبدإ في حال النسبة كما سيأتي. فبالنتيجة يستفاد من تعريف المشهور في طريق الاستنباط بالفعل فقط. امّا على تعريف المصنف فشامل لكلتا الصورتين.

والثاني : لعدم اشتماله على كلمة صناعة ، وهي اكمل من لفظ العلم ، لانّ صناعة الشيء تستلزم العلم به ، بخلاف العلم به اذ هو لا يستلزم صناعته.

والثالث : يكون تعريف المشهور غير شامل لمهمّات مسائل الفن ، مثل مباحث الاصول العملية التي هي وظائف شاك في مقام العمل ، لانّها لا تقع في

__________________

(١) بخلاف الدليل ، اذ قد يكون قطعيا كالبرهان الإنّي واللمّي.

١١

طريق الاستنباط ، بل هي بانفسها احكام بناء على الجعل للحكم الظاهري في مؤداها ، فلا تقع حينئذ في طريق الاستنباط. هذا مضافا الى انه يرد عليه اشكال وهو انه لا يشمل حجيّة الظن على الحكومة والاصول العملية الجارية فى الشبهة الحكمية ، لانّهما لا تقعان في طريق الاستنباط ، بل بانفسهما حكمان ظاهريان بناء على الجعل للحكم الظاهري في موردهما ، والحال انّهما من مهمات هذا الفن فلذا زاد فيه قوله : او التي ينتهي اليها كي يشملهما ، ويخرجان عن الالتزام بالاستطراد.

وقد تم بحث الامرين (موضوعه وتعريفه) وبقى الثالث وهو (غايته) وهي تعيين الوظيفة في مقام العمل الذي هو موجب للأمن من العقاب. وحيث انّ الملتفت الى الاحكام والتكاليف يحتمل العقاب وجدانا فيلزمه العقل بتحصيل مؤمّن منه ، وطريقه منحصر بالبحث عن مسائل الفن ، فيجب الاهتمام بها ، ولكن البحث عنها منحصر بالمجتهد فيجب عليه تنقيحها وتعيين الوظيفة في مقام العمل لنفسه ولمقلديه للأمن منه. والتحقيق في فساد القولين هو خروج مبحث الامارات بناء على مذهب المشهور واضح ، لانّ البحث فيها يكون عن الدليلية ، وهو بحث عن ثبوت الموضوع بعنوان مفاد كان التامة وهل البسيطة ، لا عن عوارض الموضوع فتدخل في المبادئ التصديقية التي هي واسطة لثبوت المحمول للموضوع. وخروج بحث التعادل والتراجيح على ما هو المصطلح عندهم من انّ البحث فيهما عن حجيّة احد الخبرين المتعارضين تعيينا أو تخييرا.

والحال انّ الخبر لا يكون احد الادلّة اذ هو حاك عن السنة ، وخروج بحث الاستلزامات العقلية كمسألة اجتماع الامر والنهي مثلا ، اذ البحث فيها عن استحالته عقلا أو امكانه عقلا ولا يكونان من عوارض الادلّة ، وخروج مسألة حجيّة الخبر الواحد اذ البحث فيها عن عوارض الخبر الواحد لا السنة ، وخروج مسألة الاصول العملية العقلية والشرعية ، وخروج مباحث الالفاظ لانّ البحث فيها لا يكون من عوارض الادلّة الاربعة فكلّها تدخل في المبادئ وتخرج عن المسائل وهو كما ترى فلا يكون الفرق بين مسلك المشهور وقول صاحب الفصول قدس‌سره الّا في مسألتين

١٢

احداهما حجيّة ظاهر الكتاب العزيز ، وثانيهما حجيّة العقل ، فانّهما لا يكونان من مسائل الفن على قول المشهور ، اذ دليليتهما اول الكلام ، ويكونان منها على قول (الفصول) لانهما من الادلّة الاربعة.

ومن هنا التجأ الشيخ الانصاري قدس‌سره ـ مؤيد القول المشهور ـ الى ارجاع البحث عن حجيّة خبر الواحد الى البحث عن عوارض السنة بهذا القسم وهو أتثبت السنة به أم لا؟ والثبوت وعدمه من عوارضها وبهذا تدخل في المسائل.

قال صاحب (الكفاية) قدس‌سره : هذا غير مفيد ، لانه ان كان المراد من الثبوت هو الواقعي منه فهو لا يكون من العوارض اذ هو عبارة عن وجود الشيء وهو مفاد كان التامة لا الناقصة ، وان كان المقصود الثبوت التعبدي الذي هو عبارة عن اعطاء الشارع عنوان الطريقية والكاشفية للخبر وجعله علما بعد ما لم يكن كذلك فهو ، وان كان مفاد كان الناقصة ، الّا انه من عوارض الخبر الواحد لا من عوارض السنة ، سواء كانت حجيّة الخبر الواحد عبارة عن انشاء الحكم الظاهري على طبق الخبر أم كانت عبارة عن المنجّزية والمعذّرية فقط.

البحث عن العوارض :

قوله : عن عوارضه وهي جمع العارضة أو العارض لان الفواعل جمع الفاعلة أو الفاعل التي هي كل الخارج عن حقيقة الشيء المحمول عليه ، فيشمل العرضي الذي ينقسم الى الخاص والعام ، الفرق بينه والعرض انّه يحمل على الشيء والعرض لا يحمل عليه ، فذاك مثل الابيض وهذا مثل البياض كما قال الحكيم السبزواري :

وعرضي الشيء غير العرض

ذا كالبياض ذاك مثل الابيض

وهو قسمان ذاتي وغريب :

الذاتي على ثلاثة انواع :

الاول : ما يعرض لمعروض عليه اولا وبلا واسطة شيء كالتعجب للانسان من حيث هو انسان ، فان قيل انه يعرضه بواسطة ادراك الأمر الغريب قلنا ان للتعجب

١٣

معنيين احدهما هو ادراك الشيء الغريب. وثانيهما : قبول نفس وانفعاله لهذه الكيفية ، والمقصود هو الاول ، وهو يعرض له بلا واسطة شيء.

الثاني : ما يعرض الشيء بواسطة المساوي الداخلي كالتكلم للانسان بواسطة النطق.

الثالث : ما يعرضه بواسطة المساوي الخارجي كالضحك للانسان بواسطة التعجب ، فالناطق يكون مساويا مع الانسان في المصداق ، وهو داخل في حقيقة الانسان ، والمتعجب يكون مساويا مع الانسان في المصداق أيضا ، ولكن هو خارج عن حقيقته وماهيته ، فهذه ذاتية بالاتفاق.

واما الغريب فهو ثلاثة ايضا :

الاول : ما يعرضه لامر خارج اعم كالتحيّز للابيض بواسطة الجسم ، وهو الاعم المطلق من الابيض.

الثاني : ما يعرضه لامر خارج اخص كالضحك للحيوان بواسطة الانسان ، وهو الاخص المطلق من الحيوان.

الثالث : ما يعرضه لامر خارج مباين كالحرارة للماء للنار ، وهو مباين مع الماء. فهذه غريبة بالاتفاق ايضا ، وواحد مختلف فيه وهو ما يعرضه بواسطة الجزء الاعم كالحركة للانسان بواسطة الحيوان. قال المتقدمون انّه من الغريب وقال المتأخرون انّه من الذاتي.

ولا يخفى ان جزء الشيء إما أن يكون اعم منه كالحيوان بالاضافة الى الانسان ، واما أن يكون مساويا معه كالناطق بالاضافة اليه ولا يكون جزء الشيء اخص منه.

اقسام الواسطة :

قوله : اي بلا واسطة في العروض اعلم انّ الواسطة تكون ثلاثة انواع :

الاول : الواسطة في الثبوت التي ينسب فيها العرض بذي الواسطة حقيقة

١٤

وبالواسطة مجازا كصيرورة وجه الانسان اسود بواسطة الشمس ، فاسناد الاسود الى الشمس يكون مجازا والى ذي الواسطة وهو وجه الانسان حقيقة.

والثاني : الواسطة في الاثبات يحصل من العلم به العلم بشيء آخر كما يحصل من العلم بحرارة جسم زيد العلم بتعفّن اخلاطه.

والثالث : الواسطة في العروض التي ينسب فيها العرض الى الواسطة حقيقة كالسفينة ، والى ذي الواسطة مجازا كالجالس فيها ، فحمل الحركة عليها على ما هو له وحمل الحركة عليه ـ أي على الجالس ـ على غير من هو له ، والمقصود هو الثالث في هذا المقام.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انّه لو جعلنا مناط العرض الذاتي امرا مساويا سواء كان داخليا أو خارجيا بناء على اتحاد موضوع العلم مع موضوعات مسائله عينا ، يلزم خروج جميع المسائل عن كونها مسائل العلم لانّ الاحكام في علم الفقه تعرض على موضوعاتها بواسطة الأمر الاعم الخارجي ، وهو المصالح الواقعية والمفاسد الواقعية اللتان توجبان للتشريع ، وكذا الامر في مسألة حجيّة الخبر الواحد (في مسألة الخبر الواحد) التي تعرض الخبر بواسطة الأمر المباين وهو جعل الشارع اياه طريقا الى الواقع ، وكذا يخرج نحو الفاعل مرفوع والمفعول منصوب عن مسائل علم النحو لانّ الرفع والنصب يعرضان عليهما بواسطة الأمر الخارج الاخص من موضوعه وهو الكلمة ، اذ عنوان الفاعلية والمفعولية اخص منها وخارج عن حقيقتها ، فلذا جعل مناط العرض الذاتي عدم الواسطة في العروض حتى لا تخرج الامور المذكورة عنها ، لان الاحكام في علم الفقه تعرض على موضوعاتها بلا واسطة في العروض ، وكذا سائر العلوم ، اي عن مسائل العلم.

الامر الثاني : في المسائل ، وهي القضايا التي يختلف موضوعها ومحمولها والأدلة التي تدل على ثبوته له فهي مبادئ تصديقية ، ولذا تكون الاحكام احدى مداليل الأدلة ، وتصور الموضوع واجزائه وجزئياته يسمى بالمبادئ التصورية.

فاجزاء العلوم ثلاثة : الموضوع والمسائل والمبادئ. مثلا : موضوع علم الفقه

١٥

هو افعال المكلف من حيث الصحة والاقتضاء والتخيير ، ومسائله هي القضايا الكثيرة. والمبادئ التصديقية منه هي ادلته التي تستنبط منها الاحكام ، والمبادئ التصورية هي تصور الموضوع ، نحو تصور الصلاة لانها احدى صغريات موضوع علم الفقه الذي هو افعال المكلفين ، وتصور اجزائه كتصور الركوع والسجود ، وتصور جزئياته كتصور اليومية والآيات.

بما ذا يتمايز العلم؟

الامر الثالث : في تمايز العلوم ، قال الجمهور : إن تمايز العلوم هو بتمايز الموضوع. وقال بعض : هو بتمايز المحمول وقال المصنف هو بتمايز الغرض وهو الصواب. والاوّلان فاسدان ، اذ بناء على اتحاد موضوع العلم مع موضوعات مسائله يلزم ان يكون كل باب ، بل كل مسألة ، علما مستقلا لاختلاف الموضوع والمحمول وهو كما ترى. فالحق هو تمايز العلوم بالاغراض كما انّ الحق هو اتحاد موضوع العلم مع موضوعات مسائله عينا وان كان يغايرها مفهوما. خلافا للمنطق حيث يقول انّ موضوع المسألة اما عين موضوع العلم نحو كل جسم فله شكل طبيعي والجسم هو موضوع علم الحكمة ، أو كان نوعا منه نحو الاسم اما معرب أو مبني والاسم نوع من الكلمة ، والكلمة هي موضوع علم النحو. أو كان عرضا ذاتيا له نحو كل متحرك فله ميل ، والحركة عرض ذاتي للجسم الذي هو موضوع الحكمة ، وهذا فاسد منشؤه تحديد الموضوع وتعيينه. واما ان قلنا بانّه كلي متحد مع موضوعات المسائل فهذه الأمور تكون من افراده. فتمايز العلوم بتمايز الغرض الذي هو موجب للتدوين. والقدر المشترك بين المسائل اشتراكها في الغرض.

واستدلّ المصنّف على مذهبه بوجهين :

الاول : تحسين العقلاء تدوين العلوم لاغراض ، وان كانت مسائلها متحدة من حيث الموضوع ، كمسائل الصرف والنحو ، كما يقال : الكلمة اما ثلاثي أو رباعي ، واما معرب أو مبني ، فهذه مسألة ، وهي باعتبار الاول من الصرف ، وبلحاظ الثاني من

١٦

النحو ، ولكن تعدد الغرض يوجب تعددهما ، اذ الغرض من تدوين التصريف هو حفظ اللسان عن الخطإ في ذات الكلمة ، والغرض من النحو هو حفظ اللسان عن الخطإ في اوصاف الكلمة من حيث الاعراب والبناء.

فمثلا : الغرض من علم التصريف معرفة ذات اللفظ العربي من حيث كونه مفتوح العين أو مضمومها او مكسورها ، ومن حيث كونه ثلاثيا أو رباعيا ، مبنيا للمعلوم ، او مبنيا للمجهول ، ماضيا أو مضارعا. فهذه اوصاف ذات الكلمة تعرض عليها قبل تمامها.

والغرض من علم النحو معرفة اوصاف الكلمة بعد تمامها من حيث كونها معربة أو مبنية ، مرفوعة أو منصوبة او مجرورة. فهذه الاوصاف تعرض عليها بعد تمامها.

الثاني : تقبيح العقلاء تدوين علمين مع وحدة الغرض وان كان موضوع المسائل ومحمولها متعددين كعلم الاصول مثلا ، اذ الغرض فيه واحد مع اختلاف موضوع مسائله وكذا محمولها ، فاذا قلنا : انّ تمايز العلوم بتمايز الغرض ، يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل الذي كان له دخل في الغرضين ، فيصير من مسائل العلمين ، وذلك نحو الامر حقيقة في الوجوب وهو مسألة لغوية اذ وظيفة اهل اللغة تعيين معاني الكلمات والالفاظ. وهو مسألة اصولية لانّه يقع في طريق الاستنباط فتداخلا فيها. وتداخل علمين في جميع المسائل ، فيما كان الغرضان متلازمين هو صرف الفرض. وعلى تحقق هذا الامر لا يحسن تدوين علمين وتسميتها باسمين بل تدوين علم واحد وتسميته باسم واحد. اما بخلاف التداخل في بعض المسائل فانّ حسن تدوين علمين مشتركين في مسألة أو ازيد لاجل الغرضين لا يكاد يخفى ، كعلم الكلام ، وعلم الفقه الذين هما شريكان في مسألة التجري ، ولكن الغرض من الاول معرفة المبدإ والمعاد ، ومن الثاني معرفة الاحكام فلذا دون العلمان.

١٧

الوضع

الامر الرابع : في الوضع : الذي هو ارتباط خاص بين اللفظ والمعنى وهو ناشئ من تخصيص اللفظ بالمعنى تارة كما في الوضع التعييني ، ومن كثرة استعماله فيه اخرى كما في الوضع التعيّني. فاصبح الوضع قسمين تعيينيا وتعيّنيا.

ولما كان الوضع من الانشائي الذي يتقوم باللحاظ فلا بد من ان يلاحظ اللفظ والمعنى. والمعنى اما كلي واما جزئي.

وعلى الاول ، اما ان يوضع اللفظ للكلي ، واما لمصاديقه ، ويسمى الاول (وهو وضع اللفظ للمعنى الكلي) بالوضع العام والموضوع له العام كأسماء الاجناس. والثاني (وهو وضع اللفظ لمصاديق الكلي) بالوضع العام والموضوع له الخاص.

وعلى الثاني اما ان يوضع للجزئي واما الكلي الذي هو قدر جامع بين الجزئيات. ويسمى الاول بالوضع الخاص والموضوع له الخاص كالاعلام ، والثاني بالوضع الخاص والموضوع له العام. فصارت اقسام الوضع اربعة عقلا.

ولكن الرابع (اي الوضع الخاص والموضوع له العام) غير ممكن لانّ الخاص لا يكون مرآة للعام ولا وجها له. ولا بد من تصور المعنى اما تفصيلا واما اجمالا ، فالخاص بما هو هو لا يكون وجها للعام وآلة للحاظه ، اذ الخاص ماهية بشرط شيء والعام ماهية لا بشرط القسمي ، وبينهما بون بعيد (مانع من اتحادهما). وعن كونه وجها له لا سيّما اذا كان حقيقيا لانّه يلحظ مع تشخّصه والعام مع كليته وهما متباينان والمباين لا يكون وجها للمباين الآخر.

فلذا لا يمكن احتمال الرابع. نعم اذا تصورنا جزئيا بحقيقته فهو يستلزم تصور العام اجمالا ، مثلا : اذا تصورنا زيدا بانه انسان فقد تصورنا الحيوان في ضمن

١٨

الانسان اجمالا ، وهو كاف في مقام الوضع. ولكن تصوره كذلك غير لازم بل تصوره ـ اي تصور المعنى) بوجه ما يكفينا في الوضع ، ففي الرابع لا يتصور المعنى لا بنفسه ولا بوجهه. فالفرق واضح بين تصور الشيء بنفسه وبين تصور الشيء بوجهه ، اذ الاول تفصيلي ، والثاني اجمالي ، في صورة كون العام وجها للخاص وليس الخاص وجها للعام ، لانّ العام ينطبق على ما يباينه من افراده ، فالممكن يكون ثلاثة والممتنع واحدا.

اذا عرفت هذا فلا اشكال لنقل الاقوال في وضع الحروف ، قال الاسترابادي قدس‌سره : انّه لا معنى له اصلا بل هي علامة على خصوصية المعنى في مدخوله ، وكون معناه من نقطة او على نقطة او في نقطة ك (من) و (على) و (في) فهي كالاعراب من الرفع والنصب والجر ، كما انّ الرفع علامة كون المرفوع فاعلا أو مبتدأ ، والنصب علامة كون المنصوب مفعولا أو حالا ، وكذا ال (من) و (الى) علامتان لكون مدخولهما مبتدأ منه ومنتهى اليه ، وال (في) علامة كون مدخوله ظرفا لما قبله.

وفيه انّه خلاف اتفاق النحاة على انّ الكلمة امّا اسم وامّا فعل وامّا حرف ، فلو لم يكن للحرف معنى يلزم ان تكون قسمين لانها لفظ موضوع لمعنى وهو كما ترى هذا اوّلا.

وثانيا : يلزم التجوز في موارد استعمال الحرف ، لانّ مفهوم لفظ (الدار) في مثل (زيد في الدار) هو البناء الجوهري المتعارف لا الظرفية.

تحقيق الوضع في المعنى الحرفي :

وكذا (السطح) في قولنا (زيد على السطح) لفوق السقف لا الاستعلاء. هذا مضافا الى انّ علائم الاعراب موضوعة للمعنى ، اذ الرفع دال على فاعلية (زيد) في (قام زيد) أو على مبتدئيته في (زيد قام). والنصب يدل على مفعوليته في نحو (ضربت زيدا) ، فكذا الحرف وضع لمعنى. واما اذا قلنا انّ النسبة الكلامية تدل على فاعلية زيد على نحو الصدور في نحو (قام زيد) ، أو على نحو الحلول في نحو (مات

١٩

زيد) ، أو على مفعوليته على نحو الوقوع في نحو (ضربت زيدا) ، أو على نحو الملابسة في المضاف اليه نحو (غلام زيد) فكان تشبيه الحرف بالاعراب في محله اذ لا معنى حينئذ للاعراب.

وقال شريف السادات وجماعة انّ الوضع فيها عام والموضوع له خاص كما انّ المستعمل فيه خاص ايضا. وقال التفتازاني انّ الوضع والموضوع له فيها عامان والمستعمل فيه خاص. وقال المصنّف انّ الوضع والموضوع له عامان كما انّ المستعمل فيه عام ولا يكون خاصا لانّ الخصوصية ان كانت موجبة لكون المعنى الحرفي جزئيا ، فكثيرا ما لا يكون جزئيا بل كليا كوقوعه عقيب أمر أو نهي نحو (سر من النجف الى قم) لانّ العبد اذا ابتدأ السير من اية نقطة من نقاط النجف ، وختمه باية نقطة من نقاط قم فقد امتثل الامر واستحق المدح. وكذا في النهي نحو (لا تسر من قزوين الى طهران).

فلذا قال صاحب الحاشية ، وهو الشيخ محمد تقي رحمه‌الله ، على (المعالم) انّ الموضوع له خاص وجعل المستعمل فيه جزئيا اضافيا ، لانّ السير والمرور لا يتحققان الّا من نقطة معيّنة أو على نقطة خاصة ، فالنقطة الخاصة جزئي بالاضافة الى النقطة الكلية. وفيه انّ مناط الكلي الذي هو صدق على الكثير موجود فيه ، اذ الجزئي الاضافي قد يكون كليا ، لانّه يقال على اخص من شيء كالانسان بالنسبة الى الحيوان ، فلذا كانت النسبة بينه وبين الحقيقي عموما مطلقا ، وان كانت في الموضوع له أو في المستعمل فيه على الرأيين موجبة ، لكون المعنى جزئيا ذهنيا اذا لوحظ آليا ، اذ المعنى الحرفي يحتاج ، من حيث التصور الذهني ، الى المدخول ، كما يحتاج اليه في مقام الاستعمال خارجا ولذا قيل في تعريف الحرف بانّه ما دلّ على معنى في غيره ، اي بواسطة غيره.

فالحرف مثل العرض ، لكن المعنى الحرفي يفتقر الى الغير ذهنا وخارجا ، والعرض يفتقر الى الموضوع خارجا لا ذهنا. ولذا قيل في تعريف العرض (ما اذا وجد في الخارج وجد في الموضوع).

٢٠