عون الحنّان في شرح الأمثال في القرآن

الشيخ علي أحمد عبد العال الطهطاوي

عون الحنّان في شرح الأمثال في القرآن

المؤلف:

الشيخ علي أحمد عبد العال الطهطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-4571-1
الصفحات: ٢٨٨

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ١٠٢].

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء : ١].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب : ٧٠ ، ٧١].

أما بعد :

أذكرك ونفسى عزيزى القارئ بقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». متفق عليه.

٢ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ آية الكرسى دبر ـ بعد ـ كل صلاة مكتوبة ، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» (١).

٣ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه» (٢).

٤ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) عدلت له بربع القرآن ، ومن قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) عدلت له بثلث القرآن» (٣).

__________________

(١) صحيح الجامع برقم ٦٤٦٤.

(٢) صحيح الجامع برقم ٦٤٦٥.

(٣) صحيح الجامع برقم ٦٤٦٦.

٣

٥ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ومن قرأ القرآن فليسأل الله به ، فإنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس» (١).

٦ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ومن قرأ بمائة آية فى ليلة كتب له قنوت ليلة» (٢).

٧ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول : (الم) حرف ، ولكن : ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف»(٣).

٨ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة (٤) أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» (٥).

٩ ـ من قرأ سورة «الكهف» فى يوم الجمعة ، أضاء له من النور ما بين الجمعتين (٦).

٩ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) عشر مرات بنى الله له بيتا فى الجنة» (٧).

١٠ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ومن قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فكأنما قرأ ثلث القرآن» (٨).

١١ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرءوا سورة البقرة فى بيوتكم (٩) ، فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة» (١٠).

أيها القارئ الكريم هل ما زلت معى ، كل الأحاديث التى سبقت لم يقل فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرءوا ثم هبوا هذه القراءة للأموات ؛ لأن القرآن منا لا يصل للميت ، والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) صحيح الجامع برقم ٦٤٦٧.

(٢) صحيح الجامع برقم ٦٤٦٨.

(٣) صحيح الجامع برقم ٦٤٦٩.

(٤) قال : يوم الجمعة ولم يقول من يوم الجمعة ولم يقول قبل أذان الجمعة ، وقال : من قرأ ولم يقول : من سمع أى أن الثواب لمن يقرأها والقراءة لها شروط : فى السر ولا يشوش على أحد ، أما قراءة القرآن فى مكبرات الصوت فى المساجد قبل آذان الجمعة فبدعة وضلالة وفى النار ، لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن له مقرئ يقرأ القرآن قبل أذان الجمعة ، فعلى أهل الضلال إن يتقوا الله ويتوبوا إليه.

(٥) صحيح الجامع برقم ٦٤٧١.

(٦) صحيح الجامع برقم ٦٤٧٠.

(٧) صحيح الجامع برقم ٦٤٧٢.

(٨) صحيح الجامع برقم ٦٤٧٣.

(٩) قال : فى بيوتكم ولم يقول فى المقابر والأموات ، يا أهل البدع والضلال يا ويلكم من الله تعالى.

(١٠) صحيح الجامع برقم ١١٧٠.

٤

لم يقرأ قرآنا للأموات أبدا (وأتحدى) أى مجرم على وجه الأرض أن يثبت لى بحديث صحيح من البخارى ومسلم : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ قرآنا ووهبه للأموات ، وعلى كل ضال مبتدع أن يضع لسانه فى فمه قبل أن يكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالويل كل الويل للسادة العلماء إذا لم يستيقظوا من ثباتهم ، ويبينوا للناس أن القرآن شريعة ودستور وقانون.

من أجل ذلك عزيزى القارئ الفاضل أقدم لك كتابنا هذا «عون الحنّان فى شرح الأمثال فى القرآن».

وجعلته فى ثلاثة فصول :

الفصل الأول ويشمل : التمهيد.

الفصل الثانى ويشمل : إلزام القرآن للماديين والمليين.

الفصل الثالث ويشمل : الأمثال فى القرآن الكريم.

واسمح لى عزيزى القارئ أن أحكى لك بعض المهازل والسفالات :

١ ـ رحل مجرم يدّعى أنه يعرف البخت والخط ويكشف السارق؟!! يأتى بمصحف كبير الحجم ويفتح عند سورة يس ، ويضع مفتاح كبير ثم يكتف المصحف بخيط ، ثم يضع المفتاح فى طرف سبابته ، ثم يأمر أحد الناس بوضع الجانب الثانى للمفتاح فى طرف سبابته وبذلك يكون المصحف معلق بين إصبعى الحمارين البهيمين السافلين ثم يقول الشيخ للمصحف ـ على مشهد من الجاموس والبقر : أيها المصحف إذا كان فلان الفلانى هو السارق فعليك بالدوران لليمين ، وإذا لم يكون هو السارق فعليك بالدوران إلى اليسار.

٢ ـ شيخ ـ مجرم سفيه ضال مضل ـ يقوم بعمل (عدّية) يس ، وهذه هى الطريقة:

يحضر طشت ملئ بالماء ويضع على الماء (ماء ورد) ثم يأتى بلبنه (قالب طوب) أحمر ويشترط أن لا يكون سبق استعماله قبل ذلك ، ثم يضعه فى الطشت ، ثم يأتى بقماش بفته أبيض ويضع اللبنة فى القماش ، ثم يضعه مرة ثانية فى الماء ثم يقرأ سورة (يس) أربعون مرة ، ثم ينادى على صاحب المنزل ـ المسروق ـ ويقول له : خذ ادفن هذا الميت ـ ويشير على قالب الطوب ـ ادفنه ليلا ، وقبل طلوع الشمس فإن السارق سوف يدفن مثل هذا؟

٥

كنت أنا حاضرا على سبيل معرفة ما يجرى فى مصر من ضلال ـ فسألته عن ذلك فقال : إحنا غسّلنا قالب الطوب وكفّناه ودفنّاه ، فإن السارق سوف يلحق به؟!!

انظر عزيزى القارئ إلى هذه السفالات والضلالات ، كل الدول تتقدم للأمام ونحن نتقهقر للخلف ونباهى الأمم أننا حضارة سبعة آلاف سنة ، فلسطين محتله وتضرب بجميع أنواع الأسلحة الحديثة والعراق كذلك. ونحن ما زلنا فى سفالات ، فهل من مدكر؟ فهل من عالم يتقى الله تعالى وينصح الأمة ويكشف الغمة؟

أين علمائك يا مصر؟!!

أيها العلماء أفيقوا : يا من توجهون بالريموت كنترول أفيقوا!

يا علماء العصر يا ملح البلد

كيف يصلح الملح إذا الملح فسد؟

والله إنى أحبكم ، وحبى لكم جعلنى أخاف عليكم من يوم التناد ، ويوم الوقوف بين يدى الله تعالى ، وتسألوا «وعن علمه ما ذا عمل به»؟

عزيزى القارئ اقرأ وتدبر ولله الحمد المنة.

الشيخ / على أحمد عبد العال الطهطاوى

رئيس جمعية أهل القرآن والسنة

٦

الفصل الأول

التمهيد

القرآن الكريم

وظيفته الأصلية ، وكيف يتخذه المسلمون(١)

يقولون : إذا كان الحى ينتفع بالقرآن فى حياته الدنيوية ، فإن الميت كذلك لا يحرم من الانتفاع بالقرآن فى مماته ، بدليل قوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ٨٢] ، فمثلا إذا قرأ إنسان الفاتحة أو آية من سور القرآن على روح ميت له ، فهذا جائز ، والميت ينتفع به كانتفاع الحى تماما.

كما يوردون حديثا نسبوه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يدعون أنه يقول فيه : «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» ، ويتخذون هذا دليلا لعمل الأحجبة والأدوية لشفاء المرضى ، ودليلا على جواز قراءة القرآن على الأموات.

ونرد عليهم ، فنقول : إن الله تعالى أنزل القرآن للأحياء ، ليتخذوه هاديا لهم يهديهم إلى سعادة الدنيا وفلاح الآخرة إن هم آمنوا به ، أو ليكون حجة عليهم إن هم ظلوا على باطلهم ، كما يقول المولى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) [يس : ٧٠] ، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥] ، (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) [الأنعام : ١٩].

وقد أخطأ الناس فهم العبارة التى جاءت بالآية الكريمة (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ٨٢] ، فظنوا أو أفهمهم الشيوخ أن الرحمة هنا هى للموتى ، كما أفهمهم تجار الأحجبة أن عبارة (شِفاءٌ لِلنَّاسِ) [النحل : ٦٩] فى الآية هى خاصة بشفاء أمراض الأجسام ، ولكن هذا التفسير للآية تحريف لمعناها ، وإخراج لها عن مواضعها ، فإن الرحمة والشفاء فى الآية هى للمؤمنين الأحياء.

وفى آية أخرى يقول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧] ، ويقول الشيخ محمد رشيد رضا فى تفسير المنار فى تفسيره لهذه الآية : أى قد جاءكم كتاب جامع لكل ما

__________________

(١) كتاب صراع بين الحق والباطل ، وكتابنا الإبداعات فى مضار الابتداعات.

٧

تحتاجون إليه من موعظة حسنة لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم الظاهرة ، وحكمة بالغة لإصلاح خفايا أنفسكم وشفاء أمراضها الباطنية ، وهداية واضحة للصراط المستقيم الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة ، ورحمة خاصة للمؤمنين يتراحمون بها فيما بينهم. فمن هذا التفسير نعرف أن الآية خاصة بالأحياء ، وليس للموتى نصيب فيها.

ثم نرد أن نسأل هؤلاء : هل الآيات التى تأمرنا بتأدية الصلاة والزكاة والصوم ، وتشرح لنا أصول مناسك الحج تنفع الميت بشيء؟ هل الآيات التى تبين لنا أحكام الوصية عند الموت ، والتى تبين لنا المباحات والمحرمات من النساء فى الزواج ، والتى تبين لنا أحكام الطلاق تفيد الميت بشيء؟ هل الآيات التى تتحدث عن عاقبة المفسدين والمنحرفين عن سبيل الله تفيد الميت بشيء؟

هل الآيات التى تبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة ، وتبين مكانهم من نعيم الله ، تفيد الميت بشيء؟ هل الآيات التى تخبرنا بقصص أقوام نوح ، وعاد ، وثمود ، وكفار قريش ، وهلاك أولئك الأقوام ، وجاءت تحذرنا من اتباع سبل الانحراف والغواية التى سلكها هؤلاء الأقوام حتى استحقوا غضب الله ولعنته مثلهم ، هل هذه الآيات تنفع الميت بشيء؟ هل الآيات التى تأمرنا بالإصلاح والتعاون والتآخى ، وتحثنا على الصبر والجهاد فى سبيل الله تنفع الميت بشيء؟

بالطبع كل هذه الآيات وما حملت إلينا من معان وأحكام وعظات وإنذار لا تنفع الميت بشيء ، ولو كتبت بماء الذهب على صحائف من ذهب وعلقت على قبر الميت.

معنى سورة الفاتحة : وسورة الفاتحة شأنها شأن سور القرآن ، لا تنفع الميت بشيء ، وإلى القارئ الدليل على هذا من كتب السنة :

روى مسلم ، عن أبى هريرة ، رضى الله عنه ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فصلاته خداج ، خداج ، خداج ، غير تام» ، فقيل لأبى هريرة : إنما نكون وراء الإمام ، فقال : اقرأ بها فى نفسك ، فإنى سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «قال الله تعالى : قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ، ولعبدى ما سأل ، فإذا قال العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال الله تعالى : حمدنى عبدى ، وإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال تعالى : أثنى علىّ عبدى ، وإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، قال الله تعالى : مجدنى عبدى ، وإذا قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، قال الله تعالى : هذه بينى وبين عبدى ، ولعبدى ما سأل ...» إلخ الحديث.

٨

ومن هذا الحديث نفهم أن الفاتحة هى مناجاة بين الله وبين عبده ، وليس للميت فيها شىء تفيده أو تضره.

الميت لا ينفعه إلا عمله : أما الذى يفيد الميت وينفعه ، هو أعماله وسعيه فى الدنيا ، وذلك كما يقول المولى جل شأنه : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) [النجم : ٣٩ ـ ٤١] ، (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر : ٣٨] ، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) [آل عمران : ٣٠] ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ، ٨].

فهذه كلها نصوص تشهد بأن الميت لن ينتفع إلا بعمله وسعيه فى الدنيا ؛ لأنها دار عمل ، وبموته انقطع عمله ، وليس له من عمل سوى ما بينه حديث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

سوء استعمال القرآن : ولقد أساء كثير من المسلمين استعمال آيات القرآن ، فهم يستأجرون المشايخ ليقرءونه فى المآتم ، وعلى قبور الموتى ؛ لجلب الرحمة والغفران لهم ، ويضعون القرآن فى بيوتهم فى مجلد فاخر ليحفظ البيت من العفاريت ، أو شبح الفقر ، أو ليدفع عن العائلة شر الحاسدين ، أو يعلقونه على أبواب المحلات التجارية أو الصناعية ، أو بسيارتهم بقصد جلب الرزق ودفع الكساد عنهم ، ويعلقونه فى شكل حجاب بجسم المريض ليشفيه ، أو بجسم طفل وحيد أبويه ليحفظه من المرض ، أو من عيون الحاسدين ، أو ليطيل عمره ؛ لأن من سبقوه من إخوته ماتوا أطفالا.

على هذا النحو السيئ يستعمل أكثر المسلمين آيات القرآن الكريم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، مع أن الإسلام ينكر هذه العادات الذميمة ، ويأمر بتركها ، كما جاء فى كثير من الأحاديث النبوية.

حديث : «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» : أما هذا الحديث ، فلا أصل له ، وهو مبتدع ، حتى أنه لم يرد له ذكر فى كتب المحققين الذين بينوا لنا الأحاديث الصحيحة والمكذوبة والموضوعة ، ويكفى هذا دليلا دامغا قويّا على أن هذا الكلام المنسوب لرسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابتدعه تجار القرآن ؛ ليكون لهم مورد رزق ومصدر عيش ؛ لأنهم وجدوا فى هذا العمل حياة سهلة وناعمة ، لا عمل فيها ، ولا جهد ، ولا عرق.

٩

انتفاع الموتى بقراءة القرآن (١)

يقرأ كثير من الناس القرآن ثم يهبه للميت ، فهل ينفعه ذلك؟

آيات وأحاديث : تعرف هذه المسألة بمسألة إهداء ثواب العبادة للموتى ، وقد اختلفت فيها آراء العلماء ، ومنشأ الاختلاف أنه وجد فى القرآن آيات تبين سنة الله فى الثواب والعقاب ، وفى تبديل السيئات بالحسنات ، ووجدت أحاديث صحيحة صريحة فى أن الوالدين ينتفعان بصدقة ولدهما ، أو صومه ، أو حجه عنهما ؛ فمن الآيات قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] ، وقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس : ٩ ، ١٠] ، وقوله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠] ، وقوله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) [النجم : ٣٣] ، فهذه الآيات ونحوها ظاهرة فى أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعيه وعمله الذى يزكى نفسه بالنية الطيبة والإخلاص لله.

أما الأحاديث التى وردت فى الموضوع ، فكلها تدور حول الجواب عن سؤال واحد ، هو : هل ينتفع أبى وأمى إذا صمت أو تصدقت أو حججت عنهما؟ وكان الجواب : نعم ينفعه ذلك.

اختلاف العلماء :

وأمام هذه الآيات وتلك الأحاديث اختلفت آراء العلماء ، فرأى فريق أن الآيات مقدمة فى العمل على الأحاديث ، والأحاديث ليس لها قوة الحكم على الآيات ، وبذلك قرروا أن الإنسان لا ينتفع بعمل غيره أيّا كان ذلك العمل ، وكيفما كان ذلك الغير.

ورأى فريق آخر أن الأحاديث صريحة فى انتفاع الوالدين بصدقة ولدهما أو حجه أو صومه عنهما ، ثم قالوا : لا فرق بين الولد وغيره ، وبذلك قرروا أن الإنسان ينتفع بعد موته بعمل غيره متى أهدى ثوابه إليه ، وإن لم يكن من ولده ، وقالوا : إن الثواب ملك للعامل ، فله أن يتبرع به ويهديه إلى أخيه المسلم ، ثم خرج هؤلاء الآيات تخريجا أوهن من موقفهم أمام المانعين ، وكذلك كان موقفهم فى قياس غير الولد الذى لم يرد به نص ، على الولد الذى ورد به نص مع وجود الفارق بينهما.

أما الدعاء فهو عبادة مستقلة ، ثوابها للداعى فقط ، والمدعو له إنما ينتفع بالاستجابة إذا حصلت ، والاستجابة ليست أثرا لإهداء الداعى ثواب دعائه للميت ، وإنما هى شأن

__________________

(١) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت.

١٠

خاص بالله للأحياء والأموات ، أما القول بملكية الثواب للعامل ، فواضح أنه ليس ملكا بالمعنى المتعارف فى متاع الدنيا لصاحبه نقله وتحويله ، فهو توجيه فاسد ، وبهذا يتبين أن إطلاق القول بجواز إهداء ثواب العمل ، أيا كان من العامل وكيفما كان ، لا تنهض له حجة ، ولا يستقيم له دليل.

ولد الإنسان من سعيه : والرأى الذى أراه هو أن الآيات محكمة فى معناها ، وأنها من شرع الله العام الذى لا يختص بقوم دون قوم ، وأن الأحاديث الصحيحة التى أشرنا إليها خاصة بعمل الأبناء يهدون ثوابه للآباء ، وقد صح فى الحديث أن ولد الإنسان من سعيه ، وعمله من عمله ، وبذلك كان انتفاع الوالدين بعمل ولدهما ، وإهداء ثوابه إليهما مما تتناوله الآيات.

أما ما جرت به العادات من قراءة الأجانب القرآن ، وإهداء ثوابها للأموات ، والاستئجار على القراءة والحج ، وإسقاط الصلاة والصوم ، فكل ذلك ليس له مستند شرعى سليم ، وهو فوق ذلك يقوم على النيابة فى العبادات التى لم تشرع إلا لتهذيب النفوس ، وتبديل سيئاتها حسنات ، وهذا لا يكون إلا عن طريق العمل الشخصى ، كيف وقد صرح الجميع بأن ما اعتاده الناس من ذلك شىء حدث بعد عهد السلف ، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه عمل وأهدى لغير الوالدين ، مع ظهور رغبتهم فى عمل الخير ، ومحبتهم لإخوانهم الأحياء والأموات؟ والجدير بالمسلم أن يقف فى عبادته وفى شئون الثواب ومحو السيئات عند الحد الذى ورد ، فبحسنات الإنسان تذهب سيئاته ، وبتقواه تغفر ذنوبه ، ولا شأن للإنسان فى الثواب يحوله ، ولا فى السيئات يمحوها.

بدع حول القرآن (١)

فى أكثر من رسالة من الرسائل التى تلقيتها يسأل المواطنون من القراء عن حقيقة الأمر فى التداوى ببعض آيات القرآن الكريم أو الرقى بها ، كما يسألون أيضا عن رقية المريض ببعض العبارات الخاصة المعتادة ، وعن حكم الدين فى قراءة القرآن فى الطرقات العامة بقصد الارتزاق ، مما نراه ونشاهده فى كثير من المدن والقرى ، وما هو الرأى الصحيح فى قراءة القرآن على المقابر؟ وما الرأى فيما يذكر خاصا بفضل سور القرآن أو بعضها؟

__________________

(١) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت.

١١

تلك خلاصة جملة من الرسائل أعرب مرسلوها عن رغبتهم فى الإجابة على ما يسألون ، وهى كلها تدور حول هذا المعنى.

الغاية من إنزال القرآن (١)

ليس من شك فى أن القرآن أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لغرض هو أسمى الأغراض وأنبلها ، وهو هداية الناس إلى الحق عن طريقه ، وإخراجهم مما هم فيه من الظلمات إلى النور ، أنزله الله ليطهر القلوب من رجس الخضوع لغيره ، ويرشد الناس إلى العقائد الصحيحة ، وإلى العلوم النافعة ، وإلى الأخلاق الفاضلة التى تحفظهم وتحفظ المجتمع من مزالق الهوى والشهوة ، وأنزله أيضا ليرشد الناس إلى الأعمال الصالحة التى تسمو بالفرد والمجتمع إلى مكانة العزة والكرامة ، وقد أرشد القرآن نفسه إلى هذه الغاية أو الغايات فى كثير من الآيات ، فقال تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة : ١٥ ، ١٦] ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧].

وبذلك كان القرآن شافيا لأمراض القلب التى تفسد على الإنسان حياته ، وأمراض الصدور جهل بالحق ، وشبهة تضعف الإيمان ، وشهوة تغرى بالفساد ، وقد تضمن القرآن الكريم بنصوصه وإرشاداته ما يعالج البشرية من جهلها وشبهها وشهواتها.

ولم يختلف المسلمون الأولون فى هذه الحقيقة ، بل آمنوا بها وحددوا الغاية التى لأجلها نزل القرآن ، فأقبلوا على حفظه ودرسه ، يستخرجون نفائسه ، ويتعرفون أحكامه ، ثم أخذوا يعالجون به القلوب من رجس العقائد الباطلة ، والأخلاق الفاسدة ، ويدفعون به المجتمع إلى سبل الخير والفلاح.

ومن هذا نعلم ما كان للقرآن الكريم من أثر وتوجيه فى حياة المسلمين الأولين ، بيد أن المسلمين بعد ذلك ما لبثوا أن انحرفوا بالقرآن عما أنزل لأجله ، واستخدم لأغراض لا تمت بأوهى الأسباب إليه ، ولا هى مما ينبغى أن تستخدم أو تتخذ طريقا إليه.

انحراف بالقرآن عن وجهته : انحرف المسلمون المتأخرون بالقرآن الكريم إلى جهة

__________________

(١) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت.

١٢

أخرى لم يتجه بها أحد من المسلمين الأولين ، والسبب فى هذا الانحراف هو ما منى به العلماء من التعصب المذهبى ، إذ حملهم هذا على الاكتفاء بما وصل إلى أيديهم من ترك السابقين ، وقالوا : إن السابقين كفونا مئونة البحث فى آى الذكر الحكيم استنباطا لحكم شرعى ، أو تفسيرا لآية ، وجعلوا بينهم وبين النظر فى الكتاب حجابا كثيفا من التقليد والتعصب للمجتهدين السابقين ، اعتزازا بفضلهم ، وتابعهم المسلمون فى فهمهم ، واتجهوا بالقرآن الكريم وجهة أخرى ، حتى إننا نرى المسلمين اليوم ، إلا من عصمه الله وقليل ما هم ، هجروا القرآن الكريم ككتاب هداية وإرشاد ، وشاعت بينهم فكرة تقديسه من جهات أخرى هى :

جهة التداوى به من أمراض الأبدان ، وجهة استمطار الرحمة بقراءته على أرواح الموتى ، وجهة تسول الفقراء به واستغلال عاطفة الإيمان عن طريقه ، هذه البدع الثلاث ، أو المنكرات الثلاثة ، كانت أثرا لهجر المسلمين كتاب الله من الجهة التى أنزل لأجلها ، وكانت فى الوقت نفسه عنوانا سيئا على إيمان المسلمين من حيث لا يشعرون بمكانة تلك المعجزة الخالدة ، التى جعلها الله سبيلا لإنقاذ البشرية من الأوهام والخرافات ، وكانت مع هذا وذاك عنوانا على الجهل بنظام الأسباب والمسببات ، الذى نظم الله عليه العالم ، وهدى الناس إلى السير فى سبيله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠] ، يجعل الله القرآن سبيلا لإنقاذ البشرية من الأوهام والخرافات ، ويعكس نفر من المسلمين القضية ، فيجعلونه سبيلا من سبل الأوهام ، وعنوانا على الجهل بأسرار الله ونظام الله.

الدين والعقل لا يقران هذا الانحراف : وإن تعجب فعجب أن تكتب الآية القرآنية الحكيمة فى إناء ثم تمحى بالماء ، ثم يؤمر المريض بشربه ، أو تكتب قطع صغيرة من الورق ، ثم تلف كالبرشام ، ويؤمر المريض بابتلاعها ، أو تحرق تلك القطع ويبخر المريض بها على مرات ، أو توضع فى خرقة وتعلق حجابا فى مكان معين من جسم المريض ، وبهذا ونحوه اتخذ الدجالون القرآن الكريم وسيلة لكسب العيش من طريق يأباه الإيمان ، ويصدقه كثير من المسلمين.

وذلك فضلا عن أنه انحراف بالقرآن عما أنزل لأجله ، فإن فيه إفسادا للعقول الضعيفة ، وصرفا لأربابها عن طريق العلاج الصحيح ، وتغييرا لسنة الله فى الأسباب والمسببات ، واحتيالا على أكل أموال الناس بالباطل ، وهذا تصرف لا يقره دين ولا يرضى به عقل سليم ، فإذا تركنا هؤلاء الدجالين يعبثون فى القرى والمدن بالقرآن

١٣

وبالعقول الضعيفة على هذا النحو ، وسرت فى شوارع القاهرة أو غيرها من المدن ، فإنك ترى المتسولين وقد جلس أحدهم ، رجلا أو امرأة ، فى ملتقى الطرقات ، أو مواقف المواصلات ، أو على أبواب المساجد والأضرحة ، يقرأ القرآن ، باسطا كفه للغادين والرائحين بقصد التسول ، ترى هذا المنظر المفجع بين الأحياء ، فإذا ما ذهبت إلى المقابر رأيت ما هو أدهى وأمر ، رأيت الفقراء من حملة القرآن يتسابقون إلى المقبرة ، وقد اندسوا بين أفواج الزائرين والزائرات ، يساومونهم على مقدار ما يقرءون ، ومقدار ما يأخذون ثمنا لما يقرءون.

وفى هذه المشاهد كلها لا تسمع قرآنا ، وإنما تسمع هذرمة فى القراءة ، وإخلالا بواجبها ، وإخراجا للقرآن ذى الروعة والجمال إلى ذلك المنظر المزرى الذى يفزّز النفوس ، ويجرح الصدور ، ويبعده فى نظر السامعين عن أن يكون طريق الهداية والإرشاد من رب العالمين.

القرآن ودواء الأمراض البدنية : إن الأمراض البدنية قد خلق الله لها عقاقير طبية فيها خاصة الشفاء ، وأرشد إلى البحث عنها والتداوى بها ، وقد صح أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل على مريض يعوده ، فلما رآه طلب من أهله أن يرسلوا إلى طبيب ، فقال قائل : وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟ فقال عليه‌السلام : «نعم ، إن الله عزوجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء» ، فعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك إرشادا لأمته إلى أن التداوى من الأمراض البدنية من طريق الطب البشرى الذى يعرف الدواء ، أما القرآن فلم ينزله الله دواء لأمراض الأبدان ، وإنما أنزله كما قال : دواء لأمراض القلوب وشفاء لما فى الصدور.

وإذا كانت أمراض الأبدان أمراضا مادية ، وشفاؤها بأدوية مادية ، فأمراض القلوب أمراض معنوية ، وشفاؤها بأدوية معنوية ، والقرآن قد عالج مرض الجهل بالعلم ، ومرض الشبهة بالبرهان ، ومرض الشهوة بالحكمة ، وما التداوى فى الأمراض البدنية بالقرآن إلا كقراءة الختمات للنصر على الأعداء فى ميدان القتال ، وإلا كقراءة ما يسميه العامة عدية ياسين تحصيلا للرغبات ، كلاهما وضع للعلاج المعنوى مكان العلاج المادى ، وكلاهما قلب لنظام الله تعالى فى خلقه ، وعروج بالقرآن الكريم عما أنزل لأجله.

القراءة على الموتى (١) : أما استمطار الرحمة على الموتى ، فإنه لا يكون إلا بعمل مشروع ، كالدعاء ، والصدقة ، بشرط أن يكون خالصا لوجه الله الكريم ، أما ما لم يشرعه

__________________

(١) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت.

١٤

الله ولم يأذن به أو شرعه ، ولكن فعله الإنسان بأجر يأخذه من أخيه الإنسان ، فثوابه هو ذلك الأجر ، ولا ثواب له عند الله ، وإذا لم يكن للقراءة ثواب عند الله لا للقارئ ؛ لأنه أخذ أجره ممن استأجره ، ولا للمستاجر ؛ لأنه لم يقرأ شيئا ، فأى شىء يصل من هذه القراءة إلى الموتى؟ إن رحمة الله للموتى شأن من شئونه الغيبية استأثر بها ، ومنه وحده تعرف سبلها ، وقد بين تلك السبل فى كتابه الكريم ، وكل ما يفعله المرء من تلقاء نفسه فى هذا الشأن هجوم منه على الغيب وتقول على الله بغير علم ، وتحكم فيما لا يحكم فيه إلا الله.

التسول بالقرآن : وإذا كان التسول بالوضع الذى نراه اليوم يمقته فى ذاته الشرع والدين ، وتأباه الكرامة والخلق ، ولا ترضاه لنفسها أمة تريد المجد ، فما بالنا به إذا اتخذ القرآن الكريم وسيلة له ، واعتراض به المارة فى الطرقات ، والمصلين فى المساجد ، والراكبين فى السيارات والقطارات. علينا أن نبذل قصارى جهدنا فى صيانة كتاب الله عن الابتذال ، وأن نوجه الناس إلى جهة الانتفاع بالقرآن الكريم ، وإلى ما يحفظ كرامتنا بين الأمم عن طريق الأسباب التى وضعها سبيلا للمجد والكرامة.

فضل بعض السور : أما ما جاء عن فضل سور القرآن وتلاوتها ، من درجات الثواب التى يحصل عليها قارئ هذه السورة أو تلك ، مما رددته بعض كتب التفاسير ، فالواقع أنى فى قراءتى لهذه التفاسير انتهيت إلى أن ما جاء فى ذلك من أحاديث إنما قصد به التناسب بينها وبين ما احتوت عليه هذه السورة أو السور ، واعترانى شك من جهة أن سور القرآن البالغ عددها (١١٤) سورة ، كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتحدث عن كل سورة منها بما يناسبها ، والذى نعلمه أن الرسول ما كان يرتب الثواب على مجرد القراءة ، وإنما كان يرتبه على الإيمان والعمل الصالح.

والمسألة ليست مسألة مجرد قراءة فحسب ، ولعلك تدرى الحكمة القائلة : كم من قارئ يقرأ القرآن والقرآن يلعنه. وقد دفعنى ما وقعت فيه من شك أن أبحث عن أصل الأحاديث ، فوجدت أنها ترجع إلى أصل واحد ، وأن الذى تحث بها وتكلم بها رجل يسمى نوح ابن مريم ، وقد سئل فى هذا ، فقال : إنى وجدت الناس قد شغلوا بتاريخ ابن إسحاق ، وفقه أبى حنيفة عن القرآن ، فأحببت أن ألفتهم إلى القرآن ، فوضعت هذه الأحاديث ، حسبة لله.

الرّقية دعاء لا دواء : أما الرقى بالأدعية ، فإنها تفسر على نوع من الدعاء ، ولكنها لا تقبل على أنها دواء للمريض من الداء ، فللأدواء علاجها مما خلق الله من العقاقير.

١٥

بعد هذا البيان لا يسعنى إلا أن أدعو المسلمين إلى أن ينظروا للقرآن النظرة اللائقة بمكانته ، وأن يضعوه فى المرتبة السامية التى وضعه فيها المسلمون الأولون ، وأن يمحوا من أذهانهم أن آياته نزلت لدواء الأبدان ، أو لشفاء العلل ، وإنما هو هدى ورحمة وتشريع ، وتنوير للبصائر ، وسمو بالإنسانية ، وتقويض للشرك ، وهدم للباطل ، ونصرة للحق ، والله يهدينا سواء السبيل.

وجوب طاعة الله وطاعة رسوله ، ووعيد المخالفين

وطاعة الله فى اتباع كتابه ، وطاعة الرسول فى اتباع سنته ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩].

وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٤ ، ٦٥].

وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) [النساء : ١٣ ، ١٤].

وقال جل علاه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب : ٣٦].

وقال : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [الجن : ٢٣].

وقال : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [النساء : ١١٥].

وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [المجادلة : ٥].

١٦

وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) [المجادلة : ٢٠].

وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب : ٧١].

وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) [النور : ٥٢].

وقال : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور : ٥٤].

وقال : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح : ١٧].

وقال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [التغابن : ١٢].

وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٣].

وقال : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الحشر : ٧].

الأمر بتدبر وتفهم القرآن

(حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [فصلت : ١ ـ ٤].

وقال : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) [ص :٢٩]

وقال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١) [القمر : ١٧].

وقال : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) [المدثر : ٤٩ ، ٥١].

وقال : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ) [الجمعة : ٥].

__________________

(١) أى يسرنا لفظه ومعناه فهل من متذكر منزجر به.

١٧

وقال : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف : ١٧٩].

وقال لنبيه : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) (١) (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٢) [فصلت : ٤٤].

وقال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢].

وقال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ) (٣) (عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤].

وقال : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) (٤) (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً) (٥) (تَهْجُرُونَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) [المؤمنون : ٦٦ ـ ٦٨].

وعيد المعرضين عن القرآن

قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه : ١٢٤ ـ ١٢٦].

وقال : (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) [طه : ٩٩ ـ ١٠١].

وقال : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) (٦) (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦].

__________________

(١) الوقر : الثقل فى الأذن.

(٢) أى كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون منه ما يقوله لهم «كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون».

(٣) أم : بمعنى بل ، أى بل على قلوب أقفالها فهى مطبقة لا يصل إليها شىء من معانى.

(٤) النكوص : الإحجام عن الشيء والرجوع.

(٥) أى تسامرون ويقولون القول الفاحش فى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٦) الإعشاء : عدم الإبصار بالنهار.

١٨

وقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) [الكهف : ٥٧].

وقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة : ٢٢].

وقال : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) [الجن : ١٧].

فضائل قراءة القرآن وفضائل بعض سوره وآياته

عن أبى أمامة ، رضى الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «اقرءوا القرآن ، فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه» رواه مسلم ، رحمه‌الله.

وعن النواس بن سمعان ، رضى الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به فى الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» رواه مسلم.

وعن عثمان بن عفان ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخارى.

وعن عائشة ، رضى الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة (١) الكرام البررة ، والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» متفق عليه.

وعن أبى موسى الأشعرى ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «مثل المؤمن الذى يقرأ القرآن مثل الأترجة (٢) ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذى لا يقرأ القرآن كمثل الثمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذى يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذى لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر» متفق عليه.

وعن عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه ، أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما وو يضع به آخرين» رواه مسلم.

__________________

(١) السفرة الملائكة ، والبررة أى أخلاقهم حسنة وأفعالهم بارة.

(٢) الأترجة : فاكهة.

١٩

وعن ابن عمر ، رضى الله عنه ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا حسد إلا فى اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء (١) الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» متفق عليه.

وعن البراء بن عازب ، رضى الله عنه ، قال : كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوطة بشطنين (٢) فتغشته سحابة ، فجعلت تدنو ، وجعل فرسه ينفر منها ، فلما أصبح أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر له ذلك ، فقال : «تلك السكينة تنزلت للقرآن» متفق عليه.

وعن ابن مسعود ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشرة أمثالها ، لا أقول : الم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف» رواه الترمذى ، وقال : حديث حسن صحيح.

وعن ابن عباس ، رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن الذى ليس فى جوفه شىء من القرآن كالبيت الخرب» رواه الترمذى ، وقال : حديث حسن صحيح.

وعن عمرو بن العاص ، رضى الله عنه ، عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «يقال لصاحب القرآن :

اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أبو داود والترمذى ، وقال : حسن صحيح.

وعن أبى سعيد رافع بن المعلى ، رضى الله عنه ، قال : قال لى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أعلمك أعظم سورة فى القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟» ، فأخذ بيدى ، فلما أراد أن يخرج قلت : يا رسول الله ، إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة فى القرآن ، قال : «الحمد لله رب العالمين هى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى أوتيته» رواه البخارى ، رحمه‌الله.

وعن أبى سعيد الخدرى ، رضى الله عنه ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فى قراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) : «والذى نفسى بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن». وفى رواية أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : «أيعجز أحدكم أن يقرأ بثلث القرآن فى ليلة؟» ، فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال : «(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ثلث القرآن» رواه البخارى.

وعنه أن رجلا سمع رجلا يقرأ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يرددها ، فلما أصبح جاء إلى رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذى نفسى

__________________

(١) آناء : ساعات.

(٢) الشطن : الحبل.

٢٠