تحرير الأصول - ج ١

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني

تحرير الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ مرتضى النجفي المظاهري الإصبهاني


المحقق: حمزة حمزوي
الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦

بسم الله الرحمن الرحيم

سازمان حج واوقاف وامور خیریه در عصر انقلاب اسلامی در ایران وظیفه خطیری نسبت به اشاعه فرهنك ومعارف اصيل اسلامى بعهده دارد ولذا از بدو پیروزی انقلاب اسلامی ایران علاوه بر انجام وظائف قانونی وشرعی خود ، در موارد دیگر در این امر نیز سعی خود را مبذول داشته وتا اندازه ای نیز موفق بوده است در این رابطه با تلاشی پی گیر کتاب حاضر را که از تقریرات درس مرحوم آیت الله العظمی جامع معقول ومنقول آقا ضیاء الدین عراقی رضوان الله تعالی علیه در علم اصول میباشد وبوسیله حضرت آیت الله حاج شیخ مرتضی نجفی اصفهانی دام ظله برشته تحریر کشیده شده است در یوم الله ١٢ فروردین ١٣٦٤ سالروز استقرار نظام جمهوری اسلامی ایران تقدیم فقهای عظام وعلمای گرام وطلاب محترم حوزه های مقدسه علمیه وپژوهندگان علوم اسلامی مینماید ، توفیق همگان را در راه خدمت به اسلام ومسلمین از خداوند متعال خواهانم.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمین

سید مهدی امام جمارانی

نماینده امام وسرپرست سازمان حج واوقاف وامور خیریه

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين. خالق الخلائق اجمعين ، الحاكى لنبيه أحسن القصص ليكون هداية للعالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين ، وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد هذا هو المجلد الاول من كتاب «تحرير الاصول» الذى أفاده أستاذ الفقهاء والمجتهدين وشيخ أكابر الاصوليين آية الله العظمى الشيخ ضياء الدين العراقى قده لمؤلفه الفقيه الورع أية الله الشيخ مرتضى النجفى المظاهرى الأصبهاني دامت بركاته ، الذى هو من أعيان تلاميذ شيخنا العراقى قده ، بحيث أقروا لاجتهاده جمهور من فقهاء عصره منهم آيات الله العظام العراقى والنائينى والسيد الأصبهاني والحائرى قدس الله أسرارهم ، وغيرهم.

كان دام ظله من نوادر العصر فى الزهد والعبادة دائم الاشتغال بالتأليف والتصنيف ، شديد التحرز من مطامع الدنيا وحطامها ، يفر من الرئاسة والاشتهار فرار الغنم من الذئب ومن ذلك لا يخرج من بيته الا للضرورة شديد الاهتمام بالتهجد بحيث لا ينام بالليل الا قليلا ، كثير الصمت ، خفيف المئونة ، وكثير الاحتياط ، ينتهى نسبه الشريف الى حبيب بن مظاهر الاسدى رضى الله عنه من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أنصار مولانا الحسين عليه‌السلام.

له مؤلفات كثيرة منها رسالة فى العدالة ، رسالة فى الوضوء ، رسالة فى أحكام الصلح ، رسالة فى المكاسب المحرمة ، رسالة فى أحكام البيع ، رسالة فى القضاء والشهادات ، رسالة فى علمى الدراية والرجال ، كتاب المعارف الرجالية فى مقدمات علم الرجال ، وغير ذلك من كتب الاخلاق والدعاء والادب منها آداب الدعاء ، وقلع الغيبة وأحسن اللغة.

٣

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

«القول فى موضوع العلم»

قوله قدس‌سره : «موضوع كل علم وهو الذى يبحث عن عوارضه الذاتية أى بلا واسطة فى العروض» بمعنى انتساب المحمولات استقلالا الى ذلك الموضوع على نحو الحقيقة أولا وبالذات كنسبة الحاجة الى الممكن ، لا ثانيا وبالعرضة كنسبة التحرك الى جالس السفينة ، فنسبة الحركة بواسطة انتسابه الى السفينة. وعلى هذا فمن شأن كل موضوع من موضوعات العلوم ، أن يكون معروضا لمحمولات مسائله على نحو الاستقلال لا ضمنا ، وأولا وبالذات لا ثانيا وبالعرض.

وتفصيل المقام أن يقال : ان المحمولات المنسوبة الى موضوعاتها ، تارة يكون انتسابها اليها على جهة الحقيقة وأخرى على جهة المجاز ، ولا اشكال فى دخول القسم الثانى فى الاعراض الغريبة ، وأما القسم الاول فتارة يكون الموضوع فيه تمام الموضوع لذلك المحمول نحو قولهم فى علم النحو «الكلمة قول مفرد» فان الكلمة تمام الموضوع لهذه القضية المنسوب فيها القول المفرد الى الكلمة ، وأخرى يكون جزء الموضوع كالافعال الصلاتية المعروضة للوجوب فى قولهم «الصلاة واجبة» فان الوجوب منسوب الى الصلاة

٤

المركبة من الافعال الخاصة من نسبة الشىء الى جزء موضوعه ، فان تمام الموضوع فى هذه القضية هو مجموع الافعال مع الموالات لا الافعال وحدها ، ولا الموالات وحدها.

لا يقال : التوالى بين الافعال ليس خارجا عن سنخ الافعال. لانه يقال : لا ينبغى الارتياب فى خروجه عن سنخها لانه من مقولة الاضافة ، والافعال الخاصة من الركوع والسجود وغيره من مقوله الفعل ، وهما متباينان. وبالجملة : اذا قيس الوجوب المحمول فى هذه القضية الى نفس الفعل المتركب منه الموضوع كان عرضا غريبا واذا قيس الى الصلاة الملتئمة من الافعال الخاصة والموالات ، كان عرضا ذاتيا ، وحينئذ فإن نسب الوجوب الى الفعل وحده على وجه الاستقلال كان عرضا غريبا لان الوجوب ليس حقه أن ينسب استقلالا الى جزء الموضوع الذى هو الصلاة ، بل الى الموضوع نفسه ، واذا نسب الى الصلاة كان له نسبة ضمنية الى الفعل الذى هو جزئها على وجه الحقيقة ، إلّا أنه مع ذلك لا يعد عرضا ذاتيا للفعل بواسطة هذه النسبة الضمنية لاعتبار الاستقلال فى العرضية الذاتية.

فتلخص أن من كلماتهم اعتبار الاستقلال والانتساب الحقيقى فى العرضية الذاتية ، فلا يكفى أحدهما بدون الآخر.

ثم أنه قد وقع فى كلام المشهور أن العرض الذاتى ما يعرض الشىء لذاته أو لامر يساويه. واحترزوا بالمساواة عن العارض بواسطة أمر أعم أو أخص.

وأشكل عليهم صاحب الفصول (١) بما حاصله أن المراد من الامر المساوى فى كلماتهم ان كان هو الواسطة العروضية اتجه عليهم

__________________

(١) ـ الفصول الغروية فى الاصول الفقهية للشيخ الجليل محمد حسين بن محمد رحيم ص ١٠

٥

أن العارض على الواسطة العروضية ليس من لواحق ذى الواسطة إلّا بالعناية فكان ينبغى اعتبارها موضوعا فى علم باحث عن أحوالها. وان كان هو الواسطة الثبوتية اتجه عليهم عدم لزوم اعتبار التساوى فى الواسطة الثبوتية ، بل يجوز أن يكون أمرا مباينا من قبيل الوضع الذى هو واسطة ثبوتية فى لحوق الاعراب للكلمة والجعل الذى هو واسطة ثبوتية فى لحوق الاحكام لفعل المكلف وهما أمران مباينان للكلمة والفعل انتهى كلامه رفع مقامه.

وهو جيد متين ، وتمثيله الثانى فى الواسطة الثبوتية مبنى على مجعولية الاحكام اذ بناء على عدم مجعوليتها وأنها أمور واقعية كشف عنها الشارع اندرجت فيما يكون الموضوع مقتضيا لانتساب المحمول اليه نحو الحاجة الى الممكن.

وكيف كان فقد عرفت ضعف ما ذكروه من الحاق العارض للمساوى بالاعراض الذاتية فلم يبق الا ما ذكرناه من اعتبار الانتساب الاولى الحقيقى مستقلا الى الموضوع ، فان كان انتساب المحمول الى الموضوع بنحو الاستقلال على جهة الحقيقة كان ذلك المحمول بالقياس الى ذلك الموضوع من الاعراض الذاتية وإلّا فهو من الاعراض الغريبة سواء كان له انتساب أولى الى الموضوع ضمنا نحو الوجوب المنسوب الى الافعال الخاصة الصلاتية أو لم يكن له انتساب اولى اليه أصلا لا ضمنا ولا استقلالا ، بل ثانيا وبالمجاز كالاعراض اللاحقة للموضوع بواسطة الامر المساوى او الاعم أو الاخص فان انتسابها الى الموضوع ثانيا وبالمجاز.

واذا عرفت ذلك ظهر لك الاشكال فيما ذكره الماتن قدس‌سره هنا فى شأن موضوع العلم من أنه : «هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلى ومصاديقه

٦

والطبيعى وأفراده».

توضيح الاشكال أن ما يبحث من عوارضه الذاتية قد ذكر فى تعريف موضوع العلم عنوانا مشيرا الى جامع بين شتات موضوعات المسائل ، وكان ذلك الجامع بما هو جامع حسب مختاره موضوعا للعلم ، نحو الكلمة ، الجامعة بين الفاعل والمفعول والمضاف اليه فى قولهم : كل فاعل مرفوع ، وكل مفعول منصوب ، وكل مضاف اليه مجرور ، الى غير ذلك من مسائل النحو ، ومن الواضح أن نسبة المرفوعية الى الكلمة بما هى كلمة ضمنية لا استقلالية ، ضرورة أن المرفوعية من خواص الكلمة بما هى فاعل فخصوصية الفاعلية لها دخل فى لحوق الرفع لها ، وقد تقرر فيما سبق ان المعتبر فى العرضية الذاتية هو الانتساب الاستقلالى الى موضوع العلم دون الضمنى ولئن تعسفت فى النسبة وأعتبر فيها الاستقلال ولو بالعناية والمجاز لم تكن النسبة اولا وبالذات ، بل ثانيا وبالعرض ، فاذا لا محيص لك من الغاء أحد الشرطين السابقين اللذين اعتبرناهما فى العرض الذاتى ، فحينئذ يخرج المحمول بالقياس الى ذلك الجامع عن الاعراض الذاتية ، ويندرج فى الاعراض الغريبة ، ولازم ذلك أن لا تكون الكلمة بما هى كلمة موضوع علم النحو. وكذا فعل المكلف بما هو فعل لا يكون موضوعا لعلم الفقه ، اذ الوجوب فى قولهم الصلاة واجبة لم يكن عارضا للفعل بما هو فعل الا ضمنا لا استقلالا ومناط العرضية الذاتية هو الثانى دون الاول.

ولئن أبيت وقلت لا نسلم اعتبار الاستقلالية فى العرضية الذاتية بل يكفى فيه الانتساب على جهة الحقيقة ولو ضمنا لكى يتجه ما ذكروه من أن الكلمة موضوع علم النحو وفعل المكلف موضوع علم الفقه.

قلنا : هذا أنما يتم فيما يكون ثمة جامع بين موضوعات المسائل ،

٧

ولا طريق لنا اليه إلّا بأحد الامرين : اما بملاحظة اتحاد المحمولات ، أو بملاحظة وحدة الغرض والفائدة المترتبة على تلك المسائل كصون اللسان عن الخطاء فى المقال الذى هو غاية علم النحو مثلا ، ويتجه على الاول أن المحمولات بالوجدان متباينة ، ولو اتفق جامع فى بعضها كالحجية المنسوبة الى ظاهر الكتاب والسنة المبحوث عنها فى علم الاصول ، فانما ذلك من باب الاتفاق وليس هو مطرد فى جميع مسائله. ويرد على الثانى أن الواحد انما يلزم انتسابه الى الواحد اذا كان بسيطا من جميع الجهات ، وإلّا فلو كان ذا جهات بكل جهة يفتقر الى أمر كانت تلك الامور بما هى متكثرات ، مؤثرات فى ذلك الواحد ، مثلا استراحة النوم على السرير الذى هو الغرض من عمل السرير والفائدة المترتبة عليه تحصل من طوله للامتداد ، وعرضه للتقلب ورفعه لدفع الموذيات الارض ، فمن حصول الامور الثلاث يحصل الغرض البسيط الذى هو الاستراحة إلا أن المؤثر فيه والمحقق له أمور متعددة لا أمر واحد.

ولعل ما يكون الغرض المقصود من علم النحو الذى هو صون اللسان عن الخطاء فى المقال من هذه القبيل ، فيفتقر الى قواعد النحو بما هى متكثرات لا بجا معها الذى هو الكلمة.

ولئن سلمنا اعتبار الوحدة فى المؤثر فى الغرض الوحدانى إلّا أن ذلك على تقدير تسليم المؤثرية فى هذه القواعد المقررة فى علم النحو وهو فى حيز المنع ، لكونها طرف إضافة لا مؤثرات حقيقية فإن المؤثر فى صحة الكلام وجريه على طبق القواعد العربية ، هو إرادة المتكلم لا تلك القواعد ، وانما الكلام يضاف الى تلك القواعد فيرى جاريا على وفقها فيكون صحيحا تام الاعراب ، أو مخالفا لها فيكون غلطا غير تام الاعراب ، ومثل هذا لا يقتضى ان يكون المضاف

٨

متحدا بالنسبة الى المضاف اليه الواحد ، لجواز اتحاد الغرض المضاف اليه مع تعدد القواعد المضاف اليها.

وبالجملة لم يقم برهان جزمى على لزوم تحقق جامع واحد فى موضوعات المسائل حتى يكون ذلك هو موضوع العلم ، ويكون انطباقه على موضوعات المسائل انطباق الكلى على أفراده ويتحد معها خارجا كما ذكره الماتن قدس‌سره ، نعم قد يتفق ذلك إلّا أنه ليس لازما دائما.

٩

حول تمايز العلوم

هذا كله الكلام فى الموضوع وأما المسائل فهى «عبارة عن جملة من قضايا متشتتة» مختلفات موضوعا ومحمولا غالبا ويكون «جمعها» هو «اشتراكها فى الدخل فى الغرض الذى لاجله دون هذا العلم» فمن ثم عدت المسائل علما على حدة ، فعمدة الوجه فى عدها علما مستقلا ، هو كونها وافية بذلك الغرض الوجدانى المترتب على مجموع تلك المسائل ، ولذا كان اختلاف العلوم باختلاف تلك الاغراض ووحدتها بوحدتها ، لا باختلاف المسائل ووحدتها ، «اذ قد يتداخل بعض العلوم فى بعض المسائل» ومع ذلك لا يكون اتحاد المسألة سببا لاتحاد العلمين.

ويظهر الوجه فى ذلك مما عرفت من أن اثنينية العلمين تجىء من اختلاف الاغراض لا من اختلاف المسائل ، فلا بأس باندراج بعض المسائل فى العلمين «اذا كان له دخل فى مهمين» أمكن جعله من مسائل العلمين المختلفين فى الفرضين اللذين «لاجل كل منهما دون علم على حدة فيصير من مسائل العلمين» فصار الوجه فى عدهما علمين مع اشتراكهما فى بعض المسائل ، ليس إلّا اختلافهما فى الغاية التي من أجلها دون كل من العلمين.

«لا يقال : على هذا يمكن تداخل علمين فى تمام مسائلهما ، فيما كان هناك مهمان متلازمان فى الترتب على جملة من القضايا لا يكاد» يتحقق «انفكاكهما. فانه يقال :» فى جوابه «مضافا» الى قوله قدس‌سره «مما لا يخفى».

ثم أنه قد ذكر فى الفصول معترضا على ما اشتهر بينهم ، من

١٠

أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات ، أن هذه القضية مما لم نقف لها على وجه ، لان موضوع أحد العلمين أن تميز بنفسه عن موضوع الآخر ، فالتمايز بين العلمين حاصل بنفس الموضوع ، ولا حاجة الى اعتبار الحيثية وان اشترك فاعتبارها لا يوجب التمايز. ألا ترى أن اللفظ العربى الذى هو موضوع العربية اذا أخذ من حيث الاعراب والبناء مثلا كما هو المعروف فى الكتب النحوية ، لم يوجب اختصاصه بعلم النحو لانه حال تقييده بهذا الاعتبار ، يعرض له أيضا أحوال الابنية ، ويلحقه احكام الفصاحة والبلاغة ، وغيرها لظهور أن لا منافاة بينها ، فيصح أن يقع مقيدا بهذه الحيثية ، موضوعا لتلك العلوم. وكذا اذا أعتبر مقيدا بسائر الحيثيات ، الى أن قال :

فالتحقيق أن يقال : تمايز العلوم اما بتمايز الموضوعات ، كتمايز علم النحو عن علم المنطق وتمايزهما عن علم الفقه ، أو بتمايز حيثيات البحث كتمايز علم النحو عن علم الصرف وتمايزهما عن المعانى ، فإن هذه العلوم وان اشتركت فى كونها باحثة عن أحوال اللفظ العربى ، إلا أن البحث الاول من حيث الاعراب والبناء ، وفى الثانى من حيث الابنية ، وفى الثالث من حيث الفصاحة والبلاغة فهم وان أصابوا فى اعتبار الحيثية للتمايز بين العلوم ، لكنهم أخطأ وافى أخذها قيدا للموضوع. والصواب أخذها قيدا للبحث ، وهى عند التحقيق عنوان إجمالي للمسائل التى تقرر فى العلم انتهى كلامه رفع مقامه (١)

ومراده من اعتبار الحيثية فى البحث هو اعتبار اختلاف المحمول فى قضايا العلوم ، كما يشهد بذلك قوله أخيرا وعند التحقيق الخ ،

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول ص ١١.

١١

فانه مع وحدة الموضوع فيها حسب الفرض ، ينحصر الميز والامتياز فيما بينها باختلاف المحمولات التى هى محط البحث فى العلوم.

ويشكل ذلك بانه ربما يتحد العلمان فى بعض المسائل موضوعا ومحمولا ، كمسألة الحسن والقبح المبحوث عنها فى الاصول والكلام ، مع وحدتهما فيها ، فحينئذ ينبغى أن يكون المعيار فى تمايز العلوم أمرا أخر غير اختلاف الموضوعات ، والمحمولات ، وليس ذلك إلّا ما ذكرناه من اختلاف الاغراض ، سيما على ما عرفت منا ، من عدم ما يدل على جهة مشتركة بين موضوعات المسائل باعتبارها تعد علما واحدا ، وان كان قد يتفق ذلك.

نعم ربما يرد الاشكال على الماتن ، الذى أعتبر للعلم موضوعا يكون انطباقه على موضوعات مسائله من باب انطباق الكلى على أفراده ، بأنه اذا أختلف الغرض المترتب على المسألة الواحدة كان ذلك دليلا أنيا على تضمن هذه المسألة جهتين كان كل منهما هو المؤثر فى حصول ذلك الغرض ، فكان امتياز العلم على هذا فى نفس الامر والواقع بامتياز الموضوعات ، وأن كان فى بعضها يتوصل اليه من طريق اختلاف الغرض.

وبعبارة أخرى قولهم : امتياز العلم بامتياز الموضوعات ، ظاهره بيان حال الامتياز الواقعى مرحلة الثبوت دون الاثبات ، ومن الواضح أن اختلاف الاغراض ببرهان ، الواحد لا يصدر منه الا الواحد ، على ما قيل كاشف عن اختلاف المؤثر فى حصول تلك الآثار ، فصح لنا على هذا دعوى أن امتياز العلوم بامتياز الموضوعات ، وان كان طريقنا الى الموضوعات فى المسائل المشتركة بين العلمين هو اختلاف الاغراض والفوائد المترتبة عليها ، هذا.

وقد انقدح بما ذكرناه ، انه يلزم على الماتن الذاهب الى وجود

١٢

الموضوع لكل علم ، أن يقول : بمقالة المشهور من أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات ، اللهم إلّا أن يكون نظره قدس‌سره الى مرحلة الاثبات دون الثبوت ، بمعنى أن يكون غرضه أن الاطلاع على الميز والامتياز بين العلوم ، «أنما هو باختلاف الاغراض الداعية الى التدوين ، لا الموضوعات» كما ذهب اليه المشهور ، «ولا المحمولات» كما ذهب اليه صاحب الفصول قده

وأما على مذهبنا من عدم اعتبار لزوم موضوع ، لكل علم جامع بين مسائله ، لعدم ما يدل عليه من البرهان العقلى ، فلا أشكال وينحصر الامتياز عندنا بين العلوم ثبوتا وإثباتا باختلاف الاغراض دون الموضوعات والمحمولات.

١٣

«حول موضوع علم الاصول»

قوله «وإلّا كان» الى قوله «ثم أنه» حكى عن صاحب القوانين فى بعض حواشيه (١) ، أنه أختار فى موضوع هذا العلم أنها الادلة الاربعة بما هى أدلة ، فأعتبر صفة الدليلية فى الموضوع ، فيكون البحث عن دليلية الدليل على هذا بحثا عن نفس الموضوع لا عن أحواله.

ويشكل ذلك بلزوم خروج جل مسائل الاصول عن مسائله ومقاصده واندراجها فى مباديه ضرورة أن عمدة مباحثه المسألة الباحثة عن حجية الخبر ، ومباحث التعادل والتراجيح ، ولازم اعتبار الدليلية فى الموضوع ، خروج مثل هذه المباحث عنه ، وهو واضح البطلان.

ولو قيل : ان الدليلية المعتبرة فى الموضوع ، هى الدليلية الاقتضائية ، دخلت مباحث التعادل والتراجيح فى المقاصد ، لان البحث فيها بعد الفراغ عن ثبوت اقتضائية الخبرين المتعارضين للاعتبار والحجية بدليل الاعتبار ، لكن يبقى المباحث المتكفلة لتحقيق أصل الدليلية ، خارجة عن المقاصد ، نحو مسئلة حجية الخبر والظهورات ، وكفى بذلك موهنا لاعتبار الدليلية فى الموضوع.

وأختار صاحب الفصول فى موضوع هذا العلم ، أنها الادلة الاربع بذواتها وخصوصياتها ، لا بوصفها من الدليلية (٢) إلّا أنه يلزم عليه خروج مباحث الامر والنهى وبقية ظواهر الالفاظ ، لعدم اختصاصها بما فى الكتاب والسنة.

__________________

(١) ـ لم نعثر عليه.

(٢) ـ الفصول فى الاصول : ١١.

١٤

ومن الغريب أنه قدس‌سره قد تفطن لهذا الاشكال ، وأجاب بما لا يسمن ولا يغنى من جوع حيث قال فى الجواب : أنما يبحث عنها باعتبار وقوعها فى الكتاب والسنة ، فعند التحقيق ليس موضوع مباحثهم مطلق تلك الامور ، بل المقيد منها بالوقوع فى الكتاب والسنة ، ولا يقدح فى ذلك بيانهم لوضعه اللغوى والعرفى ، اذ المقصود بيان مداليل تلك الالفاظ باى وجه كان انتهى (١). وفيه أن اعتبار وقوعها فى الكتاب والسنة ، يتعلق بغرض البحث فهو أمر لا يتعلق بعقد البحث من تلك المسألة وفرق بين بين عقد المسألة والبحث فيها ، وبين تعلق الغرض منها.

وأختار الماتن فى موضوع هذا العلم ، أنه مطلق الدليل الموصل الى الحكم الفرعى ، من غير اعتبار انطباقه الى خصوص الادلة الاربع ، ومن غير لزوم اعتباره مسمى باسم خاص «اذ ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلى المتحد مع موضوعات المسائل ، عنوان خاص واسم مخصوص فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه ، بداهة عدم دخل ذلك فى موضوعيته أصلا.»

وعلى التحقيق الذى سمعته آنفا من عدم لزوم اشتراك المسائل فى جامع مسمى بالموضوع ، فلا داعى الى تمحل اعتبار كلى جامع لموضوعات المسائل المتشتتة ، بل المسائل بشتاتها يترتب عليها الغرض المقصود بلا لزوم اعتبار جامع موضوعى فيما بينها.

فتلخص مما قررناه أن المحصل من الاقوال فى المقام ، مع ضم المختار أربعة :

الأول أن موضوع الاصول هو الادلة الاربعة بما هى ادلة وهو

__________________

(١) ـ الفصول فى الاصول : ١١

١٥

المحكى عن صاحب القوانين قده.

الثانى أن موضوعه هى الادلة الاربعة بنفسها وخصوصيتها ، وهو اختيار صاحب الفصول.

الثالث أن موضوعه الكلى المتحد مع موضوعات المسائل وهو مختار الماتن.

الرابع ما اخترناه من عدم لزوم كلية فى موضوعية العلم ، بل ليس فى الحقيقة موضوعه الا أشخاص موضوعات المسائل لا كليها وهى مصاديقه.

وبما سمعت من الكلام يتضح لك المرام فى كلام الماتن هنا بقوله : «وقد انقدح» الى قوله «لا عنها ولا عن سائر الادلة» وقد يذب عما أورده من الاشكال بما أفاده بقوله : «ورجوع البحث فيهما فى الحقيقة الى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد فى مسئلة حجية الخبر كما أفيد وبأى الخبرين فى باب التعارض فانه أيضا بحث فى الحقيقة عن حجية الخبر فى هذا الحال» انتهى.

وحاصله أن المسألة الباحثة عن حجية الخبر ما لها الى البحث عن حال السنة الواقعية ، بتقريب أن ثبوتها بالخبر وعدم ثبوتها من أحوالها.

وأجاب عنه بقوله : «فإن البحث عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة ليس بحثا عن عوارضه فانها مفاد كان الناقصة.» انتهى كلامه

وتوضيحه أن ثبوت الموضوع ، عبارة أخرى عن وجوده ، والمسألة الباحثة عن حال الموضوع يعتبر فيها المفروغية عن وجوده ، وهو المعنى بقوله : مفاد كان الناقصة ، وإلّا فلو بحث عن وجوده كان ذلك بحثا عن نفس الموضوع ، وهو المعنى بقوله : مفاد كان التامة.

«لا يقال : هذا» الذى ذكرته من أن البحث عن ثبوته مفاد كان التامة

١٦

أنما يتأتى لو أريد بذلك البحث «فى الثبوت الواقعى وأما الثبوت التعبدى كما هو المهم فى هذه المباحث فهو فى الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة.»

«فانه يقال :» فى جوابه «نعم» كما ذكرت يكون البحث عن ثبوته التعبدى مفاد كان الناقصة «لكنه مما لا يعرض السنة» الواقعية «بل» أنما يعرض الخبر «الحاكى لها فإن الثبوت التعبدى يرجع الى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية به وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى. وبالجملة الثبوت الواقعى ليس من العوارض والتعبدى وان كان منها إلّا أنه ليس للسنة بل للخبر فتأمل جيدا.

ويمكن الخدشة فى ذلك بأن الثبوت التعبدى أنما يكون من عوارض الخبر الحاكى اذا أعتبر التنزيل بلحاظ مؤداه ، حتى يكون مفاد الدليل الدال على اعتبار الخبر هو تنزيل مؤداه منزلة الواقع ، وحينئذ فيتجه دعوى كون مثل هذا التنزيل ، من عوارض الخبر الحاكى للسنة ، لا للسنة نفسها ، اما بناء على أن لحاظ التنزيل فى دليل اعتبار الخبر الى جعل احتمال مؤدى الخبر بمنزلة العلم ، فكان صدق العادل ، فى قوة قوله تنزل احتمال صدقه فى أخباره منزلة العلم ، وحينئذ على هذا الوجه يمكن التفصى عن الاشكال بأن يقال أن الاعتبار وان رجع أولا الى احتمال المطابقة للواقع إلا أنه يترتب على ذلك أن يكون المحتمل بمنزلة المعلوم ، فكانت السنة الواقعية على تقدير تحققها ، فى مورد الخبر موصوفة بالمعلومية التعبدية ففى هذا الجعل حصلت حالة للسنة الواقعية على تحققها ، وكان البحث فى تنزيل الاحتمال منزلة العلم مستتبعا للبحث عن حال السنة الواقعية من اتصافها بالمعلومية التعبدية.

وبعبارة أخرى : لو تبدل الاحتمال تكوينا الى العلم ، لكان يلزم

١٧

تبدل صفة المحتملية العارضة على السنة الواقعية ، الى صفة المعلومية. فكذلك لو تبدل الاحتمال جعلا وتنزيلا ، الى ذلك استتبع تبدل المحتمل تعبدا الى المعلوم كذلك.

لا يقال : عروض الحالة على السنة الواقعية ، فرع تحققها ولربما يكون العلم الحقيقى فضلا عن التنزيلى متحققا ، ولا يكون ثمة سنة واقعية ، فكيف يكون ذلك من حالاتها وحالة الشىء الطارية عليه فرع تحقق ذلك الشى.

لانا نقول : لا نعنى من البحث عن أحوال السنة الا البحث عن حالها على تقدير وجودها الواقعى فى قبال من يجعل مثل هذه الحالة ، من حالات الخبر الحاكى لها دونها هذا كله اذا كان المراد من السنة هو نفس قول المعصوم أو أخويه.

«وأما اذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها» فيشكل عليه ما سمعت آنفا من خروج جملة من مباحث الاصول عنه وذلك «لان البحث فى تلك المباحث» المتقدمة من مباحث حجية الخبر ، ومباحث التعادل والتراجيح» وان كان عن أحوال السنة بهذا المعنى إلّا أن البحث فى غير واحد من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها وان كان المهم معرفة أحوال خصوصها كما لا يخفى.» هذا

ولقائل : أن يمنع تعميم البحث فى تلك المسائل الى غير أوامر الكتاب والسنة من حيث أن الغرض اذا كان هو استنباط الاحكام الشرعية ، وهو امر يترتب على خصوصية الامر الوارد فى الكتاب والسنة ، لا ما يعم سائر الاوامر ، كشف ذلك عن أن الجامع العام المسمى بالموضوع ليس خارجا عن دائرة الكتاب والسنة.

١٨

حول تعريف علم الاصول

ثم أن العلم لا حقيقة له وراء المسائل والقواعد ، لا إدراكها ، ويرشدك الى ذلك مقايسة الغاية الى نفس القواعد ، لا ادراكاتها ، مثلا صحة الكلام أعرابا وبناء ، جعل غاية لعلم النحو باعتبار مقايسة الكلام الى قواعده ، فان طابقها كان صحيحا ، وإلّا كان غلطا.

وكذا صحة الاستنباط غاية العلم الاصول ، وانما تعرف الصحة وعدمها بمقايسة الاستنباط الى قواعد الاصول ، فإن كان على وفقها كان استنباط الحكم صحيحا ، وان لم يكن كذلك لم يكن صحيحا. فالملحوظ مقيسا اليه ومعيارا لملاحظة الغاية ، منسوبة اليه ، هى القواعد لا ادراكها وكذا الموضوع أعتبر موضوعا كليا منطبقا على جميع موضوعات مسائله وقواعده ، لا موضوعات إدراكاتها فليكن التعريف على هذا النهج شارحا لتلك القواعد ، فكان المناسب تعريفه بالقواعد دون العلم بها. وبالجملة أن نسبة الموضوع ، والغاية ، والتعريف المذكور ، فى كلما تهم فى مقدمة الشروع ، نسبة واحدة. فكما أن المقصود من العلم فى قولهم ، موضوع هو القواعد دون إدراكها والعلم المتعلق بها ، فليكن ذلك كذلك فى قولهم تعريف العلم. فكان ينبغى على هذا التعريف بالقواعد ، لا العلم بها. وربما يؤيد ذلك أنه قد يجعل العلم ، متعلقا للعلم والجهل ، فيقال هذا عالم بالنحو ، وهذا جاهل به ، وهكذا غير ذلك.

وقد يعتذر للمشهور ، ويوجه تعريفهم : علم الاصول «بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية.» فيقال : بأن للقواعد

١٩

المدونة ، وجودات واعتبارات ، فهى باعتبار وجودها الخارجى والنفس الامرى قواعد واقعية ، وباعتبار تحصيلها بالاكتساب ، صناعة وباعتبار تصورها الذهنى علوم ، وباعتبار اسمها فى الكتب نقوش وكتابات.

ولعل تعريفهم ناظر الى الوجود العلمى. وفيه أنه بناء على هذا لا ينبغى إيراد العلم متعلقا بالقواعد للمنافرة ، اذ الوجود العلمى يقضى بعدم تغاير العلم عن معلومه ، فما هو المعلوم والحاصل صورته فى العقل ، ليس إلّا تلك القواعد ، وهى باعتبار الوجود العلمى عين العلم لا متعلقات له ، فكيف يجعل فى التعريف متعلقا له : ويقال هو العلم بالقواعد؟

ولئن قلت : أنا نعتبر القواعد موجودات خارجية واقعية ، لكى لا يصح جعلها متعلقا للعلم.

قلنا : عاد الاشكال والمحذور ، من أن العلم ليس إلّا نفس تلك القواعد ، لا العلم بها.

ومما سمعت ظهر لك أن حق التعريف ، كان ينبغى تصديره بالقواعد لانه أقرب الى معنى العلم حقيقة فهو «الاولى» بالذكر من تصديره بالصناعة كما عرفه الماتن قده حيث رجح تعريفه بأنه «صناعة يعرف بها القواعد التى يمكن أن يقع فى طريق استنباط الاحكام ، أو التى ينتهى إليها فى مقام العمل ، بناء على أن مسئلة حجية الظن» من الاصول على القول «بالحكومة» فى اعتبار الظن عند انسداد باب العلم بالاحكام الشرعية ، دون الكشف ، اذ على الكشف يكون الظن مندرجا فى القواعد التى ، يمكن أن تقع فى طريق استنباط الاحكام ، فلا شبهة فى كونها من المسائل الاصولية «ومسائل الاصول العملية فى الشبهات الحكمية» معدودة «من الاصول كما هو كذلك ، ضرورة أنه

٢٠