كنز الفوائد - ج ٢

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ٢

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين

الأدلة على أن الصانع واحد

وبعد فمن الأدلة على أن صانع العالم واحد ـ أما الذي يعتمده أكثر المتكلمين فدليل التمانع.

وهو أنه لو كان لصانع العالم ثان لوجب أن يكون قديما وإذا كان كذلك ماثله وإذا ماثله صح أن يريد أحدهما ضد ما يريده الآخر فيقع التمانع كإرادة أن يحرك جسما في وقت وأراد الآخر أن يسكنه فيه.

وإذا صح ذلك لم يخل الأمر من ثلاث خصال

إما أن يصح وقوع مراديهما من غير تضاد ولا تمانع بينهما فيكون الجسم في وقت واحد ساكنا ومتحركا وهذا محال.

وإما أن لا يصح وقوعهما ولا شيء منهما فهذا هو التمانع المبطل لوقوع مراديهما وهو دليل على ضعفهما.

وإما أن يقع مراد أحدهما دون الآخر فهو دليل على أن من لم يقع مراده

٥

ممنوع ضعيف خارج من أن يكون قديما لأن من صفات القديم أن يكون قادرا لنفسه لا يتعذر عليه فعل اراده.

فإن قيل لم قلتم إنه إن كان معه ثان يصح أن يريد ضد مراده؟

قلنا لأن من حق القادر أن يصح منه الشيء وضده لا سيما إذا كان قادرا لنفسه فإذا كانا قادرين لأنفسهما صح ما ذكر بينهما.

فإن قيل إن التمانع لا يقع منهما لأنهما عالمان فكل واحد منهما يعلم أن مراد صاحبه حكمة فلا يريد ضده.

قلنا إن الكلام مبني على صحة ذلك دون كونه فإن لم يكن واحد منهما يريد أن يمنع صاحبه فكونه قادرا يعطي أنه ممكن منه وإن لم يفعل وتصح إرادته ولا تستحيل منه ويحصل من ذلك تقدير التمانع بينهما وجوازه.

فإن قيل لم ذكرتم أنهما إذا لم يقع مرادهما جميعا إن ذلك لضعفهما؟

قلنا لتساوي مقدورهما وعند تساويه لا يكون فعل أحدهما أحق بالوجود من فعل الآخر وفي ذلك إبطال أفعالهما وهو معنى قول الله عزوجل.

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) الأنبياء : ٢٢

فإن قيل فلم قلتم إن وجود مراد أحدهما دليل على ضعف الآخر؟

قلنا لما في ذلك من رجحانه في قدرته على صاحبه فلو لا أنه أقدر منه لما وقع مراده دونه وهذا يوضح عن ضعف من لم يقع مراده.

دليل آخر

وقد احتج أصحابنا بدليل التمانع على وجه آخر فقالوا إنهما لو كانا اثنين كان لا يخلو أحدهما من أن يكون يقدر على أن يكتم صاحبه شيئا أو لا يقدر على ذلك.

__________________

(١) في النسخة : لا يعتذر.

٦

فإن كان يقدر فصاحبه يجوز عليه الجهل ومن جاز عليه الجهل فليس بإله قديم.

وإن كان لا يقدر فهو نفسه عاجز والعاجز ليس بإله قديم. (١)

دليل آخر :

ومما يدل على أن صانع العالم واحد أنه لو كان معه ثان كان لا يخلو أمرهما في فعلهما للعالم من أحد وجهين:

إما أن أمرهما في فعلهما للعالم من أحد وجهين :

أما أن كل واحد منهما فعل جميعه حتى يكون الذي فعله أحدهما هو الذي فعله صاحبه.

أو يكون كل واحد منهما انفرد ببعض منه.

وفي الوجه الأول إيجاب فعل واحد من فاعلين وهذا يبطل في فصل (٢).

وفي الوجه الثاني إيجاب تميز فعل كل واحد منهما عن فعل الآخر لأن القادر الحكيم إذا فعل فعلا حسنا لم يجز إلا ليجعله دالا عليه وموسوما به ومميزا عن فعل غيره لا سيما إذا كان داعيا إلى شكر نعمته وموجبا لمعرفته ولا طريق لأحد إلى معرفته إلا بفعله.

فلما لم يكن فعل ما شاهدناه من السماء والأرض وغيرهما مما يدل على أن بعضه لواحد وبعضه لآخر وإنما يدل على أن له فاعلا فقط علمنا أن الفاعل له واحد وهو الله تعالى ذكره.

فإن قيل فإنا نجد العالم على قسمين جواهر وأعراض وكل واحد من الجنسين مميز عن الآخر فألا دل هذا على الصانعين؟

قلنا لو كان صانع الجواهر غير صانع الأعراض لكانا محتاجين بل

__________________

(١) عرض الصدوق في كتاب التوحيد لهذا الدليل صلى الله عليه وسلم ٢٧٧ باختلاف يسير.

(٢) هكذا في النسخة والعبارة غير تامّة والأرجح أن هناك جملة ساقطة قد تكون هكذا : وهذا يبطل كونه فعله.

٧

عاجزين لأن أحدهما لا يقدر أن يفعله بانفراده وهو يفتقر إلى صاحبه لاستحالة وجود الجوهر بغير عرض والعرض بغير جوهر إلا ما انفرد به قوم من إرادة القديم وفناء العالم.

دليل آخر :

وهو أن العالم لو كان صانعه اثنين لكانا غيرين وحقيقة الغيرين هما اللذان يجوز وجود أحدهما وعدم الآخر إما من الزمان أو المكان أو على وجه من الوجوه أو كان يجوز ذلك. (١)

ولسنا نجد أحدا من ذوي العقول الصحيحة السليمة التي لم تعترضها الشبهة الحادثة تعرف غيرين إلا وهو يعرف أنها هكذا ولا يعلم شيئين هكذا إلا وهو يعلم أنهما غيران.

وهذا يمنع من أن يكون صانع العالم اثنين لما في ذلك من جواز عدم أحدهما ومن جاز عدمه فليس بقديم وفي بطلان قدم أحدهما دليل على أنه داخل في جملة المحدثين وأن صانع العالم هو الواحد القديم ومن خالفنا في حد الغيرين فليوجد لنا (٣) شيئين متفقين على وجودهما ليس هذا حكمهما.

دليل آخر

وقد اعتمد البلخي (٣) دليلا مفردا على أن صانع العالم واحد لم يحتج أن يذكر فيه تقدير وجود الاثنين فقال :

__________________

(١) في العبارة غموض ولعلها هكذا : (ولا يجوز غير ذلك)

(٢) في النسخة (نا).

(٣) هو مأخوذ من قول الإمام الرضا (عليهم السلام) قولك أنّه اثنان دليل على أنّه واحد لأنك لم تدع الثاني إلّا بعد إثباتك الواحد فالواحد يجمع عليه وأكثر من واحد مختلف فيه انظر التوحيد صلى الله عليه وسلم ٢٧٨.

٨

الذي يدل على ذلك أنا وجدنا العالم محدثا ولا بد له من محدث ووجدنا من تجاوز هذا القول بأن المحدث له واحد فزعم أنه اثنان (١) لا نجد فرقا بينه وبين من زعم أنه ثلاثة وكذلك لا نجد فرقا بينه وبين من زعم أنه أربعة وكل عدة تجاوزت الواحد لا يقدر القائل بها على فرق بينه وبين من زاد فيها ولا نجد حجة توجب قوله دون قول خصمه فيها.

فلما فسد قول كل من ادعى الزيادة على الواحد وليس مع أحدهم رجحان بحجته وتكافأت أقوالهم في دعوى الزيادة دل على أن الصانع واحد لا أكثر من ذلك ولأن الدليل ثبت على وجود الصانع ولم يثبت على ما يزيد على واحد. (٢)

ثم عارض نفسه فقال :

إذا قال قائل إنكم قد تجدون دارا مبنية يدل بناؤها على أن لها بانيا ثم لا يجدون فرقا بين من زاد على واحد فقال إن بانيها اثنان وبين من قال ثلاثة وكذلك كل عدة حتى لا يتميز بعض الأقوال على بعض حجة أفتقطعون على أن صانع الدار واحد؟

وانفصل عن هذه المعارضة بأن قال إن المثبت للدار صانعا واحدا أو صانعين فقد نجد فرقا بينه وبين من زاد عليه ودليلا على قوله دون قول من خالفه وذلك أن صناع الدار يجوز أن يشاهدهم من شاهدها ويجوز أن يرد الخبر إليه بعددهم ممن شاهدهم يبنونها.

وليس كذلك صانع العالم وهذا فرق واضح بين الموضعين ولوضوحه يعلم بطلان مذهب الثنوية على اختلافهم والنصارى في التثليث ومن جرى مجراهم والحمد لله.

__________________

(١) في النسخة اثنين.

(٢) وخلاصته : أنه بعد العلم بوجود صانع للعالم فالواحد متيقن والزائد مشكوك ولا دليل عليه لكن هذا يرد عليه إن عدم العلم بالزائد لا يدلّ على عدم وجود الزائد والقضية متعلقة بالعقائد اليقينية لا بحكم ظاهري.

٩

فصل :

من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخصال من واحد إلى عشرة

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال

خصلة من لزمها أطاعته الدنيا والآخرة وربح الفوز بالجنة.

قيل ما هي يا رسول الله؟

قال التقوى من أراد أن يكون أعز الناس فليتق الله عزوجل ثم تلا :

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٢.

وقال :

المؤمن بين مخافتين بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه. (١)

وقال صلى الله عليه وسلم ومن وقي شر ثلاث فقد وقي الشر كله لقلقه وقبقبه وذبذبه.

فلقلقه لسانه وقبقبه بطنه وذبذبه فرجه.

وقال صلى الله عليه وسلم :

أربع خصال من الشقاء جمود العين وقساوة القلب والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا.

وقال صلى الله عليه وسلم :

خمس لا يجتمعن إلا في مؤمن حقا يوجب الله له بهن الجنة النور في القلب والفقه في الإسلام والورع في الدين والمودة في الناس وحسن السمت في الوجه.

__________________

(١) انظر : تحف العقول صلى الله عليه وسلم ٢٠.

١٠

وقال صلى الله عليه وسلم :

اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا اؤتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم و (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)

وقال صلى الله عليه وسلم :

أوصاني ربي بسبع أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية وأن أعفو عمن ظلمني وأعطي من حرمني وأصل من قطعني وأن يكون صمتي فكرا ونظري عبرا (١)

وحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ثمان قال :

ألا أخبركم بأشبهكم بي خلقا؟

قالوا بلى يا رسول الله قال أحسنكم خلقا وأعظمكم حلما وأبركم بقرابته وأشدكم حبا لإخوانه في دينه وأصبركم على الحق وأكظمكم للغيظ وأحسنكم عفوا وأشدكم من نفسه إنصافا. (٢)

وقال صلى الله عليه وسلم :

الكبائر تسع أعظمهن الإشراك بالله عزوجل وقتل النفس المؤمنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة والفرار من الزحف وعقوق الوالدين واستحلال البيت الحرام والسحر فمن لقي الله عزوجل وهو بريء منهن كان معي في جنة مصاريعها من ذهب.

وقال :

الإيمان في عشرة المعرفة والطاعة والعلم والعمل والورع والاجتهاد والصبر واليقين والرضا والتسليم فأيها فقد صاحبه بطل نظامه

__________________

(١) انظر : تحف العقول للحراني صلى الله عليه وسلم ٢٥.

(٢) مشكاة الأنوار في غرر الأخبار صلى الله عليه وسلم ٢١٤.

١١

فصل :

من فضائل أمير المؤمنين عليهم السلام والنصوص عليه من رسول الله ص

من جملة ما رواه لنا (١) الشيخ الفقيه أبو الحسن محمد بن أحمد بن شاذان القمي رحمه‌الله بمكة في المسجد الحرام قال حدثني نوح بن أحمد بن أيمن رحمه‌الله قال حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين قال حدثني جدي قال حدثني يحيى بن عبد الحميد قال حدثني قيس بن الربيع قال حدثني سليمان الأعمش عن جعفر بن محمد قال حدثني أبي قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال أبي أمير المؤمنين علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي أنت أمير المؤمنين وإمام المتقين يا علي أنت سيد الوصيين ووارث علم النبيين وخير الصديقين وأفضل السابقين يا علي أنت زوج سيدة نساء العالمين وخليفة خير المرسلين يا علي أنت مولى المؤمنين والحجة بعدي على الناس أجمعين استوجب الجنة من تولاك واستوجب دخول النار من عاداك.

يا علي والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية لو أن عبدا عبد الله تعالى ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلا بولايتك وولاية الأئمة من ولدك وأن ولايتك لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك بذلك أخبرني جبرئيل عليهم السلام (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).

وحدثنا الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن متويه المقري قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا علي بن عثمان قال حدثنا محمد بن فرات عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي عن أبيه قال قال رسول الله ص:

__________________

(١) هو مذكور في البحار ج ٣٨ صلى الله عليه وسلم ١٣٤ نقله عن كشف اليقين صلى الله عليه وسلم ٥٦ ـ ٥٧.

١٢

علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي حجة الله وحجتي وباب الله وبابي وصفي الله وصفيي وحبيب الله وحبيبي وخليل الله وخليلي وسيف الله وسيفي وهو أخي وصاحبي ووزيري ووصيي حجته حجتي ومبغضه مبغضي ووليه وليي وعدوه عدوي وزوجته ابنتي وولده ولدي وحربه حربي وقوله قولي وأمره أمري وهو سيد الوصيين وخير أمتي. (١)

وحدثنا الشيخ أبو الحسن بن شاذان قال حدثني خال أمي أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه‌الله قال حدثنا علي بن الحسين قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني محمد بن الفضيل عن ثابت بن أبي صفية عن أبي حمزة قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه قال حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن الله فرض عليكم طاعتي ونهاكم عن معصيتي وأوجب عليكم اتباع أمري وفرض عليكم من طاعته طاعة علي بن أبي طالب بعدي كما فرض عليكم من طاعتي ونهاكم عن معصيته كما نهاكم عن معصيتي وجعله أخي ووزيري ووصيي ووارثي وهو مني وأنا منه حبه إيمان وبغضه كفر محبه محبي ومبغضه مبغضي وهو مولى من أنا مولاه وأنا مولى كل مسلم ومسلمة وأنا وهو أبوا هذه الأمة

__________________

(١) انظر : البحار ج ٣٨ صلى الله عليه وسلم ١٤٧ نقله عن بشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم ٢٨ ، هامش.

(٢) هو إبراهيم بن هاشم. أبو إسحاق القمّيّ أصله من الكوفة ، وانتقل إلى قم وهو أول من نشر حديث الكوفيين بقم ، وذكروا أنّه لقي الإمام الرضا (عليهم السلام) فهرست الطوسيّ صلى الله عليه وسلم ٢٧.

(٣) هو أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار. من أصحاب الإمام الصادق (عليهم السلام) الثقات خدم أربعة من الأئمة : زين العابدين والباقر والصادق وبرهة من عصر الكاظم توفّي سنة ١٥٠ ه.

(٤) انظر : أمالي الصدوق صلى الله عليه وسلم ١٣ وتجده أيضا في البحار ج ٣٨ صلى الله عليه وسلم ٩١ ـ ٩٢ نقلا عن الأمالي.

١٣

فصل :

من كلام أمير المؤمنين عليهم السلام وآدابه في فضل الصمت وكف اللسان

من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

من كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه دخل النار.

إذا فاتك الأدب فالزم الصمت.

العافية في عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا عن ذكر الله عزوجل.

كم نظرة جلبت حسرة وكم من كلمة سلبت نعمة.

من غلب لسانه أمره قومه.

المرء يعثر برجله فيبرأ ويعثر بلسانه فيقطع رأسه ولسانه احفظ لسانك فإن الكلمة أسيرة في وثاق الرجل فإن أطلقها صار أسيرا في وثاقها.

عاقبة الكذب شر عاقبة.

خير القول الصدق وفي الصدق السلامة والسلامة مع الاستقامة.

لا حافظ أحفظ من الصمت.

إياكم والنمائم فإنها تورث الضغائن.

هانت عليه نفسه من أمر عليه لسانه.

الصمت نور.

إن الله عزوجل جعل صورة المرأة في وجهها وصورة الرجل في منطقه.

١٤

مختصر التذكرة بأصول الفقه

استخرجته من كتاب شيخنا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه وقدس‌سره.

(بسم الله الرحمن الرحيم)

الحمد لله أهل الحمد ومستحقه وصلاته على خيرته المصطفين من خلقه سيدنا محمد رسوله الدال بآياته على صدقه وعلى أهل بيته الأئمة القائمين من بعده بحقه.

سألت أدام الله عزك أن أثبت لك جملا من القول في أصول الفقه مختصرة لنكون لك تذكرة بالمعتقد في ذلك ميسرة وأنا أسير إلى محبوبك وأنتهي إلى مرادك ومطلوبك بعون الله وحسن توفيقه.

اعلم أن أصول أحكام (١) الشريعة ثلاثة أشياء كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الأئمة الطاهرين من بعده صلوات الله عليهم وسلامه.

والطرق الموصلة إلى علم المشروع في هذه الأصول ثلاثة

أحدها العقل وهو سبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار.

والثاني اللسان وهو السبيل إلى المعرفة بمعاني الكلام.

وثالثها الأخبار وهي السبيل إلى إثبات أعيان الأصول من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة ع.

والأخبار الموصلة إلى العلم بما ذكرناه ثلاثة أخبار خبر متواتر وخبر واحد معه قرينة تشهد بصدقه وخبر مرسل في الإسناد يعمل به أهل الحق على الاتفاق.

__________________

(١) في الأصل الأحكام.

١٥

ومعاني القرآن على ضربين ظاهر وباطن.

والظاهر هو المطابق لخاص العبارة عنه تحقيقا على عادات أهل اللسان كقوله سبحانه :

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

فالعقلاء العارفون باللسان يفهمون من ظاهر هذا اللفظ المراد.

والباطن هو ما خرج عن خاص العبارة وحقيقتها إلى وجوه الاتساع فيحتاج العاقل في معرفة المراد من ذلك إلى الأدلة الزائدة على ظاهر الألفاظ كقوله سبحانه :

(أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).

فالصلاة في ظاهر اللفظ هي الدعاء حسب المعهود بين أهل الفقه وهي في الحقيقة لا يصح منها القيام والزكاة هي النمو عندهم بلا خلاف ولا يصح أيضا فيها الإتيان وليس المراد في الآية ظاهرها وإنما هو أمر مشروع.

فالصلاة المأمور بها فيها هي أفعال مخصوصة مشتملة على قيام وركوع وسجود وجلوس.

والزكاة المأمور بها فيها هي إخراج مقدار من المال على وجه أيضا مخصوص وليس يفهم هذا من ظاهر القول فهو الباطن المقصود.

وأنواع أصول معاني القرآن أربعة

أحدها الأمر وما استعير له لفظه

وثانيها النهي وما استعمل فيه لفظه.

وثالثها الخبر مع ما يستوعبه لفظه.

ورابعها التقرير وما وقع عليه لفظه

وللأمر صورة محققة في اللسان يتميز بها عن غيره في الكلام وهي قولك افعل إذا ورد مرسلا على الإطلاق وإن كانت هذه اللفظة تستعمل في غير الأمر على سبيل الاتساع والمجاز كالسؤال والإباحة والخلق والمسخ والتهديد.

١٦

والأمر المطلق يقتضي الوجوب ولا يعلم الندب إلا بدليل.

وإذا علق الأمر بوقت وجب الفعل في أول الوقت وكذلك إطلاقه يقتضي المبادرة بالفعل والتعجيل ولا يجب ذلك أكثر من مرة ما لم يشهد بوجوب التكرار الدليل.

فإن تكرر الأمر وجب تكرار الفعل ما لم تثبت حجة بأن المراد بتكراره التأكيد.

فأما الأمران إذا عطف أحدهما على الآخر فالواجب أن يراعى فيهما الاتفاق في الصورة والاختلاف فإن اتفقا دل ذلك على التأكيد وإن اختلفا كان لهما حكمان.

والقول في الخبرين إذا تساويا في الصورة كالقول في الأمرين.

وامتثال الأمر مجز لصاحبه ومسقط عنه فرض ما كان وجب من الفعل عليه.

وإذا ورد لفظ الأمر معاقبا لذكر الحظر أفاد الإباحة دون الإيجاب كقول الله تعالى

(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) الجمعة : ١٠.

بعد قوله (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) الجمعة : ٩.

وإذا ورد الأمر بفعل أشياء على طريق التخيير كوروده في كفارة اليمين فكل واحد من تلك الأشياء واجب بشرط اختيار المأمور وليست واجبة على الاجتماع ولا بالإطلاق.

وما لا يتم الفعل إلا به واجب كوجوب الفعل المأمور به وكذلك الأمر بالمسبب دليل على وجوب فعل السبب.

والأمر بالمراد دليل على فعل الإرادة.

وليس الأمر بالشيء هو بنفسه نهي عن ضده ولكنه يدل على النهي عنه بحسب دلالته على حظره.

١٧

وباستحالة اجتماع الفعل وتركه يقتضي صحة النهي العقلي عن ضد ما أمر به.

وإذا ورد الأمر بلفظ المذكر مثل قوله يا أيها الذين آمنوا ويا أيها المؤمنون والمسلمون وشبهه فهو متوجه بظاهره إلى الرجال دون النساء ولا يدخل تحته بشيء من الإناث إلا بدليل سواه.

فأما تغليب المذكر على المؤنث فإنما يكون بعد جمعها بلفظهما على التصريح ثم يعبر عنهما من بعده بلفظ المذكر.

ومتى لم يجر للمؤنث بما يخصه من اللفظ فليس يقع العلم عند ورود لفظ المذكر بأن فيه تغليبا إلا أن يثبت أن المتكلم قصد الإناث والذكور معا بدليل.

فأما الناس فكلمة تعم الذكور والإناث.

وأما القوم فكلمة تعم الذكور دون الإناث.

وإذا ورد الأمر مقيدا بصفة يخص بها بعض المكلفين فهو مقصور على ذي الصفة غير متعدية إلى غيره إلا بدليل كقوله تعالى

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) المدثر : ٢

وإذا ورد بصفة تتعدى المذكور إلى غيره من المكلفين كان متوجها إلى سائرهم على العموم إلا ما خصه الدليل كقوله عزوجل

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) الطلاق : ١.

والأمر بالشيء لا يكون إلا قبله لاستحالة تعلق الأمر بالموجود.

والأمر متوجه إلى الطفل بشرط البلوغ.

وكذلك الأمر للمعدوم بشرط وجوده وعقله الخطاب.

ويصح أيضا توجه إلى من يعلم من حاله أنه يعجز في المستقبل عما أمر به أو يحال بينه وبينه أو يخترم دونه كما يجوز في ذلك من مصلحة المأمور في

__________________

(١) في النسخة (لما).

١٨

اعتقاده فعل ما أمر به واللطف له في استحقاقه الثواب على نيته وإمكان استصلاح غيره من المكلفين بأمره.

فأما خطاب المعدوم والجمادات والأموات فمحال والأمر أمر بعينه ونفسه.

فأما النهي فله صورة في اللسان محققة يتميز بها عن غيره وهي قولك لا تفعل إذا ورد مطلقا.

والنهي في الحقيقة لا يكون منك إلا لمن دونك كالأمر.

والنهي موجب للترك المستدام ما لم يكن شرط يخصه بحال أو زمان.

فأما الخبر فهو ما أمكن فيه الصدق والكذب وله صيغة مبنية يتفصل بها مما يخالفه في معناه وقد يستعار صيغته فيما ليس بخبر كما يستعار غيرها من صيغ الحقائق فيما سواه على وجه الاتساع والمجاز قال الله عزوجل:

(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) هو من الآية ٩٧ من آل عمران.

فهو لفظ بصيغة الخبر والمراد به الأمر بأن يؤمن من دخله.

والعام في معنى الكلام ما أفاد لفظه اثنين فما زاد.

والخاص ما أفاد واحدا دون سواه لأن أصل الخصوص التوحيد وأصل العموم الاجتماع وقد يعبر عن كل منها بلفظ الآخر تشبها وتجوزا قال الله تعالى :

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الحجر : ٩.

فعبر عن نفسه سبحانه وهو واحد بلفظ الجمع.

وقال سبحانه :

(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران : ١٧٣.

وكان سبب نزول هذه الآية أن رجلا قال لأمير المؤمنين عليهم السلام قبل وقعة أحد إن أبا سفيان قد جمع لكم الجموع فقال أمير المؤمنين عليهم السلام (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

١٩

فأما اللفظ المعبر به عن العام فهو كقوله عزوجل :

(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) الحاقة : ١٧

وإنما أراد به الملائكة.

وقوله :

(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) الانفطار : ٩

يريد يا أيها الناس.

وكل لفظ أفاد من الجمع ما دون استيعاب الجنس فهو عام في الحقيقة خاص بالإضافة كقوله عزوجل.

(فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) الانعام : ٤٤

ولم يفتح لهم أبواب الجنات ولا أبواب النار

وقوله :

(ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) البقرة : ٢٦

وإنما أراد بعض الجبال.

وكقول القائل جاءنا فلان بكل عجيبة والأمثال في ذلك كثيرة وهو كله عام في اللفظ خاص مقصور عن الاستيعاب.

فأما العموم المستوعب للجنس فهو ما أفاد من القول نهاية ما دخل تحته وصح للعبارة عنه في اللسان قال الله عزوجل :

(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ). الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧

فأما الألفاظ المنسوبة إلى الاشتراك فهي على أنحاء:

فمنها ما هو مبني لمعنى سائغ في أنواع مختلفات كاسم شيء على التنكير فهو وإن كان في اللغة موضوعا للموجود دون المعدوم فهو يعم الجواهر والأجسام والأعراض غير أن لكل ما شمله مما عددناه أسماء على التفصيل مبينات يخص كل اسم نوعه دون ما سواه ومنها رجل وإنسان وبهيمة ونحو

٢٠