كنز الفوائد - ج ١

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي

كنز الفوائد - ج ١

المؤلف:

أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي


المحقق: الشيخ عبدالله نعمه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩١
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلواته وتحياته على أكرم رسله ، سيدنا محمّد وآله المصطفين الأبرار ، وصحبه الأخيار.

وبعد فأنا أمام كتاب «كنز الفوائد» الذي يعتبر = بحق = من الآثار القيمة الحية ، التي تركها لنا سلفنا العلماء الخالدون ، قد ضم بين دفتيه مجموعة كبيرة من أبحاث علمية ، متعدّدة الألوان ، مختلفة المواضيع ، قد تبوأ مكانة كريمة لدى العلماء والباحثين ، وأولوه اهتمامهم وعنايتهم ، فكان من المصادر التي اعتمدوها وأخذوا عنها.

وهذا الكتاب من آثار العلامة الفقيه المتكلم الشيخ أبي الفتح محمّد بن علي الكراجكيّ الطرابلسي ، من ألمع العلماء الإسلاميين في القرن الخامس الهجري ، وأكثرهم إحاطة بمعارف عصره ، وأوفرهم إنتاجا ونشاطا في سبيل العقيدة الإسلامية ، ونعرف ذلك من ثبت مؤلّفاته كما يأتي إن شاء اللّه.

وقد طبع هذا الكتاب في إيران منذ أكثر من ثمانين سنة على المطابع الحجرية ونفدت نسخه وأصبحت نادرة الوجود ، رغم رداءة طباعته وكثرة أغلاطه. لذلك أصبح مجهولا لا يعرفه إلّا قليل.

وقد عنيت منذ مدة طويلة بنسخه عن النسخة المطبوعة ، وبترتيبه والتعليق عليه ، رغبة في نشره بين القراء ، وتعميما للفائدة ، وإبرازا لآثار علمائنا الأبرار وجهودهم في مجالات العلم والثقافة الإسلامية.

٥

وكان من حقّ هذا الكتاب أن يصدر بحلته الجديدة ، منذ زمن ، إلّا أن الظروف القاسية التي مرت بها البلاد حالت دون ذلك.

وأخيرا قيّض اللّه سبحانه الصديق البر الحاجّ جعفر الدجيلي صاحب دار الأضواء ، فتولى طبعه وإخراجه ، فله شكري ودعائي له بالتوفيق. واللّه سبحانه يتولى الصالحين العاملين.

٤ ربيع الأوّل سنة ١٤٠٥ ه

٢٧ / ١١ / ١٩٨٤ م

عبد اللّه نعمة

٦

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مقدمة

عاش أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكيّ مؤلف هذا الكتاب «كنز الفوائد» الشطر الكبير من حياته ما بين النصف الأخير من القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس للهجرة.

وكانت هذه الفترة التي عاشها الكراجكيّ بالذات حافلة إلى حدّ كبير بضروب من الانقسامات السياسية الهائلة ، وبقيام دول صغيرة ، منيت بها المملكة الإسلامية (الأم) ، وانفصلت عنها.

فقد استقل بنو بويه بفارس والري وأصبهان والجبل.

وأصبحت كرمان في يد محمّد بن الياس ، والموصل وديار بكر وربيعة ومضر في أيدي الحمدانيين ، والمغرب وأفريقيا في أيدي الفاطميين ، والأندلس في أيدي الأمويين ، وخراسان في يد السامانيين ، والأهواز وواسط والبصرة في أيدي البريديين ، واليمامة والبحرين في يد أبي طاهر القرمطي ، وجرجان وطبرستان في أيدي الديلم.

ولم يبق في يد العباسيين سوى بغداد وأعمالها ، محتفظين بسيادة معنوية على هذه الدويلات المنفصلة عنها ، التي كانت تقدم للخليفة العباسيّ في بغداد الدعاء والخطب في المساجد أيّام الجمع والأعياد وفي المناسبات الدينية ، وتشتري منه الألقاب (١).

_________________

(١) انظر : الحضارة الإسلامية في القرن الرابع لآدم متز ، ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ١ وما بعدها.

٧

كما حفلت هذه الفترة أيضا بضروب عديدة من المذاهب والنحل ، وبانقسام كبير في الآراء والنزعات ، في مجادلات ومناظرات عنيفة وحادة ، بصراحة وحرية ، حفظتها لنا تلك المؤلّفات التي وضعت في هذه الفترة ، والتي تبرز لنا تلك الألوان المذهبية بوضوح وعنف ، حول القدم والحدوث ، وحول الخالق وصفاته ، وحول أفعال الإنسان في الجبر والاختيار ، وحول الخلافة والإمامة وما إليها من العصمة والنصّ والاختيار ، وحول ما يراه المعتزلة من نظرية الأحوال ، ونظرية الأشاعرة حول نظرية الكسب ، وحول ما يراه الإسماعيلية والقرامطة من الباطن والظاهر ، وحول جميع هذه المواضيع الكلامية وغيرها ، التي كانت محور المناظرات العلمية والفكرية آنذاك.

فقد برز في هذه الفترة من شيوخ الأشاعرة أمثال أبي بكر محمّد بن الطيب البصري المعروف بالقاضي الباقلاني المتوفّى سنة (٤٠٣ ه).

ومن المعتزلة القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني شيخ المعتزلة في عصره المتوفّى سنة (٤١٥ ه).

وأبو الحسن البصري محمّد بن عليّ بن الطيب المتوفّى سنة (٤٣٠ ه).

ومن الشيعة الإماميّة الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان التلعكبري المعروف بالشيخ المفيد المتوفّى سنة (٤١٣ ه) وهو عالم الشيعة في عصره.

والشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي المتوفّى سنة ٤٣٦. وتلميذهما أبو الفتح الكراجكيّ المتوفّى سنة (٤٤٩ ه).

وفي هذه الفترة بالذات تنفس الشيعة الإماميّة الصعداء حين أخذ ينحسر عنهم الكثير من الحرمان والكبت والملاحقة ، التي عاشوها طيلة أكثر العهود الماضية ، وتنسموا شيئا من حريتهم ، واستطاعوا الإعلان عن آرائهم واتجاهاتهم ، مما لم يحظوا به في عصور سابقة. ذلك حين عطف بنو بويه على الشيعة ، وسيطروا على الخليفة في بغداد ، الذي كان مصدر ذلك الكبت والحرمان ، وتحكموا بمقدرات الدولة وبمصيرها ، وأصبح الخليفة العباسيّ دمية بين أيديهم يحركونها كيفما شاءوا

٨

وفي هذه الفترة بالذات أيضا ، استطاع الشيخ المفيد وتلميذه الشريف المرتضى وتلامذتهما ، أن ينشطوا للقيام بواجبهم الديني والعلمي دون خوف أو تقية ، وأن يتغلغلوا في دفع الفكرة الشيعية إلى المناطق التي كانت موصدة أمامهم من قبل ، كإيران وأكثر جهات العراق وسوريا ، وأن يبرزوا التشيع في حقيقته النقية الصافية الممدودة بالمنطق والأدلة العلمية ، وقد أخذوا على عاتقهم مهمة الدعوة الإسلامية ، وصد هجمات الملاحدة من القرامطة والغلاة وغيرهما.

وكان أبو الفتح الكراجكيّ من أبرز من تحملوا المسؤولية في هذا السبيل. وكان الدور الذي قام بأعبائه مهما وخطيرا. فقد قدّر له أن يعيش في هذا الثغر الشاميّ وفي الساحل اللبناني ، ليقوم بترسيخ العقيدة الإسلامية ، والحد من النزعة الإسماعيلية ، يوم كانت فلسطين ولبنان واقعة تحت نفوذ الدولة الفاطمية ، وحين كانت الفكرة الإسماعيلية الفاطمية تعيش في أكثر بقاعها.

وقد اختار الكراجكيّ مدينة طرابلس اللبنانية قاعدة لانطلاقه وعمله ، حين كان أمراء بني عمّار الشيعة يتولون حكمها ، ويسيطرون عليها.

ومن هذه القاعدة = طرابلس = انطلق الشيخ الكراجكيّ يناظر ويجادل ويعلم ، بكل ما يملك من طاقة علمية وفكرية ، وصمد في وجه الموجة الإسماعيلية العارمة ، واستطاع أن يحد من نشاطها ، حتى انحسرت عن أكثر هذه المنطقة ، وحلت مكانها الفكرة الشيعية الإماميّة ، وأصبحت مذهب الأكثرية لسكان المناطق الساحلية في ذلك العهد.

وشمل في نشاطه مقاومة سائر المخالفين ، كالمعتزلة والأشاعرة ، وأهل الديانات الأخرى ، كاليهود والنصارى والبراهمة وسواهم ، كما يبدو ذلك من كتبه والفصول التي أدرجها في كتابه (كنز الفوائد).

كل ذلك بفضل جهوده المتواصلة ، وبما كان يملكه من شدة المعارضة وروح الجدل ، ووفور : العلم ، وعمق الملاحظة ، وتنوع الثقافة ، وقوة الحجة ، وبما كان يتمتع به من وعي وإدراك ، ومن حيوية وحركة وصبر وعمل دائب.

٩
١٠

مؤلف الكتاب

هو أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان المعروف بالكراجكيّ ، نسبة إمّا إلى (كراجك) وهي قرية تقع على باب مدينة (واسط) العراقية التي بناها الحجاج الثقفي والي الأمويين سنة ٨٣ / ٨٤ ه (١) ، وكان بينها وبين كل من البصرة والكوفة والأهواز وبغداد مقدار واحد ، وهو خمسون فرسخا. (٢)

وهذا ما قاله كثير من مترجميه.

وإمّا نسبة إلى عمل الكراجك وهي الخيم كما في لسان الميزان. (٣)

وقد وصفه غير واحد بالخيمي نسبة إلى (الخيم) قرية أو محلة في مصر ، كان أبو الفتح قد نزلها.

والأرجح أن نسبته بالكراجكيّ إنّما هي إلى عمل الخيم ، التي هي الكراجك كما قاله في لسان الميزان ، إما لأنّه هو كان يعملها أو أن الذي يعملها أحد آبائه فنسب إليها. بدليل ما قاله العماد الحنبلي : «وفيها توفي أبو الفتح الكراجكيّ أي الخيمي» الذي يفسر الكراجكيّ بالخيمي.

كما ينسب الكراجكيّ إلى طرابلس الشام ، فيوصف بالطرابلسي ، لإقامته فيها مدة طويلة أيّام حكامها بني عمار ، وقد عده المجلسي في كتاب البحار في فقهاء طرابلس ، كما يفهم من عبارته التالية :

ومن أجلاء علمائنا وفقهائنا ورؤسائهم فقهاء حلب ، وهم جمع كثير ، ومنهم

_________________

(١) و (٢) انظر : التنبيه والإشراف للمسعودي صلى الله عليه وآله وسلم ٣١ ١.

(٣) ج ٥ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٠٠

١١

فقهاء طرابلس ، ومنهم الشيخ الأجل السعيد أبو الفتح الكراجكيّ نزيل الرملة البيضاء». (١)

ويعزز هذه النسبة وإقامته الطويلة في طرابلس ، أنه ألف أثناء إقامته فيها عدة مؤلّفات ، ومنها :

١ ـ عدة المصير في حجج يوم الغدير ، ألفه في طرابلس للشيخ أبي الكتائب ابن عمار.

٢ ـ التلقين لأولاد المؤمنين.

٣ ـ التهذيب متصل بالتلقين.

٤ ـ نهج البيان في مناسك النسوان ، أمره بعمله الشيخ الجليل أبو الكتائب أحمد بن محمّد بن عمّار بطرابلس.

٥ ـ معونة الفارض على استخراج سهام الفرائض ، ألفه بطرابلس لبعض الإخوان.

٦ ـ ردع الحاصل وتنبيه الغافل ، وهو نقض كتاب أبي المحاسن المعري الذي رد به على الشريف المرتضى في المسح على الرجلين ، ألفه في طرابلس.

٧ ـ مختصر طبقات الوراث ، عمل للمبتدئين بطرابلس.

كما ينسب إلى (صور) المدينة الساحلية اللبنانية ، فقد وصفه الطهرانيّ في الطبقات بالصوري ، إذ أقام فيها ، وفيها توفي ودفن ، وقد وضع فيها بعض مؤلّفاته ، منها : الأصول إلى مذهب آل الرسول سنة ٤١٨ ه.

* * *

وقد اتفقت كلمة مؤرخيه على أنّه توفّي سنة (٤٤٩ ه) (٢) في الثاني من ربيع الآخر. (٣)

_________________

(١) البحار ج ١ ٠٥ صلى الله عليه وآله وسلم ٧٦.

(٢) انظر : شذرات الذهب للعماد الحنبلي ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٢٨٣ ، ولسان الميزان للعسقلاني ج ٥ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٠٠ ومرآة الزمان لليافعي م ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٧٠ والقمّيّ في الكنى والألقاب ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٩٤ ومعجم رجال الحديث م ١ ٦ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٧٦.

(٣) نظر : لسان الميزان ج ٥ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٠٠.

١٢

أما تاريخ ولادته فقد أهملته كتب التراجم ، لكن وجدنا الكراجكيّ في كتابه (كنز الفوائد) يروي عن أبي الحسن عليّ بن أحمد اللغوي المعروف بركاز (بميارقين) في سنة ٣٩٩ ه.

وهذا يعني أن الكراجكيّ كان إذ ذاك في سن تمكنه من تلقي الرواية والأخذ عن الرواة ، وهذا عادة لا يكون إلّا في سن الخامسة والعشرين من عمره ، على أدنى الافتراضات ، وعلى هذا فتكون ولادته سنة ٣٧٤ ه. أي أنه عاش خمسا وسبعين سنة تقريبا.

والكراجكيّ من أئمة عصره في الفقه والكلام والفلسفة والطبّ والفلك والرياضيات وغيرها ، وقد وصفه أصحاب التراجم بما يدلّ على مكانته العلمية وشخصيته البارزة في أكثر معارف عصره. قال العماد الحنبلي في شذرات الذهب ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٢٨٣ في حوادث سنة ٤٩٩ ه.

«وفيها توفي أبو الفتح الكراجكيّ أي الخيمي رأس الشيعة وصاحب التصانيف محمّد بن علي ، مات بصور في ربيع الآخر ، وكان نحويا لغويا ، منجما ، طبيبا ، متكلما متقنا ، من كبار أصحاب الشريف المرتضى ، وهو مؤلف كتاب «تلقين أولاد المؤمنين».

وقريب منه ما قال اليافعي في مرآة الزمان (ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٧٠ (.

وقال العسقلاني في لسان الميزان ج ٥ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٠٠ «محمّد بن علي الكراجكيّ ، بفتح الكاف وتخفيف الراء وكسر الجيم ثمّ الكاف ، نسبة إلى عمل الخيم وهي الكراجك ، بالغ ابن طي (١) في الثناء عليه في (ذكر الإماميّة) ، وذكر أن له

_________________

(١) هو يحيى بن حميد بن ظافر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن محمّد بن الحسن بن صالح بن علي بن سعيد بن أبي الخير الطائي أبو الفضل البخاري الحلبيّ المعروف بابن أبي طيّ (٥٨٥ = ٦٥٠ ه) انظر : طبقات الشيعة القرن السابع صلى الله عليه وآله وسلم ٢٠٥. وله ترجمة في لسان الميزان ج ٦ صلى الله عليه وآله وسلم ٢٦٣ = ٢٦٤ وقال : أنه ولد بحلب سنة ٥٧٥ وله تصانيف عدة منها (معادن الذهب في تاريخ حلب) و (شرح نهج البلاغة) في ست مجلدات و (فضائل الأئمة) و (خلاصة الخلاص في آداب الخواص) في عشر مجلدات و (الحادي في رجال الإماميّة) و (سلك النظام في أخبار الشام) ، أخذ الفقه عن ابن شهرآشوب وكان بارعا في الفقه على مذهب الإماميّة ، وله مشاركة في الأصول والقراءات.

١٣

تصانيف في ذلك ، وذكر أنّه أخذ عن أبي الصلاح ، (١) واجتمع بالعين زربى ، ومات في ثاني ربيع الآخر سنة ٤٤٩».

وقال الحرّ العامليّ في الأمل :

عالم فاضل متكلم فقيه محدث ثقة جليل القدر. ثم ذكر بعض مؤلّفاته.

وقد أطراه عدد من مترجميه ، فوصفوه بالشيخ المحدث الفقيه المتكلم المتبحر الرفيع الشأن من أكابر تلامذة المرتضى والشيخ (أي المفيد) ، والديلميّ ، والواسطي ، وسلار وأبي الحسن ابن شاذان القمّيّ ، وهو من أجلة العلماء والفقهاء والمتكلّمين ، وأسند إليه جميع الإجازات (٢). ويعبّر عنه الشهيد الأول العاملي كثيرا ، في كتبه بالعلامة ، مع تعبيره عن العلّامة الحلّي بالفاضل (٣).

وقد وصفه ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء صلى الله عليه وآله وسلم ٧٨٨ بالقاضي ، وتابعه على ذلك السيّد الكبير مهدي الطباطبائي في رجاله فقال : أبو الفتح القاضي شيخ فقيه متكلم من تلامذة الشيخ المفيد.

وربما جاءت كنيته بأبي القاسم ، وإنّه من ديار مصر ويحتمل أنّه من ديار الشام. ويؤيد هذا الاحتمال الأخير ما ذكره صاحب لسان الميزان من أن الكراجكيّ نسبة إلى عمل الكراجك وهي الخيم ، وعلى هذا فهو ليس مصريا كما احتمله بعضهم من أنّه نسبة إلى الخيم قرية في مصر ، كما أنّه ليس لدينا ما

_________________

(١) هو تقيّ الدين بن النجم الحلبيّ من تلاميذ الشريف المرتضى ، له عدة مؤلّفات ، منها. (تقريب المعارف) و (البداية) ، و (البرهان على ثبوت الإيمان) و (الكافي في الفقه). وصفه الشهيد الثاني ، بالشيخ الفقيه السعيد خليفة المرتضى في البلاد الحلبية.

انظر : (الكنى والألقاب ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ٩٧). وفي لسان الميزان ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٧١ : تقي بن عمر بن عبيد اللّه ابن محمّد الحلبيّ أبو الصلاح ، مشهور بكنيته من علماء الإماميّة ولد سنة ٣٧٤ ومات بحلب سنة ٤٤٧ ، أخذ عن أبي جعفر الطوي وغيره ، ورحل إلى العراق فحمل عن الشريف المرتضى.

(٢) يراجع في ذلك بحار الأنوار ج ١ ٠٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٢٦٣ هامش للمعلق ، والكنى والألقاب ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٩٤.

وانظر : معجم رجال الحديث ج ١٦ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٧٦ ومقدّمة الطبعة القديمة لكنز الفوائد.

(٣) انظر الكنى والألقاب ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ٩٤.

١٤

يدل على أنّه عراقي نسبة إلى كراجك وهي قرية على باب واسط كما تقدم ، بل المحتمل قريبا أنّه من بلاد الشام.

وقد وصف المؤلّف كما سبق بالقاضي ، ولا نعرف البلد الذي كان فيه قاضيا ، ولا الجهة التي أسندت إليه هذا المنصب ، وإن كان المظنون أن أمراء بني عمّار حكام طرابلس هم الذين أسندوا إليه القضاء وفي مدينة طرابلس الشام بالذات.

وكان المؤلّف الكراجكيّ جيّاشا بكل فن ، يطلب المعرفة أينما كانت ، وفي حركة دائبة بدون ملل ، يفيد ويستفيد ، فقد كان صاحب رسالة إسلامية وعلمية ، يغيثها ويدعو إليها ، ويتجول في سبيلها في كثير من العواصم الإسلامية ، وبخاصّة الشامية منها ، ويجول فيها عرضا وطولا ، إشباعا لرغبته في نشر رسالته ، فلم يقر له قرار ، فكان في مصر سنة ٤٠٧ و ٤٢٦ ، وفي الرملة من فلسطين سنة ٤١٠ و ٤١٢ (١) و ٤١٦ ، وفي مكّة المكرمة سنة ٤١٢ ، وفي بلبيس سنة ٤١٨ ، وفي ميافارقين سنة ٣٩٩.

كما كان يتجول بين دمشق وبغداد ، وحلب وطبرية ، وبين صيدا ، وصور وطرابلس ، ويقيم في كل منها مدة طويلة ، يؤلف فيها ويصنف ، كما يظهر من ثبت مؤلّفاته ، ومن لقاءاته مع أهل العلم ، مما ذكره في كتابه (الكنز).

وحيث يستقر في بلد يعكف على التأليف في مواضيع الساعة آنذاك. ومن هنا وجدنا شطرا من مؤلّفاته وضعها بالقاهرة ، وبعضها في الرملة ، وآخر في دمشق وطبرية وصيداء وصور وطرابلس وغيرها.

كما كان يؤلف لبعض شخصيات عصره من أمراء وقوّاد وعلماء وقضاة ، وثبت مؤلّفاته يشير إلى هذا.

وكان على إلمام تام بمعارف عصره ، كما يظهر ذلك من مؤلّفاته المتعدّدة المواضيع ، وذا ثقافة واسعة.

_________________

(١) يقول الكراجكيّ صلى الله عليه وآله وسلم ٢٤٧ من طبعة الكنز القديمة : ورأيت بالرملة في جمادى الآخرة من سنة ٤١ ٢ شريفا من أهل السند يعرف بأبي القاسم عيسى بن علي العمري من ولد عمر بن أمير المؤمنين (عليه السلام).

١٥

فقد كتب في الفقه والأصول ، والحساب ، والرياضيات والفلك ، والأدب والحديث ، والفلسفة والكلام ، والنحو ، والأخلاق والتاريخ والرجال ، والتفسير ، وغير ذلك ممّا تشير إليه عناوين كتبه التي وضعها.

ومن هنا نجد مترجميه يصفونه بأنّه نحوي لغوي منجم طبيب متكلم ، محدث فقيه متفنن على ما سبق.

«شيوخ المؤلّف وأساتذته»

أخذ أبو الفتح الكراجكيّ العلم عن جماعة كثيرة من أعلام عصره ، كما أخذ الحديث من عدد كبير من الرواة والعلماء من شيعة وسنة ، وروى عن أكثرهم في كتابه (الكنز).

ومنهم :

١ ـ الشيخ المفيد أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي العكبري البغداديّ المعروف بابن المعلم (٣٣٨ / ٣٣٦ = ٤١٣ ه).

٢ ـ الشريف المرتضى عليّ بن أبي أحمد الحسيني بن موسى الموسوي المعروف بذي المجدين وبعلم الهدى ، والمكنى بأبي القاسم ٣٥٧ = ٤٣٦

٣ ـ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلميّ الطبرستاني المعروف بسالار ومعناه الرئيس أو المقدم من تلاميذ المفيد والمرتضى ، توفّي سنة ٤٤٨ ه وقيل سنة ٤٦٣ ه.

٤ ـ أبو عبد اللّه الحسين بن عبد اللّه بن علي المعروف بابن الواسطي المعاصر للشريف المرتضى.

٥ ـ أبو المرجا (أبو الرجاء) محمّد بن عليّ بن طالب البلدي وهو ممن روى عنه بالقاهرة.

٦ ـ الشريف أبو عبد اللّه محمّد بن عبيد اللّه بن الحسين بن طاهر الحسيني.

٧ ـ القاضي أبو الحسن محمّد بن عليّ بن محمّد بن صخر الأزدي البصري ، روى عنه بمصر سنة ٤٢٦ ه قراءة عليه.

٨ ـ أبو محمّد عبد اللّه بن عثمان بن حماس ، روى عنه بمدينة الرملة.

٩ ـ أبو القاسم هبة اللّه بن إبراهيم بن عمر الصواف ، روى عنه بمصر.

١٦

١٠ ـ القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم بن كليب السلمى الحرّانيّ نزيل بغداد ، روى عنه في مدينة الرملة سنة ٤١٠ ه ، وقد أكثر الراوية عنه في كنز الفوائد ، وقال ابن عساكر عنه : كان من أشدّ الشيعة وكان متكلما. مات بعد الأربعمائة. (١)

١١ ـ أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمّيّ ، روى عنه الكراجكيّ بمكّة المكرمة سنة ٤١٢ ه (٢) وأورد في الكنز كثيرا من رواياته عنه ، وهو ابن أخت أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّيّ الشهير المتوفّى سنة ٣٦٧ / ٣٦٨ ه.

١٢ ـ الحسين بن محمّد بن علي الصيرفي البغداديّ ، قال الكراجكيّ عنه :

وكان مشتهرا بالعناد لآل محمّد والمخالفة لهم. وسمعت من هذا الراوي المخالف عدة فضائل لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سخّره اللّه لنقلها فرواها راغما حجة عليه بها. (٣)

١٣ ـ الشريف أبو منصور أحمد بن حمزة الحسيني العريضي ، روى عنه في الرملة.

١٤ ـ أبو العباس أحمد بن إسماعيل بن عنان ، روى عنه بحلب. (٤)

١٥ ـ أبو الحسن عليّ بن أحمد اللغوي المعروف بابن ركاز ، روى عنه في ميافارقين سنة ٣٩٩.

١٦ ـ القاضي أبو الحسن عليّ بن محمّد السباط البغداديّ.

١٧ ـ أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني ، روى عنه بمصر سنة ٤٠٧ ه.

١٨ ـ أبو سعيد أحمد بن محمّد بن أحمد الماليني الهروي ، روى عنه في الرملة سنة ٤١٠ ه في شوال.

_________________

(١) انظر : لسان الميزان ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ٣٨٢.

(٢) ورد في الكنى والألقاب ج ١ صلى الله عليه وآله وسلم ٣١ ٨ تاريخ قراءة الكراجكيّ سنة ٣١ ٢ وهو اشتباه دون ريب.

(٣) انظر كنز الفوائد صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٥٤ من الطبعة القديمة.

(٤) أبو العباس هذا يروي عن أبي المفضل محمّد بن عبد اللّه الشيباني شيخ عدة من مشايخ الطوسيّ (الطبقات ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٧٣).

١٧

١٩ ـ أبو العباس أحمد بن نوح بن محمّد الحنبلي الشافعي ، روى عنه بالرملة سنة ٤١١ ه حديثا عن المعمر الشرقي.

٢٠ ـ أبو الحسن عليّ بن الحسن بن مندة ، روى عنه الكراجكيّ حديث الطائر المشوي في طرابلس سنة ٤٣٦ ه ، وأورد هذا الحديث في كتابه (تفضيل علي على غيره).

٢١ ـ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ ، شيخ الطائفة وصاحب كتابي التهذيب والاستبصار (٣٨٥٤٦٠ ه) ذكره كما حكي عن منتجب الدين صاحب الفهرست في مشايخ الكراجكيّ.

ومن الملاحظ أن الكراجكيّ لم يرو حديثا واحدا عنه في كتابه (كنز الفوائد). ومن هنا شك بعضهم في صحة ذلك.

«تلاميذ المؤلّف»

عرفنا من تلاميذه الذين أخذوا عنه جماعة وهم :

١ ـ الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين الخزاعيّ المعروف بالمفيد النيسابوريّ ، وهو من شيوخ العلماء ، صاحب التصانيف ، وعم والد الشيخ أبي الفتوح الرازيّ جعفر بن عليّ بن محمّد بن أحمد. (١)

٢ ـ أبو محمّد ريحان بن عبد اللّه الحبشي. (٢)

٣ ـ السيّد أبو الفضل ظفر بن الداعي بن مهدي العلوي المصري العمري الأسترآبادي ، كان فقيها صالحا ، يروي عن عبد اللّه بن عمر الطرابلسي.

_________________

(١) هو تلميذ الرضي والمرتضى والطوسيّ وسالار وابن البرّاج والكراجكيّ (الذريعة ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٣١ ١).

(٢) في لسان الميزان ج ٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٤٦٩ : ريحان الحبشي أبو محمّد السبيعي الإمامي المصري ، تفقه على علي ابن عبد اللّه بن كامل ، روى عنه شاذان بن جبريل ، قال : ابن أبي طيّ قال لي أبي : كان الفقيه ريحان من أحفظ الناس ، وقيل كان يصوم كثيرا ولا يأكل إلّا من طعام يعلم أصله ، وكان ابن رزيك (أي الوزير الفاطمي) يعظمه ويحترمه ، كان بعد الخمسين وخمسمائة.

١٨

٤ ـ عبد العزيز بن أبي كامل القاضي عزّ الدين الطرابلسي.

٥ ـ الفقيه أبو عبد اللّه الحسين بن هبة اللّه الطرابلسي (١) ، روى عن الكراجكيّ كتاب معدن الجواهر ، وكتاب روضة العابدين الذين ألفه الكراجكيّ لولده موسى ..

٦ ـ الشيخ شمس الدين أبو محمّد الحسن الملقب بحسكا الرازيّ ابن الحسين بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن بابويه القمّيّ من تلاميذ الطوسيّ وسالار الديلميّ وابن البرّاج ، وحسكا مخفف (حسن‌كيا) ومعنى كيا الرئيس ونحوه من كلمات التعظيم ، وهو فقيه عصره ، روى عن الكراجكيّ ، وهو جد منتجب الدين ابن بابويه صاحب الفهرست (٢)

«مؤلّفاته»

وقد وضع الكراجكيّ عددا ضخما من مؤلّفاته في مواضيع مختلفة ، كما أشرنا من قبل.

وقد ذكرها العلامة النوريّ في كتابه (المستدرك) صلى الله عليه وآله وسلم ٤٩٧٤٩٩.

وفيما يلي شطر من هذه المؤلّفات.

١ ـ روضة العابدين ونزهة الزاهدين ، ثلاثة أجزاء في الصلاة ، ألفه لولده موسى. ينقل عنه الشيخ شمس الدين محمّد وأخوه تقيّ إبراهيم الكفعمي ، (٣) ويرويه عنه الحسين بن هبة اللّه الطرابلسي. (٤).

٢ ـ الرسالة الناصرية في عمل ليلة الجمعة ويومها ، عملها للأمير ناصر الدولة بدمشق.

٣ ـ التلقين لأولاد المؤمنين ، ألفه بطرابلس.

_________________

(١) في الذريعة ج ١ ٩ / صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٥٦ ذكر له كتاب (الفرج في الغيبة) وورد اسمه هكذا أبو عبد اللّه محمّد ابن هبة اللّه بن جعفر الوراق الطرابلسي تلميذ الطوسيّ.

(٢) انظر : البحار ج ١ ٠٢ صلى الله عليه وآله وسلم ٢٤٤ وص ٢٦٤ هامش وانظر : الكنى والألقاب ج ٣ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٨١ = ١ ٨٢

(٣) انظر : طبقات الشيعة ج ٥ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٧٩

(٤) المصدر صلى الله عليه وآله وسلم ٦٩.

١٩

٤ ـ التهذيب متصل بالتلقين ، ألفه بطرابلس.

٥ ـ معونة الفارض على استخراج سهام الفرائض ، ألفه بطرابلس لبعض الإخوان.

٦ ـ المنهاج إلى معرفة مناسك الحاجّ ، ألفه للأمير صارم الدولة ذي الرئاستين.

٧ ـ المقنع للحج والزائر ، سأله لتأليفه القائد أبو البقاء غرز بن براك.

٨ ـ المنسك العضبي أمره بعمله صارم الدولة بطبرية.

٩ ـ منسك لطيف في مناسك النسوات أمره بعمله صارم الدولة.

١٠ ـ نهج البيان في مناسك النسوات أمره بعمله الشيخ الجليل أبو الكتائب أحمد بن محمّد بن عمّار بطرابلس.

١١ ـ الاستطراف فيما ورد في الفقه من الإنصاف ، صنفه للقاضي أبي الفتح عبد الحاكم.

١٢ ـ مختصر دعائم الإسلام للقاضي النعمان ، قاضي الفاطميين.

١٣ ـ الاختيار من الأخبار ، وهو اختصار كتاب الأخبار للقاضي النعمان.

١٤ ـ ردع الجاهل وتنبيه الغافل ، وهو نقض كلام أبي المحاسن المعري الذي نقض به على الشريف المرتضى في المسح على الرجلين ، عمله بطرابلس.

١٥ ـ البستان في الفقه ، صنفه للقاضي أبي طالب عبد اللّه بن محمّد بن عمار. (١)

١٦ ـ الكافي بصحة القول برؤية الهلال ، عمله بمصر.

١٧ ـ نقض رسالة فردان المروزي في الجزء.

غاية الإنصاف في مسائل الخلاف ، وهو نقض على أبي الصلاح الحلبيّ في مسائل خلافيّة بينه وبين الشريف المرتضى ، نصر فيها رأي المرتضى.

١٩ ـ حجة العالم في هيئة العالم ، ذكر فضلا منه في كتاب كنز الفوائد.

٢٠ ـ كتاب ذكر الأسباب الصارفة عن معرفة الصواب.

٢١ ـ دامغة النصارى ، وهي نقض كلام أبي الهيثم النصراني فيما رامه من تثبيت الثالوث والاتّحاد.

_________________

(١) ويقع في نيف وثلاثين شجرة طبقات ٥ صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٠٩ وربما كان هو كتابه المشجر الآتي.

٢٠