تراثنا ـ العددان [ 91 و 92 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 91 و 92 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٤

١

تراثنا

صاحب الامتیاز :

مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الثلاث والرابع [٩١ ـ ٩٢]

السنة الثلاثة والعشرون

محتويات العدد

* الفوائد البديعة من «وسائل الشيعة» (٦).

.................................................. السيّد علي الحسيني الميلاني ٧

* دعوات وشبهات أثارها البعض حول نهج البلاغة.

................................................ الشيخ عبد الرسول الغفاري ٢١

* تاريخ النظرية الرجالية في المدرسة الامامية (٢).

.................................................... السّيد زهير الأعرجي ١٠٠

* مدرسة الحلّة وتاجم علمائها من النشوء إلى القمّة (١).

.............................................. السيّد حيدر وتوت الحسيني ١٦٣

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين عليه‌السلام العامّة / النجف الأشرف (٢٣).

......................................... السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ٢٢٥

٢

رجب ـ ذو الحجّة

١٤٢٨ هـ

* من ذخائر التراث :

منهاج الحقّ واليقين في تفضيل عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ لولي بن نعمة الله الحسيني الرضوي الحائري من أعلام القرن العاشر الهجري.

............................................. تحقيق : مشتاق صالح مظفر ٢٥٩

* من ذخائر التراث :

نبذة من كتاب جواهر الكلام الحِكَم والأحكام ـ للقاضي أ[ي الفتح عبد الواحد بن محمّد التميميّ الآمديّ المتوفّى حدود ٥٥٠ هـ.

.................................. تحقيق : السيّد حسن الموسويّ البروجردي ٤١٥

* من أنباء التراث.

........................................................... هيئة التحرير ٤٧٥

* صورة الغلاف : نموذج من نسخة المخطوط لـ : «منهاج الحقّ واليقين في تفضيل عليّ أمير المؤمنين» لولي بن نعمة الله الحسيني الرضوي الحائري من أعلام القرن العاشر الهجري والمشورة فلي هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

الفوائد البديعة

من

وسائل الشيعة

(٦)

السيّد عليّ الحسيني الميلاني

(٢٩)

لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما

لقد عقد صاحب الوسائل رحمه الله أبواباً لأحكام الأولاد ، فروى في أحدها خبراً في وصيّة النبيّ لأمير المؤمنين عليهما الصّلاة والسّلام جاء فيه : «يا علي ، لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما. يا علي ، يلزم الوالدين من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما. يا علي ، رحم الله والدين حملا ولدهما على برّهما»(١).

أقول :

«العقُّ» في اللغة هو : الشقُّ والقطع.

إنّ الولد مأمور بأنْ يصل والديه ويبرّهما ، ولا شكَّ أنَّهما كما يمكنهما أنْ يعينانه بحسن المعاملة معه والقيام بحقوقه على الصلة والبرّ بهما ، كذلك يكون سوء المعاملة معه وقلّة العناية به سبباً للشقاق والمقاطعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٨٩ ح ٢٧٣٧٧.

           

٧

وقد عقدنا هذا الفصل لبيان اهتمام الأئمّة عليهم السلام بأمر الأولاد وما على الوالدين من المسؤليّات تجاههم ، وما ورد عنهم عليهم السلام في الوصيّة بهم ، وسيكون المطلب تحت عناوين :

من سعادة المرء أنْ يكون له خَلَف :

فأوّل شيء نذكره هو : ترغيب الأئمّة عليهم السلام في طلب الولد ، وأنّهم يعتبرون وجود الخَلَف للرّجل سعادةً له :

عن أبي الحسن عليه السلام : «سعد امرء لم يمت حتّى يرى خلفاً من نفسه»(١).

وقال عليه السلام : «إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً لم يمته حتّى يريه الخلف»(٢).

الاهتمام بالولد جنيناً

وتفيد الروايات : أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يهتمّون بأمر الولد وهو في بطن أمّه ، من حيث الصفات الظّاهرية والمعنوية.

فمن ذلك : حرصهم على جمال الولد ، ولذلك أمروا المرأة الحامل بأكل السفرجل ، ففي الخبر : «فإنّ الولد يكون أطيب ريحاً وأصفى لوناً»(٣).

ومن ذلك : حرصهم على أنْ يكون حليماً ، فأمروا بأنْ تأكل النفساء البرني ـ وهو نوع من التمر ـ فعن أبي عبد الله عليه السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٧ ح ٢٧٢٨٨.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٧ ح ٢٧٢٨٩.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٠٢ ح ٢٧٤١٠.

           

٨

«أطعموا البرني نساءكم في نفاسهنّ تحلم أولادكم»(١).

وعن أبي عبد الله عليه السلام : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : خير تموركم البرني ، فأطعموا نساءكم في نفاسهنّ تخرج أولادكم حلماء ـ حكماء ـ»(٢).

ومن ذلك : حرصهم على أنْ يكون زكيَّ القلب عالماً شجاعاً ، ففي الخبر :

«أطعموا حبالاكم ذكر اللبان ، فإنْ يكن في بطنها غلام خرج زكيّ القلب عالماً شجاعاً ...»(٣).

الاهتمام بالولد رضيعاً :

ثمَّ إذا ولد ، فقد أوصى الأئمّة عليهم السلام بأمور تتعلّق بكيفيّة رضاعه وأحوال مرضعته ، ممّا له تأثير في طبيعة الولد ولذا ورد عن أبي عبد الله عن أبيه : إنّ عليّاً كان يقول : «تخيّروا للرضاع كما تخيّرون للنّكاح ، فإنَّ الرضاع يغيّر الطباع»(٤).

وعنه عليه السلام : «انظروا من يرضع أولادكم ، فإنّ الولد يشبُّ عليه»(٥).

وممّا أوصوا به عليهم السلام :

عن أبي جعفر عليه السلام : «استرضع لولدك بلبن الحسان وإيّاك

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٠٣ ح ٢٧٤١٣.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٠٣ ح ٢٧٤١٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٠٥ ح ٢٧٤١٩.

(٤) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٦٨ ح ٢٧٦٠٥.

(٥) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٦٦ ح ٢٧٦٠٠.

           

٩

والقباح ، فإنّ اللبن يعدي»(١).

وعن الرضا عليه السلام عن آبائه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء ، فإنّ الّلبن يعدي»(٢).

وعن أبي عبد الله عليه السلام في استرضاع أهل الكتاب : «إذا أرضعوا لكم فامنعوهم من شرب الخمر»(٣).

وفي آخر : من لحم الخنزير أيضاً(٤).

وفي غير واحد من الأخبار النهي من استرضاع امرأة ولدت من الزنا(٥).

وهذا طرف ممّا ورد عنهم عليهم السلام بالنسبة إلى الأولاد في هذه المرحلة ، ممّا يكشف عن اهتمامهم بأمر أولاد المؤمنين ، من الجهات الروحيّة والجسميّة ، في جميع المراحل.

تسميته :

وممّا اهتمّ به الأئمّة عليهم السلام مسألة تسمية الأولاد ، فهناك روايات كثيرة في أنّ من حقوق الولد على والده أن يسمّيه باسم حسن :

فعن أبي الحسن عليه السلام : «أوّل ما يبرّ الرجل ولده أنْ يسمّيه باسم حسن. فليحسن أحدكم اسم ولده»(٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٦٨ ح ٢٧٦٠٦.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٦٧ ح ٢٧٦٠٣.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٦٤ ح ٢٧٥٩٥.

(٤) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٦٥ ح ٢٧٥٩٧.

(٥) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٦٥ ح ٢٧٥٩٨.

(٦) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٨٨ ح ٢٧٣٧٤.

           

١٠

ثمّ إنّه قد ورد عنهم عليهم السلام أن : «أصدق الأسماء ما سمّي بالعبوديّة وأفضلها أسماء الأنبياء» كما عن أبي جعفر عليه السلام(١).

وجاء في غير واحد من الأخبار تعيين عدّة من الأسماء ، ولا شك أنّ أفضلها اسم نبيّنا ، حتّى رووا عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال : «من ولد له ثلاث بنين ولم يسمّ أحدهم محمّداً فقد جفاني»(٢).

وعن أبي الحسن عليه السلام : «لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء»(٣).

والذي أظنّ أنّ من جملة أسباب التأكيد على التسمية بهذه الأسماء المباركة هو الأثر التربوي المترتّب عليها ، وذلك :

أوّلاً : لأنّ الولد المسمّى بهذا الإسم ، يستلهم منه الجهات المعنويّة والحالات القدسيّة التي كان عليها صاحبه من الأنبياء أو الأئمّة عليهم الصّلاة والسّلام ، فيكون محفِّزاً له على تحصيلها ورادعاً له عن أضدادها.

وثانياً : لأنّ هذه الأسماء تقتضي إكرامه من قبل الناس ، ومن قبل الوالدين اللذين سمّياه بذلك ، ومن هنا نجد التأكيد من الأئمّة عليهم السلام من هذه الحيثيّة.

إكرامه :

ففي الراويات الأمر بإكرام الولد ، قالوا عليهم السلام : «أكرموا

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٩١ ح ٢٧٣٨١.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٩٤ ح ٢٧٣٨٨.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٩٦ ح ٢٧٣٩٥.

           

١١

أولادكم»(١).

ولكنّي وجدتُ في بعضها الأمر بإكرامه والنهي عن سبّه وضربه ... متفرّعاً على تسميته بالأسماء الحسنة ، ممّا يستظهر منه أنّ بين التسمية والإكرام ارتباطاً قويّاً ، فإنْ لم نقل أنّ «الإكرام» علّة للتسمية فلا ريب في أنّه من آثارها ...

ففي الخبر عن أبي هارون قال : «كنت جليساً لأبي عبد الله عليه السلام بالمدينة ، ففقدني أيّاماً ، ثمّ إنّي جئت إليه فقال : لم أرك منذ أيّام يا أبا هارون. فقلت : ولد لي غلام. فقال : بارك الله لك ، فما سمّيته؟ قلت : سمّيته محمّداً. فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول : محمّد محمّد محمّد ، حتّى كاد يلصق خدّه الأرض ، ثمّ قال : بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ وبأهل الأرض ، كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله. لا تسبّه ولا تضربه ولا تسىء إليه ...»(٢).

وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله قال : «إذا سمّيتم الولد محمّداً فأكرموه ، وأوسعوا له في المجلس ، ولا تقبّحوا له وجهاً»(٣).

شدّة الحبّ له :

ومن الأخبار ما يفيد الأمر بشدّة الحبّ للولد ، فعن أبي عبـد الله عليه

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٧٦ ح ٢٧٦٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٩٣ ح ٢٧٣٨٧.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٩٤ ح ٢٧٣٩٠.

           

١٢

السلام : «إن الله ليرحم الرّجل لشدّة حبِّه لولده»(١) فهم لا يأمرون بالحبّ فقط بل بشدّة الحبّ له ...

بل ، لقد جعلوا البرّ بالولد بمنزلة البرّ بالوالدين!

عن أبي عبـد الله عليه السلام : «برّ الرجل بولده برّه بوالديه»(٢).

وعنه في خبر آخر : «قال رجل من الأنصار : من أبرّ؟ قال : والديك. قال : قد مضيا. قال : برّ ولدك»(٣).

وعنه عليه السلام : «جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال : ما قبّلت صبيّاً لي قطّ ، فلمّا ولّى قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : هذا رجل عندي أنه من أهل النار»(٤).

وعنه قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : «من قبّل ولده كتب الله له حسنة»(٥).

مسؤلية الوالد :

وبحسب الروايات الواردة ، فإنّ الله عزّ وجلّ سيسأل الوالد يوم القيامة عن ولده!

ففي رسالة الحقوق ، يقول الإمام السجّاد عليه السلام : «وأمّا حقّ ولدك ، فتعلم أنّه منك ومضافٌ إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته ، من حسن الأدب والدلالة على ربّه المعونة على ربّه

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٩ ح ٢٧٣٠٠.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٨٤ ح ٢٧٦٥٣.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٨٣ ح ٢٧٦٤٩.

(٤) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٨٤ ح ٢٧٦٥٤.

(٥) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٧٥ ح ٢٧٦٢٣.

           

١٣

طاعته فيك وفي نفسه ، فمثابٌ على ذلك ومعاقَب ، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذّر إلى ربّه فيما بينك وبينه ، بحسن القيام والأخذ له منه»(١).

وعن سليمان بن خالد قال : «قلت لأبي عبـد الله عليه السلام : إنّ لي أهل بيت وهم يسمعون منّي ، فأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال عليه السلام : نعم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(٢).

فقال الشيخ المجلسي بشرحه بعد القول بصحّة الحديث :

«وتدلُّ الآية على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أنّ الأقارب من الزوجة والمماليك والوالدين والأولاد وساير القرابات ، مقدّمون في ذلك على الأجانب»(٣).

وعن أبي بصير في الآية المذكورة قال : «كيف أقيهم؟ قال عليه السلام : تأمرهم بما أمر الله وتناههم عمّا نهاهم ، فإنْ أطاعوك كنت قد وقيتهم ، وإنْ عصوك كنت قد قضيت ما عليك»(٤).

وفي عدّة من الأخبار : أنَّ الولد «نعمة» وأنّ الله «يسأل عن النعيم» :

عن أبي عبـد الله عليه السلام : «البنات حسنات والبنون نعمة ، وإنّما يثاب على الحسنات ويسأل عن النعمة»(٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ / ١٧٢ ح ٢٠٢٢٦.

(٢) سورة التحريم ٦٦ : ٦.

(٣) بحار الأنوار ٧١ / ٨٦.

(٤) الكافي ٥ / ٦٢ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٦٥ ح ٢٧٣١٦.

           

١٤

فأشاروا بذلك إلى قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذ عَنِ النَّعِيمِ)(١).

أثر اللّقمة من حرام :

وقبل أنْ نوضّح وظيفة الوالد تجاه الولد من حيث التربية والتعليم ، نرى من الضروري أن نشير إلى ما للّقمة من الحرام من تأثيرات ...

أمّا في النطفة ، فالكلّ يعلم بأنّ النطفة تتكوّن من جميع البدن وبذلك روايات(٢).

وعن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إذا وقعت اللّقمة من حرام في جوف العبد لعنه كلّ ملك في السماوات وفي الأرض ، وما دامت اللّقمة في جوفه لا ينظر الله إليه. ومن أكل اللّقمة فقد باء بغضب من الله ، فإن تاب تاب الله عليه وإنْ مات فالنار أولى به»(٣).

ولا يخفى أنّ اللّقمة الحرام أعمّ ممّا كان من الأطعمة حراماً كلحم الخنزير ، والميتة مثلاً ، وما كان أكلاً لِمال الغير بدون إذن منه.

فإذا أكل الوالد لقمة حرام وتكوّنت النطفة منها وتكوّن منها الولد ، فلا شكَّ في أنّها تترك الأثر السيِّء الكبير في طبيعة الولد وأخلاقه.

وهذا البيان وإنْ كان كافياً للمطلب ، لكنْ بإمكانك أنْ ترجع إلى كلمات المعصومين في تفسير قوله تعالى : (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاَدِ)(٤) حتّى ترى أنّهم ما تركوا شيئاً يحتاجه الإنسان في نفسه وأهله

__________________

(١) سورة التكاثر ١٠٢ : ٨.

(٢) بحار الأنوار ٤٧ / ٤٧ عن الكافي في خبر.

(٣) مستدرك سفينة البحار ٢ / ٢٦٥.

(٤) سورة الإسراء ١٧: ٦٤.

           

١٥

وولده ، لدنياه وآخرته ، ولتعلم عظمة هذه المدرسة ، وتفهم مدى اهتمامهم بأمر الأولاد ...

فعن أبي جعفر عليه السلام في هذه الآية : «قال : ما كان من مال حرام فهو شريك الشيطان. قال ويكون مع الرجل حتّى يجامع ، فيكون من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراماً»(١).

بل يستفاد ممّا ورد في بعض الأخبار من تأثير المال الحرام الذي اشتريت به الجارية ، أنّه لو أمهر الرجل المرأة بمال حرام فأولدها ، ترتّب الأثر الشيطاني على الولد :

ففي تفسير الشيخ القمّي في الآية المباركة : قال : ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان ، فإذا اشترى به الإماء ونكحهنّ وولد له فهو شرك الشيطان كما تلد يلزمه منه ويكون مع الرجل إذا جاء جامع ، فيكون الولد من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراماً»(٢).

وظيفة الوالد تجاه الولد :

ثمّ إنّ وظيفة الوالد تجاه الولد ـ بعد ما ذكر ـ تتلخّص في أمرين :

١ ـ التربية :

فعن أمير المؤمنين عليه السلام : «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم»(٣).

وعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «جاء رجل إلى النبي صلّى

__________________

(١) تفسير كنز الدقائق ٦ / ١٩٧.

(٢) تفسير كنز الدقائق ٦ / ١٩٩.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٧٦ ح ٢٧٦٢٩.

           

١٦

الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ، ما حقّ ابني هذا؟ قال : تحسن اسمه وأدبه ، وضعه موضعاً حسناً»(١).

وعن أبي عبـد الله عليه السلام قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : رحم الله من أعان ولده على برّه. قال : قلت : كيف يعينه على برّه؟ قال : يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ، ولا يرهقه ولا يخرق به ، وليس بينه وبين أنْ يدخل في حدّ من حدود الكفر إلاّ أن يدخل في عقوق أو قطيعة رحم ...»(٢).

ومن الواضح أنّه إذا لاقى الولد من والده هذه المعاملة الجميلة ، فإنّه سينشأ عليها ويتأدّب بها. ويعامله وسائر النّاس بها ...

بل ، لقد ورد في الخبر أنّه «كان داوود بن زربي شكا ابنه إلى أبي الحسن عليه السلام فيما أفسد له. فقال : استصلحه ، فما مائة ألف فيما أنعم الله به عليك؟!». وهذا مطلبٌ تربويّ مهمّ جدّاً.

٢ ـ التعليم :

وأكّدت الروايات أيضاً على وظيفة تعليم الأولاد ، بأنّه حقٌّ من حقوقهم على الآباء :

فعن عليٍّ عليه السلام : «علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به ...»(٣).

أ ـ تعليم القرآن :

عن أبي عبـد الله عليه السلام : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله :

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٩١ ح ٢٧٣٨٠.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٨١ ح ٢٧٦٤٥.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٧٨ ح ٢٧٦٣٤.

           

١٧

من قبّل ولده كتب الله له حسنةً ، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة ، ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فكسيا حلَّتين تضيء من نورهما وجوه أهل الجنّة»(١).

وفي خبر عنه صلّى الله عليه وآله : «حقّ الولد على والده إذا كان ذكراً : أن يستفره أُمّه ، ويستحسن اسمه ، ويعلّمه كتاب الله ، ويطهّره ، ويعلّمه السبّاحة ...»(٢).

ب وج ـ تعليم الحلال والحرام والكتابة :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام : «الغلام يلعب سبع سنين ، ويتعلّم الكتاب سبع سنين ، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين»(٣).

وعنه عليه السلام : «من حقّ الولد على والده ثلاثة : يحسن اسمه ويعلّمه الكتابة ويزوّجه إذا بلغ»(٤).

د ـ الحديث :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام : «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أنْ تسبقكم إليهم المرجئة»(٥).

وهذا مطلب مهمُّ جدّاً ، فالإمام عليه السلام يؤكّد على تعليم الأولاد علومهم الحقّة قبل أنْ يتأثّروا بأهل الباطل ...!

هذا ، وفي عدّة من الأخبار ، الأمر بتعليم الأولاد السباحة والرّماية(٦)

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٧٥ ح ٢٧٦٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٨١ ح ٢٧٦٤٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ / ٣٣١ ح ٢٢٦٨٨.

(٤) وسائل الشيعة ٢١ / ٤٨٢ ح ٢٧٦٤٦.

(٥) وسائل الشيعة ١٧ / ٣٣١ ح ٢٢٦٩٠.

(٦) وسائل الشيعة ١٧/٣٣١ ح ٢٢٦٨٩.

           

١٨

كما في بعضها الأمر بتزويجه إذا بلغ ، وأنّ ذلك من حقوقه ، وقد تقدّم.

من سعادة الرجل الولد الصالح :

ولا شكّ أنّ الوالد إذا قام بوظائفه تجاه الولد ، فسيكون له ولداً صالحاً ، ويكون هو سعيداً بهذا الولد :

فعن أبي عبـد الله عليه السلام : «من سعادة الرجل الولد الصالح»(١) ، وإنّه سيكون سعيداً به في حياته وبعد وفاته :

عن أبي عبـد الله عليه السلام : «ميراث الله من عبده المؤمن الولد الصالح يستغفر له»(٢).

بل في رواية :

«الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنّة»(٣).

من سعادة الرجل أنْ يكون له ولد يشبهه :

لأنّه سيعرف به بين الناس من بعده ، فيذكرونه بالخير ويستغفرون له :

عن أبي جعفر عليه السلام : «من سعادة الرجل أنْ يكون له الولد ، يعرف فيه شبهه وخلقه وخلقه وشمائله»(٤).

بل ذلك من نعم الله عليه :

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : «من نعمة الله على الرجل أن

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٩ ح ٢٧٢٩٦.

(٢) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٩ ح ٢٧٢٩٩.

(٣) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٨ ح ٢٧٢٩٥.

(٤) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٦ ح ٢٧٢٨٥.

           

١٩

يشبهه ولده»(١).

من سعادة الرجل أنْ يكون له ولد يستعين بهم :

وهذا أيضاً من سعادة الوالد ، فقد جاء في خبر عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام(٢) ، وظاهره الاستعانة بهم في الأمور الدنيويّة.

وبعد :

فإذا قام الوالدان بما يجب عليهما تجاه ولدهما ، فقد أعاناه على برّهما ، وقد ورد عنهم عليهم السلام : «رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما».

وإنْ قصّرا في ذلك ، فإنّ الله سيؤاخذهما بل هما ملعونان :

«لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما»!

للموضوع صلة ...

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢١ / ٣٥٦ ح ٢٧٢٨٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ / ٢٤٣ ح ٢٢٤٣٤.

           

٢٠