تعليقات الفصول في الأصول - ج ٣

محمّد حسين بن عبد الرحيم الحائري الإصفهاني

تعليقات الفصول في الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد حسين بن عبد الرحيم الحائري الإصفهاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة الآداب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٠

١
٢

قوله «قده» : نعم اذا ورد ـ الخ :

يعني في مورد وجود الدليل على التصرف في أحد الدليلين يقصر التصرف فيه ولا ينظر الى بعده ولا الى قربه لا بحسب النوع ولا بحسب الشخص ، ولا يتصرف في الآخر وان كان قريبا نوعا وشخصا.

قوله «قده» : لئلا تفوت الفائدة ـ الخ.

مراده أن غرض المدون وان كان حصول الانفهام فات ذلك الغرض ولم تحصل الفائدة ، وان لم يكن حصوله لزم الاغراء بالجهل ، وهذا واضح :

قوله «قده» : فان فيه وجوها تسعة.

لأنه يحتمل أن يكون يطهر في قوله «يطهر» مجردا مبنيا للفاعل وان يكون مزيدا فيه مبنيا للفاعل أو للمفعول ، ولا يحتمل ـ بناء على كونه مجردا ـ ان يكون مبنيا للمفعول ، إذ هو لازم غير متعد لا يصح أخذه مبنيا للمفعول ، فصارت الأقسام ثلاثة ، وكذا يطهر في قوله «لا يطهر» محتمل للوجوه الثلاثة ، واذا ضربت الثلاثة في الثلاثة يصير حاصل الضرب تسعة : وان امتنع بعضها ـ وهو ما اذا كانا متوافقين متماثلين ـ وهو ثلاثة منها للزوم التناقض :

ويمكن تصوير الوجوه التسعة بنحو آخر ، وهو أن قوله «يطهر» إما أن يكونا مجردين أو مزيدا فيهما أو مختلفين ، وكذلك إما أن يكونا مبنيين للفاعل أو مبنيين للمفعول أو مختلفين ، فاذا ضربت تلك الثلاثة في هذه الثلاثة صار الحاصل تسعة :

٣

قوله «قده» : ويؤيده ما قيل ـ الخ.

إنما لم يقل «ويدل عليه» لأن المتيقن من قولهم «الحقيقة أرجح من المجاز» هو صورة العلم بالوضع والشك في تعيين المراد لا في الصورة المفروضة ، حيث أن المراد معلوم والشك في الموضوع له.

قوله «قده» : ان اقتضى حجيته مطلقا ـ الخ.

بيانه : ان الدليل الدال على حجية هذا الظن إن دل على حجيته مطلقا وإن دل ما هو أقوى منه على خلافه. وبعبارة أخرى دل على حجيته على وجه العلية التامة لهذا الظن بالنسبة الى مؤداه ، فلا وجه لتخصيص الدليل وافراده في هذا المقام الذي هو ما لو اتحد المستعمل فيه وجهل الموضوع له بهذا الاشتراط ـ يعني اشتراط الفحص ، وبعبارة أخرى ابقاء الدليل بالنسبة الى سائر المقامات على اطلاقه وافادته العلية التامة ـ وان كان حقا لا محذور فيه ، إلّا ان تقييده بالنسبة الى المقام باشتراط الفحص وعدم الحجية عند وجود ما هو أقوى على خلافه ـ بأن يكون بالنسبة الى المقام دالا على المقتضى دون العلة التامة ـ لا وجه له ، إذ ليس دليل يدل على هذا الاشتراط ، وكون الظن الأقوى مانعا بعد ما فرض كون الدليل دالا على وجه العلية التامة والاطلاق ، بل يلزم الخلف والتناقض كما لا يخفى ، وان لم يدل الدال على حجية هذا الظن على حجيته مطلقا وعلى وجه العلية التامة بأن دل على حجيته في الجملة وعلى وجه الاقتضاء الذى لا ينافي وجود المانع ، فلا ريب في أن وجود المقتضي لا يكفي في تحقق المقتضي بل لا بد من احراز عدم المانع ، فان الاشتراط حق إلّا أنه لا اختصاص له بهذا المقام فلا وجه لتخصيصه بهذا المقام ،

٤

إلّا أن يكون المعاصر المشترط معمما للاشتراط بالنسبة الى سائر المقامات أيضا ، وتعرضه لذكره في المقام لكون المقام من صغرياته ، وكلمات القوم ـ رضوان الله عليهم ـ ايضا لا ينافى هذا الاشتراط ، لكون غرضهم بيان المقتضي لا العلة التامة ـ فافهم.

قوله «قده» : وفيه ما عرفت.

إذ المراد بالشيوع والغلبة ان كان بحسب الاستعمال والوجود والوقوع فممنوع ، وان كان بحسب المعنى والمفهوم فهو معارض بأكثرية الاستعمال في المعنى الحقيقي ، وبعد تعارضهما يبقى اصالة الحقيقة ـ يعني ظهور اتباع الواضع بحاله ـ مع ان منع توقف المجاز الاعلى الوضع كالحقيقة فيه ما لا يخفى ، اذ المجاز موقوف على العلاقة والنقل والقرينة أيضا كما ذكره «قده» سابقا.

وفيه نظر واضح ، إذ ليس في كلام معاصره ـ وهو المحقق القمي «قده» ـ مما ذكره «قده» عين ولا اثر حتى يرد عليه ما أورده عليه ، بل انما توقف لكون الاستعمال أعم من الحقيقة. اللهم إلّا أن يقال : لا وجه لكون الاستعمال أعم من الحقيقة بعد كون ظاهر الاستعمال والمتبادر منه الحقيقة الا بمعارضته بما ذكر ، فيرد عليه ما أورد عليه.

ولكن نقول : يمكن أن يمنع المحقق كون المتبادر من الاستعمال الحقيقة ، فلا يحتاج الى ابداء المعارض حتى يمنع المعارض. وبالجملة لا وجه لما أورده قدس‌سره على المعاصر.

قوله «قده» : اذ المجاز الذي لا حقيقة له ـ الخ.

يعني ان المجاز بلا حقيقة غير واقع وان قلنا بامكانه :

٥

قوله «قده» : فيبعد حمل الاستعمال عليه.

يعني فاذا كان بعيدا نادرا فلا يعارض ظهور الحقيقة ، فلا وجه للتوقف.

قوله «قده» : يتوقف على سبق الاستعمال ـ الخ.

لا يخفى ان هذا الأصل معارض ، اذ كما ان الأصل عدم سبق الاستعمال في حقيقة غيره كذلك الأصل عدم سبق الاستعمال فيه ، فلا يحرز عدم الحقيقة حتى يلزم المجاز بلا حقيقة ، غاية الأمر وقصواه ان وجود الحقيقة غير معلوم لا انه معلوم العدم.

إلا أن يقال : ان وجود الحقيقة شرط فلا بد من احرازه. ولكن فيه : انه اذا أراد اثبات المجاز فلا بد من احراز شرطه ، ولكن لما كان مقصود القمي «قده» احتمال المجازية فيكفيه احتمال الحقيقة.

قوله «قده» : وكان هذا الأصل ـ الخ.

يعني ان المحقق القمي «قده» لما رأى في بعض الموارد اللفظ مستعملا في معناه المجازي وكان الأصل عند الشك عدم الاستعمال في المعنى الحقيقي التجأ الى منع توقف المجاز على الحقيقة.

ولا يخفى ما فيه ، لأن المحقق القمي «قده» منع التوقف ، لأن المجاز هي الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، فيحتاج الى الوضع ويكفيه ولا يحتاج الى الاستعمال فيما وضعت له ، حتى تتحقق الحقيقة ، فهو «قده» يقول بمنع التوقف وان تحققت الحقيقة ، ولا يحتاج «قده» في منع التوقف الى احراز عدم الحقيقة ولو بالأصل حتى يقال انه لما احرز

٦

عدمها بالأصل منع من التوقف. وهذا واضح لا سترة عليه.

قوله «قده» : وظني انه لا حاجة اليه ـ الخ.

توضيحه : انه مع لحاظ هذا الأصل واعتباره لا حاجة الى منع توقف المجاز على الحقيقة ، وليس هذا الأصل محوجا الى المنع المذكور كما زعمه المعاصر «قده» ، بل يصح ان يلتزم بتوقف المجاز على الحقيقة لأنا في الغالب نعلم اجمالا سبق الاستعمال على هذا المعنى وكونه في هذا المعنى ليس بأولى من كونه في غيره ، فلا يتعين كونه في هذا المعنى المجازي حتى يتحقق المجاز بلا حقيقة.

وبعبارة أخرى : بعد العلم الاجمالي باستعمال سابق لا يصح اجراء أصل عدم الاستعمال في المعنى الحقيقي.

هذا الأصل بمعارضه ، وهو أصل عدم الاستعمال المجازى ، ولا يحرز عدم الحقيقة حتى يكون المجاز بلا حقيقة.

وقوله قدس‌سره «فلا يتوقف على المنع المذكور» يعنى لا يتوقف المجاز عليه ولا يخفى ما فيه ، لأنه بناء على التوقف يكون وجود الحقيقة شرطا في المجاز ولا بد من احرازه ، وبمجرد أنه ليس الاستعمال في المعنى الحقيقي لا تحرز الحقيقة بل هي مشكوكة ، وان اريد احرازها بأصالة عدم استعمالها في هذا المعنى المجازي فلا ريب في انها معارضة بمثلها ، وهي أصالة عدم استعمالها في المعنى الحقيقي. ولعله «قده» أشار الى ما ذكرنا بأمره بالتدبر.

قوله «قده» : ويؤيده اصالة ـ الخ.

لا يخفى أن المفهوم الأعم فيما نحن فيه لا بد فيه من ملاحظة العموم والكلية

٧

ولا يكفي فيه عدم الملاحظة ، اذ المفهوم الذي لا يلاحظ فيه لا يكون قسيما ومقابلا للخاص ، اذ الكلي الطبيعي والمعنى اللابشرط لا ينافي الفرد وألف شرط ، فالأصلان في طرفي الأعم والأخص متعارضان.

قوله «قده» : وأما أصالة عدم ـ الخ.

فيه : ان هذا تعيين للحادث بالأصل. وبعبارة أخرى : الأمر دائر فيما نحن فيه بين الأقل والأكثر المفهوميين ، فلا يصح تعيين الأقل بالأصل وليس كالأقل والأكثر المصداقيين ، اذ لا ريب في انه لو كان الملحوظ للوضع خصوصيات مطلق الاخراج أو خصوص الأقل لم يكن الا تعيين واحد ، فيكون المحتملان بمنزلة المتباينين.

وبيان ذلك اجمالا انه بناء على كون الوضع في الاستثناء ونظائره عاما والموضوع له خاصا على مذهبه «قده» على خلاف التحقيق عندنا من كون الموضوع له أيضا عاما لا يعقل أن يكون الموضوع له متصورا على وجه التفصيل كل بتصور على حدة ، لامتناع احاطة المتناهي بغير المتناهي.

وبعبارة أخرى : لا يعقل أن يكون متصورا على وجه الكثرة المحضة حتى يقال : انه في مقام التصور التفصيلي التعاقبي التدريجي الأقل معلوم بحسب التصور والوضع بإزائه والأكثر مشكوك بحسبها والأصل عدمهما ، بل الموضوع له لا بد وأن يكون متصورا بالوجه وعلى وجه الاجمال ، ويكون الوضع بإزاء ذلك المتصور بالوجه او بإزاء ذلك الوجه من حيث الحكاية عن ذيه لا على وجه القضية الطبيعية ، حيث أن الحكم فيها على الطبيعة ولا يلاحظ فيها السراية وهو الأفراد بل على وجه القضية المحصورة.

وعلى الوجه الأول ـ وهو كون الموضوع له هو المتصور بالوجه ـ

٨

لا شبهة في أن الوجه هو الواسطة في العروض للتصور بالنسبة الى ذي الوجه ويكون الوصف بالنسبة الى ذي الوجه وصفا بحال المتعلق ، فلا تكون الخصوصيات ـ وهي ذات الوجه ـ متصورة بما هي خصوصيات فلا يكون المتصور الا الوجه ، فلا بد وأن يكون هو الموضوع له ، وهو مع انه خلاف للفرض ـ حيث ان المفروض أن الموضوع له هو الخاص فصار عاما ـ وحيث ان المفروض كون هذا الوجه مقابلا للوجه الثاني فصار آئلا اليه ، لا شبهة في انه لا يستلزم تصورا زائدا ووصفا آخر على حدة لو كان الموضوع له هو الاخراج ، اذ لا شبهة في أن تصور الشيء وتصور أعم منه لا يكون في تصور أعمهما تصورا. مثلا : اذا تصورنا الحيوان وتصورنا الانسان فليس في تصورنا الحيوان تصورا زائدا ، بل لو تصورنا أعم الأشياء وأشمل العامات مفهوما ـ وهو مفهوم الشيء العام ـ ليس فيه تصور زائد على تصور الخاص ، بل الأمر بالعكس.

نعم الأكثرية تكون بحسب المفهوم لا بحسب المصداق ، بحسب الحمل الأولي الذاتي لا بحسب الحمل الشائع الصناعي ، فيكون المتصور بالذات واحدا والوضع الذي يكون بإزائه فاردا ، مثل ما اذا كان الوضع لإخراج الأقل.

ومن هذا البيان الواضح ظهر حال الوجه الثاني ، وحال ما اذا كان مراده بالوضع الذي أجرى الأصل فيه بالنسبة الى المورد المشكوك الوضع الذي يكون بمعنى آلة لحاظ الوضع أيضا ، اذ الذي ذكرنا كان بالنسبة الى ما اذا كان المراد بالوضع هو تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه.

فظهر انه لا مجال للأصل هنا أصلا حتى نحتاج هنا الى ما أفاده من نهوض أصالة الحقيقة حجة عليه ، نظرا الى أن المدار في مباحث

٩

الألفاظ على الظن ، وهو حاصل من أصالة الحقيقة ـ فافهم ما ذكرنا فانه قلّ من يهتدي الى مغزاه.

قوله «قده» : بنفسه عن غيره.

لا يخفى أن النافي للوضع عن الغير هو أصل عدم تعدد الوضع دون ظاهر الاستعمال ، إلّا أن يقال : ان ظاهر الاستعمال ظهورا ناشئا عن غلبة اتحاد المعنى وقلة تكثر المعنى هو النفي عن الغير ، ولكن هذا خلاف ظاهر كلماته «قده» حيث يتمسك في نفي الوضع الزائد بالأصل.

قوله «قده» : اذا علم الوضع للجزء.

مقصوده «قده» ان الجزء المفروض ـ وان كان ذا العلاقة مع الكل ويصح استعمال اللفظ الموضوع للكل فيه مجازا ، لأن استعمال الكل في الجزء غير مشروط بشيء مما اشترط في عكسه من انتفاء الكل بانتفائه ـ الا أنا نعلم حسب الفرض ان اللفظ موضوع لهذا الجزء فلا يحتمل فيه المجازية ، واما الكل ـ وان احتمل فيه المجازية اذا استعمل اللفظ الموضوع للجزء فيه ـ إلّا انه ليس فيه علاقة ، اذ المفروض انه ليس فيه علاقة اذ لا بد في هذه العلاقة من كون الجزء الذي هو موضوع له للفظ الذي استعير لفظه للكل أن يكون ذلك الجزء مما ينتفي بانتفائه الكل ، فانتفى احتمال المجازية في الكل بالنسبة الى الجزء.

قوله «قده» : وبعد ثبوت الوضع ـ الخ.

كلمة «بعد» بضم الباء لا فتحها ، ووجه البعد انه مستلزم للمجاز بلا حقيقة ، والمجاز بلا حقيقة وان كان جائزا واقعا إلا انه نادر جدا

١٠

فيبعد حمل الاستعمال عليه كما أشار اليه في المورد الثاني من موارد القاعدة الأولى.

قوله «قده» : وأيضا سبب التجوز معلوم الحصول ـ الخ.

توضيحه : ان سبب التجوز هو التخصيص النوعي عند وجود العلاقة والجواز الطبعي عنده «قده» موجود ، وسبب الاشتراك ـ وهو الوضع ـ غير معلوم الوجود ، والأولى اسناد المسبب المعلوم ـ وهو المعنى المستعمل فيه الذي لا شبهة في استناده الى سبب ما ـ الى السبب المعلوم دون السبب الغير المعلوم.

وفيه : انه إن أراد من السبب العلة الناقصة والمقتضي فلا شبهة في أن هذا يرجع الى الاستحسان ، اذ لا شبهة في أن الشيء لا يوجد ولا يتحقق بمجرد وجود المقتضي والعلة الناقصة ، والمقتضي مع وجدان الشرائط وفقدان جميع الموانع.

وبالجملة جميع ما يعتبر في وجود الشيء من علل قوامه وعلل وجوده وما يشترط فيه وجودا وعدما ، فكون سبب التجوز معلوما ممنوع ، لأن من شرائطه ملاحظة العلامة وهي غير معلومة ، وسيجيء منا ان شاء الله عن قريب فساد توهمه «قده» ارتفاع الشك في ملاحظة العلاقة باجراء الأصل في تعدد الوضع بزعم كونهما سببا ومسببا ومزيلا ومزالا ، وحكومة الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في المسبب.

وبيان الفساد كما سيجيء هو كونهما في عرض واحد لا انهما يكونان طوليين مرتبين. وبالجملة فلما كان الشرط غير معلوم فالعلة التامة غير معلومة ، غاية الأمر وقصواه إن في التجوز تحقق المقتضي وشرائطه وهو وجود العلاقة ، وأما ملاحظتها فغير متحققة ، وهذا لا يكون مناطا للفرق

١١

اذ المقصود هو تحقق العلة في احدهما وعدم تحققها بالنسبة الى الآخر ، وهو لم يحصل.

قوله «قده» : نعم لو ثبت اجمالا ـ الخ.

أي لو ثبت الزائد اجمالا صح التعيين بالأصل كما في الصورة السابقة للتعدد ، وهي ما لو استعمل اللفظ في معنيين لا يكون بينهما علاقة التجاوز أو تحققت العلاقة للذي علم انه موضوع له.

وحاصل مراده ـ قدس‌سره ـ بقوله : «نعم» ـ الخ ، بيان الفرق بين صورة يكون احتمال الاشتراك فيه بدويا كما فيما ذكره موردا للقاعدة الثانية وبين صورة يكون احتماله مقرونا بالعلم الاجمالي بالوضع ويكون الشك في تعيين الموضوع له كما في الصورة السابقة بأنه ليس مقتضى الاستعمال الا التعيين للموضوع له لا الاثبات له ، فظاهر الاستعمال معين لا مثبت.

ويحتمل ـ على بعد ـ أن يكون المراد بالصورة السابقة صورة اتحاد المعنى ، ويكون الكاف في قوله «كما في الصورة» للتشبيه والتنظير لا التمثيل كما لا يخفى.

قوله «قده» : ولأن سلم ان الاستعمال ـ الخ.

الأظهر بل الظاهر أن يكون ناظرا الى تعليل الحكم المستدرك بأن مقتضى الاستعمال ليس أزيد من التعيين لا الاثبات. وبيانه : أنا لو سلمنا ان الاستعمال مثبت وظاهر في الحقيقة من دون حاجة الى العلم بالوضع بل لو لم يكن به صح اثباته بالاستعمال ، فلا فرق في صورة احتمال الاشتراك بين العلم بالوضع كما في الصورة السابقة وبين عدمه كما في الصورة الأخيرة اذ المناط هو الاستعمال ليس إلّا ، وهو متحقق فيهما.

١٢

الا انا مع ذلك نقول : يمكن الفرق بما ذكره ـ قدس‌سره ـ ويكون حاصل فرقه هذا إبداء المانع بعد تسليم المقتضي ، كما ان فرقه السابق انما هو بانتفاء المقتضى وعدمه.

هذا كله ظاهر بناء على ان يكون المراد بالصورة السابقة هنا وفي السابق هو صورة احتمال الاشتراك مع العلم الاجمالي ، وأما اذا كان المراد صورة اتحاد المعني فلا يرتبط قوله «ولئن سلم» ـ الخ بما علل به قوله «نعم» ـ الخ ، إلّا بأن يتكلف بأن يقال بخلاف الصورة السابقة وما نظر بها وقيس بها ، وهو صورة احتمال الاشتراك مع العلم الاجمالي بالوضع أو يفكك في المراد من الصورة السابقة في الموضعين بأن يراد بها في الأول صورة اتحاد المعنى ، وفي الثاني صورة احتمال الاشتراك مع العلم الاجمالي.

ويحتمل بعيدا أن يكون قوله «ولئن سلم» ـ الخ ، ناظرا الى الفرق بين متحد المعنى ومتكثر المعنى. وبيانه : أنا لا نسلم أولا ان الاستعمال ظاهر في الحقيقة في صورة تعدد المعنى لقصور المقتضي ، ولئن سلم نقول : يمكن الفرق بابداء المانع ، وحينئذ فاما أن يكون المراد بالصورة السابقة في الموضعين صورة اتحاد المعنى ، واما أن يراد في الموضعين صورة تكثر المعنى مع العلم الاجمالي ، ويتكلف في ارتباط قوله «بخلاف الصورة السابقة» بما نحن فيه بأن يقال : بخلاف الصورة السابقة وما ألحق بها أولى منها واما أن يفكك.

ونحن ـ وان كثرنا الوجوه والاحتمالات تشحيذا للذهن وتقوية للفكر ـ إلّا أن الظاهر هو كون قوله «ولئن سلم» ـ الخ ، ناظر الى ما علل قوله «نعم» ـ الخ ، وكون المراد بالصورة السابقة في الموضعين هو صورة تعدد المعنى مع العلم الاجمالي ، ويكون الكاف في قوله «كما في الصورة السابقة» للتمثيل لا للتشبيه ـ فافهم بعون الله تعالى.

١٣

قوله «قده» : وما يقال من أن أصالة عدم ـ الخ.

لا يخفى ان المصنف ـ قدس‌سره ـ زعم أن الشكين سببي ومسببي ومزيل ومزال ، وزعم ان الشك في ملاحظة العلاقة يزول بعد ما اجري الأصل بالنسبة الى عدم تعدد الوضع ، فلا يبقى مجال ومورد للأصل بالنسبة الى ملاحظة العلاقة ، اذ مورد الأصل هو الشك. وبالجملة الأصل السببي وارد على المسببي ، وأحال بيانه الى ما سيذكره في مبحث الاستصحاب.

ونحن نقول : الكبرى وان كانت ثابتة محققة إلّا أن الصغرى ممنوعة اذ ليس ما نحن فيه تحت الأوسط ، إذ هما متلازمان عرضيين كما لا يخفى وأشرنا اليه سابقا فلا نطيل بالاعادة.

(تنبيه وتتميم)

الحق أن يقال : إن ظهور الاستعمال في جميع الموارد في الحقيقة لو سلم فلا نسلم حجيته الا في تعيين المراد بعد العلم بالوضع لا في تشخيص الوضع واثباته ، اذ المتيقن قيام الاجماع واتفاق ارباب اللسان في المحاورات على الأخذ به في الأول دون الثاني ، فيقتصر في الثاني على ما عينوه له من التبادر وغيره ، فالحق في دفع التدافع بين القاعدتين أن يقال على مذاق القوم : إن مورد القاعدة الأولى هو تشخيص المراد بعد العلم بالوضع ، ومورد القاعدة الثانية هو تعيين الوضع وتشخيصه.

والذي أرى بطلان القاعدة الأولى رأسا ، وليس الاتكال في تشخيص المراد أبدا على الظن والظهور بل الاتكال على القطع والعلم. وبيان ذلك اجمالا هو : ان اقوال القوم في الأخذ بالظواهر خمسة : السببية المطلقة ،

١٤

والسببية المقيدة ، والظن النوعي المطلق ، والظن النوعي المقيد ، والظن الشخصي الفعلي. ولا ريب في أن الأخذ بما وراء العلم لا بد له من دليل قاطع ، والدليل على ما ذكروه ليس إلا اجماع العقلاء وارباب اللسان ، ولا شبهة في أنه في غالب الموارد يحصل للسامع العلم بالمراد. نعم قد يتفق للسامع الشك من قبل نفسه او بتشكيك مشكك ، وحينئذ فلا شبهة في انه يتوقف ولا يحكم بشيء ولا يأخذ بالظاهر ما لم ينضم اليه مقدمة عقلية ، وهي قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة وفي مورد جريانها ، ويكون المتكلم حكيما لا يصدر منه القبيح والسامع مرادا افهامه ، ويكون المقام مقام الحاجة الى البيان يحصل القطع بالمراد ، وأما في غيره فلا يحكم بشيء ولا يأخذ بالظن ولا ظاهر ، هذا أقل قليل بالنسبة الى الموارد التي تفيد العلم.

والذي يكشف عن أن الأخذ بالمداليل اللفظ ليس من باب ما ذكره القوم أن الصبيان الذين بلغوا إلى أول درجة التمييز بل والبهائم يفهمون المرادات من غير علم لهم ببناء العقلاء وأرباب اللسان ، ولا يكون لهم عقل يكون بحسبه بانين على الأخذ بظواهر الفطرة وان لم يكن لهم علم ببناء غيرهم. وهذا الذي ذكرناه واضح لمن راجع وجدانه وخلى ذهنه عن الشبهات ـ فافهم وتأمل جدا.

قوله «قده» : وقد يفصل في المقام.

أي في مورد القاعدة الثانية.

قوله «قده» : وهذا التعليل وإن قرره المفصل ـ الخ.

الفرق بين المستفاد والمستفاد منه يمكن أن يكون المفصل قرر التعليل

١٥

في صورة يكون احتمال الاشتراك والمجازية في المعاني ، والمصنف «قده» قرره في المعنيين.

ويحتمل أن يكون الفرق بين المفصل اجراه في القدر المشترك الظاهر منه هو القدر المشترك الذاتي ، والمصنف «قده» اجراه في الأعم الذي هو أعم منه ومن العرضي. ويشهد لهذا الفرق عطفه «قده» للقدر المشترك على العام في قوله فيما بعد «فوضعه للعام أو للقدر المشترك» بأو المقتضية للمغايرة ـ فافهم إن شاء الله تعالى.

قوله «قده» : وأصالة عدم الوضع ـ الخ.

مقصوده من عدم حصول مجوز التجوز هو عدم تحقق العلاقة ، وان كان الواضع رخص أو الطبع رخص في استعمال اللفظ في غير معناه عند وجود العلاقة على سبيل الكلية ، إلّا ان الشك في وجود العلاقة وتحققها. وبعبارة أخرى : الكبرى الكلية وان كانت معلومة إلّا أن الشك في كون ما نحن فيه من صغرياته وتعلق تلك الكبرى به.

والفرق بين قوله ـ قدس‌سره ـ سابقا «عدم تحقق العلاقة المعتبرة» وقوله هنا «عدم حصول مجوز التجوز» مع انا قلنا ان المراد به ايضا عدم تحقق العلاقة هو أن العدم المذكور في السابق كان ثابتا بالغلبة وهنا بالأصل ـ فافهم.

قوله «قده» : فان المتبادر منه ـ الخ.

يعني ان المتبادر من الباء الموضوعة للسببية في قولنا «بوضع» هو السبب بلا واسطة اولا وبالذات ، والاستعمال المجازي الوضع سببه بواسطة الموضوع له.

١٦

قوله «قده» : أو لأن الظاهر منه ـ الخ.

يعني ان الظاهر من الباء السببية المستقلة ، وليس الوضع في الاستعمال المجازي سببا مستقلا ، بل يحتاج الى وجود العلاقة.

قوله «قده» : فانه وان كان لمسماهما تعلق ـ الخ.

لا يخفى ما فيه ، اذ لا يلزم منه أن يكون جميع أفعال المكلفين معاني شرعية لحكم الشارع عليها بأحكام ، بل هي أولى بكونها معاني شرعية ، لأن الأحكام ثابتة لها ووصف لها بحال بأنفسها ، بخلاف الحسن والحسين حيث أن الأحكام ثابتة لأتباعهما والاعتراف بامامتهما وعصمتهما ، فيكون الحكم والوصف بحال المتعلق.

قوله «قده» : بناء على انها حقائق ـ الخ.

المراد بالمعاني الشخصية المعاني الجزئية الحقيقية كالصراط والميزان والجنة والمراد بالمعاني المخصوصة المعاني الكلية النوعية كالحساب ، حيث ان الحساب لكل احد شخص مغاير لحساب آخر.

قوله «قده» : لأن الغرض الداعي ـ الخ.

لا يخفي ما فيه ، لأن بيان الآثار والأحكام لا يقتضي وضع لفظ لموضوع بعد ما كان اللفظ موضوعا له ، ولا شبهة ولا ريب في انه لم يضع الشارع لفظا لهذه المعاني المذكورة بعد ما وضع الواضع ألفاظا بإزائها غاية الأمر وقصواه ان الناس كانوا جاهلين بأن في ما وراء هذا العالم الحسي الدنيوي عالما آخر واخبر الشارع به وبوجود مصاديق الميزان والحساب

١٧

والصراط وغيرها فيه.

قوله «قده» : على التقديرين الأخيرين.

يعنى تقدير كون واضع اللغات مما عدا الألفاظ المبحوث عنها غيره تعالى ، وتقدير كونه اياه تعالى.

قوله «قده» : ما اذا كانت منقولات.

سواء كانت تعيينية أو تعينية.

قوله «قده» : ومنه يظهر ـ الخ.

يعني من قولهم في الاحتجاج. ووجه الظهور انهم اثبتوا باحتجاجهم ما لا يعرف اهل اللغة معناه دون غيره ، فيظهر انهم قائلون بثبوت النوع الثاني ، وهو ما لا يعرف اهل اللغة معناه دون النوعين الأخيرين.

قوله «قده» : على تقدير تسليمه.

يعني لا نسلم أولا انتفاء العلاقة لوجود علاقة السببية والمسببية ، اذ الايمان سبب للعبادة.

قوله «قده» : فالوجهان متقاربان ـ الخ.

النسبة بين الوجهين هي العموم والخصوص المطلق ، اذ الأول يشتمل ما كان حقيقة عند المتشرعة بعد زمان وقوع النزاع. ومنه يظهر وجه أوفقيته بالاعتبار ، اذ الوجه الثاني لا يشتمل بعض ما يمكن جريان النزاع فيه

١٨

قوله «قده» : ولا ينافي ذلك ـ الخ.

بيان المنافاة : انه اذا كانت حقائق لغوية فلا بد وأن يكون معانيها معلومات عند أهل اللغة ، واذا كانت معلومة عند اهلها فيستعلم بالرجوع اليهم فلا تكون توقيفية لا يمكن العلم بها الا بالتلقي.

وأما بيان عدم المنافاة فهو أن العلم بالوجه يكفي في مقام الوضع ولا يحتاج الى اكتناه الموضوع له ، ففيما نحن فيه العلم بكنه تلك الحقائق لا يحصل بالرجوع الى اهل اللغة ، بل لا بد من التلقي من صاحب الوحي وان حصل العلم بوجهها بالرجوع اليهم.

ولا يخفى انه لا وجه لتوهم المنافاة اصلا حتى يحتاج الى الجواب الذي ذكره ، لأنه «قده» ردد الواضع بين اشخاص يكونون هم المرجع والمعول في العلم بتلك الحقائق لا يكون معول غيرهم ، فلو كانت حقائق لغوية يستعلم من الرجوع اليهم ولا ينافي بوظيفتها وتوقيفيتها على التلقي من الوحي. نعم لو فرض الواضع غيرهم اتجهت المنافاة واحتيج الى الجواب المذكور ـ فافهم.

قوله «قده» : على أن كلامه ظاهر ـ الخ.

جواب آخر عن قول القائل لا سبيل الى المنع بعد وقوع الفعل. وحاصله : ان المستدل اراد بالتبادر المدعى التبادر بالنسبة الى زمانه لا بالنسبة الى زمان الشارع حتى يتجه قول القائل لا سبيل الى المنع بعد وقوع نقل التبادر من هذا المدعى وحجية نقله ، فالكلام المذكور مع هذا المدعي المستدل من منع التبادر مناقشة ظاهرية لا واقعية لها ، اذ ليس مراد المستدل دعوى التبادر بالنسبة الى زمان الشارع حتى يمنع.

١٩

ويمكن أن يكون الضمير في قوله «معه» راجعا الى ظهور كلام المستدل في دعوى التبادر بالنسبة الى زمانه.

قوله «قده» : سلمنا لكن لا نسلم ـ الخ.

ناظر الى قوله : وان كان بالنسبة الى زمان الشارع فممنوع.

قوله «قده» : والجواب أن يرجع هذا الوجه ـ الخ.

فيه : انه ليس مرجعه الى الاستحسان بل الى البرهان العقلي ، لأنه اذا دار الأمر بين الوضع وتكرير القرينة ، فلا ريب في أن في تكريرها كلفة ليس في الوضع فيكون مرجوحا والوضع راجحا ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح لا يصدر من الحكيم. وايضا في الوضع ليس نقض للفرض وهو الافهام ـ بخلاف التجوز ، اذ ربما تخفى القرينة فيختل الفهم فينتقض الفرض ، ولا ريب في قبح نقض الفرض.

قوله «قده» : ولو بنصب قرينة عامة ـ الخ.

أورد عليه بعض المعاصرين «قده» في بدائعه بأن قرينة المجاز لا بد أن يكون سببا لانتقال الذهن من اللفظ الى معنى بعد الانتقال الى معنى آخر يحصل بالانتقالين اثره المقصود من وجوه البلاغة والمبالغة. وأنت خبير بأن هذا المعنى غير موجود في القرينة العامة المنصوبة قبل الاستعمال ، فلا يكون على حد سائر قرائن المجاز ، فليس هي الا إعلاما للمتكلم لما يبني عليه من الالتزام بتعبير المعانى الجديدة بالألفاظ المعهودة ، وهل هذا الا وضع هذه الألفاظ لتلك المعاني وضعا تعيينيا ، اذ المراد بالوضع التعييني ليس هو انشاء التعيين لفظا ، بل المراد به هو البناء على ان يكون الكاشف عن

٢٠