تعليقات الفصول في الأصول - ج ٢

محمّد حسين بن عبد الرحيم الحائري الإصفهاني

تعليقات الفصول في الأصول - ج ٢

المؤلف:

محمّد حسين بن عبد الرحيم الحائري الإصفهاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مطبعة الآداب
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٨

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم :

«أثبتنا في أول الجزء الأول الكلمة النورية التي كانت بقلم تلميذ المؤلف آية الله الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ـ طاب ثراه ـ ، ونثبت هنا ترجمة المؤلف لتلميذه الآخر مؤلف كتاب الذريعة سماحة آية الله الشيخ آغابزرك الطهراني ـ مد ظله ـ وقد طبعت هذه الترجمة في الجزء الأول من نقباء البشر ص ٨٥»

الشيخ احمد الشيرازي

هو المولى الأجل الشيخ أحمد بن علي محمد الشريف بن محمد حسين الشريف بن الحاج محمد ، كان من علماء النجف الفقهاء وحكمائها المحققين ، تلمذ على السيد المجدد الشيرازي بسامراء سنين ورجع الى شيراز ، ثم اعرض عن أهلها وعاد الى النجف مشغولا بالتدريس والتعليم قرأت عليه شطرا من مباحث الأوامر ومبحث الضد من كتاب الفصول أول ورودي الى النجف سنة ١٣١٣ ه‍ ، وكنت قرأته في طهران غير أني كنت معتقدا بأنه لا يخرج من حق تلك المساءلة إلا الحكيم ، فكنت أحضر درسه مع لفيف من الطلاب يقرب من عشرين ، فوجدته خيرا ممن كنت قرأتها عليه في طهران ، وكانت تولية مدرسة القوام بيده ، وكان يدرّس فيها ويقيم الجماعة في الصحن الشريف.

٣

له تصانيف : منها حاشية نفسية جليلة على الفصول الى آخر بحث العام والخاص سمعت أنها طبعت ، وله رسالة في إثبات سيادة الشريف واستحقاقه الخمس ، وهي رسالة جليلة لم يكتب مثلها فى بابها ، وله رسالة فى اللباس المشكوك رأيتها عند صهره العالم الجليل السيد علي الموسوي الكازروني القائم مقامه.

وتوفي المترجم في النجف سنة ١٣٣٢ ه‍ ، ودفن في الحجرة الشمالية الواقعة بعد باب العبايجية والمتصلة بباب مسجد الخضراء.

٤

قوله «قده» : هذا إذا تعينت ـ الخ.

يعني إذا تعينت كلمة «شاء» للفعلية يتمشى ما ذكر من اعتبار الفتحة في آخرها حتى لا تعد كلمة «انشاء» مفردا ، وأما اذا كان «شاء» مصدرا واسما معربا ويكون إن مخففة من المثقلة أو يكون شرطية يؤتى بشرطها بعد كلمة «شاء» كما في قوله تعالى : «وإن أحد من المشركين استجارك» ، فلا يعتبر في آخر كلمة «شاء» شىء حتى يحصل الخروج عن عدّها مفردا ، فبقي النقض بحاله.

قوله «قده» : بأن هذا الحد تعريف ـ الخ.

حاصل الدفع : ان الموقوف هو معرفة لفظ المفرد والموقوف عليه هو المعنى المفرد ، فاختلف طرفا الدور. بيانه : إن المعرّف والمحدود في قولنا «المفرد كذا» هو لفظ المفرد ، وهذا هو المراد من قوله ـ قدس‌سره ـ : «تعريف لفظي» أي شرح وتحديد لفظ المفرد ، والمفرد في حدّ الكلمة صفة للمعنى ، فيكون المراد به المعنى المفرد.

ولا يخفى أن الصواب أن يقول ـ قدس‌سره ـ : انما هو المعنى المفرد ، لا معنى المفرد ، إلا أن يكون من قبيل إضافة الموصوف الى الصفة.

ويمكن دفع الدور بوجه آخر مطرد في نظائر المقام ايضا ، وهو انه لا شبهة في أنه في الحدود الحقيقية التي هي جواب ما الحقيقية إذا لزم الدور لا يحصل المقصود من القول الشارح والمعرف والحد من معرفة المحدود بكنهه وحقيقته ، وأما الشروح الاسمية والتعاريف اللفظية التي هي جواب ما الشارحة ـ الذي يعبر عنه بالفارسية ب «پاسخ پرسش نخستين» ـ فان الغرض منها تمييز المحدود

٥

والمشروح من بين المعاني المرتكزة في الذهن في الجملة ، وهو يحصل بتبديله بشيء آخر يكون أوضح وأظهر ، وإن كان ذلك الشيء الآخر لو أريد معرفته بكنهه استلزم الدور المستحيل ، وذلك كما في قول الحكماء «الوجود هو الثابت العين» أو «الذي يخبر عنه».

ولا يخفى أنه دائر دورا محالا لو أريد التعريف الحقيقي ، ولكن غرضهم شرح الاسم كما هم مصرحون به ، ففيما نحن فيه ونظائره من جميع تعاريف الفقهاء والأصوليين وغيرهم ما عدا الحكماء لا يلزم دور بالنسبة الى مقام شرح الاسم ، كما هو محط نظرهم ووظيفتهم ، وإن لزم بالنسبة الى مقام تعريف الحقيقة وجواب ما الحقيقية الذي هو موكول على ذمة الفلسفة الأولى ـ فافهم مستمدا من المعلم الشديد القوى.

قوله «قده» : قد يطلق اللفظ ويراد ـ الخ.

مراده ـ قدس‌سره ـ من النوع مقيدا هو الصنف. توضيح مرامه وتبيين مراده : ان المستعمل فيه والمطلق عليه والمراد من اللفظ إما أن يكون نوعه وإما أن يكون صنفه وإما أن يكون فردا آخر يماثله ـ وبعبارة اخرى مثله ـ وإما أن يكون نفسه.

مثال الأول أن يقال : «ضرب موضوع لكذا» إذا أريد بلفظة ضرب طبيعة تلك اللفظة من غير تقييدها بصنف كلي ولا مشخص جزئي.

ومثال الثاني أن يقال : «ضرب في قولك زيد ضرب خبر» إذا أريد تلك الطبيعة مقيدة بلحاظ كونها مسندة ومحمولة على وجه كلي.

ومثال الثالث أن يقال : «زيد في قولك ضرب زيد فاعل» اذا أريد تلك الطبيعة متشخصة بتشخص خاص ، ولا شبهة في أن تشخص

٦

المطلق والمستعمل مغاير لتشخص المطلق عليه والمستعمل فيه ، لأن المستعمل المطلق لهما إما أن يكون شخصا واحدا أو اثنين ، فإن كان الأول فلا ريب فى أن زمان الاطلاقين والاستعمالين متعدد والزمان من جملة المشخصات فاذا كان المشخصات متعددا مغايرا فلا ريب في تعدد الاشخاص. وإن كان الثاني فلا ريب في أن تعدد العلة قاضية بتعدد المعلول ، لامتناع توارد العلل واجتماعها وتعاقبها وتبادلها على معلول واحد ، فاذا اختلف لفظا زيد المطلق والمطلق عليه وتغايرا بالمشخصات والعوارض مع اتفاقهما في طبيعة واحدة ـ وهي طبيعة لفظة زيد ـ فتحقق المثلان ، إذ المعتبر في التماثل التغاير والاندراج تحت طبيعة واحدة قد كان من غيرية تماثل ، ولذا قيل «كل ندّ ضد كما أن كل ضدّ ندّ».

ومثال الرابع أن يقال : «زيد لفظ» اذا أريد بلفظ زيد شخص نفسه لا النوع ولا الصنف ولا الفرد المماثل. هذا محصل مرامه زيد في اكرامه.

ولا يخفى ما في قوله ـ قدس‌سره ـ في القسم الثالث ، حيث أن ظاهر كلامه بل نصه أن اللفظ المطلق واللفظ المطلق عليه فردان متماثلان ، ولا شبهة في أن التماثل من أقسام الغيرية ، وكيف يدل أحد المتغايرين بما هما متغايران على الآخر ، وكذلك إن كان المراد باللفظ المطلق في القسمين الأولين الفرد يلزم دلالة الفرد بما هو فرد على النوع والصنف ، فيلزم ما ذكرنا من دلالة احد المتغايرين على الآخر وان كان المراد به النوع والصنف ، فان كان المراد بهما النوع والصنف اللذان هما مدلولان له فيلزم اتحاد الدال والمدلول ، وإن كان غيرهما يلزم ما ذكرنا من دلالة احد المتغايرين على الآخر.

٧

والحق أن الدال بما هو دال عنوان حاك ومفهوم ، فان في المدلول الذي هو المعنون والمحكي عنه والمصداق المغنى فيه ، والحكاية بما هي حكاية ليست بشيء حتى يتصف بشيء ، بل الشيء هو المحكي عنه ، ففيما نحن فيه لا يتصف اللفظ المطلق بشىء من النوعية والصنفية والفردية ، فلا يلزم محذور. نعم إذا لوحظ في نفسه واستؤنف النظر اليه ـ وبعبارة اخرى : جعل ما فيه ينظر لا ما به ينظر ـ يتصف بالامور المذكورة وغيرها ، فالصواب أن يقول في القسم الثالث : وقد يطلق على فرد ، وحينئذ فيبقى سؤال الفرق بين القسمين الأخيرين ، حيث أن المطلق عليه فيهما هو الفرد من غير اعتبار المثلية في أحدهما للمطلق واعتبار النفسية في الآخر حتى يحصل الفرق ، فأقول :

ليس الأمر في القسم الرابع كما زعمه ـ قدس‌سره ـ من أن فيه مطلقا عليه ، وهو يكون شخص نفس المطلق ، بل ليس فيه فرد وشخص يكون مطلقا عليه وإلّا لدار دورا مستحيلا ، إذ اطلاق اللفظ موقوف على تحقق ذلك الفرد المطلق عليه ، وتحقق ذلك الفرد حيث لم يكن له تحقق آخر وراء تحققه باطلاق اللفظ موقوف على إطلاق اللفظ ، فهذا دور واضح صريح ، وسنعود اليه عن قريب إن شاء الله تعالى ، فظهر الفرق.

إن قلت : لا نسلم أنه لا يجوز دلالة المتغايرين على الآخر ، وسند هذا المنع جميع أقسام المجازات.

قلت : فرق واضع بين ما نحن فيه وبين المجازات ، فان فيها لم تستعمل الحقائق فيها وإلّا لزم اجتماع الضدين. نعم استعملت الالفاظ التي كانت حقائق فيها ، فليس فى الألفاظ معاني أخر وراء معانيها المجازية تكون الألفاظ باعتبارها دالة على المعاني المجازية ، ولم تلحظ في نفس تلك الألفاظ

٨

مغايرة للمعاني المجازية في مقام دلالتها عليها ، فلا يلزم في المجازات دلالة احد المتغايرين على الآخر ، بخلاف ما نحن فيه ، حيث لاحظ «قده» فيه في اللفظ المطلق كونه فردا آخر مماثلا للفظ المطلق عليه ، فان المماثلة من الطرفين فيلزم المحذور.

مع أن لنا أن نمنع المجازات وكونها من الدلالات اللفظية. وبيانه : انه لا شبهة في أن بين المعاني الحقيقية والمعاني المجازية علقة لزومية وتكافؤ عقلي من العلية والمعلولية والاشتراك في علة واحدة ، ففي المجازات التي يطلق فيها اللفظ الموضوع للسبب على المسبب وبالعكس العلقة هي العلية والمعلولية ، وفى غيرها الذي فيه الحالية والمحلية والكلية والجزئية والعموم والخصوص وغيرها العلقة هي الاشتراك في العلة ، اذ الحالية والمحلية وما يليهما ويماثلهما من مقولة الاضافة وبينهما تضايف ، والمتضايفان معلولان لعلة واحدة ومتكافئان تحققا وتعقلا ومتلازمان ذهنا وخارجا. وعلى هذا فذات المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ـ وإن لم يكونا متلازمين ـ إلّا انهما بواسطة تلك الاضافات صارا متلازمين ، وتلك الإضافات وسائط في الثبوت كما لا يخفى. فالمضافان متلازمان ، سواء كانت على وجه التضايف المشهوري أو الحقيقي. مثلا : في لفظ «الميزاب» هذا لا ينتقل الذهن منه الى الماء ما لم يلحظ كون ذاك محلا لهذا.

فاذا تحقق عندك ما ذكرناه وأوضحناه بأوضح بيان ظهر لك انه اذا انتقل الذهن الى المعنى الحقيقي من أي طريق حصل ذلك الانتقال وبأي سبب تحقق تحقق العلم بالمعني الذي يسميه القوم معنى مجازيا ، وليس لخصوص اللفظ مدخل ، فليس له مدخل في الدلالة فضلا عن استعماله فيه ، فليست هذه الدلالة لفظية وضعية.

٩

ومن هنا انقدح الشك في كون الدلالة الالتزامية وضعية لفظية ـ كما لا يخفى. والحق أن الدلالة التضمنية والالتزامية والمجازية كلها عقلية.

هذا كله بالنسبة الى مطلق الدلالة ، وأما بالنسبة الى الدلالة الاستعمالية فنقول يمكن أن يقال ان اللفظ في جميع الموارد التي يسميه القوم فيها مجازا لم يستعمل الا في معناه الحقيقي ، ويكون الغرض منه الانتقال الى المعنى المجازي بانتقال عقلي ، ولما كان الظاهر من ذكر لفظ وارادة معنى منه واستعماله فيه أن يكون ذلك المعنى الذي مراد من اللفظ مرادا واقعيا ومقصودا للمتكلم في الواقع ، فيؤتى بالقرينة للصرف عن هذا الظهور ، وتعيين المعنى الذي هو مراد من بين المعاني المجازية ، فعندنا القرينة صارفة عن ظهور الكلام في كونه لبيان المرام النفس الأمري والمراد الواقعي ، وعند القوم صارفة للكلام عن ظهور كون المستعمل فيه هو الموضوع له.

وإن شئت قلت : إن المجازات كلها تكون من قبيل الكناية التى هي ذكر الملزوم لينتقل منه الى اللازم ، إلّا أن في المجاز الكنائي اللزوم متحقق بين ذاتي المعنيين ، وفي سائر المجازات بينهما ملحوظين مع تلك الجهات والعنوانات والحيثيات الموجبة للعلقة الذاتية والتكافؤ العقلي اللزومي من الحالية والمحلية وغيرهما.

لا يقال : إن تلك الجهات لم تكن في المعنى الموضوع له مأخوذة ، فاذا اعتبرت في المستعمل فيه يكون مجازا. هذا خلف.

لأنا نقول : لا نعتبر نحن تلك الحيثيات فى المستعمل فيه ، بل نعتبرها محققة للزوم المعنيين ، ونحن لا نقول بالانتقال الدائمي من اللفظ الى المعنى المجازي حتى نحتاج الى اعتبار تلك الحيثيات في مدلول اللفظ ، بل اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي ، واذا تحقق اللزوم يحصل الانتقال. فظهر انه

١٠

لا مجاز في الوجودات اللفظية والكتبية ، كما انه لا مجاز في الوجودات العينية والذهنية ـ فافهم إن كنت من أهله واشكر ربك مفيض الخيرات.

فظهر مما ذكرنا أن لا مجاز حتى نحتاج الى الوضع الشخصي أو النوعي أو يقال جوازه طبعي كما يقول ـ قدس‌سره ـ به.

قوله «قده» : ففي صحته بدون تأويل ـ الخ.

مراده بالتأويل ما سيشير اليه من جواز كون الدال على اللفظ فى قولك «زيد» مبتدأ مقدرا ، ويكون الغرض من ذكر زيد تعيين المشار اليه فقط ويكون الكلام في قوة قولنا زيد هذا اللفظ مبتدأ.

قوله «قده» : لاستلزامه اتحاد الدال ـ الخ.

بيانه : أنه إما أن يكون المراد من لفظ «زيد» خصوص لفظ زيد فيلزم الاتحاد ، وإما أن يكون المراد منه ما اخذ محمولا ـ اعني لفظه ـ وحينئذ فليس إلّا لفظه والنسبة ، فيلزم تركب القضية من جزءين ، بل يلزم بساطتها لأن النسبة التي هي جزء للقضية انما هي نسبة خاصة متحققة بين الطرفين ، وحيث لا يكون إلّا طرف فمن اين تتحقق النسبة ، وتحققها فرع تحقق الطرفين والمنتسبين ، والتالي باطل للزوم الخلف المحال.

هذا بيان مرامه ـ قدس‌سره ـ ، ولا يخفى ما فيه ، إذ لا شبهة في أنه كما قد يكون المخبر عنه نفس المعنى وذاته مع قطع النظر عن كونه مدلولا للفظ ـ كما في القضية المعقولة ـ بل قد يكون عاقد تلك القضية اسم فلا يخطر بباله لفظ اصلا ، وقد يكون المخبر عنه المعنى بايقاع لفظ عليه وكونه مدلولا له ومفهوما منه كذلك قد يكون نفس اللفظ من غير

١١

حكايته عن معنى ولا دلالته عليه.

فظهر أن زيدا في قولنا «زيد لفظ» لم يستعمل في شيء ولم يرد شيء منه اصلا ، حتى يلزم منه ما زعمه «قده» من التركب أو الاتحاد مضافا الى انه في فرضه ـ قدس‌سره ـ تركب القضية في جزءين من الخلف ما لا يخفى بعد ما كان المفروض في كلامه كون زيد مطلقا ومرادا به شخص نفسه ، إلا أن يكون الضمير في قوله «ففي صحته» راجعا الى قولك «زيد لفظ» من غير اعتبار كون زيد مطلقا على شخص نفسه فيكون استخداما.

قوله «قده» : وإلا لكانت جميع الألفاظ موضوعة.

فيه نظر ، لأن المراد بالوضع المأخوذ في التالى إما أن يكون الوضع لخصوص المعاني أو يكون للاعم من الألفاظ والمعاني ، فعلى الأول ـ وان كان التالي واللازم باطلا ـ الا أنا نمنع الملازمة ، لأن الذي يلزم من كون هذه الدلالة ليست الا كون جميع الألفاظ ـ حتى المهملات ـ موضوعة بالنسبة الى الألفاظ ولا محذور فيه ، ولا يلزم كونها موضوعة بالنسبة الى المعاني ، وعلى الثاني وإن كانت الملازمة حقة إلا أن فساد التالي وبطلان اللازم ممنوع ، لأن الذي هو ظاهر الفساد كون المهملات موضوعة للمعاني ، وأما كونها موضوعة للالفاظ فلا.

قوله «قده» : وهو مما لم يقل به أحد.

لا يخفى أن عدم قول احد بشيء لا يلزم منه أن يكون ذلك الشيء باطلا ، ففيما نحن فيه لا يلزم أن يكون التالي مرفوعا حتى يستنتج منه رفع المقدم.

١٢

قوله «قده» : إلا أن يفسر الدلالة العقلية بمعنى آخر.

مراده من «بمعنى آخر» ما سيجيء منه من تفسيرها بما لا يكون للطبع والوضع مدخل فيه.

قوله «قده» : على أن مجرد الدلالة ـ الخ.

الظاهر أنه ـ قدس‌سره ـ أراد أن مجرد الدلالة على شيء لا يصحح ارادته من الدال باطلاقه عليه واستعماله فيه ، وإلّا لجاز أن يستعمل ديز مثلا في اللافظ لدلالته عليه ، فاذا استعمل في اللافظ وكان له صفات متحدة معه وجودا ـ كالقيام والقعود والتكلم وغيرها ـ صح أن تحمل عليه لأن مناط الحمل وملاكه هو الهوهوية والاتحاد في الوجود وهو حاصل ، فيكون الكلام في قوة قولنا : اللافظ متكلم أو قائم أو غيرهما ، مع انه لا يصح ديز متكلم مثلا ، ورفع التالي منتج لرفع المقدم.

وفيه : انه إنما لا يصح اذا لم يكن معه قرينة تدل على أن المراد من الدال والمستعمل فيه هو المدلول ، وأما اذا قامت القرينة فيصح بلا اشكال إذ كما يصح أن يقال اللافظ قائم مثلا يصح ما هو بمنزلته وقوته.

وحاصل كلامنا : إن المراد من الجواز فى قوله «لجاز أن يقال ديز متكلم» إن كان بلا قرينة فالملازمة ممنوعة ، لأن صحة ارادة معنى لم يكن موضوعا له من لفظ لا يستلزم الجواز بلا قرينة ، كما في جميع أقسام المجازات ، وان كان المراد منه الجواز مع القرينة فالملازمة ـ وإن كانت حقة ـ إلا أنا نمنع فساد التالي وبطلان اللازم.

ويحتمل أن يكون مراده ـ قدس‌سره ـ من الارادة في قوله «لا يصحح الارادة» مطلقها وإن لم تكن باستعمال الدال في مدلوله ، ويكون تقريب

١٣

كلامه نظير السابق ودفعه نظيره.

فإنا نقول في مقام التنظر في كلامه : ان المراد بالجواز المأخوذ في التالي ان كان الجواز بلا قرينة دالة على التجوز في الاسناد والحذف فالملازمة ممنوعة وان كان معها فبطلان التالي ممنوع ـ كما لا يخفى.

قوله «قده» : ليلزم الاشتراك ـ الخ.

فساد التالي ممنوع كما مرت الاشارة اليه منا ، إلّا أن يكون مراده فساد التالي لمخالفته لأصالة عدم تعدد الوضع والاشتراك.

وحاصل مراد التفتازاني : انكار الوضع التعييني التخصصي فرارا من لزوم الاشتراك ، والقول بالوضع التعيني التخصصي الناشئ من كثرة الاستعمال ، لجريان طريقتهم واتفاق كلمتهم على اطلاق الألفاظ وارادة نفسها ولا يلزم الاشتراك ، لأن في المنقول بالغلبة والموضوع بالوضع التخصصي يهجر المنقول عنه.

وفيه : انه ان التزم بهجر المنقول عنه فيما نحن فيه لزم أن يكون اطلاق الألفاظ واستعمالها في معانيها مجازا ، وفساد التالي واضح ، وان لم يلتزم بالهجر فمع انه خلف محال مستلزم للاشتراك ، مع امكان أن يقال بلزوم الاشتراك وان التزم بالهجر لتعدد المعاني من الصنف والنوع والفرد المماثل وشخص اللفظ.

قوله «قده» : فهو غلط ـ الخ.

فيه منع واضح ، لأنه كما يصح التكلم باللفظ المهمل اذا تعلق به غرض وداع كذلك يصح الاطلاق والاستعمال بدون ما يصحح من المناسبة والعلاقة ، وفي المقام لما مست الحاجة الى التعبير عن الألفاظ ولم يكن لفظ موضوعا لها ولا مناسبا إياها فلا جرم استعملت الألفاظ في أنفسها ،

١٤

فهو يكون لداع عقلائي وغرض صحيح عقلي ، فلا يكون غلطا لا يلتزم به ذو مسكة.

قوله «قده» : مع بعده جدا ـ الخ.

فيه : انه لا بعد فيه بعد ما علم أن المناط هو التعبير عن الألفاظ والخصوصية ملغاة. وهذا نظير ما يقول به المشهور من الوضع النوعي والترخيص الكلي للمجازات ، إذ معلوم أن الواضع لا ينادي بأعلى صوته أيها الناس اعلموا أني وضعت كذا لكذا ... بل يستعمل لفظا في معنى ويعلم منه الوضع ، وفي الوضع النوعي لم يصدر منه الاستعمال إلّا بالنسبة الى بعض الألفاظ ، فمن اين يعلم الوضع النوعي إلا بالنحو الذي ذكرناه وهذا ما يساعد عليه البرهان بل الوجدان.

قوله «قده» : فانقدح ـ الخ.

لا قدح اصلا بعد ما كان الحصر إضافيا بالنسبة الى الدلالة على المعاني دون الألفاظ ، مع انه لو كان الحصر حقيقيا يمكن درج هذه الدلالة في الوضعية أو العقلية ، لأنه ـ قدس‌سره ـ أذعن بأن هذه الدلالة إنما تستفاد من اللفظ بواسطة قرائن مقامية أو مقالية. ولا شبهة في أن دلالة القرائن المقالية مثلا وضعية ، وهي علة وواسطة في ثبوت الدلالة لهذه الألفاظ ، فصح إسناد الوضع اليها ونسبتها اليه. ونظير ما ذكرنا نقول في القرائن المقامية.

قوله «قده» : وكذلك ينقدح ـ الخ.

لا قدح اصلا بعد كون الحصر إضافيا يكون بالنسبة الى الدلالة على المعاني دون الألفاظ.

١٥

قوله «قده» : فلجواز أن يكون المرجح ـ الخ.

لا شبهة فى أن الوهم والخيال لا ينتقلان الى المعاني ولا الى الألفاظ الا بالتدريج ، لامتناع احاطتها بالجزئيات دفعة ، فاذا انتقل الذهن الى لفظ ومعنى دون غيرهما فالسبق هو المرجح ، واذا انتقل من لفظ الى لفظ ومن معنى الى معنى. ولا شبهة في أن بالانتقال يحصل الذهول عن المنتقل عنه ويحصل الالتفات الى المنتقل اليه ، فالالتفات الى المنتقل اليه هو المرجح لوضعه ، أو للوضع له دون غيره.

قوله «قده» : فهو بظاهره مبني ـ الخ.

لأن الارادة لا تكون مرجحة لتساويها بالنسبة الى الكل ، فيبقى الشيء بلا مرجح. مضافا الى انه لو فرض كون الارادة مرجحة إلا أن تعلقها كما جاز بالنسبة الى هذا جاز بالنسبة الى ذاك ، فيلزم الترجيح بلا مرجح بالنسبة الى الارادة نفسها وإن لم يلزم بالنسبة الى المراد.

قوله «قده» : فلجواز أن يشترك الضدان ـ الخ.

توضيحه : انه يجوز أن يكون للضدين معنى مشتركا ذاتيا ـ يعنى جنسا ـ لأن ما به الاشتراك الذاتي هو الجنس ، ويكون ذلك الجنس جنسا للفظ أيضا ، وهو المعنى بكون مناسبة ذاتية بين اللفظ المشترك والمعنى المشترك الذاتي.

ويحتمل أن يكون مراده ـ قدس‌سره ـ اندراجها تحت جنس آخر لا كون احدهما ـ وهو المعنى المشترك الذاتي الذي هو جنس للضدين ـ جنسا للآخر وهو اللفظ المشترك.

١٦

فعلى الاحتمال الأول يكون اللفظ مناسبا ذاتيا للضدين ، لأن ما هو الجنس له جنس لهما ، فيشتركان في معنى واحد جنسي وما به الاشتراك الذاتي. وعلى الاحتمال الثاني يكون اللفظ المشترك مناسبا للمعنى الذاتى ، لاندراجها تحت جنس واحد ، فيكون جنس ذلك اللفظ جنس هذا المعنى الذاتي والمعنى الذاتي جنسا للضدين ، فيكون اللفظ مناسبا ذاتيا لهما ، إذ جنس الجنس جنس.

ولا يخفى ما فيه ، إذ ما به الاشتراك الذاتي والمعنى الجنسي لا يكون ما به المناسبة بين النوعين بما هما متغايران ولا بين الضدين بما هما ضدان ، فليس بين الضدين والنوعين مناسبة إلّا بما هما مشتركان لا بما هما متمايزان.

وبعبارة اخرى : الجنس الطبيعي ـ سواء كان قريبا أو بعيدا ـ هو الماهية من حيث هي المتحيثة بالحيثية الإطلاقية المسلوب عنها جميع النقائض فلا يكون هذا الضد ولا لا هذا؟؟؟ الضد ، وكذلك بالنسبة الى الضد الآخر.

قوله «قده» : أو يكون للفظ ـ الخ.

فيه ما لا يخفى ، إذ الجهة الذاتية الامتيازية ليس إلّا الفصل بالنسبة الى النوع والمشخص بالنسبة الى الفرد والهوية الشخصية ، ولا يعقل أن يكون لنوع واحد فصلان ولا لفرد فارد مشخصان ، ولا سيما على ما هو الحق عندنا من أن الفصل الحقيقي هو الوجود ، وكذلك التشخص والمشخص ليس إلّا الوجود وبالوجود ، مضافا الى لزوم اجتماع الضدين في اللفظ المشترك المفروض ، اذ الجهة الذاتية المناسبة لأحد الضدين لا محالة ضد للجهة الذاتية المناسبة للضد الآخر.

١٧

قوله «قده» : فيتناول ـ الخ.

لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الدور والمصادرة ، لأن العلم بوضعه تعالى للألفاظ موقوف على العلم بتعليمه تعالى لها كما هو المفروض ، والعلم بتعليمه تعالى لها موقوف على العلم بوضعه تعالى لها ، اذ ما لم يضعها الله تعالى لم تصر علامة فلم تصر معلمة ، ضرورة تقدم الموضوع على المحمول والمعروض على العارض طبعا.

قوله «قده» : والتعليم فرع الوضع.

من تتمة الدليل ، وحاصل مراده «قده» : أن تعليم الألفاظ ـ على ما هو المفروض من عموم الأسماء وشمولها لها ـ موقوف وفرع على وضعه تعالى لها حتى تصير أسماء وعلامات للمعاني.

ويمكن أن يجعل كون التعليم فرع الوضع مبدأ للبرهان من غير حاجة الى النظر فى المراد من الأسماء وكون المراد بها المعنى العرفي أو اللغوي. وحاصله : انه تعالى علم الأسماء بأى معنى تكون ، والتعليم لا يكون إلّا بالتعبير عن المقاصد والمرادات بالألفاظ الموضوعة ، فالتعليم فرع الوضع وموقوف عليه ، فيكون الوضع سابقا.

وفيه ما لا يخفى ، إذ لا نسلم أن التعليم لا يكون إلّا بالألفاظ الموضوعة ولا سيما بالنسبة اليه تعالى.

قوله «قده» : بتقريب ما مر.

يعني من كون التعليم فرع الوضع. وحاصله : ان الموضوع والمعروض سابقان على المحمول والعارض طبعا ، فلا بد وأن تتحقق الأسماء بالمعنى العرفي حتى يتعلق بها التعليم ، وتحققها لا يكون إلّا بالوضع.

١٨

قوله «قده» : ولعدم قائل بالفصل.

في التمسك في أمثال المقام بالاجماع وعدم القول بالفصل ما لا يخفى.

قوله «قده» : التجوز في التعليق ـ الخ.

المراد بالمجاز فى الاسناد والكلمة والحذف على طريق اللف والنشر المرتب.

قوله «قده» : فتدبر.

وجه التدبر : أن الأسماء لا شبهة فى انها عناوين وتعابير فانية في مسمياتها ، وليست شيئا على حيالها وأمرا في قبالها ، اذ الحكاية ليست بشىء بل الشيء هو المحكي عنه.

وبعبارة اخرى وبيان برهاني آخر : لو كانت الأسماء ملحوظة فى انفسها كانت مسميات هذا خلف ، وفي أخبار الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ما يوافق هذا الذي ساق اليه البرهان ، ويعاضده من حكمهم عليهم‌السلام بكفر العابد للاسم دون المسمى وإلحاد. وباشراك عابدهما ، وبتوحيد العابد بالمسمى بايقاع الاسم عليه.

ومما يؤيد ما ذكرنا الحلف بأسمائه تعالى والاستعانة والابتداء بها كما لا يخفى.

فاذا ظهر هذا اتضح وبان أنه اذا أريد من الأسماء صفات الحقائق وخواص الطبائع لا يلزم محذور مجاز الاسناد والكلمة والتقدير.

وليعلم أن المراد بالأسماء ليس ما يقابل الألقاب والكنى ، بل المراد العنوانات الحاكية عن حقائق الأشياء وذواتها وأعراضها ذاتياتها وعوارضها

١٩

فيصير المراد من الآية انه تعالى جعل آدم عليه‌السلام عالما بحقيقة كل شيء وليس في هذا ارتكاب لخلاف ظاهر أصلا ويكون تأويلا وبطنا ـ فافهم بعون الله وحسن تأييده.

قوله «قده» والضمير في عرضهم راجع ـ الخ.

دفع لما عسى أن يقال : إن المجاز لا بأس بارتكابه اذا قامت عليه القرينة ، وهنا القرينة قائمة ، وهي قوله تعالى : (عَرَضَهُمْ) ، اذ الضمير راجع الى الأسماء ، فيدل على كون المراد بها ليس معناها الحقيقي ، فلا بد من ارتكاب التجوز.

فأجاب «قده» بأن الضمير ليس راجعا الى الأسماء حتى يصير قرينة صارفة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ، إذ لو كان الضمير راجعا الى الأسماء لكان الكلام في قوله تعالى في قوة قولنا («ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ».)

ولا يخفى عدم سلاسته مضافا الى الامتناع العقلي لأن يكون للاسم اسم ، لأنه إما أن يكون لبعض الأسماء اسم دون بعض فيلزم الترجيح بلا مرجح ، أو يكون لكل اسم فيلزم الدور أو التسلسل كما لا يخفى.

ولكن في هذا الدفع ما لا يخفى ، إذ بعد ما كان المراد بالاسماء صفات الحقائق وخواص الطبائع وحقائق الاسماء فيكون المراد بها المسميات ، فصح رجوع الضمير اليها وملائمة قوله تعالى (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ، ولا ينافيه حتى يكون قرينة صارفة عن رجوع الضمير اليها.

٢٠