بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٣

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٥٦

١
٢

الباب العاشر

فى الكلمات المفتتحة بحرف الذال

وهى : الذّال ، والذبّ ، والذّبح ، والذرع ، والذرء ، والذرية ، والذكر ، والذكو ، والذّلّ ، والذنب ، والذوق ، وذو ، وذا ، وذود ، والذئب.

١ ـ بصيرة فى الذال

وهى ترد على أوجه :

الأول : حرف من حروف التهجّى ، (لثويّة) (١) مخرجها من أصول الأسنان قرب مخرج الثّاء ، يجوز تذكيره وتأنيثه. وفعله من الأجوف الواوىّ ، تقول : ذوّلت ذالا حسنة. وجمعه أذوال وذالات.

الثانى : فى حساب الجمّل عبارة عن سبعمائة.

الثالث : الذّال الكافية الّتى تقتصر عليها من جملة الكلمة ؛ كقول الشّاعر :

ونحن على العلّات بالعزّ ننتمى

وقومك ساروا بالهوان وبالذّال

أى بالذّلّ.

__________________

(١) فى ا «كثر له». وفى ب : «كثرن» والاقرب ان كليهما تحريف عن «لثوية» التى صوبناها.

٣

الرابع : الذال المكرّرة نحو عذّر ، وعذّب.

الخامس : الذّال المدغمة مثل حذّ ، وقذّ.

السّادس : ذال العجز والضّرورة ، فإنّ بعض النّاس ينطق بها فى صيغة الزّاى ، وبعضهم يعكس فينطق بالزّاى فى صيغة الذّال.

السّابع : ذال أصل الكلمة : نحو ذمر (١) ، ومرذ (٢) ، ورذم (٣).

الثامن : الذّال المبدلة من الثّاء ، نحو : تلعثم فى كلامه ، وتلعذم.

التاسع : [الذال] اللّغوى ، قال الخليل : الذال : عرف الدّيك ، [قال] :

به برص يلوح بحاجبيه

كذال الديك يأتلق ائتلاقا

__________________

(١) يقال : زمره حضه وحثه. ويقال : مرذ الخبز : لينه. ورذم الشىء : سال.

٤

٢ ـ بصيرة فى الذب

وهو الدّفع والمنع. وذبّ : اختلف فلم يستقم فى مكان ، ومنه الذّباب ، وهو يقع على المعروف من الحشرات الطّائرة ، وعلى النّحل والزنابير ونحوهما ، قال (١) :

فهذا أوان العرض حىّ ذبابه

زنابيره والأزرق المتلمّس

ويروى طنّ (٢) ذبابه. والعرض : واد باليمامة. والمتلمّس : لقب جرير بن عبد المسيح ، لقّب بهذا البيت.

وقوله تعالى : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً)(٣) هو الذباب المعروف. وذباب العين : إنسانها ، سمّى به لتصوّره بهيئته ، أو لطيران شعاعه طيران الذباب. وذباب السيف : طرفه أو حدّه / تشبيها به فى إيذائه.

وذبّ جسمه : هزل فصار كذباب.

والذبذبة : تردّد الشىء المتعلّق فى الهواء ، وقيل : حكاية صوت حركته ، ثم استعير لكلّ اضطراب وحركة. رجل مذبذب ومذبذب : متردّد بين أمرين ، قال تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ)(٤) أى مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين وتارة إلى الكافرين.

__________________

(١) فى اللسان (عرض) : المتلمس.

(٢) فى اللسان (عرض) : جن.

(٣) الآية ٧٣ سورة الحج.

(٤) الآية ١٤٣ سورة النساء.

٥

٣ ـ بصيرة فى الذبح والذخر والذر

ذبحه ذبحا وذباحا : شقّ حلقه وفتقه. وذبحه : نحره. وذبحه : خنقه. وقوله تعالى : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ)(١) على التّكثير ، أى يذبّح بعضهم إثر بعض.

والذّبيح : المذبوح ، وما يصلح أن يذبح للنّسك.

واذّبح على افتعل : اتّخذ ذبيحا. والذّبح ـ بالكسر ـ : ما يذبح.

والذخر : مصدر ذخرته إذا أعددته للعقبى. وكذا ادّخرته ، قال تعالى : (وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)(٢). والمذاخر : الجوف (٣) ، قال (٤) :

فلمّا سقيناها العكيس تملأت

مذاخرها وامتدّ رشحا وريدها

والذرّ ، جمع ذرّة : وهى أصغر النّمل ، كلّ مائة منها زنة شعيرة ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ)(٥) أى لا يظلم أبدا.

__________________

(١) الآية ٤٩ سورة البقرة ، والآية ٦ سورة ابراهيم

(٢) الآية ٤٩ سورة آل عمران

(٣) مذاخر الحيوان فى الأصل المواضع التى يدخر فيها غداءه ، ومن ثم أطلق على الجوف ، وفى القاموس فسر المذاخر بالأجواف نظرا الى الجمع.

(٤) أى الراعى النميرى ، يهجو خنزر بن أرقم ، وكان هذا قد هجاه من قبل. يذكر أن أم خنزر نزلت به فسقاها العكيس ، وهو اللبن الحليب يصب عليه المرق والشحم ليشرب. والبيت من قطعة حماسية. وانظر الحماسة شرح التبريزى ٤ / ٧٨.

(٥) الآية ٤٠ سورة النساء

٦

٤ ـ بصيرة فى الذرع والذرء والذرية

(الذراع) : ذراع اليد ، ويذكّر ويؤنث ، والجمع أذرع وذرعان (١) وذرع الثوب : قاسه بها.

وضاق به ذرعك مثل قولهم : ضاقت به يدك.

وذرع عنده : شفع.

والذّرء : إظهار الله ما أبدأه ، يقال : ذرأ الله الخلق أى أوجد أشخاصهم ، وقوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً)(٢) أى خلقنا.

الذرأة بالضمّ : الشيب ، وقيل : أوّل بياضه فى مقدّم الرّأس.

وذرأ الشّىء : كثّره. قيل : ومنه الذّرّيّة مثلثة الذّال ، وهو اسم لنسل الثّقلين. وقيل : أصلها الصّغار أى الأولاد ، وإن كان يقع على الصّغار والكبار معا فى التعارف ، ويستعمل للواحد والجمع ، وأصله الجمع ، قال الله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)(٣).

__________________

(١) وجاء من المادة قوله تعالى فى الآية ١٨ سورة الكهف : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) ، وقوله تعالى فى الآية ٣٢ سورة الحاقة : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) ، وقوله : ذَرْعُها أى مذروعها وممسوحها كما قال الراغب. وجاء أيضا قوله تعالى فى الآية ٧٧ من سورة هود : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً)

(٢) الآية ١٧٩ سورة الأعراف.

(٣) الآية ٣٤ سورة آل عمران.

٧

وفيها ثلاثة أقوال ، أحدها : من ذرأ بالهمزة كما تقدّم فترك همزه نحو بريّة. وقيل : أصله ذرّوية ، وقيل : هى فعليّة من الذّر نحو قمريّة. وقال أبو القاسم البلخىّ فى قوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ)(١) من قولهم ذرّيت الحنطة. ولم يعتبر أنّ الأوّل (٢) مهموز

__________________

(١) الآية ١٧٩ سورة الأعراف

(٢) أى ذرأ ، وكأنه يرى أن الهمز بدل من الياء ، كما فى قولهم : حلأت السويق أى حليته ولبأت فى الحج أى لبيت.

٨

٥ ـ بصيرة فى الذكر

قال الله تعالى : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ)(١) أى ذكر فيه قصص الأوّلين والآخرين. وقيل : ذى الشّرف. وقوله تعالى (فِيهِ ذِكْرُكُمْ)(٢) أى شرفكم وما تذكرون به. وكذلك قوله عزوجل : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ)(٣) أى بما فيه شرفهم.

والذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن الإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة ، وهو كالحفظ إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه ، والذّكر يقال اعتبارا باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشىء القلب أو القول ، ولهذا قيل : الذّكر ذكران : ذكر بالقلب وذكر باللسان ، وكلّ واحد منهما ضربان : ذكر عن نسيان ، وذكر لا عن نسيان ، بل [عن](٤) إدامة الحفظ. وكلّ قول يقال له ذكر

فمن الذّكر باللّسان قوله : (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا)(٥) أى القرآن ، وقوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(٦) أى الكتب المتقدّمة.

وقوله : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً)(٧) فقد قيل : الذّكر هنا وصف للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أنّ الكلمة وصف لعيسى عليه‌السلام من

__________________

(١) صدر سورة ص.

(٢) الآية ١٠ سورة الأنبياء.

(٣) الآية ٧١ سورة المؤمنين.

(٤) زيادة من الراغب.

(٥) الآية ٨ سورة ص.

(٦) الآية ٧ سورة الأنبياء.

(٧) الآيتان ١٠ ، ١١ سورة الطلاق.

٩

حيث إنّه بشر به فى الكتب المتقدّمة ، فيكون قوله (رَسُولاً) بدلا منه. وقيل : (رَسُولاً) منتصب بقوله (ذِكْراً) ، كأنّه قيل : قد أنزلنا كتابا ذاكرا (١) رسولا يتلو.

ومن الذكر عن النّسيان قوله تعالى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)(٢).

ومن / الذّكر بالقول واللّسان قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ)(٣) وقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ)(٤) أى من بعد الكتاب المتقدّم.

وقوله : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)(٥) أى موجودا بذاته وإن كان موجودا فى علم الله. وقوله تعالى : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ)(٦) أى أولا يذكر الجاحد للبعث أوّل خلقه ، فيستدلّ بذلك على إعادته؟! وقوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)(٧) أى ذكر الله لعبده أكبر من ذكر العبد له ، وذلك حثّ على الإكثار من ذكره. وقيل : إن ذكر الله إذا ذكره العبد خير للعبد من ذكر العبد للعبد. وقيل : معناه أنّ ذكر الله ينهى عن الفحشاء والمنكر أكثر ممّا تنهى الصلاة. وقوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ)(٨) يريد : يعيب آلهتكم. كذلك قوله : (فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ

__________________

(١) فى الراغب : «ذكرا» وقد ذهب هنا الى تأويل المصدر باسم الفاعل.

(٢) الآية ٦٣ سورة الكهف.

(٣) الآية ٢٠٠ سورة البقرة

(٤) الآية ١٠٥ سورة الأنبياء.

(٥) الآية ١ سورة الانسان.

(٦) الآية ٦٧ سورة مريم.

(٧) الآية ٤٥ سورة العنكبوت

(٨) الآية ٣٦ سورة الأنبياء

١٠

لَهُ إِبْراهِيمُ)(١) من قولك للرّجل : لئن ذكرتنى لتندمنّ ، وأنت تريد : بسوء ، فيجوز ذلك ، قال عنترة بن شدّاد يخاطب امرأته :

لا تذكرى فرسى وما أطعمته

فيكون جلدك مثل جلد الأجرب (٢)

أى لا تعيبى مهرى ، فجعل الذكر عيبا. وأنكر أبو الهيثم أن يكون الذكر عيبا ، وقال فى قول عنترة : «لا تذكرى فرسى» : لا تولعى بذكره وذكر إيثارى إيّاه على عيالى باللّبن.

وقوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)(٣) معناه : ذكر ربك عبده (٤) برحمته. وقوله تعالى : (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً)(٥) أى تذكّرا وقوله تعالى : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ)(٦) أى لو جاءنا ذكر كما جاء غيرنا من الأوّلين. وقوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ)(٧) أى ادرسوا ما فيه. وقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٨) أى احفظوها ولا تضيّعوا شكرها ، كما يقول العربىّ لصاحبه : اذكر حقىّ عليك. أى احفظه ولا تضيّعه.

__________________

(١) الآية ٦٠ سورة الأنبياء

(٢) كانت امرأته تلومه على ايثاره فرسا له باللبن ، فنهاها عن ذلك وأبان أنه لا يقلع عن عمله للفرس ، وأنها ان أصرت على لومها نفر منها كما ينفر المرء من الأجرب. وانظر مختار الشعر الجاهلى ٣٩٦

(٣) الآية ٢ سورة مريم

(٤) يبقيه بعض المفسرين على ظاهر النسق ، فيقول : ذكر ربك رحمته بعبده ، ويجعل اضافة (ذِكْرُ) الى (رَحْمَتِ رَبِّكَ) من اضافة المصدر للمفعول ، والذكر معناه القص والحكاية أى هذا قص ربك رحمة ربك. وانظر الجلالين بحاشية الجمل

(٥) الآية ١١٣ سورة طه

(٦) الآية ١٦٨ سورة الصافات

(٧) الآية ٦٣ سورة البقرة

(٨) الآية ٢٣١ سورة البقرة

١١

وتقول : ذكرته ذكرى غير مجراة (١). وقوله تعالى : (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)(٢) الذّكرى اسم أقيم مقام التذكير ، كما تقول : اتّقيت تقوى ، ومنه قوله تعالى : (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ)(٣) أى وعبرة لهم. وقوله عزوجل : (ذِكْرَى الدَّارِ)(٤) أى يذكّرون بالدار الآخرة ويزهّدون فى الدنيا. ويجوز أن يكون المعنى : يكثرون ذكر الآخرة. وقوله تعالى : (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ)(٥) يقول : فكيف لهم إذا جاءتهم السّاعة بذكراهم. وقوله تعالى : (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى)(٦) أى يتوب ومن أين له التّوبة.

والتذكرة : ما يتذكّر به الشىء ، وهو أعمّ (٧) من الدّلالة والأمارة. وقوله : (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى)(٨) قيل معناه : تعيد ذكره ، وقيل : تجعلها (٩) ذكرا فى الحكم. وقال بعض العلماء فى الفرق بين قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(١٠) وبين (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ)(١١) أنّ قوله (فَاذْكُرُونِي) مخاطبة أصحاب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّذين حصل لهم فضل قوّة بمعرفته تعالى ، فأمرهم بأن يذكروه من غير واسطة ، وقوله (اذْكُرُوا

__________________

(١) أى مصروفة منونة

(٢) الآية ٢ سورة الأعراف ، والآية ١٢٠ سورة هود

(٣) الآية ٤٣ سورة ص

(٤) الآية ٤٦ سورة ص

(٥) الآية ١٨ سورة محمد

(٦) الآية ٢٣ سورة الفجر

(٧) كان الفرق ان الأمارة والدلالة تقصدان

(٨) الآية ٢٨٢ سورة البقرة

(٩) فى الأصلين : «جعلها» وما أثبت من الراغب

(١٠) الآية ١٥٢ سورة البقرة

(١١) الآية ٤٠ سورة البقرة وورد فى آيات أخرى

١٢

نِعْمَتِيَ) مخاطبة لبنى إسرائيل الّذين لم يعرفوا الله إلا بالآية ، فأمرهم أن يتصوّروا نعمته فيتوصّلوا بها إلى معرفته تعالى.

والتذكير : الوعظ ، قال تعالى : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ)(١) ، وفى الحديث : «إنّ القرآن ذكر فذكّروه» ، أى جليل نبيه خطير فأجلّوه ، واعرفوا له ذلك وصفوه به. قالوا : رجل ذكر للشهم الماضى فى الأمور.

وقال بعضهم : ذكر الله الذّكر فى القرآن على عشرين وجها :

الأوّل : ذكر اللّسان (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ)(٢).

الثانى : ذكر / بالقلب (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)(٣).

الثّالث : بمعنى الوعظ (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(٤)(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى)(٥).

الرّابع : بمعنى التوراة (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(٦).

الخامس : بمعنى القرآن (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ)(٧).

السّادس : بمعنى اللّوح المحفوظ (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ)(٨).

__________________

(١) الآية ٢١ سورة الغاشية

(٢) الآية ٢٠٠ سورة البقرة

(٣) الآية ١٣٥ سورة آل عمران

(٤) الآية ٥٥ سورة الذاريات

(٥) الآية ٩ سورة الأعلى

(٦) الآية ٧ سورة الأنبياء

(٧) الآية ٥٠ سورة الأنبياء

(٨) الآية ١٠٥ سورة الأنبياء

١٣

السّابع : بمعنى رسالة الرّسول (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ)(١) أى رسالة.

الثّامن : بمعنى العبرة (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً)(٢) أى العبر.

التّاسع : بمعنى الخبر (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي)(٣).

العاشر : بمعنى الرّسول قد أنزلنا إليكم ذكرا رسولا (٤).

الحادى عشر : بمعنى الشّرف (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)(٥) أى شرف.

الثانى عشر : بمعنى التّوبة (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ)(٦).

الثالث عشر : بمعنى الصّلوات الخمس (فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ)(٧).

الرابع عشر : بمعنى صلاة العصر خاصّة (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي)(٨).

الخامس عشر : بمعنى صلاة الجمعة (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)(٩).

السّادس عشر : بمعنى العذر من التّقصير (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ)(١٠).

__________________

(١) الآية ٦٩ سورة الأعراف

(٢) الآية ٥ سورة الزخرف

(٣) الآية ٢٤ سورة الأنبياء

(٤) الآيتان ١٠ ، ١١ سورة الطلاق

(٥) الآية ٤٤ سورة الزخرف

(٦) الآية ١١٤ سورة هود

(٧) الآية ٢٣٩ سورة البقرة

(٨) الآية ٢٢ سورة ص

(٩) الآية ٩ سورة الجمعة

(١٠) الآية ١٠٣ سورة النساء

١٤

السّابع عشر : بمعنى الشّفاعة (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)(١).

الثامن عشر : بمعنى التّوحيد (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي)(٢)(وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ)(٣).

التّاسع عشر : بمعنى ذكر المنّة (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ)(٤) ، (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)(٥).

العشرون : بمعنى الطّاعة والخدمة (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(٦) أى اذكرونى بالطّاعة أذكركم بالجنّة.

والذّكر : خلاف الأنثى ، وجمعه ذكور وذكران ، قال تعالى : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)(٧) أى ومن خلق ، وقال : (خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى)(٨) أى آدم وحوّاء. وقال : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ)(٩) وقال : (خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)(١٠).

وقال بمعنى التّوأمين (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)(١١).

وبمعنى مريم البتول : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(١٢).

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة يوسف

(٢) الآية ١٢٤ سورة طه.

(٣) الآية ١٧ سورة الجن

(٤) الآية ١١٠ سورة المائدة

(٥) الآية ٤٠ سورة البقرة

(٦) الآية ١٥٢ سورة البقرة

(٧) الآية ٣ سورة الليل

(٨) الآية ١٣ سورة الحجرات

(٩) الآية ٤٩ سورة الشورى

(١٠) الآية ٤٥ سورة النجم

(١١) الآية ٣٩ سورة القيامة .. وتفسير الذكر والأنثى بالتوأمين غير ظاهر

(١٢) الآية ٣٦ سورة آل عمران

١٥

وقال تعالى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى)(١) ، وقال : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ)(٢) ، وقال : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ)(٣) وقال (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(٤) ، وقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى)(٥).

__________________

(١) الآية ٢١ سورة النجم

(٢) الآية ١٦٥ سورة الشعراء

(٣) الآيتان ١٤٣ ، ١٤٤ سورة الأعراف

(٤) الآية ١١ سورة النساء

(٥) الآية ١٢٤ سورة النساء

١٦

٦ ـ بصيرة فى الذكو والذل والذم

ذكت النّار تذكو ذكوّا وذكا وذكاء ـ بالمدّ عن الزّمخشرى ـ واستذكت : اشتدّ لهبها ، وهى ذكيّة. وذكّاها وأذكاها : أوقدها. والذكوة والذكية : ما ذكّاها به.

وذكاء ـ غير مصروفة ـ : الشمس. وابن ذكاء ـ بالمدّ ـ الصّبح (١)

والذّلّ والذّلّة والذّلالة والمذلّة : ضدّ العزّ ، ذلّ يذلّ فهو ذليل ، والجمع أذلّاء ، وذلال ، وذلّان (٢). وقيل : الذّلّ ـ بالضمّ ـ : ما كان عن قهر ، والذّلّ ـ بالكسر : ما كان بعد تصعّب وشماس من غير قهر ، يقال : ذلّ يذلّ ذلّا فهو ذلول ، والجمع ذلل وأذلّة.

وقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)(٣) أى لن (٤) كالمقهور لهما ، وقرئ (جناح الذِّل) بالكسر ، والمعنى : لن وانقد لهما. ويقال : الذّلّ والقلّ ، والذّلة والقلّة. والذّلّ : ما كان من جهة الإنسان نفسه

__________________

(١) ترك من هذه المادة تذكية الحيوان بمعنى ذبحه. ويشير الراغب الى ان التضعيف معناه السلب ، كما يقال قردت البعير : أزلت القراد عنه ، وقذيت العين : أزلت قذاها ، فتذكية الحيوان ازالة حرارته الغريزية وسلبها ، وقد علم أن أصل المادة الحرارة واللهب. ويقول الراغب : ان الشارع خصص هذه الازالة بكيفية خاصة. وقد جاء من هذه المادة فى الكتاب العزيز بهذا المعنى قوله تعالى فى الآية ٣ من سورة المائدة : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) أى الا ما أدركتم تذكيته فذكيتموه.

(٢) جعله جمعا تبعا للأزهرى. وقد جعله فى القاموس مفردا تبعا لابن عباد ، كما فى التاج.

(٣) الآية ٢٤ سورة الاسراء

(٤) فى الأصلين : «كن» وما أثبت من التاج فى نقله عبارة الراغب

١٧

لنفسه [فمحمود (١)](أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٢). وقوله تعالى : (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً)(٣) أى منقادة غير مستصعبة. وقوله : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها)(٤) أى سهّلت. وقيل : الأمور تجرى على أذلالها أى على مسالكها وطرقها.

والذّمّ : ضد المدح. ذمّه ذمّا / ومذمّة فهو مذموم وذميم وذمّ ، وذمّ. وأذمّه : وجده ذميما.

والذّمام والمذمّة : الحقّ والحرمة ، والجمع أذمّة. والذمّة : العهد والكفالة كالذمامة والذّمّ (٥)

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) الآية ٥٤ سورة المائدة

(٣) الآية ٦٩ سورة النحل

(٤) الآية ١٤ سورة الانسان

(٥) مما جاء من مادة الذم فى الكتاب العزيز قوله تعالى فى الآية ٨ من سورة التوبة (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) ، وقوله تعالى فى الآية ٤٩ من سورة القلم : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ).

١٨

٧ ـ بصيرة فى الذنب

الذّنب فى الأصل : الأخذ بالذنب. يقال : ذنبته أى أصبت ذنبه. ويستعمل فى كل فعل يستوخم عقباه اعتبارا بذنبه. ولهذا سمّى الذنب تبعة اعتبارا بما يحصل من عاقبته.

والذّنوب : الفرس الطّويل الذنب ، والدّلو الّذى له ذنب. واستعير للنصيب كما استعير له السّجل (١) ، قال : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً)(٢) ، وقال تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ)(٣) أى بكفره. وقال : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ)(٤) أى بعقرهم النّاقة ، وقال ـ تعالى ـ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ)(٥) ، وقال : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ)(٦)(فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا)(٧) ، وقال : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(٨) وقال (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)(٩) : وقال ، (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ

__________________

(١) هى الدلو العظيمة مملوءة ، أو ملء الدلو.

(٢) الآية ٥٩ سورة الذاريات.

(٣) الآية ٤٠ سورة العنكبوت.

(٤) الآية ١٤ سورة الشمس.

(٥) الآية ٢٩ سورة الرحمن.

(٦) الآية ١١ سورة الملك.

(٧) الآية ١١ سورة غافر.

(٨) الآية ١٩ سورة محمد.

(٩) الآية ٢ سورة الفتح.

١٩

الْمُجْرِمُونَ)(١) وقال : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا)(٢) وقال : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ)(٣) ، وقال : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)(٤) وقال :

أذنبت كلّ ذنوب لست أنكرها

وقد رجوتك يا ذا المنّ تغفرها

أرجوك تغفرها فى الحشر يا سندى

إذ كنت يا أملى فى الأرض تسترها

__________________

(١) الآية ٧٨ سورة القصص

(٢) الآية ٩٧ سورة يوسف

(٣) الآية ١٣٥ سورة آل عمران

(٤) الآية ٥٣ سورة الزمر

٢٠