المنتخب من تفسير القرآن - ج ٢

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي

المنتخب من تفسير القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي الكبرى
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين المعصومين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين

٣

٤

التعليق من الجزء السادس

في تفسير القرآن يشتمل على بقية هود وسورة يوسف

وسورة الرعد وسورة ابراهيم وسورة الحجر وسورة

النحل وسورة بنى إسرائيل وبعض الكهف

بسم الله الرحمن الرحيم

فصل : قوله سبحانه (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) الاية : ٤٦.

في هذه الاية حكاية عما أجاب الله تعالى به نوحا حين سأله نجاة ابنه ، بأن قال له : يا نوح انه ليس من أهلك. وقيل : في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها : قال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وأكثر المفسرين : انه ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم معك ، وأنه كان ابنه لصلبه ، بدلالة قوله «ونادى نوح ابنه» فأضافه اليه اضافة مطلقة.

والثاني : أنه أراد بذلك ليس من أهل دينك ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سلمان منا أهل البيت. وانما أراد على ديننا.

٥

وثالثها : قال الحسن ومجاهد : انه كان لغير رشدة وولد على فراشه ، فسأل نوح على الظاهر ، فأعلمه الله باطن الامر ، فنفاه منه على ما علمه ، فيكون على هذا هو نفسه عملا (١) غير صالح ، كما يقولون الشعر زهير.

وهذا الوجه ضعيف ، لان في ذلك طعنا على النبي ، واضافة ما لا يليق به اليه. والمعتمد الاول.

وقال ابن عباس : ما زنت امرأة نبي قط ، وكانت الخيانة من امرأة نوح أنها كانت تنسبه الى الجنون والخيانة من امرأة لوط أنها كانت تدل على أضيافه. وروي عن علي عليه‌السلام أنه قرأ «ونادى نوح ابنها» نسبه الى المرأة ، وأنه كان ربيبه.

وروي عن محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام وعروة بن الزبير أنهما قرءا «ونادى نوح ابنه» بفتح الهاء وترك الالف كراهية ما يخالف المصحف ، وأراد أن ينسباه الى المرأة وان لم يكن ابنه لصلبه.

الوعظ : الزجر عن القبيح بما يدعو الى الجهل على وجه الترغيب والترهيب والصحيح أن الجهل قبيح على كل حال.

وقال الرماني : انما يكون قبيحا إذا وقع عن تعمد ، فأما إذا وقع غلطا أو سهوا ، لم يكن قبيحا ولا حسنا.

وهذا ليس بصحيح ، لان استحقاق الذم عليه يشرط بالعمد ، فأما قبحه فلا كما نقوله في الظلم سواء.

فصل : قوله (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) الاية : ٤٧.

العياذة : طلب النجاة بما يمنع من الشر ، يقال : عاذ يعوذ عوذا وعياذا فهو عائذ بالله. والعياذ : الاعتصام بما يمنع من الشر.

فصل : قوله (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ) الاية : ٤٨.

__________________

(١). في التبيان : عمل.

٦

قيل : في معنى «بسلام» وجهان : أحدهما ـ بسلامة منا وتحية منا ، قال الأعشى (١) :

الى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (٢)

قيل : انه بمعنى والسلام عليكما. وقيل : معناه بتسليم منا.

وقوله «وبركات عليك» معناه : ونعم دائمة وخير ثابت حالا بعد حال ، وأصله الثبوت فمنه البروك والبركة لثبوت الماء فيها ، قال الشاعر :

ولا ينجي من الغمرات الا

براكاء القتال أو الفرار

أي : الثبوت للقتال. ومعنى «تبارك الله» ثبت تعظيمه بما لم يزل ولا يزال.

فصل : قوله (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) الاية : ٥٠.

انما سمي عادا أخا هود مع أنهم كفار وهو نبي ، لان المراد بذلك الاخوة في النسب لا في الدين ، فحذف لدلالة الحال عليه ، ولو لا ذلك لم يجز. وقيل : نسبه اليهم لأنه كان على لسانهم.

فصل : قوله (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) الاية : ٥٦.

التوكل تفويض الامر الى الله تعالى على طاعته فيما أمر به ، لان ذلك من تسليم التدبير له ، لان أفعاله تعالى كلها جارية على ما هو أصلح للخلق.

الناصية : قصاص الشعر ، ومنه قوله (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (٣) وفي جر الرجل بناصيته إذلال له. وأصل الناصية الاتصال من قولهم «مفازة بناصي مفازة» إذا كانت الاخيرة متصلة بالأولى ، قال الشاعر :

فيء تناصيها بلا دفيء

__________________

(١). في التبيان : لبيد.

(٢). ديوان لبيد ٢ / ١.

(٣). سورة الرحمن : ٤١.

٧

فصل : قوله (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا) الاية : ٥٩.

الجحد ضد الاعتراف ، والنفي نقيض الإثبات. والجحد خبر بأن المعنى لا يعرف صحته. والنفي خبر بعدمه. قال صاحب العين : الجحد إنكارك بلسانك ما تستيقنه نفسك.

فصل : قوله (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) الاية : ٦١.

قوله (أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) قيل : في معناه قولان : أحدهما ـ أنه خلقكم من آدم وآدم من تراب. الثاني : أنه خلقكم في الأرض. والاول اختيار الجبائي ، وهو الأقوى.

والإنشاء هو الإيجاد ابتداء من غير استعانة بشيء من الأسباب ، والعبادة لا تستحق الا بالنعم المخصوصة التي هي أصول النعم ، فلذلك لا يستحق بعضنا على بعض العبادة وان استحق الشكر ، ولذلك لا يحسن العبادة ابتداء ، كما لا يحسن الشكر الا في مقابلة النعم.

وقوله (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) معناه : انه قريب الرحمة لا من قرب المكان لكنه خرج هذا المخرج لحسن البيان في المبالغة.

فصل : قوله (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) الاية : ٦٢.

الريبة هي الشك ، الا أن مع الريبة تهمة للمعنى ليست في نقيضه ، والشك قد يعتدل فيه النقيضان.

فصل : قوله (يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) الاية : ٦٤.

المس واللمس متقاربان ، وفرق بينهما الرماني بأن المس يكون بين جمادين واللمس لا يكون الا بين حيين لما فيه من الإدراك.

فصل : قوله (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً) الاية : ٦٩.

٨

قال محمد بن يزيد المبرد : السلام في اللغة يحتمل أربعة أشياء : منها مصدر سلمت. ومنها جمع سلامة. ومنها اسم من أسماء الله. ومنها اسم شجرة ، ومنه قول الاحظل : الإسلام وحرمل.

وقوله «دار السلام» يحتمل أن يكون مضافة الى الله تعظيما لها. ويجوز أن يكون دار السلام من العذاب ممن حصل فيها.

وقوله (إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (١) قال سيبويه : زعم أبو الخطاب أن مثله يريد مثل قولك «سبحان الله» تفسيره براءة الله من السوء. وقولك للرجل «سلاما» تريد تسلما منك لا ابتلى بشيء من أمرك.

فصل : قوله (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) الاية : ٧٢.

ـ معنى «يا ويلتى» الانذار بورود الامر الفظيع ، وكان هذا القول من امرأة ابراهيم على وجه التعجب بطبع البشرية ، إذ ورد عليها ما لم تجربه العادة قبل أن تفكر في ذلك ، كما ولى موسى عليه‌السلام مدبرا حين انقلبت العصا حية ، حتى قيل له : (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) (٢). والا فهي كانت مؤمنة عارفة بأن الله تعالى يقدر على ذلك.

قال الرماني : والسبب في أن العجوز لا تلد أن الماء الذي يخلق الله عزوجل منه الولد مع نطفة الرجل قد انقطع بدلالة ارتفاع الحيض ، فجعل الله الولد على تلك الحال معجزا لنبيه ابراهيم. عليه‌السلام.

والبعل الزوج ، وأصله القائم بالأمر ، فيقولون للنخل الذي يستغني بماء السماء عن سقي الأنهار والعيون بعل ، لأنه قائم بالأمر في استغنائه عن تكلف السقي له ،

__________________

(١). سورة الفرقان : ٦٣.

(٢). سورة القصص : ٣١.

٩

ومالك الشيء القيم بتدبيره بعل ، ومنه قوله (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) (١).

و «شيخا» نصب على الحال ، والعامل فيها (٢) ما في هذا من معنى الاشارة والتنبيه.

فصل : قوله (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) الاية : ٧٨.

قيل : في وجه عرض المسلمة على الكفار قولان : قال الحسن : ان ذلك كان جائزا في شرع لوط وفي صدر الإسلام أيضا ، ولذلك زوج النبي عليه‌السلام بنته من أبي العاص قبل أن يسلم ، ثم نسخ بقوله (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) (٣).

والثاني : قال الزجاج : ان ذلك عرض بشرط أن يسلموا ، كما هو على شرط النكاح الصحيح. والضيف يقع على الواحد والاثنين والجماعة.

فصل : قوله (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) الاية : ٨٠.

انما قال هذا القول مع أنه كان يأوي الى الله تعالى ، لأنه انما أراد العدة من الرجال ، والا فله ركن شديد ويثق من معونة الله ونصره ، الا أنه لا يصح التكليف الا مع التمكين والقوة : القدرة.

فصل : قوله (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ) الاية : ٨١.

قوله (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) فالقطع القطعة العظيمة تمضي من الليل. وقال ابن عباس : طائفة من الليل. وقيل : هو نصف الليل كأنه قطع بنصفين ، ذكره الجبائي.

__________________

(١). سورة الصافات : ١٢٥.

(٢). في التبيان : فيه.

(٣). سورة البقرة : ٢٢١.

١٠

وقوله «ولا يلتفت منكم أحد» قيل : في معناه قولان :

أحدهما : قال مجاهد : لا ينظر وراءه أحد ، كأنهم تعبدوا بذلك بالنجاة بالطاعة في هذه العبادة.

والاخر قال أبو علي : لا يلتفت منكم أحد الى ماله ولا متاعه بالمدينة وليس المعنى لا يلتفت من الرؤية ، كأنه أراد أن في الرؤية عبرة فلم ينهوا عنها ، وانما نهوا عما يفترهم عن الجد في الخروج من المدينة.

فصل : قوله (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) الاية : ٨٢.

قيل : في معنى (سِجِّيلٍ) ثمانية أقوال : أحدها ـ أنها حجارة صلبة ليست من جنس حجارة الثلج والبرد. وقيل : هو فارسي معرب سنك وكل ، ذكره ابن عباس وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير.

وقال الفراء : من طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الأجر.

سادس الأقوال من السجل وهو الكتاب ، فتقديره من مكتوب الحجارة ، ومنه قوله (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ) (١) وهي حجارة كتب الله أن يعذبهم بها ، اختاره الزجاج.

وقوله «مسومة» يعني : المعلمة ، وذلك لأنه جعل فيها علامات تدل على أنها معدة للعذاب فأهلكوا بها. وأصل المسومة السيماء وهي العلامة ، وذلك أن الإبل السائمة يختلط في المرعى ، فيجعل عليها السيماء لتمييزها.

فصل : قوله (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) الاية : ٨٤.

قوله «اني أراكم بخير» يعني : برخص السعر ، وحذرهم من الغلاء. والنقصان أخذ الشيء عن المقدار ، والزيادة ضم الشيء الى المقدار ، وكله خروج عن المقدار ونقصه عنه.

__________________

(١). سورة المطففين : ٧ ـ ٩.

١١

والوزن تعديل الشيء بغيره في الخفة والثقل بآلة التعديل. وإذا قيل : شعر موزون ، فمعناه معدل بالعروض.

فصل : قوله (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) الاية : ٨٨.

التوفيق عبارة عن اللطف الذي تقع عنده الطاعة ، وليس ذلك جنسا بل بحسب ما يعلم الله تعالى ، وانما لم يكن الموفق للطاعة الا الله ، لان أحدا لا يعلم ما يتفق عنده الطاعة من غير تعليم سواه تعالى.

فصل : قوله (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) الاية : ٩٠.

قيل : في معنى ذلك قولان : أحدهما ـ اطلبوا المغفرة من الله ، بأن يكون غرضكم وتوصلوا اليها بالتوبة.

الثاني : استغفروا ربكم ثم أقيموا على التوبة.

فصل : قوله (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ) الاية : ٩١.

أي : لسنا نفهم عنك معنى كلامك. والفقه : فهم الكلام على ما تضمن من المعنى وقد صار علما لضرب من علوم الدين ، فصار الفقه عبارة عن علم مدلول الدلائل السمعية. وأصول الدين علم مدلول الدلائل العقلية.

فصل : قوله (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) الاية : ٩٤.

قال البلخي : يجوز أن تكون الصيحة صيحة على الحقيقة ، كما روي أن الله تعالى أمر جبرئيل فصاح بهم صيحة ماتوا كلهم من شدتها. ويجوز أن يكون ضربا من العذاب أهلكهم واصطلمهم تقول العرب : صاح الزمان بآل فلان إذا هلكوا ، قال امرؤ القيس :

دع عنك نهبا صيح في حجراته

ولكن حديث ما حديث الرواحل (١)

ومعنى صيح في حجراته ، أي : أهلك وذهب به.

__________________

(١). ديوان امرئ القيس : ١٧٤.

١٢

فصل : قوله (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) الاية : ٩٥.

يقال : غنى بالمكان إذا أقام به على وجه الاستغناء به عن غيره واتخاذه وطنا ومأوى يأوي اليه ، ولذلك قيل للمنازل المغاني. وبعدت وبعدت بالكسر والضم لغتان ، وكانت العرب تذهب بالرفع الى التباعد ، وبالكسر الى الدعاء وهما واحد.

فصل : قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) الاية : ٩٦.

السلطان والآيات وان كان معناهما الحجج ، فإنما عطف إحداهما على الاخرى لاختلاف اللفظ. واشتقاق السلطان من السليط ، وهو ما يستضاء به ، ومن ذلك قيل للزيت : السليط.

وقوله «الى فرعون وملاه» معناه أنه أرسل موسى الى فرعون وأشراف قومه الذين تملا الصدور هيبتهم.

فصل : قوله (بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) الاية : ٩٨.

الورد ما يجعله عادة لقراءة أو تلاوة للقرآن. والورد ورد الحمى ، كل ذلك بكسر الواو.

فصل : قوله (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) الاية : ١٠١.

التتبيب بمعنى غير تخسير ، في قول مجاهد وقتادة ، مأخوذ من تبت يده أي حسرت ، ومنه تبا له ، قال جرير :

عرادة من بقية قوم لوط

ألا تبا لما فعلوا تبابا (١)

فصل : قوله (وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الاية : ١٠٤ ـ ١٠٥.

انما وصف الأجل بأنه معدود ، لأنه متناه منتقص ، لان كل معدود قد وجد عدده لا يكون ذلك الا متناهيا.

__________________

(١). ديوان جرير ص ٧٢.

١٣

فان قيل : كيف قال ها هنا (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وقال في موضع آخر (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (١) وقال في موضع آخر (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) (٢) وقال (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٣) وقال في موضع آخر (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) (٤) وهل هذا الا ظاهر التناقض؟

قلنا : لا تناقض في ذلك ، لان معنى قوله «وقفوهم انهم مسؤولون» انما يسألون سؤال توبيخ وتقرير وتقريع لا يجاب الحجة عليهم لا سؤال استفهام ، لأنه تعالى عالم بذلك لنفسه.

وقوله «فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولا جان» أي : لا يسأل ليعلم ذلك منه ، من حيث أنه تعالى قد علم أعمالهم قبل أن يعملوها. وقيل : معناه انه لا يسأل عن ذنب المذنب انس ولا جان غيره ، وانما يسأل المذنب لا غير. وكذلك قوله «يوم لا ينطقون» أي : لا ينطقون بحجة ، وانما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم ولوم بعضهم بعضا وطرح بعضهم على بعض الذنوب.

فأما التكلم بحجة فلا ، وهذا كما يقول القائل لمن يخاطب بخطاب كثير فارغ من الحجة ما تكلمت بشيء ، فسمي من يتكلم بما لا حجة فيه غير متكلم كما قال (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٥) وهم كانوا يبصرون ويسمعون.

وقال بعضهم : ان ذلك اليوم يوم طويل له مواضع ومواطن ومواقف في بعضها يمنعون من الكلام ، وفي بعضها يطلق لهم ذلك ، بدلالة قوله «يوم يأتي لا تكلم نفس الا باذنه» وكلاهما حسن ، والاول أحسن.

__________________

(١). سورة المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦.

(٢). سورة النحل : ١١١.

(٣). سورة الصافات : ٢٤.

(٤). سورة الرحمن : ٣٩.

(٥). سورة البقرة : ١٧١.

١٤

فصل : قوله (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) الاية : ١٠٧.

الخلود : الكون في الامر أبدا. والدوام : البقاء أبدا ، ولهذا يوصف تعالى بأنه دائم ولا يوصف بأنه خالد.

وقوله «الا ما شاء ربك» اختلفوا في هذا الاستثناء على عدة أقوال ، فالذي نختاره ويليق بمذهبنا في الارجاء ان الله تعالى أخبر أن الأشقياء المستحقين للعقاب يحصلون في النار.

ثم استثنى من أراد من فساق أهل الصلاة إذا أراد التفضل بإسقاط عقابه ، أو من يشفع فيه النبي عليه‌السلام ، فعند ذلك لا يدخله النار ، ويكون على هذا «ما» معناها «من» كأنه قال : الا من شاء ربك فلا يدخله النار ، وهو قول ابن عباس وقتادة والضحاك وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وجماعة من المفسرين.

فصل : قوله (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) الاية : ١٠٨.

معنى «ما دامت السماوات والأرض» المصدر ، كأنه قال : دوام السماوات والأرض الا مشيئة ربك ، وفيه حسن التقابل ، وفيه جميع ما ذكرناه في الاستثناء من الخلود في النار.

الا الوجهين الذين ذكرناهما في جواز إخراج بعض الأشقياء من تناول الوعيد لهم أو إخراجهم من النار بعد دخولهم فيها ، فان ذلك لا يجوز هاهنا ، لإجماع الامة على أن كل مستحق للثواب لا بد أن يدخل الجنة ولا يخرج منها بعد دخوله.

وقيل : فيه وجه آخر يوافق ما قلناه في الاية الاولى ، وهو أن يكون المعنى أن الذين سعدوا بطاعات الله يدخلون الجنة خالدين فيها.

واستثنى من جملتهم من كان مستحقا للنار وأراد الله عقابهم ، ثم إخراجهم منها

١٥

فكأنه قال : خالدين فيها الا مدة ما كانوا معاقبين في النار ، ذهب اليه الضحاك ، وهو يليق بقولنا في الارجاء.

فصل : قوله (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) الاية : ١١٣. نهى الله تعالى في هذه الاية عباده المكلفين عن أن يركنوا الى الذين ظلموا نفوسهم وغيرهم. والركون الى الشيء هو السكون اليه بالمحبة له والإنصات اليه ، ونقيضه النفور عنه.

وانما نهاهم عن الركون الى الظلمة ، لما في ذلك من التأنيس به ، فتمسكم النار جواب النهي وبيان ، لأنهم متى خالفوا هذا النهي وسكنوا الى الظالمين نالتهم النار ، ولم يكن لهم ناصر من دون الله يدفع عنهم ، ثم لا يجدون من ينصرهم.

فصل : قوله (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) الاية : ١١٤.

قوله «طرفي النهار» يريد بها صلاة الفجر والمغرب ، في قول ابن عباس والحسن وابن زيد والجبائي.

وقال الزجاج : يعني الغداة والظهر والعصر ، وبه قال مجاهد ومحمد بن كعب القرطي والضحاك.

ويحتمل أن يريد بذلك الصلاة الفجر والعصر ، لان طرف الشيء من الشيء ، وصلاة المغرب ليست من النهار.

وقوله «وزلفا من الليل» قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد : يريد عشاء الاخرة.

وقال الزجاج : يعني المغرب والعشاء الاخرة. والزلفة المنزلة وجمعها زلف قال العجاج :

ناج طواه الأين مما وجفا

طي الليالي زلفا فزلفا (١)

__________________

(١). مجاز القرآن ١ / ٣٠٠.

١٦

ومنه اشتقاق المزدلفة ، لازدلاف الناس اليه منزلة من عرفات.

فصل : قوله (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا) الاية : ١١٦.

معنى (أُتْرِفُوا فِيهِ) أي : عودوا الترفه بالنعيم واللذة ، وذلك أن الترفه عادة النعمة ، قال الشاعر :

يهدي رؤوس المترفين الصداد

الى أمير المؤمنين الممتار

أي : المسئول فأبطرتهم (١) النعمة حتى طغوا وبغوا.

وفي الاية دلالة على وجوب النهي عن المنكر ، لأنه تعالى ذمهم بترك النهي عن الفساد ، وأنه نجى القليل بنهيهم ، فلو نهى الكثير كما نهى القليل لما أهلكوا.

ومعنى «أولي بقية» أصحاب جماعة تبقى من تسألهم والبقية ممدوحة ، يقال : في فلان بقية ، أي : فيه فضل وخير كأنه قيل : بقية خير من الخير الماضي.

فصل : قوله (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) الاية : ١١٨.

هذه الاية تتضمن الاخبار عن قدرته تعالى بأنه لو شاء تعالى لجعل الناس أمة واحدة ، أي : على دين واحد كما قال (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) (٢) وقال (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (٣) أي : على دين واحد ، بأن يلجئهم الى الإسلام ، بأن يخلق في قلوبهم العلم بأنهم لو راموا غير ذلك لمنعوا منه.

لكن ذلك ينافي التكليف ويبطل الغرض بالتكليف لان الغرض به استحقاق الثواب ، والإلجاء يمنع من استحقاق الثواب.

وقوله «ولا يزالون مختلفين» معناه : في الأديان كاليهود والنصارى والمجوس

__________________

(١). في التبيان : وأبطر بهم.

(٢). سورة الزخرف : ٢٢.

(٣). سورة الزخرف : ٣٣.

١٧

وغير ذلك من اختلاف المذاهب الباطلة.

والاختلاف هو اعتقاد كل واحد نقيض ما يعتقده الاخر ، وهو ما لا يمكن أن يجتمعا في الصحة ، وان أمكن أن يجتمعا في الفساد. ألا ترى أن اليهودية والنصرانية لا يجوز أن يكونا صحيحتين مع اتفاقهما في الفساد.

ويجوز أن يكون في اختلاف أهل الملل المخالفة للإسلام حق ، لان اعتقاد اليهودي أن النصرانية باطلة ، واعتقاد النصراني أن اليهودية فاسدة حق.

والمعنى : ولا يزالون مختلفين بالباطل الا من رحم ربك بفعل اللطف لهم.

وقوله «ولذلك خلقهم» قيل : في معناه قولان :

أحدهما : قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك أن المراد وللرحمة خلقهم وليس لاحد أن يقول : لو أراد ذلك لقال ولتلك خلقهم ، لان الرحمة مؤنثة اللفظ وذلك أن تأنيث الرحمة ليس بتأنيث حقيقي ، وما ذلك حكمه جاز أن يعبر عنه بالتذكير ، ولذلك قال الله تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (١) ولم يقل قريبة.

الثاني : أن يكون اللام لام العاقبة ، والتقدير : انه خلقهم وعلم أن عاقبتهم تؤول الى الاختلاف المذموم ، كما قال (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢) ولا يجوز أن يكون اللام لام الغرض ، ويرجع الى الاختلاف المذموم ، لان الله تعالى لا يخلقهم ويريد منهم خلاف الحق ، لأنه صفة نقص يتعالى الله عن ذلك.

وأيضا فلو أراد منهم ذلك الاختلاف لكانوا مطيعين له ، لان الطاعة هي موافقة الارادة أو الامر ، ولو كانوا كذلك لم يستحقوا عقابا وقد قال تعالى (وَما خَلَقْتُ

__________________

(١). سورة الاعراف : ٥٦.

(٢). سورة القصص : ٨.

١٨

الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) فبين أنه خلقهم وأراد منهم العبادة ، فكيف يجوز مع ذلك أن يكون مريدا لخلاف ذلك؟ وهل هذا الا تناقض؟ يتعالى الله عن ذلك.

على أن في اختلاف أهل الضلال ما يريده الله ، وهو اختلاف اليهود والنصارى في التثليث ، واختلاف النصارى لليهود في تأبيد شرع موسى.

فصل : قوله (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الاية : ١٢٣.

الغيب كون الشيء بحيث لا يلحقه الحس ، ومنه (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (٢) أي : عالم الموجود والمعدوم وما يغيب عن احساس الناس وما يظهر.

ومعنى «واليه يرجع الامر كله» أي : يذهب الى حيث ابتدأ منه ، فرجوع الامر الى الله بالاعادة بعد النشأة الاولى. وقيل : ترجع الأمور الى الله لا يملكها سواه.

سورة يوسف

فصل : قوله (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) الاية : ١.

المبين معناه المظهر لحلال الله وحرامه والمعاني المرادة به ، وهو قول مجاهد وقتادة. والبيان هو الدلالة.

فصل : قوله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ٢ لآية : ٢.

القرآن كلام في أعلى طبقة البلاغة ، ووجه بلاغة القرآن كونه في نهاية التلاؤم المنافي للتنافر في تأليف اللفظ والمعنى ، مع تشاكل المقاطع في الفواصل بما يقتضيه المعنى ، ومع تصريف القول على أحسن ما تصرف به المعنى.

والعقل مجموع علوم يتمكن معها من الاستدلال بالشاهد على الغائب ويفصل

__________________

(١). سورة الذاريات : ٥٦.

(٢). سورة التوبة : ٩٥ وغيرها.

١٩

به بين الحسن والقبيح ، ثم يجري على كل ما يعقله الإنسان في نفسه من المعاني.

وفي الاية دلالة على أن كلام الله محدث ، لأنه وصفه بالانزال وبأنه عربي ، ولا يوصف بذلك القديم. وفيه دلالة على أن القرآن غير الله ، لأنه وصفه بأنه عربي ومن زعم أن الله عربي كفر وما كان غير الله فهو محدث.

فصل : قوله (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) الاية : ٤.

انما أعاد ذكر (رَأَيْتُهُمْ) لامرين :

أحدهما للتوكيد حيث طال الكلام.

الثاني : ليدل أنه رآهم ورأى سجودهم.

وفي معنى سجودهم له قيل : قولان :

أحدهما : هو السجود المعروف على الحقيقة تكرمة له لا عبادة له.

والثاني : الخضوع له في قول أبي علي ، كما قال الشاعر :

ترى الاكم فيه سجدا للحوافر

وهو ترك الظاهر ، وقال الحسن : الأحد عشر كوكبا اخوته ، والشمس والقمر أبواه. وانما قال «ساجدين» بالياء والنون ، وهو جمع ما يعقل لأنه لما وصفها بفعل ما يعقل من السجود أجرى عليها صفات ما يعقل ، كما قال (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) (١) لما أمروا أمر من يعقل.

فصل : قوله تعالى (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ) الاية : ٥.

انما صغر (بُنَيَّ) مع عظم منزلته ، لأنه قصد بذلك صغر السن ، ولم يقصد به تصغير الذم. والرؤيا تصور المعنى في المنام على توهم الأبصار ، وذلك أن العقل مغمور بالنوم ، فإذا تصور الإنسان المعنى توهم أنه يراه.

فصل : قوله (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) الاية : ٦.

__________________

(١). سورة النمل : ١٨.

٢٠