المقالات والفرق

سعد بن عبدالله أبي خلف الأشعري القمي

المقالات والفرق

المؤلف:

سعد بن عبدالله أبي خلف الأشعري القمي


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مركز انتشارات علمى و فرهنگى
المطبعة: كاويان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٧

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ الحمد لله المتوحّد بالقدم والازليّة ، الّذي ليس له غاية في دوامه ، ولا له أوليّة في أزليّته ، انشأ صنوف البريّة ، لا من اصول كانت معه بديّة ، جلّ عن اتّخاذ الصاحبة والأولاد ، وتعالى عن مشاركة الانداد ، هو الباقي بغير مدّة ، والمنشئ لا باعوان ، لم يحتج فيما ذرأ إلى محاولة التفكير ، ولا مزاولة مثال ولا تقدير ، احدث الخلق على صنوف من التخطيط والتصوير ، لا برؤية ولا ضمير ، سبق علمه في جميع الأمور ، ونفذت مشيّته في كلّ ما يكون في الازمنة والدهور ، تفرد بصنعة الأشياء فاتقنها بلطائف التدبير ، فسبحانه من لطيف خبير ، ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير ، لا تدركه الابصار ولا يلحقه غاية ولا مقدار ، لا يعزب عنه خافية من السرائر ، ممّا تنطوى عليه القلوب وتجنّه الضمائر ، ليس له في خليقته ممايل (١). [a ١ F]

٢ ـ [أمّا بعد ، فان فرق الامة كلّها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كلّ عصر ووقت كلّ إمام بعد وفاته وفي عصر حياته منذ قبض الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ذكرنا في كتابنا هذا ما يتناهى إلينا من فرقها وآرائها واختلافها وما حفظنا ممّا روى لنا من العلل الّتي من أجلها تفرقوا واختلفوا وما عرفنا في ذلك من تاريخ الاوقات وبالله التوفيق ومنه العون.

قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شهر ربيع الاول سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث

__________________

(١) هذه خطبة كتاب «المقالات والفرق واسماؤها وصنوفها والقابها» تصنيف سعد بن عبد الله ابى خلف الاشعرى ، اعنى كتابنا هذا ، ولكن النسخة ناقصة من هذا الموضع وقد سقطت منها بعض الاوراق. فان ما ادرجناه فى هذا الكتاب بعد هذا الموضع إلى آخر العدد «٣٤» هو مما نقلناه عن كتاب «فرق الشيعة» للنوبختى طبع النجف (المصحح).

٢

وستّين سنة ، وكانت نبوّته عليه‌السلام ثلاثا وعشرين سنة ، وأمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤى بن غالب ، فافترقت الامّة ثلاث فرق :

٣ ـ فرقة منها سميت الشيعة. وهم شيعة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١). ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلّها.

٤ ـ وفرقة منهم ادّعت الإمرة والسلطان ، وهم الأنصار ودعوا إلى عقد الامر لسعد بن عبادة الخزرجي.

٥ ـ وفرقة مالت إلى بيعة أبي بكر بن أبي قحافة وتأوّلت فيه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينصّ على خليفة بعينه ، وانه جعل الامر إلى الامّة تختار لانفسها من رضيته ، واعتلّ قوم منهم برواية ذكروها أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره في ليلته الّتي توفّى فيها بالصلاة ، فجعلوا ذلك الدليل على استحقاقه ايّاه ، وقالوا رضيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لامر ديننا ورضيناه لامر دنيانا ، وأوجبوا له الخلافة بذلك فاختصمت هذه الفرقة وفرقة الانصار وصاروا إلى سقيفة بنى ساعدة ومعهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة الثقفي وقد دعت الأنصار إلى العقد لسعد بن عبادة الخزرجي والاستحقاق للامر والسلطان فتنازعوا هم والانصار في ذلك حتّى قالوا منا أمير ومنكم أمير فاحتجت هذه الفرقة عليهم بان النبيّ عليه‌السلام : قال : الأئمّة من قريش ، وقال بعضهم انه قال : الإمامة لا تصلح إلّا في قريش فرجعت فرقة الأنصار ومن تابعهم إلى أمر أبي بكر غير نفر يسير مع سعد بن عبادة ومن اتّبعه من أهل بيته ، فانه لم يدخل في بيعته حتّى خرج إلى الشام (٢) مراغما لابي بكر وعمر فقتل هناك بحوران قتله الروم وقال آخرون قتلته الجن فاحتجّوا بالشعر المعروف وفي روايتهم انّ الجن قالت : ـ

قد قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عبادة

ورميناه (٣) بسهمين فلم نخطئ فؤاده

__________________

(١) واتبعوه ولم يرجعوا إلى غيره ومنها افترقت (خ ـ ل).

(٢) الشام فى زمان عمر مراغما له (خ ـ ل).

(٣) فى الاصل ضربناه وفى كتاب المعارف ص ١٣٣ ورميناه وهو اشبه.

٣

وهذا قول فيه بعض النظر لأنّه ليس في التعارف انّ الجنّ ترمى بني آدم بالسهام فتقتلهم ، فصار مع أبي بكر السواد الاعظم والجمهور الأكثر فلبثوا معه ومع عمر مجتمعين عليهما راضين بهما.

٦ ـ وقد (١) كانت فرقة اعتزلت عن أبي بكر فقالت لا تؤدى الزكاة إليه حتى يصح عندنا (٢) لمن الأمر ومن استخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ونقسم الزكاة بين فقرائنا وأهل الحاجة منّا.

٧ ـ وارتد قوم فرجعوا عن الاسلام ، ودعت بنو حنيفة إلى نبوّة مسيلمة وقد كان ادعى النبوّة في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبعث أبو بكر إليهم الخيول عليها خالدين الوليد بن المغيرة المخزومي فقاتلهم وقتل مسيلمة وقتل من قتل ورجع من رجع (٣) منهم إلى أبي بكر فسمّوا أهل الردّة.

٨ ـ ولم يزل هؤلاء جميعا على أمر واحد حتّى نقموا على عثمان بن عفّان امورا احدثها ، وصاروا (٤) بين خاذل وقاتل إلّا خاصة أهل بيته وقليلا من غيرهم حتى قتل ، فلمّا قتل بايع الناس عليّا عليه‌السلام فسمّوا الجماعة ، ثم افترقوا بعد ذلك. (٥) فصاروا ثلاث فرق :

٩ ـ فرقة اقامت على ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

١٠ ـ وفرقة منهم اعتزلت مع سعد بن مالك وهو سعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومحمّد بن مسلمة الانصارى واسامة بن زيد بن حارث الكلبي مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان هؤلاء اعتزلوا عن علي عليه‌السلام وامتنعوا من محاربته والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضا به فسموا المعتزلة وصاروا اسلاف المعتزلة إلى آخر الابد ، وقالوا : لا يحلّ قتال على ولا القتال معه : وذكر بعض أهل العلم ان الاحنف

__________________

(١) وامتنعت فرقة من اعطاء الزكاة إليهما فقالت لا نؤدى الزكاة (خ ـ ل).

(٢) لنا انه لمن الامر (خ ـ ل).

(٣) ورجع من لم يقتل منهم (خ ـ ل).

(٤) فصار المسلمون (خ ـ ل).

(٥) بعد ذلك الى أربعة : فرقة (خ ـ ل).

٤

ابن قيس التميمي اعتزل بعد ذلك في خاصة قومه من بنى تميم لا على التديّن بالاعتزال لكن على (١) طلب السلامة من القتل وذهاب المال وقال لقومه : واعتزلوا الفتنة أصلح لكم.

١١ ـ وفرقة خالفت عليّا عليه‌السلام وهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام وعائشة بنت أبي بكر ، فصاروا إلى البصرة فغلبوا عليها وقتلوا عمال علي عليه‌السلام واخذوا المال فسار إليهم على عليه‌السلام فقتل طلحة والزبير وهزموا ، وهم أصحاب الجمل.

١٢ ـ وهرب منهم قوم فصاروا إلى معاوية بن أبي سفيان ، ومال (٢) معهم أهل الشام وخالفوا عليا ودعوا إلى الطلب بدم عثمان ، والزموا عليا وأصحابه دمه ، ثمّ دعوا إلى معاوية وحاربوا عليا عليه‌السلام ، وهم أهل صفّين.

١٣ ـ ثمّ خرجت فرقة ممّن كان مع على عليه‌السلام ، وخالفته بعد تحكيم الحكمين بينه وبين معاوية وأهل الشام وقالوا : لا حكم إلّا لله ، وكفّروا عليا عليه‌السلام وتبرّءوا منه وأمّروا عليهم ذا الثدية ، وهم المارقون ، فخرج علي عليه‌السلام فحاربهم بالنهروان فقتلهم وقتل ذا الثدية فسمّوا الحرورية لوقعة حروراء ، وسموا جميعا الخوارج ، ومنهم افترقت فرق الخوارج كلّها.

١٤ ـ فلمّا قتل على (٣) التقت الفرقة الّتي كانت معه والفرقة الّتي كانت مع طلحة والزبير وعائشة فصاروا فرقة واحدة مع معاوية بن أبي سفيان إلّا القليل منهم من شيعته ومن قال بامامته بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم السواد الاعظم وأهل الحشو واتباع الملوك واعوان كل من غلب اعنى الّذين التقوا مع معاوية فسمّوا جميعا «المرجئة» لانّهم تولّوا المختلفين جميعا وزعموا ان أهل القبلة كلّهم مؤمنون باقرارهم الظاهر

__________________

(١) طلبا لسلامة الحياة وصون المال لا للدين وقال لقومه (خ ـ ل).

(٢) وأمالوه مع أهل الشام إلى حرب على وطلب دم عثمان (خ ـ ل).

(٣) ولما قتل على عليه‌السلام بسيف ابن ملجم المرادى من منهزمى الخوارج ، اتفقت بقية الناكثين والقاسطين وتبعة الدنيا على معاوية فسموا المرجئة وزعموا ان اهل القبلة كلم مؤمنون ورجئوا إليهم جميعا المغفرة ولم يبق مع ابنه الحسن الا القليل من الشيعة (خ ـ ل).

٥

بالايمان ورجوا لهم جميعا المغفرة ، وافترقت (المرجئة) بعد ذلك فصارت إلى (اربع فرق).

١٥ ـ (فرقة) منهم غلوا في القول وهم (الجهمية) أصحاب «جهم بن صفوان» وهم مرجئة أهل خراسان.

١٦ ـ (وفرقة) منهم الغيلانية أصحاب (غيلان بن مروان) وهم مرجئة أهل الشام.

١٧ ـ (وفرقة) منهم (الماصرية) أصحاب (عمرو (١) بن قيس الماصر) وهم مرجئة أهل العراق منهم «أبو حنيفة» ونظراؤه.

١٨ ـ (وفرقة) منهم يسمون (الشكاك) و (البترية) أصحاب الحديث منهم (سفيان بن سعيد الثورى) و (شريك بن عبد الله) و (ابن أبي ليلى) و (محمّد بن ادريس الشافعي) و (مالك بن أنس) ونظراؤهم من أهل الحشو والجمهور العظيم وقد سمّوا (الحشوية).

١٩ ـ فقالت (٢) أوائلهم في الامامة : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدنيا ولم يستخلف على دينه من يقوم مقامه في لمّ الشعث ، وجمع الكلمة ، والسعى في امور الملك والرعيّة ، واقامة الهدنة ، وتأمير (٣) الامراء ، وتجييش الجيوش ، والدفع عن بيضة الاسلام ، وردع المعاند ، وتعليم الجاهل ، وانصاف المظلوم ، وجوّزوا فعل هذا الفعل لكلّ إمام اقيم بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٠ ـ ثمّ اختلف هؤلاء فقال بعضهم : على الناس ان يجتهدوا آراءهم في نصب الامام وجميع حوادث الدين والدنيا إلى اجتهاد الرأى ، وقال بعضهم : الرأى باطل

__________________

(١) كذا فى النسخ المخطوطة والمشهور عمر.

(٢) لانهم قالوا بحشو الكلام مثل ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يستخلف من يجمع الكلمة ويحفظ الدين ويرشد الامة ويدفع عن بيضة الاسلام ويعدل فى الاحكام ونحو ذلك من شطط الكلام وجوزوا ذلك لكل امام قام بعد النبي فى الاسلام ، ثم اختلف هؤلاء (خ ـ ل).

(٣) وتاجير الامر (فى الاصل).

٦

ولكنّ الله عزوجل أمر الخلق أن يختاروا الامام بعقولهم (١).

٢١ ـ وشذت طائفة من المعتزلة عن قول اسلافها فزعمت انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على صفة الامام ونعته ولم ينصّ على اسمه ونسبه ، وهذا قول احدثوه قريبا.

٢٢ ـ وكذلك قالت جماعة من أهل الحديث هربت حين عضها (٢) حجاج الامامية ولجأت إلى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نص على أبي بكر بامره ايّاه بالصّلاة ، وتركت مذهب اسلافها في أنّ المسلمين بعد وفاة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا : رضينا لدنيانا بإمام رضيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لديننا.

٢٣ ـ واختلف اهل الاهمال في إمامة الفاضل والمفضول ، فقال أكثرهم : هي جائزة في الفاضل والمفضول ، اذا كانت في الفاضل علّة تمنع من إمامته ، ووافق سائرهم (٣) أصحاب النصّ على انّ الامامة لا تكون الا للفاضل المتقدّم.

٢٤ ـ واختلف الكلّ في الوصيّة ، فقال أكثر أهل الاهمال : توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يوص إلى أحد من الخلق ، فقال بعضهم قد اوصى على معنى انّه اوصى الخلق بتقوى الله عزوجل.

٢٥ ـ ثمّ اختلفوا جميعا في القول بالامامة واهلها فقالت (البترية) وهم أصحاب (الحسن بن صالح بن حىّ) ومن قال بقوله انّ عليّا عليه‌السلام هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واولاهم بالامامة ، وان بيعة أبي بكر ليست بخطإ ، ووقفوا في عثمان وثبتوا حزب علي عليه‌السلام ، وشهدوا على مخالفيه بالنار ، واعتلّوا بانّ عليّا عليه‌السلام سلم لهما ذلك فهو بمنزلة رجل كان له على رجل حقّ فتركه له.

٢٦ ـ وقال (سليمان بن جرير الرقي) ومن قال بقوله انّ عليّا عليه‌السلام كان

__________________

(١) من انفسهم (خ ـ ل).

(٢) عضها حجاج وهؤلاء المهملة قالوا باهمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الامامة ويقابلهم المستعملة ، قالوا باستعمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إماما لامامته (خ ـ ل).

(٣) ووافق اكثرهم مع المستعملة فى أن الامامة (خ ـ ل).

٧

الامام وان بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأ ولا يستحقّان اسم الفسق عليها من قبل التأويل لانهما تاوّلا فأخطئا ، وتبرءوا من عثمان فشهدوا عليه بالكفر ومحارب علي عليه‌السلام عندهم كافر.

٢٧ ـ وقال «ابن التمار» ومن قال بقوله ، إنّ عليّا عليه‌السلام كان مستحقّا للامامة وإنّه أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ الأمة ليست بمخطئة خطأ اثم في توليتها أبا بكر وعمر ولكنّها مخطئة بترك (١) الافضل ، وتبرّءوا من عثمان ومن محارب علي عليه‌السلام وشهدوا عليه بالكفر.

٢٨ ـ وقال (الفضل الرقاشي) و (ابو شمر) (٢) و (غيلان بن مروان) و (جهم بن صفوان) ومن قال بقولهم من المرجئة ، إن الإمامة يستحقها كل من قام بها إذا كان عالما بالكتاب والسنة انّه لا تثبت الإمامة إلّا باجماع (٣) الامّة كلّها.

٢٩ ـ وقال أبو حنيفة وسائر المرجئة : لا تصلح الامامة إلّا في قريش ، كل من دعا منها إلى الكتاب والسنة والعمل بالعدل وحبت إمامته ووجب الخروج معه وذلك للخبر الّذي جاء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : الائمّة من قريش.

٣٠ ـ وقالت الخوارج كلّها الا «النّجدية» منهم : الإمامة تصلح في افناء (٤) الناس ، كلّهم من كان منهم قائما بالكتاب والسنة عالما بهما ، وإنّ الإمامة تثبت بعقد رجلين.

٣١ ـ وقالت «النجدية» من الخوارج : الامّة غير محتاجة إلى إمام ولا غيره ، وإنّما علينا وعلى الناس ان نقيم كتاب الله عزوجل فيما بيننا.

٣٢ ـ وقالت «المعتزلة» : انّ الامامة يستحقها كل من كان قائما بالكتاب

__________________

(١) وتركوا الافضل (خ ـ ل).

(٢) وابن شمر (خ ـ ل).

(٣) باجتماع الامة (خ ـ ل).

(٤) في أمناء الناس (خ ـ ل).

٨

والسنة ، فإذا اجتمع قرشي ونبطي وهما قائمان بالكتاب والسنة ولّينا القرشيّ ، والامامة لا تكون الا باجماع الامة واختيار ونظر.

٣٣ ـ وقال «ضرار بن عمرو» : إذا اجتمع قرشي ونبطي ولّينا النبطى وتركنا القرشي ، لانه اقل عشيرة واقل عددا فاذا عصى الله واردنا خلعه كانت شوكته اهون ، وإنّما قلت ذلك نظرا للاسلام.

٣٤ ـ وقال ابراهيم النظام ومن قال بقوله : الامامة تصلح لكلّ من كان قائما بالكتاب والسنة لقول الله عزوجل إن أكرمكم عند الله اتقاكم (٤٩ : ١٣) وزعموا انّ الناس لا يجب عليهم فرض الامامة إذا هم اطاعوا الله واصلحوا سرائرهم وعلانيتهم فانّهم لن يكونوا كذا إلّا وعلم الامام قائم باضطرار يعرفون عينه (١) فعليهم اتّباعه ولن يجوز أن يكلّفهم الله عزوجل معرفته (٢) ولم يضع عندهم علمه فيكلفهم المحال (٣).

٣٥ ـ وقالوا في عقد المسلمين الامامة لابي بكر : انّهم قد أصابوا (٤) ذلك وانه كان اصلحهم في ذلك الوقت ، واعتلّوا في ذلك بالقياس وبخبر تاوّلوه ، فاما القياس (٥) فانّهم قالوا إنّا وجدنا الانسان لا يتعمّد أن يذلّ نفسه لرجل (٦) ويوجب طاعته وقبول امره ويلزم نفسه اتّباعه في كلّ ما قال من ثلاثة طرق (٧) ، امّا أن يكون رجل له عشيرة تعينه على استعباد الناس ، او رجل عنده مال فيذلّ الناس له لماله او

__________________

(١) علمه. (خ ـ ل)

(٢) قد انتهت هنا الصفحات المنقولة من كتاب النوبختى من ـ صحيفة ٢ إلى ـ صحيفة ١١.

(٣) «ولا عندهم علمه فيكلفهم المحال» وهذه العبارة هى ما جاءت فى اوّل الصحيفة الثانية من نسخة سعد بن عبد الله ، وبعد هذا نقلنا الكتاب كما جاء فى نسخة كتابه «المقالات» وذكرنا فى الحواشى الاختلاف بين كتابى سعد بن عبد الله والنوبختى (المصحح).

(٤) قد اصابوا لانه كان (خ ـ ل) ، قد اصابوا فى ذلك (النوبختى ص ١١).

(٥) اصلحهم فى ذلك الوقت بالقياس والخبر اما القياس (النوبختى ص ١١)

(٦) لما وجد ان الانسان لا يعمد إلى الذل لرجل (النوبختى ص ١١).

(٧) الا من ثلاث طرق (النوبختى ص ١١).

٩

دين برز (١) فيه على الناس ، فلما وجدنا أبا بكر اقلّهم عشيرة وافقرهم علمنا انّه قدم للدين ، وامّا الخبر فلما وجدنا اجماع الناس عليه ورضاهم بامامته وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لم يكن الله (٢) ليجمع أمّتي على ضلال». [b ١ F [.

ولو كان اجتماع الامّة عليه خطأ ، لكان في ذلك فساد الصّلاة وابطال جميع الفرائض وهم (٣) الحجّة علينا بعد النبي صلّى الله عليه ، وهذه علة يعتلّ بها جميع المعتزلة والمرجئة (٤).

٣٦ ـ وزعم عمرو بن عبيد وضرار بن عمرو وواصل بن عطاء وهم اصول المعتزلة فقال «عمرو بن عبيد» ، ومن قال بقوله : ان عليا كان اولى بالحق من غيره.

وقال ضرار بن عمرو لست ادرى ايّهما افضل وايهما كان اهدى أعليّ أم طلحة والزبير ، وقال واصل بن عطا كان مثل عليّ ومن خالفه مثل المتلاعنين لا يدرى (٥) من الصّادق منهما ومن الكاذب واجمعوا على ان يتولّوا القوم في الجملة وان احد الفريقين ضال لا شك من اهل [a٢ F]. النار ، وان عليا وطلحة والزبير ، لو شهدوا بعد اقتتالهم على درهم لم يجيزوا شهادتهم ، وان انفرد عليّ مع رجل من عرض الناس اجازوا شهادته ، وكذلك طلحة والزبير ، وزعموا انهم يسمّونهم باسم الايمان على الامر الاول ما اجتمعوا ، فإذا لم يجتمعوا واحدا منهم على الانفراد مؤمنا ، ولم يجيزوا شهادتهم (٦).

٣٧ ـ واما (البترية) اصحاب الحديث اصحاب الحسن بن صالح بن حي وكثير النوا وسالم بن ابى حفصة والحكم بن عتيبة (٧) وسلمة بن كهيل و

__________________

(١) او عنده دين يرد (خ ـ ل).

(٢) لم يكن الله تبارك وتعالى (النوبختى ص ١٢).

(٣) كذا فى الاصل ، وابطال القرآن وهو الحجة علينا (النوبختى ص ١٢).

(٤) وهذه علة المعتزلة والمرجئة باجمعهم (النوبختى ص ١٢).

(٥) فى الاصل : لا يدرأ

(٦) لم يجيزوا شهادته (النوبختى ص ١٣).

(٧) عيينة (خ ـ ل).

١٠

ابو المقدام (١) ثابت الحداد ومن قال بقولهم ، فانهم دعوا إلى ولاية عليّ ثم خلطوها بولاية ابي بكر وعمر واجمعوا جميعا أن عليا خير القوم جميعا وافضلهم. وهم مع ذلك يأخذون باحكام أبي بكر وعمر ويرون المسح على الخفّين وشرب النبيذ المسكر واكل الجدى (٢). واختلفوا في حرب على ومحاربة [F ٢ b] من حاربه.

٣٨ ـ فقالت الشيعة والزيدية ومن المعتزلة ابراهيم النظام وبشر بن المعتمر ومن قال بقولهم (٣) إن عليا عليه‌السلام كان مصيبا في حربه طلحة والزبير وغيرهما وإن جميع من قاتل عليا وحاربه كان على خطأ ووجب (٤) على الناس محاربتهم مع على والدليل عندهم على ذلك قول الله في كتابه فقاتلوا الّتي تبغى حتى تفيء إلى امر الله (٥) ، فقد وجب قتالهم لبغيهم عليه لانهم ادّعوا ما ليس لهم وما لم يكونوا أولياءه من الطلب بدم عثمان وبغوا عليه (٦) بنكثهم بيعته بعد ما بايعوا طائعين وقتلهم من قتلوا من أوليائه من المسلمين بالبصرة ظلما وعدوانا ، فوجبت محاربتهم على المسلمين حتى على المسلمين حتى يفيئوا إلى امر الله ويرجعوا إلى بيعته وقد قال الله : فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، (٧) واعتلّوا أيضا بقول الله وإن نكثوا أيمانهم. [a٤ F] من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر إنهم لا ايمان لهم (٨) واعتلّوا بالخبر عن علي عليه‌السلام في قوله : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للزبير بن العوّام وهو يكلّم عليا : لتقاتلنه وأنت له ظالم ، فقد قاتلهم ووجب قتالهم.

__________________

(١) ابى المقدام (النوبختى ص ١٣).

(٢) واكل الجرى (النوبختى ص ١٣) وهو الصحيح.

(٣) ومن قال بقولهما من المرجئة ابو حنيفة وابو يوسف وبشر المريسى ومن قال بقولهم ان عليا (النوبختى ص ١٤).

(٤) ويجب (خ ـ ل).

(٥) القرآن ٤٩ : ٩

(٦) فبغوا عليه (النوبختى ص ١٤).

(٧) القرآن ٤٨ : ١٠.

(٨) القرآن ٩ : ١٢.

١١

٣٩ ـ وقال بكر بن اخت عبد الواحد ومن قال بقوله : إن عليا وطلحة والزبير مشركون منافقون ، وهم مع ذلك جميعا في الجنة ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اطلع (١) الله على اهل بدر فقال (٢) اصنعوا ما شئتم فقد (٣) غفرت لكم.

٤٠ ـ وقال بقية المعتزلة ضرار بن عمر (٤) ومعمر وابو الهذيل العلاف وبقية المرجئة : انا نعلم أن احدهما مصيب والاخر مخطئ (٥) فنحن نتولى كل واحد منهم على الانفراد ولا نتولاهم على الاجتماع وعلتهم في ذلك أن كل. [F ٣ b [واحد منهم قد ثبتت ولايته وعدالته باجماع فلا يزول عنه العدالة الا باجماع.

٤١ ـ وقالت الحشوية وابو بكر الاصم ومن قال بقوله (٦) : إن عليا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم ، وإن المصيبين هم الذين قعدوا عنهم ، وإنّهم يتولّونهم جميعا ويبرءون من حربهم ويردّون امرهم إلى الله (٧).

٤٢ ـ واختلفوا في تحكيم الحكمين ، فقالت الخوارج الحكمان كافران ، وكفر على صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حكمهما ، واعتلّوا بقول الله : ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون (٨) ، وبقوله : فقاتلوا الّتي تبغى حتى تفيء إلى امر الله (٩) ، وترك القتال وقد أمر به كفر (١٠).

٤٣ ـ وقالت الشيعة (١١) إن عليا كان مصيبا في تحكيمه لما أبى اصحابه عليه

__________________

(١) ربما اطلع (خ ـ ل) ، اطلع الله عزوجل (النوبختى ص ١٤).

(٢) فقال لهم (خ ـ ل).

(٣) قد غفرت (النوبختى ص ١٥).

(٤) ضرار بن عمرو (النوبختى ص ١٥).

(٥) مخطئ بلا تعيين (خ ـ ل).

(٦) بقولهم (النوبختى ص ١٥).

(٧) الى الله عزوجل (النوبختى ص ١٥).

(٨) القرآن ٥ ، ٤٧.

(٩) القرآن ٤٩ ، ٩.

(١٠) فتركه القتال كفر (النوبختى ص ١٦).

(١١) وقالت الشيعة والمرجئة وابراهيم وبشر بن المعتمر (النوبختى ص ١٦).

١٢

إلّا التحكيم وامتنعوا من القتال لانه أبى. [a٤ F]عليهم واعلمهم أنه خطأ إلّا من اجل التحكيم لا يجوز بين المسلمين وبين المشركين ، ولكنه لا يجوز بين امام المسلمين واهل البغى عليه والنكث (١) والقاسطين من الامم ، واعلمهم أن رفعهم المصاحف ودعاءهم إلى كتاب الله مكر منهم وحيلة لرفع الحرب فى تلك الحال ، اذ (٢) قد كانوا شارفوا القتال والغلبة فكان ذلك منهم مكيدة واحتيالا (٣) ، فلما ابوا عليه وامتنعوا من المحاربة ورأى أنهم سيخذلونه إن امتنع من ذلك اجابهم على كره منه ، ودعاهم إلى أن يحكم بينه وبينهم عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، فأبوا أن يفعلوا فقالوا لا نحكم ولا نرضى إلّا بأبي موسى عبد الله بن قيس الاشعرى ، فحكمه عند ذلك نظرا للمسلمين ليتألفهم رأفة بهم وامرهما واشترط عليهما أن يحكما بكتاب الله ويحييا ما احيا الكتاب ويميتا ما أمات [F٤ b]. ويتبعا الحق ، فخالفا ذلك ومالا إلى الطليق بن الطليق ومن لعنه رسول الله ولعن اباه ومن لم يزل هو وابوه حربا لله ولرسوله ، وتركا خير الامة واعلمها وافضل المجاهدين ، واوّل الامة ايمانا بالله وانصرهم لله ولرسوله وللاسلام ، فهما اللذان أخطئا وكفرا واصاب علي عليه‌السلام في فعله لما اضطر إلى ذلك.

٤٤ ـ وقالت المرجئة وابراهيم النظام وبشر بن المعتمر ومن قال بقولهم : إن عليا كان مصيبا في تحكيمه لمّا أبى (٤) اصحابه عليه إلّا التحكيم وامتنعوا من القتال ، وأنه كان في ذلك ناظرا (٥) للمسلمين متألفا لهم وأمرهما أن يحكما بكتاب الله وينظرا للمسلمين ، والاسلام ، فخالفا وحكما بخلاف الحق فهما اللذان أخطئا واصاب على في تحكيمه ، واعتلوا بان رسول الله وادع اهل مكة [a ٥ f]. وردّ

__________________

(١) فى الاصل : المكث.

(٢) فى الاصل : ان.

(٣) فى الاصل : احتيال.

(٤) كذا فى الاصل والصحيح ، ابى.

(٥) فنظر للمسلمين ليألفهم (النوبختى ص ١٦).

١٣

أبا جندل سهيل بن عمرو وهو مسلم إلى المشركين ، يحجل في قيوده وبتحكيمه عليه‌السلام (١) سعد بن معاذ فيما بينه وبين بنى قريظة والنضير من اليهود.

٤٥ ـ وقال أبو بكر الاصم وأصحابه نفس خروجه خطأ وتحكيمه خطأ وأن أبا موسى أصاب حين خلعه حتى يجتمع الناس على امام.

٤٦ ـ وقال سائر المعتزلة : كل مجتهد مصيب ، وقد اجتهد على رحمة الله عليه واصاب ولا نتهمه في فعله (٢) ولا في دينه ونظره للاسلام واهله فهو محق مصيب.

٤٧ ـ وقالت الحشوية نحن لا نتكلم في هذا الشيء ونرد امرهم إلى الله فان يكن حقا فالله اولى به حقا كان او باطلا وأعلم ونتولاهم جميعا على الامر الاول.

٤٨ ـ وشذت فرقة من بينهم يقال لها الكاملية (٣) فاكفرت عليا عليه‌السلام وجميع اصحاب رسول الله ، [b٥ F] أكفروا عليا بتركه الوصية وتخليته الولاية وتركه القتال على ما عهد إليه رسول الله ، وزعموا انّه اسلم بعد كفره لما حارب معاوية وقاتله واسلم كل من قاتل معه وكفر الباقون ، واكفروا الصحابة بقعودهم عن الحق ، واخراجهم عليا عن حقّه وولايته ، ووقوفهم عليه وتركهم نصرته ، فالجميع عندهم كفار وعلي ثابت راجع إلى الاسلام ، وكذلك من قاتل معه معاوية ومن تبعه.

٤٩ ـ وكل هذه الصنوف والفرق الّتي ذكرنا من أهل الارجاء والاعتزال والخوارج وغيرهم ، مختلفون فيما بينهم فرقا (٤) يطول ذكرها وعددها ، ناقمون بعضهم (٥) على بعض في التوحيد والامامة والاحكام والفتيا (٦) والسير وجميع فنون

__________________

(١) وحكم (خ ـ ل).

(٢) فى قوله (النوبختى ص ١٦).

(٣) هذه الفرقة لم تذكر فى النوبختى اصلا.

(٤) فرقا كثيرة (النوبختى ص ١٧).

(٥) يؤتمون بعضهم (النوبختى ص ١٧). يأتمون (خ ـ ل).

(٦) والفتوى (النوبختى ص ١٧).

١٤

الدين ، يبرأ بعضهم (١) من بعض ويكفر بعضهم بعضا ، اكثر ما عندهم إذ سمّوا أنفسهم الجماعة. [F٦ a] يعنون (٢) انهم مجتمعون على ولاية من وليهم من الولاة برأ كان او فاجرا ، فسموا الجماعة (٣) علي غير معنى الاجتماع على الدين (٤) ، بل صحيح معناهم معنى الافتراق.

فجميع اصول الفرق كلها الجامعة لها أربعة فرق : الشيعة والمرجئة والمعتزلة والخوارج.

٥٠ ـ فاول الفرق الشيعة وهي فرقة عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه المسمون شيعة (٥) على في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بامامته ، منهم المقداد بن الاسود الكندي ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفارى وعمار بن ياسر المذحجى ، المؤثرون طاعته. المؤتمون به ، وغيرهم ممّن وافق مودته مودة عليّ بن أبي طالب ، وهم اوّل من سمّوا (٦) باسم التشيع من هذه الامّة ، لأنّ اسم التشيع (٧) قديم ، شيعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء عليهم‌السلام [b٦ F]. فلمّا قبض الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله افترقت فرقة الشيعة فصاروا في الامامة ثلث فرق.

٥١ ـ فرقة منهم قالت انّ عليّ ابن أبي طالب امام ومفروض الطاعة (٨) من الله ورسوله بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بوجوب على الناس (٩) القبول منه والاخذ منه لا يجوز

__________________

(١) ينكر بعضهم (النوبختى ص ١٧).

(٢) يعنون بذلك (النوبختى ص ١٧).

(٣) بالجماعة (النوبختى ص ١٧).

(٤) على دين (النوبختى ص ١٧).

(٥) بشيعة على (النوبختى ص ١٧).

(٦) من سمى (النوبختى ص ١٧).

(٧) الشيعة (خ ـ ل).

(٨) مفترض الطاعة (النوبختى ص ١٨).

(٩) واجب على الناس (النوبختى ص ١٨).

١٥

لهم غيره من اطاعه اطاع الله ومن عصاه عصى الله لما أقامه رسول الله علما لهم واوجب إمامته وموالاته وجعله اولى بهم منهم بانفسهم والّذي وضع عنده من العلم ما يحتاج إليه الناس من الدين والحلال والحرام وجميع منافع دينهم ودنياهم ومضارها وجميع العلوم كلها جليلها (١) ودقيقها واستودعه ذلك كلّه واستحفظه ايّاه وانّه استحق الامامة ومقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعصمته وطهارة مولده وسبقه (٢) وعلمه وشجاعته وجهاده وسخائه وزهده وعدالته في رعيته وان. [a٧ F] النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نص عليه واشار إليه ، باسمه ونسبه ، وعينه وقلد الامة إمامته واقامه ونصبه لهم علما ، وعقد له عليهم إمرة المؤمنين ، وجعله وصيّه وخليفته ووزيره في مواطن كثيرة (٣) ، اعلمهم انّ منزلته منه منزلة هارون من موسى ، إلّا انّه لا نبي بعده (٤) ، واذ جعله نظير نفسه في حياته ، وانّه اولي بهم بعده ، كما كان هو صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بهم منهم بأنفسهم ، إذ جعله (٥) في المباهلة كنفسه ، بقول الله : وانفسنا وأنفسكم (٦) ، ولقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني وليعة : لتنتهن بابني وليعة او لا بعثن إليكم رجلا كنفسى يعصاكم بالسيف ، مقام النبيّ (٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يصلح من بعده إلّا لمن هو كنفسه ، والامامة من اجلّ الامور بعد الرسالة (٨) ، إذ هي فرض من اجل فرائض الله. فاذا لا يقوم الفرائض ولا يقبل الا بامام عدل. [b ٧ F].

وقالوا انه لا بدّ مع ذلك من ان تكون تلك الامامة دائمة جارية في عقبه الى يوم القيمة ، تكون في ولده من ولد فاطمة بنت رسول الله ، ثم في ولد ولده منها يقوم

__________________

(١) جليها (خ ـ ل).

(٢) سابقته (خ ـ ل).

(٣) مثل غدير خم وغيره (النوبختى ص ١٩).

(٤) فهذا دليل إمامته ولا معنى الا النبوة والامامة (النوبختى ص ١٩).

(٥) إذ جعله نظير نفسه فى انه اولى بهم منهم بانفسهم فى حياته (النوبختى ص ١٩).

(٦) القرآن ٣ : ٥٤.

(٧) فمقام النبي (النوبختى ص ١٩)

(٨) بعد النبوة (النوبختى ص ١٩).

١٦

مقامه ابدا ، رجل منهم معصوم من الذنوب ، طاهر من العيوب ، تقيّ نقى (١) ، مبرأ من الآفات والعاهات في الدين والنسب والمولد ، يؤمن منه العمد والخطأ والزلل ، منصوص عليه من الامام الّذي قبله مشار إليه بعينه واسمه. الموالى له مؤمن ناج ، والمعادى له كافر هالك ، والمتخذ دونه وليجة ضال مشرك ، وان الامامة جارية في عقبه على هذا السبيل ما اتصل امر الله ونهيه ولزم العباد التكليف.

فلم تزل هذه الفرقة ثابتة قائمة لازمة لامامته وولايته على ما ذكرنا ووصفنا الى ان قتل صلوات الله عليه وقتل في شهر رمضان ضربه [a٨ F] عبد الرحمن بن ملجم المرادى لعنه الله ليلة تسع عشرة ، وتوفى في ليلة احدى وعشرين ، ليلة الاحد سنة اربعين من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وكانت (٢) إمامته ثلاثين سنة ، وخلافته اربع سنين وتسعة اشهر ، وأمه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف رحمة الله عليها ، وهو اوّل هاشمى ولده هاشم (٣) وروى بعض الرواة عن جعفر بن محمد وغيره انه قتل وهو ابن خمس وستين سنة وهو اصح القولين وابينهما.

٥٢ ـ وفرقة قالت ان عليا رحمة الله عليه كان اولى الناس بعد رسول الله بالناس ، (٤) لفضله وسابقته وقرابته وعلمه ، وهو افضل الناس كلهم بعده واشجعهم واسخاهم واورعهم وازهدهم واعلمهم ، واجازوا مع ذلك خلافة ابى بكر وعمر ، رأوهما اهلا (٥) لذلك المكان والمقام [b ٨ F].

احتجوا في ذلك بان زعموا ان عليا سلم لهما الامر ورضى بذلك وبايعهما طائعا غير مكره وترك حقه لهما ، فنحن راضون كما رضى المسلمون له (٦) ولمن

__________________

(١) مأمون رضى (النوبختى ص ١٩).

(٢) فكانت (النوبختى ص ٢٠).

(٣) اوّل هاشمى ولد بين هاشميين (النوبختى ص ٢٠).

(٤) برئاسة الناس (خ ـ ل).

(٥) إمامة ابى بكر وعمر وعدوهما (النوبختى ص ٢٠) ، وقالوا كانا اهلا (خ ـ ل).

(٦) كما رضى الله المسلمين له (النوبختى ص ٢٠).

١٧

تابع لا يحل لنا غير ذلك ، ولا يسع احد (١) الا ذلك ، وان ولاية ابى بكر صارت رشدا وهدى لتسليم على صلى الله عليه له ذلك ورضاه ولو لا رضاه وتسليمه لكان ابو بكر مخطئا ضالا هالكا وهم اوائل البترية.

٥٣ ـ وخرجت من هذه الفرقة فرقة فقالوا على بن ابى طالب افضل الناس بعد رسول الله لقرابته وسابقته وعلمه ، ولكن كان جائزا للناس ان يولّوا عليهم غيره اذا كان الوالى الّذي يولونه محوس (٢) احب على ذلك أم كرهه فولايته الوالى الّذي ولوا على انفسهم برضا منهم رشد وهدى وطاعة لله ، وولايته وطاعته واجبة من الله فاذا اجتمعت الامة. [a ٩ F [على ذلك وتوالت ورضيت به فقد ثبتت إمامته واستوجب الخلافة ، فمن خالفه من قريش وبنى هاشم على كان او غيره (٣) من الناس ، فهو كافر ضال هالك.

٥٤ ـ وفرقة منهم يسمون الجارودية اصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر بن زياد الاعجمى ، فقالوا بتفضيل على ، ولم يروا مقامه لاحد سواء ، وزعموا ان من رفع (٤) عليا عن هذا المقام فهو كافر ، وان الامة كفرت وضلت في تركها بيعته ، ثم جعلوا الامامة بعده في الحسن بن على ثم في الحسين بن على ثم هى شورى بين اولادهما ، فمن خرج منهم وشهر سيفه ودعا الى نفسه فهو مستحق للامامة ، (٥) وهاتان الفرقتان هما المنتحلتان (٦) امر زيد بن على بن الحسين وامر زيد بن الحسن بن الحسن بن على ومنهما تشعبت فرق (٧) الزيدية.

__________________

(١) ولا يسع منا احدا (النوبختى ص ٢٠) ، هنا احدا (خ ـ ل).

(٢) كذا فى الاصل ، مجزئا (النوبختى ص ٢١) ، مجربا (خ ـ ل).

(٣) عليا كان او غيره (النوبختى ص ٢١).

(٤) من دفع (النوبختى ص ٢١).

(٥) فهو الامام (النوبختى ص ٢١).

(٦) هما اللتان ينتحلان امر (النوبختى ص ٢١).

(٧) صنوف الزيدية (النوبختى ص ٢١).

١٨

وزعمت هذه الفرق ان الامر كان [b٩ F] بعد رسول الله لعلى صلى الله عليه ، ثم للحسن ، ثم للحسين نص من رسول الله ووصية منه إليهم ، واحدا بعد واحد ، فلما مضى الحسين بن على صارت في رجلين من اولادهما الى على بن الحسين والحسن بن الحسن ، لا تخلوا من احدهما الا انهم يعلمون ايّا من اى ، وان الامامة بعد هما في اولادهما ، فمن ادعاها من ولد الحسين بن على ومن ولد على بن الحسين وزعم انها لولد الحسين بن على دون ولد الحسن بن الحسن ، فان إمامته باطل وانه ضال مضل هالك ، ان من اقرّ من ولد الحسين والحسن ان الامامة تصلح في ولد الحسن والحسين ومن رضوا به واتفقوا عليه وبايعوه جاز ان يكون إماما ، ومن انكر ذلك منهم وجعلها في ولد احد منهما لا يصلح للامامة ، وهو عند هم خارج من الدين وكذلك قولهم فيمن ادعاها [a٠١ F] فمن ذلك الحسن بن على ، على هذا الوجه ، وزعموا ان الامامة صارت بعد النص من رسول الله وبعد مضى (١) ان الحسين بن على لا يثبت الا باختيار ، ولد الحسن والحسين واجماعهم على رجل منهم ورضاهم به وخروجه بالسيف ، وانه قد يجوز ان يكون منهم ائمة عداد في وقت واحد ولكنهم ائمة دعاة الى الامام الرضا منهم ، وان الامام الّذي إليه الاحكام والعلوم يقوم مقام رسول الله وهو صاحب الحكم في الدار كلها وهو الّذي يختار جميعهم ويرضون به ويجمعون على ولايته ، وجميع فرق الزيدية مذاهبهم في الاحكام والفرائض والمواريث مذاهب العامة.

فلما قتل على صلوات الله عليه افترقت الامة التى (٢) اثبتت له الامامة من الله ورسوله فرضا (٣) واجبا فصاروا فرقا ثلاثة.

٥٦ ـ فرقة منها قالت [b٠١ F] ان عليا لم يقتل ولم يمت ولا يموت حتى يملك الارض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الارض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ، وهى

__________________

(١) كذا فى الاصل!

(٢) افترقت التى (النوبختى ص ٢١).

(٣) انها فرض من الله عزوجل ورسوله (النوبختى ص ٢١).

١٩

اوّل فرقة قالت في الاسلام بالوقف بعد النبي من هذه الامة ، واوّل من قال بينهما (١) بالغلو وهذه الفرقة تسمى السبائية اصحاب عبد الله بن سبأ ، وهو عبد الله بن وهب الراسبى الهمدانى وساعده على ذلك عبد الله بن حرس وابن اسود ، (٢) وهما من اجلّة اصحابه ، وكان اوّل من اظهر الطعن على ابى بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ، وادّعى انّ عليا عليه‌السلام امره بذلك ، وان التقية لا تجوز ولا يحل ، فاخذه على فسأله عن ذلك فاقر به وامر بقتله ، فصاح الناس إليه (٣) من كل ناحية يا امير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو الى حبكم اهل البيت والى ولايتك (٤) والبراءة من اعدائك (٥) ، فسيّره (٦) على الى المدائن ، وحكى [a١١ F] جماعة من اهل العلم : ان عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى (٧) بهذه المقالة ، فقال في اسلامه بعد وفاة رسول الله (٨) صلى الله عليه في على بمثل ذلك ، وهو اوّل من شهد بالقول (٩) بفرض إمامة على بن ابى طالب ، واظهر البراءة من اعدائه وكاشف مخالفيه واكفرهم ، فمن هاهنا (١٠) قال من خالف الشيعة ان اصل الرفض مأخوذ من اليهودية ، ولما بلغ ابن سبأ واصحابه نعى على وهو بالمدائن وقدم عليهم راكب فسأله الناس ، فقال ما خبر امير المؤمنين قال ضربه اشقاها ضربة قد يعيش الرجل من اعظم منها ويموت

__________________

(١) منها (النوبختى ص ٢٢).

(٢) كذا فى الاصل.

(٣) عليه (خ ـ ل).

(٤) ولايتكم (خ ـ ل).

(٥) اعدائكم (خ ـ ل).

(٦) فصيره (النوبختى ص ٢٢).

(٧) بعد موسى (النوبختى ص ٢٢). فى يوشع بن نون وصى موسى بالغلو (الكشى ص ٧١)

(٨) بعد وفاة النبي (النوبختى ص ٢٢).

(٩) من شهر القول (النوبختى ص ٢٢).

(١٠) فمن هناك (النوبختى ص ٢٢).

٢٠