مفتاح الأصول - ج ٣

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني

مفتاح الأصول - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ إسماعيل الصالحي المازندراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر الصالحان
الطبعة: ١
ISBN: 964-7572-08-5
الصفحات: ٣٩٧

١
٢

٣
٤

عن أبي عبد الله (الإمام الصّادق) عليه‌السلام :

«إنّما علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا». (١)

عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام :

«علينا إلقاء الاصول وعليكم التّفريع». (٢)

__________________

(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥١ ، ص ٤٠ و ٤١.

(٢) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٢ ، ص ٤١.

٥
٦

الإهداء والشّكر

كلمة النّاشر :

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمّد وآله سادات الورى الغرّ الميامين الطّيبين الطّاهرين.

الكتاب الّذي بين أيديكم هو الجزء الثّالث من كتاب «مفتاح الاصول» للفقيه الرّاحل آية الله العظمى الشّيخ إسماعيل الصّالحي المازندراني ـ طاب ثراه ـ وقد أتعب سماحته نفسه الزّكيّة لكتابة هذا الأثر الشّريف وإكماله ، ولكن قبل طبعه ونشره ، ارتحل والتحق قدس‌سره بالرّفيق الأعلى ، جلّ جلاله.

وقد تفضّل الله تعالى علينا أن وفّقنا لطبعه ونجعله بين أيدي الفضلاء والعلماء ، وقد امتاز هذا الكتاب بقلم سليس ، وجزالة في التّعبير ، والدّقة في بيان المطالب.

ومن الجدير أن نهدي هذا الأثر إلى ساحة وليّنا ولي الله الأعظم صاحب الامر الحجّة بن الحسن العسكري ـ عجل الله تعالى فرجه الشّريف ـ راجين من العليّ القدير أن يتقبّل منّا هذا القليل ، ويجعله ذخرا للمؤلّف الفقيه الرّاحل قدس‌سره يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

واودّ أن اقدّم شكري وامتناني إلى الشّخصين الفاضلين وهما :

١ ـ الشّيخ علي أصغر الأميري.

٢ ـ السّيّد جعفر الحسيني النّوري.

الّذين ساعدانا في إنجاز هذه المهمّة وطبع الكتاب ، أسأل الله السّميع العليم أن يبارك لهما جهودهما العلميّة والعمليّة.

«والله خير معين»

النّاشر

جمادى الثّاني ١٤٢٥ ه‍. ق.

٧
٨

صورة خط المؤلّف

نسخة جيّدة الخط بقلم المؤلّف قدس‌سره وكان دأبه أن يكتب حديثا في آخر كلّ كرّاسة ، ولكن في الكرّاسة الأخيرة قبل ارتحاله قدس‌سره بعشرة أيّام ، كتب مقاطع من دعاء الكميل وقد نعى نفسه الزّكيّة بهذه المقاطع الشّريفة.

٩
١٠

المسألة السّابعة : الأمارات

* مباحث القطع الطّريقيّ

* تقسيم المكلّف

* القطع من المسائل الاصوليّة

* وجوب متابعة القطع

* التّجرّي

* أقسام التّجرّي

* القطع الموضوعيّ وأقسامه

* قيام الأمارات مقام القطع

* قيام الاصول مقام القطع

* الموافقة الالتزاميّة للقطع

* قطع القطّاع

* تنجيز العلم الإجماليّ

١١
١٢

(المسألة السّابعة : الأمارات)

(مباحث القطع الطّريقيّ)

اعلم ، أنّ البحث في هذه المسألة يقع في الأمارات الّتي قيل : باعتبارها ، أو صحّ أن يقال : به ، ولكن قبل الورود فيه ، لا بأس بالتّعرّض لأحكام القطع وهو يتمّ في ضمن امور :

(تقسيم المكلّف)

(الأمر الأوّل : تقسيم المكلّف)

ذهب الشّيخ الأنصاري قدس‌سره (١) إلى أنّ التّقسيم هنا ثلاثي ؛ بتقريب : أنّ البالغ الملتفت إلى حكم شرعي ، إمّا يحصل له القطع أو الظّنّ أو الشّكّ ، ولكن خالفه المحقّق الخراساني قدس‌سره (٢) فذهب إلى أنّه ثنائيّ. بتقريب : أنّ المكلّف إمّا يحصل له القطع ، أو لا.

ولا يخفى : أنّ لكلّ منهما وجها. توضيحه : أنّ الالتفات إلى الحكم الشّرعي على قسمين :

__________________

(١) راجع ، فرائد الاصول : ج ١ ، ص ٢٥.

(٢) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٥.

١٣

الأوّل : أن يكون الالتفات إلى حكم واقعيّ منحفظ في موطنه ، ثابت في صقعه ؛ ومن الواضح : أنّ الأحكام الواقعيّة غير الواصلة إلى المكلّف ، لا تتنجّز ولا تصير موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال ، بل لا بدّ من أن تنكشف لنا وتصل إلينا ولو بنحو الإجمال. نعم ، يحكم العقل حينئذ بوجوب الفحص حتّى ينتهي الأمر إلى العلم التّفصيليّ ، أو ما يقوم مقامه.

الثّاني : أن يكون الالتفات إلى ما هو موضوع لحكم العقل بوجوب الامتثال وهو الحكم الفعليّ ، والوظيفة الفعليّة الأعمّ من الواقعيّ والظّاهريّ المقطوع به عند قيام أمارة عليه ـ أيضا ـ بل أصل شرعيّ ، كالاستصحاب وغيره.

فعلى الأوّل : تكون القسمة ثلاثيّة ، كما عن الشّيخ الأنصاري قدس‌سره وذلك ، لأنّ الفاحص عن الأحكام الواقعيّة لا يخلو من إحدى الحالات الثّلاثة :

الاولى : أنّه يقطع بها.

الثّانية : أنّه يظنّ بها ، بمعنى : أنّه يصل إليها بأمارة معتبرة علميّة وهي الّتي يكون سند اعتبارها قطعيّا ، كخبر الواحد ، حيث إنّه مستند إلى بناء العقلاء وهو قطعيّ ؛ ولذا يعبّر عن مثله بالعلميّ قبال العلم.

الثّالثة : أنّه يشكّ فيها أو يظنّ بها ظنّا لم يقم دليل على اعتباره ، بناء على عدم حجّيّة مطلق الظّنّ ، لعدم تماميّة مقدّمات الانسداد ، كما هو الحقّ المختار.

ولا ريب : أنّ المكلّف عند هذه الحالة يرجع إلى الاستصحاب مع وجود الحالة السّابقة ، ولا ضير في كون الاستصحاب ـ أيضا ـ ظنيّا ؛ إذ المفروض ، أنّ سند اعتباره كسند اعتبار الأمارات قطعيّ وهو بناء العقلاء ، وأمّا مع عدم الحالة السّابقه

١٤

فإذا كان الشّكّ في نفس التّكليف ، يرجع إلى البراءة ، وإذا كان في متعلّقه وهو المكلّف به ، يرجع إلى الاشتغال والاحتياط إن أمكن ، وإلّا يرجع إلى التّخيير ، كما إذا دار الأمر بين المتباينين. هذا كلّه بناء على القسم الأوّل.

وأمّا على القسم الثّاني (الالتفات إلى الحكم الفعليّ) : تكون القسمة ثنائيّة ، كما عن المحقّق الخراساني قدس‌سره حيث قال ، ما محصّله : أنّ البالغ الملتفت إلى حكم فعليّ واقعيّ أو ظاهريّ ، إمّا يقطع به أو لا ؛ وعلى الثّاني ، إمّا ينتهي إلى ما يستقلّ به العقل من اتّباع الظّنّ ، بناء على تماميّة مقدّمات الانسداد وكون النّتيجة هي الحكومة ، أو ينتهي إلى الاصول العمليّة العقليّة من البراءة والاشتغال والتّخيير ، بناء على عدم تماميّة مقدّمات الحكمة.

ثمّ إنّ لتثليث القسمة وجهين آخرين :

الأوّل : أن يكون النّظر والالتفات إلى مقام جعل الاصول والأمارات. بتقريب : أنّ للمكلّف بهذا الاعتبار حالات ثلاثة :

منها : ما يكون فوق الجعل ، كالقطع ؛ ولذا لا تناله يد الجعل لأجل كماله.

ومنها : ما يكون دون الجعل ، كالشّكّ ؛ ولذا لا تناله يد الجعل ـ أيضا ـ لأجل نقصانه.

ومنها : ما لا يكون فوق الجعل للكمال ، ولا دونه للنّقصان ، كالظّن ؛ ولذا تناله يد الجعل والاعتبار.

ولعلّ الشّيخ قدس‌سره نظر إلى هذا الوجه ، فثلّث القسمة ، كما يشعر به كلامه قدس‌سره في ابتداء مبحث البراءة حيث قال : «قد قسّمنا في صدر هذا الكتاب ، المكلّف الملتفت إلى

١٥

الحكم الشّرعيّ العمليّ في الواقعة على ثلاثة أقسام ؛ لأنّه إمّا يحصل له القطع بحكمه الشّرعيّ ، وإمّا أن يحصل له الظّنّ ، وإمّا أن يحصل له الشّكّ ، وقد عرفت : أنّ القطع حجّة في نفسه لا بجعل جاعل ، والظّنّ يمكن أن يعتبر في متعلّقه لأنّه كاشف عنه ظنّا ، لكنّ العمل به والاعتماد عليه في الشّرعيّات موقوف على وقوع التّعبّد به شرعا وهو غير واقع إلّا في الجملة ... وأمّا الشّكّ فلمّا لم يكن فيه كشف اصلا ، لم يعقل أن يعتبر». (١)

الوجه الثّاني : أن يكون التّثليث أقرب بمباحث الاصول ، لأنّ الغرض من علم الاصول ليس إلّا تحصيل المؤمّن الّذي لا يخلو من أحد أقسام ثلاثة ؛ وهي القطع ، والأمارة المعتبرة ، والاصول العمليّة ، ولا يبعد أن يكون هذا الوجه ـ أيضا ـ ممّا يعتمد عليه الشّيخ قدس‌سره.

فتحصّل : أنّ لكلّ من التّثنية والتّثليث في الأقسام وجها ، فلا مجال لما عن المحقّق الخراساني قدس‌سره من الاعتراض على الشّيخ الأنصاري قدس‌سره ، والعدول عن التّثليث إلى التّثنية ، أو إلى التّثليث بوجه آخر ، كما سيجيء عن قريب.

ولو أغمضنا عمّا ذكرناه من تعدّد الوجه وسلّمنا العدول ، فنقول : مستنده قدس‌سره وجوه ثلاثة :

أحدها : عدم اختصاص أحكام القطع الآتية بالأحكام الواقعيّة ، بل لا بدّ من التّعميم وإدراج الأحكام الظّاهريّة في متعلّق القطع البتّة. ولا ريب : أنّه على هذا يصير التّقسيم ثنائيّا ، وقد أشار المحقّق الخراساني قدس‌سره إلى هذا الأمر بقوله : «وإنّما عمّمنا

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ٢ ، ص ٩ و ١٠.

١٦

متعلّق القطع لعدم اختصاص أحكامه بما إذا كان متعلّقا بالأحكام الواقعيّة». (١)

ثانيها : اختصاص أحكام القطع بالحكم الفعليّ ، حيث لا أثر له ما لم يبلغ هذه المرتبة ، وعليه ، فلا بدّ من تخصيص الحكم المأخوذ في العنوان بالفعليّ ، كما هو واضح.

وقد أشار قدس‌سره إلى هذا الوجه ـ أيضا ـ بقوله «وخصّصنا بالفعليّ ، لاختصاصها (أحكام القطع) بما إذا كان متعلّقا به على ما ستطّلع عليه». (٢)

ثالثها : لزوم تداخل الأقسام فيما يذكر لها من الأحكام ، بناء على التّثليث ؛ وعدم لزومه ، بناء على التّثنية.

قد أشار قدس‌سره إلى هذا الوجه ـ أيضا ـ بقوله : «وإن أبيت إلّا عن ذلك (التّثليث) فالأولى أن يقال : إنّ المكلّف ، إمّا أن يحصل له القطع ، أو لا ، وعلى الثّاني : إمّا أن يقوم عنده طريق معتبر ، أو لا ، لئلّا يتداخل الأقسام فيما يذكر لها من الأحكام». (٣)

توضيح ذلك : أنّ الظّنّ غير المعتبر يكون في حكم الشّكّ ، وقد جعل في تقسيم الشّيخ قدس‌سره قسيما له ، والأمارة المعتبرة الّتي لا يعتبر في حجّيّتها الظّنّ الشّخصي ربما لا تفيد ظنّا شخصيّا ، فتكون إذا قسمية للشّك ، مع أنّها جعلت في تقسيم الشّيخ قدس‌سره من أقسام الشّكّ ، فلرفع هذا التّداخل ، لا بدّ من وضع كلمة : «الطّريق المعتبر» مكان كلمة : «الظّنّ» ، كما هو واضح.

__________________

(١) كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٥.

(٢) كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٥.

(٣) كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٥ و ٨.

١٧

هذا ، ولكن يمكن الإيراد على التّثليث ـ أيضا ـ حتّى في فرض تبديل كلمة : «الظّنّ» بكلمة : «الطّريق المعتبر» بأنّ الظّنّ ليس قسما على حدّة ، بل هو ملحق بالقطع لو قام على اعتباره دليل ، وإلّا فملحق بالشّكّ ، فلا مجال حينئذ للتّثليث.

ثمّ إنّ بعض الأعاظم قدس‌سره أورد على المحقّق الخراسانيّ قدس‌سره بوجهين :

أحدهما : أنّ تثنية القسمة لا يناسب مع ما صنعه قدس‌سره من تثليث الأبواب وبيان كلّ واحد من الأقسام في باب يخصّه ، حيث إنّه قدس‌سره قد جعل البحث عن القطع ولو استطرادا في باب ، والبحث عن الأمارات المعتبرة في باب ثان ، والبحث عن الاصول العمليّة في باب ثالث ، مع أنّ المناسب للتّثنية هو تثنية الباب ، بجعل بيان أحكام القطع بالحكم الأعمّ من الواقعيّ والظّاهريّ في باب ، وجعل بيان أحكام الظّنّ الانسدادي الحكوميّ والاصول العمليّة العقليّة في باب ثان ، بلا حاجة إلى البحث عن حجّيّة الطّرق والأمارات ، وكذا البحث عن الاصول العمليّة الشّرعيّة. (١)

ولا يخفى : أنّ هذا الوجه تامّ ممّا لا إشكال فيه.

ثانيهما : أنّ تثنية القسمة أمر غير مناسب في نفسها ؛ بتقريب : أنّ الحكم الظّاهريّ مورده عدم العلم بالحكم الواقعيّ ، فهو بطبعه يكون في طول الحكم الواقعيّ ، سواء كان مستفادا من الأمارة المعتبرة ، أو من الأصل العمليّ الشّرعيّ.

وعليه : فلو جعل التّقسيم ثنائيّا لزم الجمع بين العلم بالحكم الواقعيّ وعدم العلم به في مقام التّقسيم ، ونتيجته ، أنّ ما هو في طول الحكم الواقعيّ طبعا يصير في عرضه وضعا ، وهذا كما ترى. (٢)

__________________

(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ١١.

(٢) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ١١.

١٨

وفيه : أنّ المراد من الحكم في التّقسيم هي الوظيفة الفعليّة الأعمّ من الواقعيّة والظّاهريّة ، ولا مانع من أن يكون أحد القسمين في طول الآخر ، وله نظائر في التّكوين والتّشريع ، أمّا التّكوين ، فنظير «العدد : إمّا زوج ، أو فرد» و «الموجود : إمّا واجب ، أو ممكن» و «الممكن : إمّا جوهر ، أو عرض» ؛ أمّا التّشريع ، فنظير «الطّهارة : إمّا وضوء ، أو غسل ، أو تيمّم».

ويلحق بهذا الوجه في الضّعف ما أورده قدس‌سره ـ أيضا ـ على الوجه الأوّل من وجوه العدول الّذي ذكره المحقّق الخراساني قدس‌سره (وهو عدم اختصاص أحكام القطع بما إذا كان متعلّقا بالأحكام الواقعيّة) بقوله : «وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه لا يوجب جعل التّقسيم ثنائيا ، لأنّ جميع الأبحاث المذكورة في الأبواب الثّلاثة غير مختصّ بالحكم الواقعيّ ، بل الحكم الظّاهريّ ـ أيضا ـ قد يتعلّق به القطع ، كما إذا علمنا بحجّيّة خبر قائم على حكم من الأحكام ، وقد يتعلّق به الظّنّ المعتبر ، كما إذا دلّ بحجّيّة الخبر ظاهر الكتاب ـ مثلا ـ وقد يتعلّق به الشّكّ ، كما إذا شككنا في بقاء حجيّة الخبر ، فيجري الاستصحاب». (١)

وجه الإلحاق هو أنّ المحقّق الخراساني قدس‌سره قد صرّح بتعلّق القطع بحكم ظاهريّ ـ أيضا ـ حيث قال : «إذا التفت إلى حكم فعليّ واقعيّ أو ظاهريّ ، فإمّا يحصل له القطع به ...» ، وتثنية القسمة لا توجب اختصاص أحكام القطع ، ولا الأبحاث المذكورة في الأبواب الثّلاثة ، بالحكم الواقعيّ بعد جعله قدس‌سره المتعلّق هو الحكم الفعليّ ، وتعميمه صريحا بالواقعيّ والظّاهريّ ، فلا يرد الإشكال على التّثنية من هذه النّاحية.

__________________

(١) مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ١٢ و ١٣.

١٩

هذا ، مضافا إلى أنّ مثال القطع بالحكم الظّاهريّ بمورد العلم بحجّيّة خبر قائم على حكم ، ممنوع ؛ إذ العلم بحجّيّة هذا الخبر لا يوجب القطع بالحكم ، إلّا إذا كان ذلك الخبر المقطوع حجّيّته نصّا فيه ، ولولاه ، يكون مظنونا لا مقطوعا ، كما هو واضح.

وبالجملة : لا يحصل القطع بالحكم بمجرّد العلم بحجّيّة خبر قائم عليه ، إلّا إذا كان دليله مقطوعا سندا ودلالة.

وكذا يلحق به في الضّعف ـ أيضا ـ ما أورده قدس‌سره على الوجه الثّاني من وجوه العدول (وهو اختصاص أحكام القطع بالحكم الفعليّ ، وعدم ترتّب أثر على الحكم الإنشائيّ) بأنّ المحقّق الخراساني قدس‌سره قد خلط بين الإنشاء لا بداعي البعث والزّجر ، وبين الإنشاء بداعي البعث والزّجر ، فإنّ الإنشاء لا بداعي البعث والزّجر ، وإن لم يترتّب عليه أثر ، إلّا أنّه ليس من مراتب الحكم أصلا ؛ بداهة ، أنّ الإنشاء بداعي التّهديد ونحوه ليس إلّا التّهديد ونحوه ، فلا يطلق الحكم عليه ، كما هو واضح.

وأمّا الإنشاء بداعي البعث والزّجر ، فيطلق عليه الحكم وإن لم يبلغ مرتبة الفعليّة ، وله أثر مهمّ وهو جواز الإفتاء به ، فإنّ المجتهد إذا علم بصدور الحكم من المولى وإنشاءه في مقام التّشريع ، له الإفتاء به ولو لم يبلغ مرتبة الفعليّة ، لعدم تحقّق موضوعه في الخارج ، فيفتي ـ مثلا ـ بوجوب الحجّ على المستطيع وإن لم يكن موجودا ، أو يفتي بوجوب قطع يد السّارق وإن لم تتحقّق السّرقة في الخارج ؛ وعليه ، فلا وجه للالتزام بأنّ المراد من الحكم هو خصوص الفعليّ. (١)

وجه الحاق ذلك في الضّعف هو ، أنّ جواز الإفتاء أو عدم جوازه ليس من

__________________

(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٢ ، ص ١٢.

٢٠