البلدان

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]

البلدان

المؤلف:

أبي عبدالله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني [ ابن الفقيه ]


المحقق: يوسف الهادي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٠

١
٢

٣

٤

مقدمة كتاب البلدان

لابن الفقيه الهمذاني

بسم الله الرحمن الرحيم

قال ياقوت الحموي وهو يردّ على من طلب إليه أن يختصر كتابه (معجم البلدان) : «حكي عن الجاحظ أنه صنّف كتابا وبوّبه أبوابا. فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاء. فأحضره وقال له : يا هذا! إنّ المصنّف كالمصوّر. وقد صورت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعورتهما ـ أعمى الله عينيك ـ وكان لها أذنان فصلمتهما ـ صلم الله أذنيك ـ وكان لها يدان فقطعتهما ـ قطع الله يديك ـ. حتى عدّ أعضاء الصورة. فاعتذر إليه الرجل بجهله هذا المقدار وتاب إليه عن المعاودة إلى مثله» (١).

وينطبق ما قاله الجاحظ على من اختصر الكتاب الذي نضعه بين أيدي القراء الكرام ، حيث بلغ اختصاره أحيانا حدا أدى إلى غموض الجمل وضياع الأسانيد بما لها من خطورة وأهمية في تحديد أزمان الوقائع. فقد حذف مثلا اسم الرحالة تميم بن بحر المطوعي الذي قام برحلة إلى آسيا الوسطى وحدث بأخبارها ابن الفقيه ، وحذف تبعا لذلك الرحلة بكاملها. وحذف المعلومات المهمة التي أوردها ابن الفقيه نقلا عن أبي العباس المروزي عن القبائل التركية والتي نقلها ياقوت فيما بعد عن النسخة الكاملة لكتاب ابن الفقيه. كما حذف أخطر فصول الكتاب على الإطلاق ونعني به الفصل المسمى ب (ذكر بعض مدن الأتراك وعجائبها) الذي نقله

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ١١.

٥

ابن الفقيه عن سعيد بن الحسن السمرقندي الذي توغل في معلوماته إلى حدود القبائل الفينية حيث مدينة بسكوف (Pskov). ـ كما نرتأي أن تكون آخر المدن التي ذكرها السمرقندي ـ. ففي هذا الفصل. من المعلومات عن الحياة الاجتماعية لتلك القبائل ممّا لا نجده في أي مصدر آخر.

نشير أولا إلى أن المخطوطة التي عثر عليها في المكتبة الرضوية بمدينة مشهد الإيرانية في ربيع ١٩٢٣ تمثل نصف الكتاب الأصل بعد أن احتمل في بداية الأمر أنها كاملة. والدليل على ذلك ما ورد في الورقة الأولى منها بعد البسملة والصلاة على النبي وآله وهو : «هذا بقية القول في العراق والبصرة وأخبار دار فتحها ...»

أما مختصر الكتاب فقد حققه العلامة الهولندي دي خويه وطبعه عام ١٨٨٥ ضمن مسلسل المكتبة الجغرافية الذي اعتمد على نسخة قال إنه تم اختصارها على يد أبي الحسن علي بن جعفر الشزري (أو الشيزري) عام ٤١٣ ه‍ (١) ، فهو يضم النصف الأول من الكتاب الأصل ولكن بصورة مختصرة ، ويمكن القول بصورة عامة إنه إذا كان المختصر يضم النصف الأول من الكتاب ، فإن مخطوطة المكتبة الرضوية تضم النصف الثاني. وعليه فإن كلا من المختصر والأصل المخطوط يكمل بعضهما بعضا. وقد ارتأينا أن ننشرهما معا أي النصف الأول المختصر الذي نشره دي خويه ثم أتبعناه بالنصف الثاني الذي هو مخطوطة المكتبة الرضوية كما كتبها مؤلفها ابن الفقيه كاملة.

ولما كانت بعض أبواب النصف الثاني من المختصر تلتقي مع المخطوطة الأصل فقد أشير إلى مواضع الالتقاء تلك بطباعتها بالحرف المحقّق (الأسود). ولكي يطلع القارئ الكريم بصورة دقيقة على ما ذكرناه آنفا نكتب هنا أبواب مختصر البلدان جنبا إلى جنب الأبواب الواردة في النسخة الأصل ونشير إلى ما هو

__________________

(١) مختصر كتاب البلدان : المقدمة ص ٢. وانظر : المخطوطات الجغرافية العربية في المتحف البريطاني ص ٩.

٦

موجود هنا أو مفقود هناك :

الأبواب الموجودة في نسخة الرضوية أي أصل الكتاب

الأبواب الموجودة في مختصر الكتاب المطبوع

غير موجود

القول في خلق الأرض.

غير موجود

القول في البحار وإحاطتها بالأرض.

غير موجود

القول في البحار وعجائب ما فيها.

غير موجود

الفرق ما بين بلاد الصين وبلاد الهند.

غير موجود

القول في مكة.

غير موجود

القول في المدينة.

غير موجود

الفرق بين تهامة والحجاز.

غير موجود

القول في اليمامة.

غير موجود

القول في البحرين.

غير موجود

القول في اليمن.

غير موجود

باب تصريف الجد إلى الهزل والهزل إلى الجد.

غير موجود

باب في مدح الغربة والاغتراب.

غير موجود

القول في مصر والنيل.

غير موجود

القول في المغرب.

غير موجود

القول في الشام.

غير موجود

القول في بيت المقدس.

غير موجود

القول في دمشق.

غير موجود

افتخار الشاميين على البصريين.

غير موجود

القول في الجزيرة.

غير موجود

القول في الروم.

غير موجود

في مدح البناء. في ذم البناء.

غير موجود

القول في العراق.

٧

غير موجود

القول في الكوفة.

غير موجود

افتخار الكوفيين والبصريين عند السفّاح.

غير موجود

ما جاء في مسجد الكوفة.

ما جاء في ذم الكوفة

موجود بصورة مختصرة.

القول في البصرة

موجود بصورة مختصرة.

ذم البصرة وفيه مناظرة بين

الكوفيين والبصريين عند المأمون

غير موجود

القول في واسط

غير موجود

النبط وما جاء فيهم

غير موجود

القول في مدينة السلام بغداد

غير موجود

القول في سرّ من رأى

غير موجود

القول في السواد ووصفته

غير موجود

القول في الأهواز

غير موجود

في أبنية البلدان وخواصها وعجائبها

توجد بعض نصوصه هنا.

القول في فارس

تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.

القول في كرمان

توجد أغلب نصوصه هنا.

القول في الجبل وقرماسين وشبديز

توجد أغلب نصوصه هنا.

القول في همدان

تلتقي بعض نصوصه مع الأصل.

ذكر ما خصّ الله تعالى كل بلدة.

من الأمتعة دون غيرها

تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.

القول في نهاوند

موجود بكامله تقريبا.

القول في إصبهان

موجود بكامله تقريبا.

القول في قم

موجود بكامله تقريبا.

القول في قزوين وزنجان وأبهر

تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.

غير موجود

القول في آذربيجان.

القول في أرمينية

تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.

القول في طبرستان

تلتقي أغلب نصوصه مع الأصل.

٨

القول في خراسان

تلتقي بعض نصوصه مع الأصل.

القول في الترك

القول في الترك

ابن الفقيه الهمذاني

ترجم له ابن النديم ترجمة موجزة جدا نقلها فيما بعد ياقوت الحموي في معجم الأدباء وأضاف إليها ـ لحسن الحظ ـ الترجمة التي كتبها له المواطن الهمذاني شيرويه بن شهردار الديلمي (٤٤٥ ـ ٥٠٩ ه‍) مصنف كتاب تاريخ همذان بلده لمناسبة حديثه عن والد ابن الفقيه وهي :

«قال شيرويه : محمد بن إسحاق بن إبراهيم ، الفقيه أبو أحمد ، والد أبي عبيد الأخباري : روى عن إبراهيم بن حميد البصري وغيره. وروى عنه ابنه أبو عبد الله.

وقال شيرويه : أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأخباري أبو عبد الله ، يعرف بابن الفقيه ويلقّب بحالان ، صاحب كتاب البلدان. روى عن أبيه ، وإبراهيم بن الحسين بن ديزيل ، ومحمد بن أيوب الرازي ، وأبي عبد الله الحسين بن أبي السرح الأخباري ، وذكر جماعة وقال : وروى عنه : أبو بكر بن لال ، وأبو بكر بن روزنة. ولم يذكر وفاته» (١).

وبما أننا لا نعرف على وجه التحديد تاريخ ولادته ولا وفاته ، فلا بدّ لنا من معرفة الذين روى عنهم أو رووا عنه ممن ذكر أعلاه على أن نبحث فيما بعد فيمن حدّث عنهم ولم يذكروا هنا ، حيث رأينا ياقوتا قد اختصر ذلك بقوله «وذكر جماعة» ، إضافة إلى خطأ الناسخ في بعض تلك الأسماء كقوله عن ابن الفقيه أنه أحمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بإضافة (أحمد) ثانية إلى اسمه. وقوله (ابن روزنة) والصواب (ابن روزبه) وقوله بن أبي السرح. ورجحنا أنه (ابن أبي السري).

أمّا أبوه فليس لدينا سوى ما ذكره شيرويه أعلاه من أنه حدّث عن إبراهيم بن

__________________

(١) معجم الأدباء ٤ : ٢٠٠ ، ويوجد بعض هذه الترجمة في التدوين ١ : ٣١.

٩

حميد البصري ، وهو إبراهيم بن حميد بن تيرويه الطويل البصري المتوفى عام ٢١٩ ه‍ (١).

وأمّا إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني المعروف بابن ديزيل فهو محدث همذان المشهور جدا توفي عام ٢٨١ ه‍ ـ وصفه الذهبي بالرّحال (٢). ومحمد بن أيوب الرازي : هو محمد بن أيوب بن ضريس البجلي الرازي شيخ الري ومسندها ولد في حدود ٢٠٠ وتوفي بالري سنة ٢٩٤ ه‍ (٣).

أما أبو عبد الله الحسين بن أبي السرح : فنرجح أنه أبو عبد الله الحسين بن أبي السري العسقلاني ـ نسبة إلى عسقلان وهي محلة من محال بلخ (٤) ـ واسم أبي السري هو المتوكل. فيكون اسمه الحسين بن المتوكل بن عبد الرحمن بن حسان المتوفى عام ٢٤٠ ه‍ (٥).

أما الذين رووا عنه فهم :

أبو بكر بن لال وهو أحمد بن علي الهمذاني «ورد بغداد غير مرة وحدّث بها» (٦). وقال الذهبي : «قال شيرويه : كان ثقة ، أوحد زمانه ، مفتي البلد ـ يعني همذان ـ ، يحسن هذا الشأن. له مصنفات في علوم الحديث غير أنه كان مشهورا

__________________

(١) تاريخ الإسلام ١٥ : ٥٣.

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ : ٦٠٨. وانظر عنه تاريخ الإسلام ٢١ : ١٠٦ والعبر ١ : ٤٠٣ وقال عنه : كان ثقة جوّالا صالحا.

(٣) تاريخ الإسلام ٢٢ : ٢٥٥ وقد ورد البصرة عدة مرات (تذكرة الحفاظ ٢ : ٦٤٣) وسير أعلام النبلاء ١٣ : ٤٥.

(٤) أنساب السمعاني ٤ : ١٩٠.

(٥) تاريخ الإسلام ١٧ : ١٤١ وميزان الاعتدال ١ : ٣١٥ وتهذيب التهذيب ٢ : ٣١٤. وهو نفسه الذي ورد في تهذيب الأحكام ٦ : ٣٨٤ وفي فروع الكافي ٥ : ٢٦١ يروي عن الحسن بن إبراهيم. وكان السيد الخوئي (معجم رجال الحديث ٢ : ١٢٠) قد رجح أن يكون (الحسن بن السري) وعلل ذلك بقوله (لعدم وجود الحسين بن أبي السري في كتب رجال الحديث) (١ : ٢٠٣). وانظر شواهد التنزيل ٢ : ٢٩٣ حيث ورد بهذا الاسم : الحسين بن أبي السري.

(٦) تاريخ بغداد ٤ : ٣١٨.

١٠

بالفقه. ورأيت له كتاب (السنن) و (معجم الصحابة) ما رأيت شيئا أحسن منه. ولد سنة ثمان وثلاثمائة وتوفي في سادس عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين» (١). وقد نصّ مترجموه على أن له رحلة لقي بها أبا سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي بمكة (٢).

وممن روى عن ابن الفقيه : أبو بكر بن روزبه. وهو عبد الله بن أحمد بن خالد بن روزبه ، أبو بكر الفارسي الكسروي المتوفى عام (٣٩٢ ه‍) (٣).

والذي يهمنا من جميع من ذكرنا أنه إذا كان قد سمع من ابن أبي السري في نفس السنة التي توفي فيها أي ٢٤٠ ه‍ على أضعف الاحتمالات وكان عمره آنذاك ١٠ سنوات وهو سن لا بأس به لتحمل الحديث. وكان أبو بكر أحمد بن علي بن لال قد سمع من ابن الفقيه وعمره ـ أي عمر بن لال ـ ١٠ سنوات أي في العام ٣١٨ ه‍ ، فيكون ابن الفقيه حياً في السنوات الواقعة بين ٢٣٠ و ٣١٨ ه‍ على الأقل. وعليه ، فإن ما ذكره ياقوت من أن ابن الفقيه كان حيا في حدود عام ٣٤٠ ه‍ (٤) يثير الشكوك. وقد يكون خلط بينه وبين أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي الفقيه الذي توفي عام ٣٤٤ ه‍ (٥).

ويثار تساؤل آخر وهو : إذا كان ابن الفقيه قد بقي حيا إلى ما بعد العام

__________________

(١) تاريخ الذهبي ٢٧ : ٣٥٤. وقال في سير أعلام النبلاء ١٧ : ٧٦ أنه ولد عام ٣١٨ ه‍. وفي تذكرة الحفاظ ٣ : ١٠٢٧ أنه عمّر تسعين سنة. وفي التعبر ٢ : ١٩٣ عاش تسعين سنة وتوفي عام ٣٩٨ ه‍.

وفي تاريخ التراث العربي المجلد الأول ، الجزء الأول ص ٤٥١ أنه يوجد له كتاب في الحديث بالمكتبة الظاهرية. ونرجح أن الصحيح في ولادته هو عام ٣٠٨ لأنه عاش تسعين عاما كما قال مترجموه.

(٢) تذكرة الحفاظ ٣ : ١٠٢٧ وسير أعلام النبلاء ١٧ : ٧٦ وتاريخ الذهبي ٢٧ : ٣٥٤.

(٣) تاريخ الإسلام ٢٧ : ٢٦٥.

(٤) معجم البلدان ١ : ٧٨٧.

(٥) تاريخ بغداد ٤ : ٣٩٢.

١١

٢٩٠ ه‍ ـ وهو مؤكد طبعا بدليل سماع ابن لال منه ـ فلما ذا لا نجد في كتابه (البلدان) ما يشير إلى زمن أبعد من عام ٢٨٩ ه‍ ـ وهو آخر عام من خلافة المعتضد العباسي حيث ذكره ولم يترحم عليه مما يدل على أن المعتضد كان حيا آنذاك؟

المعروف أن المعتضد قد توفي لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة ٢٨٩ وقيل لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة ٢٨٩ ه‍ (١). وعليه فإن تاريخ الانتهاء من تأليف البلدان كان في أواخر ذلك العام وأوائل ٢٩٠ ه‍.

نرجح أنه بعد أن انتهى من تأليف كتابه هذا انهمك في عمله العلمي بوصفه محدّثا وفي تأليف أعمال أخرى التي ذكر منها ابن النديم (ص ١٧١) كتابه : ذكر الشعراء المحدثين والبلغاء منهم والمفحمين.

اسم المؤلف وعنوان الكتاب

هو أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن الفقيه الهمذاني. وقد وهم ياقوت في بعض مواضع من كتابه معجم البلدان فأسماه : محمد بن أحمد (٢).

فاسمه هو أحمد بن محمد ... كما في آخر ورقة من مخطوطة المكتبة الرضوية التي ننشرها. وكما هو لدى ابن النديم الذي ألّف كتابه عام ٣٧٧ ه‍. ولدي حسن بن محمد القمي الذي ألّف كتابه عام ٣٧٨ ه‍ (٣). والرافعي القزويني من أعلام القرن السادس (٤). إلّا أن العجب كل العجب أن يخلط إدوارد فنديك بينه وبين جغرافي آخر هو أبو محمد الحسن بن حمد بن يعقوب الهمداني

__________________

(١) الثقات لابن حيان ٢ : ٣٣٣.

(٢) انظر مثلا مادة (رومية) حيث قال «فهو من كتاب محمد بن أحمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه» وكذلك المواد : زمزم. صنعاء. عانة. قصر شيرين. المحمدية. وفي فهرست وستنفلد لمعجم البلدان (ص ٦٤٠) تنبيه إلى ذلك حيث قال إن الصحيح هو أحمد بن محمد.

(٣) تاريخ قم ص ٢٣

(٤) التدوين ١ : ٣١.

١٢

المعروف بابن الحائك ويعتبرهما شخصا واحدا رغم بعد الشقة في الأسماء والكنى والألقاب(١).

أما الكتاب فهو : البلدان كما هو لدى ابن النديم (ص ١٧١) والقمي (ص ٢٣ ، ٥٦ ، ٩٠) والرافعي القزويني (ص ٣١) رغم أننا نقرأ في الورقة الأخيرة من المخطوطة أنه كتاب (أخبار البلدان) ويبدو أن كلمة (أخبار) إضافة من ناسخ الكتاب ، إذ أن مختصر الكتاب الذي اختصره فيما بعد سمّى مختصره ب (مختصر كتاب البلدان) ولم يقل (مختصر كتاب أخبار البلدان).

مصادر كتاب البلدان

أهملنا مصادره التي كان يشير فيها إلى الأسماء مجردة عن أسماء الكتب كقوله «قال المدائني» أو «قال أبو عبيدة معمر بن المثنى» إذ ليس بين أيدينا مؤلفاتهم الجغرافية ، ولا ندري إن كان نقل عنها مباشرة أم بالواسطة. إلّا ما هو بين أيدينا من المصادر فقد راجعناه وذكرنا مآخذه عنه. فقوله مثلاً «قال عمرو بن بحر» وجدناه في كتاب الحيوان الذي نقل منه مقاطع طويلة. كما أشار إشارة عابرة إلى البلاذري إلّا أنّ وجود كتابه فتوح البلدان بين أيدينا أتاح لنا معرفة النصوص التي نقلها ابن الفقيه عنه ـ وهي كثيرة ـ وكذلك الأمر بالنسبة لابن قتيبة الدينوري وغيره. ومما يعزز إهمالنا لبعض مصادره أنه كان يحوّر في ألفاظ أسانيد الروايات فيوهم قارئه. ففي حديثه عن (عين الجمل) قال : «وسألت بعض المشايخ عن عين جمل لم سميت بهذا الاسم؟ (ه أ)». والحقيقة فإن هذا الكلام للبلاذري مع تحوير طفيف جدا. قال البلاذري : «وحدثني بعض المشايخ .....» (٢).

أو أن يقول (٨٧ ب) : «وخبّر إبراهيم بن العباس ...» وحقيقة الأمر أن هذا الكلام منقول عن الجاحظ في الحيوان حيث قال الجاحظ : «وخبرني

__________________

(١) اكتفاء القنوع ص ٤٩ و ٥١.

(٢) فتوح البلدان ٢٩٦.

١٣

إبراهيم بن عباس ...» (١). وسوف نفصل ذلك لدى بحثنا في منقولاته عن البلاذري والجاحظ وغيرهما.

وسنتناول الآن بالبحث مصادره بقسميها الكتابي والروائي الذي سمعه والذي يبدؤه عادة بقوله : (حدثني) أو (حدّث) أو (سألناه). وقد نسهب أحيانا في الحديث عن أحد الرواة لأهمية المعلومات التي رواها. فلنبدأ مع الكتب حسب تسلسل ورودها في الكتاب.

أخبار الصين والهند

من تأليف سليمان التاجر الذي سافر إلى الهند والصين أكثر من مرة بقصد التجارة «وقد اتفق الباحثون في أخبار الصين والهند على أن هذه الروايات أو الأخبار جمعت حول سنة ٢٣٧ ه‍ أي ٨٥١ م. ويرى المستشرق فيران أن سليمان هو الذي دون الروايات بنفسه» (٢).

وقد نقل ابن الفقيه عنه أخبارا تتعلق بالصين والهند. والكتاب مطبوع متداول بين أيدي القراء.

المسالك والممالك

نقل عنه ابن الفقيه نصا يتعلق ببناء مسجد دمشق. فإن كان المقصود كتاب ابن خرداذبة فهذا النص ليس موجودا في كتاب المسالك والممالك الذي بين أيدينا. علما بأن دي خويه يرى «أن النص الكامل لمصنف ابن خرداذبة لم يتم العثور عليه بعد» (٣). كما أنه لا يمكن معرفة ما إذا كان المقصود كتاب المسالك والممالك لجعفر بن أحمد المروزي الذي قال ابن النديم أنه أول من ألّف في المسالك والممالك كتابا ولم يتمه. وتوفي بالأهواز وحملت كتبه إلى بغداد وبيعت في طاق الحراني سنة ٢٧٤ ه‍ (٤).

__________________

(١) الحيوان ٤ : ١٤٣.

(٢) ص ١٠ من مقدمة الدكتور نقولا زيادة لكتاب (من رحلات العرب).

(٣) تركستان ٧٥. ودائرة المعارف الإسلامية ٧ : ١٨ مادة (جغرافيا).

(٤) ابن النديم ١٦٧.

١٤

كما نستبعد أن يكون الممالك والمسالك الذي ألّفه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن نصر الجيهاني الذي عين وزيرا لنصر بن أحمد الساماني عام ٣٠١ ه‍ والذي وضع كتابه قريبا من عام ٣١٠ ه‍ ـ بينما كتب ابن الفقيه كتابه عام ٢٩٠ ه‍ (١).

الحيوان للجاحظ

صرح ابن الفقيه باسم الجاحظ أكثر من مرة ، وقد وجدناه ينقل مقاطع طويلة عن كتابه (الحيوان) الذي لم يشر إليه بالاسم. وقد أشرنا إلى النصوص المنقولة عنه في هوامش كتابنا هذا. وإن كان استخدم أسلوبا مجحفا بحق الجاحظ إذ كان ينقل عنه أحيانا من غير أن يذكره بالاسم ، أو أن يحرّف كما في قوله (وخبّر إبراهيم بن العباس) والحقيقة أن هذا كلام الجاحظ ولكن على الشكل التالي (وخبرني إبراهيم بن العباس) أو يختصر كما في النص المتعلق بالنار وهو طويل جدا وموجود في (الحيوان).

فتوح البلدان

أشار إلى اسم البلاذري ثلاث مرات ، إلّا أنه نقل مقاطع طويلة عنه من كتابه (فتوح البلدان) دون أن يشير ولا مرة واحدة إلى اسم الكتاب. كما أن المعلومة المتعلقة بكور طبرستان التي صدّرها ب (قال البلاذري) لم نجدها في فتوح البلدان الذي بين أيدينا. وعلينا هنا أن نذكّر بقول ابن النديم من أن للبلاذري كتابين باسم البلدان. أحدهما صغير والآخر كبير ولم يتمه (٢).

ويكتفي أحيانا في نقله عن فتوح البلدان بذكر اسم الراوي من غير ذكر اسم الكتاب فهو يقول مثلا (١٣٨ ب) قال جعفر بن محمد الرازي. والحقيقة هي أن هذا النص موجود في فتوح البلدان (ص ٣١٥) حيث نتبين منه أن جعفرا هذا هو أحد شيوخ البلاذري والنص يبدأ هكذا : «حدثني جعفر بن محمد الرازي ...»

__________________

(١) تاريخ الأدب الجغرافي العربي ١ : ٢٢١.

(٢) ابن النديم ١٢٦.

١٥

وهو يحوّر في بعض كلمات البلاذري أحيانا ولا يكلف نفسه بالإشارة لا إلى (فتوح البلدان) ولا (البلاذري). ففي نص طويل متعلق بعيون الطف والقطقطانة والرهيمة وعين حمل وقد نقله ابن الفقيه بأسره من البلاذري من غير أن يذكر ذلك. (٤ أ) و (٤ ب) ويمكن مقارنته بالمطبوع من فتوح البلدان ص ٢٩٦ ، نجد ما يلي :

ابن الفقيه

البلاذري

وسألت بعض المشايخ عن عين جمل لم سميت بهذا الاسم؟ فذكر أنّ جملا مات عندها فنسبت العين إليه.

وذكر بعض أهل واسط أن المستخرج لهذه العين يسمى جملا.

قال : وسميت عين الصيد لأن السمك كان كثيرا جدا فيها فيصطاد فسميت بهذا الاسم.

وحدثني بعض المشايخ : أن جملا مات عند عين الجمل فنسبت إليه.

وذكر بعض أهل واسط أن المستخرج لها كان يسمى جملا.

قالوا : وسميت العين عين الصيد لأن السمك يجتمع فيها.

فضائل بغداد وصفتها

من تأليف يزدجرد بن مهبندان الكسروي. قال عنه ابن النديم إنه عاش في أيام المعتضد وله من الكتب : كتاب فضائل بغداد وصفتها. وكتاب الدلائل على التوحيد من كلام الفلاسفة وغيرهم. كبير ، رأيته بخطه (١).

وعن كتابه هذا قال القاضي التنوخي : «تجارينا عند القاضي أبي الحسن محمد بن صالح بن علي الهاشمي ، ابن أم شيبان في سنة ستين وثلاثمائة عظم بغداد وكثرة أهلها في أيام المقتدر .... وذكرت أنا كتابا رأيته لرجل يعرف بيزدجرد بن مهبندان الكسروي كان على عهد المقتدر بحضرة أبي محمد المهلبي ، كان سلّم إليّ وإلى جماعة ممن حضر ، كراريس منه لننسخه وننفده إلى الأمير ركن

__________________

(١) نفس المصدر ١٤٢.

١٦

الدولة ، لأنه التمس كتابا في وصف بغداد وإحصاء ما فيها من الحمامات وأنها كانت عشرة آلاف ، ذكر في الكتاب مبلغها وعدد من يحتوي عليه البلد من الناس والسفن والملاحين وما يحتاج إليه في كل يوم من الحنطة والشعير والأقوات ....» (١).

ولا تعارض بين ما ذكره ابن النديم من أن الرجل عاش في زمن خلافة المعتضد (٢٧٩ ـ ٢٨٩ ه‍) وقول التنوخي إنه كان في خلافة المقتدر (٢٩٥ ـ ٣٢٠ ه‍) فمن الممكن أن يكون قد عاش في العهدين.

ويضيف رضي الدين علي بن موسى المعروف بابن طاووس (٥٨٩ ـ ٦٦٤ ه‍ ـ) معلومات مهمة عن يزدجرد هذا وعلمه وأخيه بالنجوم فيقول نقلا عن التنوخي :

«وممن وصف بعلم النجوم سهلون ويزدجرد من علماء الإسلام فيما ذكره التنوخي في أربع أجزاء النشوار فقال ما هذا لفظه : حدثني أبو عبد الله محمد الحارثي قال : كان ببغداد في أيام المقتدر إخوان كهلان فاضلان وعندهما من كل فن مليح ، وهما من أحرار فارس. قد نشأ ببغداد وتأدبا بها وتعلما علوما كثيرة يقال لأحدهما سهلون وللآخر يزدجرد ابنا مهمندار الكسروي. ويعرفان بذلك لانتسابهما إلى الأكاسرة. وكانا ذوي نعمة قديمة وحالة ضخمة وكنت ألزمهما على طريق الأدب. وكان ليزدجرد منهما كتاب حسن ألّفه في صفة بغداد وعدد سككها وحماماتها ....» (٢).

وعن كتابه هذا (فضائل بغداد) نقل ابن الفقيه مقاطع طويلة جدا في إحصائيات تتعلق بعدد الحمامات والمساجد والسكك والشوارع وما يدخلها من الأقوات يوميا وما يباع فيها. وهذا الفصل مما حذفه مختصر كتاب البلدان فأتحفتنا به نسختنا الكاملة.

__________________

(١) نشوار المحاضرة ٧ : ١٢٨.

(٢) فرج المهموم ١٧٦.

١٧

عيون الأخبار

لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (٢١٣ ـ ٢٧٦ ه‍ـ). وقد نقل عنه نصا يتعلق بمدح أهل خراسان فقال : «وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة : أهل خراسان ...» (١٥٤ ب) من غير أن يذكر الكتاب الذي نقل عنه إذ إن مؤلفات ابن قتيبة كثيرة كما هو معلوم. وقد وجدنا النص بكامله في عيون الأخبار (١ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥).

الأهوية والبلدان والمياه

من تأليف الطبيب والحكيم اليوناني بقراط (٤٦٠ ـ ٣٧٧ ق. م) الذي يشكك المؤرخون في كونه من تأليفه (١). ومع ذلك فإن أول ترجمة لهذه الرسالة إلى العربية تمت على يد حنين بن إسحاق (١٩٤ ـ ٢٦٠ ه‍ـ) أو الفريق العامل معه (٢). وقد أولع الأطباء والجغرافيون المسلمون بالنقل عن هذه الرسالة. فهناك الطبيب الطبرستاني : علي بن ربّن الطبري المتوفى عام ٢٤٧ ه‍ الذي كان أبوه مترجما (٣) أيضا. ولدى مقارنة ما نقله ابن الفقيه عن رسالة (الأهوية والبلدان والمياه) التي أسماها ب (الأهوية والأبدان) ، وما نقله علي بن ربّن عنها في كتابه (فردوس الحكمة) نجد تشابها واضحا بين الاثنين سوى أن ابن الفقيه اختصر قليلا

__________________

(١) قصة الحضارة ٧ : ١٨٨. وورد في ٧ : ١٨٨ منه :

«انعقد إجماع المؤرخين على أن أربعة كتب فقط هي من تأليفه وهي : (الحكم) و (الأدلة) و (تنظيم التغذية والعوائد في الأمراض الحادة) ورسالته (في جروح الرأس) أمّا ما عدا هذه الأربعة من المؤلفات المعزوة إلى أبقراط فمن وضع مؤلفين مختلفين عاشوا في أوقات مختلفة بين القرنين الخامس والثاني قبل الميلاد.

(٢) تاريخ طب در إيران ٢٤٨.

(٣) قال القفطي في أخبار العلماء ١٢٨ : «ربّن الطبري الطبيب اليهودي المنجم : هذا رجل من أهل طبرستان كان حكيما عالما بالهندسة وأنواع الرياضة وحلّ كتبا حكمية من لغة إلى أخرى».

١٨

فيما طوّل فيه ابن ربّن (١). ونحن نعرف من خلاف نقل ابن الفقيه الخبر بعثة جبل دماوند عن ابن ربّن أنه كان لديه نسخة من كتاب (فردوس الحكمة).

نشير أخيرا إلى أن المؤرخ والجغرافي اليعقوبي الذي ألّف كتابه البلدان عام ٢٧٨ ه‍ قد نقل مقاطع طويلة من (الأهوية والمياه والبلدان) فيها كثير مما هو موجود لدى ابن ربّن وابن الفقيه (٢). كما نجد مقاطع طويلة منها أيضا في كتاب (هداية المتعلمين في الطب) للأخويني البخاري الذي تحدث عن تأثير فصول السنة على الأمزجة وختم بالقول «ويطول الحديث في هذا ، فإن أردت أن تعلم هذه الحقيقة فعليك بقراءة كتاب (الأهوية والمياه والبلدان) لبقراط أو فصول بقراط» (٣).

الفلاحة

نقل عنه ابن الفقيه بعد انتهائه من الاقتباس من كتاب بقراط فقال «وقال فسطوس في كتاب الفلاحة ...» (١٠٢ أ). والصواب أنه قسطوس. يقول الأستاذ فؤاد سزكين أنه قد ترجم عن اليونانية إلى العربية مباشرة عام ٢١٢ ه‍ ـ من قبل سرجيس بن هليبا الرومي ، كما ترجم عن البهلوية بعنوان روزنامه. وقد استفاد العلماء العرب من الترجمتين. فعلي بن ربّن الطبري رجع على سبيل المثال إلى الرواية الفارسية. بينما رجع ابن قتيبة إلى الترجمة المباشرة عن اللغة اليونانية (٤).

الطلسمات

قال ابن الفقيه «وفي كتاب الطلسمات أن قباذ وجّه بليناس الرومي إلى الري فاتخذ طلسما ...» (١٤٢ ب).

يوجد كتاب في الطلاسم نقله حنين بن إسحاق إلى العربية اسمه : كتاب

__________________

(١) انظر : فردوس الحكمة ، الصفحات ٥٠١ ـ ٥٠٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ١ : ١٠٥ ـ ١١٣.

(٣) هداية المتعلمين ١٥٠.

(٤) تاريخ التراث العربي المجلد الرابع : ٤٧٦.

١٩

المدخل الكبير لبليناس إلى رسالة الطلاسم. ويرى الأستاذ سزكين أن كتب أبو لونيوس التياني قد وصلت إلينا باللغة العربية تحت أسماء محرفة مثل : بليناس وبلينس وبولينياس وأبولون (١).

وقد نقل ابن الفقيه كثيرا عن كتاب الطلسمات هذا مما أحدثه من طلسمات في البلدان التي ذهب إليها.

فردوس الحكمة

اكتفى ابن الفقيه بالقول : «وقال علي بن ربّن كاتب المازيار : وجّهنا جماعة من أهل طبرستان ...» (١٤٥ ب). ولم يذكر كتاب فردوس الحكمة وهو كتاب طبي معروف مؤلفه علي بن ربّن الطبري. وحكاية السفارة هذه إلى قمة جبل دماوند ذكرها فيه (٢). وقد نقلها عنه فيما بعد البيروني في الصيدنة وابن إسفنديار في كتابه تاريخ طبرستان الذي ألّفه عام ٦١٣ ه‍.

المسالك والممالك

من تأليف أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرداذبه المتوفى في حدود سنة ٣٠٠ ه‍. وقد نقل عنه صفحات طويلة وإن لم يصرح بذلك وأشهر تلك النصوص خبر رحلة سلام الترجمان إلى سد يأجوج ومأجوج بأمر من الخليفة الواثق (٢٢٧ ـ ٢٣٢ ه‍) التي تناقلها ـ رغم ما فيها من تفاصيل أسطورية ـ الجغرافيون والمؤرخون المسلمون وإن كان المحققون منهم قد شككوا فيها مثل ياقوت الذي كتب بعد نقله لعدة أخبار تتعلق بالسد ومنها خبر سلّام الترجمان : «قد

__________________

(١) نفس المصدر ص ١١٢ و ١١٩. ويقول ابن النديم ٣٧٢ «وكتابه فيما عمله بمدينته وبممالك الملوك من الطلسمات ، معروف مشهور».

(٢) فردوس الحكمة ٥٤٩ وفيه «فذكروا أنهم صعدوه في يومين وليلتين وبعض اليوم الثالث». ويتفق هذا الزمن عن صعود الجبل مع ما ذكره البيروني في الصيدنة (٥١٩) نقلا عن ابن ربن. وفي تاريخ طبرستان (٨٣) ان المدة هي يومان وقال إنه قد نقل ذلك عن (فردوس الحكمة). إلّا أن ابن الفقيه قال إنهم صعدوا إلى رأسه في خمسة أيام وخمس ليال.

٢٠