الكافي - ج ١

أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي

الكافي - ج ١

المؤلف:

أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي


المحقق: مركز بحوث دار الحديث
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-493-385-1
ISBN الدورة:
978-964-493-340-0

الصفحات: ٧٢٢

001

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ ‌(١)

الْحَمْدُ لِلّهِ الْمَحْمُودِ لِنِعْمَتِهِ (٢) ، الْمَعْبُودِ لِقُدْرَتِهِ (٣) ، الْمُطَاعِ فِي سُلْطَانِهِ (٤) ، الْمَرْهُوبِ لِجَلَالِهِ (٥) ، الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ ، النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي جَميعِ خَلْقِهِ ؛ عَلَا فَاسْتَعْلى (٦) ، ودَنَا فَتَعَالى (٧) ، وَارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ (٨) ؛ الَّذي لَابَدْءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَلَاغَايَةَ لِأَزَلِيَّتِهِ ، القَائِمُ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ ، وَالدَّائِمُ الَّذِي بِهِ قِوَامُهَا ، وَالْقَاهِرُ الَّذِي لَا يَؤُودُهُ حِفْظُهَا (٩) ، وَالْقَادِرُ الَّذِي‌

__________________

(١) في « ج ، ف » : + « وبه ثقتي ». وفي « ألف ، بس ، بف ، ض » : + « وبه نستعين ».

(٢) في « ألف ، ب ، بح ، بس » وحاشية « ض ، بر » وشرح المازندراني : « بنعمته ».

(٣) في « بح ، بس » وحاشية « ض ، بر » : « بقدرته ». واللام في قوله : « لقدرته » لام التعليل ، أي يعبده العابدون لكونه قادراً على الأشياء فاعلاً لما يشاء في حقّهم ، فيعبدونه إمّا خوفاً وطمعاً ، أو إجلالاً وتعظيماً. الرواشح ، ص ٢٨.

(٤) في مرآة العقول : « قوله : في سلطانه ، أي فيما أراده منّا على وجه القهر والسلطنة ، لا فيما أراده منّا وأمرنا به على وجه الإقدار والاختيار ؛ أو بسبب سلطنته وقدرته على ما يشاء ». وللمزيد راجع : حاشية ميرزا رفيعا ، ص ٣١ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤.

(٥) في « ب ، بح ، بر » وحاشية « ض » والرواشح وحاشية ميرزا رفيعا : « بجلاله ».

(٦) الاستعلاء : مبالغة في العلوّ ، أو بمعنى إظهاره ، أو للطلب. والمعنى على الأوّل : علا في رتبته عن رتبة المخلوقين ، فاستعلى وتنزّه عن صفات المخلوقين. وعلى الثاني : كان عالياً من الذات والصفات فأظهر علوّه بالإيجاد. وعلى الثالث لابدّ من ارتكاب تجوّز ، أي طلب من العباد أن يعدّوه عالياً ويعبدوه. راجع : الرواشح ، ص ٣١ ؛ شرح صدر المتألّهين ، ص ٦ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٦ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٥.

(٧) في حاشية « ف » : « فتدلّى ».

(٨) المنظر : المصدر ، وما يُنْظَر إليه ، والموضع المرتفع. والمعنى أنّه تعالى ارتفع عن أنظار العباد ، فلا يصل إليه نظر النظّار وسير الأفكار ؛ أو عن كلّ ما يمكن أن ينظر إليه. قال العلاّمة المجلسي : « ويخطر بالبال معنى لطيف ، وهو أنّ المعنى أنّه تعالى لظهور آثار صنعه في كلّ شي‌ء ظهر في كلّ شي‌ء ، فكأنّه علا وارتفع عليه ، فكلّ ما نظرت إليه فكأنّك وجدت الله عليه » وقيل غير ذلك. راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص ٦ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٧ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٦.

(٩) « لا يؤوده حفظهما » أي لا يثقله ولا يتبعه ولا يشقّ عليه حفظ الأشياء ، يقال : آده الأمر يؤوده ، إذا أثقله وبلغ منه المشقّة. راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٤٢ ؛ لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٧٤ ( أود ).

٣

بِعَظَمَتِهِ تَفَرَّدَ بِالْمَلَكُوتِ ، وَبِقُدْرَتِهِ تَوَحَّدَ بِالْجَبَرُوتِ ، وَبِحِكْمَتِهِ أَظْهَرَ حُجَجَهُ عَلى خَلْقِهِ.

اخْتَرَعَ (١) الْأَشْيَاءَ إِنْشَاءً ، وَابْتَدَعَهَا ابْتِدَاءً (٢) بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ (٣) ، لَامِنْ شَيْ‌ءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الاخْتِرَاعُ ، ولَالِعِلَّةٍ ؛ فَلَا يَصِحَّ الْابْتِدَاعُ. خَلَقَ مَاشَاءَ كَيْفَ شَاءَ مُتَوَحِّداً (٤) بِذلِكَ ؛ لِإِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ.

لَا تَضْبِطُهُ (٥) الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ.عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ. (٦)

احْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ (٧) ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ (٨) ،

__________________

(١) الاختراع والابتداع لفظان متقاربان في المعنى ، وهو إيجاد الشي‌ء لا عن أصل ولا على مثال ولا لعلّة مادّية أوفاعليّة ، وكثر استعمال الاختراع في الأوّل والابتداع في الثاني ، فلو كان الإيجاد على مثال لبطل الاختراع ، ولو كان لعلّة لبطل الابتداع. وللمزيد راجع : الرواشح ، ص ٣٥ ـ ٣٩ ؛ شرح صدر المتألّهين ، ص ٦ ؛ حاشية ميرزا رفيعا ، ص ٣٢ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٩ ـ ١٠.

(٢) هكذا في أكثر النسخ ، لكن في « بو » : « ابتدعها ابتداعاً » ، وفي رواية عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « ... ومبتدعها ابتداعاً ». انظر : الكافي ، كتاب التوحيد ، باب النهي عن الصورة والجسم ، ح ٢٨٧.

(٣) في « بح » : « وبحكمته ».

(٤) في حاشية « بر » : « فتَوَحَّد ».

(٥) في حاشية « بح » : « لا تطيقه ».

(٦) قال السيّد الداماد في الرواشح ، ص ٤١ : « أي ضلّ في طريق نعته نعوت الناعتين وصفات الواصفين بفنون تصاريفها وأنحاء تعبيراتها ، أي كلّما حاولوا أن يصفوه بأجلّ ما عندهم من صور الصفات الكماليّة ، وأعلى ما في عقولهم من مفهومات النعوت الجمالية ، فإذا نظروا إليه وحقّقوا أمره ظَهَرَ لهم أنّ ذلك دون وصف جلاله وإكرامه وسوى نعوت جماله وإعظامه ، ولم يصفوه بما هو وصفه ولم ينعتوه كما هو حقّه ، بل رجع ذلك إلى وصف أمثالهم وأشباههم من الممكنات ». ونحوه في شرح صدر المتألّهين ، ص ٧ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ١١ ـ ١٢.

(٧) في « ف » : « محجوبٌ و ... مستورٌ » بالرفع ، خبر لمبتدأ محذوف.

وقد ذكر أكثر شرّاح الكافي احتمالَي الرفع والجرّ في شروحهم ، ورجّحوا احتمال جَرِّه بالتوصيف كما هو رأي السيّد الداماد ، أو بالإضافة بمعنى اللام كما هو رأي الصدر الشيرازي. وقس عليه « مستور ».

(٨) في « ف » : « رويّة » بمعنى البرهان والنظر ، واستبعد ذلك في مرآة العقول ، لكنّ بقيّة الشرّاح اعتمدوا كلمة « رويّة » في شروحهم وأشاروا إلى كلمة « رؤية » أثناء الشرح.

٤

وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إلاّ اللهُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ. ضَلَّتِ الْأَوْهَامُ عَنْ بُلُوغِ كُنْهِهِ ، وَذَهَلَتِ (١) الْعُقُولُ أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ (٢) نِهَايَتِهِ ، لَايَبْلُغُهُ حَدُّ وَهْمٍ (٣) ، وَلَا يُدْرِكُهُ نَفَاذُ بَصَرٍ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤).

احْتَجَّ عَلى خَلْقِهِ بِرُسُلِهِ (٥) ، وَأَوْضَحَ الأُمُورَ بِدَلَائِلِهِ ، وَابْتَعَثَ (٦) الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ؛ ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (٧) ، وَلِيَعْقِلَ الْعِبَادُ عَن (٨) رَبِّهِمْ مَا جَهِلُوهُ (٩) ؛ فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوِبِيَّتِهِ بَعْدَ مَا أَنْكَرُوهُ ، وَيُوَحِّدُوهُ بِالْإِلهِيَّةِ بَعْدَ مَا أَضَدُّوهُ (١٠).

أَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَشْفِي النُّفُوسَ ، وَيَبْلُغُ رِضَاهُ ، وَيُؤَدِّي شُكْرَ مَا وَصَلَ (١١) إِلَيْنَا مِنْ سَوَابِغِ النَّعْمَاءِ ، وَجَزِيلِ الْآلَاءِ ، وَجَميلِ الْبَلَاءِ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ ، إِلهاً وَاحِداً أَحَداً (١٢) صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عَبْدٌ (١٣) انْتَجَبَهُ ، وَرَسُولٌ (١٤)

__________________

(١) في « بح » : « ذَلَّت ».

(٢) يمكن أن يراد بالغاية المسافة ، ويمكن أن يراد بها النهاية ، وقد رجّح المجلسي المعنى الأوّل واستبعد الثاني. انظر : شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ١٥ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٩.

(٣) في الرواشح ، ص ٤٤ : « وفي بعض النسخ : عَدْوُ وَهْمٍ. وهو أبلغ وأحكم ». و « لا يبلغه حدّ وهم » أي حدّته ، أو نهاية معرفته ؛ لأنّ ما بلغه الوهم فهو ممكن ولا سبيل للإمكان في ساحة جنابه. وقيل غير ذلك.

(٤) في « ب » وحاشية « ج ، ض ، بر » : « البصير ».

(٥) في حاشية « ج ، ض » : « برسوله ».

(٦) في « ج ، ض ، ف » : « انبعث ». واختار ذلك صدر المتألّهين في شرحه ، حيث قال : « صيغة انبعث متعدّية إلى المفعول ، يقال : بعثه وانبعثه ، أي أرسله ». والظاهر أنّه من اشتباه باب الافتعال بباب الانفعال ، فتأمّل.

(٧) الأنفال (٨) : ٤٢.

(٨) في « ب ، بس » وحاشية « ج » : « من ».

(٩) في « ب ، ج ، بف » : « جهلوا ».

(١٠) في حاشية بدر الدين ، ص ٣٣ : « هو بالصاد المهملة ـ أي صدّوه ، بمعنى منعوه حقّه من التوحيد ـ ولا يجوز أن يكون بالمعجمة ، ومعناه بالمعجمة : بعد ما أضدّوه ، أي جعلوا له ضدّاً ».

(١١) في حاشية « ج » : « أوصل ».

(١٢) في « ب ، ج ، بح ، بر ، بس ، بف » وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : ـ « أحداً ».

(١٣) في « ج » وحاشية « بر » : « عبده ».

(١٤) في « ج » وحاشية « بر » : « رسوله ».

٥

ابْتَعَثَهُ (١) ، عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ (٢) مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ ، وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ (٣) ، وَعَمىً عَنِ (٤) الْحَقِّ ، وَاعْتِسَافٍ (٥) مِنَ الْجَوْرِ ، وَامْتِحَاقٍ (٦) مِنَ الدِّينِ.

وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ ، فِيهِ الْبَيَانُ والتِّبْيَانُ ( قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (٧) قَد بَيَّنَهُ لِلنّاسِ وَنَهَجَهُ (٨) ، بِعِلْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَدِينٍ قَدْ أَوْضَحَهُ ، وَفَرَائِضَ قَدْ أَوْجَبَهَا ، وَأُمُورٍ قَدْ كَشَفَهَا لِخَلْقِهِ وَأَعْلَنَهَا ، فِيهَا دَلَالَةٌ إِلَى النَّجَاةِ ، وَمَعَالِمُ تَدْعُو إِلى هُدَاهُ.

فَبَلَّغَ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ (٩) ، وَأَدَّى مَا حُمِّلَ مِنْ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ ، وَصَبَرَ لِرَبِّهِ ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَحَثَّهُمْ

__________________

(١) في « ج ، ف » وشرح صدر المتألّهين : « انبعثه ». وتقدّم التعليق على مثل ذلك.

(٢) « الهَجْعة » : نومة خفيفة من أوّل الليل ، وهي هاهنا بمعنى الغفلة والجهالة ، يقال : رجل هُجَع وهُجَعَة ومِهْجَع ، أي غافل أحمق. راجع : الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٣٠٦ ( هجع ) ؛ التعليقة للداماد ، ص ٥ ؛ الرواشح ، ص ٤٥ وسائر الشروح.

(٣) « الإبرام » : إحكام الشي‌ء ، وأبرمتُ الأمرَ : أحكمتُه. وفي « ف » والرواشح : « البَرَم » بالتحريك. قال في‌ الرواشح : « وفي نسخ جَمَّة : من المبرم. وهو الأصحّ ». انظر : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٧٠ ( برم ) ؛ الرواشح ، ص ٤٧.

(٤) في « بس ، بف » وحاشية « بح » : « من ».

(٥) « العَسَف » ـ بالتحريك ـ : الأخذ على غير طريق ، والقطع على غير هداية ، وكذلك التعسّف والاعتساف. والعَسْف ـ بالتسكين ـ : الظلم ، كما قاله الداماد ، وهكذا في اللغة بدون ضبط الحركات. والمراد هاهنا المعنى الأوّل كما هو ظاهر الشروح. انظر : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٤٠٣ ؛ لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٢٤٥ ( عسف ).

(٦) « الامتحاق » : ذهابُ خَيرِ الشي‌ء وبركتِهِ ونقصانُه ، من قولهم : محقه الله ، أي ذهب ببركته ؛ أو البطلانُ والمحو ، من قولهم : مَحَقه يَمْحَقُه مَحْقاً ، أي أبطله ومحاه ، وتمحّق الشي‌ء وامتحق ، أي بطل. والمراد هاهنا المعنى الثاني ، كما هو ظاهر الشروح. انظر : ترتيب كتاب العين ، ج ٣ ، ص ١٦٨٠ ؛ الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥٥٣ ( محق ).

(٧) الزمر (٣٩) : ٢٨.

(٨) في « بف » والمطبوع : « نَهَّجه ». والشرّاح قرأوها : نهجه ـ بالتخفيف ـ بمعنى أوضحه وأبانه ، أو سلكه. انظر : الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٤٦ ( نهج ).

(٩) « صدع بما أُمر » أي أجهر به وتكلّم به جهاراً ، أو أظهره ، أو فرّق به بين الحقّ والباطل. والكلّ محتمل ، كما هوالظاهر من الشروح. انظر : الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٢٤١ ـ ١٢٤٢ ؛ لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٩٥ ( صدع ).

٦

عَلَى (١) الذِّكْرِ ، وَدَلَّهُمْ عَلى سَبِيلِ الْهُدى مِنْ بَعْدِهِ ، بِمَنَاهِجَ (٢) وَدَوَاعٍ أَسَّسَ لِلْعِبَادِ أَسَاسَهَا (٣) ، وَمَنَائِرَ (٤) رَفَعَ لَهُمْ أَعْلَامَهَا ؛ لِكَيْ لَايَضِلُّوا مِنْ بَعدِهِ ، وَكَانَ بِهِمْ (٥) رَؤُوفاً رَحِيماً.

فَلَمَّا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ ، وَاستُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ ، تَوَفَّاهُ اللهُ وَقَبَضَهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ عِنْدَ اللهِ مَرْضِيٌّ عَمَلُهُ ، وَافِرٌ حَظُّهُ ، عَظِيمٌ (٦) خَطَرُهُ. فَمَضى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وَخَلَّفَ فِي أُمَّتِهِ كِتَابَ اللهِ ، وَوَصِيَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ، صَاحِبَيْنِ مُؤْتَلِفَيْنِ ، يَشْهَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالتَّصْدِيقِ. يَنْطِقُ الْإِمَامُ عَنِ (٧) اللهِ فِي الْكِتَابِ بمَا أَوْجَبَ اللهُ فِيهِ عَلَى الْعِبادِ مِنْ طَاعَتِهِ ، وطَاعَةِ الإِمَامِ وَوِلَايَتِهِ ، وَوَاجِبِ حَقِّهِ (٨) ، الَّذِي أَرَادَ مِنِ اسْتِكْمَالِ دِينِهِ ، وَإِظْهَارِ أَمْرِهِ ، وَالْاحْتِجَاجِ بِحُجَجِهِ ، وَالْاسْتِضَاءَةِ (٩) بِنُورِهِ (١٠) ، فِي مَعَادِنِ أَهْلِ صَفْوَتِهِ ، وَمُصْطَفَيْ (١١) أَهْلِ خِيَرَتِهِ.

__________________

(١) في « بس » وحاشية « ج ، و » : « إلى ». قال في حاشية « ج » : « على تضمين معنى الدعوة ».

(٢) المراد بالمناهج كلّ ما يتقرّب به إليه سبحانه ، وبسبيلها دلائلها وما يوجب الوصول إليها. راجع : شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٩ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٢.

(٣) المراد بسبيل الهدى الطريقة الشرعيّة المقدّسة ، وبالمناهج والدواعي كتاب الله والعترة عليهم‌السلام ، وبتأسيس الأساس ورفع المنار نصب الأدلّة على ذلك. ويحتمل أن يراد بالمناهج الأوصياء عليهم‌السلام ، وبالدواعي الأدلّة الدالّة على خلافتهم. راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص ٨ ؛ حاشية بدر الدين ، ص ٣٤ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٥ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٢.

(٤) في « ج ، ض » وحاشية « بس » : « منار ». وفي « بح ، بس » وحاشية « ف ، بف » : « منابر ».

(٥) في « بس » : « وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بدل « وكان بهم ».

(٦) في « ف » : « وعظيم ».

(٧) في « ف » : « من ».

(٨) في « ف » : « وأوجب حقّه ». وفي حاشية « ج » : « وأوجب الحقّ ».

(٩) في « ألف ، ب ، ض ، بر ، بس ، بف » : « الاستضاء ».

(١٠) في « ألف » : « بأنواره ».

(١١) الأرجح أن تُقرأ : « مُصْطَفَيْ » عطفاً على « معادن ». واختار ذلك ميرداماد في الرواشح ، ص ٤٩ ، وفي تعليقته على الكافي ، ص ٣٧. بينما اختار الصدر الشيرازي إفرادها في شرحه على الكافي ، ص ٩. أمّا المازندراني والمجلسي فقد ذهبا إلى جواز الإفراد والجمع. انظر : شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٢٨ ؛ ومرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٣.

٧

فَأَوْضَحَ (١) اللهُ تَعَالى بِأَئِمَّةِ الْهُدى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا عَنْ دِينِهِ ، وَأَبْلَجَ (٢) بِهِمْ (٣) عَنْ سَبِيلِ مَنَاهِجِهِ ، وَفَتَحَ بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلْمِهِ ، وَجَعَلَهُمْ مَسَالِكَ (٤) لِمَعْرِفَتِهِ ، وَمَعَالِمَ (٥) لِدِينِهِ ، وَحُجَّاباً (٦) بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، وَالْبَابَ الْمُؤَدِّيَ إِلى مَعْرِفَةِ حَقِّهِ ، وَ (٧) أَطْلَعَهُمْ (٨) عَلَى الْمَكْنُونِ مِنْ غَيْبِ سِرِّهِ.

كُلَّمَا مَضى مِنْهُمْ إمَامٌ ، نَصَبَ لِخَلْقِهِ مِنْ عَقِبِهِ (٩) إِمَاماً بَيِّناً ، وَهادِياً نَيِّراً ، وَإِمَاماً قَيِّماً ، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ (١٠) وبِهِ يَعْدِلُونَ. حُجَجُ اللهِ وَدُعَاتُهُ وَرُعَاتُهُ عَلى خَلْقِهِ ، يَدِينُ (١١) بَهَدْيِهِمُ (١٢) الْعِبَادُ ، وَتَسْتَهِلُّ (١٣) بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ. جَعَلَهُمُ (١٤) اللهُ (١٥)

__________________

(١) في « ب » : « وأوضح ».

(٢) « أبلج » إمّا لازم بمعنى أَنارَ وأضاء ، وإمّا متعدّ بمعنى أظهره وأوضحه وجعله مشرقاً أو واضحاً. والمراد هاهنا الثاني ، وعليه فكلمة « عن » زائدة للمبالغة في الربط والإيصال ، كما هو ظاهر الشروح. راجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٠٠ ؛ لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٢١٥ ـ ٢١٦ ( بلج ).

(٣) في « ب » : ـ « بهم ».

(٤) في حاشية « ج » : « مسالكاً ». قال السيّد الداماد : « التنوين في ( مسالكاً ) و ( معالماً ) ـ على ما في أكثر النسخ‌العتيقة المعوّل على صحّتها ـ للتنكير ، أي طائفة مّا من المسالك ومن المعالم ... ». انظر : الرواشح ، ص ٥٠ ؛ التعليقة للداماد ، ص ٨.

(٥) في حاشية « ج » : « ومعالماً ». ومرّ التعليق عليها في الهامش المتقدّم.

(٦) « الحجّاب » جمع حاجب بمعنى البوّاب. لسان العرب ، ج ١ ، ص ٢٩٨ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ١٤٦ ( حجب ).

(٧) في « ألف ، ب ، ج ، ض ، ف ، بر ، بس ، بف » : ـ « و ».

(٨) في « و ، بف » : « اطّلعهم » بالتشديد.

(٩) هناك مَن قرأها « مَن عقّبه » ـ بالفتح ـ اسم موصول ، كما أشار لذلك المجلسي ، واستبعده في مرآة العقول. أمّا المازندراني والصدر الشيرازي فقد احتملا ذلك أيضاً في شرحيهما.

(١٠) في « بح » : « إلى الحقّ ».

(١١) في « ألف ، و ، بس » : « تدين ».

(١٢) في « ألف ، بح ، بس » : « بهداهم ». ومعنى « بِهَدْيهِمْ » هو أن يسير بسيرتهم العباد ويطيعون الله ورسوله بسبب‌هدايتهم وإرشادهم. ومعنى « بهداهم » هو أن يتعبّد العباد بهدايتهم. راجع : الرواشح ، ص ٥٢ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٢ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٤.

(١٣) في « ألف ، ب ، ج ، ف ، بح ، بف » والمطبوع : « يستهلّ ».

(١٤) في « بس » وحاشية « بف » : « وجعلهم ».

(١٥) في « ف » : ـ « الله ».

٨

حَيَاةً (١) لِلْأَنَامِ ، وَمَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ ، وَمَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ ، وَدَعَائِمَ (٢) لِلْإِسْلَامِ. وَجَعَلَ نِظَامَ طَاعَتِهِ وَتَمَامَ فَرْضِهِ التَّسْلِيمَ لَهُمْ فِيمَا عُلِمَ ، وَالرَّدَّ إِلَيْهِمْ فِيمَا جُهِلَ ، وَحَظُرَ (٣) عَلى غَيْرِهِمُ التَّهَجُّمَ (٤) عَلَى الْقَوْلِ بِمَا يَجْهَلُونَ ، وَمَنَعَهُمْ جَحْدَ مَا لَايَعْلَمُونَ ؛ لِمَا (٥) أَرَادَ (٦) ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ مِنِ اسْتِنْقَاذِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ مُلِمَّاتِ (٧) الظُّلَمِ ، وَمَغْشِيَّاتِ (٨) الْبُهَمِ (٩). وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً.

أَمَّا بَعْدُ ، فَقَد فَهِمْتُ يَا أَخِي مَا شَكَوْتَ مِنِ اصْطِلَاحِ (١٠) أَهْلِ دَهْرِنَا عَلَى الْجَهَالَةِ (١١) ، وَتَوَازُرِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي عِمَارَةِ طُرُقِهَا ، وَمُبَايَنَتِهِمُ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ ، حَتّى كَادَ الْعِلْمُ مَعَهُمْ أَنْ‌

__________________

(١) في حاشية « ألف » : « حماة ».

(٢) في حاشية « ج » : « دعائماً ». وقد مرّت الإشارة إلى أنّ التنوين هنا للتنكير ، كما ذكر صاحب الرواشح فيها ، ص ٥٠ ، وفي تعليقته على الكافي ، ص ٨.

(٣) في « بف » : « حظّر » بالتشديد.

(٤) « التهجّم » : تفعّل من الهجوم ، وهو الإتيان بغتةً والدخول من غير استيذان ؛ يعني حرم على غيرهم الدخول‌في الأمر بَغتة من غير رَوِيَّة وملاحظة. وقال السيّد الداماد : « وفي بعض النسخ بالعين مكان الهاء من العُجْمة ـ بالضمّ والتسكين ـ وهي اللُكنة في اللسان ، وعدم القدرة على الكلام ، وعدم الإفصاح بالعربيّة ». راجع : المغرب ، ص ٥٠٠ ، القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٥٣٧ ( هجم ) ؛ الرواشح ، ص ٥٣.

(٥) في « ج » : « لَمّا ». أي يمكن أن تقرأ « لَمّا » أو « لِما ».

(٦) في « بس » : + « الله ».

(٧) « الملمّات » جمع الملمّة بمعنى النازلة الشديدة من شدائد الدهر ونوازل الدنيا ، من الإلمام بمعنى النزول ، يقال : قد ألمّ به ، أي نزل به. الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢٠٣٢ ؛ لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٥٥٠. ( لمم ).

(٨) هكذا في « ج ، ف ، بح ، بر ، بف ، بل ، بو ، جح ، جل ، جم » وظاهر مرآة العقول والمطبوع. وفي « بس » : « مغيّبات ». وفي « ب ، ض ، يد » : « مُغَشَّيات » أي اسم المفعول من التفعيل ، كما هو الاحتمال الآخر في المرآة. وظاهر شرحي الصدر الشيرازي والمازندراني : « مُغْشِيات » وهو اسم فاعل من باب الإفعال.

(٩) « البُهَم » ـ كصرد ـ جمع بُهمة ـ بالضمّ ـ وهو الأمر الذي لا يُهتدى لوجهه ، أو كلام مبهم لا يعرف له وجه يؤتى منه ، أي الأُمور المشكلة التي خفي على الناس ما هو الحقّ فيها وستر عنهم ، والمراد بها الفتن ، كما هو ظاهر الشروح وتساعده اللغة. راجع : النهاية ، ج ١ ، ص ١٦٨ ؛ لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٥٧ ( بهم ).

(١٠) في حاشية « بح » : « إصلاح ».

(١١) اصطلاحهم على الجهالة : تصالحهم وتراضيهم وتوافق آرائهم عليها ، ومحبّتهم لأهلها ، واجتماع كلمتهم فيها ، واستحسانهم إيّاها. راجع : شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٧ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥.

٩

يَأْرِزَ (١) كُلُّهُ ، وَتَنْقَطِعَ (٢) مَوَادُّهُ ؛ لِمَا قَدْ رَضُوا أَنْ يَسْتَنِدُوا إِلَى الْجَهْلِ ، وَيُضَيِّعُوا الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ.

وَسَأَلْتَ : هَلْ يَسَعُ النَّاسَ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهَالَةِ ، وَالتَّدَيُّنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إذْ (٣) كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الدِّينِ ، مُقِرِّينَ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ عَلى جِهَةِ الْاسْتِحْسَانِ (٤) وَالنُّشُوءِ (٥) عَلَيْهِ ، والتَّقْلِيدِ لِلْآبَاءِ وَالْأَسْلَافِ وَالْكُبَرَاءِ ، وَالْاتِّكَالِ عَلَى عُقُولِهِمْ فِي دَقِيقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلِيلِهَا؟

فَاعْلَمْ يَا أَخِي ـ رَحِمَكَ اللهُ ـ أَنَّ اللهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ خَلَقَ عِبَادَهُ خِلْقَةً مُنْفَصِلَةً مِنَ الْبَهَائِمِ فِي الْفِطَنِ (٦) وَالْعُقُولِ الْمُرَكَّبَةِ فِيهِمْ ،

__________________

(١) هكذا في أكثر النسخ. وفي المطبوع وحاشية « ج ، ض » : « يأزر » بمعنى يضعف. وفي « ض ، بر » وحاشية اخرى لـ « ج » وحاشية « بح » : « يأرن » بمعنى يهلك وينعدم وهذه الجملة إشارة واقتباس من الخطبة المنقولة في الكافي ، كتاب الحجة ، باب نادر في حال الغيبة ، ح ٨٩٠ ؛ وباب الغيبة ، ح ٩٠٣ ، عن عليّ عليه‌السلام. وفي كلتا الروايتين « يأرز » بتقديم المهملة.

استظهر المجلسي تقديم المهملة على المعجمة ، أي « يأرز ». ولم يستبعد المازندراني العكس. وأمّا السيد الداماد والصدر الشيرازي فقد أورداها بتقديم الراء على الزاي. قال المازندراني : « أن يأرز كلّه ـ بتقديم الراء المهملة على المنقوطة ـ أي يجتمع كلّه في زاوية النسيان ، من أرزت الحيّة إلى جحرها : إذا انضمّت إليها واجتمع بعضها إلى بعض فيها ». انظر : التعليقة للداماد ، ص ١٠ ؛ شرح صدر المتألّهين ، ص ٩ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٧ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥ ؛ الصحاح ، ج ٣ ، ص ٨٦٤ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٣٧ ( أرز ).

(٢) في « ج ، ف ، بف » : « ينقطع ».

(٣) هكذا في « ج ، ض ، بر ، بس ، بف » وحاشية « ف ». وفي « ب ، ف ، بح » والمطبوع : « إذا ».

(٤) في حاشية « بح » : « الامتحان ».

(٥) في « الف ، ج ، ف ، بح ، بس ، بف » وحاشية « ض » : « السبق ». وفي « و » وحاشية « ب ، بح ، بف » : « النشق » بمعنى الدخول في أمر لا يكاد التخلّص منها. وفي « ض » وحاشية « بس » : « النَشْو ». وقد ذكر شرّاح الكافي هذه الاحتمالات ، ورجّح الصدر الشيرازي « السبق » ورجّح المازندراني والمجلسي كلمةَ « نشوء » إمّا بفتح النون على وزن فَعل ، أو بالضمّ على وزن فعول ؛ من قولهم : نشأ الصبي ينشأ نَشْأً ونُشُوءً : إذا كبر وشبّ ولم يتكامل. انظر : شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٣٩ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٥ ـ ١٦.

(٦) في « ألف ». « الفطرة » وفي « بس » : « الفِطَر » جمع فطرة. وفي حاشية « ج » : « النطق ». واعلم أنّ الصدر الشيرازي‌جعل « الفِطَر » أولى ممّا في المتن ؛ حيث قال : « وفي بعضها ـ أي النسخ ـ : الفطر ـ بالراء ـ جمع الفطرة وهذه

١٠

مُحْتَمِلَةً (١) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَجَعَلَهُمْ (٢) ـ جَلَّ (٣) ذِكْرُهُ ـ صِنْفَيْنِ (٤) : صِنْفاً مِنْهُمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَصِنْفاً مِنْهُمْ (٥) أَهْلَ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ (٦) ؛ فَخَصَّ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، بَعْدَ مَا أَكْمَلَ لَهُمْ آلَةَ التَّكْلِيفِ ، وَوَضَعَ التَّكْلِيفَ عَنْ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالضَّرَرِ ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُمْ خِلْقَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ لِلْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ. فَلَوْ كَانَتِ الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ ، وَفِي جَوازِ ذلِكَ بُطْلَانُ الْكُتُبِ (٧) وَالرُّسُلِ وَالْآدَابِ ، وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْآدَابِ فَسَادُ (٨) التَّدْبِيرِ ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ ؛ فَوَجَبَ في عَدْلِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَحِكْمَتِهِ أَن يَخُصَّ (٩) مَنْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ خِلْقَةً مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ لِئَلاَّ يَكُونُوا سَدًى مُهْمَلِينَ ؛ وَلِيُعَظِّمُوهُ ،

__________________

أولى ؛ لأنّ الكلام في أصل الخلقة ، والفطنة والفطانة من الأمور العارضة ، ولأنّها أنسب بقوله : كلّ مولود يولد على الفطرة ... » ثمّ قال : « والظاهر أنّ الصورة الأولى ـ أي الفطن ـ من تصرّف الكتّاب ». راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠.

(١) في « ألف » وحاشية « ج » : « متحمّلة ».

(٢) في « ج ، ض ، ف ، بح ، بر ، بف » وحاشية « بس » : « خلقهم ». وفي « بس » : « فجعلهم ».

(٣) في « و ، بح ، بس » وحاشية « بف » : « علا ».

(٤) في « بس » : « على صنفين ».

(٥) في « ب » : + « من ».

(٦) « الزَمانَة » هو المرض الذي يدوم زماناً ، والضرر مثْله. انظر : المغرب ، ص ٢١ ؛ المصباح المنير ، ص ٢٥٦ ( زمن ) ؛ لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٤٨٣ ( ضرر ). وقال السيّد الداماد : « المراد بأهل الضرر مكفوفو البصر ، قال في الصحاح : رجل ضرير ، أي ذاهب البصر ». وقال صدر المتألّهين : « كأنهم ضرائر وزمناء في الجوهر الباطني ، والأوّل إشارة إلى قصور القوّة النظريّة التي يقال لها : العقل النظري ، والثاني إلى اختلال القوّة العمليّة التي يقال لها : العقل العملي ». وقيل غير ذلك. راجع : الرواشح ، ص ٥٥ ؛ شرح صدر المتألّهين ، ص ١٠ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤٠ ؛ مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٦.

(٧) في حاشية « ج » : + « الإلهية ».

(٨) في « بس » : + « أهل ».

(٩) في حاشية « ج » : « أن يحصر ». واختار السيد الداماد ذلك ، وجعله أَوْلى من اختيار بعض لـ « يخصّ » واختياربعضٍ آخر لـ « يحضّ ». فيكون المعنى : أنّ الأمر والنهي حاصران للخلق ، والخلقُ محصورون بهما. ويؤيّد ذلك قوله فيما بعد : « فكانوا محصورين بالأمر والنهى ». انظر : الرواشح ، ص ٥٦ ؛ التعليقة للداماد ، ص ١١ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٤٣.

١١

وَيُوَحِّدُوهُ ، ويُقِرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ؛ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ ؛ إِذ شَوَاهِدُ رُبُوبِيَّتِهِ دَالَّةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَحُجَجُهُ نَيِّرَةٌ وَاضِحَةٌ ، وَأَعْلَامُهُ لَائِحَةٌ تَدْعُوهُمْ (١) إِلى تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَشْهَدُ عَلى أَنْفُسِهَا لِصَانِعِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلهِيَّةِ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ آثَارِ صُنْعِهِ (٢) ، وَعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ (٣) ، فَنَدَبَهُمْ إِلى مَعْرِفَتِهِ ؛ لِئَلاَّ يُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَجْهَلُوهُ وَيَجْهَلُوا دِينَهُ وَأَحْكَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَكِيمَ لَايُبِيحُ الْجَهْلَ بِهِ وَالْإِنْكارَ لِدِينِهِ ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ ) (٤) ، وَقَالَ : ( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ) (٥) ، فَكَانُوا مَحْصُورِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، مَأْمُورِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ ، غَيْرَ مُرَخَّصٍ (٦) لَهُم فِي الْمُقَامِ عَلَى الْجَهْلِ ؛ أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ) (٧) (٨) ، وَقَالَ : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٩).

فَلَوْ كَانَ يَسَعُ أَهْلَ الصِّحَّةِ والسَّلَامَةِ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهْلِ ، لَمَا أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ (١٠) يَحْتَاجُ إِلى بَعْثَةِ الرُّسُلِ بِالْكُتُبِ وَالْآدَابِ ، وَكَانُوا (١١) يَكُونُونَ عِندَ ذلِكَ بِمَنْزِلةِ الْبَهَائِمِ ، وَمَنْزِلةِ (١٢) أَهْلِ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ ،

__________________

(١) علّق السيد الداماد على قول الكليني : تدعوهم ... إلى آخره ، بقوله : خبرُ كلٍّ من « شواهد ربوبيّته » و « حججه » و « أعلامه ». وأمّا « دالَّةٌ ظاهرة » و « نيّرة واضحة » و « لائحة » فمنصوبات على الحالية. انظر : الرواشح ، ص ٥٧.

(٢) في « بس » : « صنعته ».

(٣) في « ج » : « تدبّره ».

(٤) الأعراف (٧) : ١٦٩.

(٥) يونس (١٠) : ٣٩.

(٦) في « بر » : « غير مرخِّص » بكسر الخاء ، والصدر الشيرازي أيضاً ضبطها بكسر الخاء. والمازندراني ذكر جوازفتح الخاء وكسرها. انظر : شرح صدر المتألّهين ، ص ١١ ؛ شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٥٠.

(٧) في « ألف ، ب ، ف » : + (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

(٨) التوبة (٩) : ١٢٢.

(٩) النحل (١٦) : ٤٣ ؛ الأنبياء (٢١) : ٧.

(١٠) في حاشية « ج » : « لما كان ».

(١١) هكذا في « ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بس » وحاشية « بف ». وفي « بف » : « فكانوا ». وفي « الف ، بر » والمطبوع : « وكادوا ».

(١٢) في « بج ، بد ، بر ، بو » وشرح صدر المتألّهين : « وبمنزلة ».

١٢

وَلَوْ (١) كَانُوا كَذلِكَ ، لَمَا بَقُوا طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَقاؤُهُمْ إِلاَّ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَبَ أَنَّهُ لَابُدَّ لِكُلِّ صَحِيحِ الْخِلْقَةِ ، كَامِلِ الْآلَةِ مِنْ مُؤَدِّبٍ وَدَلِيلٍ وَمُشِيرٍ ، وَآمِرٍ وَنَاهٍ ، وَأَدَبٍ وَتَعْلِيمٍ ، وَسُؤَالٍ وَمَسْأَلَةٍ.

فَأَحَقُّ مَا اقْتَبَسَهُ الْعَاقِلُ ، وَالْتَمَسَهُ الْمُتَدَبِّرُ (٢) الْفَطِنُ ، وَسَعى لَهُ الْمُوَفَّقُ الْمُصِيبُ ، الْعِلْمُ بِالدِّينِ ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللهُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ (٣) كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً ، وَالتَّكْلِيفُ لَازِماً ، وَالْعُمْرُ يَسِيراً ، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ.

وَالشَّرْطُ مِنَ اللهِ ـ جَلَّ ذِكْرُهُ ـ فيمَا اسْتَعْبَدَ بِهِ خَلْقَهُ أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعَ فَرَائِضِهِ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ؛ لِيَكُونَ الْمُؤَدِّي لَهَا مَحْمُوداً عِنْدَ رَبِّهِ ، مُسْتَوْجِباً (٤) لِثَوَابِهِ وَعَظِيمِ جَزَائِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ لَايَدْرِي مَا يُؤدِّي ، وَلَايَدْرِي إِلى مَنْ يُؤَدِّي ، وَإذا كانَ جَاهِلاً ، لَم يَكُنْ عَلى ثِقَةٍ مِمَّا أَدّى ، وَلَا مُصَدِّقاً ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لَايَكُونُ مُصَدِّقاً حَتّى يَكُونَ عَارِفاً بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ (٥) غَيْرِ شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ ؛ لأَنَّ الشَّاكَّ لَايَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ (٦) وَالتَّقَرُّبِ (٧) مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ (٨) الْمُسْتَيْقِنِ ، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٩) فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ ، وَلَوْ لَا الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً.

وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ ـ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَة ـ إِلَى اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ‌

__________________

(١) في حاشية « ج » : « فلو ».

(٢) في « ألف » وحاشية « ج ، بس » : « المتديّن ». وفي « بس » : « المدبّر ».

(٣) في « ج » : « إذا ».

(٤) في « ف » : « ومستوجباً ».

(٥) في « ج ، بس ، بف » وحاشية « بح » : « في ».

(٦) في « ب » : « الخشوع ».

(٧) في « ض » : « القرب ».

(٨) في « بس ، بف » : « الغالب ».

(٩) الزخرف (٤٣) : ٨٦.

١٣

عليْهِ ، فَقَبِلَ عَمَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ (١) عَلَيْهِ ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ؛ كَيْ لَايَكُونَ (٢) مِمَّنْ وَصَفَهُ اللهُ ، فَقَالَ تَبارَكَ وَتَعَالَى : ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) (٣) ( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) (٤) ؛ لِأَنَّهُ كانَ دَاخِلاً فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ ، فَلِذلِكَ صَارَ خُرُوجُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ.

وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ (٥) عليه‌السلام : « مَنْ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ بِعِلْمٍ ، ثَبَتَ (٦) فِيهِ ، وَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ ، وَمَن دَخَلَ فِيهِ بِغَيرِ عِلْمٍ ، خَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ » (٧).

وَقَالَ عليه‌السلام : « مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَوَات اللهِ عَلَيْه وَآلِهِ ـ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ ، وَمَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ ، رَدَّتْهُ الرِّجَالُ » (٨).

__________________

(١) في « ألف » : « ردّه ».

(٢) هكذا في « ألف ، ض ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « كي لا يكونوا ». والكلام في « الشاكّ » فناسب إفرادالضمير.

(٣) قال البيضاوي : « عَلى حَرْفٍ : على طرف من الدين لا ثبات له فيه ، كالذي يكون على طرف الجيش ، فإن‌أحسّ بظفر قَرَّ ، وإلاّ فَرَّ ». راجع : تفسير البيضاوي ، ج ٣ ، ص ١٣٥.

(٤) الحجّ (٢٢) : ١١.

(٥) حمله الأعلام الثلاثة : السيّد الداماد والصدر الشيرازي والعلاّمة المازندراني على الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام بقرينة الإطلاق. وأمّا المجلسي فقد شكّك في كون لفظ العالم دالاًّ على الإمام الكاظم ؛ لذا فقد فسّره بالمعصوم وقال : « وتخصيصه بالكاظم عليه‌السلام غير معلوم ». انظر : التعليقة للداماد ، ص ١٤ ؛ الرواشح السماوية ، ص ٥٩ ؛ شرح صدر المتألّهين ، ص ١٤ ، شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٥٣ ، مرآة العقول ، ج ١ ، ص ١٩.

(٦) في « ف » : « يثبت ».

(٧) بصائر الدرجات ، ص ٥٣٠ ، ضمن ح ١ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وفيه : « من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة ، خرج منه كما دخل فيه ».

(٨) ورد نحوه عن الصادق عليه‌السلام في الغيبة للنعماني ، ص ٢٢ ، وفيه : « من دخل في هذا الدين بالرجال ، أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه ؛ ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة زالت الجبال قبل أن يزول » ؛ وفي تصحيح الاعتقاد للمفيد ، ص ٧٢ ؛ وروضة الواعظين ، ج ١ ، ص ٢٢ هكذا : « من أخذ دينه من أفواه الرجال ، أزالته الرجال ، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنّة ، زالت الجبال ولم يزل ».

١٤

وَقَالَ عليه‌السلام : « مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَنَا مِنَ الْقُرْآنِ ، لَمْ يَتَنَكَّبِ (١) الْفِتَنَ (٢) ». (٣)

وَلِهذِهِ الْعِلَّةِ انْبَثَقَتْ (٤) عَلى أَهْلِ دَهْرِنَا بُثُوقُ هذِهِ الْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ ، وَالْمَذَاهِبِ المُسْتَشْنَعَةِ (٥) ، الَّتِي قَدِ اسْتَوْفَتْ شَرَائِطَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُلَّهَا ، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللهِ تَعالى‌ وَخِذْلَانِهِ ، فَمَنْ أَرَادَ اللهُ تَوْفِيقَهُ وَأَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً ، سَبَّبَ لَهُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إِلى أَنْ يَأَخُذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ وَآلِهِ ـ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ أَثْبَتُ فِي دِينِهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي. وَمَنْ أَرَادَ اللهُ خِذْلَانَهُ وَأَنْ يَكُونَ دِينُهُ مُعَاراً مُسْتَوْدَعاً (٦) ـ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ ـ سَبَّبَ لَهُ أَسْبَابَ الاسْتِحْسَانِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ فِي الْمَشِيئَةِ ، إِنْ شَاءَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَتَمَّ إِيمَانَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ، سَلَبَهُ إِيَّاهُ ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ مُؤْمِناً وَيُمْسِيَ كَافِراً ، أَو يُمْسِيَ مُؤْمِناً وَيُصْبِحَ كَافِراً ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَأى كَبِيراً مِن الْكُبَرَاءِ ، مَالَ مَعَهُ ، وَكُلَّمَا رَأى شَيْئاً اسْتَحْسَنَ ظَاهِرَهُ ، قَبِلَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليه‌السلام : « إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ خَلَقَ النَّبِيِّينَ عَلَى النَّبُوَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلاَّ أَنْبِيَاءَ ، وَخَلَقَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلاَّ أَوْصِيَاءَ (٧) ، وَأَعَارَ قَوْمَاً‌

__________________

(١) التنكّب عن الشي‌ء هو المَيْل والعدول عنه ؛ يعني لا يقدر على العدول عنها ، ولا يأمن من الوقوع فيها. الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٢٨ ، النهاية ، ج ٥ ، ص ١١٢ ( نكب ).

(٢) في حاشية « بح » : « لم يركب اليقين ».

(٣) المحاسن ، ص ٢١٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ١٠٤ ، وفيه : « من لم يعرف الحقّ من القرآن ... » ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ١٣ ، ح ١ ، وفيهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٤) « انبثقت » أي هجمت ، يقال : انبثق الأمر على الناس ، أي هجم عليهم من غير أن يشعروا. راجع : لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ١٣ ( بثق ). وفي « و » : « انْتَقَبَ » بمعنى غطّت وجهها وشدّت نقابها. وفي « ألف » : « انبعثت ». وفي حاشية « ألف » : « انسبقت » بمعنى طالت.

(٥) « المستشنع » : الفظيع القبيح. راجع : لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٨٦ ( شنع ). وفي « ألف » وحاشية « ج » : « المتشنّعة ». وفي حاشية « بر » : « المتشعّبة ».

(٦) في « بف » : « مستعاراً ».

(٧) في الكافي ، ح ٢٩٢٨ : « وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلاّمؤمنين » بدل « وخلق الأوصياء ». وقال

١٥

إِيمَانَاً ، فَإِنْ شَاءَ تَمَّمَهُ لَهُمْ ، وإِنْ شَاءَ سَلَبَهُمْ إِيَّاهُ » ، قالَ (١) : « وَفِيهِمْ جَرى قَوْلُهُ تَعَالى : ( فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (٢) ». (٣)

وَذَكَرْتَ أَنَّ أُمُوراً قَدْ أَشْكَلَتْ عَلَيْكَ ، لَاتَعْرِفُ حَقَائِقَهَا ؛ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهَا ، وَأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوايَةِ فِيهَا لِاخْتِلَافِ عِلَلِهَا وَأَسْبَابِهَا ، وَأَنَّكَ لَاتَجِدُ بِحَضْرَتِكَ مَنْ تُذَاكِرُهُ وَتُفَاوِضُهُ (٤) مِمَّنْ تَثِقُ (٥) بِعِلْمِهِ فِيهَا.

وَقُلْتَ : إِنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عِندَكَ كِتَابٌ كَافٍ يُجْمَعُ فِيهِ (٦) مِنْ جَمِيعِ فُنُونِ عِلْمِ الدِّينِ ، مَايَكْتَفِي بِهِ الْمُتَعَلِّمُ (٧) ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُسْتَرْشِدُ (٨) ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَنْ يُرِيدُ عِلْمَ الدِّينِ وَالْعَمَلَ بِهِ بِالْآثارِ الصَّحِيحَةِ عَنِ الصَّادِقِينَ عليهم‌السلام وَالسُّنَنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَلُ ، وَبِهَا يُؤَدَّى فَرْضُ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَسُنَّةُ نَبيِّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وَقُلْتَ : لَوْ كَانَ ذلِكَ ، رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ (٩) سَبَباً يَتَدَارَكُ اللهُ تَعَالى بِمَعُونَتِهِ (١٠) وَتَوْفِيقِهِ إِخْوَانَنَا وَأَهْلَ مِلَّتِنَا ، وَيُقْبِلُ بِهِمْ إِلى مَرَاشِدِهِمْ (١١).

__________________

‌الشيخ علي الكبير في الدرّ المنظوم : « وهذا أنسب بما ذكره المصنّف رحمه‌الله هنا ، فإنّه دالّ على من إيمانهم ثابت ، وهو القسم الذي ذكره ؛ والحديث المنقول هنا ليس فيه ذكر ثابتي الإيمان الذين هم غير الأنبياء والأوصياء ؛ فتأمّل. ويمكن أن يكون مراده الاستشهاد على المعارين فقط. و « المؤمنون » في الحديث لا يبعد أن يكون المراد بهم الأوصياء ، أو ما يشمل غيرهم ».

(١) في حاشية « بف » : « فقال ».

(٢) الأنعام (٦) : ٩٨.

(٣) الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب المعارين ، ح ٢٩٢٨ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام مع زيادة في آخره ؛ رجال الكشّي ، ص ٢٩٦ ، ح ٥٢٣ ، عن أبي الحسن عليه‌السلام مع اختلاف يسير.

(٤) في حاشية « ج ، بح ، ض » : « تعارضه ». و « المفاوضة » : المحادثة والمذاكرة في العلم ، مفاعلة من التفويض بمعنى المشاركة والمساومة. راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٤٧٩ ؛ لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٢١٠ ( فوض ).

(٥) في « ج » : « ممّن يثق ».

(٦) في « ب ، ض ، بر ، بس ، بف » : ـ « فيه ».

(٧) في « بس » : « المعلّم ».

(٨) في « و » : « المرشد ».

(٩) في « ب » : ـ « ذلك ».

(١٠) في « و ، بس ، بح » وحاشية « ج » : « بمعرفته ». وفي حاشية « بس » : « بمعاونته ».

(١١) « المراشد » : جمع ليس له واحد من لفظه ، وهي المقاصد. لسان العرب ، ج ٣ ، ص ١٧٦ ( رشد ).

١٦

فَاعْلَمْ يَا أَخِي ـ أَرْشَدَكَ اللهُ ـ أَنَّهُ لَايَسَعُ أَحَداً تَمْيِيزُ (١) شَيْ‌ءٍ مِمَّا اخْتَلفَتِ (٢) الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنِ (٣) الْعُلَمَاءِ عليهم‌السلام بِرَأْيِهِ ، إِلاَّ عَلى (٤) مَا أَطْلَقَهُ الْعَالِمُ عليه‌السلام بِقَوْلِهِ (٥) : « اعْرِضُوهَا (٦) عَلى كِتَابِ اللهِ ، فَمَا وَافَقَ (٧) كِتَابَ اللهِ ـ عَزَّوَجَلَّ ـ فَخُذُوهُ (٨) ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فرُدُّوهُ » (٩).

وَقَوْلِهِ عليه‌السلام : « دَعُوا مَا وَافَقَ القَوْمَ ؛ فَإِنَّ الرُّشْدَ فِي خِلَافِهِمْ ». (١٠)

وَقَوْلِهِ عليه‌السلام : « خُذُوا بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَارَيْبَ فِيهِ ». (١١)

وَنَحْنُ لَانَعْرِفُ مِنْ جَمِيعِ ذلِكَ إِلاَّ أَقَلَّهُ ، وَلَا نَجِدُ شَيْئاً أَحْوَطَ وَلَا أَوْسَعَ مِنْ رَدِّ عِلْمِ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى الْعَالِمِ عليه‌السلام ، وَقَبُولِ مَا وَسَّعَ مِنَ الْأَمْرِ فِيهِ بِقَوْلِهِ عليه‌السلام : « بِأَيِّمَا أَخَذْتُمْ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَكُمْ » (١٢).

وَقَدْ يَسَّرَ اللهُ ـ وَلَه الْحَمْدُ ـ تَأْلِيفَ مَا سَأَلْتَ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَوَخَّيْتَ (١٣) ،

__________________

(١) في « ج » : « تميّز ».

(٢) في « ألف ، ج ، ض ، ف ، بح ، بس ، بف » والمطبوع : « اختلف ».

(٣) في « ب » : « من ».

(٤) في « ألف » : ـ « على ».

(٥) في « ف » : + « الشريف ».

(٦) في « بر » وحاشية « ف » : « اعرضوهما ».

(٧) هكذا في جميع النسخ ، وفي المطبوع : « وافى ».

(٨) في حاشية « ض » : « اقبلوه ».

(٩) الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ٢٠٣ ؛ المحاسن ، ج ١ ، ص ٢٢٦ ، كتاب مصابيح الظلم ، ح ١٥١ ؛ الأمالي للصدوق ، ص ٣٦٧ ، المجلس ٥٨ ، ح ١٨ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ٨ ، ح ٢ ؛ وج ٢ ، ص ١١٥ ، ح ١٥٠ ؛ وفي جميع المصادر عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ إلاّتفسير العيّاشي ، ج ٢ ففيه عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ ونصّه : « ... إنّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوا به ( وفي الكافي والأمالي : فخذوه ) وما خالف كتاب الله فدعوه ».

(١٠) و. مقطَّع من رواية عمر بن حنظلة الواردة في الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث ، ح ٢٠٢ ، والفقيه ، ج ٣ ، ص ٨ ، ح ٣٢٣٦ ، والتهذيب ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ح ٨٤٥ ، والاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.

(١١) مقطَّع من رواية عمر بن حنظلة الواردة في الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث ، ح ٢٠٢ ، والفقيه ، ج ٣ ، ص ٨ ، ح ٣٢٣٦ ، والتهذيب ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ح ٨٤٥ ، والاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣٥٥.

(١٢) الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث ، ذيل ح ١٩٩ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفيه : « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك ».

(١٣) توخّيتُ الأمرَ : قصدت إليه وتعمّدت فعله وتحرّيت فيه. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٥٢١ ؛ النهاية ،

١٧

فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَقْصِيرٍ فَلَمْ تُقَصِّرْ نِيَّتُنَا فِي إِهْدَاءِ النَّصِيحَةِ ؛ إِذْ (١) كَانَتْ وَاجِبَةً لِإِخْوَانِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا ، مَعَ مَا رَجَوْنَا أَنْ نَكُونَ مُشَارِكِينَ لِكُلِّ مَنِ اقْتَبَسَ مِنْهُ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ فِي (٢) دَهْرِنَا هذَا ، وَفِي غَابِرِهِ (٣) إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ؛ إِذِ الرَّبُّ ـ عَزَّوَجَلَّ ـ وَاحِدٌ ، وَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ـ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ـ وَاحِدٌ ، وَالشَّرِيعَةُ وَاحِدةٌ ، وَحَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَوَسَّعْنَا (٤) قَلِيلاً كِتَابَ الْحُجَّةِ وَإِنْ لَمْ نُكَمِّلْهُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ؛ لِأَنَّا كَرِهْنَا أَنْ نَبْخَسَ حُظُوظَهُ (٥) كُلَّهَا.

وَأَرْجُو أَنْ يُسَهِّلَ اللهُ ـ عَزَّوَجَلَّ ـ إِمْضَاءَ مَا قَدَّمْنَا (٦) مِنَ النِّيَّةِ ، إِنْ تَأَخَّرَ الْأَجَلُ صَنَّفْنَا (٧) كِتَاباً أَوْسَعَ وَأَكْمَلَ مِنْهُ ، نُوَفِّيهِ (٨) حُقُوقَهُ كُلَّهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ ، وَإِلَيْهِ الرَّغْبَةُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ (٩) وَالتَّوْفِيقِ. وَالصَّلَاةُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (١٠) الْأَخْيَارِ.

__________________

ج ٥ ، ص ١٦٤ ـ ١٦٥ ( وخا ).

(١) في « ألف ، ج » وحاشية « ض » : « إذا ».

(٢) في « ألف ، بح » : « من ».

(٣) « الغابر : الماضي والمستقبل ، وهو من الأضداد ، والمراد هنا الثاني ». كذا في شرح المازندراني ، ج ١ ، ص ٦٤. وراجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٦٥ ؛ النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٣٧ ( غبر ).

(٤) قرأ الصدر الشيرازي : « وسعنا » بالتخفيف من الوُسْع بمعنى الطاقة ؛ حيث فسّره بقوله : « وسعنا ، أي تيسّرلنا ». انظر : لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٣٩٢ ( وسع ) ؛ شرح صدر المتألّهين ، ص ١٥.

(٥) « نَبْخَسُ » أي ننقص. و « الحظوظ » جمع كثير للحَظّ ، وهو النصيب. راجع : الصحاح ، ج ٣ ، ص ٩٠٧ ( بخس ) ؛ وص ١١٧٢ ( حظظ ).

(٦) في « ألف ، ج ، ف ، و ، بح ، بر ، بف » وشرح صدر المتألّهين : « قدّمناه ».

(٧) في « ب ، ض ، بر ، بس » : « صنعنا ».

(٨) في « ألف ، ض ، بح ، بس » وحاشية « بر » وشرح صدر المتألّهين : « توفية ». فتكون كلمة « توفية » مضافة إلى « حقوقه ». وهي إمّا أن تكون في محلّ نصب مفعول له لقوله : « صنّفنا » أو في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف.

(٩) في « ألف » : « والمعونة » بدل « في المعونة ».

(١٠) في « ألف ، ب ، ج ، ض ، بر ، بس ، بف » : « وآله الطيّبين ». وفي « ف » : « صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهرين ».

١٨

وَأَوَّلُ مَا أَبْتَدِئُ (١) بِهِ (٢) وَأَفْتَتِحُ بِهِ كِتَابِي هذَا كِتَابُ الْعَقْلِ (٣) وَفَضَائِلِ الْعِلْمِ ، وَارْتِفَاعِ دَرَجَةِ أَهْلِهِ ، وَعُلُوِّ قَدْرِهِمْ ، وَنَقْصِ الْجَهْلِ ، وَخَسَاسَةِ أَهْلِهِ ، وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِمْ ؛ إِذْ كَانَ الْعَقْلُ هُوَ الْقُطْبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَدَارُ (٤) ، وَبِهِ يُحْتَجُّ ، وَلَهُ الثَّوَابُ ، وَعَليْهِ الْعِقَابُ ، وَاللهُ المُوَفِّقُ. (٥)

__________________

وفي حاشية « ف » : « صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطيّبين ». وفي « و » : « وآله الطيّبين الطاهرين » كلّها بدل « وآله الطاهرين ».

(١) هكذا في « ج ، ف ، بف ». وفي « ألف ، ب ، ض ، و ، بح ، بر ، بس » والمطبوع : « ما أبدأ ».

(٢) في « بح ، ض » : « فيه ».

(٣) في حاشية « بر » : + « والجهل ».

(٤) قال صدر المتألّهين في شرحه ، ص ١٦ : « عليه المدار في الحركات الفكريّة والأنظار العقليّة ، وهو أصل‌القوى المدركة والمحرّكة ، وهو المركز الذي يرجع إليه المدارك والحواسّ ، والنور الذي به يهتدي في ظلمات برّ الدنيا وبحر الآخرة ». وقال العلاّمة المازندراني في شرحه ، ج ١ ، ص ٦٦ : « أي مدار التكليف والحكم بين الحقّ والباطل من الأفكار ، وبين الصحيح والسقيم من الأنظار ، وسائر القوى تابعة له ، منقادة لأمره ونهيه ، وهو الحاكم على جميعها ». وللمزيد راجع : الرواشح ، ص ٦٩ ـ ٧٠.

(٥) في « ألف ، ب ، و ، بس » : ـ « والله الموفّق ».

١٩
٢٠