جواهر البلاغة

السيّد أحمد الهاشمي

جواهر البلاغة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٥
ISBN: 964-6918-33-6
الصفحات: ٣٥٤

١
٢

الفهرس

الموضوع

الصفحة

الموضوع

الصفحة

تمهيد

 ١٣

للمخاطب

٥٥

مقدمة في معرفة الفصاحة والبلاغة

 ١٥

المبحث الثالث في تقسيم الخبر إلى جملة فعلية وجملة اسمية

٦٢

فصاحة الكلمة

 ١٦

الباب الثاني في حقيقة الإنشاء وتقسيمه

٦٥

فصاحة الكلام

 ٢٣

المبحث الأول في الأمر

٦٧

فصاحة المتكلم

٣٠

المبحث الثاني في النهي

٧٠

البلاغة

٣١

المبحث الثالث في الاستفهام

٧٣

بلاغة الكلام

٣٢

المبحث الرابع في التمني

٨٤

بلاغة المتكلم

٣٤

المبحث الخامس في النداء

٨٦

أقوال ذوي النبوغ والعبقرية في البلاغة

٣٥

تطبيق عام على الباب الثاني

٩٤

ملاحظات

٤٠

الباب الثالث في أحوال المسند إليه

٩٧

علم المعاني

المبحث الأول في ذكر المسند إليه

٩٧

تعريف علم المعاني ، وموضعه ، وواضعه

٤٤

المبحث الثاني في حذف المسند إليه

٩٩

الباب الأول في تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء

المبحث الثالث في تعريف المسند إليه

١٠٣

المبحث الأول في حقيقة الخبر

٥١

في تعريف المسند إليه بالإضمار

١٠٣

المقاصد والأغراض الّتى من اجلها يلقى الخبر

٥٢

في تعريف المسند اليه بالعلمية

١٠٥

المبحث الثاني في كيفية إلقاء المتكلم الخبر

٣

الموضوع

الصفحة

الموضوع

الصفحة

في تعريف المسند إليه بالاشارة

١٠٦

المبحث الخامس في التقييد بالبدل

١٣٥

في تعريف المسند إليه بالموصولية

١٠٧

المبحث السادس في التقييد بضمير الفصل

١٣٥

في تعريف المسند إليه بأل

١٠٩

المبحث السابع في التقييد بالنواسخ

١٣٥

في تعريف المسند إليه بالإضافة

١١١

المبحث الثامن في التقييد بالشرط

١٣٦

المبحث العاشر في تعريف المسند إليه بالنداء

١١٢

المبحث التاسع في التقييد بالنفى

١٣٩

المبحث الرابع في تنكير المسند إليه

١١٣

المبحث العاشر في التقييد بالمفاعيل الخمسة ونحوها

١٤٠

المبحث الخامس في تقديم المسند إليه

١١٤

تطبيق عام على الاطلاق والتقييد

١٤٢

المبحث السادس في تأخير المسند إليه

١١٧

الباب السادس في أحوال متعلقات الفعل

١٤٥

تطبيق عام على احوال المسند اليه وما قبله

١١٨

الباب السابع في تعريف القصر

١٤٩

الباب الرابع في المسند وأحواله

١٢١

المبحث الأول في طرق القصر

١٥٠

المبحث الأول في ذكر المسند أو حذفه

١٢١

المبحث الثاني في تقسيم القصر باعتبار الحقيقة والواقع

١٥٣

المبحث الثاني في تعريف المسند أو تنكيره

١٢٥

المبحث الثالث في تقسيم القصر باعتبار طرفيه

١٥٥

المبحث الثالث في تقديم المسند أو تأخيره

١٢٦

المبحث الرابع في تقسيم القصر الإضافي

١٥٦

تطبيق عام على احوال المسند

١٢٩

تطبيق عام على القصر وانواعه

١٥٨

الباب الخامس في الاطلاق والتقييد

١٣١

الباب الثامن في الوصل والفصل

١٥٩

المبحث الاول في التقييد بالنعت

١٣٢

تعريف الوصل والفصل في حدود البلاغة

١٥٩

المبحث الثاني في التقييد بالتوكيد

١٣٣

بلاغة الوصل

١٦١

المبحث الثالث في التقييد بعطف البيان

١٣٣

المبحث الأول في إجمال مواضع الوصل

١٦١

المبحث الرابع في التقييد بعطف النسق

١٣٣

٤

الموضوع

الصفحة

الموضوع

الصفحة

المبحث الثاني في مجمل مواضع الفصل

١٦٥

المبحث السادس في أدوات التشبيه

٢١٣

المبحث الثالث في تفصيل مواضع الفصل

١٦٦

المبحث السابع في تقسيم التشبيه باعتبار أداته

٢١٤

الباب التاسع في الإيجاز ، والإطناب ، والمساواة

١٧٧

المبحث الثامن في فوائد التشبيه

٢١٦

المبحث الأول في الإيجاز وأقسامه

١٧٨

التشبيه الضمني

٢١٩

المبحث الثاني في الإطناب وأقسامه

١٨٢

التشبيه المقلوب

٢١٩

المبحث الثالث في المساواة

١٨٨

المبحث في تقسيم التشبيه باعتبار الغرض إلى مقبول وإلى مردود

٢٢١

تطبيق عام على الايجاز والاطناب والمساواة

١٨٩

تطبيق عام على انواع التشبيه

٢٢٤

خاتمه

١٩٢

بلاغة التشبيه وبعض ما أثر منه عن العرب والمحدثين

٢٢٧

علم البيان

الباب الثاني في المجاز

٢٣١

الباب الأول في التشبيه

١٩٩

المبحث الأول في تعريف المجاز وأنواعه

٢٣٢

تعريف التشبيه وبيان أركانه الأربعة

١٩٩

المبحث الثاني في المجاز اللغوي المفرد المرسل وعلاقاته

٢٣٣

المبحث الأول في تقسيم طرفي التشبيه إلى حسي ، وعقلي

٢٠٠

المبحث الثالث في تعريف المجاز العقلي وعلاقاته

٢٣٧

المبحث الثاني في تقسيم طرفي التشبيه باعتبار الإفراد ، والتركيب

٢٠٣

بلاغة المجاز المرسل والمجاز العقلي

٢٤١

المبحث الثالث في تقسيم طرفي التشبيه : باعتبار تعددهما

٢٠٤

المبحث الرابع في المجاز المفرد بالاستعارة

٢٤٢

المبحث الرابع في تقسيم طرفي التشبيه باعتبار وجه الشبه

٢٠٧

المبحث الخامس في تشبيه التمثيل

٢١١

٥

الموضوع

الصفحة

الموضوع

الصفحة

المبحث الخامس في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يذكر من الطرفين

٢٤٥

التورية

٢٩٣

المبحث السادس في الاستعارة باعتبار الطرفين

٢٤٨

الاستخدام

٢٩٥

المبحث السابع في الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار

٢٤٨

الاستطراد

٢٩٦

المبحث الثامن في تقسيم الاستعارة المصرحة باعتبار الطرفين

٢٦٢

الافتنان

٢٩٧

المبحث التاسع في تقسيم الاستعارة باعتبار الجامع

٢٦٣

الطباق

٢٩٧

المبحث العاشر في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يتصل بها من الملاءمات ، وعدم اتصالها

٢٦٥

المقابلة

٢٩٩

المبحث الحادى عشر في المجاز المرسل المركب

٢٦٧

مراعاة النظير

٢٩٩

المبحث الثاني عشرفي المجاز المركب بالاستعارة التمثيلية

٢٦٩

الإرصاد

٣٠٠

بلاغة الاستعارة بجميع أنواعها

٢٧٥

الإدماج

٣٠١

الباب الثالث في الكناية وتعريفها وأنواعها

٢٧٧

المذهب الكلامي

٣٠١

بلاغة الكناية

٢٨٥

حسن التعليل

٣٠٢

أثر علم البيان في تأدية المعاني

٢٨٧

التجريد

٣٠٥

المشاكلة

٣٠٦

المزاوجة

٣٠٧

الطي والنشر

٣٠٧

الجمع

٣٠٨

التفريق

٣٠٩

التقسيم

٣١٠

الجمع مع التفريق

٣١٠

٦

الموضوع

الصفحة

الموضوع

الصفحة

الجمع مع التقسيم

٣١١

لباب الثاني في المحسنات اللفظية

٣٢٩

المبالغة

٣١١

الجناس

٣٢٩

المغايرة

٣١٢

التصحيف

٣٣٧

تأكيد المدح بما يشبه الذم

٣١٣

الازدواج

تأكيد الذم بما يشبه المدح

٣١٤

٣٣٧

التوجيه

٣١٥

السجع

٣٣٧

نفي الشيء بإيجابه

٣١٦

الموازنه

٣٣٨

القول بالموجب

٣١٦

الترصيع

٣٣٩

ائتلاف اللفظ مع المعنى

٣١٧

التشريع

٣٣٩

التفريع

٣١٧

لزوم ما لا يلزم

٣٤٠

الاستتباع

٣١٨

رد العجز على الصدر

٣٤٤

السلب والإيجاب

٣١٨

ما لا يستحيل بالانعكاس

٣٤١

الإبداع

٣١٩

المواربة

٣٤١

الأسلوب الحكيم

٣٢١

ائتلاف اللفظ مع اللفظ

٣٤٢

تشابه الأطراف

٣٢٣

التسميط

٣٤٢

العكس

٣٢٣

الانسجام أو السهولة

٣٤٢

تجاهل العارف

٣٢٤

الاكتفاء

٣٤٣

تطبيق عام على البديع المعنوى

٣٢٦

التطريز

٣٤٣

خاتمة في السرقات الشعرية وما يتبعها

٣٤٥

٧
٨

بسم الله الرحمن الرحيم

لا شك ان علم البلاغة المعاني والبيان والبديع من العلوم التي لها دور فاعل في الفهم الصحيح للمتون الاسلامية خصوصاً الايات والروايات ، ويتوقف على الالمام بها فهم جانب كبيرٍ من اعجاز القران الكريم وادراك عمق بعض المصادر الدينية الخرى كنهج البلاغة والصحيفة السجادية؛

ولهذه الأسباب د أب العلماء منذ القِدك على تأليف الكتب والبحوث القيمة في هذا المجال؛ والتي بدورها تحتوي على فوائد جَمَة.

ومن جملة الآثار الدوّنة في هذا المجال كتاب (جواهر البلاغة) والذي اختارهُ مركز مديرية الحوزة العلمية في قم المقدسة متناً درسياَ لطلابه نظراً لما فيه من الممميزات التي تميزه عن باقي الكتب.

وهذا الكتاب يقدم الابحاث التي يحتاجها طلاب علم البلاغة مقرونة بالمتارين المتعددة التي يرفع قدرة الطالب على تعلم ابحاث الكتاب بشكلٍ جيّد ، ولكنها في بعض الأحيان زائدة عن حدها واكثر مما يحتاجه الطالب ، خصوصاً اذا اخذنا بنظر الاعتبار الوقت المحدد لدراسة الكتاب؛ حيث كان الأستاذة والطالب يعانون مشكلة اساسية تكمن في عدم كفاف الوقت لاتمام الكتاب ، اضافة الى ذلك فأنا قد وجدنا في الكتاب بعذ الأخظاء المطبعية والفنية ـ من حيث الاخراج الغني للكتاب ـ وايضاص وجدنا فيه مداً من المءلف لبعض الأشخاص الذين ثبت اندافهم الفكري.

٩

لذلك قامت معاوينة التعليم فيمركز مديرية الحزوه العلمية في قم المقدسة باعادة النطر في الكتاب واضلاحه سواء على صعيد حذف بعض التماؤين الزائدة او اعادة الأخراج الفني للكتاب او تغيير متن الكتاب في موارد قليله.

بالرغم من ان الكتاب يحتوي على تقاط ضعف في متنه الاصلى الا انّنا ولبعض الاسباب لم نقم بأصلاح علمى لجميع متن الكتاب وبالطبع يجدر بالأساتذه الأعزاء از يشيروا الى الموارد التى تحتوي على اشكالات وينتهوا الطلاب عليها.

ويجدر بيا في هذه المقدمة ان نتقدم بالشكر الجزيل لسماحة حجة الأسلام والمسلمين السيد حميد الجزائري تقديراً له على ما بذله من جهدٍ مبارك في اصلاح الكتاب.

كما ترجوا من الباري تعالى ان تستمر حركة اصلاح المتون الدراسية بما يءثر في تحصّن نظام التعليم في الحزوه وان يتقبل اعمال العاملين في هذا المجال.

معاونية التعليم

مركز مديرية الحزوه العلميه قم

١٠

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حمداً لمن خصَّ سيَّد الرُّسل بكمال الفصاحة بين البَدو والحضَر وانطقهُ بجوامع الكلم فأعجزه بُلغاء رَبيعة ومُضر ، وانزل عليه الكتاب المُفحِم بتحدَّيه مصاقِع (١) بُلغاء الأعراب ، وأتاه بحكمته أسرار البلاغة وَفَصلَ الخطاب ، ومنحهُ الأسلُوب الحكيم (٢) في جوامع كلِمه ، وخصَّ «السّعادة الأبدية» لمُقتفِى آثاره وحِكَمِه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه «جواهر البلاغة» الذين نظموا لآلئ البديع في عُقود الإيجاز والإطناب ، فَفُهنا بعد اللَّكن «بجواهر الإعراب» ونطقنا «بميزان الذهب» وطرزنا سطور الطروس (٣) «بجواهر الأدب» فصارت «المُفرد العَلم» في باب النّسب (وبعد) فإنَّ العلومَ أَرفعُ المطالب ، وأنفع المآرب وعلم البلاغة من بينها أجلُّها شأناً ، وأبينها تبيانا ، إذ هو الكفيل بإيضاح حقائق التنزيل ، وإفصاح دقائق التأويل ، وإظهار «دلائل الاعجاز» ورفع معالم الإيجاز ، ولاشتغالي بتدريس البيان بالمدارس الثانوية ، كانت البواعث داعية إلى تاليف كتاب «جواهر البلاغة» جامعاً للمهمات من القواعد والتطبيقات وأسأل المولى جل شأنه أن ينفع بهذا الكتاب ، وهو المُوفّق للحق والصّواب.

المؤلف

السيد أحمد الهاشمي

__________________

(١) الأسلوب الحكيم والسعادة الأبدية. وجواهر البلاغة. وجواهر الاعراب وجواهر الأدب ، وميزان الذهب. والمفرد العلم ـ الواردة في هذه الخطبة أسماء بعض كتب مطبوعة لمؤلف هذا الكتاب. وغيرها من القواعد الأساسية للغة العربية. ومختار الأحاديث النبوية والحكم المحمدية. والسحر الحلال في الحكم والأمثال.

١١
١٢

تمهيد

لما وضع «علم الصرف» للنظر في أبنية الألفاظ ووضع علم النحو للنظر في إعراب ما تركب منها وضع «البيان (١)» للنظر في أمر هذا التركيب ، وهو ثلاثة علوم :

العلم الأول : ما يحترز به عن الخطأ في تأديه المعنى الذي يريده المتكلم لإيصاله إلى ذهن السامع ، ويسمى «علم المعاني».

العلم الثاني : ما يحترز به عن التعقيد المعنوي أي عن أن يكون الكلام غير واضح الدلالة على المعنى المراد ، ويسمى «علم البيان».

العلم الثالث : ما يراد به تحسين الكلام ويسمى علم البديع فعلم البديع تابع لهما إذ بهما يعرف التحسين الذاتي ، وبه يعرف التحسين العرضي.

والكلام باعتبار «المعاني والبيان» يقال إنه :

«فصيح» من حيث اللفظ ـ لأن النظر في الفصاحة إلى مجرد اللفظ دون المعنى.

«وبليغ» من حيث اللفظ والمعنى جميعاً لأن البلاغة ينظر فيها إلى الجانبين (٢).

__________________

(١) علم البيان في اصطلاح المتقدمين من ائمة البلاغة يطلق على فنونها الثلاثة من باب التسمية الكل باسم البعض وخصه المتاخرون بالعلم الباحث عن المجاز والاستعارة. والتشبية والكناية والغرض منه صوغ الكلام بطريقة تبين ما في نفس المتكلم من المقاصد ، وتوصل الاثر الذي يريده إلى نفس السامع.

(٢) وبيان ذلك أن الفصاحة تمام آلة البيان فهي مقصورة على اللفظ لأن الآلة تتعلق باللفظ دون المعنى فإذن هي كمال لفظي توصف به الكلمة والكلام. والبلاغة إنما هي انهاء المعنى في القلب فكأنها مقصورة على المعنى ، ومن الدليل على أن الفصاحة تتضمن اللفظ. والبلاغة تتناول المعنى. أن الببغاء يسمى فصيحا ولا يسمى

١٣

وأما باعتبار البديع فلا يقال إنه فصيح ولا بليغ ، لأن البديع أمر خارجي يراد به تحسين الكلام لا غير.

إذا تقرر ذلك ، وجب على طالب البيان أن يعرف قبل الشروع فيه معرفة معنى «الفصاحة والبلاغة» لأنهما محوره ، وإليها مرجع أبحاثه.

فهما الغاية التي يقف عندها المتكلم والكاتب ، والضالة التي ينشدانها وما عقد أئمة البيان الفصول. ولا بوبوا الأبواب ، إلا بغية أن يوقفوا المسترشد على تحقيقات ، وملاحظات ، وضوابط ، إذا روعيت في خطابه. أو كتابه. بلغت الحد المطلوب من سهولة الفهم ، وإيجاد الأثر المقصود في نفس السامع ، واتصفت من ثم بصفة الفصاحة (١) والبلاغة.

__________________

بليغا ، إذ هو مقيم الحروف وليس لها قصد إلى المعنى الذي يؤديه وقد يجوز مع هذا أن يسمى الكلام الواحد فصيحاً بليغاً إذا كان واضح المعنى سهل اللفظ جيد السبك غير مستكره فج ، ولا متكلف وخم ، ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء لما فيه من ايضاح المعنى وتقويم الحروف. واعلم أن الفصيح من الألفاظ هو الظاهر البين ، وإنما كان ظاهراً بيناً لأنه مألوف الاستعمال ، وإنما كان مألوف الاستعمال بين النابهين من الكتاب والشعراء لمكان حسنه ، وحسنه مدرك بالسمع ، والذي يدرك بالسمع انما هو اللفظ لانه صوت يتألف من مخارج الحروف فما استلذه السمع منه فهو الحسن ، وما كرهه فهو القبيح والحسن هو الموصوف بالفصاحة والقبيح غير موصوف بالفصاحة ، لأنه ضدها لمكان قبحه.

(١) يرى الإمام عبد القاهر الجرجاني وجمع من المتقدمين أن الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة ألفاظ مترادفة لا تتصف بها المفردات ، وإنما يوصف بها الكلام بعد تحري معاني النحو فيما بين الكلم حسب الأغراض التي يصاغ لها.

وقال أبو هلال العسكري في كتاب الصناعتين الفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد : وإن اختلف أصلاهما. لأن كل واحد منهما انما هو الابانة عن المعنى والاظهار له. وقال الرازي في نهاية الإيجاز وأكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين الفصاحة والبلاغة : وقال الجوهري في كتابه الصحاح الفصاحة هي البلاغة.

١٤

مقدمة (١)

(في معرفة الفصاحة والبلاغة)

الفصاحة

الفصاحة : تطلق في اللغة على معان كثيرة منها البيان والظهور قال الله تعالى : (وأخي هارون هو أفصح مِنِّي لساناً) أي أبين منِّي منطقاً وأظهر منَّي قولاً. ويقال : أفصح الصبي في منطقه. إذا بان وظهر كلامه. وقالت العرب : أفصح الصبح. إذا أضاء ، وفصح أيضا. وأفصح الأعجمي : إذا أبان بعد أن لم يكن يُفصح ويُبين. وفصح اللحان. إذا عبر عما في نفسه. وأظهره على وجه الصواب دون الخطأ.

والفصاحة : في اصطلاح أهل المعاني ، عبارة عن الألفاظ البينة الظاهرة ، المتبادرة إلى الفهم ، والمأنوسة الاستعمال بين الكتاب والشّعراء لمكان حسنها.

__________________

(١) مقدمة مشتقة من قدم اللازم ، وهذه مقدمة كتاب لأنها ألفاظ تقدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه بخلاف مقدمة العلم فهي معان يتوقف الشروع عليها كبيان حد العلم المشروع فيه. وموضوعه. وغايته.

واعلم أن علوم البلاغة أجل العلوم الأدبية قدراً. وأرسخها أصلا. وأبسقها فرعا وأحلاها جنى. وأعذبها وردا. لانها العلوم التي تستولي على استخراج درر البيان من معادنها. وتريك محاسن النكت في مكامنها. (ولولاها لم تر لسانا يحوك الوشي ، ويلفظ الدر ، وينفث السحر ، ويريك بدائع الزهر ، وينثر بين يديك الحلو اليانع من الثمر) فهي الغاية التي تنتهي إليها أفكار النظار ، واللالئ التي تتطلبها غاصة البحار لهذا كانت منزلتها تلو العلم بتوحيد الله تعالى.

١٥

وهي تقع وصفا للكلمة ، والكلام ، والمتكلّم ، حسبما يعتبر الكاتب اللفظة وحدها. أو مسبوكة مع أخواتها.

فصاحة الكلمة

تتحقّق فصاحة الكلامة بسلامتها من أربعة عيوب.

(١) خلوصها من تنافر الحروف : لتكون رقيقة عذبة. تخف على اللسان ، ولا تثقل على السمع ، فلفظ أسد ، أخف من لفظ فدوكس!.

(٢) خلوصها من الغرابة ، وتكون مألوفة الاستعمال.

(٣) خلوصها من مخالفة القياس الصرفي ، حتى لا تكون شاذة.

(٤) خلوصها من الكراهة في السمع (١).

أما تنافر الحروف؛ فهو وصف في الكلمة يوجب ثقلها على السمع. وصعوبة أدائها باللسان : بسبب كون حروف الكلمة متقاربة المخارج وهو نوعان :

١. شديد في الثقل كالظش (للموضع الخشن) ونحو : همخع لنبت ترعاه الإبل من قول أعرابي :

تركت ناقتي ترعى الهمخع

٢. وخفيف في الثقل كالنقنقة «لصوت الضفادع» والنقاخ «للماء العذب الصافي» ونحو : مستشزرات «بمعنى مرتفعات» من قول امرئ القيس يصف شعر ابنة عمه :

_________________

(١) ففصاحة الكلمة تكونها من حروف متآلفة يسهل على اللسان نطقها من غير عناء ، مع وضوح معناها ، وكثرة تداولها بين المتكلمين وموافقتها للقواعد الصرفية ومرجع ذلك الذوق السليم ، والالمام بمتن اللغة ، وقواعد الصرف وبذلك تسلم مادتها وصيغتها. ومعناها من الخلل واعلم أنه ليس تنافر الحروف يكون موجبه دائما قرب مخارج الحروف. إذ قربها لا يوجبه دائما كما أن تباعدها لا يوجب خفتها فها هي كلمة «بفمي» حسنة ، وحروفها من مخرج واحد وهو الشفة ، وكلمة «ملع» منتافرة ثقيلة ، وحروفها متباعدة المخارج ، وأيضاً ليس موجب التنافر طول الكلمة وكثرة حروفها.

١٦

غدائره مستشزراتٌ إلى العلا

تضل العقاص في مُثنَّى ومرسل (١)

ولا ضابط لمعرفة الثقل والصعوبة سوى الذوق السليم ، والحس الصادق الناجمين عن النظر في كلام البلغاء وممارسة أساليبهم (٢).

واما غرابة الاستعمال ، فهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب الفصحاء ، لان المعول عليه في ذلك استعمالهم.

_________________

(١) «الغدائر» الضفائر ، والضمير يرجع إلى (فرع) في البيت قبله (والاستشراز) الارتفاع (والعقاص) جمع عقيصة وهي الخصلة من الشعر (والثنى) الشعر المفتول (والمرسل) ضده أي ابنة عمه لكثرة شعرها بعضه مرفوع ، وبعضه مثنى ، وبعضه مرسل ، وبعضه معقوص : أي ملوي.

(٢) الألفاظ تنقسم إلى ثلاثة أقسام قسمان حسنان ، وقسم قبيح ، فالقسمان الحسنان : أحدهما ما تداول استعماله السلف والخلف من الزمن القديم إلى زماننا هذا ولا يطلق عليه أنه وحشي ، والآخر ما تداول استعماله السلف دون الخلف ، ويختلف في استعماله بالنسبة إلى الزمن واهله وهذا هو الذي يعاب استعماله عند العرب لأنه لم يكن عندهم وحشيا وهو عندنا وحشي.

ولا يسبق وهمك إلى قول قصراء النظر بأن العرب كانت تستعمل من الألفاظ كذا وكذا فهذا دليل على أنه حسن ، بل ينبغي أن تعلم أن الذي نستحسنه نحن في زماننا هذا ، هو الذي كان عند العرب مستحسناً ، والذي نستقبحه هو الذي كان عندهم مستقبحا والاستعمال ليس بدليل على الحسن ، فاننا نحن نستعمل الأن من الكلام ما ليس بحسن ، وإنما نستعمله لضرورة ، فليس استعمال الحسن بممكن في كل الأحوال واعلم أن استحسان الألفاظ واستقباحها لا يؤخذ بالتقليد من العرب لانه شيء ليس للتقليد فيه مجال ، وإنما هو شيء له خصائص وهيئات وعلامات إذا وجدت علم حسنه من قبحه ألا ترى أن لفظة (المزنة) مثلا حسنة عند الناس كافة من العرب وغيرهم ، فاذا استعملتها العرب لا يكون استعمالهم إياها مخرجا لها عن القبح ، ولا يلتفت إذن إلى استعمالهم إياها بل يعاب مستعملها ويغلظ له النكير حيث استعملها فلا تظن ان الوحشي من الألفاظ ما يكرهه سمعك ويثقل عليك النطق به وانما هو الغريب الذي يقل استعماله ، فتارة يخف على سمعك ولا تجد به كراهة ، وتارة يثقل على سمعك وتجد منه الكراهة ، وذلك في اللفط عيبان كونه غريب الاستعمال وكونه ثقيلا على السمع كريها على الذوق. وليس وراءه في القبح درجة أخرى ، ولا يستعمله إلا أجهل الناس ممن لم يخطر بباله شيء من معرفة هذا الفن أصلا. انتهى عن المثل السائر بتصرف.

١٧

والغرابة قسمان :

القسم الاول : ما يوجب حيرة السامع في فهم المعنى المقصود من الكلمة : لترددها بين معنيين أو أكثر بلا قرينة.

وذلك في الألفاظ المشتركة «كمسّرج» من قول رؤبة بن العجاج :

ومسقلةً وحاجباً مزججا

وفاحماً ومرسنا مسرّجا (١)

فلا يعلم ما أراد بقوله «مسرَّجا» حتى اختلف أئمة اللغة في تخريجة.

فقال «ابن دريد» يريد ان انفه في الاستواء والدقة كالسيف السّريجي. وقال «ابن سيده» يريد انه في البريق واللمعان كالسراج (٢). فلهذا يحتار السامع في فهم المعنى المقصود لتردد الكلمة بين معنيين بدون «قرينة» تعين المقصود منهما. فلأجل هذا التردد ، ولأجل أن مادة (فعل) تدل على مجرد نسبة شيء لشيء ، لا على النسبة التشبيهية : كانت الكلمة غير ظاهرة الدلالة على المعنى. فصارت غريبة.

وأما مع القرينة فلا غرابة كلفظة «عزَّر» في قوله تعالى : (فالذين امنوا وعزروه ونصروه) فانها مشتركة بين التعظيم والإهانة. ولكن ذكر النصر قرينة على ارادة التعظيم.

_________________

(١) «مزججا» مدققا مطولا (فاحما) شعرا اسود كالفحمة (مرسنا) بكسر الميم وفتح السين كمنبر او بفتح الميم وكسر السين كمجلس ومعناه انفاذا لمعان كالسراج أو ذا صقالة واحد يداب كالسيف السريجي أي المنسوب إلى سريج وهو قين حداد تنسب إليه السيوف في الدقة والاستواء.

(٢) أي ولفظة مسرج غير ظاهر الدلالة على ما ذكر ، لأن فعل إنما يدل على مجرد النسبة ، وهي لا تدل على التشبيه ، فاخذه منها بعيد لهذا أدخل الحيرة على السامع في فهم المعنى المقصود من الكلمة لترددها معنين أو أكثر بلاقرينة ، ومثله قول الشاعر :

لو كنت أعلم أن آخر عهدكم

يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل

فلا يعلم ماذا أراد الشاعر بقوله فعلت ما لم أفعل ، أكان يبكي إذ رحلوا ، أم كان يهيم على وجه من الغم الذي لحقه ، أم يتبعهم إذا ساروا ، أم يمنهم من المغي على غزمة الرحيل.

١٨

القسم الثاني : ما يعاب استعماله لاحتياج إلى تتبع اللغات وكثرة البحث والتفتيش في المعاجم «قواميس متن اللغة المطولة» :

أ ـ فمنه ما يعثر فيها على تفسير بعد كدّ. وبحث نحو : تكأكأتم «بمعنى اجتمعتم» من قول عيسى بن عمرو النَّحوي :

مالكم تكأكأتم عليّ ، كتكأكئكم على ذي جنة (١) إفر نقعوا عنّي (٢) ونحو (مشمخر) في قول : بشر بن عوانة. يصف الأسد :

فخر مدرَّجاً بدم كأني

هدمت به بناء مشمخرا

ب ـ ومنه ما لم يعثر على تفسيره نحو (جحلنجع) من قول ابي الهميسع

من طمحة صبيرهاجحلنجع (٣)

لم يحضها الجدول بالتنوع

واما مخالفة القياس : فهو كون الكلمة شاذَّة غير جارية على القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب؛ بأن تكون على خلاف ما ثبت فيها عن العرف العربي الصحيح (٤)

___________________

(١) جنون.

(٢) انصرفوا وقال ذلك حين سقط عن دابته فاجتمع الناس حوله.

(٣) الطمحة النظرة ، والصبير السحاب المتراكم وقبله

إن تمنعي صوبك صوب المدمع

يجري على الخد كضئب الثعثع

الضئب الحب والثعثع اللؤلؤ قال صاحب القاموس ذكروا جحلنجع ولم يفسروه ، وقالوا كان ابو الهميسع من أعراب مدين ، وكنا لا نكاد نفهم كلامه.

(٤) ما استثناه الصرفيون من قواعدهم المجمع عليها وان خالف للقياس «فصيح» فمثل (آل وماه) أصلها أهل وموه أبدلت الهاء فيهما همزة ، وابدال الهمزة من الهاء وإن كان على خلاف القياس إلا أنه ثبت عن الواضع ومثل (أبي يأبى) بفتح الباء في المضارع والقياس ، كسرها فيه لأن فعل بفتح العين لا يأتي مضارعه على يفعل بالفتح إلا إذا كان عين ماضيه او لامه حرف حلق كسال ونفع ، فمجيئ المضارع بالفتح على خلاف القياس ، الا ان الفتح ثبت عن الواضع ومثل (عور يعور) أي فالقياس فيهما عار يعار بقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فتصحيح الواو خلاف القياس إلا أنه ثبت عن الواضع.

١٩

مثل (الأجلل) في قول أبي النجم :

ألحمد لله العلي الأجلل

الواحد الفرد القديم الأوَّل

فإن القياس (الأجل) بالادغام ، ولا مسوّغ لفكّه وكقطع همزة وصل «اثنين» في قول جميل :

ألا لا أرى إثنين أحسن شيمةً

على حدثان الدَّهر منَّى ومن جمل (١)

ويستثنى من ذلك ما ثبت استعماله لدى العرب مخالفاً للقياس ولكنه فصيح.

لهذا لم يخرج عن الفصاحة لفظتا (المشرق والمغرب) بكسر الراء ، والقياس فتحها فيهما ، وكذا لفظتا (المُدهُن والمنخُل) والقياس فيهما مِفْعَل بكسر الميم وفتح العين وكذا نحو قولهم (عَوِر) والقياس عارَ : لتحرك الواو وانفتاح ما قبلها.

واما (الكراهة في السمع) فهو كون الكلمة وحشية ، تأنفها الطباع وتمجها الاسماع ، وتنبو عنه ، كما ينبو عن سماع الأصوات المنكرة.

(كالجرشى للنفس) في قول أبي الطيب المتنبي يمدح سيف الدولة

مبارك الإسم أغرُّ اللقب

كريم الجرشَّى شريف النَّسب

وملخَّص القول أن فصاحة الكلمة تكون بسلامتها من تنافر الحروف ومن الغرابة. ومن مخالفة القياس. ومن الابتذال. والضعف.

فاذا لصق بالكلمة عيب من هذه العيوب السابقة وجب نبذها واطراحها.

تطبيق

ما الذي أخل بفصاحة الكلمات فيما يأتي :

قال يحيى بن يعمر : لرجل حاكمته امراته إليه «أئن سالتك ثمن شكرها وشبرك ، اخذت تطلها وتضهلها (٢).

___________________

(١) الشيمة الخلق ، والحدثان نوائب الدهر ، وجمل فرسه.

(٢) الشكر الرضاع والشبر النكاح وتطلها تسعي في بطلان حقها وتضهلها تطيها الشيء القليل.

٢٠