بدايع الاصول

السيد علي الشفيعي

بدايع الاصول

المؤلف:

السيد علي الشفيعي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات خوزستان
المطبعة: مطبعة الهادي
الطبعة: ٠
ISBN: 964-6511-21-x
الصفحات: ٢٥٦

١
٢

٣

بسم الله الرّحمن الرحيم

المقدمة : الحمد لله الذي لا إله غيره ولا معبود سواه. والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رسوله ومصطفاه. وعلى ابن عمه علي عليه‌السلام خليفته ومرتضاه. وعلى آله وعترته التابعين لسنته وهداه.

أما بعد. فهذا الذي يقدّم (أيها القارئ الكريم) اليك ويعرض في هذه المجموعة عليك هو قسم كبير من دورة علم أصول الفقه تلقّيته من أبحاث سيدنا الأستاذ المحقق العلّامة الفقيه الأصولي الأديب المفسّر المتكلم الحكيم مثال الورع والتقوى والمعرض عن زخارف الدنيا المرجع الكبير آية الله العظمى المرحوم المغفور له الحاج السيد علي الموسوي البهبهاني قدّس الله أسراره وأبقى الله آثاره. ألقاها في مجلس درسه الشريف في حوزته العلمية ببلدنا (الأهواز) مركز محافظة (خوزستان) الايرانية الاسلامية. كتبتها وجمعتها ثم حرّرتها ودوّنتها ولكن لم تتهيأ الظروف لطبعها ونشرها (والأمور مرهونة بأوقاتها) والآن قد وفقني الله سبحانه وتعالى لذلك تعميما لفائدتها وتخليدا لذكرى هذا الأستاذ العظيم وأداء لبعض ما علىّ من حقوقه الكثيرة وعناية بما له قدس‌سره من المباني الرقيقة والنظرات الرائعة التي لم تنشر في الأرجاء العلمية والحوزات الدينية كما هو حقها ويليق بأهلها. فارجوا أن تقع هذه الصحائف من قبل أهل العلم والفضيلة موقع البحث والتنقيب والنقد والتحقيق.

هذا وإنّي أرى من المناسب في هذه التقدمة ذكر عدة نكات :

١ ـ إنّني قد استفدت من درس أستاذنا المحقق قدس‌سره سنين عديدة في العلوم الأدبية والسطوح العالية وقسما من المعقول وذلك قبل هجرتي الى النجف الأشرف وكان بدء حضوري عليه في الدرس الخارج وكتابة إفاداته وتقريراته عقيب رجوعي وعودتي

٤

الأولى من العراق الى ايران ولكن حيث كنت بين آونة وأخرى أعود الى تلك الحوزة المقدسة العلوية فكنت أحضر مجلس الأستاذ قدس‌سره ما دمت في حوزة الأهواز العلميّة ومنقطعا عن الحضور عليه في أزمنة عودتي الى جوار أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين ولهذا وذاك يرى المطالع في كتابنا هذا ان العديد من مباحث الأصول غير موجود فيه. منها ما يلي :

الأول. انه بعد مبحث الصحيح والأعم (ص ٩٩) ينتقل الكلام الى مبحث العموم والخصوص وبذلك يفقد بين المبحثين عدة من مباحث الألفاظ.

الثاني. بعد ذكر مسائل من العموم والخصوص تواجه مبحث حجية الظن (ص ١٩٠) مع ان ما بينهما كثير من مباحث الألفاظ الى المطلق والمقيد والمجمل والمبين وكذا مبحث القطع ومسائله.

الثالث. آخر المسائل الأصولية في هذا الكتاب هو مبحث الظن في أصول الدين اذ كان هناك آخر حضوري المستمر على مائدة الأستاذ قدس‌سره العلمية حيث انقطعت عنها لأجل اشتغاله قدس‌سره بأمور أخرى من مشاغله العلمية والمرجعية أوجبت اختلال درسه الخارج ثم انتقاله قدس‌سره الى اصفهان باستدعاء أهالي ذلك المكان كل سنة حوالي ستة أشهر ثم لا أدري الى متى وصل بحثه الشريف في تدريسه وظنّي انّه قدس‌سره لم يصل الى آخر الأصول.

٢ ـ كان ابتداء هذه الدورة من الأصول باستدعاء منّي واقتراحي على سماحة الأستاذ فوقع منه موقع القبول وبعد فراغه من مبحث القطع من رسائل الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره الذي كان يشتغل بتدريسه كالسطح العالي على تلامذته شرع بالتدريس الاجتهادي من مبحث الظن على أن يكون محور الدرس ومداره هو كتاب الرسائل نفسه.

وبعد مدة دام الأمر كذلك فجع السيد الأستاذ بوفاة ولده الشاب الصالح التقي المرحوم السيد محمد تقي فانقطع الدرس والبحث لمدة أثناء مسائل الظن في أصول الدين. ثم لما عاد الأستاذ المحقق الى مشاغله وشئونه العلمية صار نظره الشريف الى الشروع من أول مباحث الألفاظ على ترتيب كتاب قوانين الأصول للمحقق القمي قدس‌سره فاستفدنا وكتبنا درسه الى

٥

بعض مباحث العموم والخصوص وبعد ذلك حرمنا من مداومة الاشتغال حسبما أشرنا اليه آنفا. ولكني في مقام تدوين هذه المباحث جعلت المسائل المحررة والمقررة على ترتيب كتب الأصول فقدمت ذكر مباحث الألفاظ وأخّرت باب الظنون والامارات والأصول كما يشاهده المراجع الى محتويات الكتاب.

٣ ـ إنّني في عهد اشتغالي ودراساتي كنت أكتب إفادات الأساتيذ العظام في حين الدرس والمحاضرة ثم أجدّد النظر والمراجعة اليها في كتابتها وتبييضها (ومنها هذه المجموعة) ولذلك فإنّي واثق بأنه لم يشذ مني شيء من إفاضات أساتيذي الكرام ـ والحمد لله ـ إلّا ما لم أكتبه من أصله أو لم أوفق لحضوره.

٤ ـ حينما شرعت بالتلقي والكتابة لدروس الأستاذ المحقق قدس‌سره كنت أقرأ على سماحته ـ ليلا ـ ما أكتبه من دروسه نهارا وكان قدس‌سره يفرح ويبتهج بها مصرحا باستيعابها لنكات الدرس ودقائقه لكن لم يطل العهد بذلك لأجل حوادث وسوانح عرضت فحالت بيننا وبين هذا الأمر. ولكن فيما وقع كفاية. والحمد لله على التوفيق والهداية.

٥ ـ بما ان هذه الدروس والمحاضرات قد ألقيت ثم كتبت قبل مدة تقرب من أربعين سنة قبل هذا (عام ١٣٨٤ ه‍. وما بعده) فكان من اللازم المراجعة اليها من جديد واضافة بعض النكات والنقاط اليها ، لكني اكتفيت بمراجعة اجمالية اعدادا لنشر الكتاب وطبعه فأضفت بعض التعليقات الطفيفة توضيحا مع ذكر مواضع الآيات القرآنية والروايات الشريفة ومنابع الأقوال والكلمات لا بالنحو الكامل وذلك لعدم وجود بعض الكتب والمنابع عندي عاجلا وعدم الحاجة الماسّة الى ذلك في البعض الآخر كما انّي أغمضت عن التطويل وعن ذكر ما عندي من وجهات النظر والمناقشات في مختلف البحوث ومسائل الكتاب.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

المؤلف المقرر : السيد علي الشفيعي

١٢ شعبان المعظم ١٤٢٢ ه‍.

٦

الفقه في اللغة والاصطلاح

ينبغي التبرك والتيمن بتقديم تعريف الفقه (١) على الأصول حتى يتزيّن الثاني بالأول فنقول :

قد عرف الفقه بعضهم بأنّه في اللغة الفهم ولا يخفى أن هذا لا يصح لو أرادوا بذلك انّهما مترادفان حيث أنه قد يستعمل في مورد لم يكن لاستعمال الفهم فيه مجال أصلا.

أما الفهم فيطلق بالنسبة الى دقايق الأمور فلا يكون عبارة عن مطلق الادراك وأما الفقه فهو الحذاقة والبصيرة التامة على ما يظهر من موارد استعمالاته ومنه قوله عليه‌السلام في الحديث (لا يفقه العبد كل الفقه. الخ) أي لا تحصل له البصيرة التامة إلّا بعد مراحل وهذا هو الوجه في تقسيم المتقدمين له الى الفقه الأكبر والفقه الأصغر يعنون بالأول أصول الدين وبالثاني فروعه اذ المطلوب في المسائل الاعتقادية إنّما هو بصيرة زائدة على البصيرة المطلوبة في ساير الفنون.

وأما الفقه في الاصطلاح فقد عرّف بأنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية (٢) فهنا مقدمة ومباحث.

المقدمة. ان أرباب الفنون أخذوا العلم في التعاريف إلّا المنطق حيث عرفوه بأنّه آلة قانونية مع أن الفنون عبارة عن نفس القواعد لا العلم بها والمبحوث عنه هي

__________________

(١ و ٢). راجع للتعرف على ذلك كتب اللغة ومجاميع الأصول كالمعالم والقوانين والفصول وغيرها.

٧

المسائل لا العلم بها والعلم بقواعد التصريف والنحو والفقه والأصول وغيرها ليس نفس هذه الفنون بل نفس القواعد ومما يدلك على هذا انّه لو صح ما ذكروه لكان معنى قولك فلان يعلم النحو أي يعلم العلم فكل ما أخذ العلم في تعريفه غير منطبق على المحدود وقد تنبّه لذلك شارح الشمسية حيث أفاد أن الفنون ليست إلّا مسائلها وهي حقيقة كل علم والعجب من السيد الشريف حيث ذكر في تعليقته عليه ان لأسامى الفنون اطلاقين أحدهما على المسائل كقولك علمت النحو أي مسائله والثاني على العلم بها.

أقول. ان وضع الأسامي للفنون انما هو باعتبار مسائلها فلا بد وان يكون التعريف ناظرا الى المسائل التي هي المبحوث عنها ولو لا غرض البحث لما كان لجعل أسامي الفنون مجال وهذا هو الوجه في جعل الكلمة والكلام موضوعا للنحو فانّ النحو هو المسائل لا العلم بها وإلّا لزم ان يكون موضوعه العالمين به ولكن لما كان العلم سببا للبحث عن المسائل كان اطلاق العلم على المسائل تجوزا فانّه قد يكون عبارة عن مسائل ليس النظر العلمي اليها ولم يؤسس لأن يدرك لغاية وهذا بخلاف قواعد النحو حيث تأسست للاطلاع عليها حتى يحصل العلم بحال الفروع فهذا الذي ذكر مجاز من باب اطلاق العدل على زيد للمبالغة فانه لو قطع النظر عن العلم كانت المسائل كأنها ساقطة عن الفنية. والمقام كذلك أيضا. والحاصل ان هذا خلط من متصدى التعاريف بين العلم والمعلوم نعم انه قد تنبه الشارح الرضي فانه لما قال ابن الحاجب (الصرف علم بأصول) قال الشارح في ذيله الحق أن التصريف هي الأصول لا العلم بها.

وأما المباحث فهي ثمان أو تسع : الأوّل. قد ذكر للعلم معاني عديدة. منها اليقين والعرفان والادراك الجامع

٨

بينهما والحال والملكة والحق انّها ليست معاني متعددة للفظ واحد والعجب انهم قد جعلوا هذه خصوصيات مستقلة. بل ان للعلم معنى جامعا والمذكورات مصاديقه أما الادراك فليس معنى له اذ الأصل فيه هو الوصول كما في الحديث من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله وفي الدعاء يا مدرك الهاربين والصبي بلغ وأدرك أي وصل الى حد التكليف وأما اطلاقه على العلم فانّما هو باعتبار الوصول المعنوي في قبال الجاهل البعيد عن الحقائق فالادراك منطبق على العلم لا ان العلم هو الادراك. وأما اليقين والعرفان فهما قسمان من العلم اذ الانكشاف قسمان ثبوتي وتميزي فان الشيء قد يكون مبهما غير متميز عن غيره فلمّا ارتفع الابهام وحصلت المعرفة به صار متميزا فالعرفان هنا راجع الى الانكشاف التميزي وأما في القضايا كقولك زيد عادل فما لم يثبت كان مبهما مترددا بين ثبوتها له وعدمه واذا انكشف انكشف ثبوتها له والجامع هو الانكشاف وهكذا الحال في الملكة والحال بل هو أعجب فيهما فانّه لو كان العلم راسخا كان ملكة وإلّا كان حالا ولا معنى لتوهم انّهما معنيان.

وأما الصورة الحاصلة. فهذا باطل برأسه فانّ العلم لغة هو الانكشاف في مقابل الجهل ولا يصح ان يقال علمت بمجرد تصور شيء وإلّا لكان كل جاهل عالما بمسائل الفقه لتصوره الحلال والحرام. نعم. قد توهم التفتازاني ان هذا المعنى للعلم اصطلاح المنطقيين وان العلم هو الصورة الحاصلة من الشيء فادرج فيه الظن والشك والوهم بل وحتى الجهل ـ ولكن لا يخفى أن تبديل المنطقي المعنى من عام الى خاص أو بالعكس انّما هو باعتبار ان المفهوم عنده غير مطابق للمفهوم اللغوي وإلّا فلو كانا مطابقين لم يجز التبديل ومن المعلوم ان موضوع البحث للمنطقي هو المعرّف والحجة ولذا ليس مجرد تصور المنطق هو الصورة الحاصلة فان التصور نظري وضروري وإلّا فلو كان التصور هو الخطور لكان خطور الملك والجنّ بديهيا والحال ان المعرفة هو الحقيقة بمعنى أن حقيقتهما مخفية. وأما الحرارة والبرودة فحقيقتهما واضحة. والحاصل

٩

ان تفسير المعنى اللغوي للعلم بالصورة الحاصلة كما صنعه التفتازاني ليس إلّا باعتبار ذهابه الى ثبوت دلالة الألفاظ على المعاني بلا فرق بين ارادة المتكلم وعدمها خلافا للمحققين حيث جعلوها تابعة للارادة على ما سيجيء تفصيله فهو قد زعم ان المراد بالعلم هو مطلق التصور فإذا قيل زيد فقد خطر في الذهن اراده المتكلم أو لم يرده. والنتيجة انّ الخطور ليس معنى لغويا للعلم وتفسير المنطقي له بذلك لا ربط له بالمفهوم اللغوي فانّ بحثه انّما هو عن المعرف والحجة نعم ان المنشأ في وروده هو اطلاق التصور الذي يطلق على كل من الخطور والمعرفة ولذا كان موضوعه المعرف والحجة لتعلق غرضه باستكشاف الأمور النظرية من الضرورية تصورا كان أو تصديقا لا استكشاف خطور عن خطور. فقد تبين من ذلك كله ان المعنى الجامع للعلم هو الانكشاف وما دون ذلك فهو مصداق لهذا المعنى وفرد له.

الثاني. ذكروا للحكم معاني عديدة.

ولكن كل ذلك مصاديق لمعنى واحد وليست متباينة اذ المحكم في اللغة هو المتقن الغير المتزلزل والإحكام هو الاتقان تقول جدار محكم أي مصون عن الخلل والحكيم من أتقن أفعاله وأقواله والحاكم من يتقن الحكم ويخرجه عن الترديد والحكمة تطلق على المطالب المتقنة الواقعية فلا اختصاص لها بالفلسفة وحكمت أي اتقنت الأمر وهذا هو الوجه في اطلاق الحكم على العلم اذ الجاهل متزلزل في القضايا والمباحث ولا يستحكمها إلّا بعد صيرورته عالما وهكذا الأحكام التكليفية في الفقه فانّ الأفعال بعد خروجها عن التردد بين الوجوب والحرمة وغيرهما واستقراره في أحدها تتصف بصفة الحكم وهكذا باقي المعاني فاللازم هو التأمل التام حتى لا يختلط الأمر بين الانطباق على الموارد وبين كونها معاني مختلفه.

وأما الحكم الشرعي فالمراد منه على ما فسروه هو ما من شأنه أن يؤخذ من

١٠

الشارع والأخذ هنا البيان أي مأمن شأنه أن يبيّنه الشارع وهذا إما تأسيس منه أو تقرير أو ارشاد والتعريف المذكور أعم من الثلاثة والمقصود هو ان الحكم الشرعي ما كان منسوبا بأحد الوجوه الى الشارع من حيث انّه شارع وعلى هذا فالأحكام العقلية الصرفة خارجة عن التعريف. وأما تفسير الأمور الثلاثة المذكورة فالتقرير عبارة عما للشارع أن يتصرف فيه امضاء وردا كما في اقراره البيع ورده الربا وأما الارشاد فهو في مورد ليس فيه للتقرير مجال كالتوحيد والرسالة والإمامة لاستقلال العقل بلزوم ارسال الرسول لابلاغ الشريعة ويترتب عليه لزوم الوصي بعده.

الثالث. المقصود من الفرعية هو ما يتعلق بالعمل بلا واسطة فتخرج بها الأصلية التي هي ما لا يتعلق بالعمل بلا واسطة بأن لم يكن هناك تعلق أو كان لكن مع الواسطة. وهنا اشكالان.

الاشكال الأول. ان بعضا من الفرعيات ما لا تعلق له بالعمل مثلا انّ الماء مطهر من الخبث (وأما مطهريته من الحدث فترجع الى الغسل والوضوء والتيمم) مع ان ازالة الماء للخبث لا يتوقف على عمل انسان فإنّ الماء طاهر ومطهر وهكذا الحال في نجاسة الاعيان النجسة كالكلب وأخويه وكذلك باب ارث الأولاد مثلا وكمية استحقاقهم منه.

والاشكال الثاني. ان العمل اما أعم من عمل الجوارح والقلب أو يخص الجوارح وعلى الثاني يلزم خروج بعض الفرعيات كالتكبر والحسد ونية العبادات.

وعلى الأول. تدخل الأحكام الأصولية لتعلقها بالاعتقاد.

والجواب. أما عن الأول. فالذي يوقع في الاشكال هو تفسير التعلق هنا بالعروض فيستشكل بأن معروض بعض الفرعيات ليس هو العمل فانّ الكلب مثلا معروض النجاسة لا العمل. ولكنا نقول انه ليس التعلق عبارة عن العروض بل هو

١١

عبارة عن حصول العلقة بين شيء وآخر فيكون العمل متعلقا به وتوضيح ذلك أن التعلق قد يكون بالعروض وقد يكون بالغاية والمراد به هنا الثاني فيكون المقصود هنا أن المنظور من الحكم هو العمل به فالغاية من كون الكلب نجسا ليست هي الاعتقاد بذلك بل المقصود منه العمل أعنى الاجتناب. وكذا بالنسبة الى ساير الموارد والأمثله.

وأما الجواب. عن الاشكال الثاني. فبأنّ المراد بالعمل هو ما يطابق الاعتقاد كما هو الشائع فالعمل وان كان عاما بالنسبة الى عمل القلب والجوارح إلّا أن ما يطابقه هو خصوص الاعتقاد فيكون المراد بالعمل هنا ما كان غير اعتقاد سواء كان في مورد القلب أو الجوارح غايته انّه ان كان عبارة عن ايجاد شيء خارجا فيكون من الفرعية وأما الأحكام الأصلية فالغرض الأصلي منها هو الاعتقاد ولو بنحو التعلق الغائي حتى مع الواسطة الكثيرة. والحاصل. ان العمل هنا هو ما يقابل الاعتقاد فإن كان الغرض من الحكم الشرعي هو العمل لا الاعتقاد فيتعلق بالعمل بلا واسطة وإن كان تعلقه بالاعتقاد مع الواسطة حيث ان الاعتقاد بها لازم لئلا يئول الأمر الى الرد على الشارع. ولكن الأحكام الأصلية بعكس ذلك حيث ان التعلق يكون بالاعتقاد ابتداء وان تعلق بالعمل ثانيا لتوقف العمل على الاعتقاد فهذا يكون مع الواسطة.

فاتضح ان التعريف المذكور جامع مانع والاعتراضات مردودة.

المبحث الرابع. قالوا ان التقييد بالأدلة إنما هو لاخراج بعض العلوم كالوحي والالهام حيث أنها ليست حاصلة من الدليل. أقول. الفقه بمعناه اللغوي يشمل علم الامام وغيره إلّا أنه لا يطلق عليهم الفقيه بالمعنى الاصطلاحي فهم فقهاء بل هم أظهر مصاديق ذلك إلّا أن ذلك حيث كان دون شأنهم الرفيع ومقامهم السامي لم يطلق عليهم وهم عالمون بجميع الصنائع ولكن اطلاق (الصانع) عليهم تجاسر بمقامهم

١٢

المنيع ولا يتوهم أن اطلاق الفقيه على الجامع لشرائط الفقه انّما هو لأجل نيابته عن الامام عليه‌السلام فلا بد وأن يطلق عليه أيضا فان ذلك وإن كان حقا صحيحا إلّا أنه لو كان الوجه فيه ذلك فلم لا يطلق على النبي مع نيابته عن الله سبحانه وتعالى؟

والحاصل ان عدم اطلاق الفقيه عليهم عليهم‌السلام ليس من جهة أن علمهم الهامي فان اطلاق الفقه على العلم صحيح من غير فرق بين أن يكون الهاميا أو استدلاليا لكن حيث ان مقام الامام أرفع من ذلك كان اطلاق الفقيه عليه دون شأنه.

نعم. قد ورد تلقيب أبي الحسن مولانا الكاظم عليه‌السلام بالفقيه في سند الروايات (١) إلّا أن ذلك كان في جهة التقية وإرادة المعنى اللغوي منه.

المبحث الخامس. الاتيان بقيد التفصيلية مخرج لعلم المقلد. كما ذكروه.حيث قالوا انّه أيضا عالم ولكن من دليل اجمالي.

هذا. ولكن لا بد من بيان أمر ـ وهو ان المقلد هل له علم بالحكم الشرعي الفرعي حتى يكون قيد التفصيلية مخرجا له؟ وقولهم فتوى المفتي دليل اجمالي. نقول. لا بد أولا من بيان معنى الدليل.

فالدليل. على ما ذكر في محله اما انّى أو لمى فإن كان العلم من العلة بالمعلول فهو لم وعكسه انّ وعن أحد معلولي علة واحدة بالمعلول الآخر مركب ـ وحينئذ نقول هل فتوى المفتي علة للحكم الشرعي أو معلول له أو هو من القسم الثالث ـ؟ نعم انّ الكتاب كلام الله سبحانه وتعالى وهو دليل على مراده وكذا السنة والاجماع أيضا كذلك لرجوعه الى السنة بناء على الظن أو الكشف والعقل أيضا بناء على ما هو الحق من الحسن والقبح العقليين كذلك اذ هو علم من العلة بمعلول فيكون لميا. ومن المعلوم أن فتوى المفتي ليس كذلك أصلا ولا يكون دليلا ولذا لو سئل المقلّد ان فتوى هذا

__________________

(١) يراجع في ذلك مصادر الحديث والرواية والدراية وتراجم الائمة المعصومين عليهم‌السلام.

١٣

المقلد حق أو فتوى من قلّدته سابقا وأيّهما موافق للواقع لم يعلم ذلك بوضوح. وأما قولهم هذا ما أفتى به المفتي وكلما أفتى به فهو حكم الله في حقّي. فليس هذا قياسا بل هو ليس إلّا ترتيب قياس وصورته والمعلوم أن القياس يحتاج الى شرط آخر مفقود في المقام. وبعبارة أخرى اذا قيل هذا بول وكل بول يجب الاجتناب عنه ان البول موضوع وليس دليلا للحكم وهكذا في المقام فما أفتى به المفتي ليس إلّا موضوعا للتقليد وأما دليل الحكم أي جواز التقليد فهو ليس إلّا الأدلة المجوزة للتقليد لا شيء آخر.

والمتحصل ان فتوى المفتي ليس بدليل ذاتا إلّا أنه حجة من قبل الشارع فهو موضوع للحكم والمراد من الحكم هو جواز العمل لا الحكم الواقعي فيرجع قوله (حكم الله في حقي) الى الحكم الظاهري الذي هو منشأ للتنجز والعذر فهو مأمور بالعمل وليس بعالم وفتوى المفتي في حقه لا يكون دليلا لجواز عمله حتى يقال بأنه عالم بل هو موضوع الحكم الظاهري كما تبين ـ والنتيجة الحاصلة من هذا المبحث انه لا احتياج الى قيد التفصيلية لاخراج علم المقلد اذ لا علم له حتى يتكلف في اخراجه.

المبحث السادس ـ في اشكال اتحاد الدليل والمدلول. ذكر في القوانين (١) أنه بناء على أن يكون الحكم الشرعي عبارة عن خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين يلزم اتحاد الدليل والمدلول. حيث قال في تقريره (مع كون الكتاب من أدلة الأحكام وهو أيضا خطاب الله فيلزم اتحاد الدليل والمدلول).

أقول. بل ويلزم أيضا اشكال آخر أفظع من الأول وهو لزوم أن يكون دين الله عبارة عن عدة ألفاظ وعبارات مثل لفظة أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وغير ذلك

__________________

(١) القوانين المحكمة : ج ١ ص ٥ ، الطبعة الحجرية القديمة.

١٤

ولو كان كذلك (بالفرض المحال) لزم أيضا أن تكون الأحكام كلها ضرورية فان الخطاب اللفظي من المسموعات فيدخل في المحسوسات. ولو كانت ضرورية لما احتاجت حتى الى النظر والاستدلال مع أن موردهما هي الجهات النظرية لا الضرورية. الى غير ذلك من التوالي الفاسدة المترتبة على ذلك.

ثم انه قدس‌سره قال : واستراح الأشاعرة بجعل الحكم هو الكلام النفسي والدليل هو اللفظي ورد قدس‌سره عليه بأنه مع أن الكلام النفسي فاسد في أصله ان الكتاب مثله حينئذ كاشف عن المدعى لا أنه مثبت للدعوى فلا يكون دليلا في الاصطلاح (١).

أقول. يلزم أولا بيان ما سماه الأشاعرة كلاما نفسيا مع الوجه في القول به ثم البحث في انه هل يمكن أن يستريحوا به عن الاشكال؟ ثم بيان ما هو الحق في الجواب. فنقول :

ذكروا ان من جملة صفات الباري عزّ اسمه كونه متكلما (٢) والمتكلم في الأصل فاعل ويطلق الفاعل على من قام به المبدا فالمتكلم هو من قام به التكلم وعليه فيصدق ان يقال أنه سبحانه وتعالى قام به التكلم مع ان التكلم فعل يحدث ويزول ويصدر وينقضي وذلك مستلزم للقول بأن الله محل للحوادث وهو غير معقول فلذا ذهبت الأشاعرة الى أن المراد بالكلام في المقام هو الكلام النفسي وقالوا انه مدلول للكلام اللفظي وهو أمر مغاير للعلم والارادة والكراهة والخبر والانشاء وقد قال شاعرهم : ان الكلام لفي الفؤاد وانّما جعل اللسان على الفؤاد دليلا.

وبعبارة أخرى أنهم قد تصرفوا في صغرى القياس فذهبوا الى أن الكلام لفظي ونفسي والمناسب للصقع الربوبي هو الثاني وهو قديم فلا يلزم قيام الحادث

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) يراجع الكتب الكلامية كشروح التجريد وغيرها.

١٥

بالقديم اذ ليس كلامه سبحانه وتعالى من مقولة اللفظ كما ان منهم من منع الكبرى وجوّز قيام الحادث بالقديم وزعم بعضهم ان الكلام اللفظي قديم أيضا كما ربما يظهر من بعض الحنابلة حتى قالوا بقدم جلد القرآن وقال بعضهم : ان الكلام اللفظي في المقام حق ولكن ليس له قيام بالباري وعزّ جل بل انّما قيامه بالملك ولكن يستند اليه تعالى مجازا فينسب اليه الكلام اللفظي لا على وجه القيام به.

والحاصل انّ الأشاعرة لم يقولوا إلّا بالكلام النفسي.

والجواب ـ أما أولا. فانّ الكلام النفسي غير معقول فانّ الإخبار في الجمل الخبرية يكون قيامه بالعلم وهو المدلول الذهني له وأما الانشاء في الجمل الانشائية فقيامه بالارادة والكراهة وليس في البين ما كان خارجا عن الخبر والانشاء أي عن العلم والارادة والكراهة مع انهم صرحوا بأن الكلام النفسي مغاير لذلك كله. وعلى دعواهم هذه فإنّا لا نعقل ذلك ولا نتصوره.

وثانيا. فمع الغض عن صحته واستحالته لا يكون ذلك دافعا للاشكال ولا يمكنهم الاستراحة به بل الاشكال باق حتى على الكلام النفسي سواء كان الكلام اللفظي كاشفا عنه أو مثبتا له. والوجه في عدم اندفاع الاشكال على رأيهم. هو انه لما أنكروا الكلام اللفظي في حقه تعالى وتعظم ولم يتصوروه فكل ما هنالك لا يكون نفسيا فالمدلول نفسي والدليل أيضا نفسي اذ ليس مطلق الخطاب خطابا لله بل ما كان خطاب الله وهو عند الأشاعرة ما أحضر في النفس فرجع اشكال الاتحاد لكن هذا الاتحاد يكون نفسيا على مقتضى رأي الأشاعرة ولفظيا على صورة انكار الكلام النفسي.

والتحقيق. أما في أصل الاشكال. فنقول : انه مبنى على أن يكون الحكم الشرعي عبارة عن خطاب الله ومن البديهي انه ليس كذلك وليس الحكم الشرعي هو قوله سبحانه وتعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) بل الحكم هو مضمون ذلك وتعريف الحكم

١٦

بخطاب الله انّما هو في الأصل مأخوذ من أبي حامد الغزالي وهو كان من الأشاعرة ومراده من خطاب الله هو الكلام النفسي وهو خطاء في أصله كما عرفت. نعم قيل : انه استبصر في آخر عمره ورجع الى مذهب الحق. وعلى ما ذكرنا فلا نرى وجها لتعرض المحقق القمي في القوانين لهذا الأمر الخالي عن الصحة والتعقل والتكلف في البحث عنه وردّه.

وأمّا بالنسبة الى الكلام. فان قولهم الفاعل من قام به المبدا. ليس المقصود ما تخيلوه بل أن قيام الفاعل بالمبدإ قد يكون على وجه الاتصاف وتارة يكون على وجه الصدور اذ مبادي الأفعال قسمان أوصاف وأفعال. والأول كالعلم والجهل والقدرة والحياة وهذه المبادي وأشباهها قائمة بالذات والثاني كالضرب والجرح والقتل وهذه مبادئ صادرة عن الذات فالجرح فعل يصدر عن الذات ويقوم بالمجروح ومن هذا القبيل التكلم فهو فعل يصدر عن الذات ولا يقوم بها حتى يرد من المباحث ما عرفت. فالقيام في الفاعل لا يصح بإطلاقه بل قد يكون صدوريا وكان الأولى ان يقال : انّ الفاعل منشأ الفعل أو ما يعطى هذا المعنى ليشمل القسمين.

والاشكال في التكلم قد نشأ من أخذه قائما بالمبدإ وعليه فيلزم تعميمه بالنسبة الى الخلق والرزق والاحياء والامانة فيقال ان الخالق من قام به الخلق الخ وهذا مما لا يكون. فالحق ما ذكرناه من ان قيام الأفعال صدوري لا اتصافي.

وأما ما أجاب به المحقق القمي قدس‌سره عن الكلام النفسي في المقام (مضافا الى عدم معقوليته في أصله) من ان الكلام اللفظي حينئذ كاشف عن المدعي لا انه مثبت للدعوى فلا يكون دليلا في الاصطلاح ...

فقد يقال : (الاثبات) ويراد به الايجاد وقد يطلق على ما يوجب العلم كما تقول شهادة الفلاني هل مثبتة لهذا الحق أولا ـ؟ فلا يراد ان الشهادة توجد الحق بل انّما هي سبب لثبوته وهذا عين الكشف والحاصل ان الاثبات ليس معناه ايجاد ما لم يكن.

١٧

لا يقال ان مورد الكشف هو ما كان مغفولا عنه وأما الاثبات فمورده غير ذلك.

فانه يقال. اما أولا ـ فان دعوى الملازمة بين القول بالكلام النفسي وبين ان يكون الكلام اللفظي كاشفا عنه لا مثبتا له غير مسموعة وان قلت : ان الكلام النفسي ينكشف باللفظي مع ان الدليل ما يثبت ولازمه وجود النتيجة في الذهن قبلا ثم كون المقدمات واسطة في الاثبات. قلت : ان كلام الأشعري غير ملازم مع الغفلة حتى يناقش بالكشف دون الاثبات بل يقول ان الحكم المثبت هو الدليل على الكلام النفسي فكلامه غير ملازم مع الغفلة. هذا أولا. وأما ثانيا. فنحن نسلم ان الدليل هو المنشأ لثبوت النتيجة ولكن نقول انه لو عرض دليل غفلة وحصل التوجه اليه لفتة لم يخرج عن كونه دليلا فدعوى الملازمة بين الدليل وبين أن لا يكون مورده إلّا الاثبات غير مقبولة بل أن اللازم في البين هو وجود استدلال يطلب النتيجة من المقدمات واللازم في الاستدلال ان تكون النتيجة معلومة وأما في دلالة الدليل فلا يجب تذكر النتيجة من قبل.

والذي يسهل الخطب فان التعريف كما قلنا سابقا ليس تعريفا أساسيا بل هو من الغزالي وعلى طبق مسلكه ومذهبه أو انه ذكره على نحو من التوسعة.

وأما ما ذكره صاحب القوانين في حل الاشكال من الاجمال والتفصيل فلم نقف له على وجه فانّه لو كان الخطاب هو المجمل والمراد هو المفصل لزم ان تكون الأحكام هي الخطابات المجملة والتفصيلات هي الخطابات المفصلة والمعلوم ان المجملات لا تستنتج من المفصلات بل انما تحصل منها فلا يكون استدلالا ولا يرفع غائلة اتحاد الدليل والمدلول.

١٨

المبحث السابع. اشكال أخذ العلم في تعريف الفقه

ذكروا أن أدلة الفقه بين ظنّي الدلالة أو السند (١) والنتيجة تتبع أخس المقدمات فما ذكر من التعريف للفقه غير منطبق على زمان الانسداد. فلا يكون التعريف المشار إليه جامعا.

أقول : انه نسب الى السيد المرتضى القول بالانفتاح (٢) وذلك لا ينكره الفقهاء ولكن يقولون انه قدس‌سره كان قريب العصر الى الائمة من أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين وحينئذ فللتعريف وجه وأما في زماننا الذي بعد عن عصرهم عليهم‌السلام فلعله قد خفى علينا ما كان واضحا عند المرتضى من القرائن.

والتحقيق. ان دعوى السيد ليس هو انفتاح باب العلم القطعي فانّه قد صرح في موضعين من الذريعة أن مرادنا بالعلم ما يقتضى الاطمينان وسكون النفس. ولا يخفى أن هذا لا يختص بزمان السيد قدس‌سره وذلك بشهادة الأجلّة من العلماء كالشهيدين والشيخ البهائي قدس‌سرهم حيث ذهبوا الى أن الأخبار الواردة في الكتب الأربعة بل مطلق الروايات الموجودة بأيدينا مما في كتب الصدوق وغيره قد أخذ كل ذلك من الأصول الأربعمائة وهذا كالشمس في رائعة النهار فهي صحيحة الاسناد وان كان بعض رواتها ضعيفا فالسند في الأصول الأربعمائة إمّا القطع تحقيقا أو سكون النفس فالكتب الأربعة مأخوذة من تلك الأصول ولم تقع بعد ذلك صدمة في الاسلام وفي ذخائرنا العلميه بل انه قد أجاز العلماء يدا بيدا سلفهم لخلفهم وكانوا يقرءونها على المشايخ وقد صرح الجواهر في بعض كلماته ان نصّ الروايات التي كانت فيها خصوصيات بحيث احتمل فيها الطرفان قد قرأت على المشايخ وصححوها ونقحوها.

__________________

(١) معالم الأصول : صفحة ٢٣.

(٢) راجع فرائد الأصول للشيخ الأعظم الأنصاري مبحث حجية الظن وما بعده.

١٩

وعلى هذا فإذا علم أن العلم هو العلم العادي وهذا علم عرفا وان لم يكن تحقيقا إلّا أنه ملحق بذلك في الاعتبار بحكم العرف والعقلاء وانّه لا فرق بين زمان السيد وزماننا حيث انحصر المستند في هذه الأخبار ولم يقع فيها تصرف فالقول بالانفتاح بهذا المعنى في محله أي وصلت بمرحلة الاطمينان وسكون النفس فالمقدمات من حيث الطريقية قطعية بهذا المعنى. فلا اشكال في مرحلة السند.

وأما في مرحلة الدلالة. فالحال فيها بعين ما سبق لعدم الفرق في ذلك بين زماني الانفتاح والانسداد بالنسبة الى المداليل كأصالة الاطلاق والعموم والحقيقة ونحو ذلك حيث أنها كانت وهي لا تزال موجودة بأيدينا وما يقال من الابتناء على الظن النوعي فإطلاقه محل نظر فان مرجع أصالة الاطلاق والعموم والحقيقة الى الأخذ بالمقتضى وعدم الاعتناء بالمانع (١) وهكذا غيرها فلا ابتناء على الظن لا في الطريق ولا في الدلالة فاشكال أخذ العلم غير وارد من أصله وأساسه. والتعبير بالظن النوعي ليس إلّا مجرد عبارة حيث قالوا ان معناه انه لو خلى وطبعه كان مفيدا للظن. وفيه انه لو خلى وطبعه يفيد العلم فانّه اذا زال المانع كالتقييد والمجاز والخاص فيبقى العام والاطلاق والحقيقة مفيدة للعلم.

ولو سلمنا ورود الاشكال على التعريف ولكن نقول : ان الفقه علم ليس إلّا ودعوى انسداد باب العلم لا توجب على فرض صحتها زوال معنى الفقه فانّه حين

__________________

(١) هذا على المبنى الذي اختاره سيدنا الأستاذ المحقق قدس‌سره وفاقا لأساتيذه العظام وتبعا للشيخ العلامة المدقق المرحوم الشيخ محمد هادي الطهراني النجفي (من أكابر تلاميذ الشيخ الأعظم الأنصاري الكبير) قدس الله أسرارهم حيث جعلا قاعدة المقتضى والمانع أصلا ومبنى لهما في جلّ أبواب الأصول سواء مباحث الألفاظ والأصول العلميه. راجع كتبهم الأصولية كمحجة العلماء للشيخ الطهراني والقواعد الكلية والمقالات للأستاذ المحقق وغير ذلك وفي هذا الابتناء نقود وبحوث ليس هاهنا محل ذكرها.

٢٠