هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله والصلاة على رسوله وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين.

اما بعد فهذا هو الجزء الثالث من كتاب هداية الاصول فى شرح كفاية الاصول من افادات الاستاد العلامة آية الله الشيخ صدرا طيّب الله ثراه وجعل اعلى مراتب الجنة مأواه ونسأل الله ان يوفقنى لاتمام هذا الكتاب وان يجعله تبصرة للمتعلمين وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فاقول ومنه التوفيق قد علم في الجزء الاول من هذا الكتاب ان كفاية الاصول مشتمل على ثمانية مقاصد وقد خصت خمسة مقاصد في مباحث الالفاظ فى المجلد الاول ويبحث فى المجلد الثانى من الامارات والاصول العملية.

قوله : المقصد السادس فى بيان الامارات المعتبرة شرعا أو عقلا الخ.

أى يبحث في هذا المقصد من الامارات غير العلمية التي اعتبرت شرعا كحجية خبر العادل او الثقة او اعتبرت عقلا كحجية

٣

الظن فى حال الانسداد بناء على الحكومة لا الكشف لان حجية الظن فى زمان الانسداد بناء على الكشف دالة على جعل الشارع هذا الظن حجة.

قال صاحب الكفاية لا بأس بصرف الكلام الى بعض احكام القطع وان لم يكن البحث عنه من المسائل الاصولية لان المسائل الاصولية ما تقع في طريق استنباط الاحكام او ما ينتهى اليه فى مقام العمل كالاصول العملية واما القطع فلا يقع في طريق استنباط الاحكام بعبارة اخرى ان القطع لا يقع حد الوسط لان حد الوسط ما كان سببا للقطع لا نفس القطع اى اذا قطع بوجوب شىء فيقال هذا واجب ولا يحتاج الى جعل القطع حد الوسط الحاصل ان البحث عن القطع هنا كان من باب المناسبة والا البحث عنه كان اشبه بالمسائل الكلامية والبحث في علم الكلام من المبدا اى من وجود واجب الوجود ومن توحيده وكذا يبحث فيه من المعاد أى الحشر والنشر واستحقاق المثوبة او العقوبة واما القطع فيبحث فيه من العقوبة في مخالفته أى هل يعاقب الشخص فى مخالفة القطع أم لا هذا من مسائل علم الكلام.

قال المصنف البحث عن القطع اشبه بالمسائل الكلامية واما البحث عنه فجعل مقدمة للمسائل الاصولية أى يبحث عنه مقدمة ليس المراد المقدمة الاصطلاحية بل المراد أنّه يبحث عن القطع اولا من باب المناسبة لان عدم العلم موضوع الامارات فظهر وجه مناسبة البحث عن القطع في المسائل الاصولية اى ان كان القطع يعمل به واذا لم يكن رجع الى الامارات.

وكذا يظهر وجه مناسبة بحث القطع عن الشيخ الاعظم فى

٤

الرسائل عند قوله فاعلم ان المكلف اذا التفت الى حكم شرعى فاما ان يحصل له الشك فيه او القطع او الظن أى جعل المكلف ثلاثة اقسام فيرجع عند عدم القطع والظن الى الاصول العملية والمكلف اما شأنى واما فعلى والمراد من المكلف الشأنى هو البالغ غير الملتفت والمراد من المكلف الفعلى هو البالغ الملتفت هذا التعريف لقسمي المكلف على قول شيخنا الاستاذ.

والحكم اما واقعى وما ظاهرى والمراد من الحكم الواقعى ما جعله الشارع للموضوعات الخارجية سواء كان بالجعل الاولى او الثانوى والمراد من الحكم الظاهرى ما هو عند عدم العلم بالواقع اى ثبت الحكم الظاهرى بالامارة او الاصول العملية

قد بيّن الى هنا ما صنعه الشيخ الاعظم (قده) من تقسم المكلف الملتفت بحسب حالاته الى ثلاثة أقسام وعدل المصنف عن هذا التقسيم الثلاثى وقسّم حال المكلف الى قسمين احدهما من يحصل له القطع بالحكم وثانيهما من لا يحصل له القطع له.

توضيحه ان البالغ اذا التفت الى الحكم الشرعي فاما أن يحصل له القطع بذلك الحكم أو لا فان حصل له القطع به وجب عليه متابعة قطعه ولا يخفى ان الحكم الذى يستفاد من الامارات والاصول الشرعية يدخل فى هذا القسم لان المكلف قطع بان الشارع جعل هذا الظن حجة واما اذا لم يحصل للمكلف القطع بالحكم وكذا لم يحصل له القطع بحجية عن الشارع فلا بد من انتهاء المكلف الى ما استقل به العقل اى يرجع الى الظن الذى يحصل من مقدمات الانسداد بناء على الحكومة اى ينتهى الى هذا الظن فى مقام العمل وان لم يكن حجة قال شيخنا الاستاذ ان الظن من مقدمات الانسداد

٥

بناء على الحكومة كان من الامارات فيصح له اطلاق الحجة واما اذا لم يحصل له الظن الانسدادى فالمرجع له هو الاصول العقلية من البراءة والاشتغال والتخيير على ما يأتى تفصيلها فى محلها.

قوله : وانما عممنا متعلق القطع لعدم اختصاص الاحكام بالاحكام الواقعية هذا بيان لوجه عدول المصنف عن تقسم الشيخ الاعظم (قده).

الوجه الاول انّه خصص متعلق القطع بالحكم الواقعى وليس الوجه لهذا التخصيص لان متعلق القطع اعم من الحكم الواقعى والظاهرى فالحكم الظاهرى الثابت فى موارد الامارات والاصول الشرعية يندرج في الحكم المقطوع به وأيضا عدل صاحب الكفاية عن تقسيم الشيخ الاعظم لانّه عمم الحكم الى الفعلى والشأنى بعبارة اخرى عمّم الحكم الى الفعلى والانشائى والمراد من الحكم الفعلى ما له البعث والزجر اى طلب الفعل ومنعه بعبارة شيخنا الاستاد مراد من البعث بكن ولمراد من الزجر نه كن والمراد من الحكم الانشائى هو جعل القانون واما صاحب الكفاية خصّص الحكم بالفعلى قال صاحب الكفاية :

وان ابيت الا عن ذلك فاولى ان يقال ان المكلف اما ان يحصل له القطع أو لا الخ.

هذا الوجه الثالث لعدول المصنف عن تقسيم الشيخ حاصله قال أيها الشيخ الاعظم ان ابيت الا عن التثليث فالاولى ان يكون على الوجه الذى يذكر لا على وجه تثليث الشيخ لانه مستلزم للتداخل توضيحه قال الشيخ اذا لم يحصل القطع رجع الى الظن مع انّه

٦

في صورة عدم القطع يرجع الى الاصول العملية أيضا وان كان الظن موجودا ولا يخفى ان هذا فى حال كون الظن غير المعتبر شرعا أى فى صورة كون ظن غير المعتبر يرجع الى الاصول العملية فيدخل القسم الثانى اى الظن فى القسم الثالث اى الاصول العملية وكذا الشاك يرجع الى الظن بعد حصول الرّجحان فى احد الطرفين فيدخل القسم الثالث فى القسم الثانى الحاصل انه يدخل ظن غير المعتبر في الشك وكذا الشك يدخل بعد رجحان احد طرفين فى الظن بعبارة اخرى يدخل احد طرفين فى طرف آخر.

هذا اشكال التداخل فى التقسيم الثلاثى على مذهب الشيخ الاعظم فعدل المصنف عن التثليث للزوم الاشكالات المذكورة عليه الى التثنية واعلم ان الاعلام سلّموا تقسيم الشيخ بنحو من التوجيه فقالوا ان مراد الشيخ من الظن هو الظن المعتبر أى مع عدم القطع يرجع الى الظن المعتبر ولا يصل النوبة مع وجوده الى الاصول العملية وكذا مراد الشيخ من الشك التحيّر فمع بقاء التحيّر يرجع الى الاصول العملية لا مع زواله.

فقال صاحب الكفاية بعد تصحيح الاعلام تثليث الشيخ فالاولى ان يقال ان المكلف اما ان يحصل له القطع أو لا وعلى الثانى إما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا أى قال المصنف ايها الشيخ الاعظم ان ابيت التقسيم الا عن كونه ثلاثيا فاولى ان يكون التثليث على طبق طريقنا اى نقول انّ المكلف اما أن يحصل له القطع أولا فان حصل له القطع فلا يصل النوبة الى الامارات واما مع عدم القطع فيرجع الى الامارات المعتبرة ومع عدمها فيرجع الى الاصول العملية قال

٧

المصنف هذا التثليث اولى لعدم اشكال تداخل الاقسام عليه بعبارة شيخنا الاستاد صاحب كفاية براى شيخ مى گويد اگر از تثليث اقسام گذشت ندارى بهتر است كه تثليث به اين قسم مذكور باشد تا تداخل نكند اقسام واعلم ان المراد من المكلف هو المكلف الشأنى فكان القيد اذا التفت توضيحيّا اى كان الشخص قبل الالتفات مكلفا شأنيا ويصير بعد الالتفات مكلفا فعليا فيعلم من هذا التقرير ان المراد من المكلف الشأنى من كان مكلفا قبل الالتفات وليس المراد من المكلف الشأنى الصغير والمجنون لانهما ليسا مكلفين على هذا الحال.

قاعدة واعلم ان الاصول العملية ليست من الامارات لكن الاستصحاب إذا ثبت من الاخبار فهو محل النزاع أى علمه المتقدمون من الامارات واما المتأخرون فلم يعلموه من الامارات أى جعلوه من الاصول ولا يخفى ان الذين كانوا قبل الشيخ يقال لهم المتقدمون وان الشيخ والذين كانوا بعده يقال لهم المتأخرون والظاهر أن المتأخرين لم يعلموا هذا الاستصحاب من الامارات أى يقولون يعلم من الأخبار الرجوع الى الاستصحاب ولم يعلم كونه من الامارة.

قوله : وكيف كان فبيان احكام القطع يستدعى رسم امور الاول لا شبهة فى وجوب العمل على وفق القطع.

قد ذكر انّه يبحث من احكام القطع من باب المناسبة فيبحث من احكام السبعة من هذه الجهة وان لم تكن الاحكام المذكورة من المسائل الاصولية فبيّن المصنف فى الامر الاول ثلاثة اشياء الاول أن تكون طريقية القطع ذاتية ولا فرق في القطع من اىّ

٨

سبب كان لكن نفس القطع وصف يرى الرائي فطريقيته ذاتية سواء كانت ذاتيا الباب الايساغوجى او باب البرهان وان كان (ى) نسبتى فيه لكن لا يفرق هذا الذاتى مع الذات أى المراد من الذاتى فى باب البرهان ما لا يسلب عن الذات فعلم ان المراد من الذاتى هنا هو الذاتى فى باب البرهان.

الثاني اى يبحث فى هذا الامر الاول ثانيا من ان يكون من احكام القطع المنجزية والمعذورية وكان هذان اللفظان عبارة اخرى للحجة لكن المصنف لم يطلق على القطع اسم الحجة لان المراد منها فى المنطق هو حد الوسط ولا يقع القطع حدا وسطا لذا احتاج المصنف الى التعبير بالمنجزية والمعذورية الحاصل ان القطع موجب لتنجز التكليف فيكون المكلف مستحق الثواب فى فعله ومستحق العقاب فى تركه وأيضا كان القطع معذرا فيما اخطأ قصورا.

الثالث أى يبحث فى هذا الامر الاول ثالثا عن وجوب اطاعة القطع ولا يخفى ان العقل يدل على طريقية القطع ووجوب اطاعته قال بعض ان اطاعة القطع جبلى والمراد منه ما لم يكن محتاجا الى العقل بعبارة اخرى لم يكن محتاجا الى الحسن العقلى وقبحه أى يدرك اطاعة القطع مع قطع النظر عن العقل من باب دفع ضرر المحتمل أى يدرك الضرر مع عدم اطاعة العقل كما يدرك بهائم الضرر أى هذا البعض لم يكن قائلا بالحسن العقلى وقبحه كالاشاعرة وقال بعض آخر ان اطاعة القطع عقلى ومحتاج الى الحسن العقلى وقبحه.

٩

قوله : ولا يخفى ان ذلك لا يكون بجعل الجاعل الخ.

أى ما ذكر فى الامر الاول من طريقية القطع ووجوب العمل على وفقه لا يكون بجعل الجاعل بعبارة اخرى لا تكون حجية القطع بجعل الجاعل لان الجعل انما يتعلق على وجود القطع لا على طريقيته لانها لازمة لذات القطع وأيضا يلزم على جعل الحجية للقطع اجتماع المثلين أو الضدين اذا اثبت الشارع الحجية للقطع لزم اجتماع المثلين واذا نفى حجية القطع لزم اجتماع الضدين مثلا اذا قطع المكلف كون المائع بولا فهذا يجب الاجتناب عنه فلا يجوز للشارع ان ينهى عن العمل بالقطع لان هذا النهى مستلزم لاجتماع الضدين بعبارة اخرى مستلزم للتناقض أى وجوب الاجتناب وعدم وجوبه فليس طريقية القطع قابلة لجعل الشارع لا بجعل البسيط ولا المركب والمراد من الجعل البسيط أى جعل الوجود للشيء بعبارة اخرى الجعل البسيط مفاد كان التامة مثلا كان زيد أى وجد والمراد من جعل تأليفى والمركب ثبوت الشيء للشيء ومفاد كان الناقصة مثلا كان زيد قائما فيرجع بعد بيان قسمى الجعل الى ما نحن فيه قد علم ان حجية القطع لم تكن قابلة للجعل الحقيقى لا بسيطا ولا مركبا لكن حجية القطع كانت قابلة للجعل بالعرض أى حجية القطع كانت قابلة للجعل التبعى بأن يجعل نفس القطع جعلا بسيطا بعبارة اخرى يوجد القطع فيجعل وجوب الاطاعة والطريقية بالعرض وبالتبع مثلا اذا جعلت الاربعة فالزوجية لازمة لها فظهر مما ذكر عدم الجعل الحقيقى للازم الشىء سواء كان بسيطا أو مركبا واما جعل بالعرض باعتبار الموضوع فهو ممكن لان هذا العرض لازم للموضوع ولا ينفك عنه كالزوجية للاربعة.

١٠

فان قلت هل يجوز ان ينهى الله أو رسوله عن العمل والحركة على طبق القطع. قلت لا يجوز النهى عن الله ورسوله عن العمل بالقطع لان هذا النهى مستلزم لاجتماع الضدين اعتقادا وحقيقة توضيحه ان النهى عن العمل بالقطع مستلزم لاجتماع الضدين اعتقادا مطلقا أى سواء كان القطع مطابق الواقع أم لا مثلا اذا تعلق قطع المكلف بحرمة شرب ماء الشعير مع فرض حليته واقعا فمقتضى هذا القطع حرمة شربه واذا نهى الشارع عن حجية القطع كان مقتضى نهيه جواز شربه فيلزم اجتماع الحرمة والجواز.

ويلزم عن نهى الشارع اجتماع الضدين حقيقة فى صورة اصابة القطع للواقع كما اذا قطع بحرمة شرب الخمر مع فرض حرمته واقعا فاذا نهى الشارع عن متابعة قطعة لزم اجتماع الضدين واقعا.

قوله : ثم لا يذهب عليك ان التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا الخ.

أى المنجزية ثابتة للحكم الفعلى اذا صار الحكم منجزا كان استحقاق المثوبة على اطاعته واستحقاق العقوبة على مخالفته واما اذا كان التكليف فى مرتبة الانشاء لم يكن فيه المثوبة والعقوبة لكن يمكن ان يكون للتكليف الانشائى المثوبة فى بعض المورد مثلا ان الحج واجب علينا الآن من غير الاستطاعة بالوجوب الانشائى فيمكن ان يكون فى هذا الوجوب الثواب واما غير الحج كالصلاة والصوم فليس فى وجوبه الانشائى الثواب فظهر ثبوت الثواب فى التكليف الانشائى فى بعض المورد واما استحقاق العقوبة على مخالفة

١١

التكليف الانشائى فلم يثبت لعدم مخالفته عن عمد بعصيان بل كان مما سكت الله عنه قد ورد هذا فى الخبر المروي عن مولى امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ان الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تعصوها فسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله بكم.

قوله : نعم فى كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل اشكال لزوم اجتماع الضدين او المثلين على ما يأتى تفصيله.

هذا اشارة الى الاشكال حاصله اذا كان حكم الواقعى فعليا وكان المكلف جاهلا فيه فهو راجع الى الامارة فالامارة اما تكون مخالفة للحكم الفعلى الواقعى مثلا كان الحكم الواقعى الوجوب وتدل الامارة على الحرمة فيلزم اجتماع الضدين واما أن تكون الامارة موافقة للحكم الفعلى الواقعى مثلا اذا كان الحكم الواقعى الوجوب والامارة أيضا تدل على الوجوب فهو مستلزم لاجتماع المثلين اذا عرفت الاشكال فانتظر جوابه فيما بعد إن شاء الله.

يذكر هنا جملة معترضة وان سبق موضع ذكرها أى قال المصنف ان طريقية القطع ذاتية ولم تكن محتاجة الى البرهان لان اثبات طريقية القطع بالبرهان مستلزم للتسلسل توضيحه اذا كانت حجية القطع بالبرهان لزم ان يكون هذا البرهان مفيدا للقطع فيحتاج هذا القطع الى البرهان وأيضا كان هذا البرهان مفيدا للقطع فيحتاج هذا القطع أيضا الى برهان وهكذا الحكم فى المراتب الباقية فثبت عدم احتياج طريقية القطع الى البرهان.

١٢

وأيضا يذكر هنا القاعدة الاخرى قال شيخنا الاستاد ان ما كان وجوده ضروريا أو امتناعه ضروريا لم يكن قابلا للجعل مثلا الانسان حيوان ناطق بالضرورة فلم يكن هذا قابلا للجعل وكذا الشريك البارى ممتنع بالضرورة فلم يكن هذا قابلا للجعل واما الشيء الذى كان قابلا للجعل فلا بد ان يكون ممكنا كالكتابة للانسان فنرجع الى محل البحث ونقول ان الطريقية والمنجزية ووجوب الاطاعة كائنة من ضروريات القطع فلم تكن قابلة للجعل من هذه الجهة.

الكلام فى التجرى

قوله : الامر الثانى قد عرفت انه لا شبهة فى ان القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة الخ.

البحث فى التجرى والمراد منه مخالفة الحكم الالزامى اعتقادا كالوجوب والحرمة ولا يخفى ان ثلاثة باقية من الاحكام الخمسة لا يكون الالزام فيها أى لا يكون الالزام فى الاستحباب والاباحة والكراهة ويصدق فى مخالفة القطع التجرى فى صورة عدم موافقته للواقع أى بعد مخالفة القطع يكشف انه لم يكن موافقا للواقع مثلا اذا قطع المكلف حرمة المائع فشربه وكشف بعد الشرب عدم حرمته فيسمى هذا التجرى أو قطع وجوب الصوم فى الغد فافطر وكشف بعد الافطار عدم وجوبه فيصدق عليه التجرى الحاصل ان العقل يحكم الحركة على طبق القطع ولكن لم يحرك المكلف على طبقه فيسمى هذا التجرى فى صورة مخالفة قطعه للواقع.

١٣

واما المراد من الانقياد فان المكلف قطع وجوب الشيء وعمل على طبقه وكشف بعده مخالفة قطعه للواقع يصدق عليه الانقياد اذا علمت ما هو التجرى وما هو الانقياد.

فيبحث من كون هذه المسألة اصولية أو الكلامية أو الفقهية ويفرق هذه المسائل من حيث الاعتبار أى كانت هذه المسألة مسئلة كلامية فيبحث من استحقاق المتجرى العقوبة فى صورة مخالفة القطع والمثوبة فى صورة موافقة القطع وان كانت مسئلة اصولية فيبحث ان القطع بوجوب الشيء هل يكون موجبا لحسنه ام لا وكذا القطع بحرمة الشيء هل يكون موجبا لقبحه ام لا.

وان كانت مسئلة فقهية فيبحث ان القطع بوجوب الشيء هل يصيره واجبا وان القطع بحرمة الشيء هل يصيره حراما قال صاحب الكفاية ان القطع بوجوب الفعل لا يصيره واجبا فلم يكن البحث عن التجرى مسئلة فقهية وكذا لم تكن هذه المسألة مسئلة اصولية لان القطع بحسن الشيء لا يكون موجبا لحسنه والقطع بقبح الشيء لا يكون موجبا لقبحه فثبت ان هذه المسألة لم تكن فقهيّة ولا اصوليّة بل تكون مسئلة كلامية كما قال المصنف وكان اشبه بمسائل الكلام فيبحث في المسألة الكلامية من استحقاق المثوبة والعقوبة وكان الشخص المتجرى مستحق العقوبة على مذهب المصنف واما على مذهب الشيخ فلم يكن الشخص المتجرى مستحقا للعقوبة وان كان مستحقا للمثوبة.

قوله : ولكن مع بقاء الفعل المتجرى به او المنقاد به على ما هو عليه من الحسن او القبح او الوجوب أو الحرمة واقعا الخ.

١٤

أى ما ذكر من عدم صحة المؤاخذة الا مع العزم اى قال لا يستحق الشخص المتجرى المؤاخذة ما لم يعزم على المخالفة وكذا لا يستحق المثوبة ما لم يعزم على الموافقة ولم يكن مجرد سوء سريرة موجبا لاستحقاق العقوبة وكذا حسنها لم يكن موجبا لاستحقاق المثوبة وان كان مستحقا للوم او المدح.

ويذكر هنا تفصيل ما ذكر سابقا وهو ان الشخص المتجرى تارة يظهر سوء سريرته وكذا الشخص المنقاد يظهر حسنها وتارة اخرى لا يظهر ان سوء سريرته وحسنها ففى صورة عدم اظهار لم يكونا مستحق العقوبة والمثوبة بل كان مستحقا للوم فى صورة سوء سريرته ومستحقا للمدح فى صورة حسنها والمراد من اللّوم ان العقل يحكم بعدم حسن فعله والمراد من العقاب ان يضر به ويحبسه والمراد من المدح ان يوصفه فقط والمراد من المثوبة ان يعطيه شيئا فظهر ان سوء سريرة وحسنها لم يكونا موجبين للعقوبة او المثوبة واما اذا كان شخص مظهرا لسوء سريرته مثلا يفعل الفعل الذى يكشف به سوء سريرته او حسنها فهو مستحق للعقوبة او المثوبة.

والظاهر انّ ما ذكر من الحكم التجرى والانقياد مطابق لمذهب صاحب الكفاية واما الشيخ فقال ان الشخص المتجرى لم يكن مستحقا للعقوبة وان كان مستحقا للمثوبة اى فكّك الشيخ بين المثوبة والعقوبة وجه التفكيك ان العقوبة كانت للعاصى والشخص المتجرى لم يكن عاصيا واما استحقاق المثوبة فيمكن من دون اتيان الفعل قد اشكل على الشيخ بان استحقاق المثوبة بالنسبة الى الا طاعة قابل للخدشة فضلا بالنسبة الى الانقياد واما اذا كانت

١٥

المثوبة من باب التفضل فهو خارج عن محل البحث قال الشهيد الثانى (قدس‌سره) في خطبة شرح اللّمعة والحمد فضله اشارة الى العجز عن القيام بحق النعمة لان الحمد اذا كان من جملة فضله فيستحق عليه حمدا وشكرا فلا ينقضى ما يستحقّه من المحامد أى كان الشكر من جملة نعمته تعالى وكذا الشكر الثالث والرابع الحاصل ان كل شكر حادث من العبد هو فضله ونعمته فيجب على مقابله أيضا الحمد والشكر.

وكان ذكر هذه الجملة المذكورة دليلا على كون المثوبة فى مقابل الانقياد من فضله تعالى قد تم كلام شيخ (قدس‌سره) مع الاشكال عليه وظهر كلام المصنف فى استحقاق المتجرى العقوبة مع الاستظهار لا بمجرد سوء سريرة وكذا المنقاد مستحق للمثوبة مع الاستظهار لا بمجرد حسن سريرة اى قال المصنف ان الملاك فى التجرى والعصيان شيء واحد لان سوء سريرة مع المظهر دال في طغيان على المولى مثل العصيان عليه فى عدم قبول امره فيبحث بعد استحقاق المثوبة او العقوبة من تغيير الفعل بالتجرى أو الانقياد أى هل يكون القطع بوجوب الشيء أو حرمته من وجوه مغيرة قد ذكر في بعض المورد الوجوه التى تغيّر الشيء مثلا الكذب حرام لكن يوجد فى بعض المورد السبب المغيّر فى حرمته مثلا اذا كان الكذب لانجاء النبى فهو جائز وكذا اكل الميتة حرام واذا كان الشخص فى حال المخمصة فهو حلال اى يوجد العنوان الثانوى فى الاشياء.

اذا عرفت الوجوه المغيرة فاعلم ان القطع لم يكن من وجوه المغيّرة يعنى ان القطع بالحسن او القبح لا يكون ملاكا للمحبوبية

١٦

أو المبغوضية شرعا والدليل على هذا الضرورة أى ضرورة ان القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه المغيرة وايضا ضرورة عدم تغير الفعل عما هو عليه من المبغوضية والمحبوبية ونبّه المصنف على هذه الضرورة بالمثال أى كان المثال من باب التنبيه مثلا كل ممكن محتاج هذا ضرورى واما ذكر المثال أو الدليل كان من باب التنبيه والا الضروريات لا تحتاج الى الدليل فقال المصنف ان قتل ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له ولو اعتقد بانّه عدوه وكذا قتل عدوه مع القطع بانه ابنه لا يخرج عن كونه محبوبا قد ذكرت هذه الامثلة لاجل التنبيه على عدم كون القطع من الوجوه المغيرة.

الدليل الآخر لعدم كون القطع من الوجوه المغيرة ان الفعل المتجرى به لا يكون اختياريا مثلا ترك قتل ابن المولى لم يكن بالاختيار فلا بد أن تكون الوجوه الطارية المتغيرة اختياريا والمراد من الاختيارى ما وجد عن علم وارادة أى ما كان بالارادة الاستقلالية مثلا العلم بالخمر ذو عنوانين العنوان الواقعى الاعتقادى لا الواقعى الحقيقى والظاهر ان المراد من الواقعى هنا هو ما اعتقده المكلف.

الثانى العنوان الطارى أى ما حصل بعد القطع كالمقطوع الخمرية فهذا العنوان الطارى لم يكن عن العلم والاختيار لانه اذا سئل عنه أى شيء تشرب فيقول فى الجواب انّى اشرب الخمر ولا يقول اشرب المقطوع الخمرية فلم يكن ملتفتا اليه بعبارة اخرى لم يكن له العلم التفصيلى فى المقطوع الخمرية وان كان له

١٧

العلم الاجمالى فيه والمراد من العلم الاجمالى فى المقام هو الشىء الارتكازى أى ما هو مرتكز فى ذهنه كما اجيب عن الدور فى الشكل الاول بالعلم الاجمالى والتفصيلى والمراد من العلم الاجمالى هناك ما كان مرتكزا فى الذهن وان كان فى بعض المورد فى المعنى الآخر.

فينتفى فى بعض المورد شيئان أى الالتفات والعلم واما فى بعض المورد ينتفى شيء واحد أى العلم التفصيلى لا الالتفات وكان ملتفتا بنحو الارتكاز فثبت ان الفعل المتجرى به لم يكن اختياريا لعدم العلم التفصيلى فيه فلم يكن هذا الفعل من الوجوه المغيرة.

قال المصنف بعبارة ان قلت اذا لم يكن الفعل المتجرى به اختياريا لم .. يعاقب المتجرى قلت العقاب لم يكن لاجل الفعل بل كان بالعزم والقصد أى قصد هذا الشخص فعل الحرام فيعاقب به.

وكان هنا الاشكال الآخر أيضا بلفظ ان قلت ان القصد والعزم ليس اختياريا حاصل الاشكال انك فررت من المطر الى الميزاب بعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية از زير باران جان را كشيدى زير ناودان نشستى.

واجيب عن الاشكال الثانى بجوابين حاصل هذا الاشكال ان العزم لم يكن اختياريا لانه من مبادى الارادة وهى لم تكن اختياريا قد سبق فى باب الاوامر فى مبحث الطلب والارادة ان الارادة لم تكن بالاختيار لان كل الامر الاختيارى داخل تحت الارادة فاذا كانت الارادة اختيارية لزم أن تكون بارادة اخرى وكذا أن تكون هذه الارادة بارادة اخرى وهكذا الحكم فى ارادة اخرى فيتسلسل فثبت

١٨

ان الارادة ومقدماتها لم تكن اختيارية ولا يجوز العقاب على الامر غير الاختيارى هذا الاشكال الثانى واجيب بجوابين الاول.

قوله : قلت مضافا الى ان الاختيار وان لم يكن بالاختيار الا ان بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار الخ ..

حاصل هذا الجواب ان الارادة كانت اختيارية لان بعض مقدماتهما اختيارى أى بعض مقدمات اراده اختيارى وبعضها غير اختيارى فالمقدمة الاولى الخطور أى وجود الشيء فى الذهن فليس هذا الخطور اختياريا بعبارة شيخنا الاستاد آمدن شيء در ذهن اختيارى نيست. المقدمة الثانية الميل وهو لم يكن بالاختيار لان القوة الشهوية لم تكن غالبة على الاختيار المقدمة الثالثة العزم والجزم أى التصديق بالفائدة الرابعة دفع الموانع وان كانت المقدمة الثالثة والرابعة فى الحقيقة واحدة أى يقول الشخص بعد التصديق بالفائدة علىّ دفع الموانع بعبارة اخرى يقول ما كان مضرا ابعده.

فيجيء بعد هذه المقدمات الشوق المؤكد وهو عبارة عن الارادة ولا يخفى ان التصديق بالفائدة ودفع الموانع اختيارى فتصير الارادة اختيارية لتبع هذه المقدمة أى تصديق بالفائدة ودفع الموانع وصارت النتيجة تابعة للاشرف وان قيل فى المنطق ان النتيجة تابعة لاخس المقدمتين لكن هنا جعلت النتيجة تابعة لاشرف المقدمات أى الجزم والتصديق بالفائدة اختيارى فجعلت الارادة اختيارية هذا الجواب الاول عن الاشكال.

١٩

ويذكر هنا تاريخ عن مجلس تدريس صاحب الكفاية (قدس‌سره) عن شيخنا الاستاد ان صاحب الكفاية فى حين تدريس المجلد الاول من هذا الكتاب اذا وصل الى مبحث الارادة فاستدل على عدم كون الارادة اختيارية وقال ان الارادة ليست اختيارية فخرج من مجلس اربعة طلاب وقالوا ان دروسنا اذا كانت اجبارية فنحن لم نقبلها لان المذهب الجبرية باطل عندنا ولما شرع صاحب الكفاية فى تدريس المجلد الثانى من كفاية الاصول وصل الى هذا المبحث أى مبحث التجرى زاد فى دفع الاشكال قوله قلت مضافا الى ان الاختيار وان لم يكن بالاختيار الا بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار فتجعل الارادة تابعة له فتصير اختيارية لما سمع هذا الطلاب الذين خرجوا من الدرس فى المجلد الاول عادوا الى الدرس بعد سماع قول صاحب الكفاية ان الارادة اختيارية.

عبارة شيخنا الاستاد (قدس‌سره) در مبحث اوامر در مبحث اراده وطلب صاحب كفاية فرمود اراده اختيارى نيست پس چهار نفر طلبه از زير درس فرار نمودند كه اين جبر مى باشد وجبر بر مذهب ما باطل است بعد صاحب كفاية در جلد دوم در وقت تدريس اين قلت مضافا را زياد نمود وفرمود اراده اختيارى مى باشد چونكه اگر بعض مقدمات اراده اختيارى شد خود اراده نيز اختيارى مى شود بعد از اين بيان همان چهار نفر طلبه كه فرار كرده بودند باز هم جمع شدند در مجلس درس.

بعد هذه الحكاية نرجع الى ما نحن فيه أى كان البحث فى جواب الاشكال قد ذكر الجواب الاول عن الاشكال مفصلا.

والجواب الثانى عنه قوله يمكن ان يقال ان حسن المؤاخذة

٢٠