تراثنا ـ العددان [ 87 و 88 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 87 و 88 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٨

١
٢

تراثنا

صاحب الامتیاز:

مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول:

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الثالث والرابع [٨٧ و ٨٨]

السنة الثانية والعشرون

محتويات العدد

الفوائـد البديعة من «وسائل الشـيعة» (٤).

.................................................. السيد علي الحسيني الميلاني ٧

إطلالة على التفاسير الروائية الشيعية في القرن الحادي عشر.

................................................. الشيخ محمّد فاكر الميبدي ٥٠

تاريخ النظرية الفقهية في المدرسة الإمامية (٢).

.................................................... السيد زهير الأعرجي ١٠٣

شعـر منصور النّمـري يقظـة بعـد غفلـة.

.............................................. الشيخ عبد الرسول الغفاري ١٣٦

٣

رجب ـ ذو الحجّة

١٤٢٧ هـ

فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين عليه‌السلام العامّة

......................................... السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ١٦٨

من المخطوطات العربية في مكتبة المتحف البريطاني / لندن.

................................................ الشيخ محمّد مهدي نجف ٢٠١

من ذخائر التراث :

مناظرة هشام بن الحكم في مجلس هارون الرشيد.

......................................... تحقيق : الدكتور خضـر محمّد نبها ٢٥٧

من أنباء التراث.

........................................................... هيـئة التحرير ٣٨٠

* صورة الغلاف : نموذج من نسخة المخطوط لـ : «مناظرة هشام بن الحكم في مجلس هارون الرشيد» والمنشورة في هذا العدد.

٤

٥
٦

الفوائـد البديـعة

من

الوسائل الشيعة

(٤)

السيد عليّ الحسيني الميلاني

(١٩)

اُغدُ إلى عزّك

هكذا يقول الأئمّة عليهم السلام لشيعتهم من أهل التجارة والكسب :

فعن المعلّى بن خنيس ، قال : «رآني أبو عبد الله عليه السلام وقد تأخّرت عن السوق ، فقال : اُغدُ إلى عزّك»(١).

وعن علي بن عقبة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام لمولىً له : «يا عبد الله ، احفظ عزّك.

قال : وما عزّي جعلت فداك؟ قال : غدوّك إلى سوقك ، وإكرامك نفسك.

وقال لآخر مولىً له : «ما لي أراك تركت غدوّك إلى عزّك؟!

قال : جنازة أردت أن أحضرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/١٠ ح ٢١٨٤٤.

٧

قال : فلا تدع الرواح إلى عزّك»(١).

وعن هشام بن أحمر ، قال : «كان أبو الحسن عليه السلام يقول لمصادف : اغد إلى عزّك. يعني : السّوق»(٢).

فهكذا كانوا يحرّضون شيعتهم على طلب الدنيا بالتجارة والعمل وكسب المال ، كما كانوا يحرّضون أهل العلم على التعلّم والتقدّم فيه ، حتّى قالوا : «ليس منّا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه»(٣).

إنّهم لم يهملوا هذا الجانب أبداً ، بل لقد اهتمّوا وأمروا به وحثّوا عليه ورغّبوا فيه بشتّى الأساليب.

ففي الأخبار المذكورة أمرٌ بالمبادرة إلى السوق ، والحضور في محلّ الكسب في أوّل الصبح.

وأيضاً ، فقد عبّروا عن التجارة والكسب وطلب المال الحلال بـ : «العزّ» وما أجمله من تعبير ، ففي الوقت الذي يحرّضون على العمل من أجل الحصول على الدنيا ، يشيرون إلى أنّ الغرض الأقصى من ذلك هو الآخرة والمزايا المعنويّة ، ولذلك نرى أنّ الإمام عليه السلام يضيف كلمة : «وإكرامك نفسك».

بل في رواية عن أبي عبد الله عليه السلام : «لاتدع طلب الرزق من حلّه ، فإنّه عون لك على دينك»(٤).

وفي أُخرى : قال له رجل : «والله إنّا لنطلب الدنيا ، ونحبّ أن نؤتاها ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/١٣ ح ٢١٨٥٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٧/١٢ ح ٢١٨٥٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٧/٧٦ ح ٢٢٠٢٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٧/٣٤ ح ٢١٩١٢.

٨

فقال عليه السلام : تُحبُّ أن تصنع بها ماذا؟ قال : أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها ، وأتصدّق بها ، وأحجّ واعتمر ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ليس هذا طلب الدنيا ، هذا طلب الآخرة»(١).

وفي ثالثة : «نعم العون الدنيا على الآخرة»(٢).

وفي رابعة : «فنعم المطيّة الدنيا للمؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ...»(٣).

وقد كان من اهتمام الإمام عليه السلام بأمر الخروج إلى الكسب أن سأل أحدهم ـ وكأنّه معترض عليه ـ : «مالي أراك تركت غدوّك إلى عزّك؟!» ، ثمّ لمّا اعتذر بالحضور في جنازة أكّد عليه الإمام عليه السلام قائلاً : «فلا تدع الرواح إلى عزّك» ، منبّهاً على أنّ الحضور في الجنازة ونحو ذلك لا ينبغي أن يتجاوز حدّ الضّرورة.

هذا ، وقد أوضح في رواية اُخرى معنى «العزّ» ، بقوله عليه السلام : «تعرّضوا للتجارات ، فإنّ لكم فيها غنىً عمّا في أيدي النّاس»(٤) ، فإنّهم عليهم السلام يريدون استغناء المؤمنين عمّا في أيدي النّاس ، ولو أنّهم أطاعوا الأئمّة عليهم السلام في تعاليمهم وإرشاداتهم لكان الأمر بالعكس ، وكان الآخرون محتاجين إلى المؤمنين ، ولما كان الحال كما هو الآن كائن!!

بل لقد اشتدّ الإمام عليه السلام على بعض الأصحاب :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/٣٤ ح ٢١٩١٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٧/٢٩ ح ٢١٨٩٩.

(٣) وسائل الشيعة ٧/٥٠٩ ح ٩٩٨٧.

(٤) وسائل الشيعة ١٧/١١ ح ٢١٨٤٨.

٩

فعن الفضيل بن يسار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «أيّ شيء تعالج؟ فقلت : ما أُعالج اليوم شيئاً ، فقال : كذلك تذهب أموالكم ، واشتدّ عليه»(١).

فهو يسأل عمّا يفعل ويزاول ، ونفس السؤال يكشف عن الاهتمام بأمر المؤمنين وحبّ الاطّلاع على أحوالهم ، فلمّا أخبره بكونه عاطلاً عن العمل ، اشتدّ عليه وغضب ؛ لأنّ الأئمّة عليهم السلام يبغضون القادر على العمل والعاطل التارك له ، فإنّه سيصرف أمواله ويأكلها ، ثمّ يفقد عزّه بين الناس.

بل لقد نهى بشدّة عن ترك العمل حتّى مع الإيسار :

فعن الفضيل الأعور ، قال : «شهدت معاذ بن كثير وقال لأبي عبد الله عليه السلام : إنّي قد أيسرت فأدع التجارة؟ فقال : إنّك إن فعلت قلّ عقلك»(٢).

وعن معاذ ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : «يا معاذ ، أضعفت عن التجارة؟ أو زهدت فيها؟ قلت : ما ضعفت عنها ، ولا زهدت فيها ، قال : فما لك؟ قال : كنّا ننتظر أمراً ، وذلك حين قتل الوليد ، وعندي مال كثير ، وهو في يدي ، وليس لأحد عليَّ شيء ، ولا أراني آكله حتّى أموت ، فقال : لا تتركها ، فإنّ تركها مذهبة للعقل ، اسع على عيالك ، وإيّاك أن يكونوا هم السّعاة عليك»(٣).

وفي خبر ثالث يقول : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّي قد

__________________

) وسائل الشيعة ١٧/١٤ ح ٢١٨٥٧.

) وسائل الشيعة ١٧/١٤ ح ٢١٨٥٨.

) وسائل الشيعة ١٧/١٤ ح ٢١٨٥٩.

١٠

هممت أن أدع السّوق وفي يدي شيء ، فقال : إذاً يسقط رأيك ، ولا يستعان بك على شيء»(١).

فانظر ، كيف يذمُّ الإمام عليه السلام العطل ، وينبّه على أنّ الإنسان العاطل باختياره ساقط الرأي في المجتمع ، لا يعبأ به ولا يعتنى بكلامه ، ولا يكون له شأن بين الناس ، ولا يستعان به على شيء ، ولا يُرجع إليه في أمر!

ومن جهة أُخرى ، يرى الإمام عليه السلام من المهانة للمؤمن أن يكون عياله هم السّعاة عليه ـ مع قدرته على أن يكون هو الساعي ـ والسبب في التوسعة عليهم ؛ لأنّ في ذلك ذلّةً ، له وهم لا يريدون لأصحابهم الذلّة حتّى بين أفراد عائلتهم.

وأمّا قول الإمام عليه السلام بأنّه إن ترك التجارة قلّ عقله ، وفي خبر : «تركها مذهبة للعقل» ، فلعلَّ المراد أنّ الإنسان الفارغ الجالس في بيته سينعزل عن المجتمع ويبقى وحده ، وحينئذ يوسوس له الشيطان ويتلاعب بعقله وفكره ويشوّش عليه العيش ، وكأنّ قوله لمّا سأل عن أحد المؤمنين فقيل له : «قد ترك التجارة» إنّه «عمل الشيطان»(٢) ، إشارة إلى ما ذكرناه.

ثمّ إنّ جملةً من الروايات قد أضافت آثاراً سيئةً على ترك الكسب والتجارة عن اختيار وقدرة :

كقوله عليه السلام : «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم»(٣).

وقوله عليه السلام لمن طلب منه أن يدعو الله لأنْ يرزقه في دعة :

__________________

) وسائل الشيعة ١٧/١٥ ح ٢١٨٦٢.

) وسائل الشيعة ١٧/١٧ ح ٢١٨٦٥.

) وسائل الشيعة ٧/١٢٥ ح ٨٩١٠.

١١

«لا أدعو لك ، اطلب كما أمرك الله عزّ وجلّ»(١).

وقوله عليه السلام : «من طلب هذا الرزق من حلّه ، ليعود به على نفسه وعياله ، كان كالمجاهد في سبيل الله»(٢).

ثمّ إنّهم بيّنوا آداب طلب الرزق ، ومن ذلك قولهم :

«وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله»(٣).

وذكّروا ببعض الآثار الوضعيّة ، كقولهم :

«كسب الحرام يبين في الذرّيّة»(٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/٢٠ ح ٢١٨٧٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٧/٢٠ ح ٢١٨٧٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٧/٤٥ ح ٢١٩٣٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٧/٨٢ ح ٢٢٠٤٣.

١٢

(٢٠)

جلساء الرّجل شركاؤه في الهديّة

هكذا في رواية(١) ، وهو من محاسن كلامهم عليهم السلام ؛ لأنّهم حريصون على أن يراعي شيعتهم الآداب الاجتماعية ويحافظوا على مروّتهم بين النّاس ، فمن كان منهم وجيهاً في قومه وله جلساء ، فقدّمت له هديّةٌ بمحضر منهم ، قبح له أن يأخذها ولا يعطيهم شيئاً منها ، بل مقتضى مروّته أن يشاركهم فيها ، بل يوزّعها عليهم ، فلا يُبقى لنفسه منها شيئاً ...

فانظر ، كيف يهتمّون بشؤون شيعتهم!

وأيضاً ، فإنّهم عليهم السلام يهمّهم أن يكون شيعتهم متحابّين فى ما بينهم ، فذكروا أنّ من جملة أسباب التحابب هو : التهادي ، بل أمروا بذلك فقالوا :

«تهادوا تحابّوا»(٢).

وإنّهم لا يريدون حدوث أيّة ضغينة بين مواليهم ، ولو حدثت يؤكّدون على رفعها ، فيأمرون بالهديّة ويقولون :

«تهادوا ، فإن الهديّة تسلّ السخائم وتجلي ضغائن العداوة والأحقاد»(٣).

ثمّ إنّهم يعلّمون شيعتهم أنواع الهدية والغرض منها فيقولون :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/٢٩٣ ح ٢٢٥٦٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٧/٢٨٦ ح ٢٢٥٤٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٧/٢٨٧ ح ٢٢٥٤٠.

١٣

«الهديّة على ثلاثة وجوه : هديّة مكافأة ، وهديّة مصانعة ، وهديّة لله عزّ وجلّ»(١).

فمن الهديّة ما يكون مكافأةً أو مصانعةً ، فهم يأمرون بتبادل الهدايا ، لوجهين : أحدهما : إنّ ذلك في نفسه موجب للتحابب ، كما تقدّم. والآخر : إنّه من مصاديق قوله تعالى : (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)(٢).

مضافاً إلى أنّ ذلك يقتضي الاستمرار على التهادي والتحابب ، وأيضاً ، فإنّ الهديّة من جانب واحد ، خاصةً لو تكرّرت ، ربّما تنتهي إلى حالات مذمومة كالمنّ ونحوه.

ومن الهديّة ما لا يكون الغرض منه إلاّ رضا الله تعالى ... ومن الواضح أنّ رضا الله يستتبع رضا المخلوقين ، ومن أصلح بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين النّاس.

ثمّ إنّهم عليهم السلام ينبّهون على أمرين :

أحدهما :

حسن قبول الهديّة وأنّ ردّها قبيح ، وقد ينتزع من ذلك الاستهانة ، ويورث الضغينة ، بل القطيعة.

والآخر :

إنّه وإنْ أمروا بالتهادي والمقابلة بالجميل ، فقد نهوا عن التكلّف.

ففي الخبر : «من تكرمة الرجل لأخيه المسلم أن يقبل تحفته ، ويتحفه بما عنده ، ولا يتكلّف له شيئاً»(٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧/٢٨٥ ح ٢٢٥٣٥.

(٢) سورة الرحمن ٥٥ : ٦٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٧/٢٨٦ ح ٢٢٥٣٦.

١٤

(٢١)

ويلٌ لمن غلبت آحاده أعشاره

عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «كان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول : ويلٌ لمن غلبت آحاده أعشاره.

فقلت له : وكيف هذا؟

قال : أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول : (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا)(١) ، فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشراً ، والسيئة الواحدة إذا عملها كتبت له واحدة ، فنعوذ بالله ممّن يرتكب في يوم واحد عشر سيئّات ، ولا يكون له حسنة واحدة فتغلب حسناته سيّئاته»(٢).

هذا كلام إمام ينقله إمام قائلاً : «كان يقول» ، وهو ظاهر في الاستمرار ، أي طالما كان يعظ به ، وما أبلغها من موعظة مستنبطة من كلام الله عزّ من قائل!

لكن ذلك يتوقّف على محاسبة المؤمن نفسه ومراقبته لها ، وبالمبالاة لكلّ ما يكون منه فعلاً أو تركاً ، فتلك هي الأساس.

ولذا قال مولانا الإمام الكاظم عليه السلام : «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإنْ عمل حسناً استزاد الله ، وإنْ عمل سيئاً استغفر الله

__________________

(١) سورة الأنعام ٦/١٦٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٦/١٠٣ ح ٢١٠٩٥.

١٥

منه وتاب إليه»(١).

وقد سأل رجلٌ أمير المؤمنين عليه السلام : «كيف يحاسب نفسه؟».

قال : «إذا أصبح ثمّ أمسى رجع إلى نفسه ، وقال : يا نفسي ، إنّ هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداً ، والله يسألك عنه بما أفنيته ... فيذكر ما كان منه ، فإنْ ذكر أنّه جرى منه خير حمد الله وكبّره على توفيقه ، وإنْ ذكر معصيةً أو تقصيراً استغفر الله وعزم على ترك معاودته»(٢).

ومن هنا ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : «من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر»(٣) ؛ لأنّه إذا حاسب فسوف لا تزيد سيئاته على حسناته ، بل بالعكس ؛ لأنّ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، فيكون رابحاً غير خاسر ، بل إنّه سيزداد في كلّ يوم خيراً فيكون من خير النّاس وأقربهم إلى الله عزّ وجلّ.

ولذا كان الإمام علي بن الحسين عليه السلام يقول : «ابن آدم ، إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همّك ...»(٤).

هذا ، ومن النّاس من يقضي شطراً من عمره في اللاّمبالاة على أمل أنْ يصلح حاله في مستقبل أيّامه ، إلاّ أنّ الإمام عليه السلام يحذّره من هذا التفكير ، فيقول : «إذا أتت على الرجل أربعون سنة قيل له : خذ حذرك فإنّك غير معذور ، وليس ابن الأربعين أحقّ بالحذر من ابن العشرين ، فإنّ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/٩٥ ح ٢١٠٧٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٦/٩٨ ح ٢١٠٨١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦/٩٧ ح ٢١٠٧٩.

(٤) وسائل الشيعة ١٦/٩٦ ح ٢١٠٧٦.

١٦

الذي يطلبهما واحد وليس براقد ، فاعمل لما أمامك من الهول ، ودع عنك فضول القول»(١).

لكنْ قد يصل الإنسان ـ معاذ الله ـ إلى حالة لا يُرجى خيره أبداً :

عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السلام ، قال : «ثلاث من لم تكن فيه فلا يرجى خيره أبداً : من لم يخش الله في الغيب ، ولم يرع في الشيب ، ولم يستح من العيب»(٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦/١٠١ ح ٢١٠٨٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٦/١٠٢ ح ٢١٠٩٢.

١٧

(٢٢)

أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر

عن أبي عبد الله عليه السلام : «ثلاث لا عذر لأحد فيها : أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين»(١).

هكذا يؤدّبون شيعتهم!

قد تتوهّم أنّه إذا كان الشخص فاجراً فأنت في سعة بالنسبة إليه ، وأنّك مرخّص في الخيانة في ماله إذا استأمنك أو الخلف لوعده إذا وعدته .. كلاّ ، ليس الأمر كذلك ، وكونه فاجراً ليس بعذر لك.

بل الإمام عليه السلام يضرب لك مثلاً ، ويقول : «فلو أنَّ قاتل علي عليه السلامائتمنني على أمانة لأدّيتها إليه»(٢). وهل فوق قاتل أمير المؤمنين عليه السلامفاجراً؟

إنّ أداء الأمانة صفةٌ حسنةٌ في نفسها ، والمؤمن يجب أن يتحلّى بالصفات الحسنة ، والخيانة في نفسها صفة قبيحة على المؤمن الاجتناب عنها بغضّ النظر عن صاحب المال الذي استأمنك ...

والأخبار في خصوص أداء الأمانة كثيرة.

ومن ذلك ما عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر : «فاتّقوا الله وأدّوا

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩/٧١ ح ٢٤١١٧٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٩/٧٢ ح ٢٤١١٧٧.

١٨

الأمانة إلى الأسود والأبيض ، وإن كان حروريّاً ، وإن كان شاميّاً»(١).

وعنه عليه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً إلاّ بصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر»(٢).

بل لقد جعل أداء الأمانة ممّا يختبر به المؤمن.

فعن أبي عبد الله عليه السلام : «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ، فإنّ ذلك شيء اعتاده ، فلو تركه استوحش لذلك ، ولكنْ انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته»(٣).

وفوق ذلك كلّه ، ما ورد عن أبي كهمس ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : عبد الله بن أبي يعفور يقرؤك السلام.

قال : وعليك وعليه السلام ، إذا أتيت عبد الله فاقرأه السّلام ، وقل له :

إنّ جعفر بن محمّد يقول لك : انظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول الله صلّى الله عليه وآله فالزمه ، فإنّ عليّاً عليه السلام إنّما بلغ ما بلغ عند رسول الله صلّى الله عليه وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة»(٤).

ثمّ إنّهم عليهم السلام ذكروا لحفظ الأمانة وأدائها فوائد وآثاراً دنيوية :

عن عبد الرحمن بن سيّابة عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ قال : «ألا أُوصيك؟ قلت : بلى ، قال : عليك بصدق الحديث وأداء الأمانة تشرك النّاس في أموالهم هكذا ، وجمع بين أصابعه.

قال : فحفظت ذلك عنه فزكّيت ثلاثمائة ألف درهم»(٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩/٧٣ ح ٢٤١١٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٩/٧٣ ح ٢٤١٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٩/٦٨ ح ٢٤١٦٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٩/٦٧ ح ٢٤١٦٦.

(٥) وسائل الشيعة ١٩/٦٨ ح ٢٤١٧١.

١٩

وعنه عليه السلام قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ليس منّا من أخلف بالأمانة.

قال : وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أداء الأمانة تجلب الرزق ، والخيانة تجلب الفقر»(١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩/٧٦ ح ٢٤١٩٠.

٢٠