مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

السيّد علي الحسيني الميلاني

مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٢

١
٢

٣

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

سورة الأحزاب : ٣٣

٤

كلمة المؤلّف

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد ،

فهذا بحثٌ موضوعيٌّ مع الدكتور علي أحمد السالوس ، الاستاذ بجامعة قطر ، وعميد كلية الشريعة بها ، في رسالته التي كتبها في «آية التطهير» جواباً لتساؤل أكثر من طالب من الشيعة عن المراد ب «أهل البيت» في تلك الآية الكريمة ... كما ذكر في المقدّمة.

ولقد كان الأحرى به أن ينقل عن كتب الشيعة رأيهم وطريقة استدلالهم لما ذهبوا إليه ، ثمّ يناقش أدلّتهم على ضوء الكتاب والسنّة والقواعد العلميّة الرصينة ... لكنّه لم يفعل هذا.

٥

بل إنّه لم يتعرّض إلى عمدة الأدلّة الموجودة في الصحاح والمسانيد المعتبرة ، وإنما اقتصر على أحاديث الطبري ، وحتّى أحاديث الطبري لم يوردها كلّها ، وأغفل موارد الاستدلال منها ... ثمّ جعل يناقش في أسانيد البعض الذي ذكره منها ... وقد كان أهمّ الأسباب في ردّها كون الراوي شيعيّاً ، مع أنّ كبار الأئمة كالبخاري وغيره يحتجّون برواية من جرحه الدكتور بالتشيّع ، بل إنّ بعضهم مثل «خالد بن مخلَّد» يعدّ من كبار مشايخ البخاري ...

على أنّ أعلام الحفّاظ كالحافظ الذهبي والحافظ ابن حجر العسقلاني يصرّحون بأنّ التشيّع لا يضرّ ...

فما معنى «التشيع» عندهم؟

قال الحافظ ابن حجر : «والتشيّع محبّة علي وتقديمه على الصحابة ، فمن قدّمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيّعه ويطلق عليه رافضي وإلّا فشيعي ، فإن انضاف إلى ذلك السبُّ أو التصريح بالبغض فغال في الرفض ، وإنْ اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشدّ في الغلو» (١).

والقائلون بتقديم أمير المؤمنين علي على أبي بكر وعمر ـ فضلاً عن عثمان ـ في الصحابة والتابعين كثيرون.

فمن الصحابة من ذكرهم الحافظ ابن عبد البر القرطبي في (الاستيعاب) حيث قال :

«وروي عن سلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وخباب ، وجابر ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن الأرقم : أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوّل من أسلم.

__________________

(١) مقدمة فتح الباري : ٤٦٠.

٦

وفضّله هؤلاء على غيره» (١).

ومن التابعين وأتباعهم ذكر ابن قتيبة جماعةً في كتابه (المعارف) حيث قال : «الشيعة : الحارث الأعور ، وصعصعة بن صوحان ، والأصبغ بن نباتة ، وعطيّة العوفي ، وطاووس ، والأعمش ، وأبو إسحاق السبيعي ، وأبو صادق ، وسلمة بن كهيل ، والحكم بن عتيبة ، وسالم بن أبي الجعد ، وابراهيم النخعي ، وحبّة بن جوين ، وحبيب بن أبي ثابت ، ومنصور بن المعتمر ، وسفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، وفطر بن خليفة ، والحسن بن صالح بن حي ، وشريك ، وأبو إسرائيل الملّائي ، ومحمّد بن فضيل ، ووكيع ، وحميد الرواسي ، وزيد بن الحباب ، والفضل ابن دكين ، والمسعود الأصغر ، وعبيد الله بن موسى ، وجرير بن عبد الحميد ، وعبد الله بن داود ، وهشيم ، وسليمان التيمي ، وعوف الأعرابي ، وجعفر الضبعي ، ويحيى بن سعيد القطّان ، وابن لهيعة ، وهشام بن عمّار ، والمغيرة صاحب إبراهيم ، ومعروف بن خرّبوذ ، وعبد الرزاق ، ومعمر ، وعلي بن الجعد» (٢).

ومن العلماء والمحدّثين في القرون اللاحقة من الشيعة من لا يحصي عددهم إلّا الله ...

وقد اضطرب القوم واختلف موقفهم تجاه هؤلاء الرواة من الصحابة والتابعين وتابعيهم ... ولننقل عبارة الحافظ ابن حجر فإنه قال :

«فقد اختلف أهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله ، إذا كان معروفاً بالتحرّز من الكذب ، مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة ، موصوفاً بالديانة

__________________

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١٠٩٠.

(٢) المعارف : ٣٤١.

٧

والعبادة. فقيل : يقبل مطلقاً ، وقيل : يردّ مطلقاً ، والثالث التفصيل بين أنْ يكون داعيةً لبدعته أو غير داعية ، فيقبل غير الداعية ويردّ حديث الداعية. وهذا المذهب هو الأعدل ، وصارت إليه طوائف من الأئمة ، وادعى ابن حبّان إجماع أهل النقل عليه ، لكن في دعوى ذلك نظر. ثمّ اختلف القائلون بهذا التفصيل ، فبعضهم أطلق ذلك ، وبعضهم زاده تفصيلاً فقال : إنْ اشتملت رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزيّنه ويحسنه ظاهراً فلا تقبل ، وإنْ لم تشتمل فتقبل ، وطرّد بعضهم هذا التفصيل بعينه في عكسه في حق الداعية فقال : إنْ اشتملت روايته على ما يردّ بدعته قبل وإلّا فلا. وعلى هذا إذا اشتملت رواية المبتدع سواء كان داعيةً أم لم يكن على ما لا تعلّق له ببدعته أصلاً هل تردّ مطلقاً أو تقبل مطلقاً؟ مال أبو الفتح القشيري إلى تفصيل آخر فيه فقال : إنْ وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو إخماداً لبدعته وإطفاءً لناره ، وإنْ لم يوافقه أحد ولم يوجد ذلك الحديث إلّا عنده ـ مع ما وصفنا من صدقه وتحرّزه عن الكذب واشتهاره بالدين وعدم تعلّق ذلك الحديث ببدعته ـ فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنّة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته ، والله أعلم» (١).

أقول :

فالتشيع لا يضر بالوثاقة ولا يمنع من الاعتماد ، وهذا ما نصَّ عليه الحافظ ابن حجر في غير موضعٍ ، ففي كلامه حول «خالد بن مخلّد القطواني الكوفي»

__________________

(١) مقدمة فتح الباري : ٣٨٢.

٨

قال :

«خ م ت س ق ـ خالد بن مخلَّد القطواني الكوفي أبو الهيثم ، من كبار شيوخ البخاري ، روى عنه وروى عن واحدٍ عنه ، قال العجلي : ثقة وفيه تشيّع. وقال ابن سعد : كان متشيّعاً مفرطاً. وقال صالح جزرة : ثقة إلّا أنه يتشيّع. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به.

قلت : أمّا التشيّع فقد قدّمنا أنه ـ إذا كان ثبت الأخذ والأداء ـ لا يضرّه ، سيّما ولم يكن داعية إلى رأيه» (١).

بل الرفض غير مضر ... قال الحافظ ابن حجر :

«خ ت ق ـ عبّاد بن يعقوب الرواجني الكوفي أبو سعيد ، رافضي مشهور ، إلّا أنه كان صدوقاً ، وثّقه أبو حاتم ، وقال الحاكم : كان ابن خزيمة إذا حدّث عنه يقول : حدّثنا الثقة في روايته المتّهم في رأيه عبّاد بن يعقوب ، وقال ابن حبّان : كان رافضيّاً داعية ، وقال صالح بن محمّد ، كان يشتم عثمان رضي الله عنه. قلت : روى عنه البخاري في كتاب التوحيد حديثاً واحداً مقروناً وهو حديث ابن مسعود : أيّ العمل أفضل؟. وله عند البخاري طريق أُخرى من رواية غيره» (٢).

وقال الحافظ الذهبي في «أبان بن تغلب» :

«أبان بن تغلب [م ، عو] الكوفي ، شيعي جلد ، لكنّه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبو حاتم ، وأورده ابن

__________________

(١) مقدمة فتح الباري : ٣٩٨.

(٢) مقدمة فتح الباري : ٤١٠.

٩

عدي وقال : كان غالياً في التشيّع. وقال السعدي : زائغ مجاهر.

فلقائل أن يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع ، وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلاً مَن هو صاحب بدعة؟

وجوابه : إن البدعة على ضربين ، فبدعة صغرى كغلوّ التشيّع أو كالتشيّع بلا غلوّ ولا تحرّق ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بيّنة ...» (١).

لكنّ بعض المتعصّبين يقدحون في الرجل إذا كان شيعيّاً ويكرهون الرواية عنه ، ويعبّرون عنه بعباراتٍ شنيعة ، بل حتى وإنْ كان من الصحابة ، مع أنّ المشهور بينهم ـ بل ادّعي عليه الإجماع ـ عدالة الصحابة أجمعين ، وإليك نموذجاً من ذلك :

قال الحافظ ابن حجر : «ع ـ عامر بن واثلة أبو الطفيل الليثي المكي ، أثبت مسلم وغيره له الصحبة ـ وقال أبو علي ابن السكن : روي عنه رؤيته لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم من وجوهٍ ثابتة ، ولم يرو عنه من وجهٍ ثابت سماعه. وروى البخاري في التاريخ الأوسط عنه أنه قال : أدركت ثمان سنين من حياة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم. وقال ابن عدي : له صحبة ، وكان الخوارج يرمونه باتّصاله بعلي وقوله بفضله وفضل أهل بيته ، وليس بحديثه بأس. وقال ابن المديني : قلت لجرير : أكان مغيرة يكره الرواية عن أبي الطفيل؟ قال : نعم. وقال : صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه : مكي ثقة. وكذا قال ابن سعد وزاد : كان متشيّعاً. قلت : أساء أبو محمّد ابن حزم فضعّف

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٥.

١٠

أحاديث أبي الطفيل وقال : كان صاحب راية المختار الكذّاب.

وأبو الطفيل صحابي لا شكّ فيه ، ولا يؤثر فيه قول أحدٍ ولا سيّما بالعصبيّة والهوى. ولم أر له في صحيح البخاري سوى موضعٍ واحدٍ في العلم ، رواه عن علي ، وعنه معروف بن خربوذ. وروى له الباقون» (١).

أضف إلى هذا تصريحهم بعدم قبول جرح من بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد : قال الحافظ : «وممّن ينبغي أنْ يتوقّف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد. فإنَّ الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي اسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب ، وذلك لشدّة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيّع ...» (٢).

على أنّه إذا كان المطلوب في الراوي للاعتماد عليه كونه متّفقاً على تعديله ... فهذا في الرواة نادر جدّاً ، إذْ لم يسلم أحد من الثلب والطعن لسببٍ من الأسباب ... حتى البخاري صاحب الصحيح ... فقد أورده الحافظ الذهبي في كتابه في (الضعفاء والمتروكين) وقال : «تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ» (٣). وهذا ما أثار غضب الآخرين كالسبكي حيث قال بعد نقله : «فيا لله والمسلمين : أيجوز لأحدٍ أنْ يقول البخاري متروك ، وهو حامل لواء الصناعة ، ومقدَّم أهل السنّة والجماعة» (٤).

وبعد ... فقد ناقشت ما جاء في رسالة الدكتور على ضوء الكتاب والسنّة وآراء

__________________

(١) مقدمة فتح الباري : ٤١٠.

(٢) لسان الميزان ١ / ١٦.

(٣) المغني في الضعفاء ٢ / ٥٥٧.

(٤) طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ١٢.

١١

أئمة الحديث والتفسير والجرح والتعديل ... سائلاً المولى العلي القدير أن يوفّقنا لمعرفة الحق واتّباعه ، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم ، إنه سميع مجيب.

المؤلّف

١٢

مقدّمة البحث

يقول الدكتور :

«قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ...) فهذه الآيات الخمس في نساء النبي كما يبدو ، ولكنّ جدلاً كثيراً دار حول عجز الآية الثالثة والثلاثين : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.)

وهذا الجزء يطلق عليه اسم آية التطهير.

ويرى إخواننا الشيعة الجعفرية الاثنا عشرية أن عجز الآية لا صلة له بما قبله ولا بما بعده ، وإنّما هو خاص بالنبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم والسيدة فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب وابنيهما الحسن والحسين ـ رضي الله تعالى عنهم جميعاً ـ وأنّه يدل على عصمتهم ، ومن ثمَّ يستدلّون به على مذهبهم في الإمامة.

فاستدلالهم ينبني على نقاط ثلاث هي :

١٣

تحديد المراد بأهل البيت في الآية الكريمة.

ثمّ دلالة الآية على عصمتهم.

وأخيراً التلازم بين العصمة والإمامة.

وقد ذهبوا إلى أن المراد بأهل البيت هم هؤلاء الخمسة فقط مستدلّين بشيئين :

الأول : الخطاب في قوله تعالى : (عَنْكُمُ) و (يُطَهِّرَكُمْ) بالجمع المذكّر ، يدل ـ كما يقولون ـ على أنّ الآية الشريفة في حقّ غير زوجات رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وإلّا فسياق الآيات يقتضي التعبير بخطاب الجمع المؤنّث ، أي : عنكنّ ، ويطهّركنّ.

فالعدول عنهما إلى الخطاب بالجمع المذكر يشهد بأن المراد من أهل البيت غير الزوجات.

الثاني : أخبار تدل على أنها في الخمسة الأطهار».

١٤

الأقوال في المسألة

أقول :

الذي يظهر من الأخبار والآثار وكلمات الأعلام عدم الخلاف بين رجال صدر الاسلام من الصحابة وغيرهم في اختصاص آية التطهير بالنبي وبضعته ووصيه وسبطيه عليه وعليهم الصلاة والسلام ...

أمّا الأخبار فسنذكر طائفةً منها.

وأمّا الآثار فيكفينا منها قول عكرمة البربري : «ليس بالذي تذهبون إليه ، إنّما هو نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١) ... فإنّه يفيد بكلّ وضوح أنّ ذلك كان هو الرأي السائد بين المسلمين ، كما أنّ قوله هذا ـ كندائه في الأسواق بنزول الآية في زوجات النبي (٢) ، وقوله : من شاء باهلته أنها نزلت في نساء

__________________

(١) الدر المنثور ٥ / ١٩٨.

(٢) تفسير الطبري ٢٢ / ٧ ، ابن كثير ٣ / ٤١٥ ، أسباب النزول : ٢٦٨.

١٥

النبي خاصة (١) ـ يفيد أن عكرمة هو الذي أبدى هذا القول.

وأمّا كلمات أعلام الحديث والتفسير فيكفينا منها قول الحافظ ابن الجوزي (٢) :

«وفي المراد ب (أهل البيت) هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : انهم نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّهنّ في بيته. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكّد هذا القول أن ما قبله وما بعده متعلّق بأزواج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وعلى أرباب هذا القول اعتراض وهو : إنّ جمع المؤنث بالنون ، فكيف قيل (عنكم) و (يطهّركم)؟

فالجواب : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهنَّ ، فغلب المذكر.

والثاني : إنّه خاص في : رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين. قاله أبو سعيد الخدري. وروي عن : أنس وعائشة وأُمّ سلمة نحو ذلك.

والثالث : إنهم أهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأزواجه. قاله الضحّاك» (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ٥ / ١٩٨ ، ابن كثير ٣ / ٤١٥.

(٢) هو الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي الحنبلي البغدادي المتوفّى سنة ٥٩٧ ، له مؤلفات كثيرةٍ في علومٍ شتّى. وقد اعتمد عليه «الدكتور» في بحوثه.

(٣) زاد المسير في علم التفسير ٦ / ٣٨١ ـ ٣٨٢.

١٦

أقول :

ومن هذا الكلام نفهم :

١ ـ إن هذه الأقوال هي في المراد من «أهل البيت» (هاهنا).

٢ ـ إنّ القول باختصاص الآية بالخمسة الطاهرة لا يختص بالشيعة الامامية.

٣ ـ إنّ زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنفسهن من القائلين بالاختصاص.

٤ ـ إن القولين الأول والثالث لم يقل بهما أحد من الصحابة ، أمّا الثالث فهو للضحّاك فقط. ـ كما قال ـ وأمّا الأول فلم ينسب إلى أحدٍ منهم سوى ابن عباس ، وهذا ممّا لم يصحّ عنه ، بل ستعلم أنه من القائلين بالاختصاص.

٥ ـ إنّ عمدة القائلين بالأول هو : عكرمة البربري. وقد قدّمنا ما كان يقوله في هذه الآية ويصرّ عليه إلى حدّ المباهلة!! بل إن الطبري لم ينسب القول الأوّل إلّا إليه ... فإنّه قال : «واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله (أهل البيت) فقال بعضهم عني به : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ رضوان الله عليهم. ذكر من قال ذلك» فروى بأسانيده القول بذلك عن : أبي سعيد الخدري ، وعائشة ، وأنس ، وأبي الحمراء ، وأُمّ سلمة ، وعلي بن الحسين السجاد عليه‌السلام وغيرهم (١) ثمّ قال : «وقال آخرون : بل عنى أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ذكر من قال

__________________

(١) سنذكر رواياته بالتفصيل.

١٧

ذلك : حدّثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الأصبغ ، عن علقمة قال : كان عكرمة ينادي في السوق : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال : نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة» (١).

فهو لا يروي القول الآخر إلّا عن عكرمة ، كما أن عكرمة لا يرويه عن أحدٍ من الصحابة وإنّما هو قول من عنده.

٦ ـ إنّ الاعتراض على القول الأول ـ من الأقوال الثلاثة التي ذكرها ابن الجوزي ـ بمجيء (عنكم) و (يطهّركم) دون (عنكنّ) و (يطهّركنّ) اعتراض وارد حتّى عند مثل ابن الجوزي ـ ولا بدَّ له من جوابٍ مقبول ، فإنّ ما أتى به ابن الجوزي تمحّل واضح وتعسّف بيّن ، ولقد كان هذا الاعتراض هو الوجه ـ بالاضافة إلى الأحاديث ـ في سقوط قول عكرمة ، عند غير واحدٍ من أعلام القوم ، كالحافظ أبي حيّان الأندلسي ، فإنّه بعد أن ذكر قول عكرمة ومن تبعه قال : «ليس بجيّد ، إذ لو كان كما قالوا لكان التركيب عنكنّ ويطهّركنّ ، وإن كان هذا القول مرويّاً عن ابن عباس فلعلّه لا يصحّ عنه» (٢).

وإنّي لأتعجّب ممن يتّبع عكرمة في القول باختصاص الآية بالأزواج ، أو يتبع الضحاك في القول بنزولها فيهنّ وفي أهل البيت ، لأنهم يدّعون للأزواج ما لا يدّعينه لأنفسهنّ (٣)!

__________________

(١) تفسير الطبري ٢٢ / ٧.

(٢) البحر المحيط ٧ / ٢٣١.

(٣) ونظير هذا : القول بعدالة الصحابة أجمعين ، فإن الصحابة أنفسهم لم يكونوا يرون هذا ، كما دلّت عليه أقوالهم وأفعالهم.

١٨

على أنّ عكرمة ومن قال بقوله ، وكذا الضحّاك إنْ صح ما نسب إليه ابن الجوري ... لا يصلحون لأنْ يتّبعهم أحدٌ في أقوالهم ، لِما جاء بتراجمهم في كتب الرجال :

ترجمة عكرمة :

فإن «عكرمة البربري» من أشهر الزنادقة الذين وضعوا الأحاديث الكثيرة للطعن في الإسلام! وإليك طرفاً من تراجمه في الكتب المعتبرة المشهورة (١) :

١ ـ طعنه في الدين :

لقد ذكروا أنّ هذا الرجل كان طاعناً في الإسلام ، مستهزئاً بالدِين ، من أعلام الضلالة ودعاة السوء.

فقد نقلوا عنه أنّه قال : إنّما أنزل الله متشابه القرآن ليضلّ به!

وقال في وقت الموسم : وددت أنّي اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً!

وأنّه وقف على باب مسجد النبيّ وقال : ما فيه إلّا كافر!

وذكروا أنّه كان لا يصلّي ، وأنّه كان في يده خاتم من الذهب ، وأنّه كان يلعب

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٨٧ ، الضعفاء الكبير ٣ / ٣٧٣ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٦٤ ، وفيات الأعيان ١ / ٣١٩ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٩٣ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٨٤ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٩ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣ ـ ٢٧٣.

١٩

بالنرد ، وأنّه كان يستمع الغناء!

٢ ـ كان من دعاة الخوارج :

وإنّه إنّما أخذ أهل إفريقية رأي الصفرية ـ وهم من غلاة الخوارج ـ منه ، وقد ذكروا أنّه نحل ذلك الرأي إلى ابن عبّاس!

وعن يحيى بن معين : إنّما لم يذكر مالك عكرمة ، لأنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية.

وقال الذهبي : قد تكلّم الناس في عكرمة ، لأنّه كان يرى رأي الخوارج.

٣ ـ كان كذّاباً :

كذب على سيّده ابن عبّاس حتّى أوثقهُ عليُّ بن عبد الله بن عبّاس على باب كنيف الدار. فقيل له : أتفعلون هذا بمولاكم؟! قال : إنّ هذا يكذب على أبي.

وعن سعيد بن المسيّب ، أنّه قال لمولاه : يا برد ، إيّاك أن تكذب علَيَّ كما يكذب عكرمة على ابن عبّاس.

وعن ابن عمر ، أنّه قال لمولاه : اتّقِ الله ، ويحك يا نافع ، لا تكذب علَيَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس.

وعن القاسم : إنّ عكرمة كذّاب.

وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك : كذّاب.

وعن ابن ذويب : كان غير ثقة.

٢٠