الموضح عن جهة إعجاز القرآن

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

الموضح عن جهة إعجاز القرآن

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


المحقق: محمّد رضا الأنصاري القمّي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-444-628-3
الصفحات: ٣٤٤

١
٢

٣
٤

تقديم

الشريف المرتضى عليّ بن الحسين موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، السيّد الشريف ، أبو القاسم المرتضى ، علم الهدى ، ذو المجدين الموسويّ البغداديّ (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍) ، علم خفّاق في سماء العلم والمعرفة. منذ أن بزغ نوره في سماء مدينة السّلام ، وظلّ يشعّ مدى حياته وبعد وفاته.

تسابق المترجمون له في وصفه بأجلّ النعوت وأجمل الصفات ، فقد قيل عنه : «إنّه متوحّد في علوم كثيرة ، مجمع على فضله ، مقدّم في العلوم ، وأكثر أهل زمانه أدبا وفضلا» ، «حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه ، عظيم المنزلة في العلم والدّين والدّنيا» ، «نقيب النّقباء ، الفقيه ، النظّار ، أوحد الفضلاء ، يتوقّد ذكاء» ، «كان ذا محلّ عظيم في العلم والفضائل والرئاسات» ، «كثير الاطّلاع والجدال» ، «إمام أئمّة العراق ، إليه فزع علماؤها ، وعنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها ، جماع شاردها وآنسها ، ممّن سارت أخباره ، وعرفت به أشعاره ، وحمدت في ذات الله آثاره» ، «هو وأخوه في دوح السّيادة ثمران ، وفي فلك الرئاسة قمران» ، «كان إماما في علم الكلام والأدب والشّعر والبلاغة ، كثير التّصانيف ، متبحّرا في فنون العلوم» ، «كان مجمعا على فضله ، متوحّدا في علوم كثيرة» ، «وكان من الأذكياء الأولياء» ، وغيرها من الصفات. فالرّجل أشهر من أن يعرّف ، وقد ملأ

٥

صيته الخافقين ، ومن أراد الاستزادة فعليه بمصادر ترجمته (١).

* * *

القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، نزل به الأمين جبرائيل عليه‌السلام بلسان عربيّ مبين ، على قلب نبيّه الكريم نجوما ، وتحدّى به صلى‌الله‌عليه‌وآله العرب خصوصا ، والجنّ والإنس عموما من الأوّلين والآخرين ، على أن يأتوا ولو بآية

__________________

(١) اهمّ هذه المصادر : الفهرست ، للطوسيّ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، الرجال / ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ، رجال النجاشيّ / ٢٧٠ ـ ٢٧١ ـ ٧٠٨ ، معالم العلماء / ٦١ ـ ٦٣ ، مجمع الرجال ٤ / ١٨٩ ـ ١٩١ ، تنقيح المقال ٢ ـ ١ / ٢٨ ـ ٢٨٥ ، معجم رجال الحديث ١١ / ٣٩٤ ـ ٣٩٨ ، أمل الآمل ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٥ ، مستدرك الوسائل ٣ / ٥١٥ ـ ٥١٧ ، روضات الجنّات ٤ / ٢٩٤ ـ ٣١٢ ، الدرجات الرفيعة ٤٥٨ ـ ٤٦٦ ، تاريخ بغداد ١١ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ق ٤ ـ مج ٢ / ٤٦٥ ـ ٤٧٥ ، دمية القصر ، ١ / ٢٩٩ ـ ٣٠٣ ـ ٨ ، وفيات الأعيان (ابن خلّكان ٣ / ٣١٣ ـ ٣١٧ ، معجم الأدباء ٥ / ١٧٣ ـ ١٧٩ ، إنباه الرواة ٢ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، الوافي بالوفيات ٢١ / ٦ ـ ١١ ـ ٢ ، تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب (علم الهدى) ٤ ـ ١ / ٦٠٠ ـ ٦٠٢ ، (اللام والميم) (المرتضى) ٥ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨ ـ ١٠٢٦ ، بغية الوعاة ٢ / ١٦٢ ، المنتظم ٨ / ١٢٠ ـ ١٢٦ ، سير أعلام النبلاء ١٧ / ٥٨٨ ـ ٥٩٠ ـ ٣٩٤ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٥٦ ـ ٢٥٨ ، مرآة الجنان ٣ / ٥٥ ـ ٥٧ ، لسان الميزان ٤ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، الأعلام (ط ٣) ـ ٥ / ٨٩ ، معجم المؤلّفين ٧ / ٨١ ـ ٨٢ ، أدب المرتضى ، الدكتور عبد الرزّاق محيي الدين (مطبعة المعارف ـ بغداد ـ ١٩٥٨) ، هديّة العارفين ١ / ٦٨٨ ، رجال بحر العلوم ٣ / ٨٧ ـ ١٥٥ ، عمدة الطالب ١٩٣ ـ ١٩٥ ، أعيان الشيعة (ط. دار التعارف) ٨ / ٢١٣ ـ ٢١٩ ، الغدير ٤ / ٢٦٢ ـ ٢٩٩ ، مقدّمة الأمالي ، لمحمّد أبي الفضل إبراهيم ١ / ٣ / ٢٦ ، مقدّمة ديوان المرتضى ، للشيخ محمّد رضا الشبيبيّ ، والدكتور مصطفى جواد ، ورشيد الصفّار في ١٤٤ صفحة ، مقدّمة «الانتصار» للسيّد محمّد رضا الخرسان في ٦١ صفحة ، الغدير في التراث الإسلامي ، للسيّد عبد العزيز الطباطبائيّ. الشريف المرتضى : أضواء على حياته وآثاره ، للشيخ محمّد رضا الجعفريّ ، في مجلّة تراثنا ، العددان ٣٠ و ٣١ / ١٤٤ ـ ٢٩٩.

٦

واحدة مثله.

والواقع التاريخيّ شاهد حيّ على عجز الجميع عن الإتيان بمثل آياته المباركة الى يومنا هذا ، برغم أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله تحدّى بذلك قريشا على رءوس الأشهاد ، فكذّبوه واستهزءوا به ، وبهتوه ونعتوه بالسّحر والجنون وغيرهما ، ثمّ اختاروا المنازلة الصّعبة معه ، فناصبوه العداء ، وهجروه وحاصروه في شعاب مكّة مع قومه وعشيرته ، ثمّ حاربوه في منازلات عديدة ، وجرت بينهم الدّماء ، وأخيرا كانت الغلبة والنصر له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فآمن من آمن منهم طوعا أو كرها أو رغبة ، وأظهر آخرون منهم الإيمان وأبطنوا كفرهم نفاقا.

وبقي التحدّي دون أن يتجرّأ على الإتيان بمثله أحد منهم ، وفيهم البلغاء والفصحاء والشعراء ، إلّا بعض الحمقى والمغفّلين أمثال مسيلمة الكذّاب ، ممّن استهزأ بهم وبأقوالهم السخيفة العرب قبل غيرهم. وهكذا بقيت الآيات القرآنية الشريفة شامخة منيعة ، برغم مرور القرون المتوالية ، وتعاقب الأجيال العديدة ، وتنامي الحضارة الإسلامية ، ومنازلتها لسائر الملل والنحل الكافرة ، التي كانت تسعى بشتّى الوسائل أن تصدّ عن انتشارها ، وتحاول النيل من هذه الآيات التي كانت تتلى آناء اللّيل وأطراف النّهار ، ولكنّهم في جميع الظروف والأحوال ، عجزوا عن أن يتحدّوا المسلمين ويأتوا ولو بآية واحدة ، وصدق الله العليّ العظيم حيث قال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).

* * *

منذ الصدر الأوّل وإلى يومنا هذا عكف الآلاف من القرّاء والمحدّثين والبلغاء والفصحاء والفقهاء واللّغويّين ، وغيرهم ـ من أصحاب القدرات العلميّة الجبّارة ،

٧

الذين تحفل بأسمائهم وأبحاثهم وكتبهم ودراساتهم كتب التراجم والتاريخ والفهارس ـ على دراسة القرآن من شتّى النواحي والجوانب ، وبذلك تأسّس علم ـ بجانب بقيّة العلوم ـ سمّي باسم علوم القرآن ، يندرج تحته عدد كبير من العناوين الفرعيّة ، وكلّ عنوان فرعي يتضمّن فصولا وأبوابا فرعيّة ، تبحث عن موضوع معيّن يتعلّق بالقرآن. ويكفي لمعرفة سعة هذا العلم وتنوّع أبحاثه وتطوّره عبر التاريخ ، مراجعة سريعة ل «الفهرست» لابن النديم ، وملاحظة أسماء المئات من المؤلّفين والمؤلّفات والكتب والرسائل في هذا المجال ، منذ أن نشأ هذا العلم ولغاية جمع ابن النديم لفهرسته في أواسط القرن الرابع الهجريّ ، أي خلال ثلاثة قرون فقط. وأمّا خلال القرون العشرة التي أعقبت تأليف الفهرست ، فإنّ من الصّعب الوقوف على كلّ ما كتب وألّف في هذا المجال ، لأسباب معروفة وواضحة لدارسي هذا العلم ، من تعدّد المذاهب والفرق والنّحل والمدارس الفكريّة ، وتزايد الحواضر العلميّة ، وتشتّت أماكنها وتباعدها ، وسعة رقعة تواجدها ، وتنوّع لغاتها. حيث انتشرت المدارس من الأندلس غربا إلى تخوم الهند والصين وبلاد ماوراء النهر شرقا وشمالا ، مرورا بأهمّ الحواضر العلميّة ، أي بلاد فارس والعراق وبلاد الشام ومصر. وهكذا كثر الدارسون والمؤلّفون والمؤلّفات في مجال هذا العلم ، وتعدّدت رؤاهم واجتهاداتهم حول القرآن ، وتنوّعت لغاتهم التي كتبوا بها مؤلّفاتهم. هذا فضلا عمّا كتب في بلاد الغرب خلال القرون الميلاديّة الأربعة الأخيرة ، حيث تأسّست معاهد وجامعات عديدة لدراسة الشرق وتراثه ، لأغراض علميّة نزيهة وأخرى سياسيّة مشبوهة ، فكان من أولى اهتماماتهم العناية بالدراسة القرآنيّة ، وانتشرت دراسات المستشرقين وأبحاثهم ، وكان فيها الغثّ والسمين ، ومنها ما يحتوي على الوجهة العلميّة والأكاديميّة الصّرفة ، ومنها ما صدر عن

٨

أحقاد صليبيّة وأغراض استعماريّة مكشوفة. وفي كلّ الأحوال كان لدراساتهم مساهمة حقيقيّة في تطوير أبحاث علوم القرآن.

يعدّ البحث عن «إعجاز القرآن» من أهمّ فروع علوم القرآن ؛ لأنّه يتركّز على أهم ركيزة واجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المشركين والكفّار بها ، ألا وهي تحدّيهم بإعجاز نصّ القرآن ، وأنّهم عاجزون عن أن يأتوا بقرآن مثله ، أو بعشر سور مثله ، أو بسورة واحدة ، أو آية مشابهة لآياته ، فصار البحث عن «الإعجاز» وما يتفرّع عليه من معنى «المعجز» و «المعجزة» وشروطها وحدودها ، وما به يكون الشيء معجزا ، وأنواع الإعجاز ، ومعجزيّة القرآن ، وصنوف الإعجاز الذي يتضمّنه القرآن ، وغيرها من الأبحاث المتعلّقة بالإعجاز ، موضع عناية الباحثين والدارسين منذ الصّدر الأوّل ، فتنوّعت اجتهاداتهم وآراؤهم وأقوالهم ومذاهبهم في ذلك. ويمكن تلخيص أهمّ أقوالهم في هذا المجال بما يلي :

١ ـ إنّ مجرّد صدور مثل هذه المجموعة من الآيات ، من رجل أمّي لم يسبق له أن درس أو قرأ ، لخير دليل على كونه خرقا للعادة ومعجزا.

٢ ـ ارتفاع فصاحته واعتلاء بلاغته بما لا يدانيه أيّ كلام بشريّ على الإطلاق.

٣ ـ صورة نظمه العجيب ، وأسلوبه الغريب ، المرتفع على أساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها ، ممّا لم يوجد قبله ولا بعده نظير له.

٤ ـ ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيّبات ، ممّا لم يكن فكان كما قال ، ووقع كما أخبر.

٥ ـ ما أنبأ به من أخبار القرون السّالفة ، والأمم البائدة ، والشّرائع الدائرة ، ممّا كان لا يعلم به إلّا الفذّ من أحبار أهل الكتاب بصورة ناقصة ومشوّهة.

٩

٦ ـ احتجاجاته المضيئة ، وبراهينه الحكميّة التي كشفت النقاب عن حقائق ومعارف كانت خفيّة مستورة لذلك العهد.

٧ ـ استقامة بيانه ، وسلامته من النقص والاختلاف والتناقض.

٨ ـ إعجازه من وجهة التشريع العادل ، ونظام المدنيّة الراقية.

٩ ـ استقصاؤه للأخلاق الفاضلة ، ومبادئ الآداب الكريمة.

١٠ ـ ذهب المعتقدون بقدم القرآن إلى أنّ وجه إعجاز القرآن كونه قديما ، أو هو عبارة عن الكلام القديم وحكاية له.

هذه النظريّات ومشابهاتها ممّا تندرج في إحداها ، أو تكون متفرّعة عن إحداها ، تعدّ مجموع أقوال الجمهور وزبدة آرائهم ، وهناك قول آخر في وجه إعجاز القرآن قد يعدّ مخالفا لرأي الجمهور ، هو :

١١ ـ القول بالصّرفة ، يعني أنّ الله سبحانه وتعالى صرف الناس عن معارضته وأن يأتوا بمثله ، ولو لا ذلك لاستطاعوا.

بحث عن حقيقة مذهب الصّرفة في إعجاز القرآن

الصّرف والصّرفة مصدر (صرف) ، وقد أطال اللّغويون في توضيح معناها وبيان اشتقاقاتها ، لكن حقيقة المادّة تفيد معنى واحدا في معظمها ، ألا وهو ردّ العزيمة.

قال الخليل في العين : الصّرف : أن تصرف إنسانا على وجه يريده إلى مصرف غير ذلك.

وقال ابن فارس في «معجم مقاييس اللغة» : صرف ، الصّاد والراء والفاء ، معظم بابه يدلّ على رجع الشيء. من ذلك صرفت القوم صرفا وانصرفوا ، إذا

١٠

رجعتهم فرجعوا.

وقال الراغب في مفرداته : الصّرف : ردّ الشيء من حالة إلى حالة ، أو إبداله بغيره.

وقال ابن منظور في لسان العرب : الصّرف : ردّ الشيء عن وجهه ، أن تصرف إنسانا عن وجه يريده إلى مصرف غير ذلك.

أمّا اصطلاح الصّرف والصّرفة عند المتكلّمين ، فمعناه أنّ الله تعالى سلب دواعيهم إلى المعارضة ، مع أنّ أسباب توفّر الدواعي في حقّهم حاصلة.

ويمكن تبيين وتفسير كلام القائلين بالصّرفة بأنّ القرآن الكريم يتكوّن من مجموعة من الكلمات والحروف قد سطّرت ونظمت بنظم خاص. وهذا النظم مهما علا شأنه وفارق سائر نظوم الكلام ، فإنّه بنفسه لا يمكن أن يكون معجزا بحيث يعجز من تحدّي به عن الإتيان بما يقاربه. نعم ، إنّه يعدّ معجزة ومعجزا حينما يسلب الله سبحانه وتعالى دواعي الكفّار وغيرهم عن معارضته ، فإعجاز نصّ القرآن لا لنفسه وذاته ، وإنّما لسبب خارجيّ طرأ على بعض الناس ، وهم الذين قصدوا المعارضة وحاولوا إتيان ما يقاربه في النظم ، ولو لا ذلك لاستطاعوا مجاراة سور القرآن وآياته والإتيان بما يقاربهما في الشّبه. وهذا الطارئ الخارجيّ ، وتثبيط عزائم القاصدين للمجاراة ، وقبول التّحدي ، هو في نفسه إعجاز خارق للعادة. وذهب جماعة إلى أنّ هذا الرأي يعدّ أخطر وأجرأ ما قيل في هذا المجال.

وإليك توضيح أبي القاسم البلخيّ المتكلّم الشهير في كتابه عيون المسائل والجوابات لمذهب هؤلاء القائلين بالصّرفة ، يقول (١) :

__________________

(١) الموضح / ٧٩.

١١

«واحتجّ الذين ذهبوا إلى أنّ نظمه ـ يعني القرآن ـ ليس بمعجز ، إلّا أنّ الله تعالى أعجز عنه ، فإنّه لو لم يعجز عنه لكان مقدورا عليه ، بأنّه حروف قد جعل بعضها إلى جنب بعض ، وإذا كان الإنسان قادرا على أن يقول : «الحمد» ، فهو قادر على أن يقول : «لله» ، ثمّ كذلك القول في كلّ حرف. وإذا كان هكذا فالجميع مقدور عليه ، لو لا أنّ الله تعالى أعجز عنه».

هذا ، ولخطورة هذا الرأي من حيث آثاره وتبعاته وما يترتّب عليه من القول بأنّ نصّ القرآن لا يعدّ آية ومعجزة في جوهره وذاته ولا علما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما هو آية من جهة عارض خارجيّ عرض على المتحدّى به ، فسلبه القدرة على المعارضة جبرا ، بعد أن سلب اختياره وإرادته ، ولتباين المذاهب الاعتقاديّة بين المتكلّمين ؛ واجه القول بالصّرفة استنكارا واسعا منذ أن خرج إلى الأوساط العلميّة ببغداد في بدايات القرن الثالث الهجريّ ، فانبرى جماعة للردّ عليه ، والتّشهير به ، والطّعن بأدلّته ، وتسفيه قائليه ، واستمرّ الأمر على ذلك حتّى يومنا هذا. وسوف نشير لاحقا إلى أسماء ثلّة ممّن عارضوا هذا المذهب من المتكلمين والأدباء والمفسّرين والفقهاء ، من المتقدّمين والمتأخّرين.

ينسب إلى أبي إسحاق إبراهيم النظّام المتوفّى سنة بضع وعشرين ومائتين أنّه أوّل من قال بالصّرفة ، وأنّه مبتدع هذه الفكرة. وقد شاعت هذه النسبة إليه حتّى غدت من الأمور الثابتة في هذا الباب. ولكن من الصعب الاطمئنان إلى هذه النسبة ـ أو على أقلّ تقدير لتفاصيل مذهبه ـ لأنّ النسبة إليه جاءت من كتب مخالفيه من الأشاعرة والمجبرة والحشويّة الذين يحاولون الطعن في معارضيهم بأقوال تنافي أو تستلزم المنافاة للمعتقد العامّ عند عامّة المسلمين ، خاصّة إذا لاحظنا أنّه كان للنظّام رأي خاص ـ يخالف به المذاهب السنيّة والحشويّة ـ في شرعيّة خلافة

١٢

الخلفاء ، وتفضيل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على غيره ، وأمور أخرى تعدّ من ركائز مذاهب أهل السنّة. والنسبة إليه جاءت من عبد القاهر البغداديّ في كتاب الفرق بين الفرق ، وأصول الدين ، نقلا عن الانتصار للخيّاط ، وهو عن ابن الراونديّ الذي نقل أقواله وطعونه على النظّام في كتابه ، تمهيدا للردّ عليه وتكذيب ما نسب إلى النظّام. ويبدو أنّ تفاصيل مذهب النظّام لم تكن معروفة على وجه الدقّة (١) ، يقول الشريف المرتضى في بداية الفصل الذي عقده للبحث عن موضوع الصّرفة ، في كتابه «الذخيرة» (٢) : «وقد حكي عن أبي إسحاق النظّام القول بالصّرفة ، من غير تحقيق لكيفيّتها ، وكلام في نصرتها».

ومهما كانت درجة صحّة النسبة ، فإنّ الثابت هو بروز أصل الفكرة في تلك الفترة ، وأنّ هناك من المتكلّمين من كان يقول : إنّ نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس بمعجزة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا دلالة على صدقه في دعواه النبوّة ... أو أن نظم القرآن وحسن تأليف آياته ، فإنّ العباد قادرون على مثله ، وما هو أحسن منه في النظم والتأليف (٣).

إنّ إطلاق هذا الرأي أدّى إلى أن يقدم جماعة من المتكلّمين ـ سواء من الأشاعرة أو المعتزلة ـ على تدوين كتب ورسائل في الدفاع عن معجزيّة نظم

__________________

(١) قال المستشرق JBouman : إنّ النظّام ـ وفقا لتقارير الأشعريّ والخيّاط والبغداديّ ـ لم يقل بأنّ صرف الله الناس عن الإتيان بمثل القرآن (والذي عرف فيما بعد بالصّرفة اصطلاحا) معجزة ، وإنّما ذكر النظّام هذا الرأي جوابا لمن يسأل السؤال التالي : لما ذا لم يقلّد الأسلوب القرآنيّ تقليدا ناجحا على الصعيد العمليّ ، مع أنّه قابل للتقليد؟ راجع : مارتين مكدرموت ، نظريّات علم الكلام عند الشيخ المفيد / ١٣٤.

(٢) الذخيرة / ٣٧٨.

(٣) مذاهب الإسلاميّين لعبد الرحمن بدويّ / ٢١٣.

١٣

القرآن ونصّه ، منها :

١ ـ نظم القرآن للجاحظ ، المتوفّى سنة ٢٥٥ ه‍.

٢ ـ إعجاز القرآن في نظمه وتأليفه ، لأبي عبد الله محمّد بن يزيد الواسطيّ المتوفّى سنة ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ه‍.

٣ ـ نظم القرآن ، لابن الإخشيد ، المتوفّى سنة ٣٢٦ ه‍.

٤ ـ النكت في إعجاز القرآن ، لعليّ بن عيسى الرّمانيّ ، المتوفّى سنة ٣٨٦ ه‍.

٥ ـ إعجاز القرآن للباقلّانيّ ، المتوفّى سنة ٤٠٣ ه‍.

٦ ـ الانتصار للقرآن ، للباقلّانيّ.

وقيل إنّ ممّن تابع هذا الرأي وانتصر له جماعة من أعلام السنّة من الأشاعرة والمعتزلة والظاهريّة ، منهم :

الجاحظ الذي نسب اليه القول بالصّرفة ، على الرغم من اضطراب مذهبه وعقيدته ، حيث كان من ديدنه أنّه يتبنّى مذهبا فيصنّف في الدفاع عنه ، ثمّ يردّه بكتاب آخر وينتصر لما يضادّ الرأي الأوّل ، وهكذا كان في كثير من اعتقاداته. وأبو إسحاق النّصيبيّ ، وعبّاد بن سليمان الصّيمريّ ، وهشام بن عمرو الفوطيّ (وهم بعض تلامذة النظّام).

والطريف أن ممّن اعتقد بالصّرفة من أصحاب أبي الحسن الأشعريّ ، أبا إسحاق إبراهيم بن محمّد الأسفرايينيّ ، الفقيه الشافعيّ الأشعريّ ، المتوفّى سنة ٤١٨ ه‍ ، لكنّه كان يذهب إلى أنّ الإعجاز يكون من جهة الصّرفة والإخبار عن الغيب معا.

هذا ، وقد أدرج الشريف المرتضى أبا القاسم البلخيّ (المتوفّى ٣١٧ أو ٣١٩

١٤

ه) في عداد من قالوا بالصّرفة لا مطلقا ، بل على بعض الوجوه (١) ، قال : «المذهب الذي نقله أبو القاسم البلخيّ عن جماعة المعتزلة ونصره وقوّاه ، هو أنّ نظم القرآن وتأليفه يستحيلان من العباد ، كاستحالة إحداث الأجسام ، وإبراء الأكمه والأبرص».

وكذلك اعتنق مذهب الصّرفة صراحة أبو محمّد عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسيّ الظّاهريّ المتوفّى سنة ٤٥٦ ه‍ ، ودافع عن معتقده في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنّحل ، وخلاصة قوله :

«إنّ القرآن معجزة خالدة ، لا يقدر أحد على المجيء بمثلها أبدا ؛ لأنّ الله تعالى حال بين الناس وبين ذلك ... وهذا هو الذي جاء به النصّ ، والذي عجز عنه أهل الأرض ، منذ أربعمائة عام وأربعين عاما ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» (٢).

بيان حقيقة اعتقاد الشريف المرتضى في القول بالصّرفة

يعدّ الشريف المرتضى أبرز متكلّم اعتقد بمقولة الصّرفة ، ومن حسن الحظّ أنّه وصل إلينا تراثه الكلاميّ ، ويمكن للباحث أن يقف على حقيقة معتقده في الصّرفة من جميع جوانبها دون لبس أو تمويه وتشويه من الناقلين الوسطاء ؛ فقد بيّن المرتضى مذهبه واعتقاده في عدد من كتبه ، ودافع عنه دفاع العالم الخبير ، والمتكلّم النبيه ، ومن هذه الكتب كتاب جمل العلم والعمل (٣) ، حيث نجد صريح

__________________

(١) الموضح / ١٠٧.

(٢) الفصل ٣ / ٢٦ ـ ٣١ ، طبعة دار الجيل.

(٣) وهو مطبوع مستقلا ، وكذلك مع شرح القاضي ابن البرّاج ، وطبع أيضا ضمن مجموعة رسائل الشريف المرتضى.

١٥

كلامه في باب (ما يجب اعتقاده في النبوّة) ، وكذلك تحدّث في المسائل الرّسيّة (١) في المسألة الثالثة في (معرفة وجه إعجاز القرآن). كما عقد الشريف فصلا في كتابه الذخيرة (٢) سمّاه ، في جهة دلالة القرآن على النبوّة وتحدّث فيه بالتفصيل عن مذهب الصّرفة.

وقام الشيخ الطوسيّ (المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‍) ـ وهو أبرز تلامذة الشريف وخليفته في المشيخة والإفتاء والدرس ـ بشرح كتاب جمل العلم والعمل سمّاه تمهيد الأصول (٣) وبسط القول في شرح مذهب شيخه ، وأيّده في ذلك وجعله مختاره قبل أن يتراجع عنه لاحقا.

هذا ، ويبدو أنّ الشريف أحسّ أنّ هذه الفصول المتناثرة في كتبه العديدة التي عقدها لشرح مذهبه ، غير كافية لتبيان مذهبه وجوانبه ، وإسكات خصومه المنبرين للردّ على مذهب الصّرفة ، فأقدم على تأليف كتاب مستقلّ في هذا الموضوع ، سمّاه كتاب الموضح عن جهة إعجاز القرآن ، وسمّاه مختصرا ب كتاب الصّرفة ، وفيه بسط القول ، وأبرز الجوانب العديدة لهذا المذهب ، وعرض آراء المعارضين والموافقين لمذهبه. وهذا الكتاب يغني الباحث في مذهب الصّرفة وما يتعلّق به من مناقشات عن الرجوع إلى غيره ، وسنتحدّث عن هذا الكتاب وأسلوب المصنّف فيه لاحقا.

وإليك خلاصة مذهب الشريف المرتضى في الصّرفة ، بناء على ما جاء في كتاب «الموضح» بنصّ كلامه وعباراته ، بتصرّف يسير.

يقول الشريف المرتضى في هذا الكتاب :

__________________

(١) المسائل الرّسيّة / ٣٢٣ ، المطبوع ضمن المجموعة الثانية من رسائل الشريف المرتضى.

(٢) الذخيرة / ٣٧٨ ـ ٤٠٤.

(٣) تمهيد الأصول من جمل العلم والعمل / ٣٣٤.

١٦

١ ـ يعدّ نصّ القرآن معجزا للبريّة ، وعلما ودالّا على النبوّة وصدق الدّعوة. (ص ١٣)

٢ ـ وإنّ فصاحته بحيث خرقت عادة العرب ، وبانت من فصاحتهم. (ص ١٤)

٣ ـ إنّ القرآن مختصّ بطريقة في النظم مفارقة لسائر نظوم الكلام ، وهذا الاختصاص أوضح من أن يحتاج إلى تكلّف الدّلالة عليه. لكن لا يكفي النظم وحده في التحدّي به ، بل لا بدّ أن يقع التحدّي بالنظم والفصاحة معا (ص ٨) ، أي أنّ التحدّي وقع بالفصاحة والإتيان بمثله في فصاحته وطريقته في النظم معا ، لا مجرّد النظم وحده. (ص ٧)

٤ ـ إنّ التحدّي وقع بحسب عرف القوم وعادتهم ، من حيث أطلق اللّفظ به ، وقد علمنا أنّه لا عهد لهم ولا عادة بأن يتحدّى بعضهم بعضا بطريقة نظم الكلام دون فصاحته ومعانيه ، وإنّ الفصاحة هي المقدّمة عندهم في التحدّي ، والنظم تابع لها. (ص ٨٤)

٥ ـ والمثل في الفصاحة الذي دعوا إلى الإتيان به هو ما كان المعلوم من حالهم تمكّنهم منه وقدرتهم عليه ، وهو المتقارب والمداني ، لا المماثل على التحقيق ، الذي ربّما أشكل حالهم في التمكّن منه. (ص ٣٢)

٦ ـ والتحدّي لا يجوز أن يكون واقعا بأمر لا يعلم تعذّره أو تسهّله ، وأنّه لا بدّ أن يكون ما دعوا إلى فعله ممّا يرتفع الشكّ في أمره (ص ٣٥) ، وقد ثبت أنّ التحدّي للعرب استقرّ آخرا على مقدار ثلاث آيات قصار من عرض ستّة آلاف آية. (ص ٩)

٧ ـ والصّرفة على هذا إنّما كانت بأن يسلب الله تعالى كلّ من رام المعارضة ، وفكّر في تكلّفها في الحال العلوم التي يتأتّى منها ، مثل فصاحة القرآن وطريقته

١٧

في النظم ، وكيفية الصّرف هي بأن لا يجدوا العلم بالفصاحة في تلك الحال ، فيتعذّر ما كان مع حصول العلم متأتّيا. (ص ٢٥)

٨ ـ وإذا لم يقصد المعارضة ، وجرى على شاكلته في نظم الشعر ، ووصف الخطب ، والتصريف في ضروب الكلام خلّي بينه وبين علومه.

٩ ـ وما يقال : إنّ هذا القول يوجب أن يكون القرآن في الحقيقة غير معجز ، وأن يكون المعجز هو الصّرف عن معارضة ، فنقول له : بل إنّ القرآن هو المعجز من حيث كان وجود مثله في فصاحته وطريقة نظمه متعذرا على الخلق ، من دون اعتبار سبب التّعذر ؛ لأنّ السّبب وإن يعود عندنا إلى الصّرف ، فالتعذّر حاصل على كلّ حال. (ص ٤٠)

١٠ ـ هكذا ثبت أنّ القرآن هو العلم على صدق دعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ معارضته متعذّرة على الخلق ، وأنّ ذلك ممّا انحسمت عنه الأطماع وانقطعت فيه الآمال. فالتحدّي بالقرآن وقعود العرب عن المعارضة ، يدلّان على تعذّرها عليهم ، وأنّ التعذّر لا بدّ أن يكون منسوبا إلى صرفهم عن المعارضة. (ص ٤٢)

١١ ـ والقول بأنّ الصّرفة مخالفة لإجماع أهل النظر غير تامّ ؛ لمخالفة النظّام ومن وافقه ، وعبّاد بن سليمان ، وهشام بن عمرو الفوطيّ وأصحابهما ، فإنّهم خارجون عن الإجماع. (ص ٤٤ ـ ٤٥)

كما قام الشريف بتوضيح نقاط كثيرة ، ومفاهيم عديدة ـ مثل : المعجز ، الإعجاز ، التحدّي ، النظم ، الفصيح ، خرق العادة وغيرها ـ التبست معانيها على كثير من المتكلّمين ، ممّا استلزم مخالفتهم إيّاه ونسبة اعتقادات إليه هو بريء منها.

ومع وضوح تفاصيل مذهب الشريف في القول بالصّرفة ـ الذي ذكرنا خلاصته ، ويجد القارئ الكريم تفاصيله وتوضيحه لأمور أخرى في الكتاب ـ

١٨

يتبيّن بطلان كثير ممّا قيل أو يقال ، ونسب أو ينسب إليه ـ وإلى غيره من القائلين بالصّرفة ـ من أمور مخالفة لعقيدة عامّة المسلمين وإجماعهم ، من القول بأنّهم ينفون معجزيّة نصّ القرآن ، وكونه علما ودالّا على صدق دعوى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ القول بالصّرفة يستلزم صدور القبيح منه تعالى ، والجبر وسلب الاختيار والقدرة من العرب ، وأمور أخرى مستنكرة تعرّض لذكرها كلّ من تصدّى لردّ مذهب الصّرفة من المتقدّمين ، كالباقلانيّ والقاضي عبد الجبّار وعبد القاهر الجرجانيّ والتفتازانيّ. ومن المتأخّرين كالسيّد هبة الدين الشهرستانيّ ، والشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ، ومصطفى صادق الرافعيّ ، والمحامي توفيق الفكيكيّ ، والعلّامة الطباطبائيّ وآخرين.

ذهب إلى القول بالصّرفة ، جماعة من معاصري الشريف وممّن تأخّر عنه :

١ ـ أبرزهم شيخه وشيخ الإماميّة ، وأعظم متكلّميها على الإطلاق ، أي الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان البغداديّ ، المشهور بالشيخ المفيد (المتوفّى سنة ٤١٣ ه‍) ، فقد صرّح في كتابه أوائل المقالات ، الجامع لعقائده في أصول الدين والمذهب ب (إنّ جهة ذلك ـ أي إعجاز القرآن ـ هو الصّرف من الله تعالى لأهل الفصاحة واللّسان ، عن المعارضة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمثله في النظام عند تحدّيه لهم ، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله وإن كان في مقدورهم ، دليلا على نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واللّطف مستمرّ في الصّرف عنه إلى آخر الزمان) (١).

وهذا القول تصريح منه رحمه‌الله لا لبس فيه بأنّه كان يعتقد بمذهب الصّرفة ، فما نسبه إليه العلّامة المجلسيّ رحمه‌الله في بحار الأنوار (٢) ، والقطب الراونديّ في الخرائج

__________________

(١) أوائل المقالات / ٦٣ ، طبعة مؤتمر الشيخ المفيد.

(٢) بحار الأنوار ١٧ / ٢٢٤.

١٩

والجرائح (١) أنّه تراجع عنه أخيرا ، قول لم نعثر على دليل يسنده من تراث الشيخ المفيد المنشور.

اللهم إلّا أن يكون الشيخ المفيد رحمه‌الله قد تراجع عن رأيه هذا في بعض رسائله التي فقدت ولم تصل إلينا ، ووقف على محتواها المجلسيّ رحمه‌الله والقطب الراونديّ. ومعروف أنّ للمفيد رسالتين في موضوع إعجاز القرآن مفقودتين ، هما : الكلام في وجوه إعجاز القرآن ، وجوابات أبي الحسن سبط المعافى بن زكريّا في إعجاز القرآن (٢).

٢ ـ الشيخ أبو جعفر الطوسيّ رحمه‌الله فإنّه حينما أقدم على شرح القسم النظريّ من كتاب الشريف ، الموسوم ب جمل العلم والعمل ذهب إلى القول بالصّرفة ، لكنّه تراجع عنه بعدئذ ، وصرّح بذلك في كتابه الاقتصاد (٣) بقوله :

«كنت نصرت في شرح الجمل القول بالصّرفة على ما كان يذهب إليه المرتضى رحمه‌الله ، حيث شرحت كتابه ، فلم يحسن خلاف مذهبه».

٣ ـ أبو الصّلاح تقيّ الدين الحلبيّ (المتوفّى سنة ٤٤٧ ه‍) صرح بذلك في كتابه تقريب المعارف (٤) بقوله : «... ثبت أنّ جهة الإعجاز كونهم مصروفين ... والتحدّي واقع بهما (أي الفصاحة والنظم معا) ، وعن الجمع بينهما كان الصّرف».

٤ ـ الأمير عبد الله بن سنان الخفاجيّ (المتوفّى سنة ٤٦٦ ه‍) ، حيث صرّح بقوله (٥) :

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٣ / ٩٨١.

(٢) رجال النجاشيّ / ٤٠٠ ، طبعة جماعة المدرّسين.

(٣) الاقتصاد / ١٧٣.

(٤) تقريب المعارف / ١٠٧.

(٥) لاحظ الإعجاز في دراسات السابقين ، لعبد الكريم الخطيب / ٣٧٣.

٢٠