تراثنا العددان [ 79 و 80 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا العددان [ 79 و 80 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٣٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مجلّة تراثنا العددان 79 و 80

١
 &

تراثنا

صاحب الامتياز : مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول : السيد جواد الشهرستاني

العددان الثالث والرابع [٧٩ ـ ٨٠]

السنة العشرون

محتويات العدد

* الفوائد البديعة من « وسائل الشيعة » (١) .

.............................  السيّد علي الحسيني الميلاني ٧

* مكانة « العقل » في التشريع .

..................................  السيّد علي الهاشمي ٥١

* العزاء والرثاء سُنّة قرآنية .

.................................. الشيخ محمّد السند ١١٥

* معجم شواهد غريب الحديث (٢) .

......................................  أسعد الطيّب ١٣١

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (١٧) .

......................  السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ٢٣١

ISSN ١٠١٦ – ٤٠٣٠

٢
 &

مجلّة تراثنا العددان 79 و 80

رجب ـ ذو الحجّة

١٤٢٥ هـ



* مصطلحات نحوية (٢٦) .

.............................  السيّد علي حسن مطر ٢٨٧

* من ذخائر التراث :

* نُبذَةٌ من السياسة الحسينية ـ للعلّامة الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ، المتوفّىٰ سنة ١٣٧٣ هـ .

............................  تحقيق : علي جلال باقر ٣٠١

* من أنباء التراث .

........................  هيئة التحرير / عامر الشوهاني ٤١٠

*      *     *

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة « مصباح السالكين » للشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، المولود سنة ٦٣٦ هـ ، والمتوفّىٰ بين السنوات ٦٧٩ ـ ٦٩٩ هـ ، والذي تقوم مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث بتحقيقة .

٣
 &

مجلّة تراثنا العددان 79 و 80

٤
 &

مجلّة تراثنا العددان 79 و 80

٥
 &

مجلّة تراثنا العددان 79 و 80

٦
 &

الفوائد البديعة من وَسَائِل الشّيعَةِ (١)

السيّد عليّ الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمٰن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين ، من الأوّلين والآخرين .

وبعد . .

فإنّه لمّا وصلنا إلىٰ أحكام نافلة الليل في بحوثنا الفقهيّة في كتاب الصلاة ، استوقفني ما جاء في إحدىٰ روايات المسألة ، ونبّهني علىٰ أمرٍ كنت في غفلة منه حتّىٰ تلك الساعة . .

وهذا أوّلاً نصّ الرواية :

« عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك ، من صلحائهم ، شكا إلَيّ ما يلقىٰ من النوم ، وقال : إنّي أُريد القيام بالليل . . .

٧
 &

قلت : فإنّ من نسائنا أبكار الجارية ، تحبّ الخير وأهله وتحرص علىٰ الصلاة ، فيغلبها النوم ، حتّىٰ ربّما قضت وربّما ضعفت عن قضائه ، وهي تقوىٰ عليه أوّل الليل .

فرخّص لهنّ في الصلاة أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء » (١) .

فقلت في نفسي : سبحان الله ! كنّا ـ ولا نزال ـ نرجع إلىٰ كتاب وسائل الشيعة لننظر في أدلّة الأحكام الشرعيّة ، وأمّا الفوائد الأُخرىٰ المشتملة عليها تلك النصوص ، فلم نلتفت إليها ولم نهتمّ بها .

انظر إلىٰ هذه الرواية . . كيف علّم الأئمّة عليهم السلام الشيعة وأدّبوهم علىٰ الأحكام والسُنن فضلاً عن العمل بالأحكام الإلزامية ، حتّىٰ إنّ الجواري الأبكار في البيوت « تحرص » علىٰ صلاة الليل ، بحيث لمّا يغلبها النوم « تقضي » الصلاة بالنهار ، لكنّها لمّا تضعف عن القضاء « تشكو » إلىٰ وليّها ما تلقاه من غلبة النوم ثمّ من الضعف عن القضاء ، فيأتي الرجل إلىٰ الإمام عليه السلام ليسأل لها عن الوظيفة الشرعيّة في هذه الحالة ! !

نعم . . هكذا ربّىٰ أهل بيت النبيّ الشيعة ، يلتزمون بالنوافل ، حتّىٰ «أبكار الجارية» منهم ، وإلىٰ هذا الحدّ يحرصون عليها ولا يتركونها . .

وهكذا شأن أهل بيت النبيّ ، الّذين كانوا أوصياءه وخلفاءه في الغرض الذي من أجله بُعث ، كما في قوله تعالىٰ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) (٢) .

وإلّا لَما أمر بالتمسّك بهم ـ دون غيرهم ـ من بعده ، في قوله صلّىٰ

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ / ٢٥٥ ح ٥٠٧٨ و ٥٠٧٩ .

(٢) سورة الجمعة ٦٢ : ٢ .

٨
 &

الله عليه وآله وسلّم في حقّهم : « إنّي تارك فيكم الثقلين ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّىٰ يردا علَيّ الحوض » .

ولَما شبّههم في النجاة بسفينة نوح ؛ إذ قال صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم : « أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق » (١) .

ولَما حثّ علىٰ الكون معهم في جميع الأحوال ، كما في الحديث الوارد عنه ـ في كتب الفريقين ـ بتفسير قوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢) .

ولمّا عزمت ـ علىٰ أثر التدبّر في الرواية المذكورة ـ علىٰ دراسة شاملة لروايات كتاب الوسائل ـ في مفاهيمها عدا الأحكام التكليفيّة ـ وقفت علىٰ مناهج تربويّة راقية ، وتعاليم أخلاقيّة عالية ، وفوائد قيّمة من علوم مختلفة . . . ممّا يتجلّىٰ به جانب ممّا أفاضه الله عليهم من العلوم ، وأوقفهم عليه من الحقائق . . . ما لا يوجد في غيرهم بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم أبداً .

إنّ مَن يدرس الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام دراسة واعية ، يطّلع علىٰ بعض حالاتهم القدسيّة وملكاتهم المعنويّة ، التي جعلتهم القادة والقدوة في سبيل تحصيل المعارف الحقّة وطريق السير إلىٰ الله ، كما ورد عنهم عليهم السلام في قولهم : « بنا عُرف الله وبنا عُبد الله » (٣) .

وإنّ مَن يدرس ما ورد عنهم ـ في الأبواب المختلفة ـ لا يشكّ في

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ / ٣٤ ح ٣٣١٤٥ .

(٢) سورة التوبة ٩ : ١١٩ .

(٣) كتاب التوحيد ـ للشيخ الصدوق ـ : ١٥٢ .

٩
 &

إحاطتهم بكافّة العلوم ، وأنّهم هم ورثة علم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعنهم أُخذ ، وبواسطتهم انتشر في البلاد الإسلاميّة ، من الحجاز والعراق والشام واليمن وغيرها . .

ولذا ورد عنهم عليهم السلام : « إنّه ليس أحد عنده علم إلّا شيء خرج من عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فليذهب الناس حيث شاؤوا فوالله ليس الأمر إلّا ههنا . وأشار بيده إلى بيته » (١) .

وورد عنهم القول لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : « شرّقا وغرّبا ، فلا تجدان علماً صحيحاً إلّا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت » (٢) .

وإنّ مَن يدرس كلامهم ـ كما ورد عنهم ـ وينقله بلا دخل أو تصرّف من عنده . . . فإنّ الناس سوف يتبعونهم ، كما روي عنهم من « أنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا » (٣) .

فعلينا أن ندرس كلامهم ، وأن ننقل ما درسنا منه إلىٰ الناس ، وأن يكون نقلنا له بلا تصرّف فيه ، وأمّا المخالفون لهم ، فقد سعوا في إنكاره وكتمه ، ومنعوا من نقله وتعليمه . .

وبعد ، فقد كانت تلك الرواية هي الحافز لدراسة الروايات من تلك الجهات ، وبالتالي تأليف هذا الكتاب ، ثمّ كانت الأُمور المذكورة هي الداعي إلىٰ نشره ؛ لعلّي أكون قد أدّيت بعض الواجب ، وقد سمّيته بـ :

« الفوائد البديعة من أخبار وسائل الشيعة »

وبالله التوفيق .

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ / ٦٩ ح ٣٣٢٢٣ .

(٢) وسائل الشيعة ٢٧ / ٦٩ ح ٣٣٢٢٤ . وسنشرح بالتفصيل انتشار العلوم عنهم في موضعه ؛ فانتظر .

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ / ٩٢ ح ٣٣٢٩٧ .

١٠
 &

(١) بُني الإسلام علىٰ خمس ، علىٰ : الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية

عقد الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله ـ قبل الورود في أدلّة الأحكام الشرعيّة بحسب الأبواب الفقهيّة ، ابتداءً بكتاب الطهارة وٱنتهاءً بكتاب الديّات ـ أبواباً بعنوان : « أبواب مقدّمة العبادات » ، فأورد في الباب الأوّل روايات كثيرة بالمضمون المذكور ، يعبّر عنها بـ : « مباني الإسلام » . . والذي نقصده نحن هو : فهم المراد من « الولاية » في هذه الروايات ، فلنذكر بعضها مرقّمةً بأرقامها ، ثمّ نتكلّم عليها :

٢ ـ عن أبي جعفر عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس : علىٰ الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية » .

قال زرارة : وأيّ شيء من ذلك أفضل ؟

فقال : الولاية أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ .

٤ ـ عن عمرو بن حريث أنّه قال لأبي عبد الله عليه السلام : « ألا أقصّ عليك ديني ؟

قال : بلىٰ .

١١
 &

قلت : أدين الله بشهادة أن لا إلٰه إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، والولاية . . . » وذَكَر الأئمّة عليهم السلام .

« فقال : يا عمرو ! هذا دين الله ودين آبائي ، الّذي أدين الله به في السرّ والعلانيّة » .

٦ ـ وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « وولايتنا » .

قال الشيخ الحرّ : الجهاد من توابع الولاية ولوازمها ؛ لِما يأتي ، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

٧ ـ وفي رواية عنه : « أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ، لا تصحّ واحدة منها إلّا بصاحبتها » .

٩ ـ وفي رواية عجلان بن أبي صالح : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أوقفني علىٰ حدود الإيمان .

فقال : شهادة أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا ، والدخول مع الصادقين » .

١٠ ـ وعن أبي جعفر عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس . . . والولاية ، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية » .

١٢
 &

١٣ ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام : « الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إلٰه إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ؛ فهذا الإسلام » .

٢٠ ـ وفي خبر عرض عبد العظيم الحسني دينه علىٰ الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليهما السلام : « إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم . . . » .

٢٣ ـ وفي رواية عن « عبد الرزّاق بن همام ، عن معمر (١) بن قتادة ، عن أنس ، قال رسول الله : جاءني جبرئيل فقال لي : يا أحمد ! الإسلام عشرة أسهم . . . والعاشرة : الطاعة ، وهي : العصمة » .

٢٤ ـ وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس . . . والولاية لنا أهل البيت . فجعل في أربع منها رخصةً ، ولم يجعل في الولاية رخصة . . . والولاية صحيحاً كان أو مريضاً أو ذا مالٍ أو لا مال له ، فهي لازمة » .

٢٦ ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام : « المحمديّة السهلة ـ السمحة ـ

__________________

(١) الظاهر أنّه معمر ـ وهو ابن راشد ـ وأنّه قتادة ـ أي ابن دعامة ـ فالصحيح « عن » بدل « بن » .

١٣
 &

إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام شهر رمضان ، وحجّ البيت الحرام ، والطاعة للإمام ، وأداء حقوق المؤمن » .

٢٩ ـ وفي رواية عنه عليه السلام : « بُني الإسلام علىٰ خمس دعائم : علىٰ الصلاة والزكاة والصوم والحجّ وولاية أمير المؤمنين والأئمّة من ولده عليهم السلام » .

٣٤ ـ وفي أُخرىٰ (١) عنه عليه السلام : « أيّ الأعمال أفضل بعد المعرفة ؟

فقال : ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة . . . وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا ، وخاتمته معرفتنا . . . » .

٣٥ ـ وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « ثمّ الولاية ، وهي خاتمتها والحافظة لجميع الفرائض والسُنن » .

٣٨ ـ وفي رواية ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « إنّه سُئل عن الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره ، ولا يعذرهم علىٰ جهله ؟ فقال :

شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والصلاة الخمس . . .

__________________

(١) في هذه الرواية : « والذي بعث محمّداً ـ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ـ بالحقّ بشيراً ونذيراً ، لقضاء حاجة امرئ مسلم وتنفيس كربته أفضل من حجّة وطواف . . . » .

١٤
 &

والايتمام بأئمّة الحقّ من آل محمّد » .

٣٩ ـ وعن أبي جعفر : « عشر من لقي الله بهنّ دخل الجنّة . . . والولاية لأولياء الله ، والبراءة من أعداء الله » .

أقول :

لا ريب في أنّ الصلاة والزكاة والصيام والحجّ من فروع الدين ، ومن الأحكام الشرعيّة الضروريّة ، وأنّ الجاحد لها ـ بعد قيام الحجّة عليها له ـ كافر مرتدّ ، وقد عقد الشيخ الحرّ الباب اللاحق لهذا المعنىٰ ، وعنوانه : « باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها ، ممّا تقوم الحجّة فيه بنقل الثقات » . . . وجاء في جملة تلك الأخبار :

« عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ قال : الإسلام قبل الإيمان ، وهو يشارك الإيمان ؛ فإذا أتىٰ العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهىٰ الله عنها ، كان خارجاً من الإيمان وثابتاً عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلىٰ الإيمان ولم يخرجه إلىٰ الكفر والجحود والاستحلال . .

وإذا قال للحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإيمان والإسلام إلىٰ الكفر » .

إلّا أنّ الكلام في : « الولاية » ؛ فما المراد منها في مباني الإسلام ؟

قد تُفسّر « الولاية » في هذه الأخبار بـ : « الحكومة » ، بأن يكون المراد : إنّ الله فرض على المؤمنين الصلاة والزكاة ونحوهما ، وفرض عليهم السعي لقيام حكومة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، وذلك :

١٥
 &

* أوّلاً : لمجيء « الولاية » في سياق الصلاة والزكاة . . . ممّا هي من فروع الدين .

* وثانياً : لوجود قرائن في نفس الأخبار علىٰ هذا المعنىٰ ، كقوله عليه الصلاة والسلام في الخبر الأوّل : « الولاية أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ » ؛ فمعنىٰ « مفتاحهنّ » أنّ الولاية ، أي « الحكومة » ، هي الطريق والسبب الموصل إليهنّ ، و « الوالي » ، أي « الحاكم » ، هو المرشد إليهنّ ، والحامل للناس علىٰ العمل بهنّ ، ولولا الحكومة ونفوذ الكلمة لَما حصل ذلك . .

وكقوله عليه السلام : « وولايتنا » في الخبر الثالث ، وهذا هو الذي فهمه الشيخ الحرّ إذ قال : « الجهاد من توابع الولاية . . . » ؛ فلولا « الولاية » بمعنىٰ « الحكومة » وبسط اليد ونفوذ الكلمة من « الحاكم » الشرعي ، لَما تحقّق الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين المسلمين .

لكن التحقيق : أنّ المراد من « الولاية » في هذا المقام هو : « الولاية المطلقة » ، وهي : « الإمامة الكبرىٰ » و « الخلافة العظمىٰ » بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ، التي من جملة شؤونها وأبعادها : « الحكومة » .

وتوضيح ذلك :

إنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم له الولاية التشريعيّة ـ أي الأولويّة بالناس من أنفسهم ـ التي دلّ عليها قوله تعالىٰ : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (١) ، وغيره من الأدلّة . . . وهذه الولاية تعمّ جميع الشؤون ، وتقتضي وجوب الإطاعة والانقياد له في أوامره ونواهيه علىٰ الإطلاق ،

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦ .

١٦
 &

سواء في الأُمور الخاصّة أو العامة ، في الحرب أو السلم ، وفي غير ذلك من المجالات .

ثمّ إنّ هذه الولاية بكلّ أبعادها قد ثبتت من بعده لأمير المؤمنين عليه السلام بالأدلّة القطعيّة من الكتاب والسُنّة ، ومن ذلك حديث الغدير ، حينما خاطب صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم المسلمين مشيراً إلىٰ الآية المذكورة : « ألست أوْلىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلىٰ . قال : فمَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه . . . » .

ولذا عرّفوا الإمامة بعد النبيّ بأنّها : « رئاسة عامّة في الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبيّ » .

فكانت الرئاسة العامّة والحكومة الدنيويّة من شؤون الإمامة يتولّاها الإمام الحقّ بعد رسول الله صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم ، وعلىٰ الناس الإطاعة المطلقة له والانصياع التام لأوامره ونواهيه . .

فما قد يترآىٰ من كلمات بعض من الترادف بين « الحكومة » و « الإمامة » فاشتباه فاحش ، بل الترادف هو بين « الخلافة » و « الإمامة » ، والتفريق بينهما اشتباه آخر .

وعليه ، فإنّ المراد من « الولاية » في أخبار مباني الإسلام هو هذا المعنىٰ ، لا الحكومة ؛ وذلك لأنّها وإن جاءت مع الصلاة و . . . في سياقٍ واحد مُعنونة بعنوان واحد ، كـ : « الأثافي » و « الدعائم » و « التكاليف » و « الفرائض » لكنّ الروايات الأُخرىٰ في الباب ، توضّح المراد وتفسّر ما يوهم الخلاف ؛ لأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً (١) . .

__________________

(١) قاعدة حديثية مستفادة من النصوص ، يستدلُّ بها في البحوث عند الخاصّة والعامّة .

١٧
 &

ففي الرواية ( رقم ٤ ) : ذَكَر الأئمّة عليهم السلام ؛ وكان معرفتهم والقول بإمامتهم « دين الله . . . » ، إلىٰ جنب : « شهادة أن لا إلٰه إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً رسول الله . . . » .

وكذلك في الرواية ( رقم ١٢ ) ؛ إذ جاء فيها : « عن دين الله الذي افترض الله عزّ وجلّ علىٰ العباد ، ما لا يسعهم جهله ، ولا يقبل منهم غيره ؟

فقال ـ عليه السلام ـ : شهادة أن لا إلٰه إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصلاة . . . والولاية » .

وفي الرواية ( رقم ٢٠ ) : « هذا ـ والله ـ دين الله الذي ارتضاه لعباده . . . » .

وفي الرواية ( رقم ٩ ) : ذكر الشهادتين ثمّ الأربعة ، ثمّ قال : « وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا والدخول مع الصادقين » ، وكذلك في الرواية ( رقم ٣٩ ) ، ولعلّ في قوله « والدخول مع الصادقين » إشارة إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) المتقدّم سابقاً .

ويلاحظ أنّه في الرواية ( رقم ٣٩ ) ذكر الشهادتين و « الولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله » ضمن أُمور « عشر من لقي الله بهنّ دخل الجنّة » ، كما ذكر الولاية كذلك في الرواية ( رقم ٢٨ ) ، وقال : « أُولئك أهل الإيمان » .

لكنّه في الرواية ( رقم ١٣ ) لمّا بيّن الإسلام قال : « الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس » ، فذكر الشهادتين والأربعة ، ولم يذكر « الولاية » .

وبذلك يظهر :

* أوّلاً : الفرق بين « الإسلام » و « الإيمان » .

* وثانياً : إنّ « الإيمان » شرط الدخول في الجنّة ؛ وهذا مفاد الرواية

١٨
 &

( رقم ٢٥ ) : عن النبيّ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم : « أطيعوا ولاة أمركم تدخلوا جنّة ربّكم » ؛ لأنّ المراد من « ولاة الأمر » هم : « الأئمّة المعصومون » ؛ إذ الأمر بإطاعة وليّ الأمر إطاعة مطلقة ، دليل علىٰ عصمة « وليّ الأمر » ، وإلّا لم يؤمر بإطاعته كذلك ، ولا أحد من الحكّام في تاريخ الإسلام بمعصوم .

* وثالثاً : إنّه لا يتحقّق « الإيمان » إلّا بالولاية لأهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم ، ولا تكفي الولاية بدون البراءة .

ثمّ إنّ الرواية ( رقم ٢١ ) تفيد أنّ الله فرض « الولاية » علىٰ الأُمّة « ليميّز الخبيث من الطيّب » .

وفي الرواية ( رقم ٢٨ ) مدح عظيم للشيعة ؛ ففيها : « من عادىٰ شيعتنا فقد عادانا » ، و « من ردّ عليهم فقد ردّ علىٰ الله » ، ولا بدّ أن يكون ذلك من أجل تشيّعهم لأهل البيت عليهم السلام بالمعنىٰ الصحيح ، واتّباعهم لهم حقّ المتابعة والإطاعة ، كما هو ظاهر الرواية .

هذا ، وفي الرواية ( رقم ٢٠ ) دلالة واضحة علىٰ اختلاف المرتبة بين « الولاية » و « الأربعة » .

وجاء في الرواية ( رقم ٣٤ ) : « وفاتحة ذلك كلّه معرفتنا ، وخاتمته معرفتنا » ، وفي الرواية ( رقم ٣٣ ) : « وختم ذلك بالولاية » ، وفي الروايتين نقاط :

١ ـ إنّه يعتبر في « الولاية » : « المعرفة » .

٢ ـ إنّ الأربعة ـ وكذا غيرها ـ مشروطة بمعرفة الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ؛ فلولاها لم يترتّب أثر علىٰ شيء من تلك الأُمور .

٣ ـ الموافاة أيضاً شرط . . بأن يقدم المؤمن علىٰ الله مع « المعرفة » ؛ فلو مات ـ حتّىٰ مع قيامه بتلك الأعمال ، وحتّىٰ مع المعرفة ـ منكراً لولاية

١٩
 &

أهل البيت عليهم السلام ما تُقبّل منه شيء !

وأفادت الرواية ( رقم ٣٦ ) ترتّب أثر دنيوي كبير علىٰ « الولاية » ؛ إذ قال عليه السلام : « انّ الله يدفع بمَن يصلّي من شيعتنا عمَّن لا يصلّي من شيعتنا . . . » ، مضافاً إلىٰ أنّ « الولاية » بالمعنىٰ الصحيح لا تتحقّق إلّا بالإطاعة في الواجبات والمحرّمات وغيرها .

هذا ، وقد عقد الشيخ الحرّ العاملي ( الباب ٢٩ ) من أبواب مقدّمة العبادات للروايات الدالّة علىٰ النقاط الثلاث المذكورة ، وقد جعل عنوانه : « باب بطلان العبادة بدون ولاية الأئمّة عليهم السلام وﭐعتقاد إمامتهم » ، وكان من جملة أخباره :

رقم ٢ : « عن أبي جعفر عليه السلام ـ في حديث ـ قال : ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمٰن : الطاعة للإمام بعد معرفته ؛ أمَا لو أنّ رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له علىٰ الله حقّ في ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان » .

وفي عدّة روايات بأسانيد مختلفة : والله لو عبد عمره ما بين الركن والمقام ، صائماً نهاره وقائماً ليله ، ثمّ لقي الله بغير ولايتنا ، لم ينفعه ذلك شيئاً (١) .

رقم ١٩ : عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالىٰ : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ) (٢) ، قال : « ألا ترىٰ كيف اشترط ؟ ولن تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتّىٰ اهتدىٰ ؟ والله ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٢٢ ح ٣٠٨ ـ ٣١٢ .

(٢) سورة طه ٢٠ : ٨٢ .

٢٠