المخصّص - ج ١٤

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]

المخصّص - ج ١٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ ابن سيده ]


الموضوع : القرآن وعلومه
المطبعة: المطبعة الاميرية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٦

١

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

باب ما يُهْمَز فيكونُ له مَعْنًى فاذا

لم يُهْمَز كان له معْنًى آخَرُ

يقال قد رَوَّأْت في الأمْرِ وقدْ رَوَّيْت رأسِى بالدُّهْن وقد تَمَلَّأْت من الطَّعام والشَّراب وقد تَمَلَّيْت العَيْشَ ـ اذا عِشْت مَلِيًّا ـ أى طَوِيلا وتقول قد تَخَطَّأْت له فى هذه المَسْئَلة وقد تَخَطَّيْت القوْمَ لأنَّه من الخُطْوة وقد قَرَأْت القُرْآن وما قَرَأَتِ لناقةُ سَلَاقطُّ ـ أى لم تُلْقِ ولَدا أراد أنها لم تَحْمِل وقد قَرَيت الضَّيفَ وقد سَوَّأْتُ عليه ما صَنَع ـ اذا قُلْت له أسَأْتَ وقد سَوَّيْت الشئ والعرب تقول ان أصَبْتُ فصَوِّبْنِى وإن أخطَأْت فَخطِّئْنِى وان أسَأْت فَسوِّئْ علَىَّ وقد خَبَأ الشىءَ يَخْبأُه خَبْئا وقد خَبَتِ النارُ خُبُوًّا ـ اذا ذهَبَ لَهُبها وقد بَرَأْت من المَرَض أبْرَأُ بَرْءاً وقد بَرَيْت القَلَم وقد بَارَأت شَرِيكى ـ اذا فارَقْتَه وقد بارَأَ الرجُلُ امرأتَه وبارَيْت فُلانا

٢

اذا كُنْت تَفْعَل ما يَفْعَل وفلانٌ يُبَارِى الرِّيحَ سَخاءاً وتقول جَنَأْت ـ اذا انْحنَيْت على الشئ وقد جَنَيْت الثمَرةَ وقد جَرَّأْتُكَ على فلانٍ حتى اجْتَرأْتَ عليه جُرْءَةً وقد جَرَّبت جَرِيًّا ـ أى وكَّلْت وَكِيلا والجَرِىُّ ـ الرَّسُول وقد كَفَأْت الإِناءَ ـ اذا قلَبته وقد كَفَيْته ما أَهَمَّه وهَمَّه وقد كَلَأْت الرجُلَ أَكْلَأُه كِلَاءَة ـ اذا حرسْتَه وقد كَلَيْته ـ اذا أصَبْتَ كُلْيتَه وقد رَقَأَ الدَّمعُ والدَّمُ يَرْقَأُ رُقُوءًا والرَّقُوءُ ـ الدَّواءُ الذى يُرْقِئ الدَّمَ ويقال «لا تَسُبُّوا الابِلَ فانَّ فيها رَقُوءَ الدَّمِ» أى تُعْطَى في الدِّيات فتحقَن بها الدِّماءُ وقد رَقَى يَرْقِى من الرُّقْيةِ وقد رَقِىَ في الدَّرَجة رُقِيًّا وقد نَكَأْت القُرْحةَ نَكْئا ـ اذا قَرَفْتها وقد نَكَيْت في العَدُوِّ نِكَايَةً ـ اذا قتَلْتَ فيهم وجَرَحْت وقد سَبَأْت الخَمْرَ أَسَّبَؤُها سَبْئا ومَسْبَأً والسِّبَاء الاسمُ ـ اذا اشتَرَيتها قال الشاعر

* يَغْلُو بأيْدِى التِّجَارِ مَسْبَؤُها*

وقد سَبَيْت العدُوَّ سَبْيا وقد رَفَأْت الثوبَ أرفَؤُه رَفْئا وقولهُم بالرِّفَاء والبَنِينَ ـ أى بالالتِئَام والاجتِماع وأصلُه الهمزُ وإن شِئْت كان معناه بالسُّكُون والطُّمَأْنِينَةِ فيكونُ أصلُه غيْرَ الهمزِ يقال رَفَوْت الرجُلَ ـ اذا سَكَّنته قال الهذلى

رَفَوْنِى وقالُوا يا خُوَيْلِدُ لا تُرَعْ

فقُلْتُ وأنكَرْتُ الوُجوهَ هُمُ هُمُ

ويقال قد زَنَّأَ عليه ـ اذا ضَيَّق عليه والزَّنَاء ـ الضِّيقُ وأنشد ابن الاعرابى

لا هُمّ إنَّ الحرِثَ بْنَ جَبَلَهْ

زَنَّا على أبِيهِ ثم قَتَلَهْ

وكان أصلُه زَنَّأَ على أبيه بالهمز فتركه للضُرورة وقد زَنَّاه من التَّزْنِيَة يقال زَنَأ يَزْنَأ زَنْئا ـ اذا صَعِد في الجبل قالت امرأةٌ من العرب وهى تُرقِّص ابنًا لها (١)

أشْبِهْ أبَا أُمِّكَ أوْ أشْبِهْ عَمَلْ

ولا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ

يُصْبِحُ في مَضْجَعه قد انْجَدَلْ

وارْقَ الى الخَيْراتِ زَنْأً في الجَبَلْ

وقد حَلَّأْت الابِلَ عن الماءِ ـ اذا طرَدْتَها عنه ومنَعْتَها من أن تَرِدَه وقد حَلَّيت الشىءَ في عين صاحِبِه وقد رَبَأْت القومَ ـ اذا كُنْت لهم ربِيئةً وقد رَبَوْت من الرَّبْو وقد ذَرَأَ اللهُ الخَلْقَ يَذْرَؤُهم ـ أى خَلَقَهم وقد ذَرَا الشىءَ ذَرْوا ـ نَسَفه وقد ذَرَا يَذْرُو أيضا بغير هَمْز ـ اذا أسْرَع في عَدْوه قال العجاج

__________________

(١) قوله قالت امرأة من العرب الخ في اللسان ان ابن برى أن هذا الشعر لقيس ابن عاصم حين أخذ صبيا له من أمه يرقصه وأمه منفوسة بنت زيد الفوارس والصبى هو حكيم ابنه أما شعر المرأة فهو ما قالته ترد عليه

أشبه أخى أو أشبهن أباكا

أما أبى فلن تنال ذاكا قصر عن تناله

اه ملخصا كتبه مصححه

٣

* ذَارٍ وإن لاقَى العَزَازَ أحْصَفَا*

وتقول دَرَأْته عَنِّى ـ اذا دفَعْتَه دَرْءاً ومنه «ادْرَؤُا الحُدُودَ بالشُّبُهَاتِ» وقد دَرَيته ـ اذا خَتَلْته وقد دارَأْته ـ اذا دافَعْتَه عنك بخُصُومة أو غيْرها وقد دارَيْته ـ اذا خانَلْته وأنشد في الخَتْل

فان كُنْتُ لا أَدْرِى الظِّباءَ فانَّنِى

أَدُسُّ لها تَحْتَ التُّرابِ الدَّواهِيَا

ويروى ... تحتَ العِضَاهِ والمَكَاوِيَا * وقال الراجز

كَيْفَ تَرَانِى أَذَّرِى وأدَّرِى

غِرَّاتِ جُمْلٍ وتَدَرَّى غِرَرِى

أذَّرِى أفْتَعِل من ذَرَّيت وكان يُذَرِّى تُراب المَعْدِن ويَخْتِل هذه المرأةَ بالنظَر اليها ـ اذا اغتَرَّتْ وقد تَبرَّأتُ منه وتَبَرَّيْت لمَعْرُوفه ـ اذا تعَرَّضْت له وأنشد

وأهْلةِ وُدٍّ قد تَبَرَّيْتُ وُدَّهُمْ

وأبْلَيْتُهم في الحَمْد جُهْدِى ونائِلِى

ويُقال أبْرأْتُه ممَّا عليه من الدَّيْن وقد أبْرَيْت الناقةَ ـ اذا عَمِلْت لها بُرَةً وقد بَدَأْت بالشَّئ وقد بَدَوْت له ـ اذا ظَهَرْت وقدْ أَبْدأْنا من مَوْضِعِ كذا وكذا وقد أبْديْتُ الشىءَ ـ اذا أظْهَرْته وقد أرْدَأْت الرجُلَ ـ اذا أعَنْته قال الله تعالى (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً) وقد أرْدَيْته ـ اذا أهلَكْتَه وقد أمْلَأت النَّزْعَ في القَوْس ـ اذا شَدَدت النَّزْع فيها وقد أمْلَيْت له في غَيّه ـ اذا أطَلْتَ له وقد أمْلَيْت للبَعِير في قَيْده ـ اذا وَسَّعْت له في قَيْده وقد نَدَأْت القُرْص في النار ـ اذا مَلَلْتُه وقد نَدَوْت القومَ ـ اذا أتيْتَ نادِيَهم أى مَجْلِسَهم وقد نَشَأْت في نِعْمة ونَشِيْت منه رِيحًا طَيِّبةً وقد نَسَأْت في ظِمْء الابِلِ ـ اذا زِدْتَ في ظِمْئِهَا يومًا أو يومَيْنِ وقد نَسِيت الشىءَ ـ اذا لم تَذْكُرْه وقد نَسِىَ الرجلُ ـ اذا اشْتَكَى نَسَاه وقد أنْسَأْته البَيْعَ ـ اذا أخَّرت ثمنَهُ عليه وقد أنْسَيْته ما كانَ يَحْفَظُه وقد جَزَأت الشىءَ أَجْزَؤُه ـ اذا جَزَّأْتَه وجَزَيْتُه بما صَنَع جَزَاءاً وقد نَبَأْتُ من أرْض الى أرْض ـ اذا خرَجْت منها الى أُخْرَى وقد نَبَوْتُ عن الشىءِ وقد نَبَا جَنْبِى عن الفِرَاش ـ اذا لم يَطْمَئنَّ عليه قال الشاعر في ذلك

إنَّ جَنْبِى عن الفِرَاشِ لَناب

كتَجَافِى الأَسَرِّ فَوْقَ الظِّرابِ

* أبو عبيدة* قد ادَّرَأْت للصَّيْد ـ اتَّخَذْت له دَرِيئةً وهو أن تَسْتَتِرَ ببعير

٤

أو غيْرِه فاذا أمكَنَكَ الرمىُ رميْتَه ويُقال ادَّريْت غير مهمُوز وهو من الخَتْل قال سُحَيْم في ذلك

وما ذا يَدَّرِى الشُّعراءُ مِنِّى

وقد جاوَزْتُ حَدَّ الأربَعِينِ

ويُقال قد هَدَأْتُ أهْدَأُ هُدُوءاً ـ اذا سكَنْت وقد هَدَيْت الرجُلَ من الضَّلالةِ وهَدَيْته الطَّرِيقَ هِدَايةً وقد أهْدأتُ الصبِىّ ـ اذا جَعلْتَ تَضْرِب عليه بيَدِك رُوَيْدًا ليَنَامَ قال عَدِىٌ

شَئِزٌ جَنْبِى كَأَنِّى مُهْدَأٌ

جَعَلَ القَيْنُ على الدَّفِّ إَبْر

وقد أهْدَيْت الهَدِىَّ وكذلك أهْدَيْت الهَدْىَ الى بَيْت الله وقد جَفَأَتِ القِدْرُ بزَبَدها ـ اذا ألْقَتْه عِنْد الغَلَيانِ وقد جَفَت المرأةُ ولَدَها وقد نَزَأَ الشَّيطانُ بينهم ـ اذا ألْقَى بينَهُم الشَّرَّ وقد نَزَا الدَّابَّةُ نَزْوا ونُزَاءاً وقد هَذَأْته بالسَّيْف هَذْءاً ـ اذا قَطَعْته به وقد هَذَيْت في الكلام هَذَيَانًا وقد هَذأَ الكَلامَ يهْذَؤُه ـ اذا أكْثَر منه في خَطَاٍ وقد هَرَأه البَرْدُ ـ اذا اشْتَدَّ عليه حتى كادَ يَقْتُله وقد هَرَاه بالهِرَاوةِ هَرْوا وتَهَرَّاه ـ اذا ضرَبه بها قال

يَكْسَى ولا يَغْرَثُ مَمْلُوكُها

اذا تَهَرَّتْ عَبْدَها الهَارِيهْ

وقد حَشَأَ الرجُلُ امرأتَهُ حَشْئا ـ اذا نكَحهَا وقد حَشَأْته بسَهْم ـ اذا أصَبْتَ به جَوْفَه وقد حشَا الوِسَادةَ حَشْوا وقد صَبَأَ يَصْبَأُ ـ اذا خرَجَ من دِينٍ الى دِينٍ وقد أصْبَأَ النَّجْمُ ـ اذا طَلَع وقد صَبَا يَصْبُو من الصِّبَا وقد أصْبَى الرجلُ المرأةَ وقد بَكَأتِ الشاةُ ـ اذا قَلَّ لبَنُها بَكْئا وبُكَاءً وقد بَكَى يَبْكِى وقد زَكَأَ الرجلُ صاحِبَه ـ اذا عجَّل نَقْدَه وقد زَكَا الزَّرْعُ زَكَاءً وكذلك العمَلُ وقد جَأَبَ يَجْأَب جَأْبا ـ اذا كسَبَ قال الشاعر

* واللهُ واعِى عَمَلِى وجَأْبِى*

وجَابَ يَجُوب ـ اذا خَرَق وقَطَع وقال عز وجَلَ (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ ويقال قد ابْتأرَ فلانٌ عِنْد اللهِ خَيْرا ـ اذا ادَّخره وقد ابْتارَ الرجلُ الناقَةَ وبارَها ـ اذا نظَر اليها ألاقِحٌ هى أم غيْر لاقحِ وقد بَأَرَ فلانٌ بِئْرا

٥

ـ اذا حَفَرها وقد بَارَ فُلانٌ ما عِنْد فُلان يقال بُرْلِى ما في نَفْسِ فلانٍ ـ أى اعْلَمْ لى ما في نَفْسه

أبوابُ نوادِر الهَمْز

بابُ ما هُمِز وليس أصْلُه الهَمْزَ

* ابن السكيت* مما هَمَزت العربُ وليس أصلُه الهمْزَ قولُهم اسْتَلْأمتُ الحَجَرَ وانما هو من السِّلَام وهى الحِجارةُ وكان الأصل اسْتَلْمت وقالوا حَلَّأت السَّوِيقَ وانما هو من الحلَاوة وقالوا لَبَّأْت بالحَجِّ وأصلُه لَبَّيْت من قولهم لَبَّيك وسَعْديْكَ ـ أى إلْبابا بعْدَ إلْباب وقد بيَّنا معناه واشتِقَاقَه وتَثْنيِتَه ووجهَ نصْبِه في مُثَنَّياتِ المَصادِر قَبْلَ هذا وقالوا الذِّئْب يَسْتَنْشِئُ الرِّيحَ وانما هو من نَشِيت الرِّيحَ ـ أى شَمِمتُها قال الهذلى

ونَشِيتُ ريحَ المَوْتِ من تِلْقائِهِمْ

وخَشِيتُ وَقْعَ مُهَنَّدٍ قِرْضابِ

وقالت امرأةٌ من العرَب رَثَأْت زَوْجِى بأبياتٍ وكان رُؤْبةُ يهمِز سِئَة القَوْس وسائرُ العرب لا يهمِزُها كذلك حكى ابن السكيت في باب ما همَزت العربُ وليس أصلُه الهمزَ ولا أدْرِى ما دليلُه على أنه ليس أصلُه الهمزَ اللهم الا أن يجعَل دليله على ذلك اجماع العَرب غيرِ رُؤْبة على عدم همزه وان كانَ على ما حكاه أبو على الفارسى من أنه يقال أسْأَيتُ القوسَ ـ جعلتُ لها سِئَةً فاصلُه الهمزُ على عكْس ما ذهب اليه ابن السكيت فلا يقال اذَا إنَّ سِيَة هُمِزت وليس أصلُه الهمْزَ كما لا يقال ذلك في مِائةٍ وأما قول المنخل

عَدَوتُ على زَيازِئَةٍ وخَوْفٍ

وأَخْشَى أنْ أُلَاقِىَ ذا سِلَاطِ

فزعم ابن جنى أن السكَّرِى قال زَيَازِئةٍ عَجَلة رواه عن الجُحَمى* قال* وقال ابن حبيب الزَّيازِئُ ـ الغِلَظْ من الأرض ورُءُوس الاكَام* قال* وقال أبو زيد تَزَأْزَأْتُ من الرجل تَزَأْزُؤاً شديدًا ـ اذا فَرِقْت منه* قال ابن جنى* فالفَعْلَلة من هذا الزَّأزَأة ثم كسَّرها وجاء بالهاء لتوكيد الجمع فصار زَآزِئَة ثم أبْدل الهمْزةَ

٦

الأولَى للتكرير في الزاى والهمزةِ جميعا فصارت زَيَازِئَة وإذا كانَتِ الغَلِظَ ورُءُوس الاكامِ فواحِدتها زِيْزاء ثم كسِّر فصار في التقدير زَيَازِىَّ كَعِلْباءٍ وعَلَابِىَّ ثم حذَف الياءَ الأُولَى وعوَّضَ منها الهاءَ كما حذفها في فَرَازيِنَ وعَوَّض منها الهاء في فَرَازِنَة فصارتْ زَيَازِيَة ثم أبدل الياءَ الاخيرةَ همزةً على غير قياس كحَلَّأْت السَّوِيقَ ولَيَّأت بالحَجِّ واسْتَنْشَأْت الرِّيحَ فصارت زَيازِئَة وهذا البدَلَ ليس عن ضرُورة لأنه لو لم تُبْدَل لكانَ الوزنُ واحدا لكنَّه ضَرْب من التصرُّف في اللُّغة

باب ما تركتِ العرَبُ هَمْزَه وأصلُه الهمز

من ذلك قولُهم ليس له رَوِيَّةٌ وهى من رَوَّأت في الأمر لم يهمزْه أحدٌ ولو كان قِيَاسِيًّا كخَطِيئةٍ لهُمِز مرَّةً وخُفِّف أُخْرَى وسيأتِى ذكرُ شُرُوطِ التخفيف البدَلِىِّ وكذلك البَرِيَّة وهو من بَرَأ اللهُ الخلْقَ ـ أى خلَقَهم* قال الفراء* ان أُخِذَت البَرِيَّةُ من البَرَى ـ وهو التُّرَاب فاصلُها غيرُ الهمْز وكذلك النبِىُّ هو من نبَّأْت ـ أى أخبَرْت لانه أنْبأ عن اللهِ وأُنْبِئ وهو أيضا تخفيف بَدَلِىٌّ ومن زعم أنْ أصلَه غيرُ الهمْزِ لأنه من النَّبْوة وهى الارتِفاعُ من الأرض ـ أى إنه شُرِّف على سائر الخَلْق فقد أخطأَ لأن سيبويه قال وليس أحدٌ من العرَب الا وهو يَقُول تَنبَّأ مُسيلِمَةُ فلو كان من النَّبْوة كما ذهب اليه غير سيبويه لقالوا تَنَبَّى مُسَيْلِمةُ ولو كان من النَّبَا عِنْد قوم ومن النَّبْوة عند آخَرِينَ لكان بعضُ العرَب يقول تَنَبَّأ مسَيْلمةُ وبعضهم يقول تَنَبَّى مسيلمةُ كما أن سَنَة لما كانت من الهاء عِنْد قوم ومن الواو عِنْد آخَرِينَ قالوا سَنَهات وسَنَوات وكذلك عِضَة قالوا مَرَّة عِضَاهٌ ومرَّةً عِضَوَات قال

هذا طَرِيقٌ يأْزِمُ المَأزِمَا

وعِضَواتٌ تَقْطَع اللهازِمَا

فكذلك النَّبِىُّ لو كان من النَّبْوه ومن النَّبَا لهُمِز مَرَّة وتُرِك همزُه أُخْرَى ومما يدُلُّ أن تخفيفه بَدَلِىٌّ ليس على القياس قولُهم في جمعه أنبِيَاء فجمعُوه جمعَ ما لا يكون واحده الا معتَلًّا نحو غَنِىٍّ وأغْنِياءَ وشَقِىٍّ وأشْقِياءَ وان قال قائل لو كان أصلُه الهمزَ لقيل في جمعه أنْبِئاه لأن التكسير مما تُرَدُّ فيه الأشياءُ الى أُصُولها كما يُفْعَل ذلك فى التحقِير قلنا إن هذا بدَلٌ لازمٌ أوَلا تراهم قالوا أعْيادٌ في جمع عيِد وقد زالت

٧

العِلَّة التى من أجلها أبدِلت الواوُ في عيد ياءً لأن العِلَّة التى من أجْلها قُلِبت الى الياء الانكسارُ فانما أصلُه الواوُ اذ هو من عاد يَعود فليْس كلُّ بدلٍ غيْرَ لازِم ولا كلُّ بدَلٍ لازِمٌ انما يُنْتهَى في ذلك عند ما انتهَتِ العرَبُ وقد شرحت هذا أنعَم شرْح فى باب الخَبَر من هذا الكتاب وزعم سيبويه أن بعض أهل الحِجاز يهمزون النَّبىء وهى لغة رَدِيئة ولم يَسْتردِئها سيبويه ذَهَابا منه الى ان أصلَه غيرُ الهمز وانما استَرْدَأها من حيثُ كَثُر استعْمال الجمهورِ من العرَب لها من غير هَمْز* قال أبو عبيد* قال يونس أهلُ مكةَ يُخالِفُون غيرَهم من العرب يَهْمِزُون النَّبِىءَ والبريئَة وذلك قليل فى الكلام* ابن السكيت* ومن هذا الباب الذُّرِّيَّة من ذَرّأ اللهُ الخلْقَ ـ أى خَلَقهم والخابِيَةُ غير مهموز من خَبَأْت الشىءَ ويقولُون رأيتُ فاذا صاروا الى الفِعْل المستَقْبَل قالوا أنت تَرَى ونحن نَرَى وهو يَرَى وأنا أَرَى فلم يَهْمِزوا وقد أجمل سيبويه ذلك فقال في بعض استثناآته في باب الهمز غير أن كلَّ شئٍ كان في أوَّله زائدةٌ سِوَى ألف الوصل من رأيتُ فقد أجمعت العربُ على تخفيف هَمْزِه وذلك لكَثْرة استعْمالهم إيَّاه جعُلوا الهمزةَ تُعاقِب وأنا أشْرَحُ هذا الفصلَ بغاية الشَّرْح اذ كان من أدَقِّ فصُول اللُّغة وكانت هذه الكلمة من أنْدَر الكلام في الحذْف فأقول إن سيبويه يعنى أن العرَب اجتمعت على حذْف الهمز في أَرَى ويَرَى وتَرَى ونَرَى كأنهم عَوَّضُوا همزةَ أَرَى التى للمُضارَعة من الهَمْز* قال سيبويه* واذا أردْتَ تَخْفيفَ همزةِ إرْءَوْهُ قلت رَوْه تُلْقِى حركةَ الهمزة على الساكِن وتُلْقِى ألفَ الوصل حينَ حَرَّكت الذى بعْدَها لأنك انما ألْحقْت ألف الوصل لسُكُون ما بعدها ويدلُّك على ذلك رَ؟؟؟ ذاك وسَلْ خَفَّفوا إرْءَ واسْئَلْ وقد مضى الكلام في نحو هذا وهذا كلُّه تخفيف قياسِىٌّ وانما أوردناه في الحِفْظِيَّات وان كان قياسِيًّا لأن القِيَاسىَّ هنا قد ضارَعَ البَدَلِىَّ من حيث جَرَى في كلامهم مُخَفَّفا ولم يهمِزْه أحدٌ الا أن أبا الخطَّاب حكى أن من العرب من يقول قد أَرْأَهمْ يجىء بالهمز من رأيتُ على الأصل رواه سيبويه عنه وأنشد غيره

أَحِنُّ اذا رأيْتُ بِلادَ نَجْدٍ

ولا أَرْءَى الى نَجْد سَبِيلَا

* قال* فأمَّا ما أنشده النحويُّون من قوله

٨

وتَضْحَكُ منِّى شيخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ

كأنْ لم تَرَى قَبْلِى أَسِيرا يَمانِيَا

فقد روى كأنْ لم تَرَىْ قبْلِى ... وكأن لم تَرَى ... زعم ذلك الفارسى وعلَّل الرِّوايتين قال فمن أنشده تَرَىْ بالياء كان مثلَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) بعد (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وقد يكون على هذا قولُ الاعشى* ... حتى تُلَاقِى مُحَمَّدا * بعد قوله فآلَيْتُ لا أَرْثِى لها ... وقد يكون على معنى تَفْعَلُ الا أنه سكَّن اللام في موضِع نصب ومن أنشده كأن لم تَرَى ... كان مثلَ ما أنشده أبو زيد من قوله

اذا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطّلِقِ

ولا تَرَضَّاها ولا تَمَلَّقِ

فان قلت فلِمَ لا يكونُ على التخفيف على قياس من قال المَرَاة والكَمَاة قيل إن التخفيف على ضَرْبين تَخْفِيف قِياس وقَلْبٌ على غير قَيِاس وهذا الضربُ حكمُ الحرف فيه حكْمُ حُروفِ اللِّين التى ليست أصُولُهنَّ الهمْزَ ألا تَرَى أن من قال أرجَيْت قال (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) مثل مُعْطَوْن ومن لم يَقْلِب جعلَها بَيْن بَيْنَ فكذلك لم تَرَى اذا لم يكن تخفيفُه تخْفِيفَ قِياسٍ كان كما قُلْنا فلا يجوُز لتَوالى الاعلَالَيْنِ ألا تَرَى أنهم قالوا طَوَيت ولَوَيْت وحَيِيت فأجْرَوُا الأول في جميع هذا مُجْرَى العينِ من اخْشَوْا وقالوا قُوًى وحَيًا فجعلوه بمنزلة قَطًا وقالوا آيَةٌ فأمَّا استحَيْت فشاذٌّ ولا يُقاس عليه وقد أبَنَّاه فان قلت فلِمَ لا تجعَلُه مثلَ لم يَكُ ولم أُبَلْ كأنه حَذَف أوَّلا اللامَ للجَزْم كما حذَف الحركةَ من يكونُ ثم خُفِّفت على تخفيف الكمأة والمرأةِ وأُقِرَّ الالِفُ كما أُقِر فيما أنشده أبو زيد من قوله

اذا العجوزُ غَضِبتْ فطَلِّقِ

ولا تَرَضَّاها ولا تَمَلَّقِ

فان ذلك يَعْرِض فيه ما ذَكرنا من تَوالِى الاعلالَيْنِ فأما ما أنشده سيبويه

عَجِبْتُ مِن لَيْلاكَ وانْتِيَابِها

من حيثُ زارَتْنِى ولم أُورَا بِها

فذهب قومٌ الى أنه تخفيف بدَلىٌّ كما ذهبُوا اليه في قوله

* كأنْ لم تَرَى قَبْلِى أسِيرًا يَمَانِيَا*

وقد أبانَ أبو على وجهَ الفَساد هُناك فلذلك نستَغْنِى عن كَشْفه هنا وأشرحُ البيتَ لما فيه من الاشْكال الأصل في أُوْرَا بها أُوْرَأْ بها ولا يجوز الهمُز في البيت لأن القصيدة مُرْدَفة لا بُدَّ من ألف قبْلَ حرف الروِىِّ وهو الباءُ ولو همزَ لم يجُزْ أن

٩

تكونَ الهمزةُ رِدْفا ومعنى قوله لم أُورَا بها ـ لم أعلَمْ بها قال لبيد يصف الناقة

تَسْلُبُ الكانِسَ لم يُوْرَأْ بِها

شُعْبةَ الساقِ إذا الظِّلُّ عَقَلْ

وهذا البيت يجوز فيه أربعةُ أوْجُه يجوز لم أُورَأْ بها مثالُ لم أُوْرَعْ بها معناه لم يَشْعُر بها وهو من الوَراءِ اشتقاقُه كأنه قال لم يَشْعُر بها من وَرائِه وهذا على مذهب من يجعل الهمزةَ فى ورَاء أصلا ويقول في تصغيره وُرَيِّئة تقديرُه وُرَيِّعة وتقول في تَصْريف الفِعل منها وَرَّأْت بكذا وكذا كأنّه قال ساتَرْت بكذا وكذا ومنه الحديث «أن النبىَّ صلى اللهُ عليه وسلم كان إذا أرادَ سفَرًا وَرَّأَ بغيره» وأصحابُ الحديث لم يَضْبِطُوا الهمزَ فيه والوجه الثانى من هذا المعنى أن تَجعلَ الهمزةَ غير أصلِيَّة وتجعَلَها مُنقلِبة من واوٍ أو ياءٍ تقول لم يُوردَ بها وتجعل وَرَاء مثلَ عَطاءِ والهمزة مُنقَلِبة ومن قال هذا قال في تصغير وَرَاء وُرَيَّة وأصلُه وُرَيِّبة وتسقُطُ واحدةٌ منها كما قلت في عطاءٍ عُطَىٌّ والاصل عُطَيِّىٌ وفي عَظَاءَة عُظَيَّة والاصل عُظَيِّيَة وتقول ورَّيت عن كذا وكذا بغير هَمْز ويجوز أن يقال يُوأَرْ بها تقديره يُوعَرْ بها وفاء الفِعل منه واوٌ ومعناه لم يُذْعَرْ بها وهو مشتقٌّ من الارَة والارَةُ ـ النارُ وهى مثل عِدَة وأصلُها وِئْرة وحُذِفت الواوُ وأبْقِى كسرتُها مع الهمزةِ ومعناها أنه لم يُصِبْه حرُّ الذُّعْر ويجوز أن يقال تسْلُب الكانِسَ لم يُؤْر بها تقديره لم يُعَرْبها وهو مأخوذ من الأُوَار ـ وهو حر الشمسِ وفاءُ الفِعْل من هذا همزةٌ وعينُه واو ولامُه راءٌ كأن فعلَه آر يَؤُورُ وما لم يسمَّ فاعِلُه إير بُؤار مثل قيل يُقَال فهذا ما سَقط الىَّ من تعليل أبى على وأبى سَعِيد رحمهما‌اللهُ هذا شئ عَرَضَ* قال ابن جنى* فأما قوله

يُرِيد أن يأخُذَ بالجِزاف

فكان ذُو العَرْشِ بِنَا أَرَافِىْ

فوجهه عندى أنه أراد أرْأفُ ثم زاد الياءَ على ما نحن بسَبِيله فصار أرْأفِىٌّ ثم خفَّف الهمزَة على ما تقدَّم فصار أَرَافِىٌّ ثم خفَّف الياء كما خففها الآخرُ في قوله

بَكِّى بعينِكِ واكِفَ القَطْر

ابنَ الحَوَارِى العالِىَ الذِّكْر

أراد الحَوارِىَّ فحذف الياء الأُولَى لا الآخِرة هذا الوجهُ وقد يمكن أن يكونَ حذَف الثانية والأُولى أقوَى وبقى الياءُ بعد الفاءِ وَصْلا واطلاقا فصار أرَافِى ثم

١٠

نعودُ الى البابِ وأمَّا قولُهم المَلَك فان أصلَه الهمْزُ لأنه من الأَلُوك والمَأْلَة ـ وهى الرِّسَالة وانما أصْلُه مَلْأَك تخفيفُه قِياسىٌّ وإنما ذكرته لمُضارَعته مُضارِعَ رَأَى فى أنَّ استِعْماله جَرَى بتَرْك الهمْز في الأكثر والأغلب ومَلَكٌ أصلُه مَأْلَك على نظْم حروف الأَلوك ثم قُلِبت الهمزةُ التى هى الفاءُ الى موضع العين

ومما هَمَزه بعضُ العرَب وتركَ

همْزَه بعضُهم والأكثَرُ الهمْز

قالوا عَظَاءةٌ وعَظَايَة وصَلَاءة وصَلَايَة وعَبَاءةٌ وعَبَايةٌ وسَقَّاءةٌ وسَقَّايةٌ وامرأة رَثَّايَة ورَثَّاءةٌ فمن همَز فعلى حُكْم التذكير بَنَاه عليه ومن لم يَهْمِز فانه عِنْده تأنيثٌ لَحِق آخِرَ الاسمِ فتغيَّرَ حُكْمُه تقول شَقَاءٌ وعَظَاءٌ وصَلَاء لا يجوز غير الهمز في شئٍ من ذلك وأصله شَقَاوٌ وعَظاىٌ وصَلاىٌ فوقَعت الواوُ والياءُ طرفيْنِ وقبلَهما ألِف ثم قالوا شَقَاوة وعَظَاية فجعلوه ياء لأنه لَمَّا اتصل به حرفُ التأنيثِ ولم يقع الاعرابُ على الياء صارَتا كأنَّهما في وسَط الكلِمة كقولهم مِذْرَوانِ وسنذكر هذا في تثنية المقْصُور ان شاء الله

ومما يُقال بالهمز مرةً وبالواو أُخْرَى

هذا البابُ على ضربينِ اطِّرادِىّ وسَمَاعِىّ وأنا أُبَيِّن ذلك بما سقطَ إلىَّ من تعليل أبى على رحمه‌الله* قال أبو على* اعلم أن الواواتِ في هذا النحو تكونُ على ضربَيْن أوَّلا وغيرَ أوّل فاذا كانت أولا فعلى ضربَيْن أحدهما أن تكون مفردةً والآخرُ أن تكون مكرَّرة ولا حاجة بنا الى ذكر المكرَّرة أوّلا لعلمنا باطِّراده فأما المفردة فعلى ثلاثة أضرُبٍ مضمومٌ ومكسورٌ ومفتوحٌ فالمَضْموم نحوُ وُعِدَ ووُزِن ووُجُوه وقلبُ الهمزةِ في هذا الضرب مطَّرِد اذا كان غير أوَّل كما يكونُ مُطَّرِدا اذا كان أوَّلا وان كان قَلْبه أوَّلا أقوَى ألا تراهم قالوا أثْؤُب فقلبُوه عيْنا كما قَلَبُوه فاء في أُقِّتت وأُجُوه ونحوه قال

١١

* لِكُلِّ دَهْرٍ قد لَبِسْتُ أَثْؤُيَا*

فهذه المضمومةُ فأمَّا المكسورةُ فنحو إسَادةٍ في وِسَادة وإفادةٍ في وِفَادة وأنشد سيبويه

إلَّا الافَادةَ فاسْتَوْلَتْ رَكائِبُنَا

عِنْدَ الجَبابِير بالبأْساءِ والنِّعَمِ

وأمَّا المفتُوحة فالبدَل فيها قليلٌ جِدًّا أَناة في وَنَاة وأَحَد وهو من الوَحْدة ألا تَرَى أنَّ أَحَدا وعِشْرين كواحِدٍ وعِشْرينَ فأما أَنَاة فاستَدَل سيبويه على أنها من الواوِ بأن المرأة تُجْعَل كَسُولا فجعله من الوَنْىِ دُونَ الأَناءِ الذى معناه التَمكُّث والانتِظارُ ولم نَعْلم غيرَ هذينِ وهذا غيرُ مُطَّرِد فأمَّا المكسورُ فقد اختُلِف فيه فبعضُهم يَطْرُده وبعضُهم لا يطْرُده* قال أبو على* ذكر أبُو بكْر عن أبى العَبَّاس أن أبا عَمْرو لا يَرَى إبدال الهمزة من الواوِ المكسورةِ مُطَّرِدا كما يقول غيرُه اذا كانت أوَّلَ حَرْف ويزعُم أن قولهم إسَادةٌ وإشَاح وإفَادة من الشواذِّ والقياس عِنْدِى قول أبِى عَمرو لأن الاطَّرادَ في المضمُوم إنما هو لاشتباهِهِا بالواويْنِ والمكسورةُ لا تُشْبه الواوينِ الا أنه ينبَغِى في القياس أن يكونَ البدَلُ فيها أكثَرَ من البَدَل في المفتوحةِ لأن الياء بالواو أشبَهُ وانما يحسُن البدلُ بحسَب ما يُصادِف من ازالة المِثْلين أو المتقارِبَيْنِ فبُحْسن قُرْب الشبَهِ يحسُن البدلُ ولا ينبَغِى أن يَجُوز البدلُ في المكسورة غيْرَ أوَّل من حيثُ جاز في الاوّل لان البَدَل أوَّلا أقْوَى لكثرتِه يدُلُّك على ذلك امتِناعُ الواوَيْنِ من الوقوع أوَّلا وجوازُ وُقُوعهما وسَطا وكأن في قول سيبويه أيضا في هذا كالدِّلالةِ على ما يقوله أبو عمرو من أنه ليس بمطَّرِد* قال* وليس بمُطَّرِد يعنى المفتوحةَ اذا أُبْدِلت منها الهمزةُ ولكنَّ ناسا كثيرًا يُجْرُون الواوَ اذا كانت مكسورةً مُجْرَاها مضمومةً فقوله ناسا كَثِيرا فيه دِلَالة على أنه ليس بعامٍّ في الكل* فقد أبَنْت قوانينَ بدل الهمزة من الواو وآخُذ في ذكر المحفُوظ والمختَلَف فيه وأما القياسِىُّ فلا حاجةَ بنا الى ذِكْره لاطِّراده فمن المحفُوظ المجمَع على أنه ليس بمطَّرِد وهو قسم المفتوحةِ قولُهم أَكَّدت العهدَ ووَكَّدْته وأَرَّخت الكتابَ ووَرَّخْته وقد أَسِن الرجلُ ووَسِنَ ـ اذا غُشِى عليه من نَتْن رِيحِ البِئْر وأرَّشْت بينَ القومِ ووَرَّشت* غيره* ما وَبِهت له وما أَبِهْت له ومن المكسور وِسَادة

١٢

وإسَادة ووِفَادة وإفَادة ووِشَاح وإشَاح ووِعَاء وإعَاء وإلَاف ووِلَاف ووِكَاف وإكَاف وعلى هذا قالوا أوْ كَفْت البغلَ وآكَفْته ووِقَاء وإقَاء وقالوا وِلْدة وإلْدةٌ ومن البَدَل أيضا قولُهم أوْصدْت البابَ وآصَدْته ـ اذا أغلَقْته وأوْسدْت الكَلْبِ وآسَدْتُه ـ اذا أغْريْته ومن طريق بَدَل الهمزة من الواو أن تكونَ الواوُ ساكِنةً وما قبلَها مضمُومٌ فتهمز على أنه لا أصلَ لها في الهمز كقولهم سُؤْق في سُوْق ومُؤْق في مُوْق* وزعم الفارسى* عن بعض الأشياخ أُرَاه محمدَ بنَ يزِيدَ أن أبا حَيَّةَ النُّمَيْرِىَّ كان يهمِز كلَّ واوٍ ساكنةٍ قبْلَها ضمةٌ وان لم يكُن لها أصْل في الهمز وكان ينشد

* لحُبَّ المُؤْقِدَانِ إلَىَّ مُؤْسَى*

وعليه وُجِّه قِراءَةُ من قرأ «فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوَى على سُؤْقِه» «وعادًا اللُّؤْلَى» وتعليلُه عِنْده أن يتوهَّم الضمةَ التى على الحرْف الذى قبْلَ الواو واقِعةً على الواو كما أن الذى يقولُ الكَمَاة والمَرَأة يتوَهَّم الفتحةَ التى في الهمزة واقعةً على الميم فكأنها كَمَاة واذا كانت الهمزَة ساكنةً وما قبلها مفتُوحٌ فأُرِيد تخفيفُها قلبَتْ ألفا فهذا نظيرُ ما تقدَّم ذِكْره وان كان التوهم في الموضِعَين بالعكس وهذا من أدَقِّ النحو وأظْرف اللُّغَة فافهمه واحفَظْه ان شاء الله تعالى* ابن السكيت* حَزَاه يَحْزُوه وحَزَأهُ يَحْزَأُهُ ـ أى رفَعه ولا تَأْجَلْ ولا تَوْجَلْ ولم أسمع ببدلها في الماضِى

وأنا أحِبُّ أن أضَعَ للتخفيف البدَلِىِّ

عَقْدا ملَخَّصا وجِيزا

اعلم أنَّ الهمزةَ التى يحَقِّق أمثالَها أهلُ التحقيق من بَنِى تميمٍ وأهلِ الحِجاز وتُجعَل فى لغة أهل التخفيف بَيْنَ بَيْنَ قد يُبْدَل مكانها الالفُ اذا كان ما قبلها مفتُوحا والياءُ اذا كان ما قَبْلها مكسُورا والواوُ اذا كان ما قبلها مَضْمُوما وليس ذا بقياس مُتْلَثبٍّ وانما يُحفَظ عن العرب كما يحفَظُ الشىءُ الذى تُبْدَل التاءُ من واوه نحو أَتْلَجْت

١٣

ولا تُجْعَل قياسا في كلِّ شئ من هذا الباب وانما هى بدل من واو أَوْلَجْت أوَلَا تَرَى أنه لا يقال أتْلَعْت في أَوْلعت فمن ذلك قولُهم مِنْساةٌ وهى العَصَا وانما أصلُها مِنْسأَة لأنه يقال نَسَأْتها ـ أى ضربتها ونَسَأْتُها ـ أى أخَّرْتها ونَسَأْتها ـ أى طردتُها فيحتمل أن تكون العَصَا من هذه الوُجُوه* قال* وقد يجوز في ذا كلِّه البدلُ حتى يكون قِياسا إذا اضْطُّر الشاعرُ* قال أبو على* مذهب سيبويه أن كل همزة متحركة اذا كان قبلها فتحةٌ جاز قلْبُها ألِفا في الشِّعر وان لم يكن مسمُوعا فى الكلام وكل همزة متحركة وقبلها كسرةٌ يجوز قلْبُها ياءً في الشعر وان لم يكن مسمُوعا في الكلام قال الشاعِرُ وهو الفرزدق

راحَتْ بمَسْلَمةَ البِغَالُ عَشِيَّةً

فارْعَىْ فَزَارَةُ لا هَنَاكِ المَرْتَعُ

وانما كان الوجه أن يقال لَا هَناك المَرْتَعُ فأبْدلَ الالفَ مكانَها ولو جعلها بَيْنَ بَيْنَ لانْكسَر لأن همزةَ بيْنَ بَيْنَ متحرِّكة ولا يتَّزِنُ البيتُ بحرْف متحرِّك وقال حسان

سالَتْ هُذَيْلٌ رسُولَ اللهِ فاحِشةً

ضَلَّت هُذَيْل بما قالَتْ ولم تُصِبِ

وقال القرشِىُّ وقيل إنه لبعض السَّهْمِيِّين

سالَتَانِى الطَّلاقَ أنْ رأتَانِى

قَلَّ مالىِ قد جِئْتُمَانى بنُكْرِ

فهؤُلاء ليس من لُغتهم سِلْت ولا يَسَال وبلَغنا أنّ سَلْت تَسَال لغةٌ وأكثرُ العربِ يقولُون سأَل يَسْأَل بالهمز ومنهم من يَقُول سَال يَسَالُ كما يقول خافَ يخافُ والألف منقلبة من الواو وقد حُكِى هما يَتَساوَلانِ والشاهد أن هذيْنِ الشاعِريْنِ لغتُهما سأل بالهمز وانما اضْطُرَّ الى تحويلهِ مثل لا هَناكِ المرتَعُ وقال عبد الرحمن ابنُ حسان

وكُنْتَ أذَلَّ من وَتِدٍ بِقَاعٍ

يُشَجِّج رأْسَه بالفِهْرِ وَاجِى

يريد الواجئَ وهذا أيسرُ لأنه يجُوز في الكلام أن تقولَ هذا واجى اذا وقفت لأن الهمزة تسْكُن اذا وقفْت عليها وقبلها كَسْرة فتقلَبُ ياءً كما يقال في بِئْر بِيْر* قال* ونَبِىٌّ وبَرِيَّةٌ ألزمها أهلُ التحقيق البَدَل وليس كلُّ شئ نحوُهما يُفْعَل به ذا انما يُؤْخَذ بالسَّمْع وقد بلغَنا أن قوما من أهلِ الحِجاز من أهل التحقِيق يحققون نَبىء وبَرِيئة وذلك قليل رَدِىء والبدل هاهنا كالبدَل في مِنْساة وليس بدلَ التَّخْفِيف وإن

١٤

كان اللفظُ واحدا وقد قدَّمت تعليلَ النبِىِّ والبَرِيَّة* قال سيبويه* واعلم أن من العرب من يقول في أَوْأَنت أوَّنْتَ يبدل ويقول أرْمِىَّ بَاكَ وأبُوَّ يُّوبَ يريد أبُو أَيُّوبَ ورأيت غُلامَىَّ بِيكَ وكذلك المنفصِلةُ كلُّها اذا كانت الهمزة مفتوحةً* قال سيبويه* انما أبدلُوا المفتوحةَ الى لفظ ما قبْلَها وأدغَمُوه فيه لأنه أخَفُّ في اللفظ من المكسُورِ والمضمُومِ ولا يُبْدِلون الهمزَة المضمومةَ والمكسُورةَ في مثل ذلك وقد أنشد بعض النحوِيِّين

* هَلَ نْتَ مُحَيِّى الرَّبْع أوَّنْت سائِلُهْ*

* قال* وان كانت في كلمةٍ واحدةٍ نحوُ سَوْأَةٍ ومَوْألةٍ حذفُوا فقالُوا سَوَةٌ ومَوَلَةٌ وقالوا في حَوْأَب حَوَب فهذا هو القياس* قال* وقد قال بعض هؤُلاء سَوَّة وضَوٌّ فجعل الواواتِ فيها بمنزِلة حُرُوف المدِّ وشبَّهه أيضا بأوَّنْتَ وان خَفَّفت أحْلِبْنِى إِبلَكَ وأبُو أمِّك لم تثَقِّل كراهةً لاجتماع الواواتِ والياآت والكَسَرات يعنى أنك تقول أحلِبْنِىِ بِلَكَ بكسْر الياءِ من غير تشديد وأبُوُمِّك بضمِّ الواو من غير تشديد والذين شدَّدُوا أوَّنت وأَرْمِىَّ باكَ وأبُوَّيُّوب لم يشَدِّدوا هذا لأنه يكون مع التشديد كسرةٌ أو ضمة فيثقُل* قال* ومن قال سَوَّة قال مَسُوٌّ وسِىَّ وانما حسُن ذلك وان كانت الهمزةُ مضمومةً لأنها ضمة اعراب غيرُ ثابتة* قال* وهؤلاء يقُولون أنا ذُوُنْسِه يريدونَ ذُو أُنْسِه فألقَوْا حركةَ الهمزة على الواو وحذَفُوها* قال سيبويه* ولم يجعَلُوها همزةً تُحْذَف وهى مما يَثْبُت يقول لم يحذِفُوها وهى تثبُتُ بيْنَ بيْنَ كما ثبتت بعد الألف ومعناه إنما حذفُوها في التخفيف بالْقاء الحركةِ على ما قبْلَها لأنها لا تثبت بَيْنَ بينَ ولا يجوز أن تقلَب واوا فتُدْغَم الواوُ الاولى فيها فيقال فيها أنا ذُوُّنْسه على قول من قال سَوّة استِثْقالا للضمة عليها كما لا يجوز أُبُّومِّك* قال* وقال بعضُ هؤلاء يقولونَ يريد أن يَجِيَك ويَسُوَك وهو يَجِيك ويَسُوكَ بحذْفِ الهمزة ويُكْرَه الضمُّ مع الياء والواو فهؤلَاء يقولون في حال الجزْمِ لم يَجِ ويُرْوَى أن بعض العرَب قال مَن أراد أن يأتيِنَا فَلْيَجِ وتقول في أسَاتُ فى حال الجزم لم تُسِ يا هذا وفي الامر سُهْ يا هذا وهؤلاء حذفُوا الهمزة تخفيفا على غير النحو الذى ذكرناه في القياس ان تقول اذا خفّفت الهمزة هو يَرْمِىِ خْوانَه

١٥

يثبتُ الياءَ ويَكْسِرُها ويطرحُ حركةَ الهمزة عليها على ما ذكرنا في قيَاس التخفيف ولكنه استثقل كسرة الياء فحذف الهمزة البتة ثم حذف الياء لاجتماع الساكِنَيْنِ الياءِ والخاءِ

ومما جاء من الشاذ الذى لم يذكُرْه سيبويه

حذف الهمزة بعد المتحرِّك المَبْنِىِّ وإلقاء حركَتِها عليه

من ذلك قولُهم قالِ سْحقُ وقالُ سامةُ يريدون إسْحق وأسامة تسَكَنَّ اللام لا أنها مَبْنيَّة على الفتْح وليست بمعرَبة ثم يُلْقَى عليها كسرةُ الهمزة وضمَّتُها وتُحْذَف الهمزة ولو كان هذا في معْرَب لم يجز أن يقولَ يقُولِ سْحقُ ولا أن يقول يقولُ سامةُ لأن المعرَب تختلف حركاتُه فان ألقيت حركة الهمزة على المعرب وقع اللبسُ ومنهم من لا يلقى حركة الهمزة ويحذفها البتَّةَ فيقول قالَ سْحقُ وقالَ سامةُ والاول أجودُ وأمَا قول حُمْيد بن ثَوْر فانه يُنْشد

فلم أَرَ محزُونا له مِثْلُ صوْتِه

ولا عَرَبِيًّا شاقَهُ صوتُ أعجَمَا

كمَثْلِى غَدَا تذٍ ولكِنَّ صوتَهُ

له غَوْلةٌ لو يفقَهُ العودُ أرْزَمَا

ويروى كمِثْلِى غَدا تَذٍ ... والأصل في هذا غَداةَ إذٍ فهى مَبْنِيَّة لاضافتها الى إِدْ يجوز أن تقول في (خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) يَومَئِذ ومن عيشِ يومِئذِ وساعةِ إذٍ فمن كسر أعربه لانه اسم متمكن ومن فتحه بناه لانه أُضِيف الى غير متمكِّن وهو على تسكين الهمزة وقلبها فيجوز أن تدع ما قبل الهمزة على فتحه ويجوز القاء حركةِ الهمزة على ما قبلَها كما قال قالِ سْحقُ ومن ذلك أنهم يحذِفُون الهمزةَ اذا وقَعت بعد ألفٍ من كلمتين فان كان ما بعد الهمزة ساكنا حذفوا الالف أيضا لاجتماع الساكِنيْن فان كان متحركا حذفُوا منه الهمزةَ وتركُوا الألف على حالها يقولون مَحْسَنَ زيدًا ومَمْرُك يا زيدُ ـ يريد ما أحسَنَ زيدا وما أمْرُك فتحذف الهمزة البَتَّةَ فيبقى الالف والساكن الذى بعدها فيسقُط لاجتماع الساكنَيْنِ ويقولُون ما شَدَّ زيدا وما جَلَّ زيدا يُرِيدون ما أشَدَّ زيدًا وما أجَلَّ زيدا فتُحذَفُ الهمزة وحدَها ولا تُحذَف الألفُ لان ما بعدها

١٦

متحرِّك قال الشاعر

ما شَدَّ أنْفُسَهُم وأعلَمَهُمْ بما

يَحْمِى الذِمار به الكَرِيمُ المُسْلِمُ

وربَّما حذَفُوا لغير عِلَّة لكثْرة دَوْرها وقد زعم بعضُهم أنَّ سامةَ بنَ لُؤَىٍّ انما هو أُسامةُ فحُذِفت الهمزةُ منه تخفيفا وقال بعضهم ناسٌ وأصلُها أُنَاس فحذفت الهمزة تخفيفا وقال بعضهم في سَامَة وناسٍ إن الهمزةَ لم تكُنْ في أصلِهِما وإن ناسٌ من ناسَ يَنُوس وسامةَ من سامَ يَسُومُ والأكثرُ الاول وعليه قالوا الْقُحْوانُ في الأُقْحُوانِ ومما يدُلُّ أن سأمةَ أصله أُسامةُ ثم حُذِف جمع الشاعر بينَهما قال

عَيْنُ بَكِّى لِسامةَ بْنِ لُؤَىٍّ

عَلِقَتْ من أُسَامةَ العَلَّاقَهْ

لا أَرَى مِثلَ سامةَ بنِ لُؤَىٍّ

حَمَلَتْ حَتْفَهُ اليْه النَّاقَهْ

وقالوا في (أَرَأَيْتَ) أَرَيْتَ فحذفت الهمزة البَتَّةَ من غير أن يَبْقَى لها أثَرٌ وهى في قِراءةِ الكِسائىِّ في جميع ما أوَّلُه ألف استِفْهام في أَرَيْتَ كما قال الشاعر

صاحِ هلْ رَيْتَ أو سَمِعْت بِرَاعٍ

رَدَّ في الضَّرْع ما قَرَى في الحِلَابِ

وربَّما قدَّموا الهمزةَ التى اذا أخَّرُوها في التخفيف وجب حَذْفها كقولهم في يَسْئَلُون يَأْسَلُون وذلك أنه اذا خفّف يَأْسَلُون لم يَلْزَمه حذفُ الهمزة وانما يلزمه قلبُها ألفا كما تقول في رَأْس راس ولو لم يَقْلِبْها للزمه أن يقولَ يَأْسَلُون قال الشاعر

* اذا قام قَوْمٌ يَأْسَلُون مَلِيكَهُمْ*

كذلك أُنْشِد ومن نحو هذا قولُهم يَئِسَ ثم يقولُون أَيِسَ على القلْب والاصل يَئِس والدليل على ان الأصل يَئِس أنه لو لم يكن كذلك للزمهم قلب الياء في أيِسَ ألِفا لأن الياء اذا وقعتْ في موضِع العينِ من الفِعْل في مِثْل هذا وجب قلْبُها ألفا كما قالوا هَابَ والأصل فيه هَيِب ويقولُون في مصدر الفعلين يَأْس ولا يقولون أَيْس

باب

ومما يُقال بالهمز والياء أَعْصُرُ ويَعْصُرُ ـ اسم ويَلَمْلَمُ وأَلَمْلَمُ ـ اسمُ وادٍ من أوْدِيَة اليَمن (١) وطَيْرٌ أَنَادِيدُ ويَنادِيدُ ـ متَفَرِّقة وهو اليَرَقَانُ والأَرَقَانُ ـ وهى آفةٌ تُصِيب

__________________

(١) قلت لقد أخطأ ابن سيده في قوله ويلملم وألملم اسم واد من أودية الى من وانما الصواب وهو الحق الذى لا محيد عنه أن يلملما جبل كبير من كبار جبال تهامة على ليلتين من مكة أهله كنانة تصب تلاعه وأوديته في البحر وهو في طريق اليمن الى مكة وهو ميقات من حج من هناك ومن أهل اليمن أيضا قال طُفَيْل الغَنَوِىّ يصف فرسا يشبهها فى القوة بصخرة من فروعه

وسلهبة تنضو الجياد كأنها

رداة تدلت من فروع يلمسلم

وقال ابن مقبل

تراعي عنودا في الرياد كأنه

سهيل بدا في عارض من؟

وقال أبو تمام يرثى ابنين لعبد الله ـ

١٧

الزَّرْع وهو زَرْع مَأْرُوق ومَيْرُوق وهى الأرَنْدَجُ واليَرَنْدَج ـ للجُلُود السُّود وهو رجل ألَنْدَد ويَلَندَد ـ للشديد الخُصُومة ورجل ألْمَعِىٌّ ويَلْمعِىٌّ ـ للذَّكِىِّ المتَوقِّد ويَبْرِينُ وأَبْرِينُ ـ اسمُ رملٍ ويُسْرُوعٌ وأُسْرُوعٌ ـ وهى دُودةٌ تكونُ في البَقْل ثم تنْسَلِخُ فتكونُ فَرَاشةً وهو عودٌ أَلَنْجُوجٌ ويَلَنْجُوجٌ وأَلَنْجَجٌ ويَلَنْجَجٌ ـ للعود الذى يُتَبَخَّر به وحُكِى في أسنانِه يلَلٌ وأَلَلٌ ـ وهو أن تُقْبِل الأسنانُ على باطِن الفَمِ وحُكِى قطَع اللهُ أَدَيْه يريدُ يدَيْه ويقال ثَوبٌ أَدِىٌّ ويَدِىٌّ ـ اذا كانَ واسِعا* اللحيانى* رجل يَدِىٌّ وأَدِىٌّ ـ أى صَنَعٌ* ابن السكيت* ويُقال رُمْحٌ يَزَنِيٌّ وأَزَنِيٌّ ويَزْأَنِيٌّ وأَزْأَنِيٌّ منسُوب الى ذِى يَزَنَ ـ ملِكٍ من مُلُوك حِمْيَرَ ويُقال ما في سَيْرِه أَتَمٌ ولا يَتَم ـ أى إبطاءٌ* وقال الطُّوسِى* اليَتَمُ ـ الغَفْلة ومنه اليَتِيمُ كأنه أُغْفِل فضاعَ والاجماع أن اليَتِيمَ الفَرْد ويَتِمَ ـ اذا انْفَرَد منه ومنه الدُّرَّة اليَتِيمة* وقال* نَصْل يَثْرَبِىٌّ وأَثْرَبِىٌّ ـ منسوبٌ الى يَثْرِبَ وأنشد

* وأَثْرَبِىّ سِنْخُه مَرْصُوفُ*

وأنشد أيضا

تَعَلَّمَنْ يا زَيْدُ يا ابْنَ زَيْنِ

لَأُكْلةٌ مِنْ أَقِطٍ بسَمْنِ

وشَرْبَتانِ مِنْ عَكِىِّ الضّأْنِ

أَلْيَنُ مَسًّا في حَوَايَا البَطْنِ

من يَثْرِبِيَّاتٍ قِذَاذٍ خُشْنِ

يَرْمِى بها أرْمَى من ابْنِ تِقْنِ

وأنشد أبو حنيفة

يُكَلِّفُنى الحَجَّاجُ دِرْعًا ومِغْفَرا

وطِرْفًا جَوَادًا رائِعًا بثَلَاثِ

وخَمْسِينَ سَهْما صِيغةً يَثْرِبِيَّةً

وقَوْسًا طَرُوحَ النَّبْل غَيْرَ لَبَاثِ

* قال* ويقال قوسٌ لَبَاثٌ ـ أى بَطِيئة وقالوا أمَّمْته ويَمَّمته وأَذْرِعات ويَذْرِعَات ووَلَدتْه أمُّه يتَنْا وأتْنًا

ومما يقال بالياء مرة وبالهمز مرة وبالواو مرة

* اللحيانى* ولدَتْه أُمُّه يَتْنا وأَتْنا ووَتْنا ـ وهو أن تَخْرُج رِجلَاه قبْل رأسِه

__________________

ـ ابن طاهر ماتا صغيرين وذكر سبعة جبال من أعظم جبال جزيرة العرب وأشهرها حِقْفان هالهما الغضا وغلدرا قللا لنادون السماء قواعلا رضوى وقدس ويذبلا وعماية ويلملما ومتالعا ومواسلا وكتبه محمد محمود لطف الله به آمين

١٨

ومما يُقال بالهمز مرَّةً وبالياء مما ليْس باوَّل

* أبو عبيد* ناوَأت الرجُلَ وناوَيْته ـ يعنى ناهَضْتُه وهاوَأْتُه وهاوَيْتُه معناه كالاول ولم يُفَسَّرْه ودارَأْته ودارَيْته هذه حِكايتُه والمعروف دارَأْته ـ دافعْتُه ودارَيْتُه ـ لايَنْته ورَفَقْت به من قوله «فان كُنْتُ لا أَدْرِى الظِّباء» وقد تقدم البيتُ* وقال* احْبَنْطَأْتُ واحْبَنْطَيتُ واجْلَنْظَأْت واجْلَنْظَيْت واطْلَنْفَأْتُ لا غيْرُ* وقال* الرِّئْبالُ ـ هو الأسَدُ يُهْمَز ولا يُهْمَز ولم يَحْكِ أحدٌ هذا غَيْرُ أبى عبيد اللهمَّ الا أن يكونَ على التخفيف الذِى ليس ببَدَلِىّ انتهت أبوابُ الهمز

وأذكُر الآنَ شيأ من المُعاقَبةِ

وأُرى كيْفَ تَدْخُل الياءُ على الواوِ والواوُ على الياءِ من غيْر عِلَّةٍ إمَّا لمُعاقَبةٍ عِنْد القَبِيلة الواحدةِ من العرَب وإمَّا لافْتِراق القَبِيلتين في اللُّغَتيْن فأمَّا ما دخَلْت فيه الواوُ على الياءِ والياءُ على الواو لعِلَّة فلا حاجةَ بنا الى ذِكْره في هذا الكتابِ لأنَّه قانونٌ من قَوانِينِ التصريفِ* قال الاصمعى* سألتُ المفَضَّل عن قول الأعشَى

لَعْمِرى لمَنْ أمْسَى من القومِ شاخِصَا

لقد نالَ خَيْصا من عُفَيرةَ خائِصَا

فقلت ما معنى خَيْصا خائِصًا فقال أُرَاه من قولهم فلانٌ يُخَوِّص العطاءَ في بَنِى فلانٍ ـ أى يقَلِّله فكأنَّ خَيْصا شئٌ يسيرٌ ثم بالغَ بقوله خائِصًا كما قالُوا مَوتٌ مائِتٌ قلت له فكانَ يجبُ أن يقُولَ لقد نالَ خَوْصا اذ هو من قولهم هو يُخَوِّصُ العَطاءَ فقال هو على المُعاقَبة وهى لُغة لأهل الحِجَاز وليستْ بمُطَّرِدةٍ في لُغَتهم وأنا أذكُر منها بحسَب ما يحضُرنى ان شاء الله* قال ابن السكيت* أهلُ الحجاز يُسمُّون الصَّوَّاغ الصَّيَّاغَ* قال* ويقولون المَيَاثِر والمَوَاثِر والمَوَاثِق والمَيَاثِق وأنشد الأعرابى

حِمًى لا يُحلُّ الدَّهْر الا باذْنِنَا

ولا نَسْألُ الأقوامَ عَقْد المَيَاثِقِ

ويقال هو المُتَأَوِّب والمُتَأَيِّب وشَيَّطَه وشَوَّطَه وقد دَوَّخُوا الرجلَ ودَيَّخُوه وقد فادَ يَفُود ويَفِيدُ في الموت وقالوا ما أَدْرِى أىُّ الجَرادِ عارَه وقالوا في المُستقبَل يَعُورُه ويَعِيرُه* غيره* وكذلك عارَ يَعِيرُ ويَعُور ـ اذا ذَهَبَ ههُنا وههُنا ويقال غرْتُ

١٩

فُلانا وقومٌ يقُولون غُرْتُه ـ أى نفَعْتُه وأنشد

ماذا يَغِيرُ ابْنَتَىْ رِبْعٍ عَوِيلُهُما

لا تَرْقُدانِ ولا بُوْسَى لِمَن رَقَدا

ويقال ذهب فلانٌ يَغِير أهلَهُ ـ أى يَمِيرُهم ويَنْفَعُهم وأنشد

ونَهْدِيَّةٍ شَمْطاءَ أو حارِثيَّةٍ

تُؤَمِّل نَهْبًا من بَنِيهَا يَغِيرُها

وكذلك غارَنِى الرجلُ يَغِيرُنى ويَغُورُنِى ـ اذا أعطاكَ الدِّية والاسم الغِيرَة وجمعها غِيَرٌ ويقال ما لَكَ تَتَحَوَّز مِنِّى كما تتَحَوَّز الحيَّةُ ويقال قد تَحَيَّزت الى حِصْنٍ أو الى فِئَةٍ ـ أى انحَزْت اليها وقد تَحَوَّزْت ـ أى تلَبَّثْت ويقال تَوَّهْت الرجُلَ وتَيَّهته وكذلك طَوَّحْته وطَيَّحته* أبو عبيد* ما أَتْوَهَه وأتْيَهَه وأطْوَحَه معاقبة وهى عِنْد سيبويه من الواو ولهذا قال انّ طِحْت تَطِيحُ مثلُ حَسِب يَحْسِبُ* ابن السكيت* ساغَ الرجلُ طَعامَه يَسِيغُه وبعضُهم يقول يَسُوغُه والجَيِّد أساغَ الطعامَ بالألف وماهَتِ الرَّكِيَّة تَمُوه هذا الأصلُ لأنَّك تقُول أمْواهٌ وقد قيل تَمِيهُ وتَمَاهُ ويقال طالَ طِوَلُك وطالَ طِيَلُك مكسُورةَ الأوّل جَمِيعا فأما الحبْلُ فلم نسمَعْه الا بكسْر الأوّل وفَتْح الثانى ويقال ضاره يَضِيرُه وزعم الكسائىُ (١) أنه سَمِع بعض أهل العالِيَة يقولُ لا يَنْفَعُنى ذلك ولا يَضُورُنِى ويقال إن بينَهما لَبَوْنا في الفَضْل وبَيْنا فأما في البُعْد فيقال إن بَيْنَهما لَبَيْنا لا غيْرُ ويقال إنَّ فلانا لَسَريعُ الأَوْبَةِ وقومٌ يحَوِّلُونَ الواو ياءً فيقُولونَ سريعُ الأيْبةِ وقومٌ يقُولونَ لاتَهُ يَلِيتُه ولغةٌ أُخْرى يَلُوتُه ومعناهما ـ حبَسَه عن وَجْهه قال رؤبةُ

* ولم يَلِتْنِى عن سُرَاهًا لَيْتُ*

تقديره لم يَبِعْنى بَيْع وفي القرآن (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) وقرئ يَأْلِتْكم من ألت يَأْلِت وقومٌ يقولُون ذهبَ (٢) في هذا المعنى ألاتَهُ ويقال ماثَ الشىءَ فهو يَموثُه ومعناه أذابَهُ والمصدر مَوَثَانًا ويقال أصابَتْهُم مُصِيبةٌ ومَصاوِبُ ومَصَايِبُ فهو على الأصل وحكى سيبويه أن بعضَهم قال في جمع مُصِيبة مَصائِبُ فيهمِز وهذا غَلط وانما هو مُفعِلة وتوهَّموها فَعِيلةً* قال* ومنهم من يقولُ مَصَاوِب فيَجِىءُ به على الاصلِ والقِياسِ وقولُ سيبويه توهَّمُوها فَعِيلة ـ أى توهَّمُوا الياءَ التى في مُصِيبة وهى مُنقَلِبةٌ عن العين التى هى واوٌ الياءَ التى تُزَاد للمدِّ في نحو سَفِينة فهمَزُوا الياءَ

__________________

(١) قوله ويقال طال طولك الى قوله وزعم الكسائى لا يخفى ما في هذه العبارة وفي الصحاح وطال طِوَلك وطِيَلك أى عمرك ويقال أيضا طال طيلك وطَوْلك ساكنة الواو والياء وطال طُوَلك بضم الطاء وفتح الواو وطال طَوَلك بالفتح كل ذلك حكاه ابن السكيت قال فاما الحبل الخ تأمل كتبه مصححه

(٢) يظهر أن ذهب من زيادة النساخ

٢٠