الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ١

الشيخ محمّد جميل حمّود

الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد جميل حمّود


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

٥
٦

الإهداء

سيدي ومولاي .. يا بقية الله في أرضه والمذخود لنشر عدله .. يا مناد الهدى والعروة الوثقى وصاحب الولاية العظمى ...

سيدي ..

من أحق منك كي أهديه هذا الجهد المتواضع؟! .. وأنت غاية أملي ونود فزادي .. بل أنت كل وجودي يا كعبة القاصدين ..

سيدي ..

أرفع إلى مقامك الشامخ هذا الجهد وأضعه بين يديك بكل خشوع وتواضع حبا لك. عسى أن ينتفع به العطاشى إلى عقيدتك .. فيزدادوا التزاما بقضيتك الكبرى .. وعسى يا سيدي أن تكون لي النصير والمعين والولي والمؤيد والمسدد .. كيف لا؟ وأنت نور الله في ظلمات الأرض ..

فيا سر الله

يا حجة الله

يا ولي الله

يا بن فاطمة البتول ..

.. أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجننا ببضاعة مزجاة. فاوف لنا

٧

الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين.

سيدي ومولاي ..

هذه حاجتي إليك فلا تردني إلا بقضائها .. راجيا عطفك وردعايتك ومحبتك ..

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته

عبدك الراجي

محمد

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

تقريط آية الله العظمى

الشهيد المظلوم الميرزا الشيخ علي الغروي قدّس سره

الحمد الله كما هو أهله والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله المظلومين واللعن الدائم على أعدائهم ومنكر فضائلهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد فليست من عاداتنا التقريظ للمصنفات أو التعريف بالمؤلفات مهما بلغت من الاعتبار أو نالت من الرقي إلا أن ما كتبه قرة عيننا العزيز حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد جميل حمود العاملي وفقه الله للخدمة الإسلامية أكثر فأكثر في الاعتقادات مما يليق بالتعريف ويجدر بالمدح والتمجيد كيف وقد أتعب نفسه برهة من الزمان في تأليفه وتحقيق مطالبه وتنسيقها نسقاً جميلاً ببيان راتق وتقريب حافل ومن ثمة جاء بما فوق المراد واستحق المدح والثناء فلله تعالى درّه وعليه سبحانه أجره فالمرّجو من المؤمنين الذين يقدرون على قطف الأثمار من الأشجار أن يستفيدوا من مطالبه ويتزودوا من زاده وازهاره والله سبحانه ولي التوفيق والتسديد.

النجف الأشرف

١٤١٨ ه

علي الغروي

٩

١٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة الطبعة الثانية

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد رسله النبي العربي الهاشمي المكي محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله الهداة الميامين الأنوار المقدّسين سيما إمام العصر وناموس الدهر صاحب الزمان المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) واللعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

وبعد ...

إنّ البحث في عقيدتنا الدينية أمر تطلبه الفطرة ، ويرغبه الواجدان ويتشوق إليه ؛ ولسنا الوحيدين في عالم الطبيعة ممن تفرّدوا بالبحث في الأصول الاعتقادية والقيم الدينية والاخلاقية ؛ لقد سبقنا إلى ذلك فلاسفة الإغريق والفرس وحكماء الهند والصين ، لكنّهم لم يتعمقوا في جذور عقائدهم لو سلّمنا بجذوريتها ولم يرتكزوا على أسس عقلية سليمة أو على ثوابت توحيدية ، وهذا بخلاف الأديان الثلاثة وبالغض عن صوابية هذا ، وعدم صوابية ذاك ، فإن هذه الأديان استقت معلوماتها وثقافتها من وراء المادة ، فتميزت هذه الأديان بحضارات روحية وفكرية صمدت أمام الصعوبات والمحن وبقيت مستمرة بالرغم من اعوجاج أكثرها ، أما الحضارات المادية التي قامت على مرتكزات إلحادية أو مادية فقد اندثرت واندحرت التي حيث لا رجعة لها إلى الحاضر بل صارت من مطاوي التاريخ المنسي ، بل المجهول.

والملفت للنظر أن الشيعة الإمامية تفردت ـ من بين فرق المسلمين ـ بآراء جليلة مستقاة من أدلة العقل والكتاب والسنّة المطهرة المنحصرة بأحاديث النبي

١١

الأكرم وعترته الطاهرة عليه‌السلام ، وقد اعترف بهذا ثلة من علماء الفرق الإسلامية وجماعة من مفكري الديانة المسيحية.

وللعقيدة أثر على سلوك الإنسان سلبا أو إيجابا لأنّ سلوكه وليد عقيدته ونتاج تفكيره ، لأنّ الإنسان يفكر أولا ثم يعمل ، وعقيدته هي التي تملي عليه موافقة وترسم مسيره ، وتحدّد كيفيّة سلوكه ، فالإنسان العارف الواثق بعقيدته لا تؤثّر عليه المغريات ، ولا تطغى عليه الشبهات مهما عظمت واشتدت لأنّ من ثبت في عقيدته ووطّن نفسه على المكاره من أجلها زالت الجبال الرواسي قبل أن يزول.

فشتان بين العارف والجاهل ، ولا يعقل قياس الجاهل بالله تعالى بمن يعتقد بوجوده ، فإنّ العارف يرى أنّ ما يفعله من أمور صغيرة أو كبيرة هو تحت رعاية الله حيث لا يغيب عن فكره بأن الله مراقبه ومحاسبه على كل قول أو فعل ، في حين أن المنكر لوجوده تعالى أو الجاهل به يرى أنه خلق عبثا وترك سدى لقلة معرفته أو انعدامها.

فمن الواضح أن يختلف هذان الشخصان في نمط حياتهما ونوع سلوكهما ، تبعا لما يعتقدانه ، ومن هنا تكتسب مسألة البحث بالعقيدة أهمية خاصة ؛ إذ قد يحدث أن تمرّ المجتمعات البشرية في سيرها نحو الأهداف والغايات في خضم من الصعوبات والمعوّقات والمحن القاسية التي يمكن أن تطال في تأثيراتها الجانب العقائدي لمجتمع ما ؛ وما تعانيه أمتنا الإسلامية عموما وعند بعض الشيعة خصوصا من التشتت الفكري المنهجي ، والضياع العقيدي بحيث ترك بصماته على ضعاف النفوس فوقعوا في التيه ، وصاروا حيارى بين الأمس والحاضر.

ولعلّ السبب في ذلك هو الانهيار والانبهار أمام حضارة الغرب ومنجزاته المادية ، هذا مضافا إلى عقدة النقص والشعور بالضعف أمام بريق الحضارة المادية ظنا منهم أن المسلمين غير قادرين على تحدي تلك الحضارات إلّا من خلال مجاراتها ومسايرتها بالأساليب الملتوية التي تؤمن بها تلك الحضارات المزيفة ، لأن الغاية ـ عند هذا الفريق ـ تبرّر الوسيلة. فهذه العقدة كبّلت أرواحهم وقلّصت عقولهم فلم يعد باستطاعتهم التخلّص من هذا الواقع المرير ، ولا التحرر من قيود الحضارة المادية المزيفة لكي يصنعوا لنفوسهم كيانا مستقلا بعيدا عن كل تلك الإسار التي حجبت الرؤية عند هؤلاء الذين ساعدتهم الظروف أن يكونوا في

١٢

مواقع متقدّمة في الأمة ، فوضعوا لها مسارات تتحكم بعقول السذّج منها ، فكان لا بدّ وأن يقلبوا موازين العقائد ومعايير الفقه بحجة التجديد في الاجتهاد والحداثة ومواكبة التطور الحضاري ؛ هذا مضافا إلى التنازل عن المعتقدات بغية تأسيس مذهب جديد في الإسلام يجمع الأطراف كلها من الشيعة والسنّة تحت شعار التقريب بين المذاهب ، لكن للأسف بدأ التنازل من بعض الرموز المحسوبة على الشيعة ، وكأنّ التقريب بين المذاهب لا يتم إلا عبر الانصهار التام بالعقائد والفقه ومن طرف واحد ، لذا بات كثير من المراجع والعلماء والمتدينين يشكّون بكلّ هذه الخطوات التقريبية التي تتنكر دائما لعقيدتها وتستخف بها ، من هنا فإنّ المسألة فيما نعتقد هي أن نعالج فكرة التقريب بدعوة الآخرين إلى الالتحام بالحق لا التنازل عنه ، لأنّ القضية هي قضية مبادي وقيم وقناعات ومعتقدات ، فالآخر سواء كان غربيا أم شرقيا لا يتنازل لك عند معتقداته بل لا يسمح لك أن تناقشها باستخفاف وتهاون. وها هم أصحاب الديانات والفرق مع ما يعتقدون من أفكار وتصورات لا يكاد يقبلها العقل ولا تستمجها الطباع السليمة ومع هذا لم نسمع من أحد منهم أنه قدّم تنازلات بحجة الوفاق الوطني أو التقريب بين المذاهب والأديان.

فإذا أردت أن يحترمك الآخرون عليك أن تحترم معتقداتك ، فالاحترام شيء والرضا شيء آخر ، فعند ما تحترم معتقداتك تفرض احترامها على الآخرين وإن لم يعتقدوا بها (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١).

إن معتقداتنا وقيمنا وشعائرنا الدينية متينة وراسخة سواء أقبل الآخرون بها أم لم يقبلوها! ومعتقداتنا هي التي كفلت لهذا الدين أن يستمر وأن يعمر مئات السنين ، لأن العقيدة الدينية منشأ التحولات الكبرى قديما وحديثا ، وسبب للتحولات والتطورات العظيمة في حياة بني البشر ، وقد أثبتت التحقيقات العلمية والتاريخية أن العقيدة الدينية كانت في أغلب الموارد هي المصدر والملهم للآداب والعلوم والانقلاب على الباطل ، هذا مضافا إلى أن أكثر المواقف الانسانية التي تجسّد قيم الايثار والنجدة والبسالة والتضحية والصمود كانت ولا تزال تستمد

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٢١.

١٣

جذورها من الدين ، وقد اعترف بتأثيرها على حياة البشر ثلاثة من محققي الحضارة المادية ، فها هو «الفرد وايتهد» يصف العلم والدين في كتابه العلم والعالم الحديث بأنهما من أقوى الأمور تأثيرا على حياة البشر فقال :

(عند ما نحاول التعرّف على قيمة الدين والعلم ، ونبحث عن مدى تأثيرهما على البشر لم نكن مبالغين إذا قلنا بأن مستقبل العالم يتوقف على كيفية تعامل هذا الجيل مع هذين الأمرين).

كما اعترف «داروين» في كتابه «بعد مليون سنة» بأنّ (الإنسان سيحتفظ بالعقيدة الدينية في المليون سنة المقبلة قياسا على المعهود من تاريخه القديم والحديث ، ولهذا كانت العقائد على جانب من الأهمية بالنظر إلى المستقبل ، لأن العقيدة تبعث الأمل في دوامها عند صاحبها وفي سيطرة الإنسان على مصيره بفضلها).

فالعقيدة رغم أهميتها ودورها العظيم في حياة الناس أفرادا وجماعات ، نجدها لا تحظى باهتمام الطبقات العلمية في قرننا الحاضر إلا نادرا لا سيما حوزاتنا الدينية حيث يندر فيها تدريس مادة علم الكلام بمراحله الابتدائية عدا عن المراحل العليا ، مع أن دراسته وتدريسه من أهم الواجبات الكفائية لما يترتب عليه من معرفة أصول الدين والذبّ عن شريعة سيد المرسلين وآله الطاهرين ، هذا مضافا إلى أن مكاتبنا تغص اليوم بأصناف الأبحاث والدراسات المفصلة حول الفقه والأصول والقضايا التاريخية والأدبية والاجتماعية والسياسية وغيرها مع أن أغلبها اجترار لما كتبه السابقون أو كلما جاءت أمة عقّدت ما كتبته السابقة.

فمكاتبنا وحوزاتنا بحاجة ماسة إلى تكثيف المصنفات العقائدية وتجديد صياغتها بأسلوب يفهمه الجميع ليكون المسلم على إلمام بمعارفه العقيدية فلا يغزو الشك عقله نتيجة تغييب العقيدة وعدم تسهيل فهمها وتبسيط مبانيها.

إن الجهل بمفاهيم العقيدة استتبع أن يطلّ علينا بين الفينة والأخرى من ينقد العقائد ويشكك بها كالذي حصل قبل سنين (١) ؛ وكما هو ملحوظ اليوم على ساحتنا الاسلامية بشكل عام والشيعية بوجه خاص حيث حاول بعضهم التجريح بمعتقدات هي معتقدات أبيه وأجداده تحت شعار التجديد في حركة الاجتهاد

__________________

(١) كمحاولة الدكتور صادق جلال العظيم في كتابه «نقد الفكر الديني».

١٤

والحداثة ، فتسلط علينا من لا يرحمنا نتيجة تهكّم البعض على هذه المعتقدات.

إن شبابنا القابع في زوايا داخله ، المنهمك في تزيين ظاهره ، المنصرف عن دينه هو الذي سمح لأولئك المتغربين المشكّكين أن يجوسوا ديار ثقافتنا فوضعوا لعقولهم مسارات تتحكم بها آليات منطقية غريبة عنا ليقودهم إلى متاهات الحيرة والتشتت بحجة الانفتاح على الحضارات والوحدة بين فرق المسلمين ، كل ذلك أدى إلى إدخال السذج في تيارات دخيلة على الإسلام في محتواها العقيدي والتشريعي ، لنحصل في آخر المطاف على مجموعة أفكار ومعتقدات قائمة على مبدأ الشك والاستحسان أكثر من الاعتماد على الدليل والبرهان. فها هو بعضهم يقول :

(إنّ ابقاء الواقع الفكري في الدائرة الإسلامية المذهبية على حاله ، قد يعطّل المبادرات السياسية ، لأن المذهبية دخلت الخط الحركي الإسلامي بحيث لم يعد التعاون بين المسلمين على الصعيد الحركي أو غيره منطلقا من عمق الاحساس بوحدة الانتماء بل قد يكون وجها من أوجه التحالف السياسي بين فريقين يتوحّدان في المرحلة في بعض مواقع الطريق من دون لقاء في الهدف الكبير في نهاية المطاف ، وفي ضوء هذا ، فإنّ من الصعب ايجاد وحدة إسلامية على الصعيد السياسي في مثل هذا الجو المليء بالحساسيات المذهبية الثقافية ، لأن التعقيدات الداخلية الحادة قد تتحرك في بعض المراحل الأشد قسوة وصعوبة وحيوية لتسقط الهيكل على رءوس الجميع ، ولهذا فلا بد من الانصراف إلى دراسة الوحدة في المسألة الثقافية ، لا سيما العقائدية المتصلة بالتفاصيل في هذا المورد أو ذاك ، بغية تأسيس القاعدة الصلبة التي يلتقي عليها الجميع في كل تنوعاتها الفكرية المتحركة في خطوط القاعدة في حركة الكلي داخل الجزئي ... ثم قال : إن الحاجة ملحة إلى التوصل إلى وحدة في الموقف أية وحدة ، أو إلى لقاء في أي موقع ، أي لقاء ، من أجل مواجهة الاخطار المتحركة في كل مكان مما يفرض على المسلمين تجميد خلافاتهم وتبريد حساسياتهم وتقديم بعض التنازلات حول هذا الخط المذهبي أو ذاك على مستوى المرحلة ..) (١).

ونحن إذ ننتقد هذا البعض حرصا منا على سلامة المعتقدات لأنه كان يحق

__________________

(١) مجلة المنطلق عدد ١١٣ الصادرة عام ١٩٩٥ م صفحة ١٨.

١٥

له ـ بنظر مؤيديه ـ أن يتحدث بما يعتقد أنه لصالح المسلمين ، كذا يحق لنا أن نردّ ما نراه ضررا على الإسلام والمسلمين. فمحبوه يرون الذبابة في أعين غيرهم ولا يرون الخشبة في عينيه وكأنّ ما يتفوه به هذا البعض كلام منزل من عند علّام الغيوب لا يجوز نقضه أو مناقشته!!

إن محاولة التغريب والتشويه تستدعي من الجميع : علماء ومفكرين ومتعلمين شحذ الهمم وتشمير السواعد بالوقوف في وجه الصدمات التشكيكية التي يثيرها البعض هنا وهناك ، ومحاربتها بالأساليب العلمية والفلسفية المعتمدة على الكتاب وسنة النبي وآل بيته الكرام وإلّا عدّ الواقف دون ذلك كالنافخ في غير ضرام. إنّ عقيدة الإمامية بما تملكه من ثراء فكري وفلسفي هي أجلّ من أن يستزلها تكاتف المشككين وصراخ الحاقدين ما دام هناك من يقف بجانبها ويذبّ عنها ضربات العفاريت ، من هنا ورد عن مولانا الامام العسكري عليه‌السلام فقال : (قال : جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعونهم عن الخروج عن ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب ، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم) (١).

إنّ علينا أن نرفد أمتنا بالعقائد الصحيحة ، ونصونها من التلوث والفساد والانحلال بما تفرزه المادية من سموم ثقافية ، تخرج بشخصية المسلم عن حدّ الاعتدال ، وتذهب بأصالته وتجعله بذلك إحدى نفايات أمته التي تضعف تماسكها ، وتوهن قوتها.

ومن منطلق الحرص على مسيرة الثقافة الامامية وتقديمها إلى الشباب المتطلع إلى واقع الدين لا سيما إلى طلاب الحوزات العلمية والأساتذة أحببت تقديم مجموعة محاضرات كلامية وفلسفية شرحا لكتاب عقائد الإمامية للعلامة الفقيد الشيخ محمد رضا المظفر قدّس سره وجعل الجنة مثواه ؛ مختصرا المطالب بأسلوب علمي منظّم لا لبس فيه ولا تعقيد ليكون زادا للمعلم والمتعلم ، وأسميته ب «الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية» راجيا منه تعالى أن يعفو عن والديّ

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي : ج ١ / ٨.

١٦

والمؤمنين وعني ، متمنيا من القارئ العزيز الصفح عني إن صدر ما لا يبعث على الرضا والقبول لأني لم أقصد إلا وجه الحق والتقرب إليه وإلى ساداتي وموالي عليهم‌السلام.

الفات نظر :

لا يخفى على القارئ الكريم أن ترقيم الآيات في شرحنا هذا يختلف عن الترقيم الموجود في القرآن الكريم لأن البسملة عند العامة هي جزء من الفاتحة فقط دون غيرها ، وهذا مخالف لما أطبق عليه الامامية من أنها جزء من كل سورة.

كما أن هذا الشرح يصلح لأن يكون مادة دراسية لطلاب العلوم الدينية في الحوزات العلمية لما يمتاز عن غيره بعرض الفكرة وإشباعها بالتفاصيل نوعا ما ، لكن ليس معنى هذا الاستغناء به عن الاستعانة بالمطولات العقائدية والتاريخية والتفسيرية التي لا بدّ منها للمتعمق بأصول البحث ، لكنه كاف ـ بحمد الله تعالى ـ في ترسيخ المفهوم العقيدي بأسلوب سهل دون أي تعقيد.

اشارة :

هنا أحبّ أن أشير إلى أن هذه الطبعة تمتاز عن سابقتها ببعض الزيادات والتنقيحات ، وقد منّ الله سبحانه عليّ بنفاد الطبعة الأولى في أقل من عام ولله الحمد بالرغم من محاولة تيار التشكيك وضع العراقيل أمام نشر الكتاب ، بل إن بعضهم حذّر إحدى دور النشر من طبعه عند ما عرف أنها ستطبع الكتاب على نفقتها ، وجرمي ـ بنظر هؤلاء ـ هو أنني تعرّضت لبعض آراء من يؤيدون.

(وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) (التوبة / ٧٥).

(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج / ٩).

فأرادوا بي كيدا لكنّ إرادته تعالى قهرت إراداتهم ، فأنقذني الله تعالى منهم ببركة التوسّل بمواليّ الكرام.

(قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (الأنبياء / ٦٩ ـ ٧١).

١٧

(فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) (الصافات / ٩٩).

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق : ١٦ ـ ١٨).

اللهم واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سرّا وعمل لك جهرا ، إلهي فلك أسأل وإليك أبتهل وأرغب ، وأسألك أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تجعلني ممن يديم ذكرك ولا ينقض عهدك ولا يغفل عن شكرك ولا يستخف بأمرك ، وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفا وعن سواك منحرفا ومنك خائفا مراقبا يا ذا الجلال والإكرام.

ومنه عزوجل استمد القوة والسداد وعليه لا على الآخرين أتوكل في السرّاء والضراء ، إنه حسبي ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ، والهادي إلى سواء السبيل ، والصلاة على رسوله محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين.

محمد جميل حمود

بيروت ٦ ربيع أول / ١٤٢٠ ه‍ ـ

الموافق ٢٠ / ٦ / ١٩٩٩ م

١٨

مقدمة

في الاجتهاد والتقليد

وفيه بحوث

١٩
٢٠