فرق الشّيعة - المقدمة

فرق الشّيعة - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الفرق والمذاهب
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٣٥

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة لا بد منها

قد شاء الله سبحانه وتعالى أن يقع بين يدينا هذا الكتاب النّفيس ـ فرق الشيعة ـ للعالم الجليل المتكلّم أبي محمد الحسن النوبختي الذي عاش حتى أواخر القرن الثالث الهجري ، أي أنه كان في زهو شبابه ويقظته الذهنية ونضجه العقلي يعايش عصر الازدهار العلميّ والفلسفي في العاصمة العباسية ، ويغترف من بحرهما ما شاءت له موهبته الفذّة ، فظهر على الأقران وكان سيّد الميدان ، بين علماء عصره وفى قصر السلطان ، لأنه من أسرة نبيلة امتازت بالفروسية والشجاعة كامتيازها بالعلم والبراعة ، فكان لها القوس المعلّى قبل أن تنضوي تحت لواء الدين الإسلاميّ الحنيف ، وحازت قصب السّبق حين تشرفت بالعقيدة الصحيحة وتربّعت على أرائك الفهم والعلم ، بعد أن برّزت في ميادين الفقه والأصول والفلسفة والكلام والرياضيات والتنجيم ، وكانت من الأسر التي أعطت العالم الإسلاميّ جهابذة تقتدى ، ومثلا عليا ، ومراجع في الفقه والدّين يأوي إليها الطامحون ليترشفوا من معين علمها وفضلها ..

نعم ، شاء الله تبارك وتعالى أن يقيّض لنا الحصول على نسخة هذا الكتاب الصغير الحجم الكبير المعنى ، الذي حوى بين دفّتيه علما جمّا ، فعزمنا ـ بعد الاتكال على الله عزوجل ـ أن ننفض عنه غبار نصف قرن مضى ، ونعيد طبعه ونشره ليتسنّى لرواد الحقيقة أن يطلعوا على ما فيه من دقة التحديد والقول السديد ، في موضوع خاض فيه الكتّاب وجهدت فيه الأقلام ، فنيسّر بذلك مرجعا فخما مختصرا لروّاد الحقيقة المشتغلين في هذا الباب ، والمهتمّين بتمييز الخطأ من الصواب في مجال تهم الطائفة الشيعية

٥

الاثني عشرية وعيبها بكل فرقة انسلخت عنها وشذّت عن صراطها القويم ، فتبرّأت الشيعة منها ، وزيّفت عقيدتها وأخزتها وأسقطت رأيها ، واعتبرتها ضالّة مضلة ، في حين ظلّ خصوم الشيعة يصمونهم بها ظلما وعدوانا ، بالرّغم عمّا بين الشيعة الإمامية الاثني عشرية وبين تلك الفرق الضالّة من بون شاسع في مجالي العقيدة والعمل ، وجزى الله السيد الجليل ـ بحر العلوم ـ الذي لفت النظر إلى ذلك في «تنبيه» لهذا الأمر ، نورده بعد كلمتنا هذه ، والله تعالى هو المسدّد للصواب.

بيروت : في ربيع الثاني سنة ١٤٠٤ ه‍.

وكانون الثاني سنة ١٩٨٤ م.

الناشر

٦

تنبيه

قد يحسب القارئ لأول وهلة أن النزعات الأهوائية المذكورة في هذا الكتاب كلها مما تدين به الشيعة الامامية او أن تلك الفرق لها كيان ثابت بين ظهرانيها ، لكن المنقب في التأريخ الباحث عن شئون الأمم والديانات والمطلع على السياسات المتعاورة في الأجيال الغابرة جد عليم بانها كانت تتراوح بين شكوك وأوهام عرت بعض البسطاء وانقرضت بموتهم ، ومطامع وشهوات صبت إليها آحاد استهوتهم النهمة والشره لاختلاس مال او حيازة جاه وهؤلاء بين من ثوب إلى الحق بعد الحصول على غايته او يأسه منها او توفقه للتوبة ، ومن قطع معرته حمامه ، وأناس ديف إليهم السم في العسل من قبل السياسات الوقتية روما لتشتيت كلمة الامامية ومحق روعتهم فاستخفهم الجهل بالغايات مع ما جبل به الانسان من حب الفخفخة فقاموا بدعايات باطلة واستحوذوا على نفوس خائرة القوى لكن سرعان ما قلب عليهم الدهر ظهر المجن لما تمكنت الساسة من الحصول على ضالتهم المنشودة ولم يبق لهم فى القوم مطمع فأخذوا وقتلوا تقتيلا ، وكانت هناك مجزرة بدعهم واهوائهم إلى غير هذه من غايات واغراض وقتية أسفت بالنفوس الضئيلة إلى هوة المذلّة واللعنة ولم يعد في الأكثر أن يكون المعتنقون لها افرادا من ساقة الناس أو عشرات من الذنابى أو لمة ممن لم يقم المجتمع الديني والبشري

٧

لهم وزنا وعم الجميع أن ظوتهم مع عيثهم الأيام وطحنهم بكلكله الجديدان فعادوا كحديث امس الدابر ، وغير يسير منها مفتعل على أناس لم يثبت لهم كيان او دعاية ، ونص آية الله العلامة الحلي المتوفى سنة ٧٢٦ فى مناهج اليقين بأنها وجدت في كتب لا اعتبار لها وأن الموجود منها انقرض ، وتطابقت كلمات علمائنا ومعهم التأريخ على انقراضها وتسالموا على الرد عليها وتفنيدها «انظر الفصول المختارة للسيد المرتضى (مخطوط) والغيبة للشيخ الطوسي (طبع تبريز) وغيرهما من مؤلفات الامامية في العقائد وللمؤلف النوبختي كتاب (الرد على فرق الشيعة ما خلا الامامية) ذكره النجاشي في فهرسته ص ٤٦» وعلى تقدير وجود شيء من هذه الفرق فالامامية لا تشك في بطلانها وكفر كثير منها كالنصيرية وغيرهم ، فمن يحاول البحث مع الامامية او يتحرى الوقوف على معتقداتهم فليراجع كتبهم الخاصة لسرد عقائدهم واثبات تعاليم أئمتهم عليهم‌السلام لا غيرهم الذين هم منهم برآء فيشن عليهم الغارات بما اقترف غيرهم من الآثام ،

(غيري جنى وأنا المعاقب فيكم

فكأنني سبابة المتندم)

الموجود من فرق الشيعة الآن (الامامية الاثنا عشرية) والعبرة بهم وبكتبهم فحسب وهم منتشرون في أرجاء العالم (الزيدية) في اليمن وضواحيها (الاسماعيلية) في الهند وغيره وأما الغلاة فهم عندنا كفار ...

محمد صادق

آل بحر العلوم

٨

مقدمة الكتاب (*)

بقلم العلامة الكبير السيد هبة الدين

الشهرستاني

مؤلف كتاب فرق الشيعة

ابو محمد الحسن بن موسى النوبختي

ـ ١ ـ نسبه ونسبته

هو ابو محمد الحسن بن ابى الحسن موسى بن الحسن بن ابي الحسن محمد بن العباس ابن اسماعيل بن ابي سهل بن نوبخت المنجم البغدادي وكان ابو محمد الحسن ابن اخت ابي سهل اسماعيل بن علي بن اسحاق بن اسماعيل بن ابي سهل بن نوبخت ،

اما نوبخت (١) فاسم فارسي لرجل فارسي اشتهر بعلم النجوم وعملها في اواخر الدولة الأموية واوائل الدولة العباسية وعمر اكثر من مائة سنة فكان ينجم (٢) ويترجم لخالد بن يزيد بن معاوية ثم صحب المنصور في الخلافة العباسية ولما نبأه بثبوت الملك له

__________________

(*) اقتطعها من كتابه الموسوم بالنوبختية المعمول في جمع تواريخ آل نوبخت وتراجمهم الذي لا يزال مخطوطا ـ

(١) هذه الكلمة مركبه من (نو) بمعنى الجديد و (بخت) بمعنى الحظ اي الحظ الجديد نظير نوروز بمعنى اليوم الجديد ويجوز ابدال الواو ياء فيقال نى بخت بدل نوبخت كما يقال نيروز بدل نوروز وهي بفتح النون والباء الموحدة

(٢) كما في فرج الهموم باحكام النجوم للسيد علي بن طاوس (مخطوط)

٩

وأن ابراهيم بن عبد الله قتيل بباخمراء سيقتل وتحقق المنصور ذلك (١) في الهاشمية اقطعه الدوانيقي الفي جريب من اراضي الحويزة وعظمت شهرته ومنزلته فتولى مع المنصور بناء بغداد وهندسة رسومها (٢) واستخراج طوالعها ونجومها وهو الذي عين ساعة الشروع في البناء يوم الثالث والعشرين (٣) من تموز ، وكان (٤) قد اسلم على يدي ابي جعفر المنصور فسماه عبد الله (٥) وحسن اسلامه واسلام ولده ابي سهل وزوجته «زرين» واصل هذه العائلة من سلالة بيب بن جوذرز (٦) وهما من الأمراء الأبطال في الدولة الكيانية الفارسية ، وأما ابو سهل بن نوبخت فاسمه كنيته وقام مقام ابيه في التنجيم والترجمة وصحبة المنصور لأن اباه لما ضعف عن الخدمة قال له المنصور احضر ولدك ليقوم مقامك فسير ولده أبا سهل قال ابو سهل : فلما أدخلت على المنصور ومثلت بين يديه قال لي تسم لأمير المؤمنين فقلت اسمي خرشاذ ماه طيماذاه ما بازاردباد خسروانشاه (٧) فقال لي المنصور كل ما ذكرت فهو اسمك قال قلت

__________________

(١) كما في تأريخ الكامل لابن الأثير في ج ٥ ص ٢٧ من الطبعة الأزهرية

(٢) ابن واضح اليعقوبي (علم الفلك للسينور نلينو الايطالي ص ١٤٤)

(٣) ابو ريحان البيروني (الآثار الباقية ص ٢٧٠)

(٤) المسعودي في مروج الذهب ٨ ص ٢٩٠

(٥) كما في تاريخ الحلاج لمسيو «ماسنيون» الفرنسوي ص ١٤٣

(٦) قال البحتري ـ

والى ابي سهل بن نوبخت انتهى

ما كان من غرر لها وحجول

يفضي إلى بيب بن جؤذرز الذي

شهر الشجاعة بعد فرط خمول

ديوان البحتري طبع الجوائب ص ١١٥

(٧) لعل صوابه : خرداذ ماه طير ماهان مايازاردباذ خسروانشاه ، يعني ، مولود شهر خرداذ! هو الشهر الثالث من شهور الفرس! ابن مولود شهر تير ماه! هو الشهر الرابع من شهور الفرس! لا يغضبن أمير المؤمنين : نبهنا على ذلك صديقنا الاستاذ ه. ه. شيدر وله الشكر على ارشاده

١٠

نعم فتبسم المنصور ثم قال ما صنع ابوك شيئا فاختر مني احدى خلتين إما أن اقتصر بك من كل ما ذكرت على طيماذ وإما أن اجعل لك كنية تقوم مقام الاسم وهو ابو سهل فقال ابو سهل قد رضيت بالكنية ، فثبتت كنيته وبطل اسمه (١) وعمر ابو سهل زهاء ثمانين سنة وادرك سبعة من الخلفاء وتوفي سنة ٢٠٢ (٢) في عصر المأمون وخلف سهلا وسليمان واسحاق واسماعيل وهارون ومحمدا وعبد الله وعبيد الله وغيرهم وكل كامل غير خامل الذكر

وأما اسماعيل بن ابي سهل ابن نوبخت ويكنى أبا اسحاق فهو من اعيان بغداد وفضلائها ومن رفقاء ابراهيم بن المهدي الخليفة العباسي (٣) ومن اصحاب الامام محمد بن الرضا الهادي (٤) عليهم‌السلام ، ولأبي نواس المتوفى سنة ١٩٨ قصائد في مدحه ومدحه اولاده كالحسين والعباس واسحاق ثم هجاه بعد مهاجاته مع اخيه سليمان

قال الجاحظ في كتاب البخلاء (ص ٧٧) كان ابو نواس يرتعي على خوان اسماعيل بن نيبخت كما ترتعي الابل فى الحمض (٥) بعد طول الخلة ثم كان جزاؤه منه أنه قال :

خبز اسماعيل كالوشي

اذا ما شق يرفا الخ

وأما الحسن بن محمد بن العباس بن اسماعيل بن ابي سهل بن نوبخت فهو من فضلاء

__________________

(١) في باب الكنى من كتاب اخبار الحكماء لابن القفطي! طبع مصر لسنة ١٣٢٦ ص ٢٦٦! وتاريخ علم الفلك ؛ ص ١٤٣!

(٢) تاريخ الحلاج لمسيو ماسنيون

(٣) في معجم الأدباء لياقوت الحموي اثناء ترجمة احمد بن يعقوب ؛ ٢ ص ١٥٧ ؛

(٤) من التأسيس تأليف سيدنا الحسن الهادي الكاظمي ؛ غير مطبوع أخذناه من نسخة المؤلف الأصلية ؛

(٥) في القاموس : الحمض ما ملح وامر من النبات وهي كفاكهة الابل

١١

بغداد وعلمائها المتكلمين على مذاهب اهل البيت (١) ومن اكابر العائلة النوبختية وذكره ابن كثير الشامي في تاريخه ونقل عن البرقاني أنه كان الحسن هذا شيعيا معتزليا ولكن ظهر لي أنه كان صدوقا ونقل عن العقيقي أنه قال كان الحسن هذا ثقة في الحديث لكنه يذهب مذهب المعتزلة ، وعن محمد بن شهرآشوب نعت الحسن ابن محمد بالفيلسوف الامامي واسند إليه بعض مؤلفات لحفيده الحسن بن موسى (٢)

وأما ابو الحسن موسى بن الحسن بن محمد بن العباس بن اسماعيل بن ابي سهل بن نوبخت (٣) فهو المعروف بابن كبرياء (٤) فقد وصفه النجاشي بالعبادة وحسن التدين ومعرفة النجوم وكثرة الكلام والتصنيف فيها ومن مصنفاته كتاب الكافي في احداث الأزمنة وكان من وجوه الشيعة ببغداد ومفوها جليل القدر وتزوج باخت ابي سهل اسماعيل فأولدت له الحسن مؤلف «فرق الشيعة» في اواسط القرن الثالث الهجري

ـ ٢ ـ النوبختي ومركزه العائلي

لما كان نوبخت المنجم الفارسي وجد العائلة النوبختية قد لازم الخليفة الدوانيقي ملازمة الظل وكان المنصور يود صحبته واشتركا معا في وضع مدينة بغداد وتأسيسها كعاصمة هذا من جهة العلم وذاك من جهة العمل كان نوبخت بطبيعة الحال من

__________________

(١) في مجالس المؤمنين للقاضي نور الله (ص ١٧٧)

(٢) في امل الآمل للحر العاملي ص ٤٦٩

(٣) في منتهى المقال لأبي علي ص ٣١٣ وفرج الهموم للسيد ابن طاوس

(٤) في نضد الايضاح لعلم الهدى ص ٤٣٢ وفهرست النجاشي ص ٢٩٠ ومنهج المقال ص ٣٤٧ «بابي كبرياء»

١٢

اوّل القاطنين بمدينة السلام مع المنصور ويذكر المؤرخون بيوت بنيه (١) في مشرق جانب الرصافة حيث السوق المسمى الآن «بالشورجة» وكانت دار الشيخ الولي الحسين بن روح في النوبختية وبها قبره حتى اليوم ، وقد قام ابو سهل بن نوبخت في التنجيم للخليفة مقام ابيه وحاز هو وبنوه الشهرة الواسعة في علم النجوم وترجمة اصوله وفصوله إلى العربية ولم يقنعوا بترجمة النجوم فقط بل نقلوا إلى لغة الضاد كتب الفلاسفة في انواع العلوم من لغتها الفارسية (٢) وتفوقوا بتقدمهم في اكثر العلوم النافعة ونبغوا فى الشعر والأدب العربي وخدموا الجامعة الاسلامية بالتأليف والترجمة والانشاء والتدريس والمجادلات الكلامية كما خدموا الدولة العباسية بالنصح والمشورة والادارة والوزارة عن صدق وإخلاص فحسن اسلامهم وصحت عروبتهم بعد ما ذابت العجمية منهم وعظم شأنهم واتسع نطاقهم وامتد رواق هذا البيت الرفيع من اواخر القرن الأول حتى الخامس الهجري فابتنت عائلة نوبخت لمجدها بيتا في الاسلام عظيم البنيان قوي الأركان لا يقصر عن مجدها الفارسي الغابر يوم كانت تمد اطنابها من أمراء ابطال في اسلافها امثال «بيب» و «جوذرز» من انطوى عهدهم في سجل الزمان ولم ينطو حديثهم من سجلات الكتب فعاشت العائلة النوبختية فى الدولة العباسية وبيدها مقاليد ابواب الأفلاك وارصاد النجوم وصاروا عيونا لمراقبة الكواكب وضباط حركاتها وخزان بيوت الحكمة وتراجمتها وخلفاء الفلاسفة وألسنتها ومصابيح العلوم وكنوزها ومفاتيح رموزها وكانوا متمسكين مع تبحرهم فى التنجيم واختصاصهم بدراسة الفلسفة بالدين واوامره معظمين لشأن

__________________

(١) في الغيبة للشيخ الطوسي محمد بن الحسن المتوفي سنة ٤٦١

(٢) راجع تاريخ علم الفلك ص ١٤٦ والفهرست لابن النديم ص ٢٧٤

١٣

الاسلام وشعائره ، ومما يدلك على اخلاصهم الصادق أنهم لم يختلفوا فى المذهب مع أن عصرهم كان عصر التفرق والتمذهب فقد دانوا بالاسلام من عهد ابي جعفر واختصوا بالمذهب الجعفري واستمروا متمسكين بذلك الدين وذاك المذهب ثم لم يحيدوا عنهما قيد شعرة إلى النهاية ولم يختلف مذهبهم الاسلامي بالرغم من كل اختلاف حدث للناس في مذاهبهم وتفرقهم في مسالكهم وافكارهم كما انهم لم يختلفوا في مسلكهم السياسي وتأييدهم للملك العباسي بالرغم من كل اضطراب او انقلاب حادث نعم لم يزل هذا البيت الجليل مشهورا بالفلسفة والنجوم والزعامة العلمية والرئاسة الروحية بامثال ابي سهل وابن روح وابن كبرياء ، وفي حضانة امثالهم تربى الحسن بن موسى ، ومن دوحتهم نبغ اصله وترعرع فرعه وفي مجالسهم نشأ ودرس وتخرج فلا غرو إذا توفرت ازهار شجرة كهذه واتت بأطيب الثمار (١)

ـ ٣ ـ الوثوق بشخصية الحسن

إذا صحت الوراثة الطبيعية بين الابناء والاباء وأن الولد يستورث عموديه في المواهب الطبيعية كما يستورثهما في الشريعة وأن المرء انموذج من ابويه وعصارة من والديه فالحسن بن موسى بن كبرياء قد ورث مجد اجداده وعلم آبائه وثقافة اعمامه واخواله وشرف عائلته ومآثر كلالته وقد اثنى عليه شيوخ الطبقات وزكاة الثقات ففي نفد الرجال للتفريشي (ص ٦٩) وفهرست النجاشي (٢) (ص ٤٧) وخلاصة العلامة الحلي (ص ٢١) «الحسن بن موسى ابو محمد النوبختي شيخنا المتكلم المبرز

__________________

(١) قد بحث الأستاذ الفاضل ماسينيون عن موقع آل نوبخت وفعاليتهم السياسية في كتابه الذي الف في أخبار الحلاج ص ١٤٢ ـ ١٥١ بحثا مهما ليس هذا موضع اعادته (ر)

(٢) هو الشيخ احمد بن العباس المتوفى سنة ٤٥١ وفهرسته مطبوع في بمبئي سنة ١٣١٧

١٤

على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها» ، وفي منهج المقال (ص ١٠٨) وفهرست الشيخ الطوسي (١) (ص ٩٨) «ابن اخت ابي سهل بن نوبخت يكنى أبا محمد متكلم فيلسوف وكان اماميا حسن الاعتقاد ثقة» وزاد الشيخ الطوسي أنه نسخ بخطه شيئا كثيرا وله مصنفات كثيرة في الكلام والفلسفة وغيرهما ؛ وفي موضعين من معالم العلماء «ابن موسى النوبختي ابن اخت ابي سهل ابو محمد متكلم ثقة» وفي مجالس المؤمنين (٢) (ص ١٧٧) عن الحسن بن داود في رجاله أنه قال «الحسن ابن موسى ابن اخت ابي سهل بن نوبخت من اكابر هذه الطائفة وعظماء هذه السلالة وكان الحسن متكلما وفيلسوفا إمامي الاعتقاد» ثم نقل ما قاله النجاشي ، وفي روضات الجنات للخوانساري اثناء ترجمة ابي سهل اسماعيل بن علي النوبختي (ص ٣١) قال ما لفظه «ثم ان من كبار الفضلاء النوبختيين وفقهائهم المتكلمين أيضا ابن اخت هذا الشيخ الجليل النبيل الحسن بن موسى النوبختي المتكلم المشار إليه صاحب التصنيفات الكثيرة فى متفرقات الأفنان والأبحاث الواردة الغفيرة على حكماء يونان وكان من افاضل رأس الثلاثمائة الهجرية» وقد وصفه ابن النديم في الفهرست (ص ١٧٧) عند ذكر العلماء المتكلمين على مذهب الشيعة بوصف جميل وقال السيد ابن طاوس في فرج الهموم «كان الحسن بن موسى ابو محمد النوبختي عارفا بعلم النجوم قدوة في تلك العلوم وقد صنف كتابا استدرك فيه على ابي علي الجبائى لمارد على المنجمين الخ» وقد ذكر العلامة المجلسي أبا محمد هذا واباه موسى بن الحسن النوبختي في كتاب السماء والعالم من اجزاء بحاره (٣) عند ذكر علماء الشيعة وفقهائها

__________________

(١) هو ابو جعفر محمد بن الحسن المتوفى سنة ٤٧٧ طبع فهرسته في كلكتة سنة ١٨٥٣

(٢) للسيد القاضي نور الله التستري وكتابه مطبوع بتبريز

(٣) بحار الأنوار أربعة وعشرون مجلدا للمجلسي محمد باقر المتوفى سنة ١١١١ والمجلد الرابع عشر منه اسمه السماء والعالم

١٥

العاملين بالنجوم والمؤلفين فيها (ج ١٤ ص ١٤٢) وقد ذكر بجميل الوصف في منتهى المقال (١) (ص ١٠٥) ونقد الرجال (٢) (ص ٩٩) ومنهج المقال (٣) (ص ١٠٨) وخلاصة الأقوال (٤) (ص ٢١) ومعالم العلماء (٥) ورياض العلماء (٦) وامل الآمل (٧) (ص ٤٦٩) وعيون الأنباء (٨) (ص ٢١٦) وكتاب الشيعة وفنون الاسلام (٩) (١٠)

ـ ٤ ـ عصره ومعاصروه

لعصر المرء ومعاصريه تأثير في حسن تربيته وسمو ثقافته فكما أن المناخ الطيب يؤثر في نمو الحي وقوة جسمه كذلك العصر الزاهي بعلم خاص او أدب مخصوص يؤثر الأثر المهم في سمو ثقافة ابنائه وتقدمهم الباهر في ذلك العلم ونبوغهم بذلك الأدب الممتاز وكذلك البلد الممتاز بأدب او صناعة يعين سكانه على التفوق فيهما على اقرانهم فلو تأملنا في حالة بغداد وعصرها الزاهر بالعلوم واحطنا خبرا

__________________

(١) لأبي علي الرجالي الكر بلائي المقتول سنة ١٢١٦ وكتابه مطبوع بطهران سنة ١٣٠٢

(٢) للسيد الأمير مصطفى التفريشي الفه سنة ١٠١٥ مطبوع بطهران

(٣) لمحمد امين الأسترآبادي مطبوع بطهران سنة ١٣٠٧

(٤) للعلامة الحلي المتوفى سنة ٧٢٧ طبع بطهران سنة ١٣١١

(٥) لمحمد بن شهرآشوب السروي المازندراني المتوفى سنة ٥٨٨ وهو غير مطبوع

(٦) لميرزا عبد الله افندي الفه في سنة ١١١٦ وهو غير مطبوع

(٧) لمحمد بن الحسن الحر العاملي ، طبع ذيلا لمنهج المقال بطهران سنة ١٣٠٧

(٨) لأحمد بن ابي اصيبعة مطبوع عصر سنة ١٢٩٩ ـ ١٨٨٢

(٩) لسيدنا الحسن بن الهادي من آل صدر الدين العاملي وقد طبع هذا الكتاب في مطبعة العرفان بصيدا سنة ١٣٣١

(١٠) وذكره المهدي لدين الله احمد بن يحيى بن المرتضى فى كتاب المنية والأمل بذكر جميل (ص ٦٢) قال «ومنهم إمامية كالحسن بن موسى النوبختي فان محله في العلم أو لاطلاع على المذاهب بخلاف محل غيره وهو منسوب إلى نوبخت رجل» وذكره أيضا ابو الحسن الأشعري في مقالات الاسلاميين ص ٥٢ (ر)

١٦

بالمستوى الذي بلغه المسلمون فى القرن الثالث والرابع سهل علينا تصور الاختصاص الذي احرزه ابو محمد النوبختي فى النجوم والفلك وفنون الفلسفة الطبيعية والالهية وسهل علينا التصديق بنبوغه في علوم استورثها من آبائه واكتسبها من قرنائه فبيته ـ اي بيت بني نوبخت المشهور بالتقدم في النجوم ـ اعانه على التفوق في هذا العلم ووطنه «دار السلام» المشهور بالتفوق فى الأدب العربي اعانه في نبوغه الأدبي أيما إعانة والحوزة العلمية التي اختص بصحبتها الحسن اعانته على البراعة والاختصاص في فنون الفلسفة فلا غرو أن برع الحسن في علوم الدين وتفوق على أقرانه في النجوم وامتاز بكثرة التصنيف واجادته وإحاطته بمقالات المذاهب والأديان ونقد الفلاسفة إذ جده نوبخت المنجم وابوه موسى الرياضي «وما في الآباء ترثه الأبناء» وخاله ابو سهل المتكلم «ويحكي المرء خاله» واصحابه اسحاق وثابت وابو عثمان ففي فهرستي الشيخ (ص ٩٨ ـ ٩٩) وابن النديم (١) (ص ١٧٧) «كان يجتمع إليه جماعة من نقلة كتب الفلسفة مثل ابي عثمان الدمشقي واسحاق وثابت بن قرة وغيرهم الخ» وفي عيون الأنباء عند ترجمة ثابت بن قرة (١ ص ٢١٦) ما لفظه «ان هلال بن محسن قال حدثني ابو محمد الحسن بن موسى النوبختي قال سألت أبا الحسن ثابت بن قرة عن مسألة بحضرة قوم فكره الاجابة عنها بمشهدهم وكنت حديث السن فدافعني عن الجواب فقلت ممتثلا

ألا ما لليلى لا ترى عند مضجعي

بليل ولا يجري بها لي طائر

بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت

بليلى ولكن ليس للطير زاجر

فلما كان من غد لقيني في الطريق وسرت معه فاجابني عن المسألة جوابا شافيا

__________________

(١) الشيخ هو محمد بن الحسن الطوسي صاحب الفهرست المطبوع بكلكتة وابن النديم محمد بن اسحاق صاحب الفهرست المطبوع في اوروبا

١٧

وقال زجرت الطير يا أبا محمد فاخجلني فاعتذرت إليه وقلت والله يا سيدي ما اردتك بالبيتين انتهى»

اقول : يهمنا ويهم الباحثين من رجال الشرق والغرب معرفة عصر الرجال ذوي الآثار والأعمال ولا سيما تاريخ الوفاة والولادة او تاريخهما معا ومعرفة معاصريهم وإخوانهم واوطانهم فانها اكبر عون على تحليل روحياتهم ودرس ثقافتهم ونظرياتهم كما قدمناه أضف إلى ذلك الحادثات التي تقاس باعمار الرجال واعصارهم تصحيح اساتيد الكتب والآراء والأقوال والآثار المنسوبة إليهم او المأثورة عنهم إلا أن المؤسف عدم الوقوف على تاريخ وفاة او ولادة لأبي محمد الحسن فى الكتب المتداولة ليتسنى لنا الانتفاع بشيء مما ذكرناه غير أن الذي استنبطناه من تواريخ معاصريه وحديثه مع ثابت بن قرة المروي عنه في عيون الأنباء يدل على أنه ولادة السنوات الوسطى من القرن الثالث لأن ثابتا توفي سنة ٢٨٨ ثمان وثمانين ومأتين عن سبع وستين سنة وقد قال الحسن أنه في اوّل مقابلته إياه كان حديث السن فكانت مقابلة شاب وكهل اي قبل وفاة ثابت بأعوام كثيرة لأن ثابتا في أخريات أيامه كان يحضر مجلس الحسن بن موسى كما في فهرست الشيخ وابن النديم ويجتمع إليه .. وعليه فيكون الحسن قد ادرك رأس الثلاثمائة وهو كهل كما يشير إلى ذلك النجاشي بقوله فيه «المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها» سيما بعد النظر فى تواريخ أصحابه ومعاصريه : فمنهم اسحاق بن حنين الرياضي الشهير المتوفى سنة ٢٩٨ ثمان وتسعين ومأتين عن ثلاث وثمانين سنة ، ومنهم ابو عثمان الدمشقي سعيد بن يعقوب الذي جعله علي بن عيسى الوزير سنة اثنتين وثلاثمائة رئيسا على بيمارستان الحربية (١) ببغداد والمارستانات الأخرى وتوفي في اواسط القرن

__________________

(١) من كتاب مطرح الأنظار في تاريخ الحكماء لفيلسوف الدولة التبريزي (مطبوع بتبريز)

١٨

الرابع ، ومنهم ابو الحسين السوسنجردي من غلمان ابي سهل خال الحسن بن موسى والكائن بعد سنة ثلاثمائة وعشرين فصحبة هؤلاء للحسن بن موسى تؤكد بقاءه إلى حدود هذا التاريخ سيما وأنه «كما يأتي في مؤلفاته» صنف الرد على ابي القاسم البلخي شيخ المعتزلة المتوفى سنة ٣١٧ ثلاثمائة وسبع عشرة والرد على تلميذه محمد بن قبة المتوفى قبيله

ـ ٥ ـ مصنفات الحسن بن موسى

إذا صح ما قيل أن الكتاب عنوان عقل الكاتب وترجمان قلبه وصورته الأدبية المنعكسة على صفائح الطروس فالمصنفون في شتى الفنون ومتنوع العلوم تزهو صورتهم الأدبية زهو الطاوس في حدائق الكمال بنقوش بديعة الألوان ومنظر جمالها الفتان وعليه فبراعة الحسن بن موسى التي حازت قصب السبق في ميادين العلم وحلبات الأدب صورت على ستائر التأريخ جمال ابي محمد الحسن بأبدع مناظره وذلك من مؤلفاته الحسان ومصنفاته النافعة في اكثر العلوم وإنا لنفصل ما أثبته له النجاشي والطوسي وابن النديم كل في فهرسته مرتبا على الحروف الهجائية

١ ـ «الآراء والديانات». في فهرستي الشيخ وابن النديم أنه لم يتمه وزاد النجاشي : كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة قرأت هذا الكتاب على شيخنا ابي عبد الله رحمه‌الله (١)

__________________

(١) ذكره أيضا المسعودي في مروج الذهب (٢ ص ١٥٦) قال : «قد رأيت أبا القاسم البلخي ذكر في كتاب عيون المسائل والجوابات وكذلك الحسن بن موسى النوبختي في كتابه المترجم بكتاب الآراء والديانات مذاهب الهند وآراءهم والعلة التي لها ومن اجلها احرقوا انفسهم بالنيران وقطعوا اجسامهم بانواع العذاب» ، ونقل منه عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب تلبيس ابليس المطبوع بمصر سنة ١٣٤٠ فصولا (ر)

١٩

٢ ـ «الاحتجاج لعمر بن عباد ونصرة مذهبه» (كذا في فهرستي الشيخ وابن النديم ، وفى المنهج نقلا من فهرست الشيخ «لعمرة بن عباد»)

٣ ـ «اختصار الكون والفساد لارسطاطاليس» (كذا في فهرست الشيخ وفي فهرست ابن النديم اختصار اختصار الكون والفساد (١)

٤ ـ «الأرزاق والآجال والأسعار» (ذكره النجاشي)

٥ ـ «الاستطاعة» على مذهب هشام وكان يقول به (ذكره النجاشي)

٦ ـ «الاعتبار والتمييز والانتصار» (النجاشي)

١٢ ـ «الامامة» لم يتمه ، (كذا في فهرست ابن النديم ، وفي فهرست الشيخ والنجاشي : «الجامع في الامامة» واظنه هو الصحيح (انظر ١٢)

٧ ـ «كتاب الانسان» (كذا في فهرست الشيخ وزاد النجاشي : «غير هذه الجملة»)

٨ ـ «التنزيه وذكر متشابه القرآن» (النجاشي)

٩ ـ «التوحيد وحدث العلل» (كذا في فهرست ابن النديم ، وفي فهرست الشيخ : «وحدوث العالم»

١٠ ـ «التوحيد الصغير» (النجاشي)

١١ ـ «التوحيد الكبير» كذا فى النجاشي ولعله هو وكتاب التوحيد وحدوث العالم (٩) واحد

٤١ ـ «التوضيح في حروب أمير المؤمنين (ع) ذكر بهذا الاسم في منهج

__________________

(١) اقول : تكرر كلمة [اختصار] غلط من الطابع وهي ليست بموجودة في الأصح من نسخ كتاب ابن النديم (ر)

٢٠