الصّحابة بين العدالة والعصمة

الشيخ محمد السند

الصّحابة بين العدالة والعصمة

المؤلف:

الشيخ محمد السند


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

١
٢

٣
٤

٥
٦

فهرست العناوين الأصلية

المقدمة.......................................................................... ٩

تبيين محور البحث.............................................................. ١٣

الوجه العقلى لعدالة الصحابة.................................................... ٤١

الوجه النقلى لعدالة الصحابة..................................................... ٤٧

لوجه التاريخى لعدالة الصحابة.................................................. ١١٥

موقف الصديقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام............................................. ١٣١

موقف امير المؤمنين عليه‌السلام....................................................... ١٤٥

موازين الجرح والتعديل.......................................................... ١٧٥

العقبة والمظاهرة............................................................... ٢١٣

آفاق الوحدة................................................................. ٢٧٣

محطة الفتوحات............................................................... ٣٤٣

الفهرست التفصيلى........................................................... ٤٣٥

٧
٨

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث حول الصحابة وعدالتهم كان وما يزال من أهمّ البحوث العقائدية بين المذاهب الإسلاميّة وقد عنى الكثير من الباحثين والكتّاب في ملابسات هذا الموضوع ممّا يدل على مكانة هذا البحث وأهمّيته ـ في دائرة الخلاف ـ.

من هنا جاء البحث في ـ الصحابة بين العدالة والعصمة ـ يتناول هذا الأمر الخطير ، لكنّه هذه المرّة جاء برؤية جديدة ونظرة فاحصة دقيقة تعتمد على تحليل نظرية «عدالة الصحابة» وما يترتّب عليها من آثار. وقد سلّط الضوء في هذه الدراسة على جميع زوايا هذه الظاهرة وملابساتها ، ابتداءً بولادتها وسرّ تبلورها.

ومرورا بالآثار المترتّبة عليها ، وانتهاء بسلامة هذه النظرية أو فسادها.

ولما كانت هذه النظرية ذات ركنين هما : العدالة والصحابة ، كان من الضروري كشف الغموض وإزالة اللبس الذي يحايث ظهور المعنى لهذين الركنين ووضوحه ؛ فما العدالة التي تستند للصحابة؟

هل المراد منها تلك الصفة المعروفة في الأذهان؟ أو المراد منها عصمة الصحابي وحجّية قوله وفعله؟

وهل المراد في حجّية قول الصحابي ، حجّية قوله كراو من الرواة؟ أم أنّ حجّية قوله من باب حجّية اجتهاده؟ ورأيه كمجتهد قد يصيب وخطئ ، هذا مع مراعاة

٩

اجتهاده بموازين الاجتهاد.

أم أنّ حجّية قوله وفعله من باب التفويض؟ وله الحق في التشريع وإنّه مشرّع يخصص إطلاق وعموم الكتاب والسنّة ، فينسخ الأحكام ويحكم بما يراه فيؤخذ به ناسخا لما جاء به الكتاب والسنّة ، أو يحكم بكون ما يراه حكما بمنزلة السنّة النبويّة في ما لم يأت به الكتاب والسنّة!!

من هنا كان على الباحث المتتبع في عدالة الصحابة أن يقف بإمعان على الآثار المترتبة عن العدالة وكيف أنّها تكون في كثير من الأحيان مساوقة لآثار العصمة عند الإمامية وهذا ما يدعو إلى كثير مراجعة وتأمّل!

وكذلك الحال في الصحابة ، فهل كان المراد منهم جميع الصحابة الذين كانوا حول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ على أضيق التعاريف ـ؟

أم أنّهم الذين اتّفقوا على بيعة أبي بكر وكان هواهم ورأيهم على ذلك؟

إذن فما بال الذين قاطعوا السقيفة ولم يحضروها؟ وكان فيهم خير الصحابة وأفضلها. ثمّ ربّما كان بغية أصحاب هذه النظرية هي مساندة الحزب المؤتمر في السقيفة!! أو إضعاف الشريعة لهم في الوقت الذي أقصي الآخرين الذين آزروا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآزرهم عن دورهم الحق في رسم معالم الدين ومناهجه القويمة!!

هذا ومن المباحث المهمّة في دائرة الصحابة أيضا البحث عن الملاك والميزان والضابط لتوثيقات أئمة الجرح والتعديل من أهل السنّة والجماعة ، فهل هي قائمة على ضوابط علمية دينية في تلقّي الخبر؟ أم هي مبتنية على الأهواء الجاهلية وتسير على قاعدة البغض والعداء لمن أمرنا له بالطاعة والولاء وعلى قاعدة الحبّ والوداد للخوارج والنواصب الذين جاهدوا لطمس معالم هذا الدّين وتحريف سنّة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

بعد هذا العرض السريع لمباحث الكتاب الذي أجاد بها قلم أستاذنا العلّامة المحقق الفقيه آية الله الشيخ محمّد السند البحراني حفظه الله تعالى والتي جاءت

١٠

ضمن عدّة مقالات نشرتها مجلة «تراثنا» تحت عنوان «عدالة الصحابة» حيث لاقت هذه البحوث اهتمام الدارسين والعلماء والمثقفين كذلك الهيئات والمراكز العلميّة والدينيّة في البلاد الإسلامية وخارجها.

وكان من الطبيعي أن ينقسم القرّاء بين مؤيّد ومخالف لأنّ موضوع البحث كان في مجال دائرة الخلاف والكاتب قد جاء برؤى جديدة لم تعهدها البحوث السابقة في هذا المجال.

من هنا كانت أهمّية إعداد هذه البحوث وجمعها في كتاب مستقل رجاء أن ينتفع به إخواني من جميع المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية آملين أن يتقبّل المولى عزوجل جهدنا المتواضع هذا ويأخذ بأيدينا بعيدا عن التعصّب والجحود إلى ما هو الخير والصلاح آمين ربّ العالمين.

مصطفى الإسكندري

١١
١٢

١

تبيين محور البحث

١٣
١٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إنّ من أهمّ المباحث الخلافيّة هو البحث حول صحابة النبىّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عنون هذا البحث فى الكتب الكلاميّة تحت عنوان «عدالة الصحابة» ، ونحن نريد أن نفتح هذا الملفّ وننظر فيه لتوضيح بعض الإبهامات والمعمّيات.

وفى البداية لا بدّ أن نلاحظ بعض مفردات هذا البحث.

منها : مؤدّى العدالة المقصودة ،

ومنها : دائرة الصحابة المتّصفين بذلك ،

ومنها : ثمرة القول بذلك ، وهي : حجّيّة أقوالهم وأفعالهم ، ووجوب الاعتقاد بفضيلتهم وموالاتهم.

فإنّ تحرير المقصود في كلّ نقطة أمر بالغ الأهمّية ؛ كي يتّضح أنّ الأدلّة المعتمدة لكلّ قول هل هي مثبتة له ؛ أم إنّ هناك تباينا بين الدليل والمدّعى؟ فمثلا يقع الترديد في المراد من العدالة التي تسند ويوصف بها الصحابة أو بعضهم ، فإنّها تستعمل بمعنى يمانع إمكان صدور الخطأ أو المعصية منه ، ولا شكّ أنّ هذا المعنى يساوق العصمة!

وكذلك يقع الترديد في المراد من الصحابة ، هل هم الّذين اتّفقوا على بيعة أبي بكر ، وكان هواهم ورأيهم على ذلك ؛ أم إنّه يشمل من خالف بيعته ولم يبايعه إلى نهاية

١٥

المطاف؟ فهل دائرة البحث هي في الصحابة والصحبة؟! أم هي في شرعية بيعة السقيفة؟!!

وكذا الترديد في معنى الحجّية لقول الصحابي وفعله ، هل هي بمعنى حجّية قوله كراو من الرواة وأخبار الآحاد ، وكذا فعله من جهة كونه أحد المتشرّعة ، الكاشف فعله عن الحكم المتلقّى من الشارع ، فلا موضوعية لقوله وفعله في نفسه؟ ... أم إنّ حجّية قوله وفعله من باب حجّية اجتهاده ، ورأيه كمجتهد قد يصيب وقد يخطئ؟! وإنّه هل يحدّد اجتهاده بموازين الاجتهاد ، أم لا ينضبط رأيه بقيود الأدلّة والموازين؟! أم إنّ حجّية قوله وفعله ـ ولو لبعض الصحابة ـ هي من باب التفويض له في حقّ التشريع ، وإنّه مشرّع يخصّص إطلاق وعموم الكتاب والسنّة ، وقد ينسخ السنّة ويحكم بكون ما يراه من حكم يؤخذ به بمنزلة السنّة النبويّة في ما لم يأت به الكتاب والسنّة ، وعلى ذلك فلا تصدق على مخالفته ومباينته للكتاب والسنّة أنّها مخالفة ، وأنّها ردّ لهما ، بل هي نسخ أو تقييد وتخصيص لهما؟!

والمتصفّح لكلمات القوم يلوح له تراوحها بين هذه الاحتمالات ، وتقلّبها بين هذه الوجوه ، وإليك بعض الكلمات المتعلّقة بالبحث :

قال الشريف المرتضى في كتابه الذريعة إلى أصول الشريعة عند ردّه للتصويب ، وتخطئة الصحابة بعضهم لبعض ، قال :

واعلم أنّنا أسقطنا بهذا الكلام الذي بيّنّاه إلزام المخالفين لنا في خطأ الصحابة أن يكون موجبا للبراءة بذكر الكبير والصغير الذي هو مذهبهم دون مذهبنا ، فكأنّنا قلنا لهم : ما ألزمتمونا إيّاه لا يلزمنا على مذاهبكم في أنّ الصغائر تقع محبطة من غير أن يستحقّ بها الذمّ وقطع الولاية ، وإذا أردنا أن نجيب بما يستمرّ على أصولنا ومذاهبنا ، فلا يجوز أن نستعير ما ليس هو من أصولنا.

والجواب الصحيح عن هذه المسألة أنّ الحقّ في واحد من هذه المسائل المذكورة ، ومن كان عليه ومهتديا إليه من جملة الصحابة كانوا أقلّ عددا

١٦

وأضعف قوّة وبطشا ممّن كان على خلافه ممّا هو خطأ ، وإنّما لم يظهر النكير عليهم والبراءة منهم تقية وخوفا ونكولا وضعفا.

فأمّا تعلّقهم بولاية بعضهم بعضا مع المخالفة في المذهب ، وأنّ ذلك يدلّ على التصويب ، فليس على ما ظنّوه ، وذلك أنّه لم يولّ أحد منهم واليا لا شريحا ولا زيدا ولا غيرهما إلّا على أن يحكموا بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أجمع عليه المسلمون ، ولا يتجاوز الحقّ في الحوادث ولا يتعدّاه (١).

قال ابن السبكي في جمع الجوامع :

الصحابي من اجتمع مؤمنا بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يرو ولم يطل ، بخلاف التابعي مع الصحابي ، وقيل : يشترطان ، وقيل : أحدهما ، وقيل : الغزو أو سنة ... والأكثر على عدالة الصحابة ، وقيل : كغيرهم ، وقيل : إلى قتل عثمان ، وقيل : إلّا من قاتل عليّا (٢).

وشرح ابن المحلّى ـ المتن ـ القول الثاني :

فيبحث عن العدالة فيهم ، في الرواية والشهادة ، إلّا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها ، كالشيخين.

وشرح القول الثالث :

يبحث عن عدالتهم من حين قتله لوقوع الفتن بينهم من حينئذ وفيهم الممسك عن خوضها.

وشرح القول الرابع :

فهم فسّاق ؛ لخروجهم على الإمام الحقّ ، وردّ بأنّهم مجتهدون في قتالهم له

__________________

(١). الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ / ٧٦٧ ـ ٧٦٩.

(٢). حاشية العلّامة البناني على شرح ابن المحلّى على متن جمع الجوامع ٢ / ١٦٧.

١٧

فلا يأثمون وإن أخطئوا ، بل يؤجرون كما سيأتي في العقائد.

وقال ابن السبكي :

قول الصحابي على صحابي غير حجّة وفاقا ، وكذا على غيره. قال الشيخ الإمام : إلّا في الحكم التعبّدي ، وفي تقليده قولان لارتفاع الثقة بمذهبه إذ لم يدوّن. وقيل : حجّة في القياس ، فإن اختلف صحابيّان فكدليلين ، وقيل : دونه. وفي تخصيصه العموم قولان. وقيل : إن انتشر. وقيل : إن خالف القياس. وقيل : إن انضمّ إليه قياس تقريب. وقيل : قول الشيخين فقط. وقيل : الخلفاء الأربعة ، وعن الشافعي إلّا عليّا (١).

وقال في مسألة الاجتهاد في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

والأصحّ أنّ الاجتهاد جائز في عصره ... وثالثها : بإذنه صريحا ، قيل : أو غير صريح ، ورابعها : للبعيد ، وخامسها : للولاة ، وأنّه وقع ... وثالثها (٢) : لم يقع للحاضر ، ورابعها : الوقف (٣).

وشرح ابن المحلّى ذلك :

وقيل : لا للقدرة على اليقين في الحكم بتلقّيه منه ، واعترض بأنّه لو كان عنده وحي في ذلك لبلّغه للناس ، وقد بنى ابن السبكي وغيره من علماء العامّة على جواز الاجتهاد في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعنى إبداء الرأي وإن لم يرد نصّ من الكتاب والسنّة في القول المزبور على معتقدهم في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبوّة ، فقد قدم ابن السبكي وغيره على ذلك بقوله : والصحيح جواز تجزّؤ الاجتهاد ، وجواز الاجتهاد للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووقوعه ، وثالثها في الآراء والحروب فقط ،

__________________

(١). حاشية العلّامة البناني على شرح ابن المحلّى على متن جمع الجوامع ٢ / ٣٥٤.

(٢). هذا التعداد بلحاظ وقوع الاجتهاد ، والتعداد السابق بلحاظ حكم الاجتهاد.

(٣). حاشية العلّامة البناني على شرح ابن المحلّى على متن جمع الجوامع ٢ / ٣٨٧.

١٨

والصواب أنّ اجتهاده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخطئ.

وشرح ابن المحلّى ذلك :

لقوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) (١) (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (٢) ... عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء ، وعلى الإذن لمن ظهر نفاقه في التخلّف عن غزوة تبوك ، ولا يكون العتاب في ما صدر عن وحي ، فيكون عن اجتهاد.

وقيل : يمتنع له ، لقدرته على اليقين بالتلقّي من الوحي بأن ينتظره ، والقادر على اليقين في الحكم لا يجوز له الاجتهاد جزما. وردّ بأنّ إنزال الوحي ليس في قدرته.

وشرح أنّ اجتهاده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخطئ تنزيها لمنصب النبوّة عن الخطأ في الاجتهاد. وقيل: قد يخطئ ولكن ينبّه عليه سريعا ؛ لما تقدّم في الآيتين ؛ ولبشاعة هذا القول عبّر المصنّف بالصواب.

والمعروف لدى مفسّري العامّة ومحدّثيهم أنّ الوحي نزل في موارد بتخطئة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتصويب رأي عمر ـ والعياذ بالله تعالى! ـ منها ما جرى في أسرى بدر ـ وقد رووا في أحاديثهم أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كان من بعدي نبيّ لكان عمر. ومرادهم من اجتهاده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتماده على الظنّ والرأي ـ والعياذ بالله ـ

وقال ابن السبكي :

ونعتقد أنّ خير الأمّة بعد نبيّها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر خليفته ، فعمر ، فعثمان ، فعليّ ، أمراء المؤمنين ... ونمسك عمّا جرى بين الصحابة ، ونرى الكلّ مأجورين. (٣)

__________________

(١). الأنفال / ٦٧.

(٢). التوبة / ٤٣.

(٣). حاشية العلّامة البناني على شرح ابن المحلّى على متن جمع الجوامع ٢ / ٤٢٢.

١٩

وشرحه ابن المحلّى :

ونمسك عمّا جرى بين الصحابة من المنازعات والمحاربات ، التي قتل بسببها كثير منهم ، فتلك دماء طهّر الله منها أيدينا فلا نلوّث بها ألسنتنا ، ونرى الكلّ مأجورين في ذلك ؛ لأنّه مبنيّ على الاجتهاد في مسألة ظنّية ، فيها أجران على اجتهاده وإصابته ، وللمخطئ أجر على اجتهاده.

وقال التفتازاني (١) :

يجب تعظيم الصحابة والكفّ عن مطاعنهم ، وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم على محامل وتأويلات ، سيّما للمهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان ، ومن شهد بدرا وأحدا والحديبية ، فقال : انعقد على علوّ شأنهم الإجماع ، وشهد بذلك الآيات الصراح ، والأخبار الصحاح ، وتفاصيلها في كتب الحديث والسير والمناقب ، ولقد أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتعظيمهم وكفّ اللسان عن الطعن فيهم ، حيث قال : أكرموا أصحابي فإنّهم خياركم ...

وتوقّف عليّ رضى الله عنه في بيعة أبي بكر كان للحزن والكآبة ، وعدم الفراغ للنظر والاجتهاد ؛ وعن نصرة عثمان بعدم رضاه ، لا برضاه ، ولهذا قال : «والله ما قتلت عثمان ، ولا مالأت عليه» وتوقّف في قبول البيعة إعظاما للحادثة ، وإنكارا ، وعن قصاص القتلة لشوكتهم ، أو لأنّهم عنده بغاة ، والباغي لا يؤاخذ بما أتلف من الدم والمال عند البعض.

قد استقرّت آراء المحقّقين من علماء الدين على أنّ البحث عن أحوال الصحابة وما جرى بينهم من الموافقة والمخالفة ليس من العقائد الدينية ، والقواعد الكلامية ، وليس له نفع في الدين ، بل ربّما يضرّ باليقين ، إلّا أنّهم ذكروا نبذا من ذلك لأمرين :

__________________

(١). شرح المقاصد ـ للتفتازاني ـ ٥ / ٣٠٣.

٢٠