عيد الغدير في الإسلام

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

عيد الغدير في الإسلام

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٢٨

١
٢

٣
٤

مخطط البحث

مقدمة الإعداد................................................................... ٨

عيد الغدير في الاسلام

مقدمة المؤلّف.................................................................. ١٣

صلة المسلمين بعيد الغدير....................................................... ١٤

مبدأ عيد الغدير................................................................ ١٨

حديث التهنئة................................................................. ٢٠

عيد الغدير عند العترة الطاهرة.................................................... ٦٥

شبهة النويري والمقريزي في أنّ عيد الغدير ابتدعه علي بن بويه........................ ٧٧

٥

دفع شبة النويري والمقريزي....................................................... ٧٩

التنويج يوم الغدير

العمائم تيجان العرب........................................................... ٨٣

تتويج النبي لعلي بالعمامة........................................................ ٨٥

علي في الحساب................................................................ ٩٠

القربات يوم الغدير

حديث صوم يوم الغدير......................................................... ٩٤

رجال سند الحديث............................................................. ٩٧

شبهة ابن كثير حول صوم يوم الغدير............................................ ١٠٥

دفع شبهة ابن كثير............................................................ ١٠٧

٦

كتاب الغدير :

كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة ، ويمتدّ في الآفاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه ... إنّه العمل الموسوعي الكبير الّذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّى ميادين العلوم : من تفسير ، وحديث ، وتاريخ ، وأدب ، وعقيدة ، وكلام ، وفرق ، ومذاهب ...

جمع ذلك كلّه بمستوى التخصّص العلمي الرفيع وفي صياغة الأديب الذي خاطب جميع القرّاء ، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوى البحث العلمي عن حقّه.

ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الأحد عشر من ذخائر هامة ، لا غنى لطالب المعرفة عنها ، وتيسيراً لاغتنام فوائدها ، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، لطباعتها ونشرها مستقلّة ، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق.

٧

مقدّمة الإعداد :

في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة للهجرة ، جمع النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين عند رجوعه من الحج في مكان يسمّى غدير خم ، وخطبهم خطبة مفصّلة ، وفي آخر خطبته قال : «ألستم تعلمون أنّي أَولى بكلّ مؤمن من نفسه؟» قالوا : بلى ، فأخذ بيد علي فقال : «اللهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه» فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

فهل لهذا اليوم منزلة في الشريعة؟

٨

ذهب الشيعة إلى أنّه يوم عيدٍ وفرح وسرور ، واعتمدوا على روايات كثيرة استدلّوا بها على كونه عيداً.

وذهب قوم من المسلمين إلى أنه ليس بعيد ، ومن اتّخذه عيداً فهو مبتدع!!

وتعصّب هذا البعض من المسلمين أشدّ التعصّب ضدّ الشيعة ، وأباح دماءهم لأجل اتخاذهم يوم الغدير يوم عيدٍ.

ومن نقّب صفحات التاريخ يجد فيها الكثير من هذه التعصّبات والمجازر الطائفية ضد مذهب أهل البيت عليهم‌السلام لأجل اتخاذهم يوم الغدير عيداً ، ويوم عاشوراء ـ الذي قتل فيه ريحانة الرسول وسبطه الحسين بن علي عليه‌السلام ـ يوم حزن وعزاء.

ووصل التعصّب إلى حدٍّ كانت فيه الدماء تراق والبيوت والمساجد وأماكن العبادة تحرق ... لا لأجل شيءٍ ، سوى الاحتفال بيوم الغدير وإقامة المأتم والعزاء يوم عاشوراء.

ولمّا لم تؤثّر هذه الأفاعيل القبيحة ضدّ الشيعة في نقص عزائمهم ، بل زادتهم إيماناً وقوّةً في التمسّك بما يعتقدونه عن دليل ، اتّخذ أهل السنة منهجاً جديداً للوقوف أمام هذه الشعائر :

حيث عملوا في مقابل الشيعة يوم الثامن عشر من المحرّم ـ وقال ابن كثير : اليوم الثاني عشر ـ مثل ما تعمله الشيعة في عاشوراء ، من إقامة المأتم والعزاء ، وقالوا : هو يوم قتل مصعب بن الزبير ،

٩

وزاروا قبره بمسكن ، كما يُزار قبر الحسين عليه‌السلام بكربلاء ، ونظروه بالحسين! وقالوا : إنه صبر وقاتل حتّى قتل ، وإن أباه ابن عمة النبيّ كما أنّ أبا الحسين ابن عمّ النبي!!

وعملوا في مقابل الشيعة يوم السادس والعشرين من ذي الحجة زينة عظيمة وفرحاً كثيراً ، واتخذوه عيداً ، كما تفعله الشيعة في يوم عيد الغدير الثامن عشر من ذي الحجة ، وادّعوا أنه يوم دخول النبي وأبي بكر الغار.

وأقاموا هذين الشعارين زمناً طويلاً.

راجع : المنتظم ٧ : ٢٠٦ ، البداية والنهاية ١١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ ، الكامل في التاريخ ٩ : ١٥٥ ، العبر ٣ : ٤٢ ـ ٤٣ ، شذرات الذهب ٣ : ١٣٠ ، تاريخ الإسلام : ٢٥.

والتعصّب إذا استحوذ على كيان الإنسان فإنه يعميه ويصمّه ، ويجعله يغيّر حتّى المسلّمات لأجل الوصول إلى أغراضه :

فنشاهد الطبري في تاريخه ٦ : ١٦٢ يصرّح بأنّ مقتل مصعب كان في جمادى الآخرة ، فمع هذا فإنهم يجعلوه في اليوم الثامن عشر من المحرّم ليكون في مقابل يوم استشهاد الحسين عليه‌السلام يوم العاشر من المحرّم.

ويوم الغار معلوم لدى الكلّ ـ حتّى من له أدنى معرفة بالتاريخ ـ أنه لم يكن في ذي الحجة ولا في اليوم السادس والعشرين منه ، ومع

١٠

هذا فإنهم يجعلوه في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجة ليكون بعد يوم الغدير بثمانية أيام.

وكنّا نتمنّى أن تنتهي هذه التعصّبات والمجازر الطائفية في عصرنا هذا الذي يسمّى بعصر التقدّم والنور ... وكنّا لا نحتاج إلى إثارة هذه المطالب من جديد.

ولكن ومع الأسف الشديد نرى أنّ هذه التعصّبات لا زالت قائمة ، وأنّ الشيعة سنوياً تقتل وتحرق مساجدها لأجل إقامة مراسم العزاء على السبط الشهيد وإقامة الفرح والسرور بيوم الغدير.

وتصاعدت طباعة الكتب ضدّ مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنها تطبع وبأعداد هائلة وفي أكثر البلدان ملؤها الافتراء والبهتان ، ولا رادع ولا صادع!! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

* * *

وهذا الكتيّب الذي نقدّمه بين يدي القارئ العزيز ، مستلّ من كتاب الغدير للعلامة الأميني ، فيه ثلاثة بحوث مهمّة :

١ ـ عيد الغدير في الإسلام.

٢ ـ التتويج يوم الغدير.

٣ ـ صوم يوم الغدير.

١١

كتبها العلامة الأميني ، معتمداً فيها على أهم المصادر المعتبرة بين المسلمين.

وبعد أن استخرجتُها من كتابه الغدير ، الطبعة المتداولة ، وقابلتها مع طبعة النجف ، واستفدت من بعض الفوارق ، أعدت النظر في تقويم النصّ وفقاً للأساليب الحديثة ، وأجريت عملية استخراج الأقوال والأحاديث من المصادر الحديثة ، وبالنسبة للمصادر المفقودة ذكرت الوسائط الناقلة عنها ، وذكرت استدراكاً لما ذكره العلامة الأميني في بحوثه هذه لحديث التهنئة وحديث صوم يوم الغدير ، وحديث التعمّم يوم الغدير.

فارس تبريزيان الحسّون

١٢

عيد الغدير في الإسلام

[مقدّمة المؤلّف]

وممّا شِيء من جهته لحديث الغدير الخلود والنشور ، ولمفاده التحقّق والثبوت ، اتّخاذه عيداً يُحتفل به وبليلته بالعبادة والخشوع ، وإدرار وجوه البرّ ، وصلة الضعفاء ، والتوسّع على النفس والعائلات ، واتّخاذ الزينة والملابس القشيبة.

فمتى كان للملأ الديني نزوعٌ إلى تلكم الأحوال فبطبع الحال يكون له اندفاعٌ إلى تحرّي أسبابها ، والتثبّت في شئونها ، فيفحص عن رواتها ، أو أنّ الاتّفاق المقارن لهاتيك الصفات يوقفه على من ينشدها ويرويها ، وتتجدّد له وللأجيال في كلّ دور لفتةٌ إليها في كلّ

١٣

عام ، فلا تزال الأسانيد متواصلة ، والطرق محفوظة ، والمتون مقروءة ، والأنباء بها متكرّرة.

[صلة المسلمين بعيد الغدير]

إنّ الذي يتجلّى للباحث حول تلك الصفة أمران :

الأوّل : أنّه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب ، وإن كانت لهم به علاقة خاصّة ، وإنّما اشترك معهم في التعيّد به غيرهم من فرق المسلمين :

فقد عدّه البيروني في الآثار الباقية في القرون الخالية : ٣٣٤ : ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد.

وفي مطالب السئول لابن طلحة الشافعي : ٥٣ : يوم غدير خمّ ، ذكره (أمير المؤمنين) في شعره (١) ، وصار ذلك اليوم عيداً

__________________

(١) وهو قوله عليه‌السلام :

محمد النبيّ أخي وصنوي

وحمزة سيد الشهداء عمّي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن أُمي

وبنت محمد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها

فأيّكم له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الإسلام طرّاً

على ما كان من فهمي وعلمي

فأوجبت لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمّ

فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويل

لمن يلقى الإله غداً بظلمي

١٤

وموسماً ، لكونه كان وقتاً نصّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه المنزلة العليَّة ، وشرَّفه بها دون الناس كلِّهم.

وقال ص ٥٦ : وكلّ معنى أمكن إثباته ممّا دلَّ عليه لفظ المولى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد جعله لعليٍّ ، وهي مرتبةٌ ساميةٌ ، ومنزلةٌ سامقةٌ ، ودرجة عليَّةٌ ، ومكانةٌ رفيعةٌ ، خصّصه بها دون غيره ، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيدٍ وموسم سرورٍ لأوليائه. انتهى.

تفيدنا هذه الكلمة اشتراك المسلمين قاطبة في التعيّد بذلك اليوم ، سواء رجع الضمير في (أوليائه) إلى النبيِّ أو الوصيِّ صلّى الله عليهما وآلهما.

أمّا على الأوَّل : فواضح.

وأمّا على الثاني : فكلّ المسلمين يوالون أمير المؤمنين عليّاً شرع ، سواء في ذلك من يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل ،

__________________

ذكر هذه الأبيات العلامة الأميني في كتابه الغدير ٢ : ٢٥ ـ ٣٠ ، وذكر من رواها من أعلام العامة : الحافظ البيهقي المتوفى ٤٥٨ ه‍ ، وأبو الحجاج يوسف بن محمد المالكي المتوفى حدود ٦٠٥ في كتابه ألف باء ١ : ٣٩ ، وأبو الحسين الحافظ زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى ٦١٣ في كتابه المجتنى : ٣٩ ، وياقوت الحموي في معجم الأدباء ٥ : ٢٦٦ ، ومحمد بن طلحة الشافعي المتوفى ٦٥٢ في مطالب السئول : ١١ ، وسبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى ٦٥٤ في تذكرة خواص الأمة : ٦٢ ، وابن أبي الحديد المتوفى ٦٥٨ في شرح نهج البلاغة ٢ : ٣٧٧ ، ... إلى ستة وعشرين نفر ممن رواها من أعلام العامة.

١٥

ومن يراه رابع الخلفاء ، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء ، إلّا شذّاذ من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف.

وتقرئنا كتب التاريخ دروساً من هذا العيد ، وتَسالُم الأُمَّة الإسلاميَّة عليه في الشرق والغرب ، واعتناء المصريِّين والمغاربة والعراقيِّين بشأنه في القرون المتقادمة ، وكونه عندهم يوماً مشهوداً للصلاة والدعاء والخطبة وإنشاد الشعر على ما فُصِّل في المعاجم.

ويظهر من غير مورد من الوفيات لا بن خلكان التسالم على تسمية هذا اليوم عيداً :

ففي ترجمة المستعلي ابن المستنصر ١ : ٦٠ : فبويع في يوم عيد غدير خمّ ، وهو الثامن عشر من ذي الحجَّة سنة ٤٨٧ (١).

وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي ٢ : ٢٢٣ : وتوفّي ليلة الخميس لاثنتي عشر ليلة بقيت من ذي الحجَّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة رحمه‌الله تعالى. قلت : وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير ، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجَّة ، وهو غدير خُمّ ـ بضم الخاء وتشديد الميم ـ ورأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجَّة ، وهذا المكان بين مكّة والمدينة ، وفيه غدير ماء ويقال : إنّه غيضة هناك ، ولمّا رجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكّة شرَّفها الله تعالى عام حجَّة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى عليّ بن أبي

__________________

(١) وفيات الأعلام ١ : ١٨٠ رقم ٧٤ ، ط دار صادر.

١٦

طالب رضى الله عنه قال : «عليُّ مني كهارون من موسى ، اللهمَّ وال مَن والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله» ، وللشيعة به تعلّق كبير. وقال الحازمي : وهو وادٍ بين مكّة والمدينة عند الجحفة [به] غدير عنده خطب النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا الوادي موصوفٌ بكثرة الوخامة وشدَّة الحرّ. انتهى (١).

وهذا الذي يذكره ابن خلكان من كبر تعلّق الشيعة بهذا اليوم هو الذي يعنيه المسعودي في التنبيه والاشراف : ٢٢١ بعد ذكر حديث الغدير بقوله : ووُلد عليٍّ رضى الله عنه وشيعته يعظمون هذا اليوم.

ونحوه الثعالبي في ثمار القلوب ـ بعد أن عدَّ ليلة الغدير من الليالي المضافات المشهورة عند الأُمَّة ـ بقوله ص ٥١١ : وهي الليلة التي خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غدها بغدير خمّ على أقتاب الإبل ، فقال في خطبته : «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله» ، فالشيعة يعظِّمون هذه الليلة ويُحيونها قياماً. انتهى (٢).

وذلك [ل] اعتقادهم وقوع النصِّ على الخلافة بلا فصل فيه ، وهم وإن انفردوا عن غيرهم بهذه العقيدة ، لكنّهم لم يبرحوا مشاطرين مع الأُمة التي لم تزل ليلة الغدير عندهم من الليالي

__________________

(١) المصدر السابق ٥ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ رقم ٧٢٨.

(٢) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب : ٦٣٦ رقم ١٠٦٨.

١٧

المضافة المشهورة ، وليست شهرة هذه الاضافة إلّا لاعتقاد خطر عظيم ، وفضيلة بارزة في صبيحتها ، ذلك الذي جعله يوماً مشهوداً أو عيداً مباركاً.

ومن جرّاء هذا الاعتقاد في فضيلة يوم الغدير وليلته وقع التشبيه بهما في الحسن والبهجة.

قال تميم بن المعزّ صاحب الديار المصريَّة المتوفّى ٣٧٤ من قصيدة له ذكرها الباخرزي في دمية القصر : ٣٨ :

تروح علينا بأحداقها

حِسانٌ حكتهنَّ من نشرِ هنَّهْ

نواعمُ لا يستطعن النهوض

إذا قمن من ثِقل أردافِهنَّهْ

حَسُنَّ كحُسن ليالي الغدير

وجئنَ ببهجة أيّامهنَّهْ (١)

وممّا يدل على ذلك : التهنئة لأمير المؤمنين عليه‌السلام من الشيخين وأمهات المؤمنين وغيرهم من الصحابة بأمر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ستقف على ذلك مفصَّلاً إن شاء الله ، والتهنئة من خواصّ الأعياد والأفراح.

[مبدأ عيد الغدير]

الأمر الثاني : إن عهد هذا العيد يمتد إلى أمد قديم متواصل

__________________

(١) دمية القصر وعصرة أهل العصر ١ : ١١٣ ، ط مؤسسة دار الحياة.

وفي قائل هذه الأبيات كلام تجده في هامش ص ١١١ و ١٧٥.

١٨

بالدور النبويّ ، فكانت البدأة به يوم الغدير من حجّة الوداع بعد أن أصحر نبيُّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله بمرتكز خلافته الكبرى ، وأبان للملأ الديني مستقر إمرته من الوجهة الدينيَّة والدنيويَّة ، وحدَّد لهم مستوى أمر دينه الشامخ ، فكان يوماً مشهوداً يسرُّ موقعه كلّ معتنق للاسلام ، حيث وضح له فيه منتجع الشريعة ، ومنبثق أنوار أحكامها ، فلا تلويه من بعده الأهواء يميناً وشمالاً ، ولا يسفّ به الجهل إلى هوّة السفاسف وأيّ يوم يكون أعظم منه؟ وقد لاح فيه لاحب السنن ، وبان جدد الطريق ، وأكمل فيه الدين ، وتمَّت فيه النعمة ، ونوّه بذلك القرآن الكريم.

وإن كان حقّاً اتخاذ يوم تسنّم فيه الملوك عرش السلطنة عيداً يحتفل به بالمسرّة والتنوير وعقد المجتمعات وإلقاء الخطب وسرد القريض وبسط الموائد كما جرت به العادات بين الأمم والأجيال ، فيوم استقرّت فيه الملوكيّة الإسلاميّة والولاية الدينيّة العظمى لمن جاء النصّ به من الصادع بالدين الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ، أولى أن يُتّخذ عيداً يُحتفل به بكلّ حفاوةٍ وتبجيلٍ ، وبما أنّه من الأعياد الدينية يجب أن يزاد فيه على ذلك بما يقرّب إلى الله زلفى من صوم وصلاة ودعاء وغيرها من وجوه البرّ ، كما سنوقفك عليه في الملتقى إن شاء الله تعالى.

ولذلك كلّه أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مَن حضر المشهد من أُمته ،

١٩

ومنهم الشيخان ومشيخة قريش ووجوه الأنصار ، كما أمر أُمَّهات المؤمنين ، بالدخول على أمير المؤمنين عليه‌السلام وتهنئته على تلك الحظوة الكبيرة بإشغاله منصَّة الولاية ومرتبة الأمر والنهي في دين الله.

حديث التهنئة :

أخرج الإمام الطبري محمد بن جرير في كتاب الولاية حديثاً بإسناده عن زيد بن أرقم ، مرّ شطر كبير منه ص ٢١٤ ـ ٢١٦ (١) ، وفي آخره فقال :

«معاشر الناس ، قولوا : أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا وميثاقاً بألسنتنا وصفقةً بأيدينا نؤدِّيه إلى أولادنا وأهالينا لا نبغي بذلك بدلاً وأنت شهيدٌ علينا وكفى بالله شهيداً ، قولوا ما قلت لكم ، وسلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين ، وقولوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (٢) فإنَّ الله يعلم كلّ صوت وخائنة كلّ نفس ، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (٣) ، قولوا ما يُرضي الله عنكم ف (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) (٤)».

__________________

(١) أي : ١ : ٢١٤ ـ ٢١٦ من كتابه الغدير.

(٢) الأعراف : ٤٣.

(٣) الفتح : ١٠.

(٤) الزمر : ٧.

٢٠