إعراب القرآن - ج ٢

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١١

(لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) على أنها نون الجميع ، وبعض العرب يقول : عدد السّنين والحساب ، ومن العرب من يقول : سنوات ومنهم من يقول : سنهات والتصغير سنيهة وسنيّة وجاز جمعهما بالواو والنون عوضا مما حذف منها وكسر أولها دلالة على ما لحقها مما هو لغيرها. (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) أي ما أراد الله جلّ وعزّ بخلق ذلك إلّا الحكمة والصواب.

(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦)

(لَآياتٍ) اسم «إنّ».

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ(٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨)

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) اسم إنّ ، والخبر (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ).

(دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠)

(دَعْواهُمْ) ابتداء أي دعاؤهم (فِيها سُبْحانَكَ) مصدر. (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) ابتداء وخبر وكذا (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) ولم يحك أبو عبيد إلّا تخفيف «أن» ورفع ما بعدها قال : وإنما نراهم اختاروا هذا وفرقوا بينها وبين قوله جلّ وعزّ (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ) و (أَنَّ غَضَبَ اللهِ) [النور: ٩] لأنهم أرادوا الحكاية حين يقال : «الحمد لله». قال أبو جعفر : مذهب الخليل وسيبويه (١) أنّ «أن» هذه مخفّفة من الثقيلة والمعنى : أنه الحمد لله ، قال محمد بن يزيد : ويجوز أن الحمد لله. يعملها خفيفة عملها ثقيلة والرفع أقيس لأنها إنما أشبهت الفعل باللفظ لا بالمعنى فإذا نقصت عن الفعل لم تعمل عمله ومن نصب شبّهها بالفعل إذا حذف منه. قال أبو جعفر : وحكى أبو حاتم أن بلال بن أبي بردة قرأ (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢).

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١)

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) قيل : معناه لو عجّل الله للناس من العقوبة كما يستعجلون الثواب والخير فعاقبهم لماتوا لأنهم خلقوا في

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ١٨٧.

(٢) انظر البحر المحيط ٥ / ١٣٢ ، وهذه قراءة عكرمة ومجاهد وقتادة وابن يعمر وأبي مجلز وأبي حيوة وابن محيصن ويعقوب أيضا.

١٤١

الدنيا خلقا ضعيفا وليس هم كذا يوم القيامة لأنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا غير هذا القول ، استعجالهم على قول الأخفش والفراء بمعنى كاستعجالهم ثم حذف الكاف ونصب قال الفراء (١) : كما تقول : ضربت زيدا ضربك أي كضربك فأما مذهب الخليل وسيبويه (٢). وهو الحقّ فإنّ التقدير فيه ولو يعجّل الله للناس الشرّ تعجيلا مثل استعجالهم بالخير ثم حذف تعجيلا وأقام صفته مقامه ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه ، مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ، وحكى سيبويه (٣) : زيد شرب الإبل ، ولو جاز ما قال الأخفش والفراء لجاز : زيد الأسد أي كالأسد فهذا بيّن جدا. قال أبو إسحاق: ويقرأ (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) (٤) وهي قراءة ابن عامر الشامي وهي قراءة حسنة لأنه متّصل بقوله جلّ وعزّ (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ). قال الأخفش (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) مبتدأ قال و (يَعْمَهُونَ) أي يتحيّرون.

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢)

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ) في موضع نصب على الحال. (أَوْ قاعِداً) عطف على الموضع ، والتقدير دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما. (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا) قال الأخفش : هي «أنّ» الثقيلة خفّفت كما قال : [الخفيف]

١٩٧ ـ وي كأن من يكن له نشب يحبب

ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (٥)

(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤)

(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ). مفعولان (لِنَنْظُرَ) نصب بلام كي.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٥)

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) اسم ما لم يسمّ فاعله. قال أبو إسحاق (بَيِّناتٍ) نصب على الحال.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٤٥٨.

(٢) انظر الكتاب ١ / ٢٧٢.

(٣) انظر الكتاب ١ / ٤٠٠.

(٤) انظر تيسير الداني ٩٩.

(٥) الشاهد لزيد بن عمرو بن نفيل في الكتاب ٢ / ١٥٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٠٤ ، والدرر ٥ / ٣٠٥ ، وذيل سمط اللآلي ص ١٠٣ ، ولنبيه بن الحجاج في الأغاني ١٧ / ٢٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١١ ، ولسان العرب (ويا) و (وا) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٣٥٣ ، والخصائص ٣ / ٤١ ، وشرح المفصل ٤ / ٧٦ ، ومجالس ثعلب ١ / ٣٨٩ ، والمحتسب ٢ / ١٥٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٦ ، وقبله في الكتاب :

«سألتاني الطلاق أن رأتاني

قلّ مالي ، قد جئتماني بنكر»

١٤٢

(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦)

(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن ولا أعلمكم به أي القرآن. قال أبو حاتم : سمعت الأصمعي يقول : سألت أبا عمرو بن العلاء عن قراءة الحسن ولا أدرأتكم به (١) أله وجه؟ قال : لا قال أبو عبيد : لا وجه لقراءة الحسن «ولا أدرأتكم به» إلّا على الغلط. معنى قول أبي عبيد إن شاء الله على الغلط أنه يقال : دريت أي علمت وأدريت غيري ، ويقال : درأت أي دفعت فيقع الغلط بين دريت وأدريت ودرأت ، وقال أبو حاتم : يريد الحسن فما أحسب ولا أدريتكم به فأبدل من الياء ألفا على لغة بني الحارث بن كعب لأنهم يبدلون من الياء ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣]. قال أبو جعفر هذا غلط لأن الرواية عن الحسن ولا أدرأتكم به بالهمز وأبو حاتم تكلّم على أنه بغير همز ويجوز أن يكون من درأت إذا دفعت ، أي : ولا أمرتكم أن تدفعوا وتتركوا الكفر بالقرآن. (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) في الكلام حذف والتقدير فقد لبثت فيكم عمرا من قبله تعرفوني بالصدق والأمانة لا أقرأ ولا أكتب ثم جئتكم بالمعجزات (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن هذا لا يكون إلّا من عند الله جلّ وعزّ.

(وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩)

(وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) اسم «كان» وخبرها. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ) رفع بالابتداء (سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في موضع النعت.

(وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٢٠)

(فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) والأصل «أنني» حذفت النون ، والمعنى منتظر من المنتظرين.

(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (٢١)

(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) جواب إذا على قول الخليل وسيبويه (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا)

__________________

(١) وهذه قراءة ابن عباس وابن سيرين وأبي رجاء أيضا ، انظر البحر المحيط ٥ / ١٣٧ ، ومعاني الفراء ١ / ٤٥٩.

١٤٣

والتقدير مكروا. قال مجاهد : إذا لهم مكر في آياتنا استهزاء وتكذيب. (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ) ابتداء وخبر. (مَكْراً) على البيان.

(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢٢)

(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) ابتداء وخبر ، وفي يسيّركم معنى التكثير ويسيركم للقليل والكثير ، وقرأ يزيد ابن القعقع هو الذي ينشركم (١) وهي المعروفة من قراءة الحسن ، ويسيّركم أشبه بقوله جلّ وعزّ (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) و (الْفُلْكِ) يذكّر ويؤنّث ويكون واحدا وجمعا لفلك كما يقال : وثن ووثن. (جاءَتْها) الهاء تعود على الفلك ويجوز أن تعود على الريح الطيّبة (رِيحٌ عاصِفٌ).

(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٣)

(إِنَّما بَغْيُكُمْ) رفع بالابتداء وخبره (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢) ويجوز أن يكون خبره (عَلى أَنْفُسِكُمْ) وتضمر مبتدأ أي ذلك متاع الحياة الدنيا أو هو متاع الحياة الدنيا وبين المعنيين فرق لطيف إذا رفعت متاعا على أنه خبر بغيكم فالمعنى إنما بغي بعضكم على بعض مثل (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] وكذا (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة ١٢٨] وإذا كان الخبر على أنفسكم فالمعنى إنما فسادكم راجع عليكم مثل (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] وقرأ ابن أبي إسحاق (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) بالنصب على أنه مصدر أي تمتّعون متاع الحياة الدنيا.

(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤)

(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ابتداء. (كَماءٍ) خبره والكاف في موضع رفع. (أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) نعت لما. (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) عطف. (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) الأصل تزيّنت أدغمت التاء في الزاي وجيء بألف الوصل لأن الحرف المدغم مقام

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ١٤١ ، ومعاني الفراء ١ / ٤٦٠.

(٢) انظر البحر المحيط ٥ / ١٤٣ ، وتيسير الداني ٩٩.

١٤٤

حرفين الأول منهما ساكن ، وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية (وَازَّيَّنَتْ) (١) أي جاءت بالزينة وجاء بالفعل على أصله ولو أعلّه لقال أزانت ، قال عوف الأعرابي : قرأ أشياخنا وازيانّت ووزنه واسوادّت وفي رواية المقدّمي وازّاينت (٢) والأصل فيه تزاينت ووزنه تفاعلت ثم أدغم ، (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) قال أبو إسحاق : المعنى قادرون على الانتفاع بها. (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) ظرفان. (فَجَعَلْناها حَصِيداً) مفعولان.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٦)

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) في موضع رفع بالابتداء. (وَزِيادَةٌ) عطف عليها. قال أبو جعفر وقد ذكرنا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ الزيادة النظر إلى الله تعالى وقيل : الزيادة أن تضاعف الحسنة عشر حسنات إلى أكثر من ذلك. قرأ الحسن (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) (٣) ، والقتر والقتر والقترة بمعنى واحد.

(وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٧)

(قِطَعاً) جمع قطعة. (مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) حال من الليل ويبعد أن يكون نعتا لقطع لأنه لم يقل : مظلمة ، وقرأ الكسائي (قِطَعاً) بإسكان الطاء فمظلما على هذا نعت ويجوز أن يكون حالا من الليل.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) (٢٨)

قال الفراء (٤) وقرأ بعضهم (فزايلنا بينهم).

يقال : لا أزايل فلانا أي لا أفارقه ، فإن قلت : لا أزاوله فهو بمعنى آخر معناه لا أخاتله.

(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) (٢٩)

(شَهِيداً) نصب على التمييز. قال أبو إسحاق : ويجوز أن يكون منصوبا على الحال.

__________________

(١) انظر المحتسب ١ / ٣١١ ، والبحر المحيط ٥ / ١٤٥.

(٢) انظر البحر المحيط ٥ / ١٤٥.

(٣) انظر البحر المحيط ٥ / ١٤٩.

(٤) انظر معاني الفراء ١ / ٤٦٢.

١٤٥

(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٣٠)

(هُنالِكَ) في موضع نصب على الظرف أي في ذلك الوقت (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ) واللام زائدة كسرت لالتقاء الساكنين والكاف للخطاب لا موضع لها وقال زهير : [الطويل]

١٩٨ ـ هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا

وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا (١)

(وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) في موضع خفض على النعت ، وكذا الحقّ ، ويجوز نصب الحق من ثلاث جهات : يكون التقدير ردّوا حقّا ثم جيء بالألف واللام ، ويجوز أن يكون التقدير مولاهم حقّا لا ما يعبدون من دونه ، والوجه الثالث أن يكون مدحا أي أعني الحقّ. ويجوز أن ترفع الحقّ ويكون المعنى مولاهم الحقّ لا ما يشركون من دونه (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) في موضع رفع وهي بمعنى المصدر أي افتراؤهم.

(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٣٢)

(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) ويجوز نصب الحق على ما تقدّم.

(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣)

(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ).

المعنى بأنّهم ولأنهم فإنّ في موضع نصب. قال أبو إسحاق : ويجوز أن يكون في موضع رفع على البدل من كلمات. قال الفراء (٢) : يجوز (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بكسر إنّ على الاستئناف.

(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥)

(أَمَّنْ) قال الأخفش : إن قال قائل : كيف دخلت أم على من؟ قيل : لأن أم والألف أصل الاستفهام ، ألا ترى أنّ أم تدل على هل. قال أبو جعفر : في (أَمَّنْ لا

__________________

(١) الشاهد لزهير في ديوانه ص ١١٢ ، ولسان العرب (خبل) ، و (خول) ، وتهذيب اللغة ٧ / ٤٢٥ ، وجمهرة اللغة ٢٩٣ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٢٣٤ ، والمخصص ٧ / ١٥٩ ، ومجمل اللغة ٢ / ٢٣٧ ، وتاج العروس (خبل) وديوان الأدب ٢ / ٣٢٣ ، وهو في الديوان :

«هنالك إن يستخولوا المال يخولوا

وإن يسألوا يعصوا وإن ييسروا يغلوا»

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٣٦٣.

١٤٦

يَهِدِّي) خمس قراءات (١) : قرأ أبو عمرو وابن كثير وعبد الله بن عامر أم من لا يهدّي بفتح الياء والهاء وتشديد الدال ، وكذا روى ورش عن نافع وحدّثني إبراهيم بن محمد بن عرفة (٢) قال : حدّثني إسماعيل بن إسحاق قال : حدّثني قالون عن نافع أنه قرأ أم من لا يهدّي بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال. قال أبو عبيد : وقرأ عاصم (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ، وقال الكسائي قرأ عاصم أم من لا يهدي بكسر الياء والهاء وتشديد الدال فهذه أربع قراءات ، وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش وحمزة والكسائي أم من لا يهدي بفتح الياء وتسكين الهاء وتخفيف الدال. قال أبو جعفر : القراءة الأولى بيّنة في العربية الأصل فيها يهتدي أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها على الهاء ، والقراءة الثالثة هي المعروفة عن عاصم والحسن وأبي رجاء أدغمت الياء في الدال وكسرت الهاء لالتقاء الساكنين ، والقراءة الثانية التي رواها قالون عن نافع يحكي فيها الجمع بين ساكنين وهذا لا يجوز ولا يقدر أحد أن ينطق به. قال محمد بن يزيد : لا بدّ لمن رام مثل هذا أن يحرّك حركة خفيفة إلى الكسر وسيبويه يسمّي هذا اختلاس الحركة ، وأما كسر الياء مع الهاء الذي رواه الكسائي عن عاصم فلا يجوز عند سيبويه (٣) ، وسيبويه يجيز تهدي ويهدي وأهدي ولا يجيز يهدي لأن الكسر في الياء ثقيل ، وأما القراءة الخامسة أم من لا يهدي فلها وجهان في العربيّة وإن كانت بعيدة فأحد الوجهين أن الكسائي والفراء (٤) قالا : يهدي بمعنى يهتدي. قال أبو العباس : لا يعرف هذا ولكن التقدير أم من لا يهدي غيره تمّ الكلام ، ثم قال : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) استثناء ليس من الأول أي لكنه يحتاج إلى أن يهدى كما تقول : فلان لا يشبع غيره إلّا أن يشبع أي لكنه يحتاج أن يشبع. قال أبو إسحاق (فَما لَكُمْ) تمّ الكلام والمعنى أي شيء لكم في عبادة الأوثان. (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) قال : (كَيْفَ) في موضع نصب والمعنى على أي حال.

(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣٧)

(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ) قال الكسائي : المعنى وما كان هذا القرآن افتراء

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ١٥٧ ، وتيسير الداني ٩٩.

(٢) إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي العتكي أبو عبد الله من أحفاد المهلب بن أبي صفرة إمام في النحو ، وكان فقيها رأسا في مذهب داود ، مسندا في الحديث ثقة. وكان يؤيّد مذهب سيبويه في النحو فلقبوه (نفطويه) (ت ٣٢٣ ه‍) ترجمته في وفيات الأعيان ١ / ١١ ، ولسان الميزان ١ / ١٠٩ وتاريخ بغداد ٦ / ١٥٩.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٢٢٨.

(٤) انظر معاني الفراء ١ / ٤٦٤.

١٤٧

كما تقول : فلان يحبّ أن يركب ويحبّ الركوب وقال غيره : التقدير لأن يفترى وقال الفراء : المعنى وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى ، وقال غيره : المعنى ما كان لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن من عند غير الله ثم ينسبه إلى الله لإعجازه لرصفه ومعانيه وتأليفه. (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) قال الكسائي والفراء(١) ومحمد بن سعدان : التقدير : ولكن كان تصديق الذي بين يديه ويجوز عندهم الرفع بمعنى ولكن هو تصديق ، وكذا (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٨)

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) بمعنى بل ، وفيه معنى التقدير لإقامة الحجّة عليهم.

(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (٣٩)

(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) أي كذّبوا به وهم جاهلون بمعانيه وتفسيره وعليهم أن يعملوا ذلك بالسؤال (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ) أي كذّبوا به ولم يعرفوا تفسيره وقيل : ولم يأتهم ما يؤول إليه أمره : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كذا كانت سبيلهم والكاف في موضع نصب. (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) «كيف» في موضع نصب خبر كان.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) (٤٠)

(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أي في المستقبل و «من» في موضع رفع بالابتداء وكذا (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) والمعنى ومنهم من يصرّ على كفره فأعلم الله جلّ وعزّ إنما أخّر عنهم العقوبة لأن منهم من سيؤمن (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) أي بمن يصرّ على الكفر.

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٤١)

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي) رفع بالابتداء والمعنى لي جزاء عملي وكذا (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) مثله.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) (٤٢)

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) على المعنى.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) (٤٣)

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) على اللفظ.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٤٦٥.

١٤٨

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٤)

(وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) زعم جماعة من النحويين منهم الفراء أن العرب إذا قالت : ولكنّ بالواو آثروا التشديد وإذا حذفوا الواو آثروا التخفيف واعتلّ في ذلك الفراء (١) فقال : لأنها إذا كانت بغير واو أشبهت «بل» فخفّفوها ليكون ما بعدها كما بعد بل وإذا جاءوا بالواو خالفت «بل» فشدّدوها ونصبوا بها لأنها إن زيدت عليها لام وكاف وصيّرت حرفا واحدا وأنشد : [الطويل]

١٩٩ ـ ولكنّني من حبّها لكميد (٢)

فجاء باللام لأنها إنّ.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٤٥)

(كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) بمعنى كأنّهم لم يلبثوا. (يَتَعارَفُونَ) في موضع نصب على الحال. (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله جلّ وعزّ بعد أن دلّ على البعث والنشور ، ويجوز أن يكون المعنى يتعارفون بينهم يقولون هذا.

(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) (٤٦)

(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) شرط. (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) عطف عليه. (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) جواب. (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) عطف جملة على جملة. قال الفراء (٣) : ولو قيل : «ثمّ الله شهيد» بمعنى هناك جاز.

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٤٧)

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ) يكون المعنى ولكلّ أمة رسول شاهد عليهم فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم مثل (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٤٦٥.

(٢) الشاهد بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٤ / ٣٨ ، والإنصاف ١ / ٢٠٩ ، وتخليص الشواهد ٣٥٧ ، والجنى الداني ١٣٢ ، ورصف المباني ٢٣٥ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٣٨٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٤١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٠٥ ، وشرح ابن عقيل ١٨٤ ، وشرح المفصّل ٨ / ٦٢ ، وكتاب اللامات ١٥٨ ، ولسان العرب (لكن) ، ومغني اللبيب ١ / ٢٣٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٢٤٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٤٠ ، وهو بتمامه :

«يلومونني في حبّ ليلى عواذلي

ولكنني من حبّها لعميد»

(٣) انظر معاني الفراء ١ / ٤٦٦.

١٤٩

بِشَهِيدٍ) [النساء : ٤١] ويجوز أن يكون المعنى أنهم لا يعذّبون حتّى نرسل إليهم مثل (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥].

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) (٥٠)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً) ظرفان. (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) إن جعلت الهاء في منه تعود على العذاب ففيه تقديران يكون «ما» في موضع رفع بالابتداء و «ذا» بمعنى الذي وهو خبر «ما» ، والتقدير الآخر أن يكون «ماذا» شيئا واحدا في موضع رفع بالابتداء والخبر في الجملة وإن جعلت الهاء في منه تعود على اسم الله جلّ وعزّ وجعلت «ماذا» شيئا واحدا كانت «ما» في موضع نصب بيستعجل. والمعنى : أي شيء يستعجل المجرمون من الله جلّ وعزّ.

(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (٥١)

(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) في الكلام حذف والتقدير : أتأمنون أن ينزل بكم العذاب ثم يقال بكم إذا حلّ بكم الآن آمنتم به. وفي فتح الآن ثلاثة أقوال : منها قولان للفراء (١) أحدهما أن يكون أصلها «أو ان» حذفت الهمزة منها وقلبت الواو ألفا ثم جيء بالألف واللام فبنيت معها وبقيت على نصبها ، والقول الثاني أن يكون أصلها من (آن) أي حان ثم دخلتها الألف واللام وبقيت على فتحها مثل قيل وقال ، وزعم أبو إسحاق أنّ هذا لو كان كذا ما جاز أن يكون بالألف واللام كما يقال : نهى عن القيل والقال ، والقول الثالث مذهب الخليل وسيبويه أن سبيل الألف واللام أن يدخلا لمعهود (والآن) ليس بمعهود وإنّما معناه نحن في هذا الوقت نفعل كذا فلما تضمّنت معنى هذا وجب أن لا يعرب ففتحت لالتقاء الساكنين.

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥٣)

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أي عن كون العذاب (أَحَقٌ) ابتداء (هُوَ) فاعل سد مسد الخبر. هذا قول سيبويه ويجوز أن يكون «هو» مبتدأ و «حقّ» خبره. (قُلْ إِي وَرَبِّي) قسم ، وجوابه (إِنَّهُ لَحَقٌ).

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٥)

(أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي له ملك السموات والأرض فلا مانع يمنعه من إنفاذ ما وعد.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٤٦٨.

١٥٠

(هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٥٦)

(هُوَ يُحْيِ) ولا يجوز الإدغام عند سيبويه لئلا يجتمع ساكنان.

(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨)

(فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) إشارة إلى الفضل والرحمة ، والعرب تأتي بذلك للواحد والاثنين والجميع ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قرأ فبذلك فلتفرحوا (١) وهي قراءة يزيد ابن القعقاع. قال هارون في حرف أبيّ فافرحوا (٢) قال أبو جعفر : سبيل الأمر أن يكون باللام ليكون معه حرف جازم كما أنّ مع النهي حرفا إلّا أنّهم يحذفون من الأمر للمخاطب استغناء بمخاطبته وربّما جاءوا به على الأصل منه فبذلك فلتفرحوا.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٥٩)

(ما) في موضع نصب برأيتم ، وقال أبو إسحاق : هي في موضع نصب بأنزل.

(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١)

(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) قال الفراء : الهاء في «منه» تعود على الشأن وهذا كلام يحتاج إلى شرح. يكون المعنى وما تتلو من الشأن أي من أجل الشأن أي يحدث شأن فيتلى من أجله القرآن ليعلم كيف حكمه ، أو ينزل فيه قرآن فيتلى. (يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا) عطف على مثقال وإن شئت على ذرة ، والرفع عطف على الموضع لأن «من» زائدة للتوكيد ، ويجوز الرفع على الابتداء وخبره (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) زعم قوم من النحويين أنّ الّذي في «سبأ» (٣) لا يجوز فيه إلّا الرفع لأنه ليس معه من ذلك غلط وسنذكره في موضعه إن شاء الله.

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢)

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) اسم إنّ (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في موضع الخبر أي من تولاه الله جلّ وعز وتولّى حفظه وحياطته ورضي عنه فلا يخاف يوم القيامة ولا يحزن ومثله (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء : ١٠٣].

__________________

(١) وهذه قراءة أبيّ وابن عامر والحسن أيضا ، انظر البحر المحيط ٥ / ١٧٠ ، ومعاني الفراء ١ / ٤٦٩.

(٢) انظر البحر المحيط ٥ / ١٧٠.

(٣) سبأ : الآية ٣.

١٥١

(الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٦٣)

(الَّذِينَ آمَنُوا) في موضع نصب على البدل من اسم «إنّ» وإن شئت على أعني والرفع على إضمار مبتدأ وعلى البدل من الموضع وعلى الابتداء ، وخبره (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) وفيه قول رابع قال الكسائي : يكون النعت تابعا للمضمر في الفعل. قال الفراء (١) : هذا خطأ لأن المضمر لا ينعت بالمظهر. قال أبو جعفر : أما قوله المضمر لا ينعت بالمظهر فصواب ولكن يجوز أن يكون الكسائي أراد أن هذا الذي يكون نعتا تابعا للمضمر كما يقول البصريون بدل لأن الكوفيين لا يأتون بهذه اللفظة أعني البدل. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا معنى (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) وقد قيل في الحياة الدنيا عند الموت وفي الآخرة إذا خرجوا من قبورهم ، وقبل : هو قوله جلّ وعزّ (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ) [التوبة : ٢١] الآية ويدلّ على هذا (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ).

(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٥)

(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) تمّ الكلام ثم قال (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) نصب على الحال.

(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠)

قال الكسائي : (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) أي ذلك متاع أو هو متاع في الدنيا. قال أبو إسحاق : ويجوز النصب في غير القرآن. (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي بكفرهم.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٧١)

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) حذفت الواو لأنه أمر. (إِذْ) في موضع نصب (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) بقطع ألف الوصل ونصب الشركاء هذه قراءة أكثر الأئمة. وقرأ عاصم الجحدريّ (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) من جمع يجمع (وَشُرَكاءَكُمْ) نصب ، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب فأجمعوا أمركم وشركاؤكم (٢) بقطع الألف ورفع الشركاء. القراءة الأولى من أجمع على الشيء يجمع إذا عزم عليه وفي نصب الشركاء على هذه القراءة ثلاثة أقوال : قال الفراء (٣) أجمع الشيء أي عدّه ، وقال الكسائي

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٤٧١.

(٢) انظر معاني الفراء ١ / ٤٧٣ ، والبحر المحيط ٥ / ١٧٧.

(٣) انظر معاني الفراء ١ / ٤٧٣.

١٥٢

والفراء : هو بمعنى وادعوا شركاءكم فهو منصوب عندهما على إضمار هذا الفعل ، وقال محمد بن يزيد : هو معطوف على المعنى كما قال : [مجزوء الكامل]

٢٠٠ ـ يا ليت زوجك قد غدا

متقلّدا سيفا ورمحا (١)

والرمح لا يتقلّد إلّا أنه محمول كالسيف ، وقال أبو إسحاق : المعنى مع شركائكم كما يقال : التقى الماء والخشبة. والقراءة الثانية على العطف على أمركم وإن شئت بمعنى مع. قال أبو جعفر : وسمعت أبا إسحاق يجيز قام زيد وعمرا. والقراءة الثالثة على أن يعطف الشركاء على المضمر المرفوع وحسن العطف على المضمر المرفوع لأن الكلام قد طال ، وهذه القراءة تبعد لأن لو كان مرفوعا لوجب أن يكتب بالواو وأيضا فإنّ شركاءكم الأصنام والأصنام لا تصنع شيئا. (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) اسم يكون وخبرها. (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) ألف وصل من قضى يقضي. قال الأخفش والكسائي : هو مثل (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) [الحجر : ٦٦] أي أنهيناه إليه وأبلغناه إيّاه وروي عن ابن عباس : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) قال : امضوا إليّ ولا تؤخّرون. قال أبو جعفر : هذا قول صحيح في اللغة ومنه: قضى الميّت أي مضى. وأعلمهم بهذا أنهم لا يصلون إليه وهذا من دلائل النبوّات ، وزعم الفراء ثمّ أفضوا (٢) بقطع الألف والفاء «توجّهوا إليّ حتى تصلوا» ومنه : أفضت الخلافة إلى فلان.

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٧٢)

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي فإن تولّيتم عما جئتكم به فليس ذلك لأني سألتكم أجرا.

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤)

(فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ). قيل : التقدير بما كذّب به قوم نوح من قبل ، ومن حسن ما قيل في هذا أنّه لقوم بأعيانهم مثل (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة :٦].

(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (٧٧)

قال الأخفش (أَسِحْرٌ هذا) حكاية لقولهم لأنهم قالوا : أسحر هذا فقيل لهم : أتقولون للحقّ لمّا جاءكم : أسحر هذا.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (١٢٢).

(٢) انظر البحر المحيط ٥ / ١٧٩ ، وهي قراءة السريّ بن ينعم بالفاء وقطع الألف ، ومعاني الفراء ١ / ٤٧٤.

١٥٣

(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) (٧٨)

وروي عن الحسن (ويكون لكما الكبرياء) بالياء لأنه تأنيث غير حقيقي وقد فصل بينهما. وحكى سيبويه : حضر القاضي اليوم امرأتان.

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (٨٠)

(أَنْتُمْ) رفع بالابتداء ، وخبره (مُلْقُونَ) والجملة في الصلة والعائد على الذي محذوف أي ملقوه.

(فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (٨١)

(فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) فيه خمس قراءات وأكثر القراء على هذه القراءة. (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) ابتداء وخبر ، وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وأبو عمرو بن العلاء (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) يكون «ما» في موضع رفع بالابتداء والخبر «جئتم به». والتقدير : أيّ شيء جئتم به ـ على التوبيخ والتقصير لما جاءوا به. (السِّحْرُ) على إضمار مبتدأ والتقدير هو السحر. قال هارون القارئ ، وفي قراءة عبد الله ما جئتم به سحر (١) فهذا أيضا على الابتداء والخبر ودخول الألف واللام في هذا أكثر من كلام العرب لأنهم قالوا لموسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا سحر فقال لهم : بل ما جئتم به السحر وهكذا يقال في أول الكتب والرسائل : سلام على من اتّبع الهدى وفي آخرها : والسلام. ولو قال لك قائل : وجدت درهما ثم سألته لكان الاختيار أن تقول : فأين الدرهم؟ ولا تقول : أين درهم؟ فيتوهّم أنك سألته عن غيره. قال هارون : وفي حرف أبيّ ما آتيتم به سحر (٢) وهذا كالذي قبله ، وأجاز الفراء : «ما جئتم به السّحر إنّ الله سيبطله» بنصب السحر ويجعل «ما» للشرط و «جئتم» في موضع جزم بما والفاء محذوفة والتقدير فإنّ الله سيبطله كما قال : [البسيط]

٢٠١ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّر بالشرّ عند الله مثلان (٣)

والسحر عنده منصوب بجئتم ولم يشرحه شرحا يبيّن به حقيقة النصب. قال أبو جعفر : يكون السحر منصوبا على المصدر أي ما جئتم به سحرا ثم جاء بالألف واللام إلّا أنّ حذف الفاء في المجازاة لا يجيزه كثير من النحويين إلا في ضرورة الشعر بل

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٥ / ١٨١ ، ومعاني الفراء ١ / ٤٧٥.

(٢) انظر البحر المحيط ٥ / ١٨١.

(٣) مرّ الشاهد رقم ٣٤.

١٥٤

ربّما دفع ذلك بعضهم أن يجوز النيّة. وسمعت علي بن سليمان يقول : حدّثني محمد بن يزيد قال : حدثني المازني قال : سمعت الأصمعي يقول : غيّر النحويون هذا البيت وإنما الرواية :

من يفعل الخير فالرحمن يشكره

وسمعت علي بن سليمان يقول : حذف الفاء في المجازاة جائز قال : الدليل على ذلك القراءة وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم [الشورى : ١](وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى ٢] قراءتان مشهورتان معروفتان.

(وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨٢)

(وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي يبيّن الحق بكلامه وحججه وبراهينه.

(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٨٣)

(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) رفع بفعلها ولا يجوز نصبها على الاستثناء لأن الكلام قبلها لم يتمّ (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) ولم يقل : وملائه ففي هذا ستة أجوبة : منها أنّ فرعون لمّا كان جبارا خبّر عنه بفعل الجميع ومنها أنّ فرعون لمّا ذكر علم أنّ معه غيره فعاد الضمير عليه وعليهم وهذا أحد جوابي الفراء (١) ومنها أن تكون الجماعة سمّيت بفرعون مثل ثمود ، وجواب الفراء الآخر أن يكون التقدير على خوف من آل فرعون مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ). وهذا الجواب على مذهب الخليل وسيبويه خطأ ، لا يجوز عندهما : قامت هند وأنت تريد غلامها. والجواب الخامس مذهب الأخفش سعيد أن يكون الضمير يعود على الذريّة أي وملأ الذريّة. والجواب السادس كأنّه أبينها يكون الضمير يعود على قومه (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) في موضع خفض على بدل الاشتمال ويجوز أن يكون في موضع نصب بخوف ولم ينصرف فرعون لأنه اسم عجميّ وهو معرفة. (لَعالٍ) في موضع رفع على خبر «إنّ» وقد ذكرنا نظيره.

(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٨٥)

(فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) أي سلّمنا أمورنا إليه ورضينا بقضائه وقدره وانتهينا إلى أمره.

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٤٧٦.

١٥٥

الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٨٨)

(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) مفعولان وكذا (آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) لام كي وأصحّ ما قيل فيها وهو مذهب الخليل وسيبويه أنه لمّا آل أمرهم إلى هذا كان كأنّه لهذا وسمّي لام العاقبة أي لمّا كان عاقبة أمرهم قد آل إلى هذا كان بمنزلة ما كان الأول من أجله ، وقد زعم قوم أن المعنى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا لأن لا يضلّوا عن سبيلك وحذف «لا» كما قال (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦]. والمعنى أن لا تضلّوا. قال أبو جعفر : ظاهر هذا الجواب حسن إلّا أنّ العرب لا تحذف «لا» مع «أن» فموّه صاحب هذا الجواب بقوله عزوجل أن تضلّوا. (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا) وهذا أيضا من المشكل يقال : كيف دعا عليهم وحكم الرسل صلى الله عليهم وسلم استدعاء إيمان قومهم؟ فالجواب أنّ معنى اطمس على أموالهم عاقبهم على كفرهم بإهلاك أموالهم. قال أبو إسحاق : معنى تطميس الشيء إذهابه عن صورته. (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) قيل معناه غمّهم عقوبة لهم ، وقيل معناه صبّرهم على ما لحقهم لا يخرجوا إلى موضع خصب لأن معنى شددت الشيء وربطته في اللغة ضيّقته ، (فَلا يُؤْمِنُوا) ليس بدعاء على قول محمد بن يزيد قال : هو معطوف على قوله ليضلّوا ، وقال الكسائي وأبو عبيدة هو دعاء فهو في موضع جزم عندهما ، وأجاز الأخفش والفراء أن يكون جوابا وأنشد الفراء : [الرجز]

٢٠٢ ـ يا ناق سيري عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا (١)

فعلى هذا حذفت النون لأنه منصوب.

(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩)

(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) قال أبو جعفر : سمعت علي بن سليمان يقول : الدليل على أن الدعاء لهما جميعا قول موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربّنا ولم يقل ربّ. (فَاسْتَقِيما) قال الفراء : أمرا بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة قال : ويقال كان

__________________

(١) الرجز لأبي النجم في الكتاب ٣ / ٣٤ ، والدر ٣ / ٥٢ ، والردّ على النحاة ١٢٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٣٩ ، ولسان العرب (نفخ) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ١٨٢ ، ورصف المباني ٣٨١ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٧٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٠٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٧٠ ، وشرح قطر الندى ٧١ ، وشرح المفصل ٧ / ٢٦ ، واللمع في العربية ٢١٠ ، والمقتضب ٢ / ١٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٨٢.

١٥٦

بينهما أربعون سنة. قال أبو جعفر : وقد قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والضحّاك كانت بينهما أربعون سنة (وَلا تَتَّبِعانِ) في موضع جزم على النهي والنون للتوكيد وحرّكت لالتقاء الساكنين واختير لها الكسر لأنها أشبهت نون الاثنين.

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩٠)

(قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ) في موضع نصب والمعنى «بأنه» ، ومن قرأ «إنّه» بالكسر فالتقدير عنده قال صرت مؤمنا ثم استأنف «إنه» ، وزعم أبو حاتم أنّ القول محذوف (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ابتداء وخبر ، وقد ذكرنا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن جبرائيل صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه جعل في فيه الطين ، وتأويل هذا ـ والله أعلم ـ أنه عقوبة لعدوّ الله.

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢)

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) قال عبد الله بن شداد والضحاك فأخرج لهم ، قالا : لتكون لمن خلفك آية ليعلموا أنه ليس إلاها كما قال الأخفش سعيد : (نُنَجِّيكَ) من النّجاء والإنجاء وقال بعضهم : نرفعك على نجوة من الأرض ، قال (بِبَدَنِكَ) أي لا روح فيك ، قال : وليس قول من قال «ببدنك» بدرعك بشيء.

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) (٩٤)

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) في موضع جزم بالشرط ، والجواب (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) وقد ذكرنا معناه.

(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٧)

(وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) فأنّث كلّا على المعنى لأن المعنى ولو جاءتهم الآيات.

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٩٨)

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) قال الأخفش والكسائي : أي فهلّا. قال الفراء (١) : وفي حرف أبيّ (فهلا) لأن معناه أنهم لم يؤمنوا وقال غيره : المعنى فلم تكن قرية آمنت بمن

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ٤٨٩.

١٥٧

حقّت عليهم كلمات ربّك أي أهل قرية (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) نصبت لأنه استثناء ليس من الأول أي لكن قوم يونس. هذا قول الكسائي والأخفش والفراء وأنشد سيبويه (١) : [الكامل]

٢٠٣ ـ من كان أسرع في تفرّق فالج

فلبونه جربت معا وأغدّت (٢)

إلّا كناشرة الّذي ضيّعتم

كالغصن في غلوائه المتنبّت (٣)

ويجوز إلّا قوم يونس بالرفع وأنشد سيبويه : [الرجز]

٢٠٤ ـ وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس (٤)

ورفعه عند سيبويه من جهتين : إحداهما أن يكون الأول توكيدا ، والجهة الأخرى أن يجعل اليعافير والعيس أنيسها. ومن أحسن ما قيل في الرفع ما قاله أبو إسحاق قال : يكون المعنى غير قوم يونس فلمّا جاء بإلّا أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غيركما قال : [الوافر]

٢٠٥ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان (٥)

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٩٩)

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ) توكيد لمن (جَمِيعاً) عند سيبويه نصب على الحال.

__________________

(١) البيتان لعنز بن دجاجة في الكتاب ٢ / ٢٦٨ ، ولعنز أو لمعاوية بن كاسر المازني في شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٧٢ ، ولشهاب المازني في الأزهيّة ص ١٧٦ ، ولكابية بن حرقوص بن مازن في خزانة الأدب ٦ / ٣٦٢ ، وبلا نسبة في رصف المباني ٢٠٣ ، وسرّ صناعة الإعراب ٣٠٢ ، وشرح اختيارات المفضل ٥٣٧ ، ولسان العرب (نبت) ، والمقتضب ٤ / ٤١٦ ، والثاني بلا نسبة في الحيوان ٦ / ٥٠٠.

(٢) في الكتاب (أشرك) بدل أسرع.

وفالج : هو فالج بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم ، أساء إليه بعض بني مازن فدعا الشاعر عليهم مستثنيا منهم رجلا يدعى (ناشرة) لأنه لم يرض عن إساءة بني مازن لفالج. واللبون : ذوات اللبن.

وأغدّت : صارت فيها الغدة وهي كالذبحة تعتري البعير.

(٣) الغلواء : النماء والارتفاع. والمتنبّت : المنمّى والمغذّى.

(٤) مرّ الشاهد رقم ١١٠.

(٥) الشاهد لعمرو بن معديكرب في ديوانه ١٧٨ ، والكتاب ٢ / ٣٥٠ ، ولسان العرب (ألا) ، والممتع في التصريف ١ / ٥١ ، ولحضرمي بن عامر في تذكرة النحاة ص ٩٠ ، وحماسة البحتري ١٥١ ، والحماسة البصرية ٢ / ٤١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٦ ، والمؤتلف والمختلف ٨٥ ، ولعمرو أو الحضرمي في خزانة الأدب ٣ / ١٤٢١ ، والدرر ٣ / ١٧٠ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ١٨٠ ، وأمالي المرتضى ٢ / ٨٨ ، والجنى الداني ٥١٩ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٢١ ، ورصف المباني ٩٢ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٣٤ ، وشرح المفصل ٢ / ٨٩ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٢ ، والمقتضب ٤ / ٤٠٩.

١٥٨

(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (١٠٠)

(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) أي العذاب (عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أي لا يعقلون أمر الله جلّ وعزّ وهم الكفار.

(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠١)

(وَما تُغْنِي) في موضع رفع حذفت الضمة من الياء لثقلها وحذفت الياء من اللفظ لالتقاء الساكنين وكذا (نُنَجِّيكَ) في موضع رفع «وما» في موضع نصب بيعني وهو اسم تام.

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٤)

(فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) مرفوع بالمضارعة ، وكذا (أَعْبُدُ اللهَ).

(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (١٠٩)

(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ابتداء وخبر لأنه جلّ وعزّ لا يحكم إلّا بالحقّ ، وروي عن طلحة والأعمش وعاصم (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : ٩٨] بكسر النون وكذا «يوسف» بكسر السين. قال أبو حاتم : يجب إذا كسروا أن يهمزوا لأنهم يتوهّمونه من آنس يؤنس وآسف يؤسف. قال : وقال أبو زيد : بعض العرب يقول يونس ويوسف.

١٥٩

(١١)

شرح إعراب سورة هود عليه السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١)

قال أبو جعفر : يقال : هذه هود فاعلم بغير تنوين على أنه اسم للسورة لأنك لو سمّيت امرأة بزيد لم تصرف هذا قول الخليل وسيبويه (١) ، وعيسى يقول : هذه هود فاعلم بالتنوين على أنه اسم للسورة وكذلك لو سمّى امرأة بزيد لأنه لمّا سكن وسطه خفّ فصرف فإن أردت الحذف صرفت على قول الجميع فقلت : هذه هود فاعلم تريد هذه سورة هود. قال سيبويه : والدليل على هذا أنك تقول : هذه الرحمن فلو لا أنك تريد سورة الرحمن ما قلت هذه. (كِتابٌ) بمعنى هذا كتاب (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) في موضع رفع نعت لكتاب وأحسن ما قيل في معنى «أحكمت» جعلت محكمة كلّها لا خلل فيها ولا باطل وفي (ثُمَّ فُصِّلَتْ) آياته جعلت متفرّقة ليتدبّر (مِنْ لَدُنْ) في موضع خفض إلّا أنها مبنيّة على السكون لأنها غير متمكّنة وما بعدها مخفوض بالإضافة ، وحكى سيبويه (٢) : لدن غدوة يا هذا لمّا كان يقال : لد ، كما أنشد سيبويه : [الرجز]

٢٠٦ ـ من لد شول فإلى إتلائها (٣)

صارت النون مثلها في عشرين فنصبت ما بعدها (حَكِيمٍ) أي في أفعاله (خَبِيرٍ) أي بمصالح خلقه.

(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) (٢)

(أَلَّا) قال الكسائي والفراء (٤) : أي بأن لا وقال أبو إسحاق المعنى لئلا (تَعْبُدُوا) نصب بأن.

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (٣)

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ٢٦٥.

(٢) انظر الكتاب ١ / ٩٢.

(٣) مرّ الشاهد رقم ٧٢ «من لد شولا».

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣.

١٦٠