تراثنا ـ العددان [ 75 و 76 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 75 و 76 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

١

محتويات العدد

* تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (٢٥).

................................................... السيّد علي الحسيني الميلاني ٧

* عدالة الصحابة (١٢).

.......................................................... الشيخ محمّد السند ٦٠

* زواج اُم كلثوم .. قراءة في نصوص زواج عمر من اُم كلثوم بنت عليّ عليه السلام (١).

..................................................... السيّد علي الشهرستاني ١٠٨

* تجلّيات الزهد في «نهج البلاغة».

................................. كاظم حمد المحراث ـ جامعة واسط / العراق ١٥٨

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (١٥).

........................................ السيّد عبدالعزيز الطباطبائي قدّس سرّه ١٩٤

٢

* مصطلحات نحوية (٢٤).

...................................................... السيّد علي حسن مطر ٢٤٨

* من ذخائر التراث :

* آداب المؤمنين وأخلاقهم ـ للشيخ سليمان بن محمّد الجيلاني التنكابني ، المتوفّى بعد سنة ١١٢٥ هـ.

............................................ تحقيق : الشيخ محمّد مشكور ٢٦٧

* أضواء الدرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي ـ للشيخ حسن بن محمّد بن علي المهلّبي ، المتوفّى سنة ٨٤٠ هـ.

......................................... تحقيق : الشيخ أحمد المحمودي ٣٥١

* من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير ٤٢٧

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة «آداب المؤمنين وأخلاقهم» للشيخ سليمان بن محمّد الجيلاني التنكابني ، المتوفّى بعد سنة ١١٢٥ هـ ، المنشورة في هذا العدد ، ص ٢٦٧ ـ ٣٥٠.

٣
٤

٥
٦

تشييد المـراجَعـات

وتفنيد المكابَـرات

(٢٥)

السيّد عليّ الحسـيني الميلاني

المراجـعة (٦٦)

عليٌّ وارث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

قال السيّد ـ رحمه الله ـ :

«لا ريب في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قد أورث عليّاً من العلم والحكمة ، ما أورث الأنبياء أوصياءهم ، حتّى قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ الباب (١).

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنا دار الحكمة وعليّ بابها.

وقال : عليّ باب علمي ، ومبيّن من بعدي لأُمّتي ما أُرسلت به ، حبّه إيمان ، وبغضه نفاق. الحديث.

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم ، في حديث زيد بن أبي أوفى (٢)

____________

(١) اوردنا هذا الحديث والحديثين اللذين بعده في المراجعة ٤٨ ، ودونك من تلك المراجعة الحديث ٩ والحديث ١٠ والحديث ١١ ، فراجع ولا تغفل عما علقناه ثمة.

(٢) اوردناه في المراجعة ٣٢.

٧

وأنت أخي ووارثي ، قال : وما أرث منك؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ما ورث الأنبياء من قبلي.

ونصّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، في حديث بريدة (١) على أنّ وارثه عليّ بن أبي طالب.

وحسبك حديث الدار يوم الإنذار.

وكان علي يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : والله إنّي لأخوه ، ووليّه ، وابن عمّه ، ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي (٢)؟

وقيل له مرّةً : كيف ورثت ابن عمّك دون عمّك؟ فقال : جمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بني عبد المطلب وهم رهط ، كلّهم يأكل الجذعة ، ويشرب الفرق ، فصنع لهم مدّاً من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا ، وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يُمس ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا بني عبد المطلب ، إنّي بُعثت إليكم خاصّة ، وإلى الناس عامّة ، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي ، وصاحبي ، ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ، وكنت من أصغر القوم ، فقال لي : اجلس ، ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس ، حتّى كان في الثالثة ، ضرب بيده على يدي ، فلذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي (٣).

____________

(١) راجعه في المراجعة ٦٨.

(٢) هذه الكلمة بعين لفظها ثابتة عن علي ، اخرجها الحاكم في صفحة ١٢٦ من الجزء ٣ من المستدرك بالسند الصحيح عي شرط البخاري ومسلم ، واعترف الذهبي في تلخيصه بذلك.

(٣) هذا الحديث ثابت ومستفيض ـ اخرجه الضياء المقدسيي في المختارة ، وابن جرير في تهذيب الاثار ، وهوالحديث ٦٢٥٥ في صفحة ٤٠٨ من الجزء٦ من كنز

٨

وسئل قثم بن العبّاس ـ في ما أخرجه الحاكم في المستدرك (١) ، والذهـبي في تلخيصه ، جازمين بصحّته ـ فقيل له : كيف ورث عليّ رسول الله دونكم؟

فقال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً.

قلت : كان الناس يعلمون أنّ وارث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، إنما هو علي ، دون عمّه العبّاس وغيره من بني هاشم ، وكانوا يرسلون ذلك إرسال المسلمّات ، كما ترى ، وإنّما كانوا يجهلون السبب في حصر ذلك التراث بعليّ ، وهو ابن عمّ النبي دون العبّاس ، وهو عمّه ، ودون غيره من بني أعمامه وسائر أرحامه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولذلك سألوا عليّاً تارة ، وقثماً أُخرى ، فأجابهم بما سمعت ، وهو غاية ما تصل إليه مدارك أولئك السائلين ، وإلاّ فالجواب : إنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى أهل الأرض فاختار منهم محمّداً فجعله نبيّاً ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار عليّاً ، فأوحى إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم : أن يتّخذه وارثاً ووصيّاً.

قال الحاكم ـ في ص ١٢٥ ج ٣ من المستدرك ، بعد أن أخرج عن قثم ما سمعته ـ : حدّثني قاضي القضاة أبو الحسن محمّد بن صالح الهاشمي ، قال : سمعت أبا عمر القاضي ، يقول : سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي ، يقول : وقد ذكر له قول قثم هذا ، فقال : إنّما يرث الوارث بالنسب ، أو

____________

العمال ، واخرجه النسائي في ص ١٨ من الخصائص العلوية ، ونقله ابن ابي الحديد عن تاريخ الطبري في اواخر شرح الخطبة القاصعة ص ٢٥٥ ج ٣ من شرح النهج ، ودونك ص ١٥٩ ج ١ من مسند الامام احمد بن حنبل ، تجد الحديث بالمعني.

(١) ص ١٢٥ ج ٣ ، واخرجه ابن ابي شبية ايضا ، وهو الحديث ٦٠٨٤ في ص ٤٠٠ ج ٦ من كنز العمّال.

٩

بالولاء ، ولا خلاف بين أهل العلم أن ابن العمّ لا يرث مع العمّ (قال) فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ عليّاً ورث العلم من النبي دونهم. انتهى.

قلت : والأخبار في هذا متواترة ، ولا سيّما من طريق العترة الطاهرة. وحسبنا الوصيّة ونصوصها الجليّة».

فقيل :

«زعم الموسوي أنّ عليّاً وارث النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، وفسّر الوراثة هنا بالخلافة من بعده ، واستدلّ على ذلك بأحاديث.

١ ـ «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ، و «أنا دار الحكمة وعليّ بابها». لقد سبق الكلام ببيان ضعفهما في ردّنا على المراجعة رقم ٤٨. وقال الذهبي في تلخيصه : «موضوع».

٢ ـ حديث : «أنت أخي ووارثي ...».

لقد سبق الكلام عليه في الردّ على المراجعة رقم ٣٢ ، وبيّنا أنه لا خصوصيّة في ذلك لعليّ رضي الله عنه ، لأنّ الصحابة كلّهم قد ورثوا عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم الكتاب والسنّة ، حالهم في ذلك حال عليّ رضي الله عنه.

٣ ـ أمّا حديث بريدة : «لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ... الحديث» ، فهو حديث ضعيف بسبب محمّد بن حميد الرازي ، وسيأتي الكلام عليه في المراجعة رقم ٦٨.

أمّا قول عليّ في حياة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «والله إنّي لأخوه ووليه وابن عمّه ووارث علمه فمن أحقّ به منّي».

فجوابه أنّ الموسوي قد اجتزأ هذا الجزء من كلام عليّ رضي الله

١٠

عنه ، فأوهم القارئ بأنّه حديث مستقلّ ، وجعله دليلاً على مذهبه ، وحَمَّله ما لا يحتمل ، وهذا ديدن الرافضة مع كلّ دليل.

والرواية التي في المستدرك تؤكّد هذه الحقيقة ، وتوضّح أنها لا تصلح دليلاً على مذهب هذا الرافضي.

ونصّ الرواية في المستدرك ٣ / ١٢٦ : «عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، قال : كان عليّ يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إنّ الله يقول : (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (١) والله لا ننـقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتّى أموت ، والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي».

إنّ من أمعن النظر في هذه الرواية يجد أنّ الإمام عليّ رضي الله عنه يصرّح بإيمانه الذي لا يتزعزع ، وثباته على الحقّ الذي جاء به النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، وأنّه لن يتخلّى عنه في حياة النبيّ ولا في مماته ، وأنّه سيدفع عن هذا الدين ويقاتل دونه بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، كما هو الحال في حياته عليه الصلاة والسلام ، متمثّلاً الآية التي ساقها أوّل كلامه ، وأنّه أوْلى من غيره في هذا كلّه ، لِما بينه وبين النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من صلات تميّزه عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

ولو سلّمنا بدعوى الموسوي في هذا الخبر عن عليّ ، للزم من ذلك تخاذل عليّ عن قتال الشيخين أبي بكر وعمر عندما وليا الخلافة قبله ، وكذا

____________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

١١

عثمان رضي الله عنه. فتأمّل هذا.

٥ ـ أمّا حديث : «جمع رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بني عبد المطلب وهم رهط ...».

فقد مضى الحديث عليه في الردّ على المراجعة رقم ٢٠ ، وبيّنّا كذبه. أمّا ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن شريك بن عبد الله ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت قثم بن العبّاس كيف ورث عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دونكم ، قال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً.

فليس فيه وجه استدلال على مدّعى الموسوي بحال ، لأنّ المقصود بالميراث هنا إنّما هو ميراث العلم فقط ، ولا يصحّ حمله على المال ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» ، ولو جاز ذلك فليس لعليّ من ميراث النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم شيئاً لأنّه محجوب بعمّه العبّاس.

كما لا يصحّ حمله على الولاية والخلافة من بعده ، لأنّها لا تُستحقّ بالوراثة بالاتّفاق.

فإذا لم يصحّ حمله على الوجهين السابقين ، كان لا بُدّ من حمله على الوراثة في العلم ، ويؤيّد هذا الرواية الأُخرى التي أخرجها الحاكم ٣ / ١٢٥ : «إنّما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ، ولا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العمّ لا يرث مع العمّ ، فقد ظهر بهذا الاجماع أنّ عليّاً ورث العلم من النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم دونهم».

وعند ذلك لا تكون هذه صفة خاصّة بعليّ رضي الله عنه ، بل كلّ أصحابه حصل له نصيب من العلم بحسبه ، فقد يرث الواحد من الناس من العلم ما ورثه الآخر ، وقد يزيد عليه ، كعليّ بن أبي طالب ، حيث ورث من

١٢

العلم أكثر ممّا ورثه غيره من آل البيت ، بحسب منطوق هذه الروايات».

أقول :

أمّا أنّ عليّاً عليه السلام وارث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فهذا هو المدّعى في هذه المراجعة ، وعلينا إثباته.

وأمّا أنّ السيّد ـ رحمه الله ـ «فسّر (الوارث) هنا بـ (الخلافة من بعده)» فهذه دعوى عليه ، ولم نجد في كلامه هذا التفسير ...

غير أنّ العِلم من الشروط الأساسية في الخليفة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند الفريقين ; لأنّ أهل السنّة ـ وأنْ أوكلوا أمر الإمامة والخلافة بعد النبيّ إلى الأُمّة ـ قد اشترطوا في الخليفة المختار أنْ يكون عالماً ..

قال في شرح المواقف : «المقصد الثاني ، في شروط الإمامة : الجمهور على أنّ أهل الإمامة ومستحقّها مَن هو مجتهد في الأُصول والفروع ، ليقوم بأُمور الدين متمكّناً من إقامة الحجج ، وحلّ الشُبه في العقائد الدينية ، مستقلاًّ بالفتوى في النوازل والأحكام الوقائع ، نصّاً واستنباطاً ; لأنّ أهم مقاصد الإمامة : حفظ العقائد ، وفصل الحكومات ، ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط» (١).

فهل كان عليّ الواجد لهذا الشرط ، حتّى يكون أهلاً للإمامة والخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أو غيره؟!

____________

(١) شرح المواقف ٨ / ٣٤٩.

١٣

يقول السيّد ـ رحمه الله ـ :

«لا ريب في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أورث عليّاً من العلم والحكمة ، ما أورث الأنبياء أوصياءهم ، حتّى قال ...» واستشهد بالأحاديث من كتب أهل السُنّة :

١ و ٢ ـ حديث : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، وحديث : أنا دار الحكمة وعليّ بابها.

وقد تقدَّم منّا مجمل الكلام على هذين الحديثين ـ في المراجعة ٤٨ ـ وذكرنا هناك أسماء جماعة من الأئمّة والحفّاظ من أهل السنّة ، الّذين أخرجوهما في كتبهم بأسانيدهم ، وأثبتنا صحّتها عندهم باعتراف غير واحد منهم.

وقول المفتري : «قال الذهبي في تلخيصه : موضوع».

يَردّه : إنّه قد أخرج الحاكم حديث : «أنا مدينة العلم» بأسانيد (١) ، فأخرجه أوّلاً بسنده عن أبي الصّلت عبد السلام بن صالح : «ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله ...».

ثمّ قال : «وأبو الصلت ثقة مأمون ، فإنّي سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب في التاريخ يقول : سمعت العبّاس بن محمّد الدوري يقول : سألت يحيى بن معين عن أبي الصّلت الهروي؟ فقال : ثقة. فقلت : أليس قد حدّث عن أبي معاوية ، عن الأعمش : أنا مدينة العلم؟ فقال : قد حدّث به محمّد بن جعفر الفيدي ، وهو ثقة مأمون ...».

____________

(١) المستدرك علي الصحيحين ٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧ كتاب معرفة الصحابة.

١٤

فأقول :

أوّلاً : قد ظهر أنّ النزاع في هذا الحديث بهذا السند ، يعود إلى الخلاف في «أبي الصّلت» ، والحاكم قد وثّقه ، ثمّ استشهد بتوثيق يحيى بن معين.

وثانياً : إنّ جرح الذهبي لا يصلح لأنْ يعارض توثيق يحيى بن معين ، وذلك لوجوه :

١ ـ إنّ يحيى بن معين عندهم من أئمّة الجرح والتعديل ، وقد ترجم له الذهبي نفسه فوصفه بـ : «الإمام الحافظ الجهبذ ، شيخ المحدّثين ... أحد الأعلام ...» وذكر عن الأئمّة في حقّه ما لم يرد في حقّ غيره (١).

٢ ـ إنّ ابن معين كان معاصراً لأبي الصّلت ، فيكون توثيقه شهادةً حسّـية منه له ; فلا يعارضها كلام من تأخّر عنه بقرون ، عن اجتهاد من عنده!

٣ ـ وليته تكلّم فيه عن اجتهاد مبنيّ على أصل ولو فاسد! لكنّه يتكلّم في الرجال تبعاً لهواه ، كما نصّ على ذلك تلميذه السبكي بترجمته من الطبقات .. حتّى قال الحافظ ابن حجر في اللسان بترجمة علي بن صالح الأنماطي متعقبّاً كلام الذهبي فيه : «فينبغي التثبّت في الّذين يضعّفهم المؤلّف من قبله» (٢).

وثالثاً : قد أخرج الحاكم الحديث بسنده عن محمّد بن جعفر الفيدي : «ثنا أبو معاوية ...» ، ثمّ قال مؤكّداً على صحّة الحديث : «ليعلم

____________

(١) سير اعلام النبلاء١١ / ٧١.

(٢) لسان الميزان ٤ / ٢٧٥.

١٥

المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ».

أقول :

فهذا السند ليس فيه «أبو الصّلت» ، وراويه : «الحسين بن فهم» وثّقه الحاكم ، وهو حافظ كبير ، من تلامذة يحيى بن معين ، وأمّا «الفيدي» فهو من مشايخ البخاري في صحيحه ، كما ذكر الحافظ وغيره (١).

وهذا السند لم يتكلّم عليه الذهبي في تلخيصه بشيء ، فهو موافق للحاكم فيه ... والحمد لله.

ورابعا : قال الحاكم بعد ذلك : «ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري ، بإسناد صحيح» فأخرجه بإسناده عن الثوري : «عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ الباب».

وأخرج بالإسناد المذكور : قال جابر : «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو آخذ بضبع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ـ وهو يقول : هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منَصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثمّ مدّ بها صوته» ، فقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» (٢).

لكنّ الذهبي تكلّم في «أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّاني».

____________

(١) تهذيب التذهيب ٩ / ٨٤.

(٢) المستدرك علي الصحيحين ٣ / ١٢٩.

١٦

قلت :

ورواية مثل هذا الحديث لا تتحمّله النفوس الأُمويّة ، فحقّ لها أن تطعن راويها.

والمهمُّ : إنّ الحاكم قد أخرج حديث : «أنا مدينة العلم» بأسانيد صحيحة ، وقد وافقه الذهبي على واحد منها ..

فنقول للمفتري :

إنْ كنت مقلِّداً للذهبي ، فإنّه قد وافق الحاكم على سند وخالفه على آخر ، فلماذا أخذت بالمخالفة وسكتَّ عن الموافقة؟

وإن كنت من أهل العلم والتحقيق ، فكان عليك النظر في أسانيد الحديث ودراستها ، ومراجعة كلمات أعلام الفنّ منكم فيها ، كـ : الحافظ جلال الدين السيوطي ، والحافظ العلائي ، والحافظ ابن حجر ، وغيرهم ، الّذين ردّوا بشدّة على القول بوضعه (١).

ثمّ تتخذّ الرأي الصحيح ..

ولكنّك ـ وللأسف ـ رجل جاهلٌ مفتر!!

ثمّ إنّ في هذا المفتري خيانة وتدليساً آخر ، فقد وضع قول الذهبي : «موضوع» بعد الحديثين ، والحال أنّه قال ذلك في حديث : «أنا مدينة العلم» فقط ، وبالنسبة إلى أحد طرقه كما عرفت ، وأمّا حديث : «أنا دار الحكمة» فلم يقل الذهبي ذلك فيه ، كيف؟ وقد أخرجه الترمذي وحسّنه ،

____________

(١) اللالي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٤.

١٧

والطبري وصحّحه ، وأخرجه جماعة من الأئمّة ولم يتكلّموا عليه بشيء ، كما تقدّم في المراجعة ٤٨ ; فراجع.

٣ ـ حديث : «عليّ باب علمي ...».

وهذا الحديث قد أغفله المفتري هنا ، فلم يتكلّم عليه بشيء.

أمّا في المراجعة ٤٨ ـ حيث أورده السيّد برقم ١١ ، وأورد بعده الحديث : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ عليه السلام : «أنت تبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي» ـ فقد قال : «١١ ، ١٢ ـ عليّ باب علمي ... الحديث. موضوع ، ذكره الذهبي في ترجمة ضرار بن صرد بلفظ : «عليّ عيبة علمي» ، وقال فيه البخاري : متروك ، وقال يحيى بن معين : كذّابان بالكوفة ، هذا وأبو نعيم النخعي. وكذا حديث رقم ١٢ : «أنت تبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه من الحقّ» ذكره الذهبي في ترجمة ضرار بن صرد. المستدرك ٣ / ١٢٢».

هذا نصّ كلام هذا الرجل هناك ..

فنقول :

أمّا الحديث : «عليّ باب علمي ...» فقد رواه السيّد عن كنز العمّال عن الديلمي ، عن أبي ذر ، وقد أورده الحافظ السيوطي في سياق أحاديث «أنا مدينة العلم» وغيره ; إذ قال : «وبقي للحديث طرق» ، فأورد بعض الأحاديث ، وكان من جملتها : «وقال الديلمي : أنبأنا أبي ، أنبأنا الميداني ، أنبأنا أبو محمّد الحلاّج ، أنبأنا أبو الفضل محمّد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد ابن عبيد الثقفي ، حدّثنا محمّد بن علي بن خلف العطّار ، حدّثنا موسى بن

١٨

جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، حدّثنا عبد المهيمن بن العبّاس ، عن أبيه ، عن جدّه سهل بن سعد ، عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «عليّ باب علمي ومبيّنٌ لأُمّتي ما أُرسلت به من بعدي ، حبّه إيمان وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة» (١).

ورواه السيوطي كذلك في كتابه في مناقب أمير المؤمين عليه السلام ، الذي أسماه بـ : القول الجليّ في فضائل عليّ (٢).

كما رواه جماعة عن الديلمي ، عن أبي ذرّ باللفظ المذكور.

ولم أجد كلاماً من أحد منهم فيه.

وأمّا الحديث : «عليّ عيبة علمي» ، فحديثٌ آخر ، والخلط بينهما تدليس وخيانة .. هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّ هذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم الأصفهاني ، وابن عساكر الدمشقي ، وغيرهما من الأعلام ، وقال المناوي بشرحه : «قال ابن دريد : وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه بأُموره الباطنة ، التي لا يطّلع عليها أحد غيره ، وذلك غاية في مدح عليّ ، وقد كانت ضمائر أعدائه منطويةً على اعتقاد تعظيمه. وفي شرح الهمزية : إنّ معاوية كان يرسل يسأل عليّاً عن المشكلات فيجيبه ، فقال أحد بنيه : تجيب عدوّك؟ قال : أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا؟» (٣).

وثالثاً : إنّ الأصل في ذكر هذا الحديث بترجمة ضرار بن صُرد هو

____________

(١) اللالي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة ١ / ٣٣٥.

(٢) القول الجلي في فضائل علي : الحديث رقم ٣٨.

(٣) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤ / ٣٥٦.

١٩

ابن عدي ، وقد تبعه الذهبي في الميزان (١) ، قال ابن عدي : «حدّثنا أحمد ابن حمدون النيسابوري ، حدّثنا ابن بنت أبي أُسامة ـ هو جعفر بن هذيل ـ حدّثنا ضرار بن صرد ، حدّثنا يحيى بن عيسى الرملي ، عن الأعمش ، عن عباية ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، قال : عليّ عيبة علمي.

قال الشيخ : وضرار بن صرد هذا من المعروفين بالكوفة ، وله أحاديث كثيرة ، وهو في جملة من ينسب إلى التشيّع بالكوفة» (٢).

لكنّ الذهبي لم يذكر كلمة ابن عدي هذه في الرجل!

ورابعاً : لقد اختلفت كلمات القوم في ضرار بن صرد ; قال المزّي : «روى عنه البخاري في كتاب أفعال العباد» ، ثمّ ذكر أسماء الرواة عنه من كبار الأئمّة : كـ : أبي حاتم الرازي ، وأبي زرعة الرازي ، ومحمّد بن عثمان ابن أبي شيبة ، ومحمّد بن عبد الله مطيّن ، وأبي بكر زهير بن حرب ، وحنبل بن إسحاق ... وأمثالهم.

قال : «وقال أبو حاتم : صدوق ، صاحب قرآن وفرائض ، يكتب حديثه ولا يحتّج به ، روى حديثاً عن معتمر ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أنس ، عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، في فضيلة لبعض الصحابة ، ينكرها أهل المعرفة بالحديث» (٣).

فنقول للذهبي ولمن يأخذ بقوله هنا لأنّه يوافق هواه :

* لقد ذكرتَ بترجمة أبي حاتم الرازي أنّه إن وثّق أحداً فتمسّك

____________

(١) ميزان الاعتدال ٢ / ٣٢٧.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال ٥ / ١٦١.

(٣) تهذيب الكمال في اسماء الرجال ١٣ / ٣٠٥.

٢٠