تراثنا ـ العددان [ 71 و 72 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 71 و 72 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٨

عليهم واللهُ عليمٌ حكيمٌ) (١) ..

فالآية الأُولى من البراءة تحدّده بالاعتراف بالذنوب ، وهذا نوع ونمط من التوبة والإيمان بالحقّ والإعراض عن الضلال.

ووردت أيضاً روايات عديدة في تحديده :

في رواية ابن الطيّار عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن المستضعف ، فقال : «هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ، ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان فيؤمن ، لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر ، فهم الصبيان ، ومَن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان ، ومن رُفع عنه القلم» (٢).

وروى أيضاً ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : «المرجون لأمر الله قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثمّ دخلوا بعده في الإسلام ، فوحّدوا الله وتركوا الشرك ، ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة ، ولم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار ، فهم على تلك الحالة مرجون لأمر الله إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم» (٣) ..

وظاهر الرواية الثانية أنّ «المُرجأ» هو الذي أسلم ولم يؤمن ، نظير قوله تعالى : (قالت الأعرابُ آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمانُ في قلوبِكم) (٤).

____________

(١) سورة التوبة (براءة) ٩ : ١٠٦.

(٢) تفسير القمّي ١ / ١٤٩ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٥٧ ح ١.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٥٧.

(٤) سورة الحجرات ٤٩ : ١٤.

١٢١

وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : «الناس على ستّ فرق : مستضعف ، ومؤلّف ، ومرجى ، ومعترف بذنبه ، وناصب ، ومؤمن» (١).

وروى عبد الغفّار الجازي عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : «إنّ المستضعفين ضروب يخالف بعضهم بعضاً ، ومَن لم يكن من أهل القبلة ناصباً فهو مستضعف» (٢) ..

وهذه الرواية تبيّن أنّ القصور على درجات عديدة ، شـدّة وضعفاً ، وهو هكذا عقلاً ، والضابطة فيه : أن لا يكون ناصباً ، وهي تشير إلى اشتراط انتفاء درجات نصب العداء التي قد فسّرت في روايات عديدة بأنّ منها : معاداة الشيعة لكونهم أتباع أهل البيت عليهم السلام ، ومنها : تولّي أصحاب السقيفة والائتمام بهم ، ومنها : بغض أهل البيت قلباً وإن لم يكن لساناً ، ومنها : إنكار وجحد فضائل أهل البيت عليهم السلام ، وستأتي الروايات في ذلك.

وفي رواية سفيان بن السمط ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : ما تقول في المستضعفين؟ فقال لي شبهاً بالمفزّغ : «وتركتم أحداً يكون مستضعفاً؟! وأين المستضعفون؟! فو الله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهنّ ، وتحدّث به السقايات بطرق المدينة» (٣).

وروى عمرو بن إسحاق ، قال : سئل أبو عبدالله عليه السلام : ما حدّ المستضعف الذي ذكره الله عزّ وجلّ؟ قال : «مَن لا يحسن سورة من القرآن وقد خلقه الله عزّ وجلّ خلقة ما ينبغي له أن لا يحسن» (٤) ؛ والحدّ في هذه

____________

(١) الخصال : ٣٣٣ ح ٣٤ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٥٨ ح ٤.

(٢) معاني الأخبار : ٢٠٠ ح ١ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٥٩ ح ٨.

(٣) معاني الأخبار : ٢٠١ ح ٦ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦٠ ح ١١.

(٤) معاني الأخبار : ٢٠٢ ح ٧ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦٠ ح ١٢.

١٢٢

الرواية من هو متخلّف عقلياً.

وفي رواية حمران ، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (إلاّ المستضعفين)؟ قال : «هم أهل الولاية» ، قلت : وأي ولاية؟! فقال : «أما إنّها ليست بولاية في الدين ولكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة ، وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار ، وهم المرجون لأمر الله عزّ وجلّ» (١) َـ.

وروى سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان) .. الآية؟ قال : «يا سليمان! في هؤلاء المستضعفين مَن هو أثخن رقبة منك ، المستضعفون قوم يصومون ويصلّون ، تعفّ بطونهم وفروجهم ، لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا [غيرها] آخذين بأغصان الشجرة ، (فأُولئك عسى الله أن يعفوَ عنهم) ؛ إذ كانوا آخذين بالأغصان وإن لم يعرفوا أُولئك ، فإن عفى عنهم فبرحمته ، وإن عذّبهم فبضلالتهم عمّا عرّفهم» (٢) ..

وعلى نسخة : «غيرها» ؛ يكون المعنى : لا يرون أنّ الحقّ في غير الأعمال الصالحة ، كالصوم والصلاة والعفّة ، ولا يعرفون حقائق الإيمان والولاية ، فعسى أن يعفو الله تعالى عنهم بأخذهم بتلك الأعمال وبعد امتحانهم ـ كما تقدّم في مستفيض الروايات ـ وإن لم يعرفوا أُولئك أصحاب السقيفة بالباطل ، فإن عفى عنهم بعد الامتحان فبرحمته ، وإن عذّبهم فبضلالتهم عن حقيقة الإيمان التي عرّفها لهم ، ومَن هو أثخن رقبة منك ،

____________

(١) مرّت تخريجات الحديث في ص ١٠٦.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٢٧٠ ح ٢٥٠ ، معاني الأخبار : ٢٠٢ ح ٩ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦١ ح ١٤.

١٢٣

أي الساذج البله ..

وعلى نسخة : «غيرنا» ؛ أي : لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا ، ولكنّهم لم يعرفوا أصحاب السقيفة بالباطل ، فلديهم تولّي ولكن ليس لديهم تبرّي.

وفي موثّق سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن المستضعفين؟ فقال : «البلهاء في خدرها والخادم تقول لها : صلِّ فتصلّي لاتدري إلاّ ما قلت لها ، والجليب المجلوب ، وهو الخادم الذي لا يدري إلاّ ما قلت له ، والكبير الفاني ، والصبي الصغير ، هؤلاء المستضعفين ، فأمّا رجل شديد العنق ، جدل خصم ، يتولّى الشراء والبيع ، لا تستطيع أن تغبنه في شيء تقول : هذا مستضعف؟! لا ولا كرامة» (١).

وروى الصدوق عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : «مَن عرف الاختلاف فليس بمستضعف» (٢) ، وفي رواية أبي بصير : «مَن عرف اختلاف الناس ...» (٣).

وفي رواية سليم بن قيس في جواب أمير المؤمنين عليه السلام للأشعث بن قيس ؛ قال الأشعث ـ رأس الفتنة ـ : والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت الأُمّة غيرك وغير شيعتك؟!

قال : «فإنّ الحقّ والله معي يا ابن قيس كما أقول ، وما هلك من الأُمّة إلاّ الناصبين والمكابرين والجاحدين والمعاندين ، فأمّا من تمسّك بالتوحيد والإقرار بمحمّد والإسلام ، ولم يخرج من الملّة ، ولم يظاهر علينا الظلمة

____________

(١) تفسير العيّاشي ١ / ٢٧٠ ح ٢٥١ ، معاني الأخبار : ٢٠٣ ح ١٠ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦١ ح ١٥.

(٢) معاني الأخبار : ٢٠٠ ح ٢ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦٢ ح ١٧.

(٣) معاني الأخبار : ٢٠١ ح ٣ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٦٢ ح ١٨.

١٢٤

ولم ينصب لنا العداوة ، وشكّ في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ، ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة ، فإنّ ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويُتخوّف عليه ذنوبه» (١) ..

فذكر عليه السلام للمستضعف تسعة قيود لفظاً قد ترجع خمسة منها إلى أن لا يتوالى أعداء أهل البيت ، والغاصبين للخلافة ، ويكون شاكّاً ، ولا يظاهر عليهم النصّاب.

وروى في مستطرفات السرائر مسائل محمّد بن على بن عيسى مكاتبة لمولانا أبي الحسن الهادي عليه السلام ، قال : كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما؟! فرجع الجواب : «مَن كان على هذا فهو ناصب» (٢).

وروى في العلل ، بسنده إلى عبدالله بن سنان ، عن الصادق عليه السلام ، قال : «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ؛ لأنّك لا تجد رجلاً يقول : أنا أبغض محمّداً وآل محمّد ، ولكنّ الناصب مَن نصب لكم وهو يعلم أنّكم تتولّونا وأنّكم من شيعتنا» (٣).

وروى المعلّى بن الخنيس ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : «ليس الناصب مَن نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد أحداً يقول : أنا أبغض محمّداً وآل محمّد ، ولكنّ الناصب مَن نصب لكم وهو يعلم أنّكم تتولّونا وتتبرؤون من أعدائنا» (٤).

____________

(١) كتاب سليم بن قيس الكوفي ٢ / ٦٧٠ ضمن ح ١٢ ، بحار الأنوار ٧٢ / ١٧٠ ح ٣٦.

(٢) مستطرفات السرائر ٣ / ٥٨٣.

(٣) علل الشرائع : ٦٠١ ح ٦٠ ، طبعة النجف الأشرف.

(٤) معاني الأخبار : ٣٦٥ ح ١.

١٢٥

وروي في الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «من سرّه أن يعلم أمحبّ لنا أم مبغض؟! فليمتحن قلبه ، فإن كان يحبّ وليّاً لنا فليس بمبغض لنا ، وإن كان يبغض وليّاً لنا فليس بمحبّ لنا» (١).

وروي في تفسير العسكري عن السجّاد ـ عليهما السلام ـ قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من عبد ولا أمَة زال عن ولايتنا ، وخالف طريقتنا ، وسمّى غيرنا بأسمائنا وأسماء خيار أهلنا ، الذي اختاره الله للقيام بدينه ودنياه ، ولقّبه بألقابنا ، وهو كذلك يلقّبه معتقداً ، لا يحمله على ذلك تقّية خوف ، ولا تدبير مصلحة دين ، إلاّ بعثه الله يوم القيامة ومَن كان قد اتّخذه من دون الله وليّاً وحشر إليه الشياطين الّذين كانوا يغوونه فقال له : ياعبدي! أربّاً معي هؤلاء كنت تعبد؟! وإيّاهم كنت تطلب؟! فمنهم فاطلب ثواب ما كنت تعمل ، لك معهم عقاب إجرامك» (٢).

فيتحصّل أنّ الناصب على أقسام والمستضعف على درجات ، كلّها خارجة عن التقصير ، ولا يندرج فيه الموالي لأئمّة الضلال ، ومن ثمّ روي عنهم عليهم السلام : «الناجون من النار قليل ؛ لغلبة الهوى والضلال» (٣) ، ومفاده : في النجاة من النار ، لا النجاة من الخلود ، وبينهما بون كما مرّ.

التاسعة :

إنّ شرطية النجاة بالولاية لا تعني التواكل في العمل ، وإنّما تعني

____________

(١) الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ : ٣٣٤ ح ٤ ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : ١١٣ ح ١٧٢ ، بحار الأنوار ٢٧ / ٥٣ ح ٦.

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه السلام : ٥٧٩ ح ٣٤١.

(٣) مرّت تخريجات الحديث في ص ١١٢.

١٢٦

أهمّية الولاية وأهمّية هذا المقام التوحيدي ، فإنّ روح العمل وقوامه بالنيّة ؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّما الأعمال بالنيّات» (١) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «نيّة المؤمن خير من عمله» (٢).

وقد روى العسكري عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنّه قال لبعض أصحابه ذات يوم : يا أبا عبدالله! أحبّ في الله وأبغض في الله ، ووالِ في الله وعادِ في الله ؛ فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتّى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً» (٣).

فكما أنّ أهمّية الولاية لا تعني التفريط في العمل والتهاون فيه ، فكذلك صلاح العمل في صورته وقالبه لا يعني التفريط بالولاية والإيمان ، إذ أنّ الولاية لهم عليهم السلام هي توحيد الولاية له تعالى وإخلاص له في التولّي.

ومن ثمّ أكّدت عدّة آيات وروايات على خواء العمل بدونها ، وإنّه هباءً منثوراً ؛ قال تعالى : (مثلُ الّذين كفروا بربّهم أعمالُهم كرمادٍ اشتدّتْ به الريحُ في يومٍ عاصفٍ لا يقدرون ممّا كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضلالُ البعيد) (٤) ..

____________

(١) دعائم الإسلام ١ / ١٥٦ ، الهداية ـ للشيخ الصدوق ـ : ٦٢ ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : ٦١٨ ضمن ح ١٢٧٤.

(٢) الكافي ٢ / ٦٩ ح ٢ ، علل الشرائع : ٥٢٤ ح ١.

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه السلام : ٤٩ ضمن ح ٢٢ ، عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ / ٢٩١ ح ٤١ ، علل الشرائع : ١٤٠ ح ١ ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : ٦١ ح ٢١ ، معاني الأخبار : ٣٧ ضمن ح ٩ و ٣٩٩ ح ٥٨ ، بحار الأنوار ٢٧ / ٥٤ ح ٨.

(٤) سورة إبراهيم ١٤ : ١٨.

١٢٧

وقال : (وقدِمْنا إلى ما عمِلوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً) (١) ..

وقال : (والّذين كفروا أعمالُهم كسرابٍ بقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآنُ ماءً حتّى إذا جاءَهُ لم يجِدْهُ شيئاً) (٢) ..

وقال : (يحْسَبونَ أنّهم يُحْسِنون صُنْعاً) (٣) ..

وقال : (ويحْسَبونَ أنّهم على شيءٍ ألا إنّهم هم الكاذبون) (٤).

العاشرة :

إنّ مفاد الحديث النبوي المعروف بين الفريقـين بـ : «حديث الفرقة الناجية» هو الدعوة لتمييزها ومعرفتها كي تُتّبع ، والنهي عن اتّباع غيرها ، وعن التوقّف والتبلبل والحيرة والاضطراب ..

روى الشيخ المفيد بسنده عن سلمان رضي الله عنه ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «تفترق أُمّتي ثلاث فرق : فرقة على الحقّ لا ينقص الباطل منه شيئاً ، يحبّونني ويحبّون أهل بيتي ، مثلهم كمثل الذهب الجيّد كلّما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إلاّ جودة ، وفرقة على الباطل لاينقص الحقّ منه شيئاً ، يبغضونني ويبغضون أهل بيتي ، مثلهم مثل الحديد كلّما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إلاّ شرّاً ، وفرقة مدهدهة ، على ملّة السامري ، لا يقولون : لا مساس ، لكنّهم يقولون : لا قتال ، إمامهم عبدالله بن قيس الأشعري» (٥) ..

____________

(١) سورة الفرقان ٢٥ : ٢٣.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٣٩.

(٣) سورة الكهف ١٨ : ١٠٤.

(٤) سورة المجادلة ٥٨ : ١٨.

(٥) الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ : ٢٩ ح ٣.

١٢٨

ويشير صلى الله عليه وآله وسلم إلى اضطراب الفرقة الثالثة ، وأنّ شعارهم : «لا قتال» ، أي : لا فيصلة بين الحقّ عن الباطل ، ويمزجون المذاهب والمسارات ، مدهدهة البصيرة (١).

وروي ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام ، إلاّ أنّه وصف الفرقة المذبذبة بأنّها شـرّ الفرق ؛ فقال : «إنّ هذه الأُمّـة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحـدة منها في الجـنّة واثنتان وسبعون في النار ، وشرّها فأبغضها إلى الله وأبعـدها منه السامـرة ، الّذين يقولون : «لا قتال» وكذبوا ، وقد أمر الله عزّ وجلّ بقتال هؤلاء الباغين في كتابه وسنّّة نبيّه ، وكذلك المارقة» (٢).

وروى في كشف الغُمّة أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام قال : «قد انتحلت طوائف من هذه الأُمّة ـ بعد مفارقتها أئمّة الدين والشجرة النبوية ـ إخلاص الديانة وأخذوا أنفسهم في ضحائل الرهبانية و ... حتّى إذا طال عليهم الأمد وبعدت عليهم الشقّة وامتحنوا بمحن الصادقين رجعوا على أعقابهم ناكصين ...

وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوا بآرائهم ، واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات ودياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم من مظانّ العلم ، بتحذير مثبطين زعموا أنّهم على الرشد من غيّهم ..

وإلى مَن يفزع خلف هذه الأُمّة ، وقد درست أعلام الملّة ، ودانت

____________

(١) مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن مردويه ـ : ١٢٤ ح ١٥٧ ، بحار الأنوار ٢٨ / ٩ ـ ١٠ ح ١٢ و ١٦.

(٢) كتاب سليم بن قيس الكوفي ٢ / ٦٦٣ ضمن ح ١٢.

١٢٩

الأُمّة بالفرقة والاختلاف يكفّر بعضهم بعضاً ، والله تعالى يقول : (ولاتكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات) (١)؟! فمَن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكمة ، إلاّ أهل الكتاب وأبناء أئمّة الهدى ومصابيح الدجى؟! ...» (٢).

الحادية عشرة :

إنّ جملة من أتباع الشيخين قد ذهبوا إلى وجود النصّ من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عليهما ..

قال التفتازاني : المبحث الرابع : الجمهور على انّه (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) لم ينصّ على إمام ، وقيل : نصّ على أبي بكر (رض) نصّاً خفيّاً ، وقيل : جليّاً.

وقالت الشيعة : على عليّ (كرّم الله وجهه) خفيّاً ، والإمامية منهم : جليّاً أيضاً (٣). انتهى.

وقال في شرح كلامه السابق : ذهب جمهور أصحابنا والمعتزلة والخوارج إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لم ينصّ على إمام بعده ، وقيل : نصّ على أبي بكر ؛ فقال الحسن البصري : نصّاً خفيّاً ، وهو تقديمه إيّاه في الصلاة ، وقال بعض أصحاب الحديث : نصّاً جليّاً (٤).

ثمّ إنّ التفتازاني يناقض نفسه ؛ فمع إنكاره للقول بالنصّ يستدلّ على

____________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٠٥.

(٢) كشف الغمّة ٢ / ٩٨ ـ ٩٩ ، بحار الأنوار ٢٧ / ١٩٣ ح ٥٢.

(٣) شرح المقاصد ٥ / ٢٥٨.

(٤) شرح المقاصد ٥ / ٢٥٩.

١٣٠

إمامة أبي بكر بالنصّ!!

قال : المبحث الخامس : الإمام بعد رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أبو بكر ، وقالت الشيعة : عليّ.

لنا إجماع أهل الحلّ والعقد ... وقد يتمسّك بقوله تعالى : (قل للمخَلّفين من الأعراب ...) (١) .. الآية ، فالداعي المفترض الطاعة أبو بكر عند المفسّرين!! وعمر عند البعض!! وفيه المطلوب ، وبقوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : اقتدوا باللّذين من بعدي : أبي بكر وعمر ... ثمّ قال : يأبى الله والمسلمون إلاّ أبا بكر ... وبأنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم استخلفه في الصلاة ولم يعزله ... وهذه ظنّيات ربّما تفيد باجتماعها القطع ، مع أنّ المسألة فرعية يكفي فيها الظنّ (٢).

واستدل في موضع آخر بعدّة نصوص رووها في فضائل أبي بكر وعمر (٣).

ثمّ إنّ التفتازاني ـ ككثير من متكلّمي ومحدّثي أهل سنّّة الجماعة ـ عقد بحثاً آخر مستقلاًّ في ذيل الإمامة ، وهو البحث عن الأفضلية في هذه الأُمّة لمَن؟! وترتيبها وأدلّتها ..

قال : المبحث السادس : الأفضلية عندنا بترتيب الخلافة ، مع تردّد فيما بين عثمان وعليّ (رضي الله عنه) ، وعند الشيعة وجمهور المعتزلة الأفضل عليّ. لنا أجمالاً (٤).

____________

(١) سورة الفتح ٤٨ : ١٦.

(٢) شرح المقاصد ٥ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

(٣) فلاحظ : شرح المقاصد ٥ / ٢٩٢ ـ ٢٩٤.

(٤) شرح المقاصد ٥ / ٢٩٠.

١٣١

وكذلك لاحظ الأيجي في المواقف ، والشريف الجرجاني في شرحها في المرصد الرابع ، فإنّهما مع نفيهما للنصّ قالا في جواب النصوص على إمامة عليّ عليه السلام : «هذه النصوص معارضة بالنصوص الدالّة على إمامة أبي بكر ، وهي من وجوه : الأوّل : قوله تعالى : ...» ، ثمّ استدلّ بعدّة آيات قرآنية ونصوص روائية (١).

كما أنّه في المقصد الخامس من المرصد الرابع عقد البحث في الأفضلية.

هذا ، والإمعان في كلماتهم في عدالة الصحابة وفضائلهم ، وبالخصوص أصحاب السقيفة ، وبالأخصّ الشيخين ، يدلّ بوضوح على أنّهم يستدلّون بها بنحوٍ يوازي الاستدلال بالعصمة وامتناع ارتكاب الباطل ، إلاّ أنّهم يغلّفوها بعبارات وعناوين عائمة غائمة تغطية للمعنى المستدلّ به بألفاظ أُخرى كي تتم المغالطة وتنطوي ، وهذا النمط من الاستدلال من أوسع أنواع صناعة المغالطة مضافاً إلى اضطراب حدود المعاني بتوسّط هذا النمط من الاستدلال ، كما أنّهم إذا ضاق بهم الخناق في الاستدلال والجواب عن دلائل إمامة عليّ عليه السلام تراهم يتأمّلون في كون عصمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مطلقة ..

لاحظ مثلاً : ما ذكر الأيجي في المواقف عن الاستدلال بـ : «فاطمة بضعة منّي» (٢). وهذه هي عاقبة الأمر ، وقد رووا : إنّ عمر محدَّث هذه الأُمّة!! و : لو كان نبيّاً بعدي لكان عمر!!!

____________

(١) شرح المواقف ٨ / ٣٦٣.

(٢) المواقف ٣ / ٦٠٧ ـ ٦١٠.

١٣٢

الثانية عشرة :

هناك طوائف عديدة من الروايات بألفاظ مختلفة تنهى عن الذوبان في المخالفين والتسيّب في مخالطتهم ، وتأمر بالتحفّظ في كيفية التعايش معهم ، وهذه الطوائف متوافقة مع الطوائف الأُخرى الآمرة بالمداراة لهم والتعامل معهم بالحسن والتجمّل ؛ لأنّ الأُولى تحدّد هذا التعامل بكونه سطحيّاً لا في العمق ، والثانية إنّما تحثّ على حسن التعامل على صعيد السطح ..

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام ، أنّه أتاه قوم من أهل خراسان من ما وراء النهر فقال لهم : «تصافحون أهل بلادكم وتناكحونهم ، أما إنّهم إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام وإذا ناكحتموهم انتهك الحجاب فيما بينكم وبين الله عزّ وجلّ» (١).

وفي موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كانت تحته امرأة من ثقيف وله منها ابن يقال له : إبراهيم ، فدخلت عليها مولاة لثقيف فقالت لها : من زوجك هذا؟ قالت : محمّد بن علي. قالت : فإنّ لذلك أصحاباً بالكوفة قوم يشتمون السلف ويقولون. قال : فخلّى سبيلها ، فرأيته بعد ذلك قد استبان عليه وتضعضع من جسمه شيء .. الحديث (٢).

وفي صحيح عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام ـ في حديث ـ : «ولا يتزوج المستضعف المؤمنة» (٣).

____________

(١) الكافي ٥ / ٣٥٢ ح ١٧.

(٢) الكافي ٥ / ٣٥١ ح ١٣.

(٣) الكافي ٥ / ٣٥١ ح ٨.

١٣٣

وفي مـوثّق زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : تزوّجوا في الشُكّاك ولا تزوّجوهم ؛ فإنّ المرأة تأخذ أدب زوجها ويقهرها على دينه» (١) ؛ ورواها الصدوق بطريق صحيح (٢).

وهذه الروايات في مورد النكاح وإن اختلفت أقوال الفقهاء في المنع أو الكراهة أو التفصيل ، إلاّ أنّ مفادها إجمالاً يسوس باتّجاه التحفّظ عن الذوبان فيهم ، وإبقاء عازل في ضمن نظام التعايش معهم.

... للبحـث صلة

____________

(١) الكافي ٥ / ٣٥١ ح ٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٠٨ ح ٤٤٢٦.

١٣٤

المتبقّي من شعر

العلامة البلاغي

الشيخ محمّد الحسّون

بسـم الله الرحمن الرحـيم

تمهيـد :

العلاّمة الشيخ محمّد جواد البلاغي النجفي (١٢٨٢ ـ ١٣٥٢ هـ) : من مشاهير علماء الإمامية ، مجاهد كبير ، ومؤلّف مكثر خبير ، خلّف العديد من المصنّفات والآثار العلمية ، في العقائد والفقه والإلهيات والتفسير ، وكذلك في ردّ الشبهات الإلحادية والانحرافية والبدعية ؛ إذ صنّف في الردّ على الطبيعيّين والمادّيّين ، وعلى اليهود والنصارى ، وعلى عدّة من فرق الضلال والزيغ (١) ..

____________

(١) للاطّلاع على قدر أكبر من سيرة وحياة العلاّمة البلاغي الجليل ، يمكن مراجعة ترجمته في المصادر التالية :

أعيان الشيعة ٤ / ٢٥٥ ، ريحانة الأدب ١ / ٢٧٨ ، شعراء الغري ٣ / ٤٣٦ ، الطليعة من شعراء الشيعة ١ / ١٩٥ ، الكنى والألقاب ١ / ٩٤ ، ماضي النجف وحاضرها ٢ / ٦١ ، معارف الرجال ١ / ١٩٦ ، نقباء البشر في القرن الرابع عشر (طبقات أعلام الشيعة) ١ / ٣٢٥ ، وسيلة المعاد في مناقب شيخنا الأُستاد.

١٣٥

وكان قدس سره ـ مع عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين ـ أديباً كبيراً مُقدّماً ، وشاعراً مُبدعاً ، فَخِم العبارة ، من فحول الشعراء ، له نظم رائق سلس متين ، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانية والمشاعر الإنسانية والتأمّلات الروحية. وقد أكّد معاصروه ورفاقه وتلامذته شاعريّته :

قال السيّد محسن الأمين (ت ١٣٧١ هـ) : «له شعر كثير جـيّد ، وهو في مواضيع مختلفة» (١).

وقال المؤرّخ الشيخ جعفر آل محبوبة (ت ١٣٧٧ هـ) : «وهو ـ مع تبحّره في العلوم الروحية ـ ذو سهم وافر من النظم ، فهو شاعر محسن مجيد» (٢).

وقال الأُستاذ توفيق الفكيكي (ت ١٣٨٧ هـ) : «كان ـ رضوان الله عليه ـ من فحول الشعراء وإن اشتهر بمؤلّفاته العلمية والفلسفية ، غير أنّ الفضلاء من كبار الأُدباء والشعراء يقرّون له بمكانته الأدبية وشاعريّته المطبوعة ، فهو شاعر محسن مجيد.

ولم يكن رحمه الله بالشاعر الفصال (٣) ، ولم يكن من الفقهاء المتزمّتين الّذين يتنكّرون للشعر ونظمه ويرونه مزرية بالعلماء ، بل كان كثير الاحترام للشعراء المناضلين في سبيل الفضيلة الأخلاقية ونصرة المُثل الإسلامية المثلى ، ووسيلة إذاعة فضائل أئمّة أهل البيت عليهم السلام والإشادة بمحاسنهم.

بيد أنّه بالرغم من سلاسة شعره ، وإشراق ديباجته ، ورصانة تركيبه ،

____________

(١) أعيان الشيعة ٤ / ٢٥٦.

(٢) ماضي النجف وحاضرها ٢ / ٦٢.

(٣) الشاعر الفصال : الذي يتكسّب بشعره.

١٣٦

وفصاحة ألفاظه ، ولطافة معانيه ، وحلاوة أُسلوبه ، فإنّه لا يزاحَم من حيث القوّة الشاعرية المبدعة التي امتازت بها الطبقة الأُولى من فحول شعراء عصره ، كالسيّد إبراهيم الطباطبائي ، والسيّد موسى الطالقاني ، والسيّد المجاهد الكبير والشاعر الشهير السيّد محمّد سعيد الحبوبي ، والشاعر الرقيق السيّد جعفر الحلّي ، وشاعر الرثاء والحماسة المخترع السيّد حيدر الحلّي» (١).

وقال العلاّمة آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩ هـ) : «وكان ـ بالإضافة إلى عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين ـ أديباً كبيراً ، وشاعراً مبدعاً ، له نظم رائق سلس متين ، أكثره في مدح أهل البيت عليهم السلام ورثائهم» (٢).

وقال الأُستاذ علي الخاقاني : «كان شاعراً مجيداً ..

وحكى عن الشيخ علي كاشف الغطاء (ت ١٣٥٠ هـ) في الحصون المنيعة قوله في البلاغي : أديب شاعر ، وله شعر حسن الانسجام (٣) ..

وحكى عن الشيخ جعفر النقدي (ت ١٣٧٠ هـ) في الروض النضير قوله فيه : وله في الأدب اليد غير القصيرة ، وشعره جيّد حسن (٤)» (٥).

وقال شيخنا آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي (ت ١٤١١ هـ) : «سمحت قريحته الوقّادة بعدّة منظومات فائقة وقصائد رائقة مذكورة في المجاميع» (٦).

____________

(١) مقدّمة الهدى إلى دين المصطفى ١ / ١٦ ـ ١٧.

(٢) نقباء البشر في القرن الرابع عشر (طبقات أعلام الشيعة) ١ / ٣٢٥.

(٣) الحصون المنيعة ٩ / ١٨٦.

(٤) الروض النضير : ٣٠٤.

(٥) شعراء الغري ٢ / ٤٤٢.

(٦) وسيلة المعاد في مناقب شيخنا الأُستاد ؛ طبعة قديمة ، وصفحاتها غير مرقمّة.

١٣٧

ويصف الشاعر صالح الجعفري (ت ١٣٩٧ هـ) قصائد العلاّمة البلاغي بـ : «الأوابد» (١) بقوله :

هذِي أوابِدُكَ الـغَرَّاءُ خـالِدَة

ما طاقُ كِسْرى وما الحَمْراءُ ما الهَرَمُ (٢)

وأثناء دراستنا لحياة العلاّمة البلاغي ومراجعتنا للكثير من المصادر المتوفّرة لدينا ، حاولنا ـ قدر الإمكان ـ الوقوف على أكبر عدد ممكن من قصائده ومقطوعاته الشعرية ، فلم نُوفّق إلاّ في العثور على أربع عشرة قصيدة من شعره ، الذي نظمه في مناسبات مختلفة ، ولعلّ السبب الرئيسي في ضياع شعره رحمه الله هو عدم عنايته بجمعه وإظهاره ؛ إذ كان متواضعاً إلى درجة كبيرة وصلت إلى حدّ نكران الذات.

والأبواب التي طرقها البلاغي في شعره متعدّدة ، فأكثره كان في مدح أهل البيت عليهم السلام ورثائهم ، وهو غرضٌ يسمو على أغلب الأغراض الشعرية المعروفة عند الشعراء ، وقد سجّل البلاغي تقدّماً ملموساً في هذا المضمار.

وباقي شعره في تهنئة خليل ، أو رثاء عالم جليل ، أو في حالة الحنين إلى الأخلاّء يحتّمه عليه واجب الوفاء ، أو في الدفاع عن رأي علمي ، أو شرح عقيدة أو فكرة فلسفية بطريقة المعارضة الشعرية ..

فله ثلاث قصائد في ذكر الإمام الحجّة المهدي ـ عجلّ الله تعالى فرجه الشريف ـ.

وقصيدتان في رثاء ومولد الإمام الحسين عليه السلام.

وقصيدة في ثامن شوّال ، اليوم الذي هُدمت فيه قبور أئمّة الهدى

____________

(١) الأوابـد : القصائد الخالدة. الصحاح ٢ / ٤٣٩ مادّة «أبد».

(٢) ديوان الجعفري : ٢٩١.

١٣٨

الأطهار عليهم السلام في البقيع من قبل الوهّابيّـين.

وقصيدة فلسفية جارى بها عينيّة ابن سينا.

وقصيدة في رثاء السيّد محمّد سعيد الحبّوبي.

وقصيدة قرّظ فيها كتاب العتب الجميل للسيّد محمّد بن عقيل.

وله قصائد إخوانية عديدة ، منها : رسالة أرسلها من سامراء إلى بعض إخوانه ..

ومنها : رسالة في تهنئة بمولود ..

ومنها : رسالة إلى السيّد محسن الأمين أرسلها إليه وهو في الشام ..

ومنها : رسالة جوابية لابن عمّه الشيخ توفيق في لبنان.

المحسّنات البديعيّة :

لا يمكن الحكم على شعر العلاّمة البلاغي كلّه من خلال هذه القصائد القليلة التي وقفنا عليها ، فلعلّ في ما غاب عنّا ما هو أفضل وأشعر وأرقّ وأعذب ممّا وصل إلينا.

وقد حاولنا في هذه الصفحات أن نستجلي المحسّنات البديعية في هذه القصائد ، مع العلم بأنّ العلاّمة رحمه الله لم يتكلّف الإتيان بها ، وإنّما جاءت عفواً ووُضعت في المكان المناسب من شعره ، وهي :

* الجناس : وهو أن يتشابه اللفظان في النطق ويختلفان في المعنى ، وهو نوعان :

التامّ : اتّفاق اللفظين في نوع الحروف ، وشكلها ، وعددها ، وترتيبها.

والناقص : ما اختلف فيه اللفظان في أحد الأُمور الأربعة المذكورة.

وقد استعمل العلاّمة البلاغي رحمه الله الجناس الناقص في عدّة مواضع :

١٣٩

١ ـ ق ١ ب ٢٣ (١) : بَقِيَتْ ، يابَقِيّةَ.

٢ ـ ق ٣ ب ٥ : تَوَجُّعٍ ، تَفَجُّعِ.

٣ ـ ق ٧ ب ٣٩ : فاقوا ، وِفاقا.

٤ ـ ق ٩ ب ١٣ : أمِيلُ ، أمِلّ.

٥ ـ ق ٩ ب ٢٩ : تُبَلْ ، أبَلّ.

٦ ـ ق ١١ ب ٦ : رُزِينا ، الرَزِينا.

٧ ـ ق ١٣ ب ١٦ : مُقَبَّلَهُ ، يُقَبِّلُهُ.

* الاقتباس : وهو أن يستعير الشاعر أو الناثر المثلَ أو الآية أو الحديث أو البيت أو الحكمة أو جزءاً منها ، ويضمّنه في شعره أو نثره ، وممّا وجدنا منه عند الشيخ البلاغي ما يلي :

١ ـ ق ٢ ب ٣١ : «لن يتفرّقا» ؛ من حديث الثقلين المعروف.

٢ ـ ق ٢ ب ٣٢ : «ما إن تمسّكتم» ؛ من الحديث السابق أيضاً.

٣ ـ ق ٢ ب ٥٢ : البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

٤ ـ ق ٢ ب ٥٦ : البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

٥ ـ ق ٢ ب ٦٣ : البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

٦ ـ ق ٢ ب ٦٦ : البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

٧ ـ ق ٢ ب ٦٨ : البيت كلّه من القصيدة المردود عليها.

٨ ـ ق ٢ ب ٧٢ ـ ٨٠ : ضمّن أسماء كتب كثيرة ذكر فيها المهدي ـ عجلّ الله تعالى فرجه الشريف ـ مثل : ينابيع المودّة ، يواقيت ، البيان ، الكفاية ، فصل الخطاب ، روضة الأحباب ، مطالب السؤول ، الفصول ،

____________

(١) إشارة لرقم القصيدة والبيت ، حسب ترقيمنا للقصائد والأبيات في هذا المقال.

١٤٠