تراثنا العدد [ 68 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا العدد [ 68 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٢٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

مجلّة تراثنا العدد 68

١
 &

تراثنا

العدد الرابع [٦٨]

السنة السابعة عشرة

محتويات العدد

* تشييد المراجعات وتفنيد المكابَرات (٢١) .

......................................  السيّد علي الحسيني الميلاني ٧

* عدالة الصحابة (٨) .

........................................  الشيخ محمّد السند ٤٨

* اللالئ الخوارزمية .

.........................................  فارس حسّون كريم ٧٤

* دليل المخطوطات (١١) ـ مكتبة المرتضوي .

...................................  السيّد أحمد الحسيني ١٠٢

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (١١) .

.......................................  السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ١٥١

ISSN ١٠١٦ – ٤٠٣٠

٢
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part068imagesimage002.gif

شوّال ـ ذو القعدة ـ ذو الحجّة

١٤٢٢ هـ



* مصطلحات نحوية (٢٠) .

.....................................  السيّد علي حسن مطر ١٨٢

* من ذخائر التراث :

* مقتل الإمام الحسين عليه السلام من كتاب « تاريخ الخلفاء » ، لمؤلّف مجهول ، القرن ( الثالث ـ الخامس ) الهجري .

......................................  تحقيق : الشيخ رسول جعفريان ٢٠١

* من أنباء التراث .

...........................................  هيئة التحرير ٢٥١

*      *     *

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة كتاب « تاريخ الخلفاء ـ القسم الخاصّ بمقتل الإمام الحسين عليه السلام » ، لمؤلّف مجهول ، المنشور في هذا العدد ، ص ٢٠١ ـ ٢٥٠ .

٣
 &

مجلّة تراثنا العدد 68

٤
 &

مجلّة تراثنا العدد 68

٥
 &

مجلّة تراثنا العدد 68

٦
 &

تشييد المراجَعات وتفنيد المكابَرات (٢١)

السيّد عليّ الحسيني الميلاني

أقول :

إنّ المؤاخاة كانت مرّتين ، مرّةً بمكّة بين المهاجرين ، ومرّةً بالمدينة بين المهاجرين والأنصار .

وهذا ما نصّ عليه الحفّاظ الكبار المعتمدين من أهل السُنّة ، كابن عبد البرّ ، ونقله عنه ابن حجر وأقرّه ، كما سيأتي .

وقد نقل السيّد خبر المؤاخاة الأُولىٰ واتّخاذ النبيّ عليّاً أخاً له عن المتّقي الهندي في كنز العمّال ، عن أحمد في كتاب مناقب عليّ (١) . .

وعنه ، عن ابن عساكر في تاريخ دمشق ، والبغوي والطبراني في معجميهما ، والباوردي في كتاب المعرفة ، وٱبن عدي ، وغيرهم .

ونقل خبر المؤاخاة الثانية وٱتّخاذه أخاً له كذلك عن المتّقي الهندي في كنز العمّال ومنتخب كنز العمّال ، عن الطبراني في المعجم الكبير (٢) . .

__________________

(١) انظر : كنز العمّال ١٣ / ١٠٥ رقم ٣٦٣٤٥ من الطبعة الحديثة .

(٢) وقد ذكرنا نحن هذا الحديث بسنده ولفظه ، وأثبتنا صحّته سابقاً ؛ فراجع . وهو في كنز العمّال ١١ / ٦١٠ برقم ٣٢٩٥٥ من الطبعة الحديثة .

٧
 &

ولا يخفىٰ أنّ هؤلاء من أئمّة الحديث ومن كبار الحفّاظ .

هذا ، ولم نجد أحداً من علماء السُنّة ينكر المؤاخاة رأساً ، أو خصوص المؤاخاة بين النبيّ الأكرم والإمام عليهما السلام . . . وإنّما وجدنا ابن تيميّة يقول :

« أمّا حديث المؤاخاة فباطل موضوع ، فإنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يؤاخ أحداً » (١) .

« إنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يؤاخ عليّاً ولا غيره ، بل كلّ ما روي في هذا فهو كذب » (٢) .

« إنّ أحاديث المؤاخاة لعليّ كلّها موضوعة » (٣) .

وممّا يشهد بتفرّد ابن تيميّة بهذا الرأي ، وشذوذه عن جمهور الحفّاظ ، نسبة العلماء الكبار كابن حجر وغيره الخلاف إليه وحده ، وردّهم عليه ، كما سيأتي .

فقول القائل : « فقد اختلف العلماء في صحّة المؤاخاة الأُولىٰ ، قال ابن تيميّة » فيه :

أوّلاً : لا اختلاف بين العلماء ، لا في المؤاخاة الأُولىٰ ، ولا في المؤاخاة الثانية .

وثانياً : لا اختلاف بينهم في مؤاخاة النبيّ صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم بينه وبين الأمير عليه السلام في كلتا المرّتين .

وثالثاً : إنّ المنكِر ليس إلّا ابن تيميّة .

__________________

(١) منهاج السُنّة ٤ / ٣٢ .

(٢) منهاج السُنّة ٧ / ١١٧ .

(٣) منهاج السُنّة ٧ / ٣٦١

٨
 &

ورابعاً : إنّ ابن تيميّة يدّعي أنّ جميع الأحاديث في هذا الباب كذب موضوع ، وهذا المتقوّل المعاصر يحصر روايتها بابن إسحاق ، ويدّعي اختلاف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به ، فبين كلامي التابع والمتبوع اختلاف من جهتين ! !

وأمّا قول المتقوّل : « لم تثبت في كتابٍ من كتب السُنّة الصحيحة ، ولم تخرج حديثاً واحداً منها ، وإنّما جاء ذلك في كتب السير والمغازي ، من طريق محمّد بن إسحاق بن يسار ، وقد اختلف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به . . . » ففيه :

أوّلاً : وجود خبر المؤاخاة بين الرسول الأعظم والإمام عليه السلام في كتب السير والمغازي يكفي للاحتجاج . .

علىٰ أنّ أحداً لا يقول ـ وليس له أنْ يقول ـ بانحصار الأحاديث الصحيحة بكتب السُنّة ، حتّىٰ الكتابين المشهورين بالصحيحين منها ، فقد ثبت في محلّه أنّ في غير الكتب المشهورة بالصحاح أحاديث صحيحة كثيرة ، وأنّه ليس كلّ ما في ما يسمّىٰ بالصحاح بصحيح .

وثانياً : إنّ الأحاديث في هذه المؤاخاة كثيرة عندهم بشهادة العلماء الثقات بينهم ؛ قال الزرقاني المالكي : « وجاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة النبيّ لعليّ ؛ وقد روىٰ الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن عمر ، أنّه صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم قال لعليّ : أما ترضىٰ أنْ أكون أخاك ؟!

قال : بلىٰ .

قال : أنت أخي في الدنيا والآخرة » (١) .

__________________

(١) شرح المواهب اللدنّية ١ / ٢٧٣ .

٩
 &

قلت :

وهذا لفظ الحديث عندهما :

« آخىٰ رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم بين أصحابه ، فجاء عليّ تدمع عيناه فقال : يا رسول الله ! آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد .

فقال له رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم : أنت أخي في الدنيا والآخرة » (١) .

وأخرجه الحاكم مرّةً أُخرى بعده بزيادة : « آخىٰ بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان بن عفّان وعبد الرحمٰن بن عوف » .

وهو موجود في غيرهما من كتب الحديث .

إذن ، فالحديث موجود في كتب السُنّة ، وبسندٍ معتبر ، وهو أكثر من حديثٍ واحد ، فمن الكاذب ؟!

وثالثاً : قد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : « قال ابن عبد البرّ : كانت المؤاخاة مرّتين ، مرّةً بين المهاجرين خاصّة وذلك بمكّة ، ومرّةً بين المهاجرين والأنصار » ثمّ ذكر أخبار المؤاخاة عن جماعةٍ من الأئمّة ، إلىٰ أنْ قال :

« وأنكر ابن تيميّة في كتاب الردّ علىٰ ابن المطهّر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبيّ لعليّ ؛ قال : لأنّ المؤاخاة شرّعت لإرفاق بعضهم بعضاً ، ولتأليف قلوب بعضهم علىٰ بعض ، فلا معنىً

__________________

(١) صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٥ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٤ .

١٠
 &

لمؤاخاة النبيّ لأحدٍ منهم ، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري .

وهذا ردٌّ للنصّ بالقياس . . . » (١) .

وتبعه غيره في ذلك وفي الردّ علىٰ ابن تيميّة ، كالزرقاني المالكي (٢) .

فظهر : إنّ أصل المؤاخاة ثابت ، وإنّها كانت مرّتين ، وإنّ النبيّ صلّىٰ الله عليه وآله وسلّم اتّخذ في كلّ مرّةٍ عليّاً فقط أخاً له ، وإنّ إنكار ابن تيميّة مردود حتّىٰ من قبل علمائهم ، وإنّه لا منكِر للقضية غيره وإلّا لذكروه .

هذا ، ويؤيّد ذلك الأحاديث الكثيرة الوارد فيها أُخوّة أمير المؤمنين لرسول الله عليهما السلام ، وبعضها بسندٍ صحيح قطعاً ، خاصّة ما أخرجه الحاكم وصحّحه ، ووافقه الذهبي علىٰ ذلك ، كقوله صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم لأُمّ أيمن : « يا أُمّ أيمن ! ادعي لي أخي .

فقالت : هو أخوك وتنكحه ؟!

قال : نعم يا أُمّ أيمن » (٣) . .

وقوله صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم لعليّ : « وأمّا أنت ـ يا عليّ ! ـ فأخي وأبو ولدي ومنّي وإليَّ » (٤) .

ومن الأحاديث الصحيحة في المشابهة بين عليّ وهارون عليهما السلام حديث تسمية أولاده عليهم السلام باسم أولاد هارون . .

أخرجه الحاكم ـ وصحّحه ـ بإسناده عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ بن أبي طالب . . ووافقه الذهبي في تلخيصه ؛

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٢١٧ .

(٢) شرح المواهب اللدنّية ١ / ٢٧٣ .

(٣) المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ١٥٩ .

(٤) المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ٢١٧ .

١١
 &

إذ قال : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه (١) .

وأخرجه الحاكم ثانيةً بسنده عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ بن هانئ ، عن عليّ . . . قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . . ووافقه الذهبي وقال ـ مشيراً إلىٰ الحديث السابق ـ : « مرّ عن حديث إسرائيل » (٢) .

هذا ، ولا حاجة إلىٰ تصحيح غير ما ذكر من الأحاديث ؛ لكفاية هذه لمن أراد الحقّ والهداية ، ولو كان ثمّة ضعف في ما لم نذكره ، فهو يقوىٰ بما تقدّم ، وتلك هي قاعدتهم العامّة في الأبواب المختلفة .

وبما ذكرنا يظهر ما في بعض الكلمات من المكابرات .

هذا تمام الكلام في سند حديث المؤاخاة ولفظه .

وأمّا دلالته على أفضلية عليّ عليه السلام من غيره ، فلا يكابر فيها عاقلٌ ؛ ولذا تذكر هذه القضية في أبواب مناقب أمير المؤمنين في كتب الحديث ، مثل كنز العمّال وغيره ، ولولا ذلك لَما بذل ابن تيميّة جهده في ردّ أصل المؤاخاة وتكذيب خبرها ! !

حديث سدّ الأبواب (٣) :

وهذا الحديث أيضاً من أشهر الأحاديث الثابتة الدالّة علىٰ أفضلية أمير

__________________

(١) المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ١٦٥ .

(٢) المستدرك علىٰ الصحيحين وتلخيصه ٣ / ١٦٨ .

(٣) هذا البحث ملخّص ممّا كتبناه في سالف الزمان في شأن هذا الحديث ، ضمن رسالتنا : « الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة » المنشورة في مجلّة تراثنا ، العدد (٢٧) لسنة ١٤١٢ هـ ، ثمّ طبعت مع رسائل أُخر في كتابٍ بعنوان : الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعة في كتب السُنّة ، صدر في قم سنة ١٤١٨ هـ .

١٢
 &

المؤمنين عليه السلام وإمامته وخلافته العامّة . .

ذكر جماعة من مخرّجيه :

أخرجه من أئمّة أهل السُنّة وأصحاب الصحاح عندهم وكبار حفّاظهم :

١ ـ أحمد بن حنبل في مسنده (١) .

٢ ـ الترمذي في صحيحه (٢) .

٣ ـ النسائي في الخصائص (٣) .

٤ ـ الحاكم في المستدرك (٤) .

وقد أخرجه السيّد عنهم وعن جمع من الأئمّة غيرهم .

صحّة كثير من طرقه :

ثمّ إنّ كثيراً من طرق حديث « سدّ الأبواب إلّا باب عليّ » صحيح . .

فمنها : حديث المناقب العشر ، الصحيح قطعاً .

ومنها : ما أخرجه الحاكم وصحّحه .

ومنها : ما أخرجه الهيثمي ضمن عنوان : « باب فتح بابه الذي في المسجد » و : « باب ما يحلّ له في المسجد » و : « باب جامع في مناقبه رضي الله عنه » (٥) ؛ فقد صحّح عدّةً من أحاديث القضية .

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ١٧٥ وص ٣٣٠ ، ٢ / ٢٦ ، و ٤ / ٣٦٩ .

(٢) صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٩ باب مناقبه عليه السلام .

(٣) خصائص أمير المؤمنين : ١٣ .

(٤) المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٢٥ .

(٥) مجمع الزوائد ٩ / ١١٤ ـ ١٢٠ .

١٣
 &

هذا ، وستأتي نصوص غير واحدٍ من الحفّاظ المحقّقين منهم في صحّة خبر أنّ رسول الله صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم سدّ بأمر من الله الأبواب الشارعة إلىٰ مسجده ، وأبقىٰ باب عليّ مفتوحاً بأمر من الله كذلك ، بل صرّح صلّیٰ الله عليه وآله وسلّم في جواب من اعترض : « ما أنا سددت أبوابكم ولكن الله سدّها » ، وقال : « والله ما أدخلته وأخرجتكم ولكنّ الله أدخله وأخرجكم » ، قال الهيثمي : « رواه البزّار ، ورجاله ثقات » .

وممّا يدل علىٰ ثبوت القضية ودلالتها علىٰ الأفضلية : تمنّي غير واحدٍ من الأصحاب ذلك :

* كقول عمر بن الخطّاب : « لقد أُعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأنْ يكون لي خصلة منها أحبّ إليّ من أنْ أُعطىٰ حمر النعم .

قيل : وما هي يا أمير المؤمنين ؟!

قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وسكناه المسجد مع رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم لا يحلّ فيه ما يحلّ له ، والراية يوم خيبر .

( قال الهيثمي : ) رواه أبو يعلىٰ في الكبير ، وفيه : عبد الله بن جعفر ابن نجيح ، وهو متروك » .

قلت :

كيف يكون متروكاً وهو من رجال الترمذي وٱبن ماجة ، وهما من الصحاح الستّة عندهم ؟!

* وكقول عبد الله بن عمر : « ولقد أُوتي ابن أبي طالب ثلاث خصالٍ لأنْ يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم : زوّجه رسول الله صلّىٰ

١٤
 &

الله عليه [ وآله ] وسلّم ابنته وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر » .

( قال الهيثمي : ) رواه أحمد وأبو يعلىٰ ، ورجالهما رجال الصحيح » .

بطلان القول بوضعه :

ومن هنا يظهر أنّ القول بكونه حديثاً موضوعاً من قبل الشيعة كذبٌ وبهتان :

قال ابن الجوزي ـ بعد أنْ رواه ببعض طرقه ـ : « فهذه الأحاديث كلّها من وضع الرافضة ، قابلوا بها الحديث المتّفق علىٰ صحّته في : سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر » (١) .

وقال ابن تيميّة : « هذا ممّا وضعته الشيعة علىٰ طريق المقابلة » (٢) .

وقال ابن كثير الشامي : « ومن روىٰ : إلّا باب عليّ ـ كما في بعض السُنن ـ فهو خطأ ، والصواب ما ثبت في الصحيح » (٣) .

فابن كثير يقول : « هو خطأ » .

لكنّ ابن الجوزي وابن تيميّة يقولان : « موضوع » ، ويضيفان : أنّ الشيعة وضعوه علىٰ « طريق المقابلة » لحديث : « سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر » ؛ لكنّ الحديث في أبي بكر ليس : « باب أبي بكر » ، وإنّما : « خوخة أبي بكر » . .

وإذا درسنا حديث : « خوخة أبي بكر » في كتابي البخاري ومسلم

__________________

(١) كتاب الموضوعات ١ / ٣٦٦ .

(٢) منهاج السُنّة ٣ / ٩ الطبعة القديمة .

(٣) تفسير ابن كثير ١ / ٥٠١ .

١٥
 &

ـ وهما أصحّ الكتب عندهم ـ عرفنا أنّ هذا هو الموضوع علىٰ « طريق المقابلة » لحديث : « سدّوا الأبواب إلّا باب عليّ » المنصوص علىٰ صحّته من قبل الجمع الكثير من أئمّتهم . .

حديث الخوخة في كتابي البخاري ومسلم :

أخرجه البخاري في أكثر من باب :

ففي « باب الخوخة والممرّ في المسجد » ؛ قال : « حدّثنا عبد الله بن محمّد الجعفي ، قال : حدّثنا وهب بن جرير ، قال : حدّثنا أبي ، قال : سمعت يعلىٰ بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : خرج رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقةٍ فقعد علىٰ المنبر ، فحمد الله وأثنىٰ عليه ثمّ قال : إنّه ليس من الناس أحد أمنّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ؛ ولو كنت متّخذاً من الناس خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن خلّة الإسلام أفضل ؛ سدّوا عنّي كلّ خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر » .

وفي « باب هجرة النبيّ وأصحابه إلىٰ المدينة » ؛ قال : « حدّثنا إسماعيل ابن عبد الله ، قال : حدّثني مالك ، عن أبي النضر مولىٰ عمر بن عبيد الله ، عن عبيد ـ يعني ابن حنين ـ ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنّ رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم جلس علىٰ المنبر فقال : إنّ عبداً خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده ، فاختار ما عنده . .

فبكىٰ أبو بكر ، وقال : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا . فعجبنا له ، وقال الناس : انظروا إلىٰ هذا الشيخ ، يخبر رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم

١٦
 &

عن عبدٍ خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا . فكان رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم هو المخيَّر وكان أبو بكر هو أعلمنا به .

وقال رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم : إنّ من أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متّخذاً خليلاً من أُمّتي لاتّخذت أبا بكر إلّا خُلّة الإسلام ، لا يبقينّ في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر » .

وأخرجه مسلم في « باب فضائل الصحابة » ؛ فقال : « حدّثني عبد الله ابن جعفر بن يحيىٰ بن خالد ، حدّثنا معن ، حدّثنا مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد : أنّ رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم جلس علىٰ المنبر فقال : عبد خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده . .

فبكىٰ أبو بكر ، وبكىٰ فقال : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا .

قال : فكان رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم هو المخيَّر وكان أبو بكر أعلمنا به .

وقال رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم : إنّ أمنّ الناس عليَّ في ماله وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أُخوّة الإسلام ؛ لا يبقيّن في المسجد خوخة إلّا خوخة أبي بكر .

حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا فليح بن سليمان ، عن سالم أبي النضر ، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خطب رسول الله صلّىٰ الله عليه [ وآله ] وسلّم الناس يوماً بمثل حديث مالك » .

١٧
 &

نظرات في سند حديث الخوخة في الصحيحين :

لقد أخرج البخاري حديث الخوخة عن ابن عبّاس ، وهذه نظرات في سنده علىٰ أساس كلمات أئمّة الجرح والتعديل المعتمدين عند القوم :

* أوّلاً : في « وهب بن وهب » كلامٌ (١) . .

وفي « جرير بن حازم » قال البخاري نفسه : « ربّما يهم » . .

وقال ابن معين : « هو عن قتادة ضعيف » . .

وأورده الذهبي في الضعفاء وقال : « تغيّر قبل موته فحجبه ابن وهب » (٢) .

* وثانياً : إنّ راويه عن ابن عبّاس هو : مولاه « عكرمة البربري » ؛ وقد كان يكذب علىٰ ابن عبّاس بشهادة ولده . . وتكلّم الناس فيه حتّىٰ مسلم ابن الحجّاج . . وكذّبه صريحاً : مالك بن أنس ، وٱبن سيرين ، ويحيىٰ بن معين ، وجماعة سواهم . . وتكلّموا أيضاً فيه لأنّه كان يرىٰ رأي الخوارج .

فالحديث عن ابن عبّاس ، وعكرمة كان يكذب عليه . .

والناس تكلّموا فيه من جهة انحرافه في العقيدة عن أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فلا يعتمد عليه في مثل هذه الأُمور . .

وأيضاً : شهدوا بأنّه كان كذّاباً .

وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في بحوثنا (٣) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١ / ١٤٢ .

(٢) المغني في الضعفاء ٢ / ١٨٢ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٢٤٨ .

(٣) انظر : التحقيق في نفي التحريف : ٢٤٨ ـ ٢٥٣ عن : تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٦٤ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣ ، الطبقات ـ لابن سعد ـ ٥ / ٢٨٧ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٩٣ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٨٤ ، الضعفاء الكبير ٣ / ٣٧٣ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٩ .

١٨
 &

وأخرج البخاري حديث الخوخة عن أبي سعيد الخدري ، وفيه : « إسماعيل بن أبي أُويس » ـ وهو ابن اخت مالك بن أنس ـ :

قال النسائي : « ضعيف » .

وقال يحيىٰ بن معين : « هو وأبوه يسرقان الحديث » .

وقال الدولابي : « سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول : كذّاب » .

وقال الذهبي ـ بعد نقل ما تقدّم ـ : « ساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث ثمّ قال : روىٰ عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد » .

وقال إبراهيم بن الجنيد ، عن يحيىٰ : « مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء » .

وقال ابن حزم في المحلّىٰ : « قال أبو الفتح الأزدي : حدّثني سيف بن محمّد أنّ ابن أبي أُويس كان يصنع الحديث » .

وقال العيني : « أقرّ علىٰ نفسه بالوضع كما حكاه النسائي » (١) .

وأمّا مسلم بن الحجّاج فلم يخرج حديث الخوخة عن ابن عبّاس ؛ لعدم وثاقة عكرمة عنده ! وإنّما أخرجه عن أبي سعيد الخدري بطريقين .

* في أحدهما : « فليح بن سليمان » :

قال النسائي : « ليس بالقوي » .

وقال أبو حاتم ويحيىٰ بن معين : « ليس بالقوي » .

وقال يحيىٰ ، عن أبي كامل مظفّر بن مدرك : « ثلاثة يتّقىٰ حديثهم : محمّد بن طلحة بن مصرف ، وأيوب بن عتبة ، وفليح بن سليمان » .

وقال الرملي ، عن داود : « ليس بشيء » .

وقال ابن أبي شيبة : قال علي بن المديني : « كان فليح وأخوه

__________________

(١) الضعفاء والمتروكون ـ للنسائي ـ : ١٤ ، ميزان الاعتدال ١ / ٢٢٢ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣١٢ ، عمدة القاري في شرح البخاري : المقدّمة السابعة .

١٩
 &

عبد الحميد ضعيفين » .

وذكره العقيلي والدارقطني والذهبي في الضعفاء .

وذكره ابن حبّان في المجروحين (١) .

* وفي الطريق الآخر : « مالك بن أنس » :

قال المبرّد في مذهب الخوارج : « كان عدّة من الفقهاء يُنسبون إليه ، منهم : عكرمة مولىٰ ابن عبّاس ، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس » . .

قال : « ويروي الزبيريّون أنّ مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّاً وطلحة والزبير فيقول : والله ما اقتتلوا إلّا علىٰ الثريد الأعفر » (٢) .

وكان يقول : أفضل الأُمّة : أبو بكر وعمر وعثمان ، ثمّ يقف ويقول : هنا يتساوىٰ الناس (٣) ! !

ولم يخرج في كتابه شيئاً عن عليّ أمير المؤمنين (٤) ! !

ثمّ كان من المدلّسين (٥) . .

وكان يتغنّىٰ بالآلات (٦) . .

ثمّ إنّ جماعة من أعلام الأئمّة تكلّموا فيه وعابوه ، كابن أبي ذؤيب ، وعبد العزيز الماجشون ، وٱبن أبي حازم ، ومحمّد بن إسحاق ، وإبراهيم ابن سعد ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وٱبن أبي يحيىٰ ، وسفيان . .

__________________

(١) الضعفاء والمتروكون ـ للنسائي ـ : ١٣٩ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٥٤١ ، تهذيب التهذيب ٦ / ١١٦ .

(٢) الكامل ـ للمبرّد ـ ١ / ١٥٩ .

(٣) ترتيب المدارك ـ للقاضي عياض المالكي ـ : ترجمة مالك .

(٤) تنوير الحوالك ـ للسيوطي ـ ١ / ٧ ، شرح الموطأ ـ للزرقاني ـ ١ / ٩ .

(٥) الكفاية في علم الرواية ـ للخطيب البغدادي ـ : ٣٦٥ .

(٦) الأغاني ٢ / ٧٥ ، نهاية الإرب ٤ / ٢٢٩ .

٢٠